رواية مغرم مجنون الفصل السابع والعشرون 27 بقلم خديجة أحمد
رواية مغرم مجنون الفصل السابع والعشرون 27 بقلم خديجة أحمد
البارت السابع والعشرون
#مغرم_مجنون
البارت السابعه وعشرين
راكان شالها بسرعة من على السرير، قلبه بيخبط فصدره كأنه بيحاول يهرب منه.
إيده كانت بتترعش وهو بيحضنها، والبرد اللي في جسمها بيخترق جلده.
نزل السلالم وهو بيصرخ بصوت متقطع:
— العربية بسرعة!.. بسرعة يا جماعة!
الجُمل كانت خارجة من بين شهقاته أكتر من كونها كلام.
جري واحد من البودي جاردات فتح العربية، وراكان دخل شايلها كأن نفسه متوقف لحد ما تتنفس هي.
كل ثانية كان بيبص على وشها، بيهمس بدعاء مبحوح:
— يا رب… يا رب ما تاخدهاش مني…
وصوت أنفاسه المتلاحقة كان بيملأ العربية كلها، لدرجة إن السواق نفسه كان بيحاول يخفي رجفته.
لما وصلوا المستشفى، راكان نزل وهو مش حاسس برجله، صوته طالع مخنوق:
— دكتور!! حد يساعدني!
الممرضين جريوا عليه وخدوها،
بس لما حاول يمشي وراهم الممرضة وقفته بإيدها:
— استنى برا يا فندم، إدينا وقت نطمن عليها.
وقف في الممر، والباب اتقفل قدّامه.
عيناه معلقة في مقبض الباب، كأنه لو سبها لحظة ممكن تختفي هي.
إيده كانت على شعره، وصدره بيطلع وينزل بعنف.
كان بيحسب كل ثانية… كل صوت معدّي، كل خُطوة جوا، كأنه مؤشر للحياة أو الموت.
لحد ما خرج الدكتور.
راكان جري عليه قبل ما حتى يرفع راسه، صوته كان بيترجّى:
— هي كويسة يا دكتور؟ قولّي إنها كويسة!
الدكتور سكت لحظة…
بص له بنظرة رحمة وقال بهدوء كأن الكلمة نفسها بتؤلمه:
— البقاء لله يا أستاذ… شدّ حيلك.
الكلمة نزلت عليه كرصاصة.
عقله وقف… عارف معناها بس رافض يصدق.
وشه اتغير في لحظة، الدم انسحب منه، وصوته خرج متقطع:
— ماتت؟ يعني إيه ماتت؟!
اتراجع خطوتين لورا، ووشه بدأ يدوخ.
— يعني خلاص… مش هشوفها تاني؟ مش هتضحكلي الصبح؟
الممرضة لحقت تمسكه قبل ما يقع.
— حضرتك كويس يا أستاذ؟!
بس هو كان في عالم تاني.
بصّ لها بعينين ميتين من جوّا، فيها فراغ يخوّف.
هزّ راسه بتوهان ومشي ناحية الباب اللي دخلت منه.
دخل الغرفة.
كل حاجة فيها كانت بيضا، بردها قاتل، وسكونها خانق.
عيناه كانت بتدوّر عليها زي طفل تايه عن أمه.
ولما شاف الغطا الأبيض على السرير، قلبه وقع جوّا صدره.
قرب بخطوات مهزوزة، وصوته طلع متقطع بالغضب والإنكار:
— هاجر مماتتش! إنتوا ليه مغطيينها كده؟ مش هتعرف تتنفس تحت دا!
جرى وشال الغطا بإيده اللي بتترعش.
وشها كان هادي… هدوء يخوّف.
نورها اللي كان مالي المكان اختفى، ملامحها ساكنة كأنها بتنام ومش ناوية تصحى.
نزل على ركبته جنبها، صوته اتكسر:
— هاجر… حبيبتي قومي… عرفيهم إنك مموتيش… انتي بس بتدلّعي عليا، صح؟ قومي يا هاجر…
استناها تتحرك… بس الصمت كان تقيل لدرجة إنه وجع ودانه.
دموعه نزلت بحرارة، وكتفه اتهزّ، وصدره طلع منه شهقة كسرت السكون كله.
وقع على الأرض جنب السرير، حاطط وشه على صدرها، مستني يسمع نبض…
لكن مافيش غير الفراغ.
الممرضة غطّت بؤها بإيدها، والدموع غرقت عينيها.
والدكتور قال بصوت خافت للممرضة:
— خليه يا بنتي… هو محتاج اللحظة دي.
الغرفة كلها بقت بكاءه…
صوته وهو بيناديها، بيغرق في الصمت كأنه بينادي على روحها.
يوم الجنازة
السماء كانت غامقة، والسحاب مغطي الشمس كأن الدنيا لابسة سِواد معاهم.
راكان واقف قدام النعش، عيونه مورّمة وتحتها سواد تقيل، شكله زَيّ اللي مرّ بحرب.
نفسه مش منتظم، وإيده بتترعش وهو ماسك السبحة، بيعدّ في كل حبة وجع.
عبدالرحمن جمبه، ماسك في دراعه خوفًا يطيح على الأرض.
وياسمين واقفة على بعد خطوتين، بتعيط بس بتحاول تمسك نفسها علشان ما تقعش قدّام الناس.
الجو كله كئيب، حتى الهوا بيعدّي ببطء كأنه مش عايز يزعج الميتة.
الشيخ بدأ الدعاء، وصوت “آمين” من الناس كان متكسر، باين عليه التعب.
راكان بصّ على النعش، وشه مش قادر يعبّر.
بس صوته خرج مبحوح، متقطع بين شهقات:
— كنتِ بتخافي من الأماكن الضلمة يا هاجر…
مش عارف أسيبك لوحدك دلوقتي…
عبدالرحمن حاول يقرب وقال بصوت هادي:
— هي خلاص ارتاحت… هي في مكان أحسن.
بس راكان كأنه ما سمعش.
دمعة نزلت من عينه، وقعت على التراب، وبعدها قال بصوت مكسور:
— ارتاحت؟ وأنا؟ أنا أعيش إزاي من غيرها؟
الشيخ كمل:
“اللهم اجعل قبرها روضة من رياض الجنة…”
الكلمات خنقته.
حس إن كل حرف منهم بينزل عليه كتراب القبر.
كان شايف الصورة الأخيرة وهي نايمة، بردها لسه في إيده.
بعد الدفن
الناس بدأت تمشي، والهمس اختفى.
التراب لسه طري، وريحتُه فيها وجع الوداع.
عبدالرحمن شدّ دراع راكان وقال له بهدوء:
— تعالى نمشي يا صاحبي… كفاية كده.
بس راكان ما سمعش.
كان واقف قدام القبر كأنه شايفها قدّامه، عيونه فاضية، صوته واهي:
— مشيتي يا هاجر… ملحقتش أتهنى بوجودك… لسه كان في حاجات كتير بينا.
نزل على ركبته، حط إيده على التراب، مسكه كأنه بيحضنها من خلاله.
دموعه وقعت واحدة ورا التانية، وبقت الطين تحت إيده مبلول بدموعه.
قال بصوت متكسر:
— سامحيني… سامحيني لو وجعتك في يوم…
عبدالرحمن وقف وراه، عاجز حتى يقول كلمة.
كل حاجة حواليهم سكتت إلا صوت الريح اللي بتحرك الشجر فوق القبور.
رفع راكان راسه للسماء وقال بصوت خافت بيترجّى:
— يا رب… اجمعني بيها، حتى لو في حلم.
قعد على الأرض، عيونه بتدوّر في الفراغ كأنه بيكلمها بعينه.
مد إيده ناحية القبر وقال بابتسامة باكية:
— لو النهايات كانت بإيدينا… ماكنتش سبتك تمشي قبلي.
قام بصعوبة، خطواته تقيلة كأنه شايل العالم على كتافه.
ولما وصل أول المقابر، بص ورا وقال بصوت مبحوح:
— هتوحشيني… يا أحلى حاجة في حياتي.
وفجأة… فتح عيونه بسرعة!
قام مفزوع، والعرق مغرق وشه، وصدره بيطلع وينزل بعنف.
بص حواليه، لقى نفسه في أوضته، النور الخافت من الشباك بينور الحيطان.
إيده على صدره…..هاجر جمبه، ولسه حاسس بنفس الوجع… كأنه الكابوس كان حقيقي.
همس لنفسه بصوت مبحوح:
– كابوس؟… ده كان كابوس؟
يتبععع
- لقراءة باقي فصول الرواية أضغط على (رواية مغرم مجنون)
لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها
أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)