رواية لأجلها – جميع الفصول في مكان واحد | بقلم أمل نصر
رواية لأجلها – جميع الفصول في مكان واحد | بقلم أمل نصر
تعتبر رواية لأجلها واحدة من أهم الروايات التي تُنشر مؤخرًا وهي رواية للكاتبة المميزة جدًا والغنية عن التعريف أمل نصر (بنت الجنوب) ونوفر لكم الرواية كاملة اليوم للقراءة في صفحة واحدة وسنوفرها pdf للتحميل إذا أردت ذلك.
رواية لأجلها الفصل الأول
انت هتهزر معايا إياك، اديني اسورتي يا جدع انت.
– لا والله ما بهزر ، انا بس عايز اتأكد، هي بتاعتك ولا لاه، اصل يعني حضرتك جاية تسحبيها من غير كلام، طب انا إيش ضمني انها تخصك.
خرجت منه الكلمات بمشاكسة لها، رغم الذهول العجيب الذي أصابه، وهو يرى مزيجُا من الشراسة والفتنة، جريئة وبرية لا تهاب احد، حتى وهي في منطقة خالية الان ولا يوجد معها سوى رجل غريب عنها
– وعايزيني اثبتلك كيف ان شاءالله؟ ما انت شوفتني بنفسك وانا هنا امبارح وبغسل وشي، يعني اكيد جيت ورايا ولجيتها، بدليل انك جاي النهاردة تجولي عليها
رفع كف يده امامها ملوحًا”
– ودا يثبتلك اني راجل امين وبدور على صاحبة الاسورة ، لكن دا مش معناه اني على يقين أنها بتاعتك،
حضرتك انا اول مرة اشوفك، هو انا اعرفك بت مين انتي اساسًا ؟
باستنكار احتل محياها تربعت بذراعيها تردد بسخرية :
– شوف ازاي، يعني جنابك عايزني اجيبلك اسمي واسم اهلي كمان عشان تديني حاجتي .
تبسم يميل برقبته نحوها قائلا:
– اجل ما فيها، مش يمكن لما اعرف اسم ابوكي اعرفه من عيلة مين؟ وان هو كان راجل صالح ولا غير صالح، وبناءا عليه احدد تربية بنته.
إلى هنا والتهبت عينيها ببريق خطر تهدر به؟
يتبع….
رواية لأجلها الفصل الثاني
بنشاط اعتادت عليها، استيقظت مبكرا تسقي أشجار التين والعنب وبعض الخضروات الموسمية التي زرعتها حذيثًا في تلك الحديقة الصغيرة التي تعتبرها جنتها ومتنفسها، بعيدا عن ذلك المنزل الخانق، الذي لا يربطها به سوى ابنتها حبيبتها، هي التي تضع عليها الآمال وتتحمل من أجلها كل شيء ، عرفان القاسي وضرتها الماكرة صاحبة سجل طويل من المؤامرات التي حاكتها لها من وقت ان وطأت اقدامها ذلك المنزل.
اغلقت صنبور المياه تطوي خرطوم الري، حتى تضعه في جانب أسفل إحدى الشجيرات، ثم تناولت حزمتي البقدونس والجرير التي قطعتهم من الأرض قبل أن تسقيها لتدخل بهم المنزل تستنشق رائحتهم القوية داخل صدرها فتزداد انتعاشًا.
وضعتهم على مائدة السفرة الفارغة في هذا الوقت والتي تتوسط المدخل، متجهة إلى غرفة ابنتها تنوي ايقاظها، وكانت المفاجأة حينما وجدتها جالسة على جانب الفراش بوضع لم تعتاد عليه ابدا منها
– وه، من الساعة سبعة الصبح الأميرة ليلى صاحية يا ولاد، دي مبتحصلش حتى في عز امتحاناتها.
ابتسامة خفيفة ارتسمت بثغر ليلى، تجاري والدتها المزاح حتى تخفي توترها:
– واهي حصلت يا ست الكل، تفرحي ببتك بجى ولا تحرضيني عشان ارجع انام تاني، انا على تكة اصلا .
– لا يا ختي وعلى ايه، جومي ياللا اغلسي وشك وصلي عبال ما احضر انا الفطار ، خلينا ناخد اليوم من اوله، ياللا جومي.
قالتها وما ان همت بالخروج حتى اوقفتها ليلى بالنداء :
– ما انا كنت عايزة اروح بيت جدي النهاردة .
قطبت مزيونة تسألها:
– تروحي ليه؟ ما انتي كنتي امبارح هناك.
بابتسامة اجادتها ردت ليلى:
– ما انااا شكلي نسيت اغير مية الشرب من قدام الحمام، معرفش عقلي كان فين؟ راعيت انضف العشش تحتيهم، ونسيت ان الميا نفسها كانت معكرة.
طقطقت مزيونة بفمها صوت استياءًا، تستنكر فعلها:
– وه، معكرة يا ليلى وسبتيها، حرام عليكي يا بتي، دي بجالها اسبوع اصلا، انتي تخلصي فطار وتخطفي رجلك عليهم وتاجي بسرعة، مش عايزة كلام وحديت من مرة ابوكي
عبست ليلى رغم راحتها بموافقة والدتها للخروج لتغمغم في أثرها فور أن تحركت ذاهبة من أمامها:
– ضربة في كرشها، مالها هي اطلع ولا ادخل، كانت ابويا ولا كانت امي.
– تكون زي ما تكون مش عايزين رط ولا وجع دماغ يا ليلى.
تمتمت بالكلمات مزيونة من خارج الغرفة لتصل إلى ابنتها القلقلة من الأساس، لتتذكر تلك الاسورة التي كانت تزين رسغ يدها منذ الأمس، ولكنها استيقظت مبكرا على اختفائها بعدما غفلت عن الانتباه ولم تدرى متى فقدتها، لينتفض عقلها من ثباته ويجعلها تعي على هفوتها في وقت راحتها، فتحدث نفسها الان بحيرة:
– يا ترى راحت فين بس يا ربي؟ انا مش كد زعل امي، دي أغلى هدية جابتهالها في عز حوجتها.
❈-❈-❈
في منزل حماد القناوي
كانت الأسرة مجتمعة بأكملها تقريبا على مائدة الطعام في تناول وجبة الإفطار، تترأس الطاولة الحاجة حسنية ، وبجوارها من الناحية اليمنى حمزة ابنها الأكبر، ومن الناحية الأخرى خليفة ابنها الأوسط وزوجته، ثم باقي المقاعد للاطفال من ابناءهم او أبناء شقيقاتهم
فلا ينقصها إلا الابن الأصغر معاذ، وقد اعتاد الجميع غيابه نظرا لظروف سفره الدائمة في الدراسة او تأخره في النوم ايضا، لكنه اليوم فاجأهم بحضوره على غير العادة مما اجبر الجميع للتوقف عن الطعام، والتطلع إليه فور أن طل أمامهم بهيئته المتأنقة، ليقابل فعلهم بالضحكات ساخرا:
– ايه يا جدعان في ايه؟ شوفتو حاجة غرببة؟
– ما غريب إلا الشيطان، هما بس متفاجئين يا غالي، دي من مدة طويلة معملتهاش وجومت فطرت معانا، ولا يكونش معاك مشوار؟
كان هذا الرد من حمزة لتضيف عليه حسنية:
– لا هو اكيد معاه مشوار، مش شايفه لابس الحتة اللي ع الحبل.
تدخل خليفة ايضا يشاركهم الترجيح:
– اه والله ياما، مش محتاجة فراسة، المهم بجى السؤال ، مشوار ايه ده بالظبط اللي صاحيله بدري ولابسله الجلبية؟
تمتم معاذ يقترب من الطعام فيتناول بعض اللقيمات واقفا دون ان يجلس كالبقية:
– وه يا خليفة حتى انت كمان بتسأل؟ هي النضافة والنشاط كانوا حاجة جديدة عليا يعني ولا ايه بس يا جدعان؟ دا العادي بتاعي على فكرة، دا انتو كمان ماشوفتونيش في السكن الجامعي، بطبخ وبنشر واكوي هدومي مع الزملاء، دول يفضحوني لو ما كنتش ايدي في ايدهم،…… ايوة أمال ايه؟ ما هو هناك محدش احسن من حد
كان يردف كلماته بتقطع نظرا لامتلاء فمه، مما أجبر حمزة ان يزجره صائحًا:
– طب كل لجمتك وانت جاعد، متخليش العيال تقلدك يا معاذ
سمع منه لينفص كفيه منهيًا طعامه:
– لا خلاص يا عم لا يقلدوني ولا اقلدهم، انا اساسا شبعت ويدوب اللحق مشواري مع اصحابي، عن اذنكم.
هم ان يذهب وفور أن تحركت قدميه ليستدير صاحت به حسنية:
– طب مش هتقول رايح فين الأول يا واد؟
– ياما بجولك مشوار مع اصحابي، سلام بجى
تمتم كلماته متوجها نحو الخروج دون انتظار، لتغمغم في أثره هاله هامسة لزوجها بصوت بالكاد يصل لأذنه:
– يا خوفي ليكون المشوار ده وراه حريم .
توقف خليفة عن مضغ طعامه، والتفت رأسه نحوها بعبوس يأمرها بصوت خفيض هو الاخر:
– حطي همك في وكلك يا هالة، وبلاش تشغلي مخك بحد، كُلي ووكلي عيالك، ربنا يهديكي.
❈-❈-❈
بقطعة قماش كانت مزيونة تمر على الأثاث تمسحه وتنظفه من الأوساخ، فداء النظافة مستفحل بها لأقصى درجة.
مرت على الصالون ومائدة السفرة فلم يتبقى سوى المرآة والتي كانت تضغط عليها بدقة رغم نظافتها من الأساس، حتى اضاءت بلمعة اسعدتها جعلتها تتبسم براحة وهي تطالع الصورة بها، فانتبهت على انعكاس وجهها به، فخبئت ابتسامتها
تتذكر ملامحها التي قاربت على نسيانها من كثرة الأهمال، وكأنها تنظر إلى مرأة لا تعلمها؛ وجه اهلكته الهموم وسرقت منه حيويته، امرأة بائسة، وليست تلك المدللة كما كانت في بيت ابيها قديمًا، والتي كانت ممتلئة حياتها بالمرح واحلام الفتيات الوردية في العيش مع فارس الاحلام وحياة سعيدة، بعد ان حُرم عليها حلم اكمال تعليمها بحكم العادات القديمة المتحكمة في القرية بزواج الفتيات صغيرات، وترك التعليم.
نظرت جيدًا لوجهها الباهت من كل مظاهر الحياة، فهى دائما ماتبدوا حزينة وذلك لما عاشته ورأته فى حياتها ، بعد تلك الحادثة في ولادة ابنتها التي افقدتها الجزء القاسم في أنوثتها، حتى جعلها ناقصة امام زوجها القاسي والذي لم يحتمل او يصطبر عليها، فأتى بالزوجة الثانية لكي تذيقها الامرين
متسلطة وخبيثة، ومع انحياز عرفان لها كانت تفعل كل شيء من اجل كسرها، حتى اطفأتها من الداخل وافقدها ثقتها بنفسها، فكلما حدثت مواجهة او شجار بينهما يتحول لصالحها مهما كانت مخطئة، مدامت تجد دائما من يساندها، وأن اعترضت هي او اشتكت تُعاير بذلك الشيء الذي انقصها عن جميع النساء
مسحت مزيونة دمعتها الغادرة، بعدما أتت برأسها كل الذكريات السيئة، لتبتعد بوجهها عن المرآة تلك التي جلبت عليها المواجع بمجرد ان نظرت بها ورأت وجهها الذي كان يتغنى بجماله معظم من يعرفها ،
ألقت بالقماشة ارضا تهم الذهاب إلى الحمام وغسل وجهها، يا ليتها تغسل همومها ايضا
………………….
.
بحثت في منزل جدها وفي اعشاش الحمام وفي كل ركن حتى أصابها التعب دون فائدة، لتواصل رحلتها حتى مكان المجرى المائي، تنظر اسفله وحوله ف جميع الاتجاهات محدثة نفسها:
– راح فين دا بس؟ راح فين يا ربي؟
– بتدوري على حاجة يا آنسة؟
اتاها الصوت الرجولي من خلفها تلتف إليه مجفلة، ولكن وفور وقعت عينيها عليه، عبست ملامحها في الرد عليه دون اهتمام:
– وانت مالك باللي بدور عليه؟ خليك في حالك .
– حتى لو كان معايا اللي تايه عنك
التفت تطالعه بانتباه امتزج بريبة تسأله:
– جصدك ايه؟ انت تعرف انا بدور على ايه؟
لم تكد تنهي سؤالها حتى وجدته يرفع الأسورة نصب عينيها لتشهق بلهفة متوجهه نحوه ، لكن وفور أن اقتربت منه، رفع الاسورة للأعلى بعيدا عن متناول يدها، فبرقت عينيها بغضب نحوه:
– انت هتهزر معايا إياك، اديني اسورتي يا جدع انت.
– لا والله ما بهزر ، انا بس عايز اتأكد، هي بتاعتك ولا لاه، اصل يعني حضرتك جاية تسحبيها كدة من غير كلام، طب انا إيش ضمني انها تخصك؟
خرجت منه الكلمات بمشاكسة لها، رغم الذهول العجيب الذي أصابه، وهو يرى مزيجُا من الشراسة والفتنة، جريئة وبرية لا تهاب احد، حتى وهي في منطقة خالية الان ولا يوجد معها سوى رجل غريب عنها
– وعايزيني اثبتلك كيف ان شاءالله؟ ما انت شوفتني بنفسك وانا هنا امبارح وبغسل وشي، يعني اكيد لما جيت ورايا لجيتها، بدليل انك جاي النهاردة تجولي عليها
رفع كف يده امامها ملوحًا”
– ودا يثبتلك اني راجل امين وبدور على صاحبة الاسورة ، لكن دا مش معناه اني على يقين أنها بتاعتك،
حضرتك دي اول مرة اشوفك، هو انا اعرفك بت مين انتي اساسًا ؟
باستنكار احتل محياها تربعت بذراعيها تردد بسخرية :
– شوف ازاي، يعني جنابك عايزني اجيبلك اسمي واسم اهلي كمان عشان تديني حاجتي .
تبسم يميل برقبته نحوها قائلا:
– اجل ما فيها، مش يمكن لما اعرف اسم ابوكي اعرفه من عيلة مين؟ وان هو كان راجل صالح ولا غير صالح، وبناءا عليه احدد تربية بنته.
إلى هنا والتهبت عينيها ببريق خطر تهدر به:
– اسمع اما اجولك، انا متربية احسن من مية زيك، واسورتي مش محتاجة إثبات، لأنها بتاعتي، ومعمولة مخصوص عشاني، يعني مفيش غيرها اساسًا .
ولو روحت لأي صايغ هيقولك مش من عندي، الا عملناها عنده، هيخبرك انها بتاع فلانة الفلانية، ومكتوب عليها اسمي كمان ليلى
تبسم باتساع حينما تفوهت بإسمها الذي علمه منذ الأمس بالقرائن، ليقبض عليه داخل كفه معقبا على قولها:
– ياااه، لدرجادي انتي اهلك اغنيا يا ليلى، عشان يتعملك دهب مخصوص .
رفعت اليه ذقنها بعزة لتتحدث عن شيء يزيدها فخرا كلما ذكرته:
– انا ابويا غني صح، بس مش لدرجة يعملي دهب مخصوص عشان مخلف غيري، لكن عندي ام تعملي النجوم في عقد لو طالت، وتبقى أسد لو حد بس هوب ناحيتي بنص سنتي، زي ما هتعمل معاك لما اجولها انك سارق اسورتي.
قالت الأخيرة بتهديد ووعيد، توهجت به عينيها الجميله أمامه بشر أثار بقلبه مرحًا جعله يطلق ضحكة مدوية:
– انتي مفترية جوي يا ليلى، يعني مش كفاية لسانك طويل وبتشتمي على الفاضي والمليان، كمان عندك ضمير ميت تتهميني تهمة كبيرة زي دي عشان بس عايز اتأكد انها بتاعتك .
– انا بس بقول كدة عشان اثبتبتلك اني حاجتي هاخدها يعني هاخدها، يعني الأحسن تديهاني بالزوق.
يعجبه هذا التحدي بلهجتها، كما يعجبه لغة الاعتزاز بنفسها وبوالدتها، اخلاقه تأمره ان يعطيها اسورتها، ولكن قلبه يمنعه، ويجبره على المجادلة معها واقتناص الحجج من اجل بقاءها اكثر امام عينيه:
– والله يا آنسة ليلى انا مش ممانع اديهالك ، يعني مفيش داعي للتهديد، بس بما انك دخلتيني في السكة دي، ممكن تفهميني هتعمليها ازاي لو انا مشيت دلوك بالاسورة وركبت الحصان على بيتنا، انتي تعرفي اصلا انا واد مين عشان تبعتي ورايا اللي يهددني ولا يشكمني.
تلبكت لوهله تتخيل لو فعلها بحق، وذهب بالاسورة هذا الرجل، مين أين لها أن تأتي به وهي لا تعرفه من الأساس، اءن فالتخفف من حدتها:
– انت مصمم تكبر الموضوع، ما تحط الاسورة جدام عينك وشوف الاسم المحفور داخلها، هكدب عليك ليه انا .
– اممم عندك حق.
تمتم بها بلؤم ليرفع الاسورة امام عينيه يدعي البحث عن الاسم بالفعل، رغم حفظه لكل نقوش الاسورة التي ظل ساهرا عليها طوال الليل.
– ليلى …. ليلى… ل…… ايه ده؟
صدرت الأخيرة منه بإجفال ناظرًا نحوها، بعدما باغتته بخطفها من بين انامله، لا يعلم كيف فعلتها بهذه الفرق الشاسع بينها وبينه في الطول، ولكن لما العجب؟ فالقطة الشرسة قادرة على فعل كل شيء
– حضرتك الحركة دي مش حلوة خالص، انك تخطفيها من ايدي، كان لازم تديني فرصتي عشان اتأكد
قبضت على الاسورة داخل كفها بانتصار تخاطبه بتحدي؛
– حلوة ولا عفشة ميهمنيش عشان انا خدت حقي، ولا انت لسة شاكك انها تخصني، تقدر تسأل عني زين، انا بنت عرفان الاشقر، أسأل عن عيلة الأشقر ولا عيلة الاحرار، عيلة امي، مزيونة الحرة وابجى اشتكي براحتك عشان تبقى جيبت لنفسك الكلام.
ختمت كلماتها وتحركت مغادرة من أمامه، لتتبعها عينيه بسعادة غامرة، بعد أن نال الحظ بالحديث معها ومشاكستها، ثم الختام بمعرفة هويتها ولقب عائلتها منها، لقد وفرت عليه نصف الطريق.
❈-❈-❈
بأنفاس لاهثة عادت ليلى الى المنزل، قابضة داخل كفها على الاسورة العزيزة التي وجدتها مع ذلك الشاب الغريب، لتنقذ الذكرى الأجمل لها مع والدتها، تلك التي تدفعها دائما للتقدم، وهي قد أقسمت الا تخيب رجاءها.
ارتدتها مرة اخرى تزين رسغها، قبل أن تنادي والدتها بثقة:
– امي انا جيت انتي فين؟
جاءها الصوت من مسافة بعيد إلى حد ما بداخل الفناء الخلفي للمنزل:
– انا هنا بوكل الطير يا ليلى، دقايق ورجعالك
همت ان تتحرك متوجهة نحوها ولكن منعها جرس المنزل الذى دوى فجأة، يرافقه بعض الأصوات الانثوية وكأنه حديث بين عدد من النساء، لتفاجأ ليلى فور أن قامت بفتح الباب بتلك الملعونة زوجة ابيها تقف امامها ومعها امرأتان لا تعلمهم ولم يسبق لها ان رأتهم سابقًا، يحدقن بها متفحصات بأعين متربصة كالصقور من راسها الى اخمص قدميها، ابتسمت صفا ابتسامة كبيرة بعرض وجهها الممتلئ وموده غير معهوده :
– ازيك ياحبيبة جلبي، عاملة ايه النهاردرة؟
بشيء من الذهول ردت تجيبها بضيق لا تخفيه:
– اهلًا، انا زينة والحمد لله، هو انتِ عايزة حاجة؟
تجاهلت صفا، تصطنع الابتسام امامها:
– طب سلمي يا حبيبتي الأول على الناس الضيوف ولا انتِ هتتكسفي منهم ؟
رغم عدم ارتياحها من الأمر، تقدمت ليلى نحو احداهن
تمُد كفها للمصافحة بارتياب، فجذبتها المرأة الأولى تقبلها في وجنتيها عنوة حتى اثارت امتعاضها وهي تردد :
— اهلًا يا حبيبتى ما شاء الله عليكي اسم النبي حارسك وصاينك .
قالتها المراة المتشبثة بليلى والتي فور ان نزعت نفسها عنها بصعوبة، وجدت الآخرى تجذبها ايضا، لتفعل نفس الشئ، بشكل زاد من استيائها خصوصًا وهي تشعر بيد المراة على اضلعها وكأنها تتبين حجم الدهون بها، تراجعت عنهم بخوف وهي لا تدري ما سر انقباض قلبها منهم؟ ومن هذه الزيارة الغريبة.
بقلب وجل تراجعت للداخل حتى تناست الاصول وواجب الضيافة، تريد الهروب او الذهاب بعيدًا عن أعين هاتان المراتان المريبتان ومعهما صفا التي لم تكن زياتها ابدًا تبشر بالخير ولكنها فاجائتها مرة اخرى تتقدم ساحبة النساء داخل المنزل خلفها وهي تسألها بابتسامتها السمجة والمزعجة:
– شوفليلنا امك يا نور عيني تاجي تسلم على الحبايب؟
– نور عيني! ودا من امتى ان شاء الله؟
رددت بالكلمات داخلها، تستهجن الوصف الغريب من فم امرأة مثلها، ثم تمالكت تجيبها بفظاظة تقصدها:
– امي جاعدة جوت بتأكل الطيور…. هو انتوا عايزين حاجة؟
للمرة الثانية استطاعت صفا كبح غيظها من ليلى وقصدها الواضح في احراجها، لتصدر ضحكتها المائعة وهي تزيحها من امامها بخفة
لتواصل التقدم الى داخل غرفة الضيافة وتدعو النساء وكأنها صاحبة المنزل للدخول، وهي تقول بتفكه بغير محله:
– طب استني لما ندخل ونستربح الاول انا والضيوف وبعدها اتكلمي واسالي، يخرب مطنك يا ليلى .
عبست الأخيرة بضيق متعاظم وهي تجدها تجلس
على كنب الصالون لتجبر على اتباعهم قائلة:
– طب انا هادخل جوا اروح اندها.
خرج صوت المراة الاولى يوقفها :
– لا استنى عندك يا حلوة وتعالي اجعدي هنا جمبي شوية.
توسعت ابصار ليلى نحو المرأة التي تشير بيدها كي تجلس بجوارها على الاربكة الاثيرة للصالون .فهمت لتعترض ولكن صفا احرجتها بقولها :
– يا حبيبتي واجفة ليه ؟ خالتك عايدة مش غريبة دي تبجى بت عم ابوكي ومن عيلته يعني تقوليلها يا عمة، يعني جوزها مش بس شريك ابوكي ، لا دا كمان جريبه .
أكملت المرأة بتشجيع :
– عمتها طبعًا امال ايه ؟ تعالي يا بنيتي تعالي .
لم تنصاع ليلى لمطلبها، ولكنها اضطرت للجلوس على كرسي بعيد ما عنها، تتحاشى النظر نحو تلك المرأة التي تمشطها بغير توقف وهي تسألها :
– على كدة انتِ عندك كام سنة يا قمر انتي؟
قطبت مستنكرة السؤال، ولكن صفا تولت الرد
– عندها ١٧ سنة وشهرين، يعني عشر اتشهر شاء الله وتكمل ١٨.
نقلت المراة رأسها نحو المرأة الاخرى لتتبادل معها بنظرة رضا، فتردف بلهجة غامضة:
– عال عال دا عز الطلب.
رددت خلفها ليلى:
– هو ايه اللي عز الطلب ؟
ردت المرأة بابتسامة فقالت صفا بملاوعة:
– عمتك ام همام قصدها انك صغيرة وحلوة ودا احلى سن ؟
– هو ايه اللي احلى سن ؟
قالتها مزيونة التي اتت فجأة من الداخل، لتتنفس ليلى الصعداء، لمجرد رؤيتها حتى تتمكن من الهروب من هذا الحصار الخانق حولها، نهضت المرأتان لاستقبالها ، ومعهم صفا التي ردت :
– تعالي يا ام ليلى سلمي على ضيوفك اللي جولك النهاردة مخصوص يتعرفوا عليكي .
قطبت مزيونة حاحبيها بحيرة وهي تتقدم نحوهما لتتولى الترحيب بالضيفات، فقبلتها الأولى بمودة :
– يا اهلًا يا غالية من بدري ماحد شافك، والله وليكي وحشة
بادلتها الرد بروتينية كما يحدث في هذه المواقف، وكما فعلت مع الأخرى، لتدعوهم للجلوس، قبل أن تتوجه لابنتها بنظرة محذرة وهي تدعوها للذهاب :
– جاعدة ليه وسطيهم يا بت؟ مش تعملي حاجة تضايفيهم بيها ؟
سمعت منها ليلى لتنهض بلهفة وكأن امر والدته قد َأتى اليها نجدة:
– حالًا ياما .. هاقوم اعملهم حاجة يشربوها او حتى ياكلوها ونهضت مهرولة رغم سماعها لاعتراض المدعوة عايدة :
– ماتسيبها يا مزيونة تقعد وسطينا هو احنا اغراب عشان تضايفنا .
ردت تجيب المرأة بدبلوماسية:
– وماله يا حبيبتي، حتى لو كنتوا اصحاب بيت، برضك الاصول اصول ولا إيه ؟
قالت الاخيرة مخاطبة الأخرى ايضا، حتى وافقتها بحرج، متجاهلة صفا التي كانت تجز على اسنانها من غرور تلك المزيونة وجلستها بين النساء مرفوعة الرأس والهامة رغم كل ماتفعله هي بيها كي ترى منها ولو مرة واحدة نظرة انهزام او تحسر ترضيها من الداخل .
استمرت جلسة النساء مع مزيونة وهن يحادثنها بمودة وكأنهن يعرفنها منذ فترة طويلة، وهي تجاريهن في الحديث بكل زوق وترحاب رغم تعجبها؛ لتلك الزيار الغريبة وهذا الود المبالغ فيه من المرأتين التي كانت بالكاد تعرفهم، وتلك المتلونة تتحدث معها بلطف مفاجيء، وكأنها حبيبة وليست افعى في هيئة أنثى،
اذن ما سر تلك الزيارة؟ فهي لم يحدث ابدًا ان وطدت علاقتها بهما طوال فترة زواجها، وشراكة المدعو عيسوى او ابنه همام و……. اللعنة، كيف نست ان تلك المرأة تبحث لابنها عن عروس كما سمعت من إحدى النساء؟
-❈-❈
داخل غرفة مكتبه في المنزل
وقد كان منكفئا على إحدى الملفات يراجعها بدقة وتركيز حتى انه لم يشعر بدلوف والدته اليه، فجاء التنبيه منها هي:
– شكل البيه بتاعنا مشغول جوي النهاردة وياعالم هيرضى يسمعنا ولا لاه؟
انتفض على الفور يتلقفها يالترحاب مستنكرا:
– وه يا حجة حسنية، هو احنا نطول اصلا، تشريفك اوضة المكتب دا اصلا حاجة كبيرة، دا احنا زارنا النبي يا ولاده
– وووه ، بطل بكش يا واد
غمغمت بها تدفعه بقبضتها بكتفه، مستهجنة المبالغة، رغم غبطتها بالتفخيم الذي يغمرها به، وقد تناولت يده كفها تسحبها للجلوس على الكرسي المقابل له بإجلال مرددًا :
– ماسمهوش بكش يا حجة، اسمه إعطاء حق، دا انتي البرنسيسة بتاعتنا، والكلام ده كله قليل عليكي.
جلس يشاهد تأثير الكلمات على بشرتها التي طفح بها اللون الوردي يرافق ابتسامة السعادة لإطراءه، رغم استنكارها:
– يا واد كفاية عاد، برنسيسة ايه؟ وكلام فاضي ايه؟ خف الجلع والمسخرة عشان اعرف اكلمك
وعلى عكس ما طلبت، زاد من جرعة المشاكسة:
– جلع ايه بس يا حجة يا حلوة انتي، هو انا لحقت اجول كلمتين بس عشان وشك يورد كدة ولا بت ١٧ ، قلبه جامد الحج حماد انه سابك والله .
اخجلها بحق حتى لوحت بقبضتها والمسبحة به، حتى يكف، تكتم بصعوبة ابتسامتها، مما جعله يضحك بملء فمه حتى توقف اخيرا يردف بجدية:
– وه يا حجة يا حسنية لو الاقي بس واحدة زيك
تحولت هي أيضا تتذكر السبب في مجيئها اليه، لتردف بشيء من الحدة:
– وهو اللي خلق امك مخلقش غيرها ولا احسن منها كمان، انت بس أنوي يا ولدي ولا ادي لنفسك فرصة، وانا من بكرة اجيبلك احلى البنتة، ان شالله حتى بت خمس اتاشر
عبست ملامحه بضيق حينما سمع الأخيرة مرددًا:
– خمس اتاشر ياما! واحد داخل على الاربعين زيي ياخدها بت خمس اتاشر ، ليه هربيها مع ولدي؟
فغرت حسنية فمها للمجادلة، ولكنه أوقف المحاولة من البداية:
– اااا مجولتيش يا ست الكل، عن سبب الزيارة الاساسي لغرفة مكتبي المتواضعة؟
زفرت حسنية انفاسا مشحونة بغيظها، فها هو كالعادة يغلق الطريق عليها حتى لا يستجيب لطلبها، وكأن أمره لا يعنيها، ولكن لا بأس، هي خلفه حتى يرضخ، ويصلح خطأه الأول في عدم طاعتها:
– ماشي يا حمزة، هعمل نفسي مش واخدة بالي واطنش، عشان مزعلش منك يا ولد بطني…. على العموم انا كنت دخلالك اساسا عشان المشجلب التاني، اخوك الصغير اللي شكله هو كمان عايز يقلدك، بس انا لا يمكن اسمح انه يكرر الغلط.
– غلط ايه ياما اللي لا يمكن يتكرر؟ وماله معاذ اصلا عشان يبقى مشجلب؟
تمتم حمزة بالكلمات معبرا عن استياءه من طريقتها، وقد علم بما ترنو إليه دون جهد، ليأتي ردها بتأكيد ظنه:
– يعني انت عايز تفهمني انك مش واخد بالك؟ من ساعة ما خلص اجازته وانا لساني اتدلدل عليه عشان يتكلم على بت عمه، هيستنى ايه تاني؟ لما تتخطب بقى وتروح للغريب؟
عض على باطن خده من الداخل يكتم غيظه، فهو الادرى بغضبها الآن وثورتها التي سوف تقوم به؛ ان اعترض او عبر عن رفضه، وقد تضعه محل اتهام في تشجيع الفتى على العصيان:
– طب انا إيه دخلي يا حجة؟ اذا كنتي بنفسك كلمتيه ومردش، بيتشجلب بقى ولا يستهبل، انا راجل ملهي في شغلي ورعاية ولدي، معرفش ألامور الشخصية دي يا أمي.
ردت حسنية بابتسامة ماكرة احتلت محياها حتى اظهرت زوج الأسنان الفضية في الصف الامام في الجانب الايسر من ثغرها:
– لا ما انا عايزاك تقعنه يا غالي.
لم يكن اقل مكرا منها في استجابة فورية، يبادلها بابتسامة شقت فمه من الإذن إلى الإذن الأخرى حتى يتجنب غضبها:
– عيوني، هكلمه واعمل اللي عليه وانصحه عشان ميغلطش غلطتي ويسيب بت عمه اللي رباها على يده، ليكي طلب تاني يا حجة حسنية؟
غمرها رضاء تام تجيبه متلاعبة بالمسبحة بين اناملها:
– لا عين الحجة حسنية، قلبي وربي راضين عنك يا ولدي
………………. ….
عودة إلى منزل عرفان
وقد عاد إلى المنزل متأخرا من اعماله، بالقرب من الساعة العاشرة مساءًا بهيئته الضخمة، يدلف حاملا العديد من أكياس الطعام المعلب والفاكهة والحلوى، وغيرها من الأشياء التي لا يبخل بها عن نفسه ولا عن زوجته الأخرى المطيعة التي ترضيه، عكس مزيونة والتي تفاجأ بها اليوم جالسة في ردهة الاستقبال، تبدو وكأنها في انتظاره، مما أثار داخله التسلية والسخرية التي عبر عنها قائلا:
— مفوتة ميعاد نومك ومجمعزة جصاد الباب، لا تكوني مستنياني يا غالية؟!
اعتدلت بجلستها تجيبه ساخرة بابتسامة باهتة خالية من الحياة:
– نبيه طول عمرك يا عرفان، انا فعلا جاعدة مستنياك عشان عايزة اتكلم معاك.
ضحك بتحشرج، يسند الأكياس على إحدى الارائك الخشبية، يخرج من أحدها ثمرة تفاحة يقضم منها بشراهة وعيناه تشملها بنظراته الوقحة قائلا بفجاجة:
– طب واللي تسهر وتستنى جوزها، مش برضك كان واجب تجهزلوا نفسها بهدمة حلوة ولا قميص يبين المخفي عنه بجاله سنين تحت التوب الأسود اللي مش جلعاه ده.
تجمدت ملامحها بغضب واضح تهدر به:
– بلاش التريقة على اخر الليل يا عرفان انا عايزاك في موضوع يخص الناس اللي جم البيت النهاردة، عايزة اعرف مرتك جابت حريم بيت العيسوي على بيتي ليه؟
سمع منها ليقضم من التفاحة هذه المرة بغيظ قبل أن يلقيها جانبا يردد خلفها:
– مقلتة! بجى المرة لما تجهز لجوزها خلتيها مقلتة، ماشي يا محروسة، انا فعلا بتمسخر لا تكوني فكرتيني حنيت ولا حاجة، وعن حريم بيت العيسوي، دول يجيوا في اي وجت اساسا، ولا انتي نسيتي انهم شركاتي في الشغل
– لا متنستش يا عرفان، بس ايه دخل الشغل بالبيت، والحريم من امتى بتيجي على بيتنا؟ انا شامة ريحة مش عجباني
ضحك يدنو نحو الأكياس ليرفعها اليه معقبا على قولها باستخفاف:
– شمي براحتك يا ستي، ع العموم هما ناس نضيفة اصلا وريحتهم حلوة، يعني القرب منهم زين مش عفش.
اندفعت الدماء بعروقها، فهي ليست بالغبية، حتى لا تفهم من مراوغته في الحديث، لتتصدر أمامه بجسدها تمتعه من الصعود هاتفه به:
– جيب من الاخر يا عرفان وقول ان مرتك الحرباية جايبة جوز الحريم تفرجهم على بتي لولدهم، انا مش هبلة عشان مفهمش، بتي مش للفرجة، بتي هتتعلم يا عرفان ولا انت نسيت شرطي زمان.
مرة اخرى يعود لضحكاته القميئة ولكنه هذه المرة باغتها على حين غرة، حينما امتدت يده الحرة نحوها ، يقبض بأنامله القاسية على وجنتيها مقربا وجهها إليه قائلا بتهديد:
– لا منستش الشرط القديم يا أعز الناس، ولا كمان نسيت الشرط التاني ، انك تعيشي في بيتي عشان تربي البت وبس ، لكن انتي بجى اللي معدتيش واخدة بالك، زي ما بتك كبرت وبجت عروسة، انتي كمان اتدورتي وراح عنك صفار الضعف اللي كان ماسك فيكي والعيا.
نزل بعيناه سريعًا نحو الأسفل ومفاتنها، ليردف مبتلعا ريقه:
– ولا تكوني مفكرة اني لبس الأسود والهدوم الجديمة، هيخبوا اللي ظاهر من تحت العباية، ولا الخدود اللي طفح فيها الدم دي من الحمار ولا ….
قطع مجفلا من فعلها حينما نفضت كفه عنها بعنف تبتعد عنه صائحة به:
– يدك دي متتمدش تاني عليا، ولو غرضك ان تلحس وعودك الجديمة يبقى على موتي يا عرفان، لا هتمنع بتي من تعليمها ولا هتقدر تلمس شعرة مني
وبدون انتظار رده، اندفعت تدلف داخل منزلها الصغير تدلف داخلها لتحتمي به، صافقة الباب امام وجهه بعنف ، ليهدر في اثرها بتوعد:
– على أساس انك هتقدري تمشي كلمتك عليا، ولا حتة باب هيحميكي مني، شكلك اشتجتي لشجاوة زمان يا مزيونة، انا بجى على استعداد، والأرض اللي معدتش تنفع للزرع، بجت تنفع للدلع يا حلوة.
وبعكس القوة التي كانت تدعيها امامه، كاتت هي في الداخل ملتصقة بالباب ترتجف، تترك لدموعها العنان، بعدما ذكرها بأسوأ الذكريات، تقسم الا تترك لابنتها نفس المصير والا يعاد الزمن مرتين .
❈-❈-❈
كان غافيًا على فراش ابنه الوحيد يحتضنه، بعدما قص عليه عدد من القصص واخذه الحديث معه جتى غاصا الاثنان في النوم كعادتهما منذ سنوات، لينتفض الان على لكزات خفيفة يتلاقاها على كتف ذراعه، وصوت خشن يهمس بجوار أذنه ليوقظه:
– حمزة، حمزة ، حمممممزة، جوم يا واد ابوي عااايزك .
– اييييه، في حد يصحي حد كدة؟
تمتم بها يعتدل بجذعه متوجها نحو صاحب الصوت، الذي ضحك له ببرود:
– اسف لو ازعجتك يا ابو ريان، بس ممكن تصحى عشان عايزك.
طالعه حمزة عاقد الحاجبين بضجر، ثم تناول ساعته الموضوع فوق الكمود فيزداد غضبًا نحوه:
– بجى جاي ع الساعة اتناشر في عز نومتي عشان تصحيني يا عديم الدم عشان عاوزني!
تبسم معاذ يجيبه برجاء:
– غصب عني يا واد ابوي، ما انا بصراحة مجدرتش انام، كان لازم لازم اكلمك عن طلبي الضروري، وحياة غلاوة ريان تجوم وتسمعني.
كان يود ان يلكمه، حتى يطير له الصف الأمامي من أسنانه البيضاء والتي يتفاخر بها بابتساماته اللزحة في استعطافه، ولكن حينما أتى الحلفان بابنه، زفر بغيظ أشد لييعد الغطاء عن اقدامه فيضطر للنهوض متوعدًا:
– قسما بالله ما يطلع طلب هايف ولا استظراف من جنابك، لاكون مبيتك في المستشفى يا معاذ الليلة دي، وما لك عندي دي
❈-❈-❈
خرج معه حتى وصلا إلى شرفة المنزل في الناحية الخلفية، حيث الهدوء وبعيدًا عن ابصار الجميع، مزعنا لرغبته، حتى إذا جلس على الكرسي المقابل لكرسيه، تمتم متوجها له بحنق:
– جر كلمتينك ومتحرقش كتير عشان انا على اخري
سحب معاذ شهيقا مطولا ثم اخرجه، ليهديء به ذاته، قبل أن يدخل في الموضوع مباشرة:
– انا عايز اتجوز.
قطب حمزة في البداية ثم سرعان ما استدرك لتحتل الابتسامه ثغره معقبا بمناكفة وتلاعب:
– وعايزني اخد رأي بت عمك بنفسي ولا اكلم امك تجس النبض؟
عبس معاذ وقد استشف السخرية في لهجته ، ليباغته دون مواربة او انتظار:
– لا يا واد ابوي عايزك تجف جمبي ضد الجميع، عشان انا اللي رايدها لا من العيلة ولا نعرفها اصلا، انا عايز اتجوز اللي حاببها قلبي يا حمزة
– الله
صدرت من الاخير كرد فعل فوري ، وقد التمس الجدية في قول شقيقه العنيد من الأساس وهو الاعلم بطبعه، ليردف ساخرا
– وطبعا عايزني اقنع امك بالنصيبة اللي مصحيني من عز نومتي عشانها ، يا غُلبك يا حمزة
يتبع….
رواية لأجلها الفصل الثالث
اشراق الصباح ليوم جديد، في قانون الحياة العادية هو بداية لأنشطة واحداث تتجدد بتجدد الوقت، اما في قانون البعض؛ هؤلاء الذين يحملون جروحا وندبات مازالت مفتوحة ولم تشفى بعد، فهو يمثل لهم الخوف، الخوف من تكرارها، ان ينعاد ما حدث قديمة، وتتجدد ذكريات سيئة مازالت عالقة بالذهن.
خرجت ليلى من غرفتها بعد ان مر بها الوقت وتأخرت عن موعد استيقاظها الذي تتكفل به والدتها ولأول لم تفعل ، فكانت المفاجأة حينما وقعت عينيها عليها، غافية أسفل باب البيت، مائلة بجذعها بنصف جلسة ونصف نومة، قد يفسر الوضع انها قد سهرت حتى غلبها النوم محلها، ولكن المكان هو الاغرب على الإطلاق.
خطت لتقترب منها وتتبادل معها الدور لأول مرة، لتربت بخفة وحذر، فتحاول ايقاظها
– امي….. يا أمي….. يا ست مزيونة يا……
– ايه؟ في ايه؟
صدرت منها الكلمات منتفضة بذعر ارتد على ابنتها التي تراجعت للخلف تحاول طمأنتها :
– مفيش حاجة ياما انا بس بصحيكي عشان لجيتك نايمة في الصالة
طالعتها مزيونة ببعض الاستيعاب ليعود إليها الوعي تدريجيا، فتعتدل جالسة جيدا، تزفر واضعة كفيها على وجهها بتعب انتبهت له ابنتها لتعقب:
– انتي نمتي هنا ازاي؟ كدة غلط وضهرك يوجعك.
لم تتفوه مزيونه بحرف واحد ردا عليها، مما جعلها تتابع ببعض التفكه
– والغريب انك ملجتيش في البيت كله غير المكان ده تحت الباب، كنتي سهرانة على ايه بالظبط يا مزيونة، دا التلفزيون نفسه مجفول
رفعت اليها ابصارها بغيظ، فلا هي تجد ردا على اسئلتها ، ولا تطيق التفسير عن حالها امام احد من الأساس، لتتحامل على الأم عظامها من النومة الغريبة، وتنهض من مطرحها على الأرض الرخامية، بعد ليلة طويلة مرت عليها من الأفكار السوداء ، وتفكيرها المضني عن مغزى حديث زوجها، هل كان تخويفا منه لها؟ او هو محض كلمات عابرة وسوف تذهب لحالها كما يذهب كل شيء، لا تستوعب جديته، وعقلها يرفض التصديق من الأساس.
– رايحة فين ياما؟
تمتمت بها ليلى بعفوية قابلتها مزيونه بحنق تجيبها على عجالة، كي تهرب من سيل اسئلتها القادمة:
– رايحة اغسل وشي واشوف حالي ولا هبيت ليلتي واقضي نهاري كمان لازقة في الباب، خلصي اتحركي انتي وروحي صلي الصبح على ما حضرتلك انا فطارك،
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
على مائدة السفرة التي كانت تجمعها بابنتها، حيث تناول وجبة الفطور الذي لم تكن تشعر بمذاقه، تلوك اللقيمات دون شهية، وابنتها الغافلة عما أصابها كانت تتحدث وتسهب عن كل شيء وأي شيء
– البت هدى صاحبتي بلغتني انها حجزت عند استاذ سيد مدرس الانجليزي، قولتلها احجزيلي معاكي، قالتلي لا، لازم احجز بنفسي قبل ما يقفل العدد ساعتها تبقى وقعة سودة لو ما لحقتش، عايز احجز ياما، دي اخر سنة يعني مينفعش اجصر فيها، سامعاني ياما؟
على صوتها بالاخيرة حتى استفزت والدتها لتنهرها بحزم مرددة:
– سامعااااكي، سامعاكي با زفتة الطين لزومو ايه الصوت العالي؟ شايفاني طرشة؟
– انا اسفة ياما افتكرتك سرحانة ، فكنت حابة تاخدي بالك يعني من اللي بقوله…….
– خلاااص
قاطعتها بها لتردف بفتور:
– هحاول اتصرفلك ان شاء الله وتلحجي مجموعة الاستاذ سيد وأي مجموعة تاني، انتي عرفاني عمري ما جصرت معاكي.
توقفت تتابع وكأنها تحدث نفسها باستنكار:
– مستعجلين ع الدروس والعيال لسة مخدتش الاجازة ولا ريحت حتى من الامتحانات وكأن الدنيا هتطير لو صبروا الحبة دول.
صمتت ليلى عن الجدال، تراعي الحالة المزاجية السيئة لوالدتها والتي لا تعلم سببها حتى الآن، لتضع همها في الطعام الذي فقدت شهيته هو الاخر، حتى شرعت ان تنتهي وتنهض، ولكن سبقها طرق خفيف على باب المنزل قبل ان يدفع بخفة وتطل امامهما زوجة ابيها وابتسامتها المستفزة لهما:
– صباح الخير عليكم، هو انتو لسة بتفطروا؟ دا انا كنت جاية أبلغكم بحاجة حلوة جوي
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
في منزل حماد القناوي
وقد كان حمزة داخل غرفته يستعد للخروج والسفر إلى خارج البلاد في مهمة عمل صغيرة تخص أملاك العائلة التي يتولى زمام أمورها، انهى ارتداء الملابس ولم يتبقى سوى نثر عطره على أنحاء الجلباب الراقي ، حتى أصبح يرش بكثافة ليتفاجأ بالتعليق الذي اتى مباغتا من خلفه،
– عايق طول عمرك يا ولد بطني، بسم الله ماشاء الله عليك
ضحك يتوجه بأبصاره نحو والدته التي دلفت داخل الغرفة من مدخل بابها المفتوح، لتقف منبهرة به كعادته:
– عيني عليك باردة
تحرك من محله ليقترب منها ويقبل رأسها بحب، ثم هم ان يتحرك ليتناول ساعته الموضوعة على الكمود المجاور، ولكن، وقبل ان يفعل اوقفته هامسة:
– شكلك سمعت كلامي ونصحته.
طالعها بعدم فهم مستفسرا:
– كلمت مين؟ انا مش فاهم حاجة.
غمزت بعيناها تجيبه:
– هتلف وتدور عليا، ما انكشفت وانا عرفت خلاص، خدتو على جمب وروحتو تتودود في الليل انت وهو في الناحية التانية من البيت؟ يعني هيكون ليه؟ مش عشان تفتح معاه ويفتحلك قلبه بعيد عن الكل ومحدش يسمعكم، مرة اخوك شافتكم وبلغتني.
– هااااالة
تمتم بالأسم يحرك رأسه بتعب واستدراك، فها هي ابنة عمه العزيزة؛ التي تدور كالنحلة في المنزل حتى لو في نصف الليل حتى لا تخفى عليها خافية، وتفاجأه دائما باكتشافاتها:
– قولي بجى جالك ايه؟ عرفت تقنعه، ولا شديت عليه عشان يسمع النصيحة .
– لا دي ولا دي ياما
تمتم بها حمزة يحبط احلامها مستطردا:
– ولدك مكانش جايله نوم، وحب يتساير معايا مش اكتر من كدة.
طالعته حسنية بتشكك ليردف بالمزيد علها تصدق:
– انا هافاتحه يا أمي بس لما احس انه على استعداد، يعني واحد بيقولي ان اهم حاجة عنده الوظيفة دلوك، جوم انا اقوله، لا لازم تخطب بت عمك، الصبر شوية يا أمي، الدنيا مطارتش
في استجابة منها غير مريحة، مصمصمت بشفتيها تشيح ابصارها عنه بعدم رضا قبل أن تقول”
– ماشي يا حمزة نصبر شوية، المهم بس تعرف تكلمه وتيجي تطمني، ميبقاش موضوعنا معلق كدة، عايزين حل عشان نخلص.
انهت حديثها وتحركت مغادرة الغرفة من أمامه، ليزفر بضيق ثم يرفع رأسه للسماء بحيرة، بعد وضعه في هذا الموقف الغريب، وهو مطلوب منه ان يرضي الاثنان، شقيقه الذي وجد حب عمره كما يقول، ووالدته التي ترى في ارتباط ابنها الأصغر بابنة عمه امر لابد تنفيذه، اذن كيف يوفق بينهما؟ ليتفوه معبرا عما يكتنفه؛
– يا غلبك يا حمزة
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
جالسة بكل هدوء، وبرود تدعيه في الإستماع إلى ما ما كانت تخشاه، وها هو يتحقق امامها الان وبقوة، وعلى لسان تلك الملعونة، التي تخبرها وتتحدث بلهجة أقرب ما تكون إلى الشماتة، وهي أعلم الناس بها، لكنها ابدا لن تظهر الضعف امامها حتى لو كانت العواصف التي تدور داخلها قادرة على خلع ثباتها من الجذور
– الجماعة اتصلوا الصبح وبلغوا عرفان، الواد باين امه حمسته عن ليلى وحلاوتها، صوته في التلفون مبين جوي انه فرحان، أمال لما يشوفها على الحقيقة النهاردة، دا هيسمك فيها بيديه وسنانه على كدة ، مش بعيد عقله يطير منه، اه أمال ايه، احنا عروستنا مش اي كلام .
– هي مين اللي عروستكم يا صفا؟ انتوا بتتكلموا في ايه؟
صدر التساؤول من ليلى والتي كانت ترفع اطباق الطعام وتحملهم إلى المطبخ، لتأتي الآن وتسمع الحديث الدائر، فتتلقفها صفا وتجيبها بإستفاضة ومبالغة:
– انتي يا قمر انتي، وهو احنا عندينا عروسة غيرك؟ همام ولد العيسوي شريك ابوكي ، اللي امه جات هنا امبارح هي وبنتها وشافوكي وجعدتي معاهم، عايزة اجولك انك عجبتيهم جوي يا ليلى ، عمالين يوصفوا في جمالها حكايات.
تتلقى الكلمات كالتائهة بعدم استيعاب، فتتوجه نحو والدتها تريد التأكيد:
– الكلام دا صح ياما؟
– ابدا يا عين امك، ولا فيه اي حاجة صح منه؟
هكذا جاء رد مزيونة ببساطة وهي جالسة محلها بثبات الجبال، لم تهتز او تنفعل بهم، لدرجة اربكت صفا التي ادعت عدم الفهم تلومها:
– كيف ولا فيه اي حاجة صح؟ بتك بتسأل ع العريس اللي جات امه امبارح وشافتها……
– وانااا بقول مفيش اي عريس
صدرت منها بمقاطعة حادة وتحدي متابعة:
– انتي ولا جوزك، حد منكم اداني خبر بالطبخة اللي بتطبوخوها من ورا ضهري، انا مش هلت ولا اكتر في الحديت ، بس انتي احسنلك تنبهي على جوزك ينهي الموضوع الماسخ ده من اوله، لانه عارف وانتي كمان عارفة ان بنتي مش هتتجوز غير لما تكمل تعليمها، دا اتفاق وشروط يا ام ناصر ولو انتي نسيتي الشروط القديمة، مزيونة بقى مبتنساش ولا ترجع في كلمة قالتها.
كلماتها القوية اللجمت صفا للحظات، لكن سرعان ما استعادت بأسها في مواجهة غريمتها:
– انتي بنفسك جولتي ان الكلام دا جديم يا مزيونة وعدى وقته، وبتك دلوك جالها عدلها، دا بدل ما تفرحيلها عايزة توقفي حالها، وأنتي مش امها لوحدك ، عرفان كمان يبقى ابوها وليه كلمته عليها، ولا عايزة تعصي بته عليه، دا انتي حتى بت اصول؟
لم تستعجب مزيونة أسلوبها الملتوي في الحديث،، لتستحضر مكر الانثى داخلها في الرد عليها:
– اااه… يعني انتي متفقة معاه، وعلى كدة بقى موافقة على نقض الشرط التاني كمان….. انه يرجعني مرته بحقوق زي زيك.
تجلت ملامح الصدمة بوجه صفا، حتي اصفرت بشرتها بصورة كادت ان تضحك ليلى الصغيرة، والتي اخدت وضع المتابعة الآن، تاركة الدفة لولداتها تدير بها الأمر كما تشاء، والتي تابعت بمزيد من الثقة:
– سكتي يعني يا صفا؟
سمعت الأخيرة لتنتفض من محلها تنهض عن جلستها قائلة بحنق شديد :
– وانا مالي يا بوي، انا بلغتك وخلاص وانتي حرة، العريس جاي العشية، شوفي هتعملي ايه ولا تتصرفي كيف مع ابوها، وانا مليش دعوة.
قالتها وتحركت متجهة للمغادرة على الفور، لتردد ليلى في أثرها :
– جال ملهاش دعوة جال، اجطع دراعي ان ما كان كل الموضوع طالع من تحت يدها، بجى انا اتجوز همام المخبل ده كمان؟
– ليلى .
جاء النداء الغاضب من مزيونة لتحذرها مستهجنة:
– بلاش تريقة على واد الناس، ربنا يرزقه باللي احسن منك واحنا خلينا في مستقبلنا اللي يخصنا احنا وبس.
سألتها بضغف وقد شعرت الآن بحجم الكارثة التي تنتظرهم مغ اصرار والدها بتنفيذ ما برأسه:
– طب وهنعمل ايه ياما مع ابويا؟ انتي عارفاه وعارفة شدته، خصوصي والحرباية دي هتنفخ فيها لما تولع نار
نهضت مزيونة قي رد عملي تجيبها:
– تعمل زي ما تعمل ، روحي البسيلك اي حاجة وتعالي معايا وانا اجولك هنعمل ايه؟
– هنروح فين طيب؟
– هفهمك في الطريق.
قالتها ودون ان تنتظر، توجهت نحو غرفتها لتبدل عبائتها البيتية بأخرى خارجية ولكنها وفور أن فتحت خزانتها، تجاهلت عن عمد كوم الملابس السوداء المعلقة امامها، لتنتقي قطعة مختلفة على الإطلاق، من تلك المجموعة التي تركتها منذ سنوات لم تعد تتذكرها، فتنزل بها على جسدها الآن امام المراَة، وترى امرأة أخرى، بل هي مزيونة ولكنها قبل أن تتزوج، لقد حسمت قرارها، وسوف تعود لأصلها، مزيونة الحرة .
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
وفي منزل حماد القناوي
وكما تمر الليالي سيئة على البعض، تمر ايضا سعيدة ومليئة بالأمل والأمنيات على البعض الاخر .
هبط الدرج قادما من غرفته في الطابق الثاني يبحث بعيناه عن شقيقه المنقذ والداعم الأهم في مواجهة العاصفة المتوقعة حينما ينوي اخبار الجميع بما هو قادم على تنفيذه.
لم يجده في المنزل فخرج إلى الحديقة، ثم توجه مباشرة نحو المدخل الخارجي ، وقد تفاجأ به داخل السيارة التي يقودها ببطيء التشغيل في البداية، يبدو أنه على وشك المغادرة، لينتفض مهرولا حتى يلحق به:
– حمزة، حممممزة، حمزة.
ظهر انعكاسه في المرأة الخلفية في سيارة المذكور، ليجبره على السباب وشتمه، منتبهًا لجنونه في قطع المسافة راكضًا نحوه، حتى وصل إليه في ثواني معدودة، ليفتح باب السيارة الأمامي وينضم معه:
– رايح فين؟
سأله ببساطة ضاعفت من غضبه لينفجر به موبخًا:
– انت عجلك طار منك ياض؟ طب اعمل حساب لمنظرك وانت بتجري زي العبيط، جدام العيال الصغيرة وانت المفترض بش مهندس محترم وليك جيمتك جدامهم يا تربية الأزهر يا سيدنا الشيخ معاذ
اهتز كتفي معاذ بعدم اكتراث قائلا :
– وماله يعني؟ عادي يشوفو اللي يشوفوه، قدوة بجى ولا مثل سيء حتى في كل الأحوال انا مش في دماغي اصلا، المهم عندي دلوك…..
توقف يعلو صوته مردفا :
– تجولي انت ماشي كدة ورايح فين؟ لحقت تنسى كلامنا واللي اتفقنا عليه امبارح؟
ضرب حمزة بقبضته على مقود السيارة بغيظ شديد يصيح به بسخط:
– وهو ايه اللي اتفقنا عليه يا بلوتي السودة انت؟ دا يدوب اللي عدى بس سواد الليل، هلحق امتى بس اتكلم ولا اتزفت؟ انت هتشلني من اولها ياض؟
ضحك بسماجة يتقبل صياحه بتملق:
– وماله بس يا كبيرنا؟ ما انت برضك البريمو ومفيش حاجة صعبة عليك، دا انا اتوقعت اصحى الاقي أمي فوق راسي تزغرد لي فرحانة بعد ما تقنعها انت بذكائك معاها.
– اممممم
زام بفمه ساخرا معقبا على كلماته:
– يا حبيبي يا عسل انت، تزغردلك كمان! شوف ازاي يا اخوي، دا على كدة الموضوع ساهل جوي وانا مش دريان، يا ريتني في نص روقانك والله
– طب وايه اللي يمنع بس انها تفرحلي وتقتنع، مش هي برضو عايزاني اتجوز، ولا يعني هتحب بت عمي اكتر مني؟
تمتم حمزة بالاستغفار، يستحضر الهدوء حتى يتعامل مع هذا المتعجل:
– لا طبعا مفيش الكلام ده، هي بس مفاهيم غلط ومتمسكة بيها، ع العموم كل حاجة وليها حل، المهم بس انت ترسي انت كدة وتعجل، ثم كمان احنا لسة معرفناش البت ولا ناسها، كل اللي عرفناه هو اسم عليتها، اديني فرصة اسأل عليهم واطجس عشان افاتح امك بقلب جامد لو طلعت بنت ناس زينة
– اكيد هتطلع بنت ناس زينة، انا متأكد منها دي
تمتم بها معاذ بثقة ينقلها لشقيقه الحانق، ليعقب بغيظ:
– طيب يا غالي، مش ناوي تقولي رايح فين بالظبط ولا اوفف انزلك هنا؟
أجابه بلهجة تخللها الفتور قليلا، وقد هبط حماسه بعض الشيء بعد تحذير حمزة:
– لا امشي على طول، توصلني للمدينة الصناعية في طريقي اجيب الموتوسيكيل من ورشة التصليح
-❈-❈
داخل منزل عرفان وقد أخبرته زوجته بما تم من مزيونة وعدم اعترافها بالأمر من الأساس، لتضيف من عندها ما يزيد من تأجيح الغضب بداخله:
– دي كان ناقص تطردني، كلام كتير خربطت بيه انا نفسي مقدرش اجوله، كأنها اتفرعنت ومحدش مالي عينها، او تكون خلفت بتها لوحدها من غير اب ليه كلمة عليها زيه زيها.
يسمع منها بصمت ابلع من اي حديث، انه زوجها وهي تعمله جيدا، معنى سكوته هو الخطر بذاته.
– انا من رأيي تعتذر لشريكك وخلاص يا عرفان، مزيونة شكلها مش هتجيبها لبر واحنا مش ناقصين فضايح.
جاء رده مستنكرا بعنجهية يخرج عن صمته:
– اتهبلتي يا مرة انتي ولا اتجنيتي؟ مين دا اللي يرجع ف كلمته، ولا مرتي مش هقدر امشي كلمتي عليها ولا احكم بتي، اهمدي وكني وملكيش دعوة انتي .
اومأت رأسها تدعي الطاعة، لتردف بمكر:
– حاضر يا بوي انا اصلا مليش دعوة بأي حاجة، ياريت بس مزيونة تفهم كدة بدل تلجيحها عليا؛ ان انا اللي ممشياك وزقاك على الموضوع ده، وانا ربنا العالم معتبر ليلى زي عيالي وانت نفسك تشهد انا بعاملها كيف .
زمجر ينهض من جوارها وقد أشعلت رأسه بما يكفي ولم يعد يحتمل بعد:
– انا نازل اشوفها المرة دي هي وبتها
– ما هي مش جاعدة؟
هتفت بها توقفه، ليناظرها طالبا المزيد من التفسير فتجيبه:
– من بعد حديتي معاها بالظبط طلعت هي وبتها، وادي بجالها اكتر من ساعتين، الله أعلم راحت بيها فين؟
❈-❈
اما عنها وقد انهت مشوارها الاول مع ابنتها وكانت في طريقها معها نحو جهة أخرى، وحديث دائر وأسئلة لا تتوقف عنها ليلى او التعبير عن مخاوفها
– انا خايفة ابويا يعرف بمشوارنا دا ياما، وأنتي عارفاه في لحظة غضبه.
ردت مزيونة بجمود البائع الذي لا يهمه شيء:
– يعمل اللي يعمله، انا المسؤولة قدامه، انتي ملكيش دعوة بحاجة.
– كيف ياما؟ اسيبك تواجهي لوحدك والموضوع اصلا يخصني.
رمقتها بنظرة محذرة تعيد عليها مشددة:
– اسمعي الكلام يا ليلى، انا عارفة بعمل ايه، وكفاية بجى كملي الطريق معايا وانتي ساكتة
في الأخير اضطرت ان تزعن لرغبتها وتوميء بطاعة، لتكمل الطريق معها صامتة، ولكن مع استمرار السير ونظرات البشر الموجهة نحوههم بتركيز شديد، خرجت ليلى عن صمتها تعبر عما يجول داخلها بلطافة:
– بس انا النهاردة بصراحة فرحانة جوي منكرش، الناس كلها بتبص علينا مفكرينك واحدة جديدة عن البلد، واللي يعرقك بيفضل متنح عليكي ويبصلك طول ما هو ماشي، طقم الألوان عليكي هياكل منك حتة يا مزيونة
لم تبالغ ابنتها وهي تعلم ذلك، ترى نفسها بالفعل عادت ثماني عشر سنوات،قبل أن تتزوج بعرفان وتصبح امرأة أخرى، ولكنها اليوم لا تشغل نفسها ولا تركز إلا مع شيء واحد وهو الاستعداد للقادم، وخروجًا امنا تبتغيه مع ابنتها، تسأل الله النجاح والتوفيق…….
…………………………..
وفي الناحية الأخرى، داخل سيارة شقيقه وقد اللتزم الصمت واكتفي فقط بالتفكير بمن سرقت نومه، واحتلت عالم احلامه في المنام واليقظة، لا يتوقف عن التفكير بها على الإطلاق حتى حينما وقعت عينيه عليها الآن تسير في نفس الشارع الذي تسير به السيارة، ظنها في البداية وهما، حتى استوعب بعد لحظات لينتفض يحاول مع شقيقه حتى ينتبه ويراها هو الآخر:
– اهي يا حمزة، وكأنها بتيجي ع السيرة، عشان تعرف بس انها إشارة وربنا رايدلي اتجوزها، بص وشوف نقاوة اخوك ، بص بص
صار يهلل بالكلمات، وعيناه منصبة على مرأة السيارة الجانبية ناحية شقيقه الذي ازعجه الصراخ بأذنه والشد على جلبابه الفاخر ليخرج عن اعصابه، مقررا طرده والتخلص منه:.
– يووووه، طب ادي العربية موجفها خالص، عشان اخلص منك يا معاذ.
اجفل الاخير بفعل شقيقه حينما تفاجأ به ضاغطا على مكابح السيارة بعنف، بعد ان فاض به، لبجعلها بالفعل تتوقف، ولكن في منطقة طينيه ضحلة بالمياه الركدة التي تناثرت على جانبي السيارة حتى شعر بها ذاك الغاضب، ليدفع بابها إلى الخارج ويترجل منها، فتتوسع عينيه بجنون نحو معاذ الذي اتبعه في الخروج، ليشاهد الجريمة الشنعاء، بالسيارة الجديدة لشقيقه، والذي كان يحدجه بنظرات نارية يفوح منها الخطر، ولكن الجريمة الأكبر، هي ما انتبه له في نفس اللحظة، حينما تحولت ابصاره للخلف قليلا نحو مزيونة وابنتها، وقد اصاب ملابسهما ما اصاب السيارة، بقع طينيه انتشرت على الملابس الجميلة ليتلقى منهما شرار النظرات القاتلة، وجاء رد الفعل الاول من ليلى صائحة به:
– انتو عميتوا ولا قاصدين تعملوها فينا؟
دافع معاذ فخرج صوته بلجلجة مبررًا:
– لا والله اخويا وقفها بالصدفة، مكانش يقصد ابدا ولا حتى كان واخد باله.
– ولما هو السواق ومياخدتش باله، أمال مين ياخد باله.
هتفت بها مزيونة بنظرة غضب ولوم وجهتها إليه، حتى شرع ان يتأسف لها بعدما انتبه الى الحزن الذي أصابها، وهي تطالع فستانها الجميل وخمارها وقد تلطخا ببقع الطين الغبية.
– معلش يا آنسة ااا….
قاطعته ليلى بلسانها الحاد تمطره توبيخا هو وشقيقه
– معللش، يعني تبهدلونا وتقول معلش، نصرفها منين انشاء الله، والله لولا بس مش عايزة شوشرة لا كنت لميت عليكم أمة لا اله الا الله .
– وه
زمجر بها حمزة مستهجنُا رغم علمه بصحة موقفها، حتى هم ان ينفعل عليها لولا خاطر شقيقه الذي اكتسحه الندم يهمس له راجيًا:
– احب على يدك اتحمل يا واد ابوي وما تتعصب، انا مش عايزاها تكرهني اكتر من كدة، دي افتكرتنا بنعاكس
سمع منه حمزة ليصدر منه السؤال دون ان يرفع عيناه عن الاثنتان وقد انشغلتا بنفض ملابسهم ومسحها بالمحارم الورقية او تغطيتها بالحجاب الطويل، علها تصلح للسير على الاقل حتى يصلن إلى وجهة قريبة ويبدلنها:
– هي مين فيهم؟
– البيضة يا حمزة يا اخوي
– الاتنين بيض وحلوين وصغيرين، انت تقصد اي واحدة فيهم؟
– الصغيرة يا حمزة مش باينة جدامك؟
اشار بذفنه نحو ليلى، ليطالعها حمزة بنظرة عابرة ثم يعود لمن سرقت اهتمامه من النظرة الاولى، تلك الجميلة العابسة والتي أثر به حزنها لدرجة دفعته ليقترح دون تفكير:
– احنا ممكن نوصلكم بالعربية لحد بيتكم…..
لا يدري كيف صدرت منه رغم برائة قصده، ولكن رد فعلها والنظرة النارية التي وجهتها نحوه جعلته يعرف جيدا مدى خطأه
– توصلنا لحد بيتنا! لا يا اخويا متشكرين ، مش احنا أللي نركب عربيات ناس اغراب ، ياللا بتي ياللا.
– يا آنسة انا مش قصدي والله….
قطع هذه المرة مجفلا بشهقة خرجت من حلقها، وعينيها برقت باتساع وكأنه سبها بسبة نابية، أضافت على سوء الظن الذي اتهمته به من لحظات
– جال آنسة جال، سلامة النظر والشوف
قالتها لتسحب ابنتها بعنف ذاهبة بها، لتضيف ليلى هي الأخرى قبل أن تذهب:
– لما هي آنسة، يبجى انا مين خلفني؟
– أمهاااا
تمتم بها حمزة متجمدًا في اثرهما بذهول، ليعقب معاذ هو الاخر:
– كاننا عكيناها جامد يا اخوي، والله خايف البت تكرهني بالفعل قبل حتى ما ادخل بيتها، بعد ما كنت فرحان شوفتها يحصل الموقف الزباله ده.
لم يعقب حمزة على كلماته، ولكن جاء استفهامه ف شيء اخر :
– طب انا شايفهم رايحين ناحية الزراعات، هما رايحين على فين؟
اجابه معاذ بفتور:
– اكيد رايحة بيت جدها، انا شوفتها اصلا هناك مرتين هناك، عندهم برج حمام قديم اكيد بتروح تراعيه، مش هنمشي بجى .
ظل حمزة صامتا للحظات حتى تحرك فجأة يعود لسيارته فتبعه شقيقه، وفور أن اشغل المحرك أمره قائلا :
طب انا عايز اشوف البيت دا.
يتبع….
رواية لأجلها الفصل الرابع
توقف بالسيارة للتي تقله مع شقيقه من مسافة بعيدة الى حد ما من المنزل المقصود، ولكنها تمكنها من مطالعته من الخارج، ليستائل نحو شقيقه:
– باين من شكله، ان البيت قديم لكنه مأصل، دي حاجة مش محتاجة ذكاء، لكن انت متأكد انها مش ساكنة هنا؟
اجابه معاذ بهيام يتخلل نبرته:
– وه يا واد ابوي ما هي لو ساكنة هنا انا مكنتش هسيب مطرحي، انشالله حتى أبيت وسط الزرع المهم ان اشوفها وأطل عليها.
– اممم أنت هتقولي
تمتم بها حمزة شبه ساخرا ليردف بحزم:
– ماشي يا عم الحنين، لم نفسك واعرف اصلها وفصلها عشان نخلصه من الموضوع ده ونشوفه ينفع ولا لاه، وبالمرة اتأكدلي من اااا……
توقف يتابع ببعض بارتباك:
– تتأكد يعني من موضوع اللي ماشية معاها دي ان كانت امها صح ولا….
– ولا ايه؟ إنت مش مصدق يا حمزة انها امها فعلا؟
حاول إخفاء ما يشعر به، ليجيبه بجدية:
– يا سيدي مش حكاية أصدق ولا مصدقش، انا بس بقولك تلم اكبر معلومات عنهم عشان لما افتح مع امك اتكلم بقلب جامد، اتفقنا يا سيدي
– اتفقنا يا باشا.
تمتم بها معاذ بحماس ليدير الاخر محرك السيارة بعقل مشتت قائلا:
– تمام يا سيدي وربنا يعدلها
………………………….
عادتا الاثنتان من الخارج، بعد انجاز هذا الشيء الهام الذي خرجن من اجله، وجاء الان موعد المواجهة كما يبدوا من هيئة هذا المتجهم الذي وجدنه جالسًا داخل الشقة التي تسكن بها مزيونة وابنتها، في لفتة نادرة لا تحدث الا نادرا، فالمعتاد انه لا يلتقي بهما الا في الضرورة وفي ذاك الجزء الفاصل ما بين شقة مزيونة والطابق الثاني الذي يسكن به مع اسرته وصفا زوجته، لكن ان يكون هنا الان وبتلك الوضعية، حيث كان واضعًا قدمًا فوق الأخرى، يدخن بشراهة جعلت المنزل يبدو كمدخنة، يستقبلهما رافعًا حاجبًا بشر:
– حمد على السلامة، يارب تكونو انبسطوا في مشواركم.
– اممم
زامت بها مزيونة تحرك رأسها بتفهم، وقد تيقنت الان ان المعركة قد بدأت باكرا بفضل صفا التي لا تقصر ابدا في شحنه سريعًا ضدهما.
لم تتأثر او تهتز برؤيته فهي تستعد لذلك منذ فترة اليوم طويلة وليس اليوم، عكس ابنتها، والتي تجلى الخوف في نبرتها:
– الله يسلمك يا بوي، امي طلعت معايا تتفجلي مع الاستاذ سيد عشان يشركني في مجموعته الجديدة قبل ما يقفل العدد وملقاش حد يديني درس الانجليزي
لهفتها في الحديث ولهاثها ايضا، يؤكدان دون جهد توترها، ولكنه مع ذلك لم يهتم وقد لفت انتباهه شيء اخر، شيء تفاجأ به رغم توقعه منذ فترة طويلة، زوجته العزيزة وقد بدلت اليوم ملابسها من الأسود للألوان ، لتكشف عن جمالها المتخفي منذ سنوات عديدة لم يعد يذكرها، وقد نضجت والتف عودها بعد الضعف الشديد والمرض الذي جعله ينفر منها قديما، لتصبح كالثمرة الطازجة، سب نفسه لأكتشافه المتأخر وعيناه تمشط منحنياتها بسفور حتى عقب ساخرًا:
– ايوة…… واللي تروح تتفق ع الدرس تغير للالوان ، دا باين الاستاذ سيد عزيز جوي.
اجفلها حقا بوقاحته حتى برقت عينيها نحوه بغضب شديد، لتأمر ابنتها:
– روحي ادخلي جوا يا ليلى، وسيبني اتكلم مع ابوكي.
سمعت منها ولكنها لم تتحرك، لتطالعها باستجداء، ورغبة في عدم تركها وحدها معه، لتضطرها ان تعيد عليها بحزم:
– جولتلك خوشي جوا يا ليلى، انتي مبتسمعيش الكلام؟
تدخل عرفان هو الاخر متهكمًا:
– اسمعي الكلام يا بت، دا انتي مش سايبة امك مع حد غريب حتى، ولا أنتي كمان نسيتي انها مرتي؟
تضاعف الحنق داخلها، لتجبر ابنتها على التحرك وهي تدفعها بخفه حتى سارت بخطوات ثقيلة إلى أن وصلت الى غرفتها لتلتصق بالباب وتتصنت لحديثهما بترقب.
اما عن مزيونة، وفور أن اختلت الأجواء بينها وبينه، خرج صوتها بانتقاد نحوه:
– ياريت تخلي بالك من كلامك، عشان البت صغيرة متفهمش في تلميحاتك الماسخة.
ضحك بهفة لينهض مقابلا لها يعقب على قولها:
– تلميحاتي انا ماسخة، ومسخرتك وانتي بتطلعي تجابلي رجالة غريبة، باللبس الملون يا غندورة، اللي ماعملتيها لجوزك الغلبان.
زجرته بعيناها تحذره:
– للمرة التانية هجولك انتبه لكلامك، انا بت الأحرار، وسمعتي تاج على راسي، انت ايه اللي جابك بيتي اصلا؟
ضحك بخفة ليقترب ويده امتدت لتلامس انامله وجنتها مرددًا:
– جابني الهوا يا مزيونة.
أبعدت اصابعه عنه بازدراء وارتدت للخلف تبتعد عنه، لتثير به التسلية:
– تصدجي بالله انت كنت جاي ومستحلفلك، بقالي ساعة مستنيكي بعبي وبفضي في صدري منك، لكن سبحان الله بعد ما شوفتك، وحتي وانا دمي محروق منك، اعصابي بردت، ويدي اللي كانت بتاكلني لضربك كفين اعدلك بيهم، دلوك بتوزني على حاجات تانية….
هم ان يقترب ولكنها تراجعت مرة اخرى لتهدر به:
– أوقف مكانك واياك تقرب خطوة تانية.
صيحتها الهادرة جعلته يستفيق من نشوته، فيتذكر غضبه منها:
– حلو……..، كويس جوي انك فكرتيني للسبب الأساسي لمجيتي، الهلفطة اللي سمعتها من صفا تشيليها خالص من مخك، عشان انا راجل مبرجعش في كلمتي، البت هيجي عريسها النهاردة ومش بعيد نقرأ فاتحة، هندسي نفسك كدة وفطمي البت من الهبل اللي عششتيه ف مخها عن التعليم والكلام الفاضي، تروح بيت جوزها عايزها تكمل هو حر، انما غير كدة انسي.
– وان جولتلك مش هيتم وبلاها منه احسن.
قابل لهجة التحدي خاصتها بمزيد من العنجهية والاستخفاف:
– دا على اساس اني بتهدد يعني، مش بجولك اعصابي بردت يا مزيونة، ومليش غاية اتعصب عليكي، كانه يوم سعدك، اهدي واعرفي مصلحتك فين؟ ونيمي البت بدري عشان انا ناويت اخليها معاكي الليلة دخلة جديدة، دا كمان أمر ومفيش منه رجوع .
لم يلقى منها ردًا هذه المرة سوى ابتسامة غامضة وغير مفهومة، ليسحب نفسه ويتحرك بزهو انتصاره المزيف، حتى إذا خرج من عندها غمغمت هي في اثره:
– نجوم السما اقربلك.
…………………………….
اما عنه، وبعد أن خرج من عندها مشتتًا، حتى كاد أن يخطأ وجهته في الصعود إلى الطابق الاخر، ذهنه مشغول بها، وعقله يستعيد ذكرياته القديمة معها، اول امرأة دخلت حياته كرجل وعاشرها، كانت صغيرة في عمر الثالثة عشر وهو في الخامسة والعشرين، اختارها وتعلق يها منذ اول مرة وقعت عينيه عليها، لقد كانت بهية وساحرة تلحقها العيون أينما حطت قدميها، يذكر انه اجبر والده لدفع اكبر مهر في البلدة حتى يتمكن من اقناع والدها للموافقة على تزويجها إليه، كانت كالتفاحة الطازجة، شهية ولا يشبع منها ابدا، حتى حملت بابنتها وتبدل حالها ، جسدها الصغير لم يكن مستعدا ابدا لحمل اطفال، فضعفت وهزلت حتى جاءت القاسمة بولادة متعسرة نزفت على أثرها حتى كادت ان تموت مع الطفلة، لولا نجدتها بصعوبة من قبل الأطباء الذين اقروا بعد ذلك أن حملها مرة أخرى هو شهادة الموت لها،
ولكنه لم يستمع واعتبره محض هذيان ليس أكثر، ليمارس دوره الطبيعي كزوج دون اكتراث برفضها ومرضها حتى حملت بطفل ثاني ولكنها أسقطت من اول شهر واصابها النزيف مرة اخرى، وبصورة جعلتها تمكث في المشفى لأيام عدة، فأصابها المرض بعد ذلك حتى زاد من ضعفها وهزلها، لتصبح كالجثة المتحركة، وما كان يجعلها متعلقة بالحياة هو ابنتها وفقط، حتى مل هو وضجر رغم صبره عليها اكثر من سنة
هو ليس راهبا لأن يعيش بدون نساء، أو مع امرأة مريضة ان لمسها عانت بعدها لأيام، حتى ينفضح امره امام الجميع رغم علمهم بحقه بها كزوجة من واجبها ان تلبي رغباته….
عند خاطره الاخير فاق من شروده على رؤية من حلت مكانها، صفا ابنة خالته والتي كانت مقدرة له منذ مولدها، ولكنه فضل مزيونة الجميلة عليها، قبل أن يعود اليها مضطرا، لحاجته الشديدة لامرأة تلبي احتياجاته وتلد له الأطفال، خصوصا الاولاد ، بعد أن صار الانجاب من مزيونة أمر شبه مستحيل.
– عملت معاها ايه؟ اوعى تكون ضربتها؟
قالتها متصنعة الجزع في نبرتها، حتى كادت ان تضحكه لعلمه بأن ضربه لمزيونة وابنتها هو أجمل الاماني لها، وللأسف مضطر ان يحبط املها:
– لا يا صفا طمني قلبك، مضربتهاش عشان مليش مزاج ، كفاية بس اني امرتها وهي عارفة انها متقدرش تطلع عن طوعي.
قالت بملامح ارتسم عليها الاستنتكار، رغم تصنعها غير ذلك:
– ااه، وعلى كدة معرفتش راحت فين وهي ساحبة بتها معاها.
رد ببرود كاد أن يجلطها وقدميه تتخذ طريقها إلى داخل المنزل:
– راحت مطرح ما راحت عاد، جهزي انتي بس القعدة من دلوك للضيوف مش عايز حاجة ناقصة لو طلبت وعشينا نسايبنا .
– نسايبنا!
غمغمت بها من خلفه بغيظ يفتك بها، لا تصدق ان الامر سوف يسير بهذه السهولة، أيعقل ان تكون استسلمت ولن تعارضه، اللعنة ان قبلت ايضا بذاك الأمر الاخر بأن يأخذ حقه بها كزوجة، سوف تكون هي الخاسرة وقتها، بعدما عادت مزيونة لعهدها الأول.
………………………
دلف لغرفته يرتمي على فراشه بمرح يغمره، لقد اخذ الموافقة من شقيقه، والذي تحمس اليوم بعدما رأى ليلى الجميلة ووالدتها الصغيرة هي الأخرى، كان اللقاء بهما كارثي وكاد ان يفقده الأمل في الارتباط بها، ولكنه الأن اكتفى بالوعد الذي أخذه من شقيقه بعد ذلك
عليه فقط ان يعرف مكان منزلها بالضبط، لقد عرف من احد اصدقاءه اليوم بمحل عمل ابيها، مزرعة الفواكة التي يمتلكها بمشاركة مع احد الرجال.
يتبقى فقط المنزل وهو ما سيذهب إليه اليوم بمرافقة زميله
– ااااه
تأوه بصوت مسموع يردف بلوعة:
– امتى تيجي العشية واعرف بيتك يا ليلى، يارب أتمكن من شوفتك، يارب تيجي بدري من سفريتك يا حمزة وتخلصلي الموضوع ده، انا عارف انك متغلبش
……… ………..
مساءًا وقد اقتربت اللحظات الحاسمة
كان القلق والترقب هما سيدان الموقف في منزل مزيونة وابنتها، بعد أن أرسل لهما عرفان قبل قليل ابنه ناصر، يأمرهما بالصعود إليه حتى ان أتى العريس المنتظر واسرته، تتم الجلسة في الطابق الأعلى، مقر سكنه الدائم مع صفا وأولاده.
بالطبع مزيونة لم تنفذ، لا هي ولا ابنتها التي تقف خلف باب الشقة الان على اعصابها، تراقب الحركة في المدخل وقدميها لا تكف عن. الاهتزاز بصورة ازعجت والدتها التي تتحلى بالبأس من أجلها، تسيطر على ارتعاش أطرافها بصعوبة حتى لا ينتقل التوتر اليها وهي لا ينقصها:
– ابويا بجالو لحضة طويلة بعتلنا، انا خايفة ينزل دلوك ويسحبني من شعري
– ردت عليها بسأم:
– اطمني مش هيسحبك غير لما ياجي العريس
جمدت ليلى وانسحبت الدماء من بشرتها ، تطالعها بفزع جعل مزيونة تسارع للتصحيح ملطفة:
– يا بت بهزر مجصديش، بلاش الخوف ده اجمدي بقى .
بتعب أوشك ان يوقعها تحاملت ليلى تترك محلها خلف الباب وتحركت حتى جلست على اقرب مقعد وجدته امامها لتسقط بثقلها عليه، مرددة:
– اجمد ازاي بس وابويا في اي لحظة متوقع يبقى فوق رأسي وراسك، لو عريس الهنا ده طب الأول قبل الجماعة ما يوصولوا، انتي متصلتيش ليه تستعجليهم؟
زفرت مزيونة بسأم تجيبها للمرة الالف؛
– عشان مينفعش ازن واوجع مخهم، دي مش عيال صغيرة بيروحو ويجوا في كلامهم، دي ناس كبيرة وكلمتها بالف حساب، اهدي انتي بس وكل حاجة هتم زي ما احنا عايزين، اهدي.
– اومأت تحرك رأسها بنعم، ولكنها شردت بعدها في نفس اللحظة، تخشى غضب ابيها، وتأخر من تنتظرهم بحق.
– بت يا ليلى.
انتفضت بفزع فور أن سمعت النداء بأسمها من قبل ابيها الذي تعرف صوته جيدا، قبل أن يجفلها بحضوره داخل المنزل حينما دفع الباب الخارجي كي يلج اليهم، فوفعت عينيه عليها يقيمها سريعا ببصره ليردف صائحا:
– لساكي ببجامة البيت وانا بعتلك بجالي ساعة انتي وامك الغندورة
– تلجلجت أمامه بخوف:
– يابا ما هو ما هو .
– ما هو ايه يا بت الكل……… اخلص ياللا اتحركي.
ركضت على أثر صيحته الأخيرة ، تختفي من امامه داخل غرفتها تنفيذا لتعليمات والدتها التي نبهت عليها سابقا بذلك كخطة بديلة رغم اعتراضها، قلبها يضرب بجنباتها بقوة، يوشك على الخروج من صدرها، وهي تراقب الموقف من محلها،
اما عن مزيونة فقد ظلت على سكوتها المريب دون أدنى اعتراض، لينتهز عرفان الفرصة باعتقاد منه ان الامر بين يديه وسيتم ما يريده، ليزيد من قربه هامسًا بغزل مبطن:
– كويس انك جلعتي الألوان ورجعتي للعباية السودة، بصراحة اخاف تطلعي مع بتك، العريس وابوه يتلخبطوا بينك وبينها، وأن كان على لبس الألوان
توقف يمسخ على طرفي شاربه يردف بتنهيدة ساخنة:
– ليكي عليا اجيبلك كل الألوان، الشفتشي والناعم وكل اللي اتحرمنا منه السنين اللي فاتت، اه لو تعرفي انا مشتاقلك كيف؟……. نخلص بس من البت دي ونعيش شهر عسل من جديد، ونعيد اللي فات منينا،
سكوتها المستمر كان يحفزه على المواصلة، بظن منه ان تبادله نفس الشعور:
– اتلم عليكي بس يا مزيونة، وهتلاقيني لزقت ف البيت ومش طالع واصل.
ختم بضحكة متحشرجة اثارت قرفها منه، ولكنها تماسكت تخفي انفاعلاتها، حتى أتى الفرج على حين غفلة، بطرقة خفيفة على باب المنزل وصوت يصدح بالنداء :
– عرفان يا اشقر، انت فين يا ولد؟
انتفض المذكور يهرول نحو باب المنزل كي يستقبل صاحب الصوت الوقور، رغم استغرابه لحضوره:
– عم الشيخ خميس، دا ايه الزيارة ال…….. المفاجأة دي
تقطعت الكلمات منه حينما انتبه للرجلين الآخرين المرافقين له، ليضطر ان يرحب بهما ايضا، ولكن بتوجس:
– يا مرحب بالاستاذ نعيم، منور يا عم جاد .
دلف الرجال بصحبته لتتلقفهم مزيونة بلهفتها:
– عم الشيخ خميس.
ربت الرجل العجوز على يدها بخفة ليضمها بين كفيه حتى جلس وأجلسها بجواره، امام عرفان الذي تسربت داخله الريبة، وهو يتابعهم.
ليبادره العم جاد الحديث بمراوغة:
– شكلنا فاجأناك بحضورنا، لا تكون كنت مستني حد غيرنا .
ارتفع حاجبه باستدرك ، ليجيبه مرددا:
– كنت! لا مكنتش، انا فعلا مستني ضيوف مهمين، بس انتو كمان مفيش أغلى منكم، مع اني مستغرب شوية
مجيتكم المفاجئة يعني؟
ليس غريبا عليه الجلافة في الرد رغم ادعائه غير ذلك، لتسارع مزيونة في التصليح:
– البيت بيتك يا شيخ خميس، انت والأستاذ نعيم وعم جاد، زيارتكم انتو الأهم فعلا .
قالتها بمغزى نحوه ضاعف من شكوكه، ليأكده المتر نعيم بقوله:
– اسفين على الزيارة لو جات في وقت مش مناسب، على العموم احنا مش هنطول عليك، هما كلمتين وهنلم نفسها ونقوم
– كلمتين ايه؟
جاءه الرد من الشيخ خميس:
– كلمتين تقدر تعتبرهم نصيحة في البداية كدة قبل أي شيء، احنا جايين نفكرك بالعهد اللي اتاخد زمان على ايدنا احنا التلاتة وكان ساعتها معانا ناس ورحلو من ضمنهم الحج شريف الحر، والد مزيونة واخوها اللي برا البلد دلوك في شغله، افتكرتهم ولا تحب نعيد عليهم من تاني؟ انا راجل كبرت صح، لكن عقلي مازال بخيره
تغضنت ملامحه بغضب وقد بدأ عقله يفطن لمغزى الزيارة، ليظل على صمته، يتابع الرجل العجوز وهو يردف:
– خالفت ليه الشروط يا عرفان؟ مش احنا متفقين انك هتعلم البت، ولا انت هتخالف كمان وصية الراجل اللي حطها في رقبتك امانة قبل ما يموت .
– ااااه
صدرت من حلقه كزمجرة، يركز ابصاره نحو زوجته التي تطالعه بتحدي يزيد من حنقه:
– يعني انتوا ملمومين بصلاة النبي جايين تفكروني بكلام عدى وفات عليه سنين، لا وفي ايه؟ في وقت ما انا مستني نسايبي اللي هيقروا معايا فاتحة البت على اساس اني راجل هفية، هتبعكم واكسر كلمتي مع الرجالة، مش عيب برضو ناس كبيرة وعليها القيمة زيكم يمشوا ورا مرة عقلها ناقص زي دي؟
– انا عقلي يوزن مية من عقلك
صدرت منها كرد على كلماته لينتفض من محله صائحًا بها:
– لمي نفسك يا بت، انا لسة حسابي مجاش معاكي اصلا، راحة للرجالة الغريبة تلميهم عليا عشان يكسروا، دا انا اكسرك انتي قبليها وماليكي عندي ديه.
تدخل العم جاد بحدة يوقفه:
– صلي على النبي في قلبك يا عم عرفان وبلاش الافترا ، مرتك احنا مش اغراب عنها، ولا عنك انت كمان، هي عملت بالاصول واحنا مبنعملش اكتر منها، جاين نفكرك بالشروط القديمة وانت حر، وهي كمان حرة تشوف مصلحتها ومصلحة بتها فين؟
– بت ميييين؟
صدرت من عرفان بقوة وعيناه ذهبت نحو ابنته التي وقفت بالقرب تتطلع إلى ما يحدث بصمت ليشدد في توجيه الحديث نحوها ونحو الجميع:
– عشان نبقى واضحين، الكلام في القديم عليه الرديم ، وبتي انا ابوها وعارف مصلحتها زين، يعني لمتكم دي من غير زعل ولا كسوف ملهاش لازمة..
– يبقى انت كدة جيبت آخرها وبرضك مفيش كسوف.
صاحت بها مزيونة امامه بقوة تسبق المتر نعيم الذي ايد ردها:
– واحنا على استعداد لكل الاجراءات
قالها الرجل لتبدأ حرب الكلمات بين عرفان المصمم على الفتك بها وبابنتها وبين الثلاث الرجال الذين تولوا اليوم مهمة الدفاع عنها.
………………………….
وفي الخارج
كان قد توقف هذا العاشق بمساعدة صديقه الذي دله على العنوان، ليمارس مهمته بنشاط في السؤال عنها وعن اسرتها، حتى يتثنى له جمع المعلومات اللازمة لتقوية موقفه مع شقيقه، امام المواجهة الحاسمة ضد والدته، ولكن بعض الأصوات التي كانت تصدر من الداخل جعلته يسترق الانتباه مع صديقه وبعض الرجال الذين التفوا معه، في تساؤول عما يحدث بالداخل حتى أوقفوا طفلا صغيرا من اهل المنزل للأستفسار منه:
– واد يا ناصر ايه اللي حاصل في البيت جوا؟
– وانتم مالكم؟
قالها الطفل بجرأة غير عابئا بفضول الرجال الذين لم يملوا المحاولة معه:
– يا ولدي احنا بنسأل احسن عايزين نعرف بس عشان نطمن، دا كمان في ضيوف دخلالكم
قال احدهم فتوجهت ابصار الجميع نحو مدخل المنزل الذي توقفت أمامه سيارة، وترجل منها رجل وامرتان، وشاب منمق الهيئة بصورة اثارت التوجس بقلب معاذ ليتدخل هو الاخر بسؤاله إلى ذاك الصغير المتمرد:
– هما الجماعة دول قرايبكم يا عسل؟
وفي إجابة أتت تزلزل الأرض من اسفله:
– لاه دا خطيب اختي، والنهاردة قراية فاتحتها……
لم تكن صدمة، بل كانت شيء اخر لا يعلم له اسمها ، جعله يشعر بتكسر قلبه إلى أشلاء متفرقة، بوجع يفوق الاحتمال يكتنفه ولأول مرة، حتى غادر دون الانتظار.
…………………………..
اما في الداخل وقد كانت المشاجرة على اشدها، حتى دلف ضيوف عرفان المنتظرين، تتلقفهم صفا المراقبة كعادتها من بعيد، لتمارس دورها في استغلال الفرص فتزيد الوضع اشتعالا، بإدخالهم وادعاء الترحيب، حتى ان سألوا عن سبب الأصوات العالية والشجار، وجهتهم بخبث نحو شقة مزيونة والجلسة الحامية داخلها.
وقد كانت تصل في هذا الوقت اشدها:
– طلجني يا عرفان، ما دمت مش عامل قيمة لكلام الناس الكبيرة وعايزة تنقض الشروط، يبجى ما بدهاش، مفيش ولا سبب واحد تاني يخليني على زمتك .
قابل عرفان انهيارها بعنجهية وتكبر:
– دا لما تشوفي حلمة ودنك، شكلك فاكرها سايبة مش انا اللي تمشي حرمة كلمتها عليا
تولى المتر نعيم الرد حازمًا، يفاجئه:
– لا يا عرفان باشا مدام وصلت لكدة يبقى انت تستاهل الخلع، اطمن احنا مشينا في الإجراءات من دلوك، لأننا كنا عارفين اللي فيها .
– خلع يا محامي الغبرة دا انا هطلع روحك النهاردة.
تمتم بها عرفان لينفض عنه الجزء الباقي من تماسكه،
فينقض عليه يمسكه من رقبته، غير مكترثا بكبر عمره، ولا حتى توقير العجوز شيخ البلدة
– حرام عليك شيل يدك عنه، دا كد ابوك
صرخت به مزيونة في محاولة لم يستجب لها، ينتوي تأدبيها فيما بعد، لكن منعه زوج ذراعان قويان تسحبه بقوة عن الرجل، ليتفاجأ بشريكه العيسوي وابنه العريس المنتظر همام….
صدمه افقدته النطق، وقد اكتست ملامحه الحرج، غير قادرا على مواجهتهم او الرد على اسئلتهم:
– ايه اللي حصل يا عم عرفانذ؟ دا المتر نعيم مفيش راجل في احترامه ف البلد
– الراجل في بيتك وبتتعرك معاه، دا كلام برضك يا شريكي؟
امام ارتباكه الملحوظ وجدت مزيونة فرصتها :
– عايز يموته عشان بلغه بالدعوة اللي رفعتها انا عليه، عشان يخلعني منه.
سمع منها واشتعلت رأسه يقاوم تكبيل الرجلين له، يريد الفتك بها:
– خلع لما يخلع ضروسك، دا انا اخلع روحك جبلها.
أوقفه الرجال بالعنوة تقدمه نحوها، ليحكما السيطرة عليه، ولتضاعف هي من حرجه اكملت:
– همام يا عيسوي، مع احترامي ليك ولابوك ولعيلتك كلها:
– انا معنديش بنات للجواز دلوك يا ولدي، بتي هتكمل تعليمها.
– لاااا دا انتي بجى اللي جبتيها لنفسك.
قالها ليتمكن هذه المرة من ابعاد الرجلين عنه، وقد نالت منهما الصدمة، لترتخي ذراعيهما ويتمكن هو من إزاحة العم جاد الذي حاول ان يتصدر له،
فلم يتبقى سوى الشيخ العجوز والمحامي الكهل هو الاخر كجدارين ضعيفين لحمايتها ، يعلم أنه قادر على دفعهما بإصبعه، حتى يصل اليها ويخنقها أمامهم ، لكن اوقفه صرخة واحدة أتت من داخل المنزل لفتت ابصار الجميع نحو صاحبتها، وهي تجري مندفعه نحو والدتها صائحة:.
– إياك تقرب من امي، والله أرمي نفسي في المشروع لو مسيت شعرة منها
ضمتها مزيونة اليها تحميها وتحتمي بها في نفس الوقت، فتزيد عليه ليلى بجرأتها:
– اسمع يا عم عيسوي انت وولدك، انا مع امي في اي كلمة تقولها، ولو ابويا مشى كلمته هيبجى غصب عني، لو تقبلها على نفسك انت وولدك عاد؟
جاء رد الرجل الفوري بإحباط تخلل نبرته، موجها نظرة قاسية نحو شريكه:
– لا يا بتي وعلى ايه؟ انا ولدي تتمناه الف واحدة غيرك ، احلى وأصغر كمان، يا للا بينا يا همام.
جر الاخير اقدامه بصعوبة، موجها ابصاره نحو عرفان الذي شعر وكأن برميل مياه باردة أسقطت عليه، بعد ان فقد احترامه ومكانته امام الجميع، مصمصت الشفاه من النساء الواقفة في مدخل الشقة بجواز زوجته الثانية صفا، والتي لم تقصر هي الأخرى، كرامته التي صارت في الأرض تحت اقدام تلك المزيونة وابنتها، وقد تحلت بالقوة اليوم من اجل ان تكسره، ولكنه لن يسمح
على صوته فجأة يلملم المتبقي منه، كي يرد اعتباره، منتقما منها:
– مزيونة يا بنت شريف الحر……. انت طالق، تلمي هدومك، وتاخدي بتك في يدك، من الليلة ملكيش بيات فيها
…………………
وقد كان
رمى عليها يمين الطلاق لتترك منزله بحقييبة ملابسها، وتأتي لتبيت ليلتها هنا داخل منزل والديها الطيني القديم، رغم اصرار الثلاث رجال من أصدقاء المرحوم والدها لأصطحابها إلى منازلهم، أو على الأقل الذهاب بها إلى منزل شقيقها الغائب هذه الليلة في عمله حتى يعود ، ولكنها رفضت ان تحمل احد مسؤوليتها، تحمد الله انها نظفته صباحًا من الاتربة، ليتثنى لها الآن النوم على حصيرة نظيفة ، كانت قد فرشتها على الأرض ومعها وسادة وغطاء يضمها مع ابنتها التي التصقت بها، تستمد الدفء منها:
-تفتكري هنقدر نكمل ياما؟ منين هنجيب حق الدروس والاكل والشرب والمدرسة، انا مصاريفي كتيرة ياما وخالي يدوب بيكفي مصاريف بناته.
زادت مزيونة من ضمها إليها، تطمئنها قائلة:
– ومين جالك اننا هنعتمد على خالك ولا غيره، احنا دلوك بقينا احرار، لو هناكلها بدقة مش هنجصر، هتتعلمي يا ليلى غصب عن الظروف وعن الكل، سمعاني يا بتي .
– سمعاكي ياما.
غمغمت بها بصوت ناعس ، لتغوص بعدها في عالم الاحلام، فتبتسم والدتها بحب، وقد نالت غرضها اخيرا بالخلاص منه ومن كل ما يخصه، ولتبدا من الغد رحلة كفاح اخرى، أقوى واشد عما سبق، ولكن تميزها الحرية ، وما أجملها من كلمة
غلبها النوم هي الأخرى حتى ايقظهم صوت طرق قوي كاد أن يخلع الباب وصياح من الخارج:
– افتحي يا مزيونة، الليلة دي هخلص عليكي ، انتي وبت الكل…… التانية
انتفضت هي وابنتها عن الفراش بجزع ، لتذهب نحو اول شيء وجدته امامه، عصا والدها الراحل ، امسكتها ليخرج صوتها بتهديد رغم ارتجافه:
– امشي وروح على بيتك يا عرفان، ما تجيبش لنفسك الكلام، انت خلاص بقيت طليقي، يا افضحك واقول بووو
ضحك بشر مغمغمًا:
– والله ضحكتيني، طب صرخي مع نفسك بقى.
قالها ليشرع بعدها في كسر الباب الخشبي، عبر الدفع بجانب الجسد الضخم عليه مرة واثنان والثالثة كان في الداخل معهما، مرددًا بفحيح:
– هااا ، وريني بقى صوتك هيوصل لحد فين عشان انا الليلة دي مش هعتقك لا انتي ولا بتك،
صرخت بأعلى صوتها فور أن انقض عليها يحاول نزع العصا منها حينما حاولت ضربه بها.
– بعد عنينا يا عرفان، انت مش طلقت وخلاص خلصنا منك .
اه يا حلوة ما انا طلقت، بس لازم اربيكم الليلادي.
قالها لتنشب بعد ذلك المعركة الغير متكافئة بينه وبينهما، يضربها وتضربه، وليلى التي كانت تحاول دفعه عن والدته تطولها يده هي الأخرى، يفاجئه القوة الجديدة من مزيونة، ورغم ذلك هو عازم على كسرها الليلة واخذ حقه منها في الحرام مادامت لم تقلل بحقه كمها في الرام في الحلال
– بعد عني يا عرفان
– ابعد عن امي حرام عليك، يا ناس اللحقونا ياناس
تلك الأصوات التي صارت تصدح في اجواء المكان الخالي إلا من محاصيل الخضروات والأشجار، في تلك الليلة الغريبة لتصل إلى ذلك الذي كان يقود السيارة عائدا من سفرته السريعة، ليفاجأ بمصدرها من داخل المنزل المهجور كما يعلم، والوحيد في هذا المنطقة.
وبدون ادنى تفكير أوقف السيارة يترجل منها مهرولا نحو المنزل المفتوح على مصراعيه، ليتفاجأ بما أشعل الدماء برأسه، تلك الجميلة التي رأها اليوم، يضربها رجل في قوة الثور وهي تقاومه بما تستطيع وابنتها تساعد
– بتمد يدك على حريم يا عديم النخوة
صدرت منه تلفت الانتباه نحوه، قبل أن يهجم بقوته، يسحب عرفان إليه، فيباغته بضربه قوية برأسه على جهته القاسية افقدته اتزانه، ليكررها عدة مرات حتى كاد أن يصيبه ارتجاج في الرأس، ليقع ارضا فاقدًا للوعي ، فصرخت ليلى :
– ابويا، ليكون مات ياما ليكون مات
شعر بالحرج والتف نحوها بأسف:
– انا اسف لو أدخلت مكنتش اعرف جوزك
– طليقجي مش جوزي.
وصلت إليه العبارة كماء مثلج رطب على قلبه، فاندفع يريد المزيد من التأكيد:
– يعني مش متجوزة حد غيره؟
– لا يا أخينا لا هو ولا غيره، دا انا ما صدجت خلصت منه اصلا.
شعور بالارتياح كاد أن يفقده صوابه، لولا استدراكه لخطورة الموقف، وهذا الأحمق الذي كان تسطح الأرض كالجثة امامهم، ليجثو بركبته اليه، يتقحص حالته، ثم ينهض سريعًا يهديء من روع الاثنتان:
– اطمنوا متقلقوش، دلوك اخده ع المستشفى نسعفه، يا ابعت لحد من عيلته يشيلوا نصيبتهم مع نفسهم.
ردت مزيونة بتحدي:
– يبجى التانية انا همليك نمرة عيال عموا ، عشان ياجو وتشهد بنفسك على اللي شوفته يا استاذ ااا
– حمزة، حمزة القناوي، بس ياريت قبل كل شيء تغطى نفسك عاد الأول، لا مؤاخذة يعني .
قال الأخيرة يبعد ابصاره عنها بصعوبة، لتتدارك هي لتفسها، بتلك العباءة النصف الكم التي كانت ترتديها وشعرها المنطلق دون حجاب او طرحة، يزين جانبي وجهها، فشهقت تهرول أمامه بخجل:.
– يا مري، انا كنت نايمة وماخدتش بالي، منك لله يا عرفان
ضحك بخفة يحاول التخفيف عنها، رغم سعادته بمشهدها الفاتن، والذي سوف يظل عالقا بذهنه إلى انتهاء عمره:
– مستورة يا بوي مستورة،
يتبع….
رواية لأجلها الفصل الخامس
رواية لأجلها الفصل الخامس لا يزال قيد الكتابة الآن، إذا أردت أن يصلك أشعار بمجرد نشره أنضم لقناتنا على تليجرام أو اترك تعليق في هذه الصفحة.