روايات

رواية أرشد فؤادي الفصل الثاني 2 بقلم سارة فتحي

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

رواية أرشد فؤادي الفصل الثاني 2 بقلم سارة فتحي

 

 

البارت الثاني

 

الفصل الثانى سارة فتحي

مسحت “فاتن” الأرضية بقطعة مبللة من القماش البالي
وعندما شعرت أن من تراقبها ابتعدت عنها ألقت قطعة
القماش وهى تقول:

-يخربيت شورتك يا نادين.. قال بلاش ننزل الجامعة ونقضى يوم رايق مع بعض.. عشان أمك تخلينا نمسح الشقة كلها

أومأت نادين برأسها والغضب يتآكلها:

-ما هى مش طيقانى مش بقولك نزلنا بالليل وقابلنا
حبيب قلبها من جوه سى مدين بتاعها فبتتلكك ليا

بملامح وجه مكفرة لكزتها فاتن قائلة:

-وماله مدين بقى دا قمر انتِ اللى مش وش نعمة
حد يطول واحد زى مدين كدا يحبه.. طب ياريت
كنت أنا.. طب عارفة الولية أم إسراء جارتنا بترسم
عليه لبنتها

-بنتها مين إسراء الهبلة؟!

كانت جملتها عدائية بإنفعال غير مبرر.. فابتسمت فاتن
قائلة:

-هبلة دا كان زمان شوفيها دلوقتى حاجة تانية.. بعدين
مالك زعلانة عليه ولا إيه؟!

ضحكت بسخرية ثم اجابتها بكبرياء قائلة:

-مش للدرجة دي يعنى أنا استغربت مش أكتر

-انتوا سيبتوا المسح وقاعدين بترغوا دا اللى فالحين فيه
منك ليها

انتفضت فاتن ونادين على صوت والدتها من الخلف فاردفت فاتن:

-يا خالتى أنا أخلص من أمى تطلعيلي انتِ ما أنا شغالة
اهو.. بعدين أنا جوعت ومش بعرف أشتغل وأنا جعانة

رفعت حاجبها وهى تقول بتحدٍ:

-مافيش أكل غير لما تخلصوا الشقة كلها

رمت “نادين” القماشة من يدها بعنف قائلة::

-لا بقى كدا كتير هو مافيش غيرى ما بنتك مش بتحط ايديها فى حاجة إشمعنا أنا يعنى.. وعلى فكرة أنا عارفة
أنك مش طيقانى كل دا بسبب سى مدين

-اخرسى.. واتكلمى بطريقة احسن من كدا.. اختك بتدرس
وبتشتغل كمان.. أما مدين والله مش عارفة ايه اللى عاجبه
فيكِ أنا لو عليا اروح اخطبلوا من بكرة واحدة غيرك
تفهمه وتقدره بس تقولى ايه بقى

قالت والدتها هذه الكلمات بحدة فقد نفذ صبرها من غبائها
اللا محدود.. اقتربت منها فاتن تقبل رأسها قائلة

-ودا رأى أنا كمان يا خالتى والله.. سيبك منها قوليلى
ريحة الأكل دي أيه؟!

-أنا عاملة محشى وملوخية وفراخ

نهضت فاتن مسرعة وتناولت قطعة القماش البالي قائلة

-فى ثوانى يا خالتى والأرض تكون بتلمع عشان نتغدا
يارب يارب يا خالتى كدا أشوفك فرحانة على طول

ثم نظرت نحو نادين وتلاعبت بحاجبيها قائلة:

-وتفرحى بمدين يا خالتى يارب

وقبل أن تنهى جملتها كانت نادين ترشقها بدلو الماء قائلة
بغيظ:

-إشتغلى بقى وإعملى بلقمتك يلا

-أنا اتهنت اوى

بعد قليل بعد أن انتهوا من أعمال الشقة.. جلست كل من
نادين وفاتن يتناولوا الغداء سويًا فسألتها فاتن:

-نادين هو انتِ مش حاسة أن نهى متغيرة معانا

تنهدت “نادين” وهى تلوك الطعام بفمها قائلة:

-ممكن.. هى شكلها زعلت من حوار اللى اسمه مجد
بس إشطا عادى يعنى ما هى بتقابلنا فى الجامعة
وبتيجى معانا هنا بس يمكن فعلًا زى ما بتقول اهلها
قافشين عليها شوية

-إلا صحيح يا نادين انتِ ليه رفضتى حوار مجد دا
دا كان فرصة كبيرة اوي لينا

كشرت على انيابها وهى تقول:

-فاتن انتِ اتجننتى الواد دا شكله مش مظبوط.. إحنا
عايزين نتشهر مش نتشبه نظراته مش مريحة

نهضت “فاتن” لتقوم بضبط حجابها:

-لا متجننتش بس قولت فرصة.. يلا ألحق أروح لوصلة
النكد بتاعة امى وابويا والخناق اللى مش بيخلص
بياكلوا فى بعض ويطلعوه علينا فى الأخر.. يارب اخلص
بقى من العيشة دي.. سلام وابقى قولى لخالتى اكلها
عسل

ألتقطت أنفها رائحة عطره المميزة الثمينة.. فمثل عطره
يفوح على بعد أمتار.. نفس رائحة عطر والدها دارت فى
المكان تبحث عن زوجة عمها وما أن وجدتها جلست
بجوارها تهمس لها:

-مدين نازل زى ماأتفقنا

سألتها بنبرة منخفضة:

-أموت وأعرف بتعرفى إزاى؟!

-من ريحته اللى بتضرب فى البيت كله وزى ما اتفقنا

وقبل أن تكمل جملتها كان جرس الباب يصدح فنهضت
مسرعة تفتح الباب.. فولج للداخل بعد أن ألقى التحية
اغلقت الباب وجلست بجوار والدته تلكزها برفق
فهزت والدته رأسها بيأس ثم قالت:

-والله سنا هى اللى نفعانى اليومين دول.. الواحد مش
عارف من غيرها كان عمل أيه؟

وزع نظراته بينهما ثم ابتسم بسخرية قائلًا:

-فى أيه ياما هى سنا نازلة إنتخابات وأنا معرفش
ليه اللف والدوران دا لخصى عايزة أيه ياسنا

تفاجأت بهجومه فهمست بقتامة غشت عينيها من طريقته
العدائية:

-هو حضرتك بتكلمنى كدا ليه ممكن افهم؟!
لا يا سيدى مش نازلة الإنتخابات.. وهاخلص حاضر عايزة
كتاب من مكتبتك فى ابحاث بعملها ومحتاجاه

-لأ

جلست على الاريكة خلفها وهى تهز قدميها بعصبية
وسألته بحدة وكأنها تتعارك معه:

-لأ ليه بقى هو انت هتذلنى عشان سبت كتبى هناك
والله حرام أنا كنت في الكويت لما بتطلب كتاب من
مكتبتى ماكنتش بتأخر

زفر مدين وهو ينظر لها بنظرات ضيقة وغاضبة:

-ايوة وايه اللى كان بيحصل؟!
بأخد الكتاب وارجعه.. انتِ اخر كتاب رجعتيه متقطع
والتانى دلقتى عليه قهوة.. والأخير ضاع يا سنا أكمل

صمتت للحظة ثم تابعت بعصبية قائلة:

-خلاص خلاص أنا هاكلم عمك يبعتلى الكتب من هناك شكرًا أوى.. مش عايزة حاجة منك

أجابها بسخرية تملأها المرارة والحزن:

-امسكِ المفتاح اهو أنا مسافر اصلًا لعمى

وقفت والدته أمامه تسأله باستنكار:

-تسافر؟!
ليه تسافر يا مدين وتسيبنى ماكنا خلاص خلصنا
من السفر وربنا فتحها عليك هنا

هموم روحه ثقيلة.. أثقل من تحمله.. أثقلته الحياة
من متاعبها وشقائها.. اغمض عيناه معقبًا على كلام
والدته:

– أنا محتاج أسافر عمى وحشنى
حاسس إنى مخنوق هنا ومحتاج أغير جو

رمقته بحزن ببساطة تعلم شعور أبنها وما يمر به
يتجرع الألم مذاقه لاذع.. رائحته كريهة.. قربه ألم
ورحيله مجاذفة.. همست بقلب أم:

-مدين قلبى مش حمل وجع ياابنى.. إنساها واخطب
وعيش حياتك يا قلب أمك.. العمر مش فاضل فيه
قد اللى راح متوجعش قلبى يا ضنايا

-بعد الشر عليكِ ياما بلاش كلامك دا احنا عايشين بحسك هاسافر يا أمى هما كام اسبوع وهرجع
واخواتى بيّجوا يسألوا عليكِ.. ومعاكِ سنا

-لأ يا حبيبى متسبنيش تانى أنا مش موافقة

-مش هتأخر صدقينى.. بس محتاج السفر يا أمى

سيحاول إنتشال نفسه من ضعفه.. سيبتعد كى يبكى
سيبكى على صراعه الدائم وأيامه المهدرة.. سيبكى من
أجل خذلانه وكرامته.

بعد مرور يومين

رفعت نهى هاتفها تقوم بتصوير كلا من “فاتن” و “نادين”
وهما يطهون فى المطبخ ويقومون بضرب بعضهما أمام الكاميرا ويضحكان.. حتى أنهما تعمدا افساد الطعام كى
تزيد التعليقات وما أن انتهوا رفعت نهى الفيديو على “التيك توك” هاتفة:

-جامد اوى.. نزلته يارب يجيب النتيجة

نظرت نادين لنفسها وللمطبخ حولها هاتفها:

-مش مهم اى حاجة دلوقتى.. المهم بسرعة نظبط
المطبخ دا أمى لو جت هتموتنا

بدأوا فى ترتيب وتنظيف المطبخ فهمست نهى قائلة:

-لا بجد الحوار دا متعب اوى
وكمان محتاج فلوس كتيره

التو ثغر نادين هاتفة:

-حقيقة مش عارفة تظبط ازاى بس ونبقى زى المشاهير

ابتسمت نهى بداخلها لوصولها لهدفها الاساسى ثم استندت
على رخامة المطبخ قائلة:

-شوفتوا التطبيق الجديد دا بيقولوا جامد وبياخدوا
فلوس ومن غير مشاهدات

اقتربت منها فاتن تسألها بأهتمام:

-أنا سمعت عنه.. وكنت شفت يا نادين بنت ام اسراء
بتنزل اللينك عليه.. بس بيدوا فلوس ولا لازم مشاهدات وفاكس

-لا طبعًا من اول مابتدخلِ بتاخدى فلوس وكتير كمان
بس هو مش زى التيك توك هو عبارة عن شات مع
مجموعة وانتِ بتنزلى فيديوهات وكل فيديو عليه فلوس
ولو اتشهرتى هناك هتتشهرى على تيك توك اكيد

-حلو دا.. حلو اوى يا نادين

تطلعت لها نادين بأعينها متسائلة بعقلانية:

-يعنى ايه شات وناخد فلوس ازاى

اجابتها بهدوء:

-مش عارفة بس بيقول يعنى انه شات فيديو
وطبعًا بيبقى جماعى ولو حد حابب يكلمك خاص يدفع
بزيادة.. لما يشوف فيديوهاتك

ضربت نادين على صدرها بقوة هاتفة:

-يا نهار اسود انتِ عارفة دا اسمه ايه لا طبعًا

سألتها فاتن بتذمر:

-ليه يانادين دا شات عادى ما احنا بنزل فيديوهات على
التيك توك ودي هى هى أنا عجبتنى الفكرة

-والله يا فاتن انتى اتجننتى غرف شات مغلقة لا
دا كانوا اهلنا يموتونا قوللها يا نهى

التقطت نهى قطعة القمش تمسح الرخام وهى تقول
ببراءة زائفة:

-والله ما أعرف أنا سمعت بس وقولت اقولكم
يكنش تضرب معانا بس طبعًا يا فاتن لازم نقلق

-يكملك بعقلك يا عاقلة حيث كدا يلا بقى ناخد سلفي
وانزله أجمل أصحاب.. وأخوات

ابتسمت ثلاثتهم وهم يأخذون الصورة بأوضاع مختلفة
أمام الحمقى والمغفلون يستطيع الشيطان أن يكون ملاكًا
والقزم عملاقًا.. والظلمات نورًا

تسير على أطراف أصابعها بتروٍ شديد كمن يسير فوق حقل ألغام فجأة أضاءت الغرفة فتسمرت فى مكانها
تعض على شفتاها ثم استدارت ببطئ وجدته يجلس
على مقعده واضعًا ساقا على الأخرى فوق مكتبه
فتحمحمت:

-مدين خضتنى يا راجل.. ايه جو الاكشن دا

رفع حاجبه مستنكرًا ولم يجيبها وإنما اكتفي بخفض
عيناه للكتاب الذى بيدها ثم أشار لها لتتقدم نحوه
نظرت إليه بسخط ثم قلبت عينيها بضجر قائلة:

-معلش انا هاحطه مكانه وهاجى ولا انت مش مآمن ليا

-لأ

اجابها برد قاطع وهو يحدجها بنظرات نارية فتمتمت بإرتباك هاتفة:

-مش كنت النهاردة وأنا نازلة من سلم الجامعة هاقع ورقبتى هتتكسر

التأمين خرج منه بتضرع حانق:

-أمين واستريح منك امييين

مطت شفتاها بحنق هاتفة:

-قلبك اسود اوى يامدين
وبعدين الحكاية كلها سندوتش فول وقع عليه ونضفته عادى

انتفض من مكانه يقف أمامها ثم جز على اسنانه مقاطعًا
إياها بنبرة استشعرت برودتها وخطر التهديد:

-عارفة لو رجلك عدت مكتبى تانى.. لو فكرتى تلمسي
بس كُتبى هاعلقك عشان مفيش مرة واحدة بس كنت
قد المسئولية

ابتلعت باقى كلماتها مع ريقها وشرحت بغيظ:

-اسمع بس أنا كنت حاطة الكتب قدامى وجبت سندوتشات الفول من عند عم انور الرجل دا بيعمل فول أيه زبدة.. المهم وأنا باكل ريقى نشف كأنى بلعه خمسة كيلو ملوحة على الصبح.. اتناولت ازازة المية وأنا بشرب السندوتش وقع على الكتاب يعنى مش ذنبى

حاول أن يستعيد هدوءه مرة اخرى ثم قال بهيمنة:

– فول وزبدة وملوحة انتِ ايه انتِ ايه يا شيخة
اطلعى برا.. اطلعى برا ومتقربيش من هنا تانى

-برا برا هو انت بتطردنى من الجنة يعنى
تصدق بالله احجز أول طيارة وأسافر

أجابها ببرود قادر فى القضاء على كل حرائق العالم:

-يااااه قولى تانى كدا وسمعينى دا يوم المنى مع السلامة يا ستى

تبادلت النظرات غير مصدقة ثم تحولت إلى حقل مفرقعات

-بقى كدا.. يعنى لو كانت ست نادين كنت عملت كدا
دا أنت مش بعيد كنت لفيت الكتاب قراطيس وروحت
تجيبلها طعمية تفطر بيها.. خد بالك دا شغل أعمال وعمل سفلى كمان .

تبدلت ملامحه والألم ينخر فؤاده بقوة بلا رحمة ثم
أجابها بوجع:

-ياريت يا سنا ياريتها كانت عملت

رفعت سنا نظرتها له تحدث عقلها بحديث ود لو يسمعه
ودت لو تقول له.. أنه يستحق أفضل منها.. ظل ينظر لها بصمت لبرهة ثم ابتسم بسخرية يعلم ما يدور
فى خاطرها فهمس لها:

-بحبها

هزت رأسها بخفة وهى تتألم لأجله ثم تابعت بمشاكسة:

-تبقى هى عمتك اللى عملتلك العمل
امى كانت على طول تقول يا بت ياسنا اوعى
تأكلى حاجة عند عمتك

-اطلعى برا

-ما تجمد كدا مالك هى طول ما شايفك بعينيك العسلى
دي هتفضل تتمرع علينا بنت إعتماد

طالعها بصدمة هاتفًا بحدة:

-بنت إعتماد؟!

-ايه مش اسمها إعتماد
طب إسمها ايه اللى معرفتش تربى بنتها
وسحلاك ياضنايا كدا وراها اسمها ايه قول عشان أدعى عليها فى كل صلاة هى وامها

جز على اسنانه وهو يشير برأسه نحو الباب قائلًا:

-تدعى على عمتك.. اطلعى برا ياسنا هولع فيكِ

-برا برا اصلًا كل اختيارتك فى الكتب مش بتعجبنى وتصدق بالله بنت إعتماد حلال فيك

مر أسبوع

وقف قبالة النافذة وعيناه شاردتين فى الظلام الذى
حل منذ بعض الوقت.. أفكاره كلها تقوده إليها
فهى أستطاعت سرقة قلبه بدون أى مجهود يذكر
اعتاد رؤيتها كل صباح حتى وأن لم تراه.. أعتاد البسمة
رغم إنها تخفيها عنه ولكنه يراها بقلبه الولهان
هل سيتحمل فراقها ثانيةِ

بعد صراع مع نفسه حسم أمره.. مرة اخيرة قبل سفره
لا تضر.. فقد بلغ إشتياقه مبلغ البحرين والمحيطات

جلس امام عمته يرتشف قهوته وعيناه تتجول أنحاء
الشقة بلا هدف لحظات مرت عليه كأبدية.. قاسية
القلب تختبأ خلف ذلك الباب.. توقفت أفكاره بقلب
يخفق بالأمل عندما سمع صوت فتح الباب فقد أتت
تحكم بأعصابه يرتدى قناع
القوة.. ارهف السمع مغمض العينين.. كالسجين
ينتظر حكم الإفراج.. قلبه يهدر داخل صدره دون
رحمة هو يعترف أنه لا يقو الفراق وقد إشتاق إليها

تبددت أحلامه حين رفع بصره
وجد اختها ابتلع ريقًا ناشفًا ثم ابتسم بشحوب:

-عاملة ايه يا ناهد

سحبت مقعدًا هاتفه بابتسامة واسعة:

-عامل أيه يامدين؟!
كدا تشربوا القهوة من غيرى

جاهد ليرسم بسمة على شفتاه قائلًا:

-تعالى عمتى عاملة حاسبك

رمقتها والدتها ثم سألتها بحنق:

أُمال فين اختك؟!

اجابتها بإرتباك وهى ترمقه بطرف عينيها قائلة:

-نايمة يا ماما نايمة

وكأنها سحبت بساط السعادة من تحت قدميه دون ذرة إشفاق فتركته جثة هامدة تتلظى بنيران الشوق

كل شئ يتحرك فى سرعة.. الأيام.. حتى ساعات اليوم
تهرول.. هبطت قدميه مطار الكويت.. شعور قاس يلاحقه برودة تتسلل إلى أوصاله.. وضع يده يتفقد دقات قلبه ربما سبب البرودة أنه قد توقف عن تدفق الدماء.. فالبعد عنها كالسم يسرى فى دماءه.. يود أن يلقى بروحه فى الهاوية
حزين بشدة لعدم رؤيتها قبل سفره.. يعشقها ولا زال
للقدر رأى اخر

نصب عوده الضعيف ووقف بشموخ زائف منافى لكل الضعف الذى بداخله.. كانت عيناه ذابلتين كأوراق الخريف الصفراء فارتدى نظارته السوداء

يراقب الطريق من نافذة السيارة بعقل شارد.. شخوص مجهولين.. حركات السيارات.. فاق من شروده على صوت
احتكاك السيارة امام بيت عمه.. وقف فى مكانه والحزن
ينهش قلبه لا يعرف ما دهاه للقرار بالسفر

تحكم بعواطفه قليلًا وولج للداخل وقبل يد زوجة
عمه.. بينما عمه فتح ذراعيه كالطير الذى يستعد
لإنقاذ ولده الذى تعلم الطير للتو خوفًا عليه من
السقوط والحزن.. دفن مدين نفسه فى حضن
عمه الذى ربت على ظهره بحب فابنته اخبرته
بما صار معه فهمس:

-حمد الله على السلامة يا بطل وحشتنا والله

-أنت اكتر يا عمى.. والله وحشتونى

قال بهدوء قبل إحتضان عمه للمرة التى لا يعلم عددها
لم يرزق بأب مثله.. لكنه أباه حقًا وليس عمه.. أباه الروحى

-احضر الغدا عشان نقعد نأكل وتحكيلى عن سنا
وحشتنى عاملة ايه هناك

هز رأسه بيأس وهو يقول:

-والله يا مرات عمى مش سايبة حد فى حاله وطول نهار
زن ورغى اظن انتِ مرتاحة

نظرت بطرف عيناها لزوجها ثم مالت تهمس له بجوار اذنيه:

-الصراحة آه.. مستفردة بعمك كلام فى سرك يعنى

تنفس بعمق قبل قوله الهادئ:

-ياسيدى

تحمحمت ثم أجابته هذه المرة بنبرة مرتفعة هامسة:

-كدا بردو يا مدين دا البيت مالوش حس من غيرها
دي وحشتنى أوى

-مين سنا أشك

ابتسمت بخفوت ثم أنصرفت فتبادلا مدين وعمه
النظرات فربت على على كتفه بقلب أب حنون

حركت فاتن عدستيها فوق وجه نادين الشاحب تتيح
لها فرصة فى إستيعاب الصدمة.. بينما تحدثت بنبرة
مرهقة تقول:

-والله يا نادين مكملتش أنا فعلًا حسيته تطبيق
مش مظبوط بس الفضول خدنى وعلى طول
مسحته لما حسيت انه مش تمام

سحبت نفسًا طويلًا حتى امتلأت رئتيها بالهواء ثم اردفت
تقول:

-أنا مش مصدقة انتِ غبية دا باين اوى انه مش مظبوط
وأنا قولتلك لأ تروحى من ورايا يا فاتن انتى اتجننتى

-والله يا نادين الفضول من ساعة ما اتكلمت نهى وأنا عايزة
اشوف فقولت ليه لأ طب ما أعمل كدا واطمن وبعد كدا
اقولك بس لما حسيت انه ميطمنش جيت على طول
اقولك.. متزعليش بقى وتلوى بوزك

احتقنت ملامح نادين حتى شعرت أن الشعيرات الدموية
كادت تنفجر ثم أجابتها بحنق:

-انتِ غبية ازاى تفكيرك يوصل لكدا ومش عاجبك زعلى
وأني ألوى بوزى.. هو فينا واحدة بتعمل حاجة من غير
رأى التانية

لمحت نظرت تعاطف غشت عدستها فاسرعت فاتن تقول:

-ما يبقاش زعلك وحش كدا.. وبعدين مين عيد ميلاده
الشهر الجاى مين اجمل بنوته.. طب والله بقالى اربع
شهور بحوش عشان عيد ميلادك

التو ثغر نادين وهى تقول بابتسامة جانيبة:

-اربع شهور ليه؟ هتجيبلى عربية يا فاتن

-اتريقى بقى طب لو معايا كنت جبتلك ولا لأ اعترفى
انتِ عارفة انى مش بعز عليكى حاجة.. بس هبهرك
هاجبلك هدية جامدة

صمتت قليلًا ثم اردفت تقول في ضيق:

-ذلينى بقى المهم دماغك دي متشتغلش لوحدها فاهمة

-تمام يا فندم علم وسينفذ.. ويارب يا نادين تتجوزى مدين

حدقتها بنظرات نارية وهى تقول:

-انتِ قولتى أيه يا ز.فتة

رفعت كتفاها بلا مبالاة قائلة:

-مش عارفة.. بس اهى طلعت دعوة وخلاص طب والله مدين غلبان وبيحبك وكفاية نظراته ليكِ.. طب ياريت أنا ألقى حد بيحبنى كدا

-لا بنظراته لا ابتسامته الجو دا خلص من زمان
بعدين مدين دا معاه دبلوم أما أنا شهادة جامعية
يروح ياخد واحدة شبه بقى وفكك أنا مصدقت أنه
سافر

كان صوته بالنسبة له كترنيمة سلام جلس بجواره يربت
قدميه قائلًا:

-عامل يا مدين

-الحمدلله ياعمى

تمتم عمه قائلًا ببساطة:

-يارب دايمًا.. ام مدين كلمتنى وقلقانة عليك بتقول
حالك مش عجبها.. اسمع يا مدين فى حاجات بتمشى
الكلمة الأولى والاخيرة فيها للقدر يابنى.. وأنا شايف
أن القدر قال كلمته بعد كل سنين ديه وكفايا ودور
على اللى تقدر مناجم الدهب اللى جواك.. دور وهتلاقى
كتير بنات حلال هى بنت اختى وانت ابن اخويا ووجعك
دا يكسرنى أنا قبل اى حد.. اقعد يومين وارتاح هنا
وغير جو وانزل دور على اللى يقدرك دا انت طول
عمرك شقيان ومن حقك ترتاح

تنهد فى حرقة واشتياق وهو يطالع كفيه قائلًا:

-طول عمرى شقيان كل جرح فى إيدى يشهد على وجع
ومرار جبت بيه الجنية عشان محتاجش لحد وكان كل
أملى مكافاة من الدنيا قلبها وبس

واضح أن الشقى بيقى مكتوب على كله يا عمى
ريح أم مدين لو كلمتك قولها هرجع اتجوز زى ما هى
عايزة

تزامنًا مع جملته ولجت زوجة عمه ثم وضعت الصينية
على الطاولة وهى تقول:

-يا زين ما قولت يا مدين وأنا عندى ليك عروسة قمر

هز مدين رأسه وفهم مغزى كلامها فتابعت:

-واهلها ناس فى منتهى الأدب والاخلاق هترتاح معاهم
اوى

ضحك مدين بخفوت وهو يهز رأسه ثم اكملت:

-العروسة نسمة كدا

توسعت عين مدين ثم قاطعها معترضًا وهو يقول:

-وهى سنا نسمة يا مرات عمى

عضت على شفتاها باستيحاء وهى تقول:

-هو أنت عرفت أنها سنا.. بعدين مالها سنا مش نسمة ليه

تدخل زوجها وهو يقول معترضًا:

-ليه؟! عشان مدين عاش معانا هنا من وهو ١٨سنة
وعارفها خلينا نعمل الجو دا على حد تانى

امتعضت ملامحها وهى تقول بخيبة أمل:

-انتوا شايفين كدا

نهض مدين يطبع قبلة على جبين كلا من زوجة عمه
وعمه قبل أن يتجه لغرفته قائلًا:

-تصبحوا على خير

همست زوجة عمه بنبرة متألمة:

-وانت من اهله ربنا يبرد قلبك يابنى

,

بعد مرور اسبوع

-ما أنا قولتلك من الاول مش سكتها حتى البت فاتن
بعد حاولت كدا اوقعها بالمستخبى وادخلها اتطبيق
مسحته وخافت

تلك الجملة اردفتها نهى فجز مجد على شفتاه قائلًا:

-أنا بنت كل.ب تقولى لو قابلتك تانى ههين كرامتك
هى فكرت نفسها مين

ألقت هاتفها فى غل قبل أن تقول عاجزة وهى تتكئ
بجزعه فوق مقعدها:

-خلاص بقى دول اغبياء عايزين يبقوا مشاهير
تيك توك والشرف قاتلهم ومش سكتنا وأنا مش ناقصة خلينا فى الجديد انا هبتدى أخد كام بنت من اللى اشتغلوا
جوه التطبيق وبقوا خبرة ومعندهمش مشاكل عشان
نروج لأكبر عدد اللى نجيبه ناخد عملتوا واللى هما
يجبوا يبقى بنص والرزق يحب الخفية

هتف يجيبها بحنق بعدما اخرج احد سجائره المعتادة
ودسها فى فمه:

-وماله ما يضرش.. أما بالنسبة للحلوين مش عايزين
يتشهروا أنا هشهرهم وماله

بين لحظة خسة وطمع فى الدنيا قد يستبيح العرض

منذ أن جاء إلى عمه مهمته تتخلص فى الذهاب مع
معه إلى العمل ومهاتفة عائلته يوميًا لأطمئنان على صحة
والدته فقط.. ارتمى على الفراش وضعًا يده فوق رأسه
وكلمتها الأخيرة تضرب جوانب عقله مرات ومرات
مترددًا صداها داخل قلبه ليعلن انتهاء حكايتهما التى
لم تبدأ وارساء كل سفينة بميناء غير الأخر.. الأمر
اشبه بالبتر بالنسبة له.

نهض من مكانه يجلب هاتفه ليتقصى اخبارها عبر
مواقع التواصل الاجتماعي يعلم انه لم يجلب لروحه
سوى الهلاك وهى بعيدة عنه لكنه اشتاق واشتاق حد الجحيم

بدأ فى التصفح وهو يرى صورها وفيديوهاتها اشتعلت
النيران بداخله نيران تسرى بعروقه.. لكنه فجأة نهض
واقفًا وتحولت عيناه لبركان ثائر وهو يصرخ

-ناااااادين

بعد مرور اسبوع

سريعًا واسرع من انتشار النار فى الهشيم انتشر الفيديو الفاضح لشباتان تقومان باعمال مخلة بالأدب.. تفاعل الجميع مع الفيديو وكل منهم عبر عن رأيه حسب معتقداته
وبيئته.. ومنظورة ورؤيته.. فيما فئة قليلة مال لتعاطف
الفتاتان

طرق على الباب بحدة فتحت الباب مسرعة فرمقها
باشمئزاز قائلًا:

-انا الظابط المسئول عن قضية الفيديو الفاضح

وقبل أن تجيبه كانت ترمق من يقف خلفه بتوجس

تجلس فوق الأرضية منكمشة على نفسها بعدما نفس
والدها عن غضبه للمرة التى لاتعلم عددها.. وتركاها شبه
عاجزة والالم يعصف بها.. تمور بها الحمى وجسدها ينتفض
وتلسع عبرات الخيبات وجهها تكتم الآهات بجوفها عاجزة
عن استيعاب ما آلت إليه أمور حياتها.. ولجت والدتها
ففتحت جفنيها عدة مرات فرؤيتها اصبحت مشوشة
لديها فهمست والدتها:

-كدا يا فاتن ديه اخرتها تفضحينا كدا مفكرتيش
فيا ولا فى اخواتك أنا ربيتك كدا ياخسارة تعبى
يا بنت بطنى

همست بتقطع:

-والله ولا أنا ولا نادين

-اخرسى فضحتينا ومتجبيش سيرة الز.فته ديه تانى

نهضت والدتها تخرج وقد نست هاتفها حاولت مسرعة
الوصول إليه زحفت حتى وصلت إليه وبالاخير وصلت
إليه بعد مجهود وضغطت على لوحة الأرقام وانتظرت
الأجابة لكنه كان خارج التغطية اغمضت عيناها بألم
أين هى رفيقة عمرها وماذا فعلوا بها هى الأخرى

دقائق مرت وهى ساكنة لا تتحرك حاولت النهوض
وسحبت ورقة وقلم كتبت بعض الكلمات ووضعت الورقة
ومن فوقها القلم ثم فتحت
الدرج وتناولت كيس اسود واخرجت منه حبة ووضعتها فى فمها وبلعتها.. دقائق اخرى وكانت لا استجابة للحياة
لا نفس يدخل أو يخرج.. لا نبض وكانت صرخات اختها الصغيرة خير دليل على سقوطها بلا رجعة
يتبع

 

 

 

0 0 votes
Article Rating
____

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x