رواية وصية حب الفصل الثالث عشر 13 بقلم نسرين بلعجيلي
رواية وصية حب الفصل الثالث عشر 13 بقلم نسرين بلعجيلي
البارت الثالث عشر
*وصيّة حب*
بقلم نسرين بلعجيلي
Nisrine Bellaajili
_الفصل الثالث عشر_
ملك
مش مصدقه اللي سمعته وحطت ايديها على وذنها و رجعت تفتكر المشهد كان ازاي
فلاش باك
الليل نازل تقيل في بيت ياسر، الساعة عدّت عشرة، وكل حاجة في البيت ساكتة إلا وشوش النسوان في الصالة.
قدريّة قاعدة على الكنبة، ولابسة روبها الغامق، شعرها مرفوع، ووشها متهجم كأنها بتحسب الأيام على صوابعها. جنبها سلوى، ماسكة كباية شاي بإيدين مش ثابتين، نص خوف ونص فضول. قدريّة بصوت منخفض لكن حادّ :
البت دي خلاص، مش باقية فيها روح. النهارده لما شُفتها في المستشفى خُفت منها، وشّها أصفَر وعينيها غايبة، شكلها مش هتعدّي الأسبوع ده.
سلوى حركت الكوباية بتوتر :
يا خالتي، متقوليهاش كده، يمكن ربنا يشفيها.
قدريّة زفرت وقالت :
الشفا بإيد ربنا طبعًا، بس أنا مش هسيب إبني يضيع لو حصل اللي في بالي. ياسر لسه صغير، محتاج سِت تشيله وتربي له بنته، وسارة كانت نعمة، بس خلاص نصيبها بيخلص.
سلوى بصت لها بخضة :
يعني…
قدريّة قاطعتها بنظرة حادة :
أيوه يا بنتي، قصدي واضح، إنتِ اللي هتشيليه بعديها. يا بنتي، أنا مش بهزر.، إنتِ من البيت، عارفة طبعه، وأنا واثقة إنك هتكوني ليه ستر بعد الوجع اللي عايش فيه.
سلوى قالت بصوت متردد :
خالتي، الناس مش هتسيبنا في حالنا، هيقولوا اتجوزها وهو لسه ما دفنش مراته.
قدريّة رفعت حاجبها وقالت بهدوء يخوف :
الناس بتتكلم يومين وتنسى، لكن البيت اللي مالوش سِت، بيت ميت.
إستني شوية، وخلّي الأمور تمشي لوحدها. كل حاجة في وقتها.
سلوى حطت الكوباية على الترابيزة،
لكن قلبها بيخبط، مش عارفة هي فرحانة بالكلام ولا مرعوبة منه.
قدريّة كملت وهي بتبحلق في الفراغ :
خلاص، الأيام بينا. أنا حاسة إنها مش هتقوم من التعب ده، بس لو حصل، عايزاكِ تكوني جاهزة. ملك محتاجة حضن، وياسر محتاج حياة.
وسكتت لحظة، وقالت ببرود صادم :
إتكي على الصبر شوية، وبعدين كل حاجة هتتظبط.
ما كانتش تعرف…
إن “ملك” واقفة ورا باب الصالة، رجليها حافية، شعرها سايب على كتفها، وعينيها مليانة دهشة وخوف أكبر من سنها. كانت جاية تاخذ ماية،
بس الكلام ثبتها مكانها زي المسمار :
“تموت؟ تتجوز؟”
كلمات كبيرة مش عارفة تفهمها كلها، بس عرفت حاجة واحدة.. إنهم بيتكلموا عن مامتها.
قدريّة كملت كلامها وهي مش دريانة بوجودها :
ربنا يطوّل عمرها على خير، بس شكلي حاسة إن الليالي دي آخرها.
ملك غطّت بُقها بإيدها الصغيرة،
وبدأت دموعها تنزل ببطء، تراجعت خطوتين لورا، قلبها بيخبط بسرعة، وركضت على أوضتها.
قفلت الباب، قعدت على السرير، مسكت لعبتها المفضلة وحضنتها جامد وهي تهمس بصوت مبحوح :
ماما مش هتموت.. ماما قالتلي هترجعلي. ماما عمرها ما بتكذب عليا.
وبرا، كانت قدريّة بتكمل كلامها كأنها بتعلن حكم القدَر :
خلاص، أنا حطيت في دماغي. اللي مكتوب هيحصل، وساعتها كل واحد هياخد مكانه اللي المفروض يكون فيه.
سلوى قالت بصوت خافت :
يا خالتي، كلامك بيخوّفني.
قدريّة ردّت وهي تمسك فنجانها وتبص فيه كأنه مستقبلها :
ماتخافيش، اللي بيخاف ما بياخذش حقه في الدنيا.
وفي اللحظة دي، كانت ملك بتحاول توقف دموعها الصغيرة، بس الحزن كان أكبر من قلبها. هي لسه طفلة، بس الليلة دي كِبرت… كِبرت قبل أوانها.
اند فلاش باك
الساعة في الصالة كانت بتدقّ، وصوتها بيمشي في البيت زي عدّ تنازلي.. عدّ مش للأيام، لكن للقدر اللي قرب.
الليل كان لسه تقيل فوق البيت، ولما الباب اتفتح، دخل ياسر وروان بخطوات مرهقة، وشكلهم بيقول إنهم شايلين همّ الدنيا معاهم.
روايات نسرين بلعجيلي Nisrine Bellaajili
قدريّة كانت قاعدة في الصالة، وأول ما شافتهم، قامت واقفة بعصبية واضحة :
هو في إيه يا ياسر؟ إنت ناوي تفضل سايب مراتك هناك لوحدها؟ ولا ناوي تقلب الدنيا علينا؟
ياسر بصّ لها بهدوء متعب :
ماما، سارة محتاجة رعاية، وأنا مش هسيبها.
قدريّة رفعت صوتها أكتر، إيديها بتتحرك وهي بتزعق :
رعاية؟! والناس تقول إيه؟ إبني كل يوم في المستشفى مع مطلقة؟ روان بنت ناس، بس برضه مطلقة يا ابني، ولازم تحافظ على سمعتها قبل سمعتكم كلّكم.
روان وقفت مكانها، وشّها احمرّ من الإحراج، لكن صوتها خرج ثابت رغم كل حاجة :
طنط، أنا مش محتاجة حد يدافع عني. أنا هناك علشان سارة مش أكتر، وأنا لو كنت بخاف من كلام الناس، ما كنتش فضلت معاها لحظة.
قدريّة هزّت راسها باستهجان :
الدنيا ما بترحمش يا بنتي، والنية لو بيضا، العين مش كده. إنتِ فاكرة الناس هتقول بتخدم صاحبتها؟ هيقولوا بتدور على جوز صاحبتها.
ياسر بصّ لها بنظرة وجع وغضب في نفس الوقت :
ماما! كفاية الكلام ده، روان أخت سارة قبل ما تكون أي حد تاني. اللي بتقوليه ده عيب.
قدريّة زفرت، رجعت تقعد، بس عينيها لسة بتولع شرار :
أنا قلت اللي عندي، واللي يسمع يسمع.
في اللحظة دي، خرج صوت خافت من آخر الممر، صوت بكاء مكبوت.
ياسر إلتفت بسرعة :
– الصوت ده منين؟
جري ناحيه أوضة ملك، فتح الباب بهدوء، ولقى بنته قاعدة على السرير وشّها غرقان في الدموع، وعينيها مفزوعة.
ركع قدامها بسرعة، مدّ إيده على خدّها :
مالك يا حبيبتي؟ بتعيطي ليه؟
ملك بصوت متقطع :
بابا… ماما هتموت؟
قالت الجملة وهي بتنهج من البكاء.
ياسر إتجمد في مكانه، عينيه لمعت، حاول يضحك رغم الوجع :
– مين قال كده؟ ماما هتخفّ إن شاء الله.
ملك بصت له بعينين كلها وجع وطفولة مكسورة :
لأ.. أنا سمعت تيتا قالت إن ماما خلاص، وإنك هتتجوز دي.
وأشارت بإيدها الصغيرة ناحية سلوى اللي كانت واقفة عند الباب مذهولة.
الغرفة سكتت فجأة. الهواء نفسه اتقطع.
روان بسرعة راحت تقعد جنب ملك، حضنتها بقوة وهي تقول بحنان :
لا يا حبيبتي، ماحدش قال كده، مامتك بخير، وهترجعلك قريب.
ملك كانت بتنهج، دموعها بتنزل ووشها أحمر من الخوف :
مش عايزة ماما تموت، مش عايزة حد مكانها.
ياسر دموعه نزلت غصب عنه، ضمّ بنته بين ذراعيه وقال بصوت مبحوح :
مافيش حد هايجي مكانها يا ملك، مافيش حد في الدنيا ياخد مكان مامتك.
قدريّة وقفت في الباب، وشّها إتغيّر لما شافت حفيدتها بتبكي، بس لسانها ما عرفش يقول غير كلمة واحدة بصوت خافت :
أستغفر الله العظيم.
أما سلوى، فكانت واقفة ساكتة، وشها شاحب، حسّت فجأة إن كل الكلام اللي قالته خالتها كان نار، وهي أول اللي اتحرق بيه.
Nisrine Bellaajili
روان بصّت لياسر، وفي عينيها دموع غيظ ووجع على ملك وسارة في نفس الوقت.
هو بصّ لها، نظرة راجل إتحمّل كتير، بس المرة دي.. إنكسر من جوّا.
ضمّ بنته أكتر، وقال بصوت مهزوز :
مافيش بيت بيقوم على وجع، ومافيش حب بيتبني فوق موت.
وسكت الكل…..
الصمت في البيت كان أعلى من أي صرخة.
ملك غفلت في حضنه من كتر البكاء، وياسر بصّ لروان وهمس :
أنا لازم أرجع لسارة، الليلة دي شكلها طويلة.
روان هزّت راسها، وصوتها خرج متقطع :
وأنا معاك.. لحد آخرها.
والليل لف البيت بصمته، بس في قلب كل واحد فيهم، كان فيه وجع مختلف…
وجع بنت صغيرة سمعت اللي ماينفعش تسمعه..
ووجع راجل بيحاول يلمّ شتات بيته..
ووجع ستّ، ساكتة…
عارفة إن الكلام ده كله مش هيعدّي من غير جرح.
الصمت في الأوضة كان تقيل، كأن كل نفس بيتحسب. ملك نايمة في حضن أبوها، دموعها لسه سايبة أثرها على خدّها، وسلوى واقفة في الركن زي اللي اتسمر مكانه، وقدريّة عينيها بتزوغ شمال ويمين، مش قادرة تواجه نظرة إبنها.
ياسر رفع وشه وعينيه محمّرين من الدموع اللي كبسها ساعات. بصّ لأمه وبصوت متكتم لكنه راعد من جوّا قالها :
إنتِ قُلتِ لها إيه؟ ها؟ قُلتِ إيه للبنت الصغيرة دي يا ماما؟
قدريّة اتلخبطت :
أنا؟! ما قُلتش حاجة يا ابني غير إني بخاف عليكم.
ياسر :
بتخافي علينا؟! هو الخوف يخليكِ تقولي إن مراتي هتموت؟ وإن بنت أختك هتبقى مراتي بعدها؟ ده خوف يا ماما ولا قسوة؟!
قدريّة ارتبكت وقالت بنبرة دفاع :
يا ابني أنا ما قصدتش، دي كلمة واتقالت في ساعة غضب
ياسر صرخ، صوته اتكسر أول مرة قدامها :
كلمة؟! كلمة وجعت بنتي الصغيرة يا ماما، كلمة كسرت قلبها وهي لسه مش عارفة يعني إيه موت ولا جواز. إزاي تقولي كده عن سارة وهي لسه بتحارب؟!
عينيه كانت بتلمع غضب ودموع مع بعض :
سارة مش بتموت، سارة بتتعب. بس هترجع بيتها، هتقوم وهتقعد في المكان اللي هي بانتُه بعرقها وحبها.
سلوى حاولت تتكلم بخوف :
ياسر، بالله عليك، أنا ما قلتش حاجة.
بصّ لها بحدة ووجع :
سكوتك جريمة زي كلامك. كنتِ قاعدة وسامعة، ليه ما وقفتيهاش؟ هو الكلام على موت إنسانة بقى عادي كده؟
قدريّة قالت وهي بتدمع :
أنا أمّك يا ياسر، بتكلّمني كده؟
هو لفّ وشه عنها لحظة وقال بصوت بيتهزّ :
أيوه، إنتِ أمي.. بس المرّة دي، وجعتيني أكتر من أي حد في الدنيا. وجعتيني وأنا بحاول أكون قوي علشان سارة وملك، وجيتوا عليّا بدل ما تسندوني.
قرب خطوة منها، وصوته نزل بنبرة راجل مكسور لكن واضح :
أنا مش طفل يا ماما، ولا راجل هيتجوز على جثة مراته. أنا راجل بيحب مراته وبيخاف عليها، ومش هيبدّلها بأي ستّ في الكون.
قدريّة نزلت دمعتها، وسلوى كانت بتبص في الأرض، وشها كله خجل وانسحاب.
ياسر مسك نفسه بالعافية، إيده على راسه، صوته بيترعش بين وجع وغضب :
أنا مش طالب منكم حاجة، بس لو بتحبوني، سيبوني أحبها على راحتي واعيش معاها بالشكل اللي يرضي ربنا، مش الناس.
ورجع يمدّ إيده يمسح دموع ملك، صوته ناعم جدًا وهو بيقول :
مافيش حاجة هتفرقنا يا حبيبتي، مافيش حد مكان ماما، ولا هي هتسيبنا لوحدنا.
ملك فتحت عينيها بصعوبة، حضنت وشه بإيديها الصغيرة وقالت وهي بتتهته :
ماتخليش حد يبعدها عننّا يا بابا.
نسرين بلعجيلي
ياسر :
– مستحيل.
قام من مكانه، بصّ لروان اللي كانت واقفة عند الباب، عينيها دموعها واقفة فيها بس ماسكة نفسها.
روان بصوت هادي، مليان خوف عليه :
ياسر.. تعال معايا شوية، تعالى نخرج من هنا.
بصّ حواليه، وشه مجهد، عرقان، نفسه متقطع، ومشي وراها.
خرجوا للصالة، الأنوار خافتة، والجو ساكت إلا من أنفاسه التقيلة. روان قربت منه وقالت بحنية نادرة :
كفاية يا ياسر.. إنت اتكسرت النهارده.
ياسر :
أنا مش قادر أصدق اللي بيحصل يا روان، مش قادر أستوعب إن أمي اللي علمتني الرحمة هي اللي بتزرع الخوف في بنتي.
روان بصوت حزين :
يمكن لأنها خايفة تخسرك. بس الغلط غلط، وانت عملت الصح لما دافعت عن سارة.
مسك راسه بإيديه وقال بصوت مبحوح :
أنا حاسس إني باخسر الكل، أمي… بنتي… ومراتي بتضيع من بين إيديا.
روان حطت إيدها على دراعه،
صوتها شبه الهمس :
ماحدش هيضيع طول ما انت واقف كده. الليلة دي صعبة، بس بعدها ربنا هيكتب لطفه.
رفع عينه ليها، والدموع بتلمع فيها بنور الأباجورة، وقال بنبرة راجل وصل آخر طاقته :
أنا مش عايز لطف، أنا عايزها بس تعيش.
روان اتنفسّت ببطء، وشايفاه بيتهزّ قدامها بين الحب والخوف والانكسار. ومافيش في اللحظة دي غير الدعاء اللي طالع من القلبين بصمت :
“يا رب… إحفظها. واحفظه علشانها.”
والليل لفّهم بلحظة وجع صافية، لا فيها كبرياء، ولا رجولة، ولا ملامة. بس فيها إنسان بيتحطم علشان الحب.
ايه رأيكم؟؟
يتبع …..
- لقراءة باقي فصول الرواية أضغط على (رواية وصية حب)
لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها
أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)