روايات

رواية مملكة الصعيد الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم سالي دياب

رواية مملكة الصعيد الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم سالي دياب

 

البارت الحادي والعشرون

 

 

انفتح باب الشقة ببطء، ودخلت خطواتها العرجاء، متلفحة بالسواد. تقدمت نحو غرفة النوم، حيث كانت “ريناد” وطفلها نائمين بسلام. اقتربت من السرير، وألقت نظرة نحو ريناد بعينين تقطران حقدًا وغلا دفينا.
هذه المسكينة، التي لم تر من الدنيا سوى الألم، لم تكن تدري ما يدور حولها. مدت “عنايات” يدها نحو الوسادة، وفي لحظة، كانت تضغط بها بقوة على وجه ريناد.
أما ريناد، فتحت الوسادة كانت تحاول التمسك بأي شيء ينقذها. الطفل بدأ في البكاء، والثانية تضغط، والفراش يهتز بحركتها الهستيرية…
= صااااااالح…
استيقظت ريناد مفزوعة، والعرق يغمر جبينها. نظرت لطفلها النائم بجوارها، ثم تلفتت حولها بجنون، وكأنها تبحث عن تلك
المتجبرة. نهضت بسرعة من السرير، حملت طفلها بين ذراعيها، وتوجهت إلى باب الشقة لتتأكد من إحكام إغلاقه.
2
نظرت إلى الطفل، كانت أنفاسه تتسارع، وجسدها يرتعش بالكامل، تشعر بأن قدميها لم تعد تحملانها. جلست على الأريكة، واحتضنته بقوة، تمرّ عيناها الباكيتان في كل الاتجاهات.
كانت قد رفضت أن تأخذ نقود زوجها لتسكن في مكان آمن، فأصبحت تنام بمفردها في هذه الشقة مع طفلها. لم تكن تلك أول مرة تراودها الكوابيس، بل دائمًا ما كانت صورة “عنايات” تطاردها في نومها، تظهر لها في هيئة كابوس، رغم مرور وقت طويل.
1
فقد مرت خمسة أسابيع تقريبًا على ولادتها، أي ما يقارب الأربعين يومًا. انتهت فترة الحيض، ومع ذلك، الهواجس لم تغادرها.
وصالح، كعادته، كان يأتي في النهار، يجلس معها ومع الطفل بعض الوقت، ثم يذهب. كانت تفرض عليه المغادرة، لا تريده أن يبيت معهم، خوفا من أن يكرر فعلته السابقة، ورغم ذلك، لم تكن تشعر بالأمان إلا في وجوده.
وضعت الطفل على الأريكة، وقامت بإشعال جميع أنوار الشقة. ومع هذا، لم يغادرها الخوف. نظرت إلى الهاتف الأرضي بجوار الأريكة الموضوع على طاولة صغيرة. رفعت عينيها نحو الورقة المثبتة على الحائط، كتب عليها رقمه بخط يده، ولصقها بنفسه، وقال لها حينها: “لو حصل أي حاجه، اتصلي بيا فورًا.”
1
ترددت أن تقوم وتتصل، نظرت إلى الطفل وهي تبكي، لكن لم تستطع منع نفسها من مدّ يدها إلى الهاتف والضغط على الأزرار.
كانت لا تزال تخاف… حتى من شبح أمها.
وضعت السماعة على أذنها. لم يكد يرن الهاتف للمرة الثانية حتى رد هو بصوت بلهفه…
= ريناد… فيكي حاجه عمر زين…
+
قبضت على سماعة الهاتف بكلتا يديها، وقالت بانهيار:
= أنا خايفة… حلمت حلم …ااا… وحش…
= اهدي انا طالع لك…
1
لم تستوعب ما قاله، كانت لا تزال في انهيار، وعندما شعرت أنه سينهي المكالمة، صرخت…لااااا… ما تقفلش….
= حاضر، خلاص… أنا جدام الباب أها….
عقدت حاجبيها بعدم فهم، والتفتت فجأة نحو الباب، عندما سمعت المفتاح يدور في القفل من الخارج… لم تمر لحظة حتى انفتح الباب، وظهر هو خلفه.
1
نظرت إليه، لا تزال تمسك سماعة الهاتف، مذهولة من سرعة وصوله. لكن خوفها لم يترك لها مجالا لتفهم أي شيء…
أغلق الباب، ونظر إليها وهو يلهث، ثم اقترب، وقبل أن ينطق بكلمة، كانت قد هرولت إليه، وارتمت في أحضانه، تعانقه بقوة ….
لم يحتج وقتا ليستوعب، بل لق ذراعيه حول خصرها، جذب جسدها إليه، ضغط عليه، يعانقها كدرع يحميها، يهمس مهدئا، ويده تمر بين خصلات شعرها، حتى استقرت على ظهرها برفق…
1
هششش… خلاص اهدى … أنا جارك أها ….
ابتعدت قليلا، رفعت عينيها الباكيتين نحوه، وهمست من بين شهقاتها …
= عنايات… كانت.ااا.. عاوزة تموتني… و… وهتاخد …مر
ضمها من جديد، بقوة أكبر. قبل رأسها بحنان، وقال بصوت مليء بالحب والطمأنينة:
= ما حدش يجدر يجربلك … طول ما أنا عايش… ما تخافيش ….يا هلاكي…..
ظل يعانقها بحميميه ممزوجه بالاحتواء، يتمنى ان ينتهي هذا العذاب لتسكن مخاوفها، لكنه كان يعلم ان لكل شيء موعدا، وان الصبر هو الطريق الوحيد لتجاوز الالم.
1
رفع راسه نحو السقف وتنهد بقوه، ثم ارتسمت على وجهه ابتسامه دافئه حين وقعت عيناه على الرضيع النائم على الكنبه.
انخفض ببصره اليها، ما زالت ساكنه في احضانه، ملامحها شاحبه عيناها تائهه، وانفاسها متقطعه.
لكن تلك الطمأنينه لم تلبث أن تحولت الى رغبه صامته حين ادرك قربها، وما ترتديه، وكيف ان جسدها الضعيف يستند اليه بهذا الشكل.
1
مرت يده ببطء على ظهرها، كانت منهكه عاجزه عن الرفض بل كأنها كانت تتشبث به دون وعي.
رفعت راسها اليه، تنظر له بعينين باكيتين، فمد يده ومسح دموعها، اقترب منها، يحاول ان يقاوم كل ما يشعر به امام جمالها المرهق.
1
سحبها برفق، وتوجه بها الى الكنبه، جلس واجلسها على ساقه ولما حاولت النهوض، امسك بها وهمس
= لا لا .. خليكي اكده … اتوحشتك جوي يا هلاكي..
ازاحت يده عن خصرها، وابتعدت حين ادركت النظره في عينيه تلك النظره التي تعرفها جيدا، والتي كثيرا ما كانت تخشاها….
1
نهضت من فوقه، توجهت نحو الرضيع، رفعته من على الكنبه ثم جلست الى جواره تاركه مسافه واضحه بينهما، وضعت الرضيع على حجرها، ولم تتحدث.
ظل ينظر اليها قليلا، ثم قال بصوت منخفض
= انتى كويسه…
=لا….
طب جوليلي اعمل اي… عشان ترتاحي..
عمري ما هرتاح طول ما انا موجوده في المكان ده…
تنهد بهم ونظر اليها بحزن. تلك النظره التي خرجت من صالح الصاوي لاول مره كانت نظره عاجزه امام ما يحدث معها. لم يكن يريد ان يضغط عليها، وفي الوقت ذاته لم يكن يريد ان يبتعد.
كانت تعلم انه ينظر اليها، ما زالت تخاف منه، رغم انها لا تشعر بالامان الا معه. لكن ما حدث في الماضي لم يتوقف عن ملاحقتها ….
1
اومضت بعينيها ثم تنفست بعمق، وقالت بشجاعه زائفه
= كان في وعد واتفاق بينا … ااا… ما نفذتوش ليه؟ ولا هو كلام وخلاص؟
وهنا، لم يستطع التحكم في غضبه نظر اليها بغضب وصاح بصوت جهوري
= اي الكلام الخرفان اللي هتجوليه ده ؟ اوعي تنسي حالك يا بت اني صالح الصاوي !
توقف عن اكمال حديثه حينما لمح نظره الخوف في عينيها، ثم بكاء الرضيع الذي تاثر بصوته. لعن نفسه الاف المرات. كاد ان يتحدث بهدوء، لكن هربت مسرعه الى غرفه النوم لتحتمي بها وبرضيعها.
1
زفر بقوه، واغمض عينيه بضيق، ثم تحرك خلفها.
رآها تجلس على الفراش، تضم الرضيع وتحاول تهدئته وهي تبكي بصمت.
اقترب منها، وخلع جلبابه، ليبقى بالثروال الاسود، وكان الجزء العلوي من جسده عار تماما، مما جعل قلبها يرتجف خوفا نظرت اليه بذعر عندما اقترب، وانحنى عليها. لم تقاوم عندما اخذ الرضيع منها وهو ينظر اليها بندم.
1
اخذ الرضيع، بينما انكمشت هي على نفسها في السرير. بدا يهدئ الرضيع ويلعب معه حتى هدأ تماما، وعاد للنوم.
ابتسم ابو حنان، وقبله بحب، ثم وضعه في فراشه الصغير، وغمره جيدا بالغطاء. بعدها، توجه اليها، وجلس امامها.
كانت تحاول ان تتحلى بالشجاعه، لكن الشجاعه ذهبت، وذهب كل شيء معها. جسدها انتفض، فامسك يدها.
خشيت ان تسحب يدها فيغضب، لذلك بقيت ساكنه.
اقترب اكثر، حتى لم يعد يفصل بينهما سوى الهواء. نظر اليها وقال بهمس عاشق
= انا اسف… حجك عليا… بس في واحده تقول لراجلها اللي بينا كان كلام؟ عارفه معنى كلامك ده ايه؟ يعني اني مش راجل… ينفع اكده؟
1
الشخصيات مثل ريناد تحكمهم البراءه، لذلك سارعت بالدفاع عن نفسها:
= انا ما كانش قصدي كده… انت وعدتني انك تنزلني المكتبه، ودلوقتي عدى شهر وما فيش حاجه … يبقى كنت بتضحك عليا؟
1
ابتسم على براءتها، وانحنى على كف يدها وطبع قبله حنونه على اصابعها.
رفعت نظرها اليه بعيون متسعه عندما قال بابتسامه صافيه:
= كنت هجولك الصبح… كل چاهزه، مستنيه المديره.
1
= المديره؟
قالتها ريناد باستغراب وهي تنظر اليه بحيره، اما هو، فبمجرد انها تتحدث، حتى لو بنظره خوف بسيطه، كان ذلك في نظره تقدما، جعله يتجرا ويقترب اكثر. ثم قال وهو ينظر داخل عينيها:
1
= شرطي من البدايه ان ما فيش حاچهه تاثر عليكي ولا على ابننا… يعني انت هتجعدي ، واللي انت عايزاه هيحصل. في كم واحده هيشتغلوا تحت يدك، شغلتك انك تشرفي وتوجهي
نظرت ريناد بعيدا بتفكير في كلامه كانت تريد ان تخرج للعمل لكسر حاجز الملل. المكتبه ليست كبيره لتحتاج موظفين، لكن لا يهم، المهم انها تنزل الشارع وتشعر بالامان وسط الناس.
1
انتشلها من افكارها حين شعرت بابهامه يداعب وجنتها.
نظرت اليه بريبه بينما هو يقترب منها شيئا فشيئا. وضع يده على خدها، ثم اقترب حتى لم يعد بينهما سوى سنتيمتر واحد.
تعمق النظر في عينيها الزيتونيه.
حاولت ان تقاوم، ان تتكلم، لكن حضوره كان طاغيا.
تراجعت براسها للوراء، بعدما اقترب هو منها في دعوه واضحه لتقبيلها.
ج على وجه شعر بانفاسها المذعوره تخرج على وجهه، والخوف يملأ عينيها.
1
اغمضت عينيها بقوه، تستعد للاسوأ . تستعيد الذكريات المؤلمه التي مرت بها من قبل، عندما اغتصبها بابشع الطرق.
1
لكن… فتحت عينيها فورا حين شعرت بشفتيه على جبينها.
طبع قبله حنونه مطمئنه، ثم نظر اليها وقال بهمس دافئ
= ما تفكريش في حاجه … كله هيبجي زين… انت مرات صالح الصاوي … جلت لك اللي چاي ليكي وال عمر … وبس… ارمي حملك عليا….
1
شعرت بصدق كلماته، لكن الخوف لم يبارح قلبها، فما مرت به لم يكن سهلا.
وقد قرأ كل ذلك في نظراتها، فابتسم بجانب فمه، ثم وقف، وتوجه الى طرف الفراش وتمدد عليه تحت انظارها المصدومه.
لم تلبث تلك الصدمه ان تحولت الى غضب، فجلست على الفراش وقالت بغضب لذيذ:
انت بتعمل ايه؟
وضع ذراعه تحت راسه، وقال ببرود وهو يغمض عينيه:
انت شايفه اي؟ ااااه
صرخ متالما عندما امسكت الوساده وضربته بقوه في وجهه، وصرخت بانفعال
= شايفه واحد مستفز وبارد … قوم من على السرير
1
نظر اليها مدعيا الالم، وقال باستعطاف:
= يعني انا سبت كل اللي ورايا علشانك، وتجولي لي جوم من على السرير؟ يرضيكي انام على الارض؟ حرام عليك يا شيخه… بجى لي شهر بنام تحت في العربيه…
یا رجل… بالطبع كان يكذب. لم يكن ينام في سيارته، بل اشترى العقار باكمله، واقام في احدى شققه السفليه ليكون قريبا منها.
3
ريناد نظرت له بصمت، وكانت هذه البريئه قد صدقت كذبته، خاصه ان رده السريع حين اتصلت به جعلها لا تشك ابدا انه يسكن قريبا.
لوت فمها بضيق، ورفعت سبابتها بتهديد وهي تضع الوسادات كحائل بينهما:
على الله تعدي الخط ده…
1
= ولو عديته؟
= هقتلك …
واني موافج… اموت على يدك…
الكلمات زلزلت كيانها، والنظره جعلتها تزيح عينيها عنه بسرعه.
ثم سحبت النوم. الغطاء بعنف، وغطت نفسها بالكامل، وتمدت تدعي
1
اما هو، فكان يتابعها بابتسامه عاشقه، ونظره حنونه.
رفع راسه قليلا لينظر الى الرضيع النائم في فراشه.
نظر اليهما معا، وقد غفت حقا.
ابعد الوسادات برفق، ثم اقترب منها. رفع الغطاء ودخل تحته.
لف ذراعه حول خصرها، وسحب جسدها الصغير اليه.
عانقها بقوه، دفن وجهه في خصلاتها الناعمه، وطبع قبله حنونه على عنقها، ثم همس في اذنيها
بعشجك يا هلاكي… الصبر كله هيرجع زي لاول… واحسن….
1
بينما كان صالح ينعم باحضان زوجته، وبانفاس صغيره تلامس قلبه، كان الخبث والمكر يعصفان من الجهه الاخرى.
عنايات علمت بما فعله شقيقها. لقد قام بالغاء التوكيل منذ فتره ليست ببعيده…
كل ما خططت له ذهب هباء فقط الان ادركت سبب ثقته المبالغ … فكل شيء لا يزال باسمها، ولم تستطع الحصول على شيء.
1
وها هي الان تجلس في مكتبه، منهكه من فرط التفكير، ومرهقه من كثر البحث عن ورقه واحده تستخدمها ضده، دون جدوى.
1
كل ما وجدته كان مجرد حسابات قديمه، لا نفع منها.
فتحت عينيها، وحدقت في السقف. ثم نظرت الى الهاتف امسكته، وضعته على اذنيها دون ان تنطق بكلمه.
الا ان الطرف الآخر بادر بالكلام
واضح ان صالح كان حاسب كل حاجهه و مدبرها زين… الزريبه الجديمه؟ طلع بايعها ليونس الجبالي، ولد عثمان الجبالي… ومش بس اكده، سمعت كمان ان بكره هيفتتح مكتبه كبيره جوي … مكتبه عابدين … بناها من اول و چدید و بقت حاجه تانيه وبقت مكتبه ام عمر …
2
ملامحها الشيطانيه بقيت هادئه بشكل غريب. اغلقت الخط دون ان تنطق، ثم وضعت الهاتف على المكتب امامها.
اغمضت عينيها، واسندت راسها الى الخلف.
لا احد يعلم ما هو سر هذا الهدوء، ولكن ما اعلمه جيدا… ان القادم سيكون مرعبا بعض الشيء.
2
استيقظت ريناد في الصباح بعد الظهر، كانت في حاله غفوه عميقه، بعد ليال طويله من التفكير والخوف وجوده بجانبها اعطاها التصريح لتغفو بسلام.
كان جسدها مطاعا على الفراش، تقلبت، وركلت الغطاء بقدمها، ثم فتحت عينيها لتنظر الى الفراش المجاور.
ما ان لاحظت غياب الرضيع، حتى انتفضت من على الفراش بسرعه.
نظرت حولها، لكن لم تجد صالح، قفزت من السرير وركضت خارج الغرفه وهي تصرخ:
= عمرررر…
خرج صالح من المطبخ على صوت صراخها، نظر اليها باستغراب، بينما هي تقدمت اليه بسرعه مذعوره، ثم رأت الرضيع بين ذراعيه.
1
اخذته منه بحذر، واحتضنته وهي تقول بنبره باكيه:
= انت كويس يا حبيبي…
اجابها صالح باستغراب:
= اهدي يا ريناد لي كل ده؟ من ضواحيه وهو صاحي، ما رضيتش اجلجك، كلت وغيرت له، وسبتك نايمه…
نظرت اليه من بين دموعها، ثم قالت بقهر ممزوج بالعتاب = انت اللي وصلتني للحالة دي… انت واهلك… انا بكرهك….
1
الكلمه كانت كطعنه في قلبه، لكنها حاول ان يخفي اثرها بابتسامه ساخره، ثم قال ممازحا:
= متشكرين لكرم اخلاجك … يلا انا حضرت الفطور، تعالي افطري عشان ننزلوا ….
1
مسحت دموعها، ونظرت له بنظره كراهيه، ثم توجهت الى الداخل بصمت.
اما هو، فبقي واقفا في مكانه، يحدق في باب الغرفه بحزن عميق…. الطريق لا يزال طويل يا صالح….
الساعة كانت الثالثة عصرا حين وصلت سياره صالح، تحيط بها مجموعه من الغفر، فصالح لم يكن بمفرده، بل ترافقه زوجته ورضيعه.
توقفت السياره امام المكتبه التي تحولت الى شيء اخر تماما.
دار حول السياره، فتح الباب، وساعدها على النزول بعدما اخذ الرضيع من بين يديها.
كانت مصدومه من التحول المفاجئ. المكتبه اصبحت اكبر اضخم اشبه بمعرض ثقافي وليست مجرد محل بسيط.
1
نظرت اليه بعينيها المتسعتين، فقابلها بابتسامه عاشقه. وضع يده على ظهرها يدفعها برفق للسير، كادت ان تبعدها، لكنه لف ذراعه حول خصرها لتستقر يده هناك.
نظرت اليه بنظره خجل ممزوجه بالغضب، فالمكان ممتلئ بالرجال، اما هو فلم يبال، بل تابع سيره بعينين تشبهان عيني صقر، يمشي بشموخ كما لو ان الارض ملكه وحده.
1
توقفا امام باب فاخر، نظر اليها، ثم ازاح يده عن خصرها، اخرج مفتاحا من جيبه، سلمه لها وقال بابتسامه صغيره تلمع اسفل شاربه
افتحي مكانك يا ام عمر …
وام عمر لم تعلم لما كانت يدها ترتجف، لما كان قلبها يخفق بذلك الشكل.
نظرت الى المفتاح ثم الى الباب. ابتلعت ريقها، اخذت المفتاح حاولت فتح الباب، لكن يدها المرتجفه لم تطاوعها.
1
اقترب منها، وضع يديه على يديها، نظرت اليه فابتسم لها، ثم لف يديها قليلا حتى انفتح الباب.
وظهرت المكتبه … قطعه من الخيال.
تسمرت مكانها، عيناها اتسعتا، فمها مفتوح بذهول. المكتبه تغيرت تماما، لم تعد مكانا لبيع الدفاتر او تصوير الاوراق، بل اصبحت مكتبه حقيقيه، مليئه بالكتب والروايات.
1
اصبحت مركزا للقراءه لا للبيع.
قلب صالح انشرح، وابتسم عندما رآها تتحرك داخلها مذهوله، تمرر عينيها على الرفوف، تلمس الاغلفه، تتنفس الحروف
= انا مش مصدقه … معقول دي المكتبه اللي كانت….
تلعثمت ابتسامتها ضغطت على شفتها السفليه، فقد ادركت انها اخطات في حقه. ظنت به السوء، ولم تتوقع انه كان يصنع كل هذا من اجلها.
1
رفعت عينيها اليه بصمت. اقترب منها امسك يديها، رفعها، طبع قبله رقيقه عليها وقال وهو يداعب اطرافها
ابتسامتك عندي بالدنيا وما فيها….
سحبت يدها، ابتعدت خطوتين تصنعت انها تتفقد المكان.
رأت مجموعه من الفتيات يعملن في القسم الآخر من المكتبه، ابتسمت لهن فبادلها الجميع الابتسامه.
ثم تفرقت كل واحده منهن الى عملها بمجرد اشاره بسيطه من صالح.
نظرت اليه بطرف عينها، فوجدته يقبل يد الرضيع.
اخذت نفسا عميقا، وتقدمت بخطوات حاولت ان تجعلها ثابته لكن يدها ظلت ترتعش.
مهما مر الوقت، لا تزال تغشاه.
= كفايه كده… ااا… عمر لازم ينام….
نظر اليها مطولا ، ثم اقترب منها وهو يحمل الطفل. اشتاق لها كثيرا.
في خضم الحروب التي يواجهها، هي وحدها من يريدها.
اقتربت بتردد رفعت يديها وانتزعت الطفل بسرعه، تراجعت للخلف.
تنهد بضيق، فهو يعلم جيدا ان ما فعله بها لم يكن بسيطا.
الطريق لن يكون سهلا يا زعيم المملكه….
= ما هترضعيش الواد من صدرك ؟ صدرك ما فيهوش لبن؟ وريني كده…
2
صرخت وتراجعت للخلف، لم تتفاجا من وقاحته.
ضمت الطفل الى صدرها بحمايه، اما هو فابتسم قائلا بوقاحه:
= مالك عاد؟ هي اول مره اشوف صدرك ؟ اني كنت ولدك جبل عمر، ولا نسيتي انك كنتي بترضعيني؟
1
ابعدت عينيها بخجل ممزوج بالضيق. مهما مرت الايام، سيظل على حاله.
= الواد نام… حطيه في فرشته…
نظرت الى الطفل، فوجدته حقا قد غفى.
وضعته في فراشه بعنايه دثرته جيدا، وما ان التفتت حتى شهقت كادت ان تسقط عليه، لكنه سحبها من خصرها قبل ان ترتطم.
تعالت انفاسها بخوف، نظرت اليه بهلع، فهو كان دوما يخدرها بلمساته الوقحه.
ادخل يده اسفل وشاحها، داعب عنقها بحنان، ثم همس امام شفتيها بحراره
هلكتيني يا هلاكي… مش شايفه انك زودتيها؟ مش صعبان عليكي حالي؟ وابني بعيد عني؟ عيني ما شافتش النوم عشيه ما قادرش اصدق اني كنت نايم معاكم امبارح…
1
نظرت اليه بعتاب يملاه القهر، وقالت بالم:
= وانا ما صعبتش عليك؟ لما شكيت فيا؟ لما حبستني؟ لما اغتصبتني ؟ … اااا… ابعد عني انا مش طايقاك….
قالت ذلك، وهي تحاول التملص من بين ذراعيه.
تراجع بها للوراء، حتى ادخلها زاويه صغيره بجوار احد الارفف
ثبت جسدها الى الحائط، اشرف عليها بجسده، رفع يديها الى اعلى قيدهما بيد واحده، فنظرت اليه بخوف.
ظنت انه سيكرر ما فعله من قبل.
مرر يده الأخرى على عنقها من اسفل الوشاح، ثم قال بهمسه ممزوجه بالندم
= بكفايه يا هلاكي… والله العظيم ندمان… انتي شايفه بعينك الكل بيحارب فيا… وخبره اني عايزك چاري… ارجعي معايا بكفايه…
1
خليني اصحى على صوت ولدي ونظره عينيك…
اغمضت عينيها وادارت وجهها حتى لا تضعف.
نعم، تعلم ان الجميع يحارب فيه، حتى اقرب الناس اليه.
لكن ما فعله بها اقسى من كل ما يحدث معه.
لذلك قالت:
= مستحيل ارجع البيت ده تاني… مستحيل اكون انا واهلك في مكان واحد … كل اللي حصل معايا بسببهم … مش هروح هناك… مش هخلي عنايات توصل للي هي عايزاه … لو عايز تحمي ابنك ابعدوا عن اهلك .. وارحمني، وابعد عني بقى… عندك غيري، روحلهم…
1
دفن راسه في عنقها، ارتجف جسدها حين شعرت بشفتيه تطبع قبله شرسه هناك.
هو لم يتغير بعد، ما زال عنيفا…
حاولت ان تتحرر، لكنه ضغط بجسده عليها.
لم تجد سوى لسانها سلاحا لتقول بانهيار
= لاااا… ابعد عني … حرام عليك … انت بتبقى مبسوط لما بتشوفني متعذبه؟… اااااه…
صرخت حين عضها من عنقها بعنف، ثم رفع وجهه نظرت اليه رأت عينيه تلمع بالرغبه، فقال بلهث:
= حرام عليكي … انتي ع اللي بتعمليه فيا… انااا…
لكنه لم يكمل، فقد التفت كلاهما عندما تهشم الزجاج الامامي للمكتبه …
وانطلقت قاروره زجاجيه بها شعله ناريه تدحرجت حتى استقرت
اسفل عربه الرضيع….
فزع هو … وصرخت هي…
ووووووو…….
3
….

دي رواية مميزة جدًا جرب تقرأها  رواية عذراء علي ابواب الجحيم - قصة نيروز ومراد الفصل الثلاثون 30 بقلم ساندريلا

 

 

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *