روايات

رواية نجوت بك الفصل الخامس عشر 15 بقلم مي مصطفي

رواية نجوت بك الفصل الخامس عشر 15 بقلم مي مصطفي

 

البارت الخامس عشر

 

 

الفصل الخامس عشر”حين سقط الستار”

قبل أن تغوص في هذا الفصل…
توقّف لحظة، خذ نفسًا عميقًا،
و—بكل خشوع—ردّد معي:
اللهم صلِّ على محمد، عددَ ما خطّت الأقلام، وما رفرف السلام، وما تنفّس الأنام.
صلِّ عليه حتى يُطمئن القلب، وتُفتح الأبواب، وتُروى الأرواح.

+

بسم الله نبدأ…
وبنور الصلاة عليه، نُزيّن الحروف ونُغلف المعاني…
فما طابت الكلمات إلا حين اقترنت باسمه، وما سكنت القلوب إلا حين صلّت عليه.
صلِّ على الحبيب… ثم اقرأ.✨

+

————-
في صباح اليوم التالي…
استيقظ “سليمان” وقد عقد العزم، وامتلأ قلبه بقرار لا رجعة فيه… آن الأوان أن يضع حدًّا لكل التردّد، لكل التخبّط. لقد واجه أخيرًا حقيقة ما كان ينكره، وسمّى الأشياء بأسمائها دون مواربة.
هو… يحب “رفيدة”، يحبها حقًا.
ولم يعد يحتمل فكرة أن تكون لغيره.
نهض من فراشه بخطوات ثابتة، كأن الأرض تفرش له طريق الحسم، وخرج من غرفته متجهًا إلى حيث والدته.
— صباح الخير يا أمي.
— صباح النور يا حبيبي
اقترب منها وجلس بهدوء، نبرة صوته تحمل مزيجًا من الحياء والحزم:
— أُمي… بخصوص موضوع “رفيدة”…
نظرت إليه “رباب” بسرعة، ولهفة تلمع في عينيها.
ابتسم بتوتر، وقال:
— اسأليها عن رأيها…
توسعت عيناها من الصدمة، ظنّت لوهلة أنه يوافق على ارتباطها بـ”عدي”، فبادرت بالاستفهام بعينين متسائلتين، لكنه سبقها وأكمل بصوت منخفض، لكنه واضح:
— بس… مش على “عُدي”…
صمت لحظة، ثم تابع بثقة:
— عليّا أنا.
تجمدت ملامحها، ثم انفجرت بفرحة خالصة، أطلقت “زغرودة” مصرية أصيلة ملأت البيت بالبهجة، ودمعت عيناها من التأثّر:
— أخيرًا يا ابني… أخيرًا يا نور عيني!
أطرق “سليمان” رأسه حياءً، وقال بصوت أقرب للهمس:
— أنا… أنا أول مرة أعرف حقيقة مشاعري امبارح، كنت فاكر إن كل اللي بعمله معاها تحت بند الواجب… بس لا…، كل حاجة وضحت…الحمد لله.
ربّتت على يده بحنان وقالت:
— أيوه كده… الإنسان ساعات مايعرفش قيمة الحاجة إلا لما يحس إنها هتضيع منه… والحمد لله إنك فوقت بدري.
ابتسم، ثم نهض يستعد ليوم جديد، وقلبه يفيض بالأمل:
— النهارده أجازة… ويوم الفسحة الأسبوعي ،كلميها تيجي تقضي اليوم معانا،وخدي رأيها عن الموضوع.
هزّت رأسها موافقة، وتركته يدعو في سرّه بدعاءٍ خالص:
“اللهم اجعلها من نصيبي، وارضَي قلبي بها يا رب…”

+

في منتصف النهار
نزلت “رفيدة” من الدرج بخُطى هادئة، كأنها تخشى أن توقظ شيئًا بداخلها.
كان الفستان الذي اشتراته من المول يحتضن جسدها الرقيق برقةٍ لا تُوصَف، بلونه البني الممزوج بالبيج كأنما صُبغ من رمال الصحاري وهمس الغروب.
الورود الصغيرة التي زُيِّن بها، كانت كأنها نبتت من قلب الأرض لتزهر خصيصًا لها.
حزام الجلد المعقود عند خصرها، أضفى على إطلالتها مسحة بدوية ناعمة، فيها من البساطة ما يخطف، ومن الرقيّ ما يُسكِت كل الأصوات.
كان النقاب البني يزيد وجهها نقاءً لا يُخفى، ويترك عينيها وحدهما تتكلمان.
عيناها… يا لسحرهما، عسلٌ كستنائيّ، واسعٌ كأنما يسكن فيهما وطنٌ كامل من الحكايات الصامتة.
“سليمان” لمحها من بعيد،
كأن الزمان توقّف لحظة.
عينه وقعت على جمالها فارتبك، لم يبح بحرف،
غضّ بصره على الفور، وابتلع ابتسامةً شاردة كادت تفضحه.
ثم أغمض عينيه، كمن يعاهد نفسه،
“قريبًا يا رب، قُربًا لا حرمانية فيه، ولا بعدًا يُتعبنا.”
قالت “رفيدة” بصوتٍ ناعمٍ متهدّج:
ــ السلام عليكم.
أجاب الجميع في تناغم دافئ:
ــ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
“رنا” قفزت بحماسة الأطفال:
ــ البروجرام النهاردة على مزاجي أنا!
أول حاجة هنروح كافيه على البحر، رفيدة لسه مشافتش بحر لندن ولا المنظر الخرافي هناك!
وبعد كده هنروح نتغدى سوا… ويعني، اليوم هيبقى تحفة بإذن الله!
ضحك الجميع،
و”سليمان” لم يعلّق، بل اكتفى بابتسامةٍ خفيفة وهو يراقب “رفيدة”،
كانت تضحك، وتتحرّك، وتُنصت… كأن الحياة تُولد فيها من جديد.

دي رواية مميزة جدًا جرب تقرأها  رواية ويفيد بآي الندم الفصل الثامن عشر 18 بقلم حنين هاني

+

 

 

أول محطات الفسحة كانت كما وعدت “رنا”: البحر.
وصلوا إلى الساحل، وكان النسيم يلثم الوجوه برقةٍ غير مألوفة.
“رفيدة” توقفت، شهقت شهقةً صغيرة، ووضعت يدها على صدرها من فرط الانبهار.
الهدوء، صفاء المياه، ذلك الأفق اللامتناهي…
كأنها ترى الجنة لأول مرة.
أخذت نفسًا عميقًا…
وشهقت، مرّة أخرى، لا من الهواء، بل من الذكريات.
لم يكن لها متسع من الوقت في حياتها لرؤية البحر،
منذ خرجت من الملجأ، كانت الحياة سباقًا لا يتوقّف،
عملٌ في النهار، دراسة في الليل، لا فسحة، لا نُزهة، لا بحر.
جلسوا في كافيهٍ بسيط، طلب كلٌّ منهم مشروبه،
وبينما احتدمت الأحاديث والضحكات،
استأذن “سليمان” بابتسامةٍ هادئة:
ــ اسمحولي دقايق، هكلم حد في التليفون.
وغاب.
لكن الجميع يعلم…
أن غيابه لم يكن إلا مساحة، خصّ بها “رفيدة” ووالدته،
لتفتح حديثًا

+

رباب التفتت نحو “رفيدة”، بصوتٍ أمومي دافئ:
ــ وانتي يا حبيبتي… ناوية تستقري هنا خلاص؟
أومأت “رفيدة” بابتسامة خجولة:
ــ أيوه يا طنط، إن شاء الله.
ــ مش بتفكّري في استقرار من ناحية تانية؟
ردت باستغراب وإستفهام:
ــ مش فاهمة…
ــ قصدي… الجواز.
مهما كان، دي سُنة الحياة. وهييجي وقت وتلاقي نفسك محتاجة شريك، وسند.
“رفيدة” تنفست ببطء، وغصة صغيرة خنقتها،
ــ مش بفكر فيه دلوقتي…
ــ ليه؟ يعني لو جالك حد مناسب، ليه ترفضي؟
ــ فيه أسباب تمنعني… مش أي حد هيقدر يتفهم ظروفي.
ــ طب قوليلي إيه الأسباب؟
سكتت “رفيدة”،
ثم لاحت دمعة في طرف عينها… كأن الماضي يقف عند الباب،
يريد أن يقتحم اللحظة.
“رباب” اقتربت قليلاً، وهمست:
ــ يعني لو “سليمان” اتقدملك… إيه أسباب رفضك؟
تجمّدت “رفيدة”.
كأن العالم توقف.
كأن صوت أمواج البحر خفت فجأة، والهواء نفسه كتم أنفاسه.
هل حان وقت الاعتراف؟
هل يُكشف المستور؟
هل ستتبدّل نظرات سليمان من دفءٍ إلى احتقار؟
من احترامٍ إلى شفقة؟
من اهتمامٍ إلى نفور؟
لم تُجب.
لكن عينيها تكفّلتا بكل شيء.
ارتعاش الشفاه، ارتباك الأنفاس، الهرب بالنظر بعيدًا…
كلها كانت اعترافات صامتة.

+

لم تتوقع “رفيدة” أن يُسحب منها الدفء بهذه السرعة، لم تُمهلها الحياة وقتًا لتشبع من الأمان الذي تذوقته أخيرًا بعد عمرٍ من التيه. كان دفء العائلة لا يزال طريًا على قلبها، لم يُخمَد بعد. كانت تحمل بداخلها رجفة طفلٍ تُرك فجأةً في برد كانون، فاشتد الصقيع على أطرافه الهشة.
دخل “سليمان” بعد أن شعر بتغيّر الأجواء، بوجهٍ يفيض بالحزم، لكنه لم يخلُ من قلقٍ خفيّ. تقدّم نحوها وقال بصوتٍ منخفض:
— “رفيدة، ممكن أتكلم معاكي؟”
رفعت نظرها نحوه، والحيرة تسكن ملامحها، والخذلان يلمع في عينيها. كانت صدمتها لا تزال قائمة؛ فالأمان الذي شعرت به منذ لحظات بدا كحلمٍ انقضى فجأة.
اقترب منها وقال بنبرةٍ حانية، تخفي وراءها ارتباكًا وألمًا:
— “ماما كلمتك عن رغبتي في إنّي… أرتبط بيكي، صح؟”
هزّت رأسها بخفة، بينما الدموع تترقرق في عينيها.
تنفس سليمان بعمق، ثم تابع بصوتٍ متحشرج كأن سكينًا يُمزّق أحباله الصوتية:
— “سواء… سواء قبلتي، أو…”
توقف لثانية، يبلع غصته، ثم أكمل:
— “أو رفضتي، أتمنى تفضلي زي ما إنتِ.. تحت عنينا، ومتتردديش ثانية إنك تطلبي أي حاجة. بس… محتاج أعرف رأيك. لو فيه رفض، محتاج أفهم أسبابه.”
انهمرت دموعها بصمت، ثم تمتمت بصوتٍ مكسور، يحمل كل وجع الدنيا:
— “علشان… علشان إنت تستاهل حد أحسن مني… بمليون مرة.”
نظر إليها سليمان بثبات، وتحدث برزانةٍ تُخفي وراءها شوقًا مُفجِعًا:
— “بس إنتِ مش قليلة… بالعكس، إنتِ كتيرة عليا.
ذكية، ومجتهدة، ومكافحة، وعندك كرامة فوق الوصف.
وفوق ده كله… حياء واحتشام أي حد يتمناهم.
يبقى مين اللي يستاهل؟”
ثم أضاف بنبرة فيها رجاء:
— “أنا محتاج أسباب واضحة…
فيه حد في حياتك مثلًا؟”
هزّت رأسها بسرعة، تنفي بعنف.
تنفس براحةٍ مؤقتة، ثم قال بلطف:
— “طيب، ليه رفضاني؟؟”
قالت بصوتٍ موجوع، لا زال يتهشم على شفتيها:
— “أنا مش رافضاك أنت بعينك… أنا رافضة الفكرة من أساسها.”
— “ليه؟”
قالها سليمان وقد بدا عليه الحيرة الحقيقية.
رفيدة شهقت بحرقة، ثم قالت:
— “علشان… أنا مش هشرّفك.”
ساد الصمت للحظة، ثم أكملت بصوتٍ راجف:
— “لما تيجوا تتقدموا… هتطلبوا إيدي من مين؟”
تدخلت “رباب” بصوتٍ حنون، فيه إصرار وصدق:
— “من أهلك، يا بنتي.
مفيش مانع ننزل مصر مخصوص ونطلبك من أهلك.”
رفيدة أغمضت عينيها بقهر، ثم همست:
— “بس… أنا معنديش أهل.”
سقطت كلماتها كالصاعقة على رؤوس الحضور.
رباب تراجعت خطوة، وقد تملكتها الصدمة:
— “يعني إيه؟ متخانقة معاهم يعني؟”
أومأت رفيدة نفيًا، والدموع تتدفق.
قالت بصوتٍ منخفض، كأنها تنزف:
— “ياريت.أنا… أنا اتربيت في ملجأ.
أهلي رموني قدامه وأنا عندي ٣ سنين… وكان يوم شتا.”
شهقت، وبدأت تبكي بحرقة.
— “عيشت فيه أسوأ أيام حياتي.
وخرجت منه بعُقد مالهاش عدد.
وفي آخر أيام وجودي فيه… سمعتهم بيتكلموا عنّنا.
كانوا بيقولوا إنهم هيبيعونا لشبكة في أعمال مشبوهه…”
توقفت عن الكلام، والذهول ارتسم على وجه الجميع.
أكملت رفيدة بأنفاس متقطعة:
— “هربت…
روحت لراجل كان متكفل بدراستي، اسمه أستاذ عبد الرحمن.
لما وصلت بيته، عرفت إنه مات.
وأولاده لما شافوني وعرفوا إني بنت ملجأ… بصولي بنظرات اشمئزاز، عمري ما أنساها.
الدادة اللي كانت شغالة هناك قالتلي إنه حكى لها عني، وساعدتني على قد ما قدرت.
جابتلي أوضة فوق السطوح.
كنت في الثانوي، بشتغل طول اليوم، وبذاكر بالليل، وبروح على الامتحانات بس..دخلت هندسة، وفضلت لوحدي….مكنتش بحضر إلا للضرورة…كل الناس كنت بتجنبهم مش عايزة أشوف نظراتهم أو اسمع كلامهم..كنت لوحدي… لوحدي تمامًا…لحد ما وصلت لهنا، بسبب البعثة.”
رفعت عينيها أخيرًا، وعادت نبرتها هادئة، لكن الألم لم يغادرها:
— “قابلتكم…
وحسيت لأول مرة إن ليّا أهل.
حضن الأم، ضحكة الأخت، دفء العيلة…
أنا خبيت عليكم الحقيقة، وده غلط…
بس كنت لأول مرة أنانية.
كنت عايزة أعيش إحساس معشتوش قبل كده.
كنت عايزة أشبع منكم… بس للأسف، ملحقتش.”
أنهت كلماتها، لكن دموعها لم تتوقف.
خيم الصمت على الجميع، لم يقطعه سوى شهقاتها المتواصلة.
كانت خائفة من النظر إليهم، خائفة أن ترى في أعينهم نفس الرفض القديم، نفس النظرة التي عايشتها مرارًا… نظرة “بنت الملجأ”… أو ما هو أفظع.
كانت كلما نطقت، تحدّثت إلى الأرض… كأنها تخجل حتى من نفسها.
والصمت ظلّ سيد الموقف، مأخوذًا من حجم الوجع، وحقيقة كانت أكبر من أي توقّع.
تقدَّم “سليمان” خطوة للأمام، بثباتٍ لا تشوبه ذرة تردد، وصوته لا زال يخرج كنبض القلب:
— “أنا…لسه عندي رأي في موضوع طلب إيدك…ومستني موافقتك”
رفعت “رفيدة” عينيها نحوه بصدمتها، بعينين غارقتين في الدموع والذهول، كأنها غير قادرة على استيعاب ما تسمعه.
تابع “سليمان”، ونبرة صوته تتلبّس العزم والإصرار:
— “بس… بشرط .”
توسّعت عيناها، وبدا الارتباك واضحًا على ملامحها وهي تهمس:
— “شرط؟”
قال بوضوحٍ لا يحتمل الالتباس:
— “نكتب كتاب… مش عايز فترة خطوبة، مش عايز بُعد، ولا تردد…مش عايزك تقعدي بعيد عني ..أحم عننا ،عايزك تبقي تحت عيني وفي أمان.”
“رفيدة” هزّت رأسها بسرعة، ترفض، صوتها مكسور لكنه صادق:
— “صدقني… أنت تستحقّ حدّ أحسن منّي، حدّ معندوش ماضِي مؤلم زيِّي، ولا عُقد زيّي…”
قاطعها “سليمان” بنبرةٍ فيها من الرجولة ما يكفي ليُطمئن قلبًا عاش فزع الدنيا:
— “صدقيني… كل كلمة قولتيها زوّدت طلبي قوّة، وخلّيتني متمسّك بيكي أكتر.”
اقترب منها أكثر، بعينين يلمع فيهما الفخر لا الشفقة، واليقين لا التردّد، وقال:
— “أنتِ نِعمة… كنز للي يقدّر.
بنت اتحدّت قسوة الدنيا، وطلعت منها واقفة على رجليها.
بنت كافحت، ودرست، واشتغلت، لحد ما وصلت لبعثة ناس بالملايين ما يعرفوش يوصلوا ليها حتى في الأحلام.
أنتِ شرف ليا… ولمستقبلي… ولماضيّ كمان.
أنا أفتخر بيكي… وبكل لحظة من عمرك.
أنا طالب إيدك علشانِك أنتِ اختارتِك أنتِ ، من غير ما أعرف عنك حاجه ولا عن أهلك وهما مين ، لأ أنا اختارتِك لشخصك.
قولي أها، وأنا أضمنلك… أمسح كل ذكرى وجعتك، وكل نظرة كسرتك.
قولي أها، وأنا أعوّض قلبك عن كل التعب وسنين الوجع.
قولي أها… علشان قلبي يتكتب له سعادة الدنيا.”
انفجرت دموع “رفيدة” مجددًا، لكن هذه المرّة كانت دموع دهشة… دهشة من فيض الكرم الربّاني الذي أغرق قلبها في لحظة.
“رباب” أفزعتها هذه المرّة ضمّة مفاجئة، ضمّتها بشدة وهي تبكي بحرارة:
— “أنا لو لفيت الدنيا… مكنتش هلاقي لـ’سليمان’ زوجة زيّك.
أنتِ حاجة كبيرة أوي يا بنتي، أوعي تظلمي نفسك بنظرتك ليها.”
ثم تقدّمت “رنا”، ودموعها تملأ وجهها، لتضمّ “رفيدة” من الجهة الأخرى، وتهمس:
— “أنا أتشرف إن يبقى ليا أخت زيّك.
أنتِ قويّة… بنت بمليون راجل والله.”
“رفيدة” لم تتمالك نفسها، وسقطت الدموع منها غزيرة، لكن قلبها هذه المرة كان ممتلئًا بالامتنان… بالفرح… بالإيمان أن ما من دمعةٍ سُكبت، إلا وأعدّ الله خلفها حضنًا من الفرج.
ارتجف الثلاثة في حضن بعضهم، باكين بحرقة… لكن في قلب البكاء، كانت السعادة تُولد من رحم الانكسار.
“سليمان” وقف يراقب المشهد ودموع الرجولة تتجمّع في عينيه، مسحها سريعًا، ثم قال بنبرةٍ فيها خفة ظلّ غريبة عليه، ممزوجة بجراءة لأول مرة:
— “قولي أها… يمكن يكون ليا نصيب في حضن زي ده!”
“رفيدة” شهقت بدهشة، واتسعت عيناها، وانسحب الخجل على وجنتيها كالدم، وتكاد لا تصدّق جرأته!
“رباب” التفتت له، وضربته ضربة خفيفة على كتفه وهي تضحك:
— “بس يا قليل الأدب… مفيش الكلام ده غير وهي مراتك إن شاء الله!”
ضحك الجميع، وامتلأ المكان بدفءٍ لم تعرفه “رفيدة” من قبل…
دفءٌ يُشبِع القلب بعد سنين من الجوع.

دي رواية مميزة جدًا جرب تقرأها  رواية احببت متمردة الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم أسماء السيد

 

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *