روايات

رواية شظايا الكلمات أثير وراكان الفصل الثالث عشر 13 بقلم جهاد وجية

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

رواية شظايا الكلمات أثير وراكان الفصل الثالث عشر 13 بقلم جهاد وجية

 

 

البارت الثالث عشر

 

 

بـ الليالي الحزينة ستبقى الدmـ.ـو.ع هي الأنيس الوحيد لـ تعوض دفء أحضانك الخادعة

لـ كلٍ مِنا شِقين أحدهم يُخلق به والآخر يكتسبه وهذا يُقاسُ عليه ولكن مع الاختلاف لم يجعله الله غريزة بِنا بل جعلنا نتجرعه مع كل صدmة وندبة مُحتمة شعوره أقرب للسقوط بلا اكتراث من أعلى قِمم الجبال العاتية فاقدًا للألــم، البكاء، الصُراخ وأيضاً للعِتاب… يسلبك قدرتك على التعايش مع كينونتك بـ جعلك أقرب لـ دmية تُحرك حسب ميولٍ مأساوية أو ربما انتحارية! ومن غيره!
الخذلان….

أولته ظهرها وكتمت صرختها المُتألــمة التي تحرق حلقها بعنف، قبضت على قلبها لتمنع تلك الوخزة التي أصابتها والتي فشلت بتنحيها وتحكمت بدmـ.ـو.عها وأردفت بثباتٍ أحرقه :
_نهايتنا كانت مكتوبه من البداية، أنتَ كدبت وأنا كنت المغفلة اللي صدقت وحبيتك، طلقني يا راكان وأطلع من حياتي …….

تصلبت قدmاه عن التزحزح أو محاولة منعها عن الذهاب وكذلك عجز لسانه عن ترتيب حروفه عنـ.ـد.ما انصتت أذناه لنهايات حديثها المؤلم!! هل تطلب الفُراق؟! ستغدو خارج حياته بين ليلة وضحاها؟! حتى عقله توقف سيل الأسئلة المتدفق به وخارت قواه لـ يقع طريح الأرض وعيناه مثبتة على أثر خطواتها حيث اختبأت بـ غرفتهم!! أين هي شخصيته وتحكمه بـ زمام الأمور؟! أين هو كـ راكــان؟!

جذبت حقيبة السفر ووضعت ملابسها التي لم تهنأ بها بعد بلا اكتراث وفوضوية عارمة متجاهلة كافة تساؤلات عقلها وأيضاً مبعدة الواجب والمفترض أن يكون، لم ينشأ عنها سوى الدmـ.ـو.ع والنحيب الصامت مع القليل من الشهقات الحارقة سامحة لـ بعضٍ من جموحها الغاضب بـ الخروج، حملت حقيبتها وكلها عزيمة على قطع سبيل الوِصال لقد اتخذت قرارها بـ لحظة متهورة وقُضي الأمر لن تُبرح عن الطـ.ـلا.ق مهما كلفها ذلك ومهما يُكَن لها من آلالامٍ قادmة

بعد مدة قد عاد له ثباته ورتب حديثه الهارب تزامُنًا مع خروجها من الغرفة متوجهة لـ باب الخروج، بعض الأمتار كانت فاصلة بينهم ولكنه بـ قرارة نفسه يعلم أنها أيامٍ وربما أشهر أو أعوام! لكنه لن يسمح لـ ذاته أن تسول له أن لا عودة لهم!! أزال دmـ.ـو.عه التي برهنت صِدق ضعفه وحبه وطالعها بـ قلبٍ مُنفطر وروحٍ تحترق بـ الجحيم من فرط نـ.ـد.مها على ما ارتكبته بحق مسكنها الوحيد، اقترب منها بـ خطواتٍ حذرة ممسكًا بـ كفيها ولم يتعجب من صمتها أو عدm محاولاتها ردعه كـ المرة السابقة وهمس بـ نـ.ـد.مٍ ورجاءٍ شـ.ـديد:
_ مش قادر حتى أقولك أسف ولا أحـ.ـضـ.ـنك واطمنك زي الأول، هسيبك تهدي وعارف إنك هتيجي وتسمعيني وتفهمي أسبابي اللي رفضتي ت عـ.ـر.فيها، أنتِ عارفه مفتاح شقتنا فين كويس دا بيتك قبل ما يكون بيتي وهسيبلك كل الحريه فيه مش هسمحلك تبعدي أكتر من كدا عني…

ابتسمت « أثـيـر» بـ مرارة وتمتمت متهكمة:
_ البيت اللي صاحبه خـ.ـا.ين وكـ.ـد.اب عمره ما هيبقى مأوى أو بيت يطمني…

سحبت يديها من بين كفيه بـ هدوء وحملت حقيبتها وخرجت تاركة الباب مفتوحًا لـ يتسرب البرد لأواصله بعدmا اعتاد الدِفء منذ وطأت قدmيها قلبه المسكين، رمقته بـ نظرة حُطم فؤاده لها لما يتبين ماهيتها أهي لوم! أم عتاب! أم هي نظرة وداعٍ أخيرة منها!…
********************
بـ وقتٍ لاحق بـ نهاية اليوم
استندت « هبه» بـ ضعف على كلٍ من «رحمه» و «ورده» أثناء خروجها من المستشفى بعدmا أصرت عليهم لـ خروجها وعدm رغبتها بـ البقاء، جلست بـ صعوبة بـ المقعد الخلفي و بـ جوارِها « ورده» حتى تعاونها على الجلوس، تنهدت « هبه» بـ ألــم بعدmا تحركت السيارة ورفعت رأسها لـ تصتدm نظراتها المتألــمة بـ عيناه الهادئتين باعثًا لها طمأنينة جارفة لـ تنسجم بـ قلبها المضطرب مما جعلها تبتسم بـ حب وتدير وجهها لـ «ورده» المتابعة لهم بـ نظراتٍ حادة وتهمس بـ مزاحٍ:
_ في إيه يا بشكير قالبه وشك ليه

لم تبتسم «ورده» لمزحتها وإنما أشاحت بـ وجهها عنها حتى لا تُعنفها الآن أمامه…

عقدة « هبه» حاجبيها بـ ضيق من تصرف صديقتها الغريب وأخرجت نفساً تخلل قلبها وشردت بتواري الشمس خلف السُحب الملبدة بـ الغبـ.ـار ولكنها رغم الظلمة التي تحجبها كل ليلة إلا أنها تعاود النهوض بـ قوة من جديد نافضة فكرة الانهيار بعكس حالها لا تملك الخيار للمحاولة فقط بـ كل مرة تنهار بها تتساقط أجزاء روحها حتى باتت فارغة من كل شيء….

بعد وقت طويل وصلوا للمنزل… سبقهم «ثائر» لـ فتح الباب ولكنه صُدm بتواجد «أثير» زوجة ابن عمه!! والأدهى أنها تبكي؟! كانت جالسة على بزاوية من الطابق العلوي لـ شقتهم، استطاع رؤيتها بـ صعوبة بسبب تكورها على نفسها وصوت بكائها وصل بـ وضوحٍ له مما جعله يسرع لها وهتف بـ قلق:
_ أثير؟!

رفعت « أثير» رأسها بـ تعب وإرهاق وعيناه تذرفان الدmع وكأنها خرجت للتو من جنازة عائلية بـ خصلاتها المشعتة ووجهها شـ.ـديد الاحمرار جعلوها بحالها يُرثى لها، ابتسمت بـ تهكم وتمتمت:
_ هو اللي باعتك صح؟!
جعد «ثائر» ملامحه وتمتم بـ تعجب:
_ هو مين وقاعدة كدا لي وبتبكي وفين راكــان أصلاً
فور نطقه لاسم راكــان انتابتها نوبة بكاءٍ جديدة وارتفعت شهقاتها وهمست بـ حرقة وشرود:
_ متجوز عليا… الشخص الوحيد اللي حبيته واستثنيته عن العالم كله هو أول حد و.جـ.ـعني… فكرت إنه مش زيهم مش هيجـ.ـر.حني على الأقل ولا هيسخر مني… فكرته هيكون ضلي وسندي ويطمني… فكرته بيحبني… اطمنت ليه وسلمته قلبي قولت ليه بلاش أنت بالذات بلاش عشان لو جت منك هتحطم… قولت… قولت ليه بلاش والله.. بس هو عمل كل حاجه قولت ليه عليها لا… حطمني!!!

أشفق عليها «ثائر» وغلت الدmاء بـ جسده لكذب صديقه على تلك البريئة التي كما قالت قد حطمها!! مما رآه بأم عينيه بأنها لن تسامحه!! فاق من تأمله الحزين لها على صوت ورده المتعجب:
_ بتعمل ايه عندك ومين دي يا ثائر

أبصرتها «هبه» بـ تشوش بسبب اشتداد الجـ.ـر.ح عليها ولكنها ما إن لبثت وعرفتها وهتفت بـ توضيح:
_ دي أثـيـر مرات راكــان صح؟
هز «ثائر» رأسه بـ تأكيد ومسح على خصلاته بـ غـــضــــب وتمتم بـ تـ.ـو.تر مشيرًا لـ «ورده»:
_ دخليها معاكوا هروح مشوار وهاجي علطول

أومأت كلتاهما بـ تفهم ودلفت « هبه» مستندة على شقيقتها بينما صعدت «ورده» الدرج لتأتي بـ «أثـيـر» الباكية بحالتها المذرية….
*****************
وصل «ثائر» بعد نصف ساعة للفندق المقيم به «راكــان» وجسده يغلي من الغـــضــــب ويتمنى لو أن ما تفوهت به «أثـيـر» ليس بـ حقيقي حتى لا يبرحه ضـ.ـر.بًا حتى تتحطم عِظام جسده بـ أكملها ولكن حالتها الفظيعة أوضحت!! بل وأكدت صدق أقولها! ولكن كيف ولم يستمع خبراً عن زواجٍ سابق له!! كيف لم تُعلمه زوجة عمه!! بل وصديقه المقرب!! كيف له أن يجعل عروسه!! فلم يمضي على زواجهم بضع أيام أو أسبوع!!
بـ حدة وغـــضــــب طرق على الباب حتى خرج لها «راكــان» بـ هيئته المماثلة لـ زوجته مما جعله يتأكد من صِحة حديثها ولم ينتظر دقيقة بل كور قبضته وأطاحها بوجه «راكــان» بـ لكمة قوية أصابت فكه مما تسبب بـ جـ.ـر.ح لثته ونزول بعض قطرات الدmاء… وعاد لكمه مجدداً أقوى حتى تلون وجه «راكــان» بأكمله ولم يُحرك عظمة واحدة من جسده لـ يدافع عن نفسه!! بينما «ثائر» دفعه بعيداً وأغلق الباب وهتف بـ حدة وقسوة:
_ احكيلي حصل إيه يخلي مراتك تبقى برا بيتك لواحدها وهي عروسه وتقعد على سلم تعيط زي اليتامى عملت إيه في بـ.ـنت الناس يا ابن البدري

تحرك « راكان» خلف «ثائر» كـ انسانٍ آلي غير واعيٍ لأي شيء وجلس بـ المقعد المقابل له وتمتم بـ شرود:
_ ميار كانت هنا واتكلمت مع أثـيـر…

عقد « ثائر» حاجبيه ورمقه بـ نظرة غاضبة وهتف:
_ مين زفته دي كمان ولا البيه مدورها

ابتسم « راكــان» بـ سخرية من حاله المتعثر وشرد بـ زكرياتٍ مضت عليها أعوامٍ عديدة وأردف بـ نـ.ـد.م:
_ تقدر تقول كانت القلم اللي فوقني وهي نفسها كانت نهاية حقارتي وضياعي… دي بـ.ـنت اتعرفت عليها من عشر سنين في الفترة اللي كنت ضايع فيها بعد مـ.ـو.ت والدي كان عندي 20سنه كنت كل ليلة في سهره مع شله شكل وبنات شكل بس عمري ما وصلت إني أزني.. تقدر تقول كان جوايا خير لسه بس في الليلة دي كنت متخانق مع ماما.. مرات عمك وفضلت برا للصبح زي كل ليله وقومت لقيت البـ.ـنت دي جنبي… معرفتهاش ولا هي كانت تعرفني بس حظنا جه كدا.. كانت أكبر مني بخمس سنين… مرات عمك عرفت ازاي معرفش بس أكيد من البـ.ـنت وصممت إننا نتجوز وبالفعل اتجوزنا وبعد شهرين لقيتها اختفت… مكنتش مهتم بيها فعشان كدا مدورتش عليها وكملت حياتي بس بعدها جت حادثة ماما… وقتها عرفت إني مليش لازمه إني نكره قصاد قدرة ربنا… فوقت!! مش هكدب عليك وأقول دورت عليها لا نسيتها ومطلقتهاش لأنها مظهرتش وقولت حياتي بدأت تظبط وعدت السنين وبقت الدكتور راكــان اللي الكل بيتنماه زوج لبـ.ـنته أو ابن ليه بس محدش يعرف ماضيه!! لحد ما قابلت أثـيـر و حبيتها… ورجع احساس النـ.ـد.م ليا تاني بعد غياب سنين… رجع الخــــوف ليا…

كانت كلمـ.ـا.ت « راكــان» صادقة بل ونابعة من فؤاده النازف ووصلت بجدارة لـ «ثائر» المتابع له… ليس أمامه سوى تصديقه فتلك الفترة من حياته كان يرفض دوماً التطرق لها والحديث عنها ويختلق الحجج والأوهام لـ يتهرب ولكنه بات يعلم السبب الآن… تمالك ثباته وهتف بـ توجس :
_ ومعرفتش مراتك ليه؟ استغليت طيبتها!؟

هز « راكــان» رأسه بـ نفيٍ قاطع وعض شفتيه بـ نـ.ـد.م وتمتم بـ مرارة:
_ كنت خايف من اللحظة دي..كنت خايف من نظرتها اللي شوفتها النهارده.. مكنتش متخيل إن السر اللي خبيته عشر سنين ممكن يتكشف بين يوم وليله وتتهد كل أحلامي بالطريقة دي.!!!..

رمقه « ثائر» بـ نظرة غاضبة ومشمئزة ولكنه صديقه!! ويحتاجه الآن! وهتف بلا تردد:
_ باللي شوفته النهاردة… مراتك من المستحيل تسامحك، كان ليها حرية الاختيار، اللي عملته مش كدبه بيضه ولا حاجه هينه، أنتَ خبيت عليها إنك متجوز ومن واحده أكبر منك وكمان تعرف منها وفي فترة تعتبر شهر عسل ليكوا!!

جحظت عيني «راكــان» وقبض بـ قوة على قبضته وهتف بـ قسوة:
_ شوفتها فين يا ثائر

ضحك « ثائر» بـ تهكم جعل «راكــان» يلكمه بـ غلٍ وصاح وقلبه يتقلب على جمرٍ:
_ أثـيـر فييييين

جذبه « ثائر» من تلابيب قميصه المُلطخ بـ الدmاء وتحدث بـ اقتضاب:
_ كانت عند مامتك…

لم يرد إخبـ.ـاره بـ حالتها ولا كيف رآها كـ طفلة فقدت مسكنها بل عمل على تخليص حقوقها منه واشعال غـــضــــبه والثأر منه حتى وإن كان صديقه وهي غريبة عنه!!..

هز « راكــان» رأسه بـ ألــم وأغمض عينيه بـ نفاذ صبرْ ونهض محطمًا كل شيء طالته يداه وكأنه نمرٍ ضال واجهته وتضاعفت ثورته وهتف بـ حرقة:
_ لييييه محدش بيسمع أسبابي… ليييه بتلوومووني.؟!!! كلنا بشر وبنغلط ونتعلم… كلنااااا لينا حق نتسامح… هي مسمعتنيش … حكمت عليا ومشيت… طلبت الطـ.ـلا.ق وهـ.ـر.بت من المواجهه… أنا نـ.ـد.مت واللله العظيييم نـ.ـد.مت ودفعت تمن أغلاطي وعصياني بشلل أمييي…. والله نـ.ـد.متتتت…

اقترب منه « ثائر» وجذبه بـ قوة لصدره وضمه مربتاً فوق كتفيه وتمتم بـ صدق وألــم لـ حال صديقه:
_ كل حاجه هتبقى بخير بس مفيش حاجه هتتحل بغـــضــــبك لازم تفكر وتهدى وترجع مراتك وتكلمها… النار لو اتسابت لحد ما تهدى هتاكل كل حاجه الحقها قبل ما تضيع منك…
ضمه « راكــان» بـ ارهاق وتعب وهو بـ حاجة شـ.ـديدة لـه وهمس بـ وهن وو.جـ.ـع:
_ أنا نـ.ـد.مت ودفعت التمن والله يا ثائر ومعرفش هي رجعت تدmر حياتي ليه…

شرد « ثائر» قليلاً وتحدث بـ غموض:
_ هنعرف… هنعرف قريب
********************

جلست كلا من « ورده» و « هبه» يراقبان « أثير» الصامتة التي لولا تحرك صدرها مع دخول وخروج أنفاسها لظنوا أنها فارقت الحياة! مضت ساعة ونصف منذ ذهاب « ثائر» وهي على وضعها صامتة تراقب الفراغ بـ عينين مُرهقتين.. قررت « ورده» كـ عادتها الفطرية التخفيف عنها فتمتمت مستفهمة:
_ هو خانك؟!

ناظرتها « أثـيـر» بـ ضحكة ساخرة وأزالت بقايا دmـ.ـو.عها وتمتمت بـ عبثٍ أليم:
_ ياريت يا شيخه كان هيبقى ارحم… طلع متجوز عليا وعرفت دا منها في شهر عسلي..

شهقت الفتاتان بـ صدmة مكممين أفواهِهم وانفرجا جفنيهم بـ زهول وخاصة « هبه» التي رأت عشق ذلك الرجل ينخرط من عينيه ولكن اكانت مخطئة؟!!!

ضحكت « أثير» بـ شـ.ـدة عنـ.ـد.ما تذكرت حديث والدته «دعاء» عن توضيح موقفه وهتفت ساخرة من حالها:
_ ومامته بتقولي كانت نزوه!!!؟

باك #

وصلت « أثـيـر» لـ البناية التي تقطن بها والدة « راكــان» بعدmا استمعت لـ محادثته معها وتبينت أنها كانت تعلم حقيقة كذبته ولم ترأف بها بل ساعدته اتمام هذا الأمر!! غير مكترثين لـ تلك التي انشق قلبها!! لم تتمنى مثل هذه المشاعر أن تختلج قلبها وهذا الكم من الغـــضــــب أن يندلع من عينيها قط!!
دلفت للبيت من المفتاح الذي سبق ورأته يستعمله، دلفت بـ هدوءٍ عكس النيران الناشبة بها وبسمة مُحطمة تلوح بـ ثغرها…
_ تعالي يا أثـيـر

التفتت « أثير» بـ بطء لـ تنظر لها بعينين فارغتين وتمتمت ببرود:
_ يُفضل تحكيلي كل حاجه دلوقت من غير تمثيل أو مناقشات فارغه

لم تُعلق السيدة « دعاء» على حديثها الذي تعلم سببه جيداً فـ عنـ.ـد.ما رأتها تصعد البناية بـ ضعف استنتجت السبب وتألــم قلبها لحال تلك الصغيرة الرقيقة، تحركت بـ كرسيها لتقترب منها وهتفت بـ نـ.ـد.م وضعف:
_ كان شاب طايش وقتها وبمـ.ـو.ت والده طيشه زاد وضاع مني وبقى شخص معرفهوش، سهر وكدب وبنات وخمره وكل حاجه وكنت سيباه على راحته عشان مقدره مدى تعلقه بوالده… حاولت معاه كتير وقتها كنا سيبنا بيت العيله وجينا سكنا هنا ولفت الأيام وجت ليا بـ.ـنت بتبكي وفهمت إن ابني اللي ضيعت شبابي وعمري عليه زاني..!!! وكمان البـ.ـنت أكبر منه…!! أجبرته يتجوزها وفعلاً والبـ.ـنت جت قعدت معايا هنا لأنه كان جواز صوري اسم وبس!! مكنش في وقت نسأل عنها ولا نستفسر كل حاجه كانت بسرعه وهو مش مهتم!! ورغم كدا متعلمش من غلطه لا فضل على حاله والبـ.ـنت بعد شهرين مشيت وهي على ذمته واختفت الكلام دا من عشر سنين… اللي كـ.ـسرني إن عمري ضاع على الفاضي والسبب الوحيد اللي كنت عايشه عشانه طلع بالقذارة دي، رجع لسهر وكل قرفه تاني ومهتمش إن البـ.ـنت مشيت ولا اهتم بأي شيء بس كنت فقدت الامل فيه لحد ما جالي اتصال إنه متخانق مع شله بتشرب مـ.ـخـ.ـد.رات على أساس إنه أحسن منهم!! بس ملحقتش أوصل!! عملت الحادثه وزي ما أنتِ شايفه ومن وقتها وهو عرف غلطه ونـ.ـد.م وقرب من ربنا ورجع ابني!! ولما شوفت حبه ليكي وكلامه عنك لسنين عرفت إن اللي زرعه شريف الله يرحمه فيه طول عمره مضاعش هدر حتى لو كان سبب فوقته هو أنا!! صدقيني مكنتش اتمنى توصلوا لكدا ومن أول يوم شوفتك قولتله يصارحك… قولتله بداية الكدب نار هتحرقك

صمتت بضع دقائق وأزالت دmـ.ـو.عها التي قلبت عليها لعنات الماضي بـ جِراحه وظلمته وهتفت بـ حرقة ورجاء:
_ مش هطلب منك تسامحيه دلوقت ولا تغفري ليه بسهوله بس اديه فرصه، ابني محبش غيرك والله ولا شوفت الفرحة اللي بتنور وشه غير لما دخلتي حياته، ابني نـ.ـد.م والله، أنتِ عارفه إنه بيحبك، متسمحيش لـ واحده زي دي تخرب بيتك وتخـ.ـطـ.ـف جوزك يا أثـيـر، متسبيش بيتك ولا تفرطي في حبك عشان القذرة دي، عـ.ـا.قبيه بس متبعديش عنه لأنك لو بعدتي هيرجع زي ما كان…. كانت نزوه يا بـ.ـنتي والله نزوه..

عم الصمت على الجميع سوى من صوت أنفاس الفتيات منهم المتألــمة ومنهم الشاردة بـ حياتها القادmة ومنهم الغاضبة!! لم يقطع الصمت سوى طرقات « ثائر» ودخوله بعدmا فتحت له رحمه الباب…

انتظرت « هبه» تفسيراً منطقي عما بدر ولأنها واثقة من ذهابه لـ « راكــان» فتمتمت بتوجس:
_ حصل ايه؟

هز « ثائر» رأسه لـ يطمئنها ورمق « أثير» الصامتة بـ شفقة وغـــضــــب من صديقه وتمتم بـ تعب:
_ أثير راكــان برا مستني يدخل لما تسمحيله

أدارت رأسها له بـبطء ورفعت كتفيها بلا اكتراث وتمتمت:
_ وجوده زي عدm وجوده مش فارقه

اقتربت « ورده» منها بـ طيبة صادقة وعفويتها المعتادة وابتسمت بـ مرح وهمست لها:
_ خليه يدخل عشان امسكه بين سناني كدا وأخلي أكبر حته فيه قد عقله الأصبع الاستاذ بتاعك دا

ابتسمت « أثـيـر» على مزحة تلك الغريبة التي لم تتعرف بها بعد وهزت رأسها بـ هدوء ليسمح له « ثائر» بـ الدخول…

وقفت « ورده» عنـ.ـد.ما رأته يدلف بـ حذر وعيناه تدور بـ البيت كـ قطة جائعة وأردفت بـ غلٍ:
_ خلي عينك مكانها بدل ما احرمك منها يا وحش

رمقها « راكــان» بـ نظرة بـ.ـاردة لهيئتها المذرية وقِصر قامتها وتمتم:
_ غوري العبي بعيد يا شاطره.. جايبينك من انهي حضانه أنتِ!!
افترست « ورده» شفتيها بـ حقد وزفرت أنفاسها الغاضبة بـ وجهه وهتفت بـ برود:
_ من نفس المكان اللي جايبين عقلك التافه منه!!

صدحت ضحكات الجميع من حولهم على مظهرهم الأقرب للقط والفأر بنزاعهم واشتباكهم من أول لقاء لهم ولكنه لم يلتفت سوى لـ معـ.ـذ.بة قلبه وحاصدة روحه تلك الأثير ذات الإكسير المُنعش لـ كيانه متناسيًا العالم بـ ضحكتها الفاتنة..

انتبه الجميع لـ نظراتهم المعاتبة فـ قرروا الانسحاب حتى يتركوا لهم المساحة الكافية ولكن «ورده»!!! لم تُبرح مكانها وإنما رفعت سبابتها بـ وجه « راكــان» وغمغمت بـ بسمة سمجة:
_ لو سمعت صوتك عالي والله ما هتطلع من هنا على رجلك

قلب «راكــان» عيناه بـ اشمئزاز مصطنع وهز كتفيه متمتماً بـ مرحٍ زائف:
_ اومال هطلع على إيه؟!

ضحكت « ورده» بـ سخرية وصفقت كفيها معاً وأردفت بـ جدية منافية لـ طبيعتها:
_على نقاله!! هتطلع من هنا على نقاله لأن رجلك مش هتشيلك!!! افتكر كلامي كويس مبحبش أعيده يا اسمك إيه
********************
جلس «راكــان» أمامها وعيناه تلتهم خاصتها بـ نظراتٍ حارقة وتمتم بتروي:
_ هتسمعيني!!!..

عقدت «أثـيـر» ذراعيها أمام صدرها وأراحت ظهرها للخلف رغم ما يعتمر قلبها من آلالامٍ وتمتمت بـ ببرود مصطنع:
_ دا أمر ولا قرار؟!

هز رأسه بـ نفي وشابك كفيه المُضمدين بـ الشاش وهتف بـ رجاء:
_ لا دا ولا دا… دا رجاء.. طلب

عنـ.ـد.ما وجد الصمت جلياً عليها وعيناها تدور على جـ.ـر.ح يديه بـ لهفة لم تحاول إقصائها ابتسم خلسة لـ حبيبته الوحيدة التي لن تنفك عن عشقه يوماً ولن يُبرح هو عن تتيمه بها حتى تُحصد روحه، رفع نظره لـ تتلاقى نظراتهم وتحدث بـ رجاء:
_ عارف إني غلطان وكان ليكي كل الحق في غـــضــــبك وو.جـ.ـعك اللي بتمنى أشيله عنك بس والله قلبي ما دق لغيرك ولا عرف أصلاً يحب غيرك من أربع سنين، أنا كنت ضايع في ملزات الدنيا ونسيت ربنا ونسيت رحمته ومشيت ورا صُحبه غلط، دفعت التمن في والدتي اللي ضيعت عمرها عشاني، أنا كنت تايه يا أثـيـر… مـ.ـو.ت والدي دmرني وو.جـ.ـع قلبي وحسسيني بوحدتي وضعفي ومشيت في طُرق غلط… معرفش هي رجعت ليه ومش عاوز أعرف بس اللي متأكد منه إني مش عاو غيرك ولا حابب يكون جانبي غيرك… ازعلي واتعصبي واشتمي بس وأنتِ في بيتنا ومعايا متسمحيش لحاجه توقع بينا… أثير..!!

****************
دلفت « ورده» خلف الفتاتان وكلها عزيمة على بداية النزاع الجديد مع رفيقتها المراهقة، جذبت المقعد وجلست أمامها بعدmا اطمأنت لـ ذهاب «ثائر» ليرى والدته وعقدة ذراعيها بـ غـ.ـيظ وغمغمت بـ توجس واستنكار:
_ أفهم بقا بتعملي إيه في نفسك؟!

تصنعت « هبه» عدm الفهم وهـ.ـر.بت بـ نظراتها للنافذة وتمتمت بـ تعب:
_ بعمل ايه يا ورده ما أنا كويسه اهو.. !!
مطت «ورده» شفتيها بـ دراما وتصنعت التفكير لـ عدة لحظات ثم تحدثت بـ هدوء:

_ بتحملي نفسك ذنوب أنتِ مش قدها!! أنتِ ناسيه إنك على ذمة راجـ.ـل وبتحبي راجـ.ـل تاني؟!

نهرتها «هبه» بـ شهقة مستنكرة وهتفت بـ تسرع:
_فاضل طلقني من شهر وأكتر يا ورده

صفعت «ورده» كفيها معاً بـ غـ.ـيظ وغـــضــــب وتمتمت من بين أسنانها:
_ الله أكبر يعني في شهور عدتك؟!! بتقربي من راجـ.ـل مُحرم عليكي وأنتِ تعتبري على ذمة راجـ.ـل ممكن ترجعوا في أي لحظه!! محدش عارف القدر مخبي إيه!!! بتحملي نفسك ذنوب هتنـ.ـد.مي نـ.ـد.م طول عمرك

أشاحت « هبه» بـ نظرها بعيداً عنها وترقرقت دmـ.ـو.عها الموجوعة وهمست من بين أنفاسها:
_ عارفه إن علاقتنا غلط وإني مينفعش أعترف بحبي ليه ومفيش بينا حاجه رسميه بس بحبه!!

نهضت «ورده» بـ عنف ولوحت بـ كفيها في الهواء بـ غـــضــــب وصاحت:
_ هتقولي لربنا بحبه؟!!! جيتي بيت تبعه وسمحتي ليه يقرب منك وأكيد لمسك ولو لمسه إيد بسيطة سمحتي باب للشيطان ومشيتي وراه ودلوقتي بتقولي بحبه!! ت عـ.ـر.في إن ربنا مش بيبـ.ـارك على العلاقات اللي بدايتها غلط!! حتى وإن كملت ليها عقـ.ـا.بات!! حقيقي مصدومه فيكي يا هبه، أنتِ اللي قربتيني أكبر من ربنا!! مش بقسى عليكي ولا بهاجمك أنا بنصحك بفوقكك، طالما طـ.ـلا.قك تم تقدري ترجعي بيتك يا حبيبتي وتصوني قلبك أكتر وتستغفري ربنا ووقت ما يبقى في رابط شرعي بينكوا وتبقي حلاله تقدري تفتحي قلبك ووقتها هتفرحي وقتها صدقيني هتبقي اسعد واحده في الدنيا …

تساقطت دmـ.ـو.ع «هبه» النادmة سامحة للهدوء الولوج لها من جديد على ما اقترفته كيف تناست حدود دينها وانساقت خلف خطوات الشيطان حتى وإن كانت غارقة بـ الحب فـ ليس للمعصية بـ أعذارٍ تذكر!! رغم نضوجها وعقلها إلا أنها سمحت لـ مراهقتها بـ التدخل متناسية ضوابط دينها!!

نشبه الورود بماهيتها… إن سهلنا للعالم الوصول لنا لـ امتدت كفوف الجميع لـ قطفنا بلا حدود تذكر! ولكن إن زرعنا الأشواك حولنا لن يقترب إلا كل مُحاذر… سهولة الحصول تماثل سهولة التخلي وكذلك استحالة الوصول تعادل استحالة التخلي!!….
***************
فرغ «راكــان» من حديثه وانتظر إجابتها كـ طالب ثانوي ينتظر نتيجة نهاية عامه الدارسي والتي ستحدد طريق وجهته!! ولكنه لم ينتبه لـ تلك الواقفة تتابع حديثهم بـ عينين باسمتين وعنـ.ـد.ما طال الصمت قررت التدخل بـ خطواتٍ متغنجة وواثقة وهتفت بـ قوة:
_ طبعاً ملوش حق يكـ.ـدب عليكي يا أثـيـر بأنه متجوز تؤ تؤ… بس في كدبه كمان نسي يقولها!! نسي حمزه!! ابنه.

 

 

 

0 0 votes
Article Rating
____

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x