روايات

رواية نجوت بك الفصل الثامن عشر 18 بقلم مي مصطفي

رواية نجوت بك الفصل الثامن عشر 18 بقلم مي مصطفي

 

 

البارت الثامن عشر

 

 

=الفصل الثامن عشر”بين يديه وطنٌ”

قبل أن تغوص في هذا الفصل…
توقّف لحظة، خذ نفسًا عميقًا،
و—بكل خشوع—ردّد معي:
اللهم صلِّ على محمد، عددَ ما خطّت الأقلام، وما رفرف السلام، وما تنفّس الأنام.
صلِّ عليه حتى يُطمئن القلب، وتُفتح الأبواب، وتُروى الأرواح.

+

بسم الله نبدأ…
وبنور الصلاة عليه، نُزيّن الحروف ونُغلف المعاني…
فما طابت الكلمات إلا حين اقترنت باسمه، وما سكنت القلوب إلا حين صلّت عليه.
صلِّ على الحبيب… ثم اقرأ.✨

+

————-
كانت تقف أمام المرآة، والفستان الآخر بـ لون الأوف وايت يحتضن جسدها برقيّ لا يعلو صوته، بل يهمس بكل تفاصيل الأنوثة الناعمة.
جاء التصميم بطولٍ يلامس منتصف الساق، يُظهر القوام بخطوطٍ مستقيمة، أنيقة، كأن الخياطة كُتبت بريشة رسّام لا مقصّ خياط.
الشقّ الجانبي الخفيف أضاف لمسة تمرُّد خفي، لا يتعارض مع حيائها، بل يجاوره كما يجاور الضوء ظلَّه دون أن يتعدّى عليه.
لكن سرّ الفستان الحقيقي لم يكن في قصّته الضيّقة، بل في أكمامه الشفافة، تلك التي انسدلت من كتفيها كضوءٍ خافتٍ من شرفةٍ مفتوحة على المساء.
قماشٌ شفاف، ينساب على ذراعيها بلون العاج المائل للسكينة، يُظهر نعومة الجلد لا بجرأة، بل برفاهية أنثى لا تحتاج لتُثبت شيئًا.
اللون الأوف وايت بدا على بشرتها كما يليق بنقاء روحها، فاختلطت درجاته ببياضها، ليصبح المشهد كله لوحةً من لؤلؤ ناعم،
لا صراخ فيه، بل رقة تُبقي العين معلّقة، لا تعرف أهو جمال الفستان، أم الفتاة التي تلبسه؟
وحين مشت، تحرّك القماش بخفة، كأن النسيم يرافقها، كأن كلّ خيط فيه كُتب ليقول:
هذه أنثى لا تُقلّد، بل تُروى.

+

جلس سليمان في الصالون بهدوء، وقد خلع جاكيت البدلة وألقى به إلى جواره على الأريكة.
فتح زرار قميصه العلوي، وأرخى صدره للراحة، لكن قلبه لم يعرف للراحة طريقاً.
كان يجلس كمن ينتظر أول الحياة، لا مجرد لحظة.
عيناه تتفقدان تفاصيل الغرفة دون تركيز،
وكل ما يملأ رأسه هي هي. رفيدة.
لم يرها بعد الحفل، منذ دخلت الغرفة مع أمه لتغيّر ملابسها،
لكن الصورة التي ما زالت راسخة أمام عينيه،
هي مشهدها وهي تمشي نحوه على منصة عقد القران،
بفستانها الأنيق، وخجلها الساكن،
ونظراتها المكسوفة وهي توقّع،
كأنها تكتب نهاية الوحدة وبداية الأمان.
يتنهد،
ينظر إلى ساعته،
ثم يبتسم لنفسه…
“معقولة متوتر؟ بعد كل ده؟”
يسأل نفسه، وهو يمسح بكفّه على وجهه كمن يفيق من حلم جميل.
وفجأة…
تنفتح بوابة الغرفة بهدوء.
تدخل هي…
وشيء ما في الهواء تغيّر.
دخلت بخطوات هادئة، وشعرها منسدل على كتفيها، لأول مرة،
كأنها خرجت من حكاية قديمة… من زمن لا يعرفه إلا قلبه.
تجمّد في مكانه.
وقف.
حدّق فيها للحظات بدت كالعمر كله.
الضوء ينسدل على وجهها، فيرسم ملامح لا توصف بالكلمات.
بشرتها النقيّة، عينيها المترددة، وخجلها الذي يسبقه ألف حياء…فتنة أقل ما يقال عليها أنها فتنة متحركة.
تنظر إليه بتوتر، تكاد لا ترفع بصرها،
لكنّه يتقدّم خطوة… بخطوة…
حتى وقف أمامها.
مدّ يده ببطء، ورفع خصلة صغيرة وقعت على عينيها،
ثم همس بصوتٍ أجش، صادق، لا يشبه إلا صدق العشاق:
“سبحان من جعلك حلالي….مشوفتش جمال كده في حياتي ماشاء الله،ألف حمد وشكر لربنا إنك كنتِ مخفية عن العيون دي كلها ومن جميل حظي ورزقي إن عيوني بس اللي تشوفك”
جلست “رفيدة” على طرف الأريكة بخجل ظاهر، تحاول أن تُخفي ارتباكها خلف يديها المتشبثتين بطرف الفستان، والذي كان ينفتح قليلًا من عند الركبة كلّما تحركت. راحت تُصلحه وتُحكم سحبه إلى الأسفل، كأنها تقاتل حرجها بأصابعها المرتجفة، بينما عيناها تتفادى النظر نحو “سليمان”.
لحظتها، مدّ يده بهدوء، وأمسك بكفّها المرتبك وهمس بنبرة دافئة:
– “بطلي فرك شويه… متركزيش في أي حاجه غيري، أنا وبس. انسي الفستان خالص وبلاش خجل زياده… أنا جوزك دلوقتي، يعني عادي أشوف كده.”
ضحك بخفة وهو يرى احمرار خديها، لكنها لم تُجب، بل زاد ارتباكها، وتضاعف اتساع عينيها كأنها تسمع شيئًا لا يُقال.
سألها برقة:
– “إيه رأيك في اليوم؟ في الحفلة؟”
نظرت إليه أخيرًا، وكانت تلك أوّل مرة يرى فيها ذلك البريق في عينيها… حماسة طفلة، وسعادة امرأة، ونور دهشة لم تكن تتوقعها.
قالت بابتسامة خجلة:
– “كان تُحفــــه… كل حاجه كانت خرافه. عمري ما كنت أتوقّع أعيش يوم حلو بالشكل ده.”
ثم همست، كأن الكلام أثقل من صوتها:
– “ربنا ميحرمنيش منك ولا من ماما ورنا… إنتوا عيلتي وكل حاجه ليا.”
اقترب منها أكثر، وهمس لها بنغمة خافتة تكاد تنتمي للقلوب لا الآذان:
– “بس أنا عايز أبقى طمّاع شويه… وأكون واخد أكبر جزء في حياتك… وقلبك… وكمان في دعاكِ.”
سكت لحظة، فتأملت الأرض بخجل، قبل أن تقول بهدوء:
– “إنت في دعائي من أول يوم قابلتك فيه… من يوم ما طلّعتني من المخزن… وكنت معايا.”
رفع وجهها برفق ليجبر عينيها أن تلتقي بعينيه، ثم قال:
– “مكنتش أتخيل إنك بالحلاوة والجمال ده.”
أخذ خصلة من شعرها الناعم بين أصابعه، كأنّه يتأمل شيئًا من الجنة، وهمس:
– “سبحان من صوّرك.”
قرّب أنفه إلى شعرها واستنشق بعمق، بينما هي تغرق في فيض من المشاعر لم تعرفها من قبل، أغمضت عينيها، ومدّت يدها تمسك يده، ثم شدّته من قميصه بخجلٍ محتار.
لكن الطرق على الباب أعادهم إلى الواقع.
ابتعد قليلاً، وإن ظل ممسكًا بيدها، يحضنها بذراعه، وهمست بخجل:
– “ابعد شويه… مينفعش.”
رفع حاجبه وقال بثبات يتكئ على كل حرف:
– “انتي… مراتي.”
ثم رفع صوته قليلًا:
– “اتفضل.”
دخلت “رنا” وهي تضحك بمرح:
– “يلا يا أبيه، عايزه أصوّركم صور خاصه كده بالفستان ده.”
وقفا معًا، وهي تختبئ من عدسة الكاميرا بخجلٍ طفولي، وهو يحتضنها بصور مختلفة، يُوجّهها برفق، ويهمس لها بكلمات تُربك قلبها.
دخلت “رباب” بعدها بصينية الطعام، وقالت ضاحكة:
– “يلا يا حبايبي، الغدا… زمانكم ميتين من الجوع.”
وضعت الصينية على الطاولة، وغمزت لرنا:
– “كفاية صور بقى، سيبيهم ياكلوا.”
خرجوا جميعًا، وبقي “سليمان” و”رفيدة” وحدهما.
سحب يدها بلطف، وأجلسها بجانبه، وبدأ يُطعمها بنفسه، يُراعي أن تذوق من كل صنف، أن يشبع قلبها قبل بطنها، ثم قام بعد انتهائهما وغسلا أيديهما سويًا.
همست له:
– “خلينا نقعد مع ماما ورنا.”
هزّ رأسه موافقًا، وذهبا معًا، وما زال ممسكًا بيدها.
جلس إلى جوارها، وقضوا السهرة جميعًا في ضحك وحديث لا ينتهي.
قالت “رنا” فجأة:
– “أنا نزلت ستوري وكل صحابي منبهرين بفستان رفيدة وجمال عينيها… بيقولولي عايزين نشوفها من غير نقاب.”
تغيّر وجه “سليمان” في لحظة، والتفت إليها بغيرة واضحة:
– “اوعي تعملي كده يا رنا.”
ردّت بسرعة:
– “أكيد يا أبيه، مش هبعت صورها لحد.”
لكنه جلس يتنفس بغضب، فحاولت “رباب” تهدئته وهي تضحك:
– “أمال لو كنت سمعت الناس وهما بيمدحوا في جمال عينين مراتك… ده أنا بدل ما كنت بدعيلكم بالخير، بقيت بدعي ربنا يحميها من العين… الحمدلله إنها لابسه نقاب!”
قال سليمان وهو يمص شفته بغيظ:
– “انتوا بتحرقوا دمي زياده ولا إيه؟!”
ضحك الجميع، فمال نحو “رفيدة” وهمس:
– “عجبك يعني حالتي كده؟”
نظرت له بنظرات بريئة ساحرة، وقالت برقة:
– “أنا عملت إيه بس؟”
همس، وهو غارق في عينيها:
– “قوليلي معملتيش إيه…”
ثم أمسك هاتفه، وقال:
– “هاتي اكونت الفيس بتاعك، أضيفك عندي علشان أنزل بوست كتب الكتاب وأعملك إشارة.”
أجابته بإحراج:
– “أنا… مليش أكونت فيس.”
نظر لها بدهشة:
– “إزاي؟!”
قالت بخجل:
– “مكنش عندي وقت ولا إمكانيه نت… كنت مكتفية بالواتس علشان جروبات الكلية وكده.”
هزّ رأسه بتفهم، ثم قال:
– “نعملك أحلى أكونت… يا سعدي وهناي إني يكون نصيبي واحدة زيك.”
فتح هاتفه، وأنشأ لها حسابًا، وأرسل لنفسه طلب صداقة، ثم قبله، وبعث طلبًا لـ”رنا” و”رباب”، ثم أقفل حسابها.
أنزل منشورًا بصورة لهما، لم يظهر منها سوى الفستان، وأيديهما المتشابكة، ويد “رفيدة” مُغطاة بجوانتي دانتيل ناعم.
كتب تحت الصورة شعرًا لِـ عمرو حسن:
“شرفتي حياتي ونورتي وحجزتي مكان
ودخلتي الدنيا وغيرتي في عيني الألوان
بالظبط اللي أنا عاوزه لاقيته
واحده… تكون للواحد بيته.”
نشره، وترك الهاتف جانبًا، ليقضي بقيّة السهرة معهم وهو يحتضنها… بقلبٍ امتلأ بها، وبعالمٍ صار اسمه “رفيدة”.

دي رواية مميزة جدًا جرب تقرأها  رواية رنا واسر - لا افهمك الفصل السادس 6 بقلم هدير محمد

+

وسط السهر والألفة التي نسجت خيوطها حول القلوب، وبين الضحكات الخفيفة والأحاديث الدافئة، غفت “رفيدة” دون أن تشعر…
غفت ووجهها يزهر بابتسامة حالمة، وملامحها تنطق براحةٍ لم تعرفها من قبل، وهي بين ذراعي “سليمان” يحتضنها برفق، ويمرر أنامله في هدوء على خصلات شعرها، وكأنّه يداعب نسيمًا لا يريد له أن يتبعثر.

+

لاحظت “رباب” سكونها ونعاسها، فمالت نحو “سليمان” هامسةً:
— “يا ابني… مراتك نامت.”
كأنّ الكلمة لامست قلبه لا أذنه، فأغمض عينيه لحظةً كأنّه يتذوّق اللفظ… “مراتك”.
كلمةٌ واحدة، لكنها وحدها كانت كفيلة بأن تزرع داخله يقينًا أنّ هذا الجمال، وهذه الرقة، وهذا النقاء، أصبح من حقه هو… هو وحده من رجال الأرض مَن كُتب له أن يراها بهذا القرب، أن يحميها، أن يلمس وِجدانها.
ظلّ يتأمل وجهها النائم مبتسمًا، شاردًا، حتى أعادته “رباب” بضحكة ماكرة:
— “قوم بقى يا خويا، دخل مراتك جوّه، ويلا على شقتك… مش عايزاك أشوف وِشّك غير ع الفطار!”
ضحك “سليمان” وهو يقول:
— “قولي مراتك تاني كده، وأنا آخدها شقتي حالًا، ومش هتشوفينا غير بعد سنة… أو أكتر.”
رباب ضربته بخفّة على كتفه وهي تضحك:
— “يا واد اختشي! من إمتى بقيت قليل الأدب كده؟”
فردّ بخفة:
— “أعمل إيه؟ أنا بكتشف نفسي معاكم… واضح إن رفيدة هتجنّني.”
ثم انحنى إليها، ورفعها من بين ذراعيه برقة تشبه الحنان، يحملها كما تُحمل الهدية الغالية، والطمأنينة ترتسم في ملامحه.

2

تابعت “رباب” خطواته بدهشة وضحكة مكتومة:
— “رايح فين يا واد؟”
فردّ دون أن يلتفت:
— “مراتي… هتبات في أوضتي، وعلى سريري… لحد ما نعمل الفرح.”
“رنا” نظرت إليه بحزنٍ وطفولة:
— “بس أنا اتعوّدت على رفيدة ونومها جنبي.”
أدخلها “سليمان” إلى الغرفة، ووضعها بهدوء على سريره، لتلفت انتباهه يدها الصغيرة التي كانت لا تزال متمسكة بطرف قميصه بقوة، كأنّها لا تريد منه أن يبتعد.
ابتسم، وجثا بجوارها، حرر أناملها برفق من قميصه، وسحب خصلةً متمردةً انسدلت على وجهها، وأعادها خلف أذنها في حنان.
غطّاها جيدًا، ثم نهض، وخرج إلى “رنا”، وقال بابتسامة دافئة:
— “الحق عليّا، بعودك تنامي لوحدك من دلوقتي… أحسن ما أخدها مرة واحدة، وتزعلي.”
ومضى إلى شقته، خلع ملابسه بهدوء، توضأ، وأدّى ركعتين شكرًا لله.
ثم تمدد على سريره، تغمره سكينة نادرة… أغمض عينيه، ومرت تفاصيل اليوم أمامه كحلمٍ جميل، كأنّه يعيشه مرةً أخرى.
ابتسم في هدوء… ونام.

دي رواية مميزة جدًا جرب تقرأها  رواية زوجتي الشرقية الفصل الثامن 8 بقلم سيليا البحيري

+

استيقظت “رفيدة” بهدوء، وكأن حلمًا جميلًا كان يحتضنها.
شعرت أولًا برائحةٍ قويةٍ لعطر “سليمان”، تسرّبت إلى أنفها فحرّكت في ذاكرتها تفاصيل دفء الأمس.
فتحت عينيها على مهل، وإذا بها ترى غرفةً مختلفة تمامًا عن تلك التي نامت فيها.
ألوان الجدران، شكل الستائر، السرير الكبير… كل شيء غريب.

+

تسارعت أنفاسها، واعتراها القلق، فنهضت فجأة من الفراش، وخرجت من الغرفة بخطوات مسرعة، تحاول فهم ما يحدث.

+

 

وفي اللحظة ذاتها، كان “سليمان” قد دخل الشقة، بعدما فتحت له “رنا” الباب.
سألها مبتسمًا:
— ” صباح الخير..رفيدة صحت؟”
أجابته:
— “صباح النور يا أبيه، لا لسه نايمة.”
لكن فجأة، ظهرت “رفيدة” أمامه بخطوات مرتبكة وعينين متسعتين من المفاجأة.
اقترب منها وهو يبتسم بحبٍ صافٍ، وقال بنبرةٍ عاشقة:
— “صباح الخير…
ده يا وعدي لو كل يوم أصحى وأشوف الوش ده، والجمال ده، هحسد نفسي عليكي باين!”
ارتبكت، ومال وجهها إلى الحمرة، وحاولت أن تبتعد عنه بخجل، لكنه أمسك بيدها بلطف، وشدّها إليه، هامسًا:
— “مفيش هروب… اهربي منِّي ليّا!”
أغمضت عينيها وقالت بصوت مرتجف:
— “سيبني… علشان خاطري.”
جاء صوت “رباب” من خلفه، ضاحكة:
— “سيب البت يا سليمان، هتموت من الكسوف في إيدك!”
ضحك وهو لا يزال ممسكًا بها، وقال:
— “يا جدعان! فيه إيه؟ دي مراتي… مراتي!”
رباب رفعت حاجبها:
— “على الورق لسه يا عين ماما… لما نعملها أحلى فرح في مصر.”
أسرعت “رفيدة” إلى “رباب” واحتضنتها بعاطفة حقيقية، قائلة:
— “ربنا يخليكي ليا يا ماما…”
نظر إليهما “سليمان” بتهكم خفيف:
— “يعني هي سهل تحضنيها، وأنا لأ؟ ده حتى أنا في مقام جوزك!”
نظرت إليه “رفيدة” بنظرة شقية لم تكن تملكها من قبل، وقالت بطفولة:
— “ملكش دعوة… دي ماما حبيبتي!”
ثم أخرجت لسانها له بمرح.
ردّ بخبث متصاعد:
— “والله هي كده تماااام!”
وحاول الإمساك بها، لكنها انطلقت ضاحكة، تهرب منه في أنحاء الشقة.
ركض خلفها وقلبه يرقص فرحًا، ضحكتها كانت كأول نغمة تُعزف في قلبه، صوتها يوقظ فيه الحياة.
أمسك بها أخيرًا، وضمّها إليه بحنان:
— “قولتلك… مفيش مني هروب.”
نظرت إليه، بعينين لامعتين، وسعادة تملأ ملامحها، وكأن شيئًا غير إرادي جذبها نحوه…
اقتربت أكثر، غاصت في حضنه، وضغطت رأسها إلى صدره، كأنها تريد أن تذوب فيه، وأمسكت بقميص بدلته من الخلف كأنها تخشى أن يتركها.
احتضنها بفرحٍ كبير، وشيء داخله يتنفس طمأنينةً لم يشعر بها من قبل…
كانت الحواجز تسقط واحدًا تلو الآخر، وهي… كانت أخيرًا تنتمي.
جاء صوت “رنا” من السفرة، يعلو:
— “يلا يا أبيه! الفطار جاهز… رورو، يلا!”
انتفضت “رفيدة” بخجلٍ، وارتبكت من فعلتها… لم تفهم كيف فعلت ذلك، ولا ماذا حدث بالضبط.
أمسك “سليمان” بيدها مجددًا، وجذبها إليه قائلًا:
— “يا بت افهمي بقى… انتي مراتي!
والبيت ده هادم الملذات…
أنا بقول نروح شقتنا أحسن!”
نظرت إليه بعينين مغرورقتين بالدموع، وقالت بتأثر:
— “لأ… بالله عليك… بلاش…
مش عايزة أبعد عنهم…
أنا ما صدقت أعيش جو أسري!”
مدّ يديه إلى وجهها، مسح دموعها برفق، وقال بصوت حنون:
— “اهدي… يا عمري اهدي…
مش هبعدك عنهم، عمري ما أعملها.
دول أهلك الوقتي… هممّ.
أنا بهزر… متخافيش.”
ضمّها إلى صدره، يربت على ظهرها بلطف، يهمس في أذنها بكلماتٍ تطمئنها، فيما عيناه مغمضتان على حالتها التي كانت تمزق قلبه.
قال وهو يبتسم:
— “يلا… شويّة وهتلاقي رنا أو رباب ماسكينا متلبّسين!”
ضحكت، وسارت معه إلى السفرة، حيث جلسوا يفطرون.
ولم يكن “سليمان” محرجًا على الإطلاق، بل كان يُظهر حبه واهتمامه بها دون حرج…
كان يطعِمها بيده، يسألها عن كل صنف، يهتم أن تأكل، كأنها طفلته المدللة.
وحين انتهى، وقف وقال:
— “يلا… سلام، هروح الشغل. محتاجين حاجة؟”
“رفيدة” قالت بسرعة:
— “استنى! أقل من عشر دقايق وأجهّز… واجي معاك!”
ابتسم، واقترب منها:
— “خدي النهارده راحة من تعب التجهيزات والفرح… انتي تعبتي الأيام اللي فاتت.
ومن بكرا… لو اتأخرتي دقيقة واحدة…”
سكت بابتسامة واسعة.
نظرت إليه بحب، وضمت يديها أمام صدرها، ورفعت حاجبها بدهشة:
— “وبعدين…؟”
اقترب منها أكثر، وهمس بجملته المعتادة:
— “عادي… كل حاجة مُباحة ليكي… طول ما أنا موجود.”
وقبل أن ترد، طبع قبلة على خدها، فتوقفت أنفاسها، وأغمضت عينيها، وقلبها يخفق بقوة، تكاد تجزم أنه سمعه.
ودّعهم وخرج إلى عمله، وفي قلب كلٍّ منهما… فرحة، وطمأنينة، وأمل جديد.

دي رواية مميزة جدًا جرب تقرأها  رواية الطفلة والوحش الفصل العاشر 10 بقلم نورا السنباطي

 

+

———————————————————-
– فصل إضافي…. جهزوا نفسكم الرواية على مشارف الإنتهاء.
صراحةً أنا في فترة مش أحسن حاجه وفيه افكار لسه كتير عايزة أضيفها لكن مش قادره أكتب حاليًا فَـ منعًا إن أوقف الرواية بدون ملامح كده للناس اللي متابعة هنهيها نهاية مُرضية إن شاء الله على خمس فصول كمان أو حاجة.

 

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *