روايات

رواية نجوت بك الفصل السادس 6 بقلم مي مصطفي

رواية نجوت بك الفصل السادس 6 بقلم مي مصطفي

 

البارت السادس

 

 

الفصل السادس “في حضوره… يُطفأ الخوف”

قبل أن تغوص في هذا الفصل…
توقّف لحظة، خذ نفسًا عميقًا،
و—بكل خشوع—ردّد معي:
اللهم صلِّ على محمد، عددَ ما خطّت الأقلام، وما رفرف السلام، وما تنفّس الأنام.
صلِّ عليه حتى يُطمئن القلب، وتُفتح الأبواب، وتُروى الأرواح.

+

بسم الله نبدأ…
وبنور الصلاة عليه، نُزيّن الحروف ونُغلف المعاني…
فما طابت الكلمات إلا حين اقترنت باسمه، وما سكنت القلوب إلا حين صلّت عليه.
صلِّ على الحبيب… ثم اقرأ.✨

+

————-
كان الصباح يزحف ببطء من خلف الستائر المُسدلة، لكن “رفيدة” لم تكن بعد مستيقظة.
كان الدواء الذي وصفته لها الطبيبة يحتوي على نسبة من المخدر الخفيف لتسكين الألم، فغاص جسدها في نوم ثقيل لم تعهده.
لكن فجأة… انتفضت جالسة.
— “الاجتماع! المشروع!”
نظرت إلى الساعة، فاتّسعت عيناها…
لقد تأخّرت!
قامت بسرعة، لكن أول خطوة كانت خنجراً في قدمها؛
صرخة مكتومة خرجت منها، وهي تئنّ وتعضّ على شفتيها كي لا تستسلم.
— “مش وقته… لازم أقوم…دي فرصتي.
مش لازم أضيعها… مش بعد كل ده.”
تماسكت، ووقفت على قدمها السليمة، تحاملت على نفسها، وبدأت ترتدي ثيابها.
التقطت جهاز المشروع، وجهزت حقيبتها، ثم أسرعت خارجة من السكن وركبت أول سيارة أجرة مرت بها.
كان قلبها يركض قبل قدميها، تنظر إلى الطريق وتدعو ألا يفوتها الموعد.
وصلت أمام مبنى الشركة، دفعت الأجرة وركضت—رغم الألم—كأنها تجري نحو حلمها، لا إلى اجتماع.
صعدت إلى الطابق العلوي، وعند باب غرفة الاجتماعات، توقفت لثانية تتنفس بلهاث، ثم طرقت الباب ثلاث مرات وفتحت بسرعة.
دخلت، وصوت أنفاسها المتقطعة يسبق كلماتها:

+

“I’m so sorry for being late…
There was an unexpected circumstance.”
«أعتذر بشدة عن التأخير…
لقد حدث ظرف طارئ.»
رفعت عينيها، تبحث بعفوية عن من تجيبهم،
لكنها توقفت فجأة…
ذلك الصوت.
ذلك النبض الخافت الذي تعرفه أذنها قبل عقلها.
صوت يحمل شيئًا من الطمأنينة الغريبة، من السكينة التي لم تتعوّدها.

+

“No worries, Engineer.
It’s alright.
We haven’t started yet.
Take a seat and catch your breath.”
«لا مشكلة يا بشمهندسة،
الأمر بخير.
لم نبدأ بعد.
اجلسي وارتاحي.»
رفعت عينيها مجددًا، وإذا به…
“سليمان”، جالس على كرسي المدير، يواجه الجميع بنظرات واثقة، ونبرة هادئة، ومكانة لم تتخيلها.
حدّقت فيه للحظة بدهشة، لكن لم يكن هناك وقت للذهول.
ابتلعت اندهاشها، وجلست على الكرسي الأقرب، وهي لا تزال تحاول استعادة أنفاسها… وجمع شتاتها.
في الطرف الآخر من الطاولة، جلست “ندى”، تتابع المشهد بعينين ضاحكتين في الخفاء،
وامتدت ابتسامة شماتة على وجهها، وهمست في نفسها:
— “هه… جايه متأخرة؟
ويا عيني… لسه مش عارفة اللي مستنيها.”

+

بدأت العروض تتوالى واحدًا تلو الآخر، وكل مهندس أو مهندسة ينهض، يشرح فكرته أمام اللجنة بكل ما يملك من أدوات الإقناع.
وكان “سليمان” يجلس على رأس الطاولة، مختلفًا تمامًا عمّا اعتادته “رفيدة”.
رأته لأوّل مرة في هيئةٍ جديدة:
مدير، صارم، حازم، شديد الملاحظة.
لا يمر تفصيلٌ من تحت عينيه إلا ويقف عنده، ولا يترك سؤالًا بلا دقّة.
يتكلّم بثقة عالية، صوته ثابت، وعقله حاضر، وأسلوبه لا يُشبه إلا المحترفين الكبار.
انبهرت به، وهي تراه يناقش هذا، ويُقاطع ذاك، يطرح أسئلة تُظهر عمق خبرته.
وفي كل لحظة، كانت رهبتها تزداد.
وحين جاء دورها أخيرًا، شعرت بكل الأنظار تلتفت نحوها دفعة واحدة.
كأن القاعة ضاقت بها، والهواء صار أثقل مما يُحتمل.
وقفت بصعوبة…
وما إن خطت أول خطوة للأمام حتى انكشف عرجها الواضح من الألم،
ليقطع الصمت صوتٌ عميق، هادئ، لكن نافذ:

+

“You can present your project while seated, Engineer…
Given your obvious pain.”

+

«يمكنكِ عرض المشروع وأنتِ جالسة، يا بشمهندسة،
نظرًا لتعبكِ الواضح.»

+

توقفت “رفيدة”، رفعت عينيها نحوه، نظرت إليه بشكر وامتنان،
كما اعتادت أن تفعل كل مرة كان فيها ظل أمان.
نظر إليها بطمأنينة، وكأنه يقرأ في عينيها كل الكلمات التي عجزت عن قولها،
فهمها دون أن تُفسر.
قالت بصوت خافت، متردد، لكن يكسوه لطف ورقّة:

دي رواية مميزة جدًا جرب تقرأها  رواية تميم ورؤي - اشواك الماضي الفصل الثالث 3 بقلم يارا عبدالعزيز

+

“Thank you… for your kindness and understanding.”

+

«شكرًا… على لطفك وتفهّمك.»
جلست على الكرسي، ووضعت يدها على صدرها تأخذ نفسًا عميقًا.
أغمضت عينيها للحظة، ثم فتحتهما لتقع مباشرة على نظراته.
كانت عيناه… كأنهما مرآة ثقة.
مليئتان بالتشجيع، السكون، والدعم غير المنطوق.
استمدّت منه شيئًا لا تعرف اسمه.
لكنها أدركت أن عليه وحده، ارتكزت قوتها.
بدأت بصوت خافت، تُعرّف نفسها، ثم شرحت فكرة مشروعها…
تركيزها كان عليه،
كلما شعرت برهبة نظرات اللجنة، أعادتها نظراته إلى الاتزان.
هو الوحيد الذي منحها إحساس الأمان… بين عشرات العيون الغريبة.
بدأت الأسئلة تُطرح، وارتبك قلبها للحظة،
لكنها ردّت بثقة،
ثقة لم تعلم من أين أتت…
سوى أنها مزروعة داخله، ومحفورة في حضوره.
أثنى الجميع على فكرتها وعلى وضوح عرضها،
فهمّت أن تنهض لتُفعّل المشروع وتُريهم التنفيذ العملي.
نهضت رغم ألمها، ببطء، ومدّت يدها إلى الجهاز الصغير،
ضغطت الزر…
وبينما “ندى” تراقبها من المقعد المقابل،
تستعد لتسجيل لحظة فشلها،
حدث العكس تمامًا.
اشتغل المشروع.
توهّج الضوء، ودارت الآلية الدقيقة كما ينبغي.
اتسعت عينا “ندى”، وجفّ حلقها، وهمست بصدمة:
— “إزاي؟!
إزاي شغّال؟!
أنا بنفسي اتأكدت إن فيه عُطل…
إنتي إيه قطة بسبع أرواح ؟!
عاد “سليمان” يسألها بأسلوبه المعتاد،
أسئلة ذكية، دقيقة، تكشف عن ذهنٍ هندسي متمرس.
وكانت “رفيدة” تُجيب…
بثقة لا تُشبهها.
هي نفسها لم تعرف كيف تجيب بهذا الحضور،
لكنها كانت متأكدة من شيءٍ واحد فقط:
أن كل هذا…
بسببه هو.
انتهى العرض،
و”رفيدة” تشعر بإنتصار صامت.
إنتصار لا يراه من حولها… لكنه في داخلها زلزال من القوة.
وقفت.
وتكلمت.
واجتازت جزءًا من جدار الرُهاب السميك.
خطوة صغيرة… لكنها الأولى.
ثم علا صوت أحد أعضاء لجنة التقييم بنبرة رسمية:
“You may all leave now.
Tomorrow morning, we’ll announce who will be offered a job opportunity.
Also, as usual, there will be a celebration today night — a closing ceremony to appreciate your efforts during the training period.
During the event, certificates of appreciation will be awarded.
These certificates hold great value and are strong additions to your CVs.”

+

 

 

 

«يمكنكم الانصراف الآن،
وغدًا صباحًا سنُعلن عن من سيُمنح فرصة التعيين.
وكما هو معتاد، ستكون هناك حفلة ختامية اليوم في المساء،
احتفالاً بمجهوداتكم طوال فترة التدريب.
وسيتم خلالها تسليم شهادات التقدير،
وهي شهادات تحمل قيمة كبيرة، وتمثّل إضافة قوية للسيرة الذاتية.»

+

بدأ الجميع يجمع أوراقه ويخرج،
وكانت “رفيدة” آخر من وقف…
تعبُ ساقها لا يزال يؤخر خطواتها.
اقترب منها “سليمان” – كعادته – بثبات، لكن مع مسافة محسوبة بدقة،
وتكلم بنبرة هادئة، محمّلة باهتمام حقيقي:
“عاملة إيه النهارده؟ورجلك عاملة إيه دلوقتي؟”
رفعت عينيها إليه وابتسمت بخفة:
“أحسن، الحمد لله.”
اقترب قليلًا – فقط بالاهتمام – وقال بنبرة نصف عاتبة، ونصف حنونة:
“حصل إيه بقى؟
إيه الظرف اللي خلاكي تتأخري كده؟
أنا حاولت أأجل الاجتماع شوية، قلت أتحجّج بأي شغل لغاية ما توصلي.”
نظرت إليه بشكرٍ صادق،
وابتسمت رغم التعب:
“بجد… شكرًا يا بشمهندس.
في كل موقف كنت محتاجة فيه حد يساندني، كنت أنت الإيد اللي بتتمدّ.
مش عارفة أشكرك إزاي والله.”
ثم أضافت بابتسامة خجولة:
“وبالنسبة للتأخير…
والله غصب عني، الدوا اللي باخده فيه نسبة مخدر،
نمت من غير ما أحس، وصحيت متأخرة جدًا.”
هزّ رأسه بأسف، وقال بلطف:
“ولا يهمك… أهم حاجة سلامتك وصحتك.”
ثم أضاف بفخر صادق:
بس بصراحة… إنتي أبدعتي النهارده.
مشروعك كان فوق الممتاز.
ابتسمت بخجل، وقالت:
“أنا فعلًا فرحانة إن الكلام ده طالع منك.
مكنتش متوقعة خالص إنك المدير”
ابتسم وقال وهو يُخفض صوته:
“كنت حابب أخليها مفاجأة..لتتهوّني في الشغل.. ولو إن متأكد إن مستحيل بعد إللي شوفته من إبداع النهارده”
ثم تابع، وكأنه يُعطيها جدولًا:
لو هتروحي السكن دلوقتي… افطري الأول،
ومتنسيش الدوا بتاعك،
وخليكي جاهزة بالليل عشان الحفلة.
ولو اتأخرتي…”
(يصمت لثوانٍ بابتسامة خفيفة)
“عادي… كل حاجة مُباحة ليكي طول ما أنا موجود”.
ضحكت “رفيدة”، وابتسمت له بامتنانٍ عميق،
ثم حملت مشروعها،
وقالت بود:
“حاضر وشكرًا على كل حاجة.”
وسارت نحو المشرف لتسليمه المشروع،
ثم خرجت بخطوات أهدأ.
في طريق العودة، تذكّرت كلماته عن الطعام والدواء،
فابتسمت في نفسها،
وأعدّت لنفسها فطورًا بسيطًا،
تناولت الدواء،
وضبطت المنبّه…
خشية أن يُفلت منها الليل.
رنّ المنبّه في أرجاء الغرفة المظلمة، معلنًا عن اقتراب موعد الحفلة المُنتظرة. فتحت “رُفيدة” عينيها على مهل، ثم جلست ودفنت وجهها بين كفّيها، تستجمع ما تبقّى من هدوءٍ في قلبها. مدّت يدها إلى الهاتف لتُسكت الرنين، ثم قامت بهدوءٍ إلى دورة المياه، توضأت وصلّت المغرب بخشوعٍ يسبق الزحام.
عادت إلى مرآتها الصغيرة، وبدأت في تجهيز نفسها بهدوءٍ متأنٍّ يشبه طقوس التحضّر للقاءٍ مهم، لا لمناسبة صاخبة. لم تكن تضع زينة، لكن عنايتها بنفسها كانت تُفصح عن احترامها لنفسها، ولمن حولها.
اختارت فستانًا طويلاً بلون الكحلي الداكن، من خامةٍ ناعمة تنسدل برقة على الجسد دون أن تُحدّده، بأكمامٍ واسعة تُزيّنها تطريزاتٌ صغيرة بلون الفضي. فوقه، ارتدت “كيمونو” تريندي بلون “الموف الرمادي”، مزين بحزامٍ نحيف عند الخصر، يُضفي على مظهرها أناقة أنثوية دون تبرّج.
لفّت نقابًا أبيض ناصع من قماشٍ قطنيّ ناعم، ثبّتته بدبوسٍ صغير عند جانب رأسها، ليكشف عن عينيها اللتين اكتسبتا من السهر والبكاء عمقًا غريبًا… عيناها، وحدهما، كانتا كافيتين لسرقة النظر، دون زينة، دون صوت.
انتعلت حذاءً أنيقًا بلون “النود”، يحمل لمعة خفيفة بالكاد تُرى، وأمسكت بحقيبة صغيرة بلون “الروز الفاتح.
فتحت باب الغرفة بهدوء، فتصادف خروجها مع خروج “ندى” من غرفتها في الجهة المقابلة.
لحظة صمتٍ عبرت بينهما، ثم لمحت “رُفيدة” مظهر ندى… فاتّسعت عيناها في دهشة خفيّة لم تجرؤ على التعبير عنها.
كانت “ندى” ترتدي فستانًا أسود ضيقًا يلتصق بجسدها كأنه طبقة جلد، قصيرًا لا يتجاوز الركبة، بأكمام شفّافة تُظهر تفاصيل ذراعيها، وصدر مكشوف يُزيّنه عقدٌ ضخم يلمع تحت الضوء. شعرها الطويل مُصفف بتموّجات واسعة، ومكياجها الصارخ يُشبه ألوان مسرح لا مناسبة رسمية. كعبٌ عالٍ يُحدث طنينًا مع خطواتها، وعطرٌ ثقيل يسبقها بأمتار.
توقّفت “ندى” فجأة، وحدّقت في “رُفيدة” بنظرةٍ طويلة، ثم رفعت حاجبها باستهزاء، وقالت بنبرةٍ تنقط كبرياءً وسُخرية:
– “إيه اللبس ده؟
انتي جاية حفلة، ولا خارجة مولد؟
يعني بجد… نقاب وفستان مقفول لحد الأرض؟
احنا في بلاد الموضة والجمال، مش في حصة الدين!
بذمتك شايفة إن دا يليق بالمكانة اللي احنا فيها؟
بس عادي، أكيد لما ترجعي مصر… هتنوريها بقرف لبسك، واستايلك البيئه ده.”
ثم مرّت من أمامها بخطى متباهية، تمسك حقيبتها وكأنها تتعالى بها، وتركت خلفها أثرًا من العطر… وسمًّا لاذعًا من الكلمات.
وقفت “رُفيدة” ساكنة في مكانها. لم تردّ… ولم ترفع حتى نظرها، لكن قلبها كان يعجّ بالكلمات التي لم تُقال.
لم تبكِ من كلام “ندى”… بل من عجزها عن الرد، من صراع داخلها بين كبرياء صامتٍ، وضعفٍ إنساني.
مسحت دمعةً خفيفة سالت من طرف عينها، وقالت في نفسها: – “اللهم اغفر لي ضعفي… واهدِها.”
ثم نزلت، كعادتها، إلى الحافلة، وجلسَت في المقعد الأبعد عنهم جميعًا. لم تكن تُريد عزلة، لكن الصمت أحيانًا أحنّ من كل كلام.

دي رواية مميزة جدًا جرب تقرأها  رواية حبة سكر في كوب مر (صهيب وميسرة) الفصل الأول 1 بقلم نورة عبدالرحمن

+

 

ازدادت الطرق ازدحامًا كلما اقتربت الحافلة من قلب المدينة، وكان الليل قد ألقى بثوبه الفضيّ على لندن، فأضاءت الأبنية بزخرفات ضوئية تتناثر على الزجاج، كأنها نجومٌ هبطت من السماء لتُشارك في الاحتفال.
توقفت الحافلة أمام فندقٍ فاخرٍ يعلو ببهائه في الأفق، ونزل منه الطلاب بضحكاتٍ ونظرات منبهرة. كان المدخل مفروشًا بسجادٍ أحمر، تتناثر على جوانبه الورود البيضاء والذهبية، وتتلألأ أنوار خافتة بين الأعمدة، موسيقى ناعمة تنبعث من الداخل كأنها تهمس لهم: “مرحبًا بكم في العالم الآخر.”
سارت “رُفيدة” بينهم بصمت. رغم مظهرها الذي لا يُشبههم، إلا أن خطواتها كانت متزنة، وعيناها تقاومان الخوف الذي يتسلل إلى صدرها شيئًا فشيئًا. دخلت القاعة الكبرى… كانت أنوارها باهرة، والناس متوزعون في دوائر، ضحكات عالية، كؤوس تُرفع، وفساتين براقة تتمايل مع الإيقاع.

+

خُيل إليها لوهلة أنها في عالمٍ لا ينتمي لها… كل شيء حولها كان صاخبًا، زائفًا، بعيدًا عن ذلك السكون الذي تعرفه. شعرت باختناقٍ، ليس من المكان، بل من كونها الوحيدة التي لا تنتمي.
راحت عيناها تدور في القاعة، كأنها تبحث عن شيء… لا تدري ما هو تحديدًا. لكن قلبها كان يعرف. كانت تبحث عن أمانها. عن “سليمان.”
فجأة، شعرت بشيء… حضورٌ سبق الخطى. أمانٌ سبق الصوت.
التفتت فجأة، بعفويةٍ لا تقصدها، وكانت تلك اللحظة…
“هو هنا.”
دخل “سليمان” القاعة، كأن الأرض اتسعت له لتُمهّد خُطاه.
يرتدي بدلةً سوداء فاخرة مُفصّلة على جسده الرياضي، تُبرز عرض كتفيه وتناسق عضلاته، وقميصًا أبيض ناصع يلتف حول عنقه بأناقةٍ صارمة، وربطة عنق رفيعة بلونٍ رمادي داكن تنسدل بخفة.
كان يحمل في هيئته رجولةً صامتة، ونظرةً تبحث عن شيءٍ واحد.
لم يلتفت كثيرًا… لم يحتاج يبحث كثيرًا.
هي كانت هناك. مميزة. لافتة دون قصد. بلباسها المحتشم، ووقفتها الخجولة، ونظرة الحياء التي لا تُشبه أحدًا.
نظر إليها، فالتقت عيناها بنظره.
“السلام كان بينهما من أعينهما.”
كلمات لم تُنطق، لكن العيون قالت كل شيء.
صعد “سليمان” إلى المنصّة. سعل قليلاً، ثم أمسك بالميكروفون بثبات:
“Good evening everyone…
I want to thank you all for your hard work throughout this week.
I know not all of you have been offered positions in the company — but let me tell you, this is not a loss.
You were selected for training in one of the top mechatronics companies in the Middle East — and this is a solid milestone for any young engineer.
You’ve gained experience, insight, and growth.
What you learned here will open doors for you — wherever you go.
Now, Mr. Joseph will begin announcing the names of our trainees.
We wish you the best in your future careers.”

دي رواية مميزة جدًا جرب تقرأها  رواية سليم وناريمان - وصفولي الصبر الفصل الثاني عشر 12 بقلم نداء علي

+

“مساء الخير جميعًا…
أود أن أشكركم على مجهوداتكم طوال هذا الأسبوع.
أعلم أن بعضكم لم يحصل على فرصة عمل داخل الشركة، لكن صدّقوني… هذه ليست خسارة.
أن يتم اختياركم للتدريب في واحدة من كبرى شركات الميكاترونكس في الشرق الأوسط، فهذا في حد ذاته إنجاز كبير لأي مهندس في بداية حياته.
لقد اكتسبتم خبرة ونضجًا وفهمًا،
وما تعلمتموه هنا، سيفتح أمامكم أبوابًا في أي مكان في العالم.
والآن، سيبدأ السيد “جوزيف” بمناداة الأسماء لتكريمكم.
نتمنى لكم جميعًا مستقبلًا مشرقًا.”

+

بدأ “جوزيف” ينادي الأسماء واحدًا تلو الآخر، والطلاب يصعدون بتتابع، وكلّ من يستلم شهادته، ينحني قليلاً لـ “سليمان” الذي كان يُسلّمهم الدرع بابتسامة ثابتة.
حتى…
“Rufaida Mohsen Elbadry”
“رفيدة محسن البدري.”
توقف قلبها لحظة.
تحركت ببطء، تتماسك على قدمها المتعبة. وقفت تستجمع نفسها لتصعد…
لكن “جوزيف” نظر إلى لائحته وقال بسرعة:
– “Next, please…”

+

وقبل أن يكمل، رفع “سليمان” يده في وجهه، ثم نظر إليه نظرةً حاسمة.
سكت “جوزيف”، وانحنى معتذرًا.
وانفتح الطريق أمام “رُفيدة” لتصعد، بخطًى بطيئة.
وقفت أمامه، تناولت منه الدرع والشهادة، ووقف المصوّر يطلب منهما:
– “Smile for the photo please.”
رفيدة حاولت الابتسام بخجلٍ بسيط، بينما سليمان كان يُنصت لها بعينه فقط.
ثم التفت إليها، وهمس بصوتٍ خافت:
– “رفيدة، استني…
هَنزل معاكي، مش هتعرفي تنزلي بيهم كده. الفستان ورِجلِك… خليني معاكي.”
نظرت إليه، بعينٍ مُمتنّة، وهزّت رأسها برقةٍ تشبه الشكر أكثر من ألف كلمة.
نزل بجوارها ببطء، لا يستعجل الخطى، ولا يُبالي بمن حوله…
كأن وقته كله صار لها.
وصل إلى طاولتها، فوضع الدرع والشهادة أمامها بلطف، ثم ابتسم قليلًا، وانسحب عائدًا إلى المنصة ليُكمل تسليم الشهادات.
بعيدًا في إحدى الزوايا، جلست “ندى” تُراقب.
عيناها تشتعلان غيظًا.
“هو نفس المدير اللي وقف معاها في الاجتماع…
وهو نفسه دلوقتي واقف جمبها قدام الكل…!
أينعم متكلموش، بس الوِدّ في العين، لا بيستخبى ولا بيتزوّر.”
تمتمت لنفسها بسُمٍّ:
– “صدقيني يا رُفيدة… الحفلة دي مش هتعدي عادي. وبدل ما تكون ذكرى حلوة، فخلينا نختمها بـفضيحة.”
وانسحبت في الظلام…
تُخفي نيتها خلف ابتسامة.

+

 

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *