رواية إنكسار الروح الفصل الثامن 8 بقلم الاء محمد حجازي
رواية إنكسار الروح الفصل الثامن 8 بقلم الاء محمد حجازي
البارت الثامن
شهد…
أنا عايز أتجوزك.
شهد اتسمّرت في مكانها.
الكلمة وقعت عليها زي صدْمـة.
لفّت له بسرعة،
عينيها متسعة،
صوتها مرتعش:
انت…
انت قلت إيه؟
مروان وقف ثابت،
نَفَسُه هادي،
نظراته مباشرة:
قلت…
إني عايز أتجوزِك يا شهد.
شهد ضحكت…
ضحكة قصيرة مكسورة،
ضحكة كلها ذهول وغضب في نفس الوقت.
تتجوزني؟
بالهدوء ده؟
بالبساطة دي؟
كده؟
بالهزار ده؟
رفعت حاجبها بسخرية جارحة:
فيه إيه؟ ما لقيتش غيري؟
خطواتها اتقدمت عليه خطوة…
صوتها بدأ يعلى:
إحنا…
إحنا أصلًا ما نعرفش بعض!
ولا اتكلمنا!
ولا بينا أي حاجه!
قربت أكتر…
عينيها دمعت،
بس مش دموع وجع…
دموع غضب.
وحتى لو نعرف بعض…
إزاي؟
إزاي تكلمني في جواز؟
إنت…
إنت عايز تتجوز مرات صاحبك؟
مروان بوجع:
صحبي مات؟
شهد بجنون:
إنت بتقولها ببرود!
ببساطة!
مش حاسس إنك بتعمل مصيبة!؟
مروان حاول يتكلم:
شهد…
أنا
بس هي قطعتُه بصوت أعلى:
لا…
متقولّيش شهد!
متنادينيش كده!
أنا أصلاً مش مستوعبة اللي أنت بتقوله!
هو رفع عينه عليها لأول مرة، بنظرة ثابتة جداً:
أنا أعرفِك… أعرفِك من زمان… وبحبّك من زمان.
وهنا… هي انفجرت.
وبدأت تنهار عصبيًا أكتر،
الكلمات خرجت منها من غير تفكير…
زي حد فاتح باب مقفول من سنين.
تحبني؟
بتقول بتحبني؟
إنت بتحب مرات صاحبك؟
إنت سامع نفسك؟
فاهم أنت بتقول إيه؟
وقفت قدامه مباشر،
وشهها كله دموع وقهر:
إنت شخص أناني… أناني بدرجة تخوّف!
وحقير… وواطي!
ومؤمن اتخدح فيك… كان فاكر إنك إخوه… كان شايفك سند!
وإنت واقف قدامي دلوقتي بكل بجاحة العالم… وبتقول بتحب مراته؟! بتحب الست اللي كانت حلاله! بتحبها وهو… وهو…
سكتت لحظة… صوتها كسر.
صح… الله يرحمه.
رجعت تهاجمه تاني بعنف أكبر:
إنت فاهم نفسك مين؟
حد حقير بيخون صاحبه حتى وهو ميت!
إنت شخص ما يتحبش… ولا حد يأمن له… ولا حد يدي له ضهره!
إنت كداب… ولا عمرك حبيت حد غير نفسك!
إنت…
حقير!
والله العظيم حقير!
إيده اتحركت كأنه عايز يهديها،
بس هي ضربت إيده بإيدها بعنف:
ماتقربليش!
ما تمدّش إيدك!
أنا مش قادرة أصدق…
مش قادرة أصدق إن مؤمن…
مؤمن اللي طول الوقت كان بيقول عنك جدع…
كان شايفك راجل…
كان شايف فيك الأخ اللي جابته الدنيا…
طلع غلط!
طلع انخدع!
صوتها اتكسّر،
بس لسه قوّي:
أيوه…
اتخدع فيك يا مروان.
إزاي…
إزاي قلبك يسمح لك تحب مراته؟
تحب اللي كانت هتعيش معاه؟
اللي كان بيموت فيها؟
اللي كان بيشوفها حياته؟
انت…
إزاي تعمل كده فيه؟
مسحت دموعها بعصبية:
إيه؟
استنيت؟
استنيت صاحبك يموت؟
استنيت تشوفه بيتكفن؟
استنيت تدفنه؟
وبعدها…
تيجي تقولي إنك بتحبني؟
ضحكت ضحكة مره:
إنت…
إنت مش بس أناني…
إنت خاين…
خنت صاحبك وهو ميت…
وخنته وهو حي…
وخنته وهو حافظ سيرتك واسمك!
صرخت فجأة،
وكل اللي جواها اتفجّر:؟
ويترا من إمتى؟
من قبل ما يموت؟
ولا وإحنا بنكتب الكتاب؟
ولا وإحنا بنتصور على السلم؟
ولا وإنت واقف في الفرح بتبص؟
رجعت خطوة، أنفاسها متقطعة:
إنت آخر واحد…
آخر واحد في الدنيا كنت أتوقع منه حاجة بالشكل ده.
وقفت تبص له من فوق لتحت،
بنظرة مليانة خيبة:
مؤمن…
الله يرحمه…
كان راجل…
بس اختار صاحِب…
ما يستاهلش حتى يبقى ظِلّه.
وقبل ما تكمل…
هو كان انفجر.
صوته طلع لأول مرة، عالي، مكسور، بينهجه:
لو أنا أناني وحقير زي ما بتقولي…
قرب منها خطوة كبيرة، صدّام.
كنت لما عرفت إن صاحبي… أخويا…
عايز يخطب البنت الوحيدة اللي أعجبت بيها…
على الأقل كنت ختك منه!
كنت أقول له إنها ليا!
كنت أقول له إن قلبي اتحرك!
رفع صوته أكتر:
بس أنا سكت!
حضرت خطوبتك…
وكاتب كتابك… وسكت.
إيده كانت بتترعش.
كنت واقف… شايف فرحته…
شايف النور في عينه لما يبصّلك…
والله العظيم كنت بشوف حبه ليكي…
بيوجع في صدري.
ضرب صدره بإيده:
وحاطط وجعي هنا… وساكت!
عشان ده أخويا… ده اللي كنت مستعد أموت عشانه!
قرب وشه منها، صوته اتكسر:
استعوضتك عند ربنا…
قلت يمكن… يمكن ربنا هيعوضني بحد غيرك…
حد خير… حد مش انتي.
اتنفس بصعوبة:
بس للأسف… محدش جه.
ولا قلبي عرف يحب غيرك.
وبصوت أوطى… شبه همس:
فقبل ما ترميني بالحقارة… اسألي نفسك…
هو فين الحقارة؟
في اللي أخفى حبّه عشان صاحبه؟
ولا في اللي بتحاسبني النهارده وكأني أنا اللي قتّلته؟
كان لسه بيبصّ لها بنفس اللهيب اللي طالع من عينه…
ولسه أنفاسه متلخبطة من اللي قاله.
هي كانت واقفة مصدومة… ساكتة… وده شجّعه يكمل.
مروان بحدّة:
ولو أنا زي ما بتقولي… أناني… وحقير…
وقف لحظة… ورفع صوته فجأة:
تبقى انتي جبانة!
اتصدمت… رمشت بعينيها بسرعة:
جبانة؟! أنا؟ إزاي؟!
قرب منها أكتر:
أيوه جبانة.
نبرة صوته ما كانتش بس غضب… كانت وجع.
–سايبة أمك تتحكم في حياتك من وانتي صغيرة!
عمرك ما وقفتي وقلتي لأ…
عمرك ما اخترتي حاجة بإيدك.
كمل وهو بيعدّ عليها جروحها بحده:
–كان قدامك تختاري… تهربي… ترفضي…
بس لا.
قرب وشه:
حبيتي تعيشي دور المظلومة!
اللي ما تعرفش تجيب حقها…
اللي مستنية الناس تحس بيها.
شهد شهقت… مش مصدّقة إنه فاكر كل ده.
ومروان كمل بلا رحمة:
اتخطبتِ لزياد…
وكان بيهزّقك… ويهينك…
وما سبتهوش!
مع إنك كنتي مخطوبة له غصب عنك.
رفع صوته أكتر:
وبرضه سكتّي.
لف وشه لحظة كأنه بياخد نفس… وبعدين رجع لها:
اتخطّبي غصب عنك… وتسكتّي!
تتوجعي… وتسكتّي!
قرب أكتر…
نبرة صوته بقت مكسورة بس لسه قوية:
سيبتِه… سيبتِ زياد…
وسيبتِ أخواته…
يهينوكي وسكتّي…
ما فوقتيش غير قبل فرحك بشهر!
ضحك ضحكة قصيرة موجوعة:
ولما فوقتي؟
خليتي أي حد…
أي كلمة…
أي واحد ما لهوش 30 لازمة
يأثر فيكي.
وقعت الكلمات دي عليها زي السهم.
دموعها نزلت… نزلت من غير ما تحس.
حاولت تمسحها… لكن ما عرفتش.
هو شاف دموعها…
سكت…
بس عينه ما هدتش.
هي كانت خلاص… صوتها راح، نفسها اتقطع.
بصت له بنظرة وجع مش قادره تخبيها…
وبعدين فجأة…
لفّت… وخدت بعضها… ومشيت.
مشيت وهي الدموع سايحة…
وخطواتها سريعة…
وحرفيًا هاربة من نفسها قبل ما تهرب منه.
وهو…
واقف مكانه…
ما قدرش يمد إيده ولا يقول كلمة.
كان عارف إن الكلام جرح…
بس كان عارف كمان إن الجرح ده كان لازم يطلع.
——————-
بعد ما شهد سابته ومشيت، مروان وقف ثواني في مكانه…
الهوى كان بيضرب في وشه، وصوته مكتوم…
بس قلبه؟
كان بيغلي.
لفّ… ومشي بخطوات تقيلة، رايح على المكان اللي بيهرب له كل ما الدنيا تيجي عليه:
قبر مؤمن.
كان الوقت قرب المغرب…
الجو هادي بطريقة توجع.
قعد على ركبته قدّام القبر، ومسح التراب بإيده…
وبعدين بدأ يقرا الفاتحة، وصوته مكسور:
الفاتحة على روحك يا صاحبي…
وبعد ما خلّص…
نزلت أول دمعة.
قعد، وضم ركبته بإيده كأنه طفل، وقال بصوت متقطع:
أنا عارف… عارف إنّي جرحتها…
بس والله يا مؤمن ما كان قصدي أوجعها…
كان قصدي أفوّقها.
شهق شهقة صغيرة… وكمل:
يمكن طريقتي كانت غلط…
بس شهد؟
ما كانتش هتفوق غير كده.
مسح دموعه بكف إيده، وكمل وهو يبص للاسم على القبر:
شهد دلوقتي يا صاحبي أكيد بتقول:
عرف كل ده عني منين؟
سمع إيه؟ شاف إيه؟
وهي ما تعرفش…
قرب إيده على الحجر كأنه بيحضن صديقه:
ما تعرفش إني عمري ما خنت الأمانة…
ولا يوم… ولا ثانية…
ولا حتى بصيت لها بنظرة غلط.
صوته بدأ يترعش:
أنا…
أنا حبيتها من قبل ما أنت حتى تيجي وتحكي عنها.
ضحك ضحكة باكية:
فاكر لما كنت بكلمك في التليفون؟
وقولّك: عندي مفاجأة… عندي مفاجأة يا مؤمن؟
كنت هقولّك إني… إني لقيت البنت اللي قلبي حبّها.
سكت لحظة، وبعدين بص للسماء:
بس قبل ما أفتح بوقي…
لقيتك داخل عليّا…
وعينك كانت بتلمع…
وبتقول لي: أخيرًا شُفتها يا مروان….!
مسح وشه بسرعة كأنه مش قادر يستحمل الذكرى:
ما قدرتش…
ما قدرتش أكسر فرحتك.
أنت كنت خارج من عزاء أبوك وأمك…
كنت مكسور… ومش مصدّق إنك لقيت حد يفرحك.
فرحت لك…
والله العظيم فرحت لك.
شهق جامد… وصوته بقى أوطى:
ولما موتت…
أنا زعلت عليك…
مش بس لإنك صاحبي …
لأ…
لإن نصّي الثاني… أخويا…
اللي ربنا بعته لي بعد موت أبويا…
هو اللي مات.
اتنهد تنهيدة وجع حقيقي:
يوم ما زياد حاول يعتدي عليها…
وصلّتها لحد البيت…
ورجعت وأنا قلبي مولع.
شفت واحد بيقول إنه عايز يتقدم لها…
ومن اليوم ده وأنا عقلي مش راكب.
بص للأرض…
كأن الكلام خارج من روحه:
ما فوقتش…
غير النهاردة…
وأنا بكلمها.
نزلت دمعة جديدة، أتقل من اللي قبلها:
كلامها وجعني…
وجعني قوي…
بس والله يا مؤمن…
غصب عني.
سكت… مفيش صوت غير نفسه المكسور.
قرا الفاتحة تاني…
وقف…
وبص للقبر نظرة وداع من غير ما يتكلم.
وبعدين…
مشي.
مشي وهو ماسك وجعه بإيده.
—————————
دخلت شهد البيت وهي مش شايفة قدّامها…
ولا سامعة صوت غير خبطات قلبها اللي كان بيجري من وجع الكلام.
أول ما الباب اتقفل وراها…
سندت عليه، ودموعها نزلت دفعة واحدة… كأن حد فتح عليها حنفية وجع.
دخلت بسرعة على أوضتها…
قفلت الباب، ورمت شنطتها على الأرض من غير ما تبص حتى…
واترمت على السرير كأن رجليها ما بقتش شايلة روحها.
حطت إيديها على وشها…
وبدأت تعيط…
تعيط بمرارة…
بصوت مكتوم، زي حد بيحاول يخنق الوجع جوا صدره ومش قادر.
كانت بتنهج بين كل دمعة ودمعة…
وبتقول لنفسها وسط شهقاتها:
ليه؟ ليه يا رب؟ أنا تعبت… أنا تعبت من كل ده…
فضلت تعيط لحد ما صوتها اتكسر من كتر البكا…
ولحد ما دموعها بقت تحرق خدها…
ولحد ما جسمها نفسه تعب.
وبعد فترة…
هدت شويّة…
مش هدوء حقيقي…
هدوء اللي بييجي بعد ما الروح تستنفد آخر نقطة مقاومة فيها.
مسحت دموعها بطرف كُمّها…
وقعدت، ضهرها للحيطة، ورجلينها مرفوعين على السرير.
عينها كانت لسه حمرا وناشفة…
بس عقلها؟
كان لسه شغال… ولسه بيلف.
تنفّست نفس تقيل…
وقالت بصوت واطي، متقطع، كأنها مش مصدّقة اللي بتقوله:
هو… كان عنده حق.
سكتت ثواني…
نظرتها وقعت على الأرض…
وبعدين هزت راسها بصدمة كأن الحقيقة بتضربها من جوّه:
أيوه… عنده حق.
قربت إديها من وشها…
وفضلت تدعك دموعها اللي نشفت:
قد إيه أنا غبية…
قد إيه كنت بخاف… وبهرب…
قد إيه سبت الناس تتحكم في حياتي…
قد إيه كنت ضعيفة…
اتنهدت تنهيدة وجع…
وبصت للسقف وكأنها بتحاسب نفسها:
فعلاً…
أنا جبانة.
جبانة يا شهد…
كنت بخاف…
وبسكت…
وبمشي ورا كلام الناس…
وبضيع نفسي… واحدة واحدة.
نزلت دمعة جديدة…
مش دمعة خوف…
دمعة وعي.
مسحتها بسرعة… كأنها مش عايزة ترجع تبكي تاني.
وقالت بهمس:
هو كان صح…
وأنا…
أنا اللي غلط.
وبدأت تفكر…
وتراجع كل كلمة قالها…
وكل موقف اتكلم عنه…
وكل خطأ كانت بتعمله وهي مش شايفه.
وبين الألم والوعي…
شهد حسّت إن أول مرة في حياتها…
بتواجه نفسها بجد.
—————————
الأيام كانت بتعدّي تقيلة…
أسبوع… واتنين… وتلاتة…
وشهد؟
ما بقاش ليها صوت… ولا ظل… ولا خطوات برا البيت.
ما عادش بتنزل البحر…
ما بقاش ليها نفس تكلم حد…
قلبها كان لسه موجوع، والصدمة كانت لسه متعلقة في صدرها.
كانت بتصحى وتنام من غير ما تحس بفرق…
الليل شبه النهار…
والأيام شبه بعضها…
والوجع ثابت، لا بيقلّ ولا بيروح.
وفي نفس الوقت… كان مروان؟
ما سابش يوم إلا وراح عند عمّة مؤمن…
يطمّن عليها من بعيد، من غير ما يضغط…
ولا يوم اتأخر عن السؤال:
عاملة إيه؟
طلعت من أوضتها؟
بتاكل؟
نامت؟
بس دايمًا الرد واحد:
لسه… شهد لسه مش بخير.
ولما يفشل إنه يعرف عنها…
كان ينزل البحر.
نفس المكان… نفس الصخرة اللي كانت بتقعد عليها…
ويفضل واقف يبص للبحر:
يمكن تطلع.
يمكن تظهر.
يمكن أشوفها… بس أطمن.
بس شهد ما ظهرتش.
ولا حتى مرة.
وفي يوم…
كانت شهد في البيت لوحدها.
الدنيا ساكته…
وأمها خرجت تزور واحدة من قرايبهم.
شهد كانت قاعدة في الصالة…
بتقلب في صور قديمة على موبايلها…
وبتحاول تداري دمعة نزلت من غير إذن.
وفجأة
خبط الباب.
وقفت.
قلبها ضرب خبطة قوية…
مش عارفة ليه…
بس إحساس غريب جري في جسمها.
مشيت لحد الباب ببطء…
إيدها كانت مرتعشة وهي بتفتح القفل…
شدّت الباب شويّة…
وبأول ثانية شافت فيها اللي واقف قدامها
اتجمّدت.
اتسعت عينيها…
اتاخدت نفس مفاجئ…
حست برجليها بتتهز.
وطلعت الكلمة من بُقّها متقطعة، مش مصدّقة:
مؤمن…
- لقراءة باقي فصول الرواية أضغط على (رواية إنكسار الروح)
لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها
أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)