رواية خذلان الماضي الفصل الرابع 4 بقلم الاء محمد حجازي
رواية خذلان الماضي الفصل الرابع 4 بقلم الاء محمد حجازي
البارت الرابع
وفجــــــــــــــأة
البــــــــــــــاب يتفــــــــــــتح
نسرين دخلت.
أول ما عينها قابلت عين أحمد…
وشه اتبدّل.
اتوتر…
وإيده اتلغبطت.
وفجأة لاقته بيحط تليفونه على مكتبها مش على مكتبه،
كأنه بيخبّي حاجة…
أو مش مركز من الصدمة.
هي بصّت له بنظرة مستغربة…
بس ما قالتش حاجة.
ثواني بس…
ودخل أويس بصوت جاد وثابت:
أحمد، فين الملف اللي طلبته منك؟
أحمد شد نفسه وقال بتوتر:
هجيبه… من الأرشيف.
أويس:
تمام، هاته.
أحمد خرج فورًا…
وبعده بثواني… أويس خرج هو كمان واصبح المكتب فاضي.
نسرين فضلت قاعدة…
بتحاول تركز.
تشتغل.
تنسى وجوده.
لكن فجــأة…
صوت رسالة.
نفس نغمة رسالتها.
نفس الصوت اللي بتسمعه كل يوم.
اتخضّت…
قامت تمسك التليفون اللي على مكتبها
فاكرة إنه تليفونها.
كانت ماسكاه طبيعي…
لحد ما شاشة الرسالة ظهرت قدامها:
ايوه انت فعلاً عندك حق.
نسرين ما تنفعش للجواز.
اذا كان دي واحدة كلمتك وخرجت معاك من غير أهلها ومن وراهم…
أمال لما تتجوزها هتعمل ايه؟
وانا بصراحة اقتنعت بكلامك.
وهسيب البنت اللي بكلمها واخطب بنت خالتي اللي أمي قالت عليها.
قلبها وقع.
النَفَس اتحبس.
الكلمات دخلت جوّا صدرها زي مسمار بارد.
مفيش صوت.
ولا حركة.
بس نبضها…
كان بيصرخ.
وفجأة…
الباب اتفتح تاني.
وأحمد دخل.
أول ما شاف التليفون في إيديها…
وقف مكانه.
وشه بهت.
عينيه اتسعت.
اتخض.
اتجمد.
نسرين وقفت…
وقفت ببطء…
وبعينين كلها قهر، وإهانة، وكسرة…
مش كسرة حب.
كسرة كرامة.
رفعت عينيها على أحمد…
النظرة كانت كافية تخليه يبلع ريقه عشر مرات.
وقالت بصوت هادي…
بس حاد…
صوت بنت مش مكسورة:
أحمد… أنا عايزاك في سؤال واحد.
هو اتنفس…
وشه نور فجأة…
ضحكة صغيرة طلعت غصب عنه…
افتكر إنها هترجع.
افتكر إنها لسه بتحبه.
افتكر إن الدنيا لسه ملكه.
قال بصوت كله أمل:
اسألي يا نسرين… أنا معاكي.
نسرين بصّت له…
نظرة بتكسر جبل وقالت:
انت… لما كنت شايف إني ماشية غلط…
ومش نافعة للجواز…
ومش محترمة كفاية…
كنت بتعيط ورايا ليه؟
كنت بتتوسل ليه أرجع لك ليه؟
ليه كنت بتتحايل عليا وأهلي… وانت شايفني بالشكل ده؟
أحمد اتصدم…
اتوتر…
اتكعبل في نفسه.
قال بسرعة:
مين قالك الكلام ده؟!
اللي قالك ده كــــذاب!
عايز يخرب بينا!
عايز
نسرين رفعت الموبايل قدّام وشه.
نفس الرسالة.
نفس الجملة.
نفس القذارة اللي كتبها صاحبه.
وشه…
اتصفّى.
دمّه انسحب.
لاقيتيه بقى شبه الميت.
قال بصوت مخنوق:
ده… ده أكيد فاهم غلط…
هو صاحبي…
أصلي كنت…
كنت قصدي…
أنا هكلمه حال……..
ولا هتكلّمه… ولا هتسوّق كدبك عليا تاني.
نسرين قالت الجملة دي وكأنها بتقطع آخر خيط بيربطهم.
العيب مش عليك يا أحمد…
العيب عليّ أنا.
إني كلّمت واحد زيّك.
إني نزلت من نفسي.
إني كسرت ثقة أهلي… عشــــان واحد مش راجل.
واحد من أشباه الرجال.
وخدت خطوة لقدّام.
بصوت ثابت موجوع:
أحمد…
أنا اللي غلطانة.
أنا اللي ضيّعت وقتي.
أنا اللي سمحت لحد زيك يحسسني إني قليلة.
وأكتر غلط عملته…
إني افتكرت إن اللي بينا كان حب.
ضحكت… ضحكة وجع:
حب؟
إنت؟
ده انت كنت بتستخدمني.
كنت عايزني أملّي وقتك…
لحد ما تلاقي اللي تناسبك قدّام الناس.
بس وراهم؟
كنت عايزني أنا.
رفعت عينيها فيه:
بس عايزة أقولك نصيحة…
اسمعها كويس…
لأن دي آخر مرة تسمع صوتي:
كما تدين تُدان.
بهذا اللفظ… وبالصوت ده… أحمد اتشل.
اللي بتعمله في بنات الناس…
هيتعمل في أختك.
في بنتك.
في مراتك.
لأن ربنا عادل…
وما بيرضاش الظلم.
وقفت لحظة…
كملت بصوت أعمق:
“وَبِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ تُجْزَوْنَ.”
وكملت وقالت والنبي ﷺ قال:
“اتقوا دعوة المظلوم، فليس بينها وبين الله حجاب.”
والله يا أحمد…
أنا ظلمت نفسي، بس إنت ظلمتني.
وانا سمعت الدرس.
بس إنت…
لسه هتتعلم بالطريقة الصعبة.
قربت منه خطوة صغيرة…
وقالت بخفة:
أنا خلصت.
وانت…
بقيت آخر حد يمكن أفكر أني أرجع له.
ولو مرّة فكرت إني ضعفت؟
افتكر الرسالة دي.
رجعت خطوة ورا…
رفعت الموبايل…
وسابته واقع بالكلمة وبالصدمة وبالشوهة.
وبعد ما تخلص كلامها… تبص له نظرة أخيرة…
نظرة صدمة قرف حرقة…
وتاخد شنطتها من على المكتب بسرعة، وتخرج بخطوات سريعة وشبه جري.
وهي؟
مشت.
رافعه راسها.
مش مكسورة…
دي قامت من تحت الرماد.
وهي خارجة… تخبط في أويس عند الباب.
أويس بجدية:
خير يا آنسة نسرين؟ في حاجة؟ شكلك مش تمام.
نسرين تهز راسها وهي بتحاول تسيطر على نفسها:
لا… أنا بس تعبانة شوية… وهـ… هاخد اليوم إجازة.
وتمشي… وأويس يفضل واقف يتابعها بنظرة قلق حقيقي.
—————————–
بعد ما نسرين خرجت من الشركة، جريت على البيت من غير ما تبص وراها.
كانت حاسة إنها مشيّة في شارع ضلمة… كل ما تبص على نفسها تلاقي الوجع أكبر.
أول يوم… قالت هرتاح بس النهاردة.
تاني يوم… ما قدرتش تقوم من السرير.
تالت يوم… ما بقيتش قادرة تبص في المراية.
أسبوع كامل…
نسرين قاعدة في أوضتها، ستارة مقفولة، نور خافت، صوت تسبيح خفيف، وبكاء مكتوم.
كانت بتدعي كل ليلة:
يارب سامحني… يارب استرني… يارب طلّعني من الغلط اللي أنا وقعت فيه… يارب أنا ضعفت وانت وحدك القادر تصلّح قلبي.
ما بقتش ترد على حد.
ولا بقت قادرة تعمل حاجة غير إنها تعيد كل لحظة في دماغها…
كل كلمة كان بيقولها لها أحمد…
كل مرة كانت بتصدق، وتبرر، وتسامح.
كانت حاسة إنها مش بس اتكسرت…
لأ، دي اتكسرت واتكسفت من نفسها قبل ما تكِسف من حد.
كانت بتقول لنفسها:
ليه عملت كده؟ ليه سمحت لوحد زي ده يدخل حياتي؟ ليه ضيّعت وقتي وكرامتي وثقة أهلي؟
وبقيت تاخد قرار يومياً إنها هترجع الشغل…
وتنام وهي مقررة…
وتصحى تلاقي نفسها عاجزة تتحرك.
وفي يوم… بعد أسبوع كامل…
كانت قاعدة لوحدها في الصالة، فاضية، ولا عندها أي حاجة تعملها.
مسكت الموبايل من غير هدف… فتحت فيس.
فضلت تتصفح ساكت…
وفجأة حسّت بحاجة جواها بتغلي.
شعور إنها لازم تقول حاجة… لازم تحذر حد… لازم تبقى صوت لبنت تانية ممكن تقع في نفس الحفرة.
فتحت البوست…
كتبت، مسحت، كتبت…
لحد ما الكلام نزل مرة واحدة… من قلب حزين، موجوع، ندمان… لكنه عاقل لأول مرة.
“نصيحة مني لكل بنت… يمكن حد يستفيد، ويمكن تكون كلمة تنقذ واحدة زي ما كنت محتاجة حد ينقذني.
لو بتكلمي ولد… وبتدي له من وقتك ومشاعرك…
لو بتدي له اهتمام أكبر من اللي يستحقه…
ولو عمرك سمحتي لواحد يدخل حياتك من ورا أهلك…
فاسمعي الكلام ده كويس جداً:
انتي بترخصي نفسك… قبل ما ترخصيها في عين أي راجل.
وانتي اللي بتنزلي من قيمتك… مش هو.
اللي يسهّل نفسه ويتفتح لأي كلمة حلوة…
هيفضل يشوف نفسه قليلة… حتى لو حاولتِ ترفعيها قدام الناس.
الولد اللي بيكلمك في الخفاء… مش راجل.
الولد اللي يقولك هنتجوز وهو مش قادر يواجه أهلك… مش راجل.
الولد اللي يخليكي تبكي… وتسكتِ… وتسامحي… وتتنازلي…
ده مش بيحبك.
ده بيستغل ضعفك.
الراجل الحقيقي… بيدخل من باب بيتك قبل ما يدخل لقلبك.
بيخاف على سمعتك… قبل ما يخاف على نفسه.
بيتقي ربنا فيكي…
وبيخاف يوم الحساب.
متصدقيش إن الحب بيجي من كلام واتس… ولا من سكرين شوت… ولا من اهتمام مزيف.
متصدقيش إن اللي يضحك عليكي في السر… هيخاف عليكي في العلن.
اللي يرضى ياخدك من ورا أهلك…
هيبيعك أول ما يلاقي فرصة.
الغلط مش كله عليه… الغلط علينا إحنا لما بنمشي ورا كلام فارغ ونرمي نفسنا في حضن حد ما يستاهلش.
الغلط إننا نفتكر إن حياتنا هتوقف على واحد…
والحقيقة إن حياتنا بتقف لما نكون مع واحد غلط.
اللي عايزة أقوله… متكرريش غلطتي.
متكسريش قلب أهلك عشان واحد.
متنزليش من قيمتك عشان كلمة.
متضيعيش عمرك عشان وهم.
احفظي نفسك… واختاري ربنا قبل أي حد.
وساعتها… ربنا هيعوضك باللي يستاهلك… ويصونك… ويحطك في عين راجل محترم، يعرف قيمتك قبل ما يعرف اسمك.
وكمان لازم تعرفوا حاجة مهمة قوي…
في كل قصة زي دي… البنت هي الوحيدة اللي بتخسر.
هي الوحيدة اللي بتطلع غلطانة…
هي اللي بتتشال عليها العيوب…
وهي اللي الناس بتحاسبها وكأنها ارتكبت أكبر جريمة.
مع إن المفروض المجتمع يبص للراجل الأول…
اللي استغل… وكذب… ولعب…
اللي قرب وراح… ومشي ورجع…
اللي وعد وهو عارف إنه مش قد وعده…
اللي فتح باب لبنت وخلق جواها حلم هو نفسه عارف إنه عمره ما هيحققه.
بس دايمًا… اللوم ينزل علينا إحنا.
إحنا اللي نُسأل: ليه كلمتيه؟
ليه صدقتيه؟
ليه سامحتيه؟
ليه سكتّي؟
ليه سبتّي حد بالشكل ده يدخل حياتك؟
مع إننا كبنات… بنمشي ورا عاطفتنا.
بنصدّق الكلمة الحلوة…
بنفرح بالاهتمام…
وبنفتكر إن كل واحد بيقرب… نواياه كويسة ومش ممكن يكسرنا.
صح… إحنا غلطانين.
غلطانين إننا سمحنا لحقير زي ده يملك لحظة في حياتنا.
غلطانين إننا اديّنا قلبنا لحد ما يستاهلش.
غلطانين إننا سمعنا مشاعرنا وسكتنا عقلنا.
بس برضه… الغلط مش كله علينا.
الغلط على اللي لعب واستغل وضيع وأوجع…
الغلط على اللي عرف ضعف بنت واستغله…
الغلط على اللي عرف إنها بتحبه ورغم كده كسرها.
وبرغم كل ده…
إحنا اللي بنتحاسب.
إحنا اللي بنطلع غلط.
إحنا اللي ندفع الثمن…”
—————————
نسرين كانت لسه حاطة الموبايل جنبها…
عنييها فيها لمعة وجع…
وتنهيدة طويلة خرجت منها كأنها مطلعة هم سنين.
وفجأة…
سمعت مفتاح الباب بيتلف في كالون الشقة.
صوت والدها ووالدتها داخلين.
ولما باباها لمحها قاعدة في الصالة لوحدها…
اتغير وشه.
قلبه الأبوي حس إن بنته مش بخير، حتى لو بتحاول تخبي.
قرب منها بهدوء…
وقال بصوته الحنين اللي بيدفي الروح:
عاملة إيه يا حبيبتي؟ مالِك؟
نسرين بسرعة رفعت وشها، ومسحت على خدها كأنها بتظبط شكلها:
ما فيش يا بابا… الحمد لله بخير.
هو ما اقتنعش…
بس ما حبش يضغط عليها.
قعد جنبها، مد إيده، حضنها من غير كلام…
حضن أمان.
بصي يا نسرين…
أنا عايزك تفهمي حاجة واحدة بس…
إني موجود. دايمًا.
وأي وقت تحتاجيني… هتلاقيني جمبك قبل ما تنادي.
الكلام خبطها في قلبها…
قربت رأسها على كتفه، وهي بتحاول تمنع دمعة كانت هتخرج غصب عنها.
بعد شوية…
باباها وقف…
وباس راسها من فوق بحنان كبير قوي.
ولما كان داخل على الأوضة…
رجع فجأة، كأنه افتكر حاجة:
آه صحيح… يا بنتي، في عريس جاي بالليل يشوفك.
لو مش عايزة تنزلي… براحتك.
ولو عايزة… برضه براحتك.
اللي يريحك هو اللي هيحصل.
نسرين اتفاجئت…
لكن ما اتوترتش…
ولا حتى فرحت…
ولا زعلت.
ردت وهي بتبص للأرض، بصوت هادي قوي:
لا يا بابا… تمام.
هشوف.
واللي في الآخر يقدّره ربنا… هو اللي هيكون.
وباباها هزّ راسه برضا…
وسابها تفكّر مع نفسها.
بالليل…
البيت كان هادي، بس قلق خفيف ماشي في الهوى.
مامت نسرين بتظبط في الصالون… باباها قاعد مستني…
ونسرين طالعة من أوضتها بخطوات بطيئة، هادية…
مش متحمسة…
ومش رافضة…
ولا حتى فاكرة إن في حاجة ممكن تهزها تاني.
لحد ما…
دقّ الباب.
باباها قام بنفسه وفتح…
ودخل العريس.
مجرد ما نسرين رفعت عينها وبصّت عليه…
الدنيا اتجمدت.
الأنفاس وقفت.
القلب… وقع.
الوش اللي واقف قدّامها…
مش غريب.
مش عادي.
مش اللي كانت متوقعة.
هو…
هو نفسه اللي كانت آخر واحدة تتخيل إنها تشوفه واقف في بيتها… كعريس.
واتسعت عينيها فجأة، من غير ما تحس…
وجواها صرخة اتخنقت:
…إزاي؟
- لقراءة باقي فصول الرواية أضغط على (رواية خذلان الماضي)
لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها
أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)