رواية خذلان الماضي الفصل الثالث 3 بقلم الاء محمد حجازي - The Last Line
روايات

رواية خذلان الماضي الفصل الثالث 3 بقلم الاء محمد حجازي

رواية خذلان الماضي الفصل الثالث 3 بقلم الاء محمد حجازي

 

 

البارت الثالث

 

 

صباح الخير… أنا نسرين، زميلتكم الجديدة.
الشخص ما ردش…
ولا اتحرك.
ثانية…
اتنين…
تلاتة…
دقّات قلبها بدأت تبقى غريبة…
مش خوف…
ولا ارتباك…
لكن إحساس سيء… إحساس بيجرّها جَرّ…
زي ما تكون رجليها ماشية لوحدها ناحية الهاوية.
وفجأة…
الشخص لَفّ.
لفّ ببطء…
كتفه الأول…
بعده رقبته…
وبعدين وِشّه ظهر.

 

 

ولما وشّه بان…
الدنيا قفلت عليها زي باب حديد.
الصوت اختفى.
الهواء تقل.
الحجرة صغرت عليها…
والوقت اتجمد.
وهو…
كان واقف…
بنفس العين اللي كانت بتضحك لها زمان،
واللي كانت السبب في إن سنين من عمرها تضيع على الفاضي.
نسرين حسّت رجليها بتتجمد…
إيدها بتترعش…
دمها بيغلي…
وقالت في سرّها، بصوت مكسور وملهوف:
هو انت؟
بس الصدمة…
اتحوّلت في ثانية لوجع.
والوجع اتحوّل لنفور.
والنفور… لغضب صريح.
رجعت ذكريات في ثانية:
ضحكته يوم خطوبته لواحدة غيرها…
عيونه اللي كانت بتوعدها…… وباعها.
صوته وهو بيقول انتي أحسن حاجة حصلت في حياتي
وبعدها بـ أسبوع…
خطب.
كل ده اتجمع في لحظة واحدة…
وهي بتبصّ له دلوقتي كأنها شايفة أوسخ اختيار اختارته في حياتها.
عينها ضاقت…
ونبرة نفسها اتغيّرت…
وكأنها بتشتمه من غير ما تفتح بقها.
قالت في سرها قدّ إيه كُنت غبية…
قدّ إيه كُنت مستهبلة…
الفكرة ضربت في دماغها:
إزاي واحد بالقذارة دي…
كان يوم من الأيام قلبها بيرقص عشانه؟
نسرين حسّت نفسها بترتعش غضب…
الغدر اللي عمله فيها فجأة بقى واضح أكتر من ملامحه.
هو كان واقف،
مستغرب،
مصدوم،
وشكله متلخبط…
بس هي…
كانت شايفاه على حقيقته:
راجل رخيص،
عامل نفسه مظلوم،
وكان أحسن قرار في حياتها إنها ترميه ورا ضهرها.
نسرين بلعت ريقها بصعوبة…
وعينيها بتقول له من غير صوت:
إزاي كنت قادر تبقى حقير كده؟
كل ده ولسه الصدمة معلّقة في الهوا…
لسه نسرين مش مستوعبة إن القدر جابه قدّامها في أول يوم شغل…
لكنها مسكت نفسها…
شدّت ضهرها…
وبصت له ببرود قاتل وقالت:
أحمد…؟ انت إيه اللي جابك هنا؟
هو أخد خطوة لقدّام…
صوته كان ناعم ومتلون… نفس الصوت اللي خدعها زمان:
نسرين… أنا…
أنا لما عرفت إنك سبتي الشغل، اتأكدت إنك سبتيه عشاني…
ومقدرتش أبقى في مكان انتي مش موجودة فيه.
قدّمت طلب نقل…
وجيت هنا.
نسيتي قدّ إيه أنا بحبك…؟
نسيتي قدّ إيه وجودك بيفرق معايا…؟
وقف لحظة…
كأنه مستني حضن، أو دمعة، أو لحظة ضعف تعرفه إن لسه ليه قيمة.
لكن اللي جه…
كان العكس تماماً.
نسرين ضحكت…
ضحكة قصيرة…
ضحكة موجوعة…
ضحكة فيها قرف.
وبصت له بنظرة قطعت كبرياءه:
تحبني؟
انت؟
انت يا أحمد؟
وقربت خطوة…
مش خوف…
لكن قوة.
أحب أقول لك حاجة…
أنا زمان كنت ممكن أصدقك.
كنت ممكن أصدق كل كلمة طالعة من لسانك…
لحد ما اكتشفت إن لسانك ده عمره ما قال كلمه صدق.
وكملت:
انت يا أحمد آخر شخص في الدنيا من حقه يقول كلمة حب.
الحب مش لعبة في إيدك.
ولا جملة تحفظها وتقولها لأي واحدة تتيّسر قدامك.
رمشت وهي شايلة غلّ السنين:
لو بتحبني زي ما بتقول…
ليه يوم ما كنت محتاجك كنت أول واحد يبيعني؟
ليه كنت أول واحد يجري يتخطب؟
ليه كنت أول واحد يكسر؟
قربت أكتر…
وخفضت صوتها بطريقة وجعته أكتر من أي زعيق:
انت ما حبتش غير نفسك.
ولا خفت على حد غير نفسك.
ولا فكّرت في حد غير نفسك.
سكتت لحظة…
وبعدين قالت جملة زي السهم:
راجل بيحب بجد… ما بيهربش.
راجل بيحب بجد… ما بيكسرش.
راجل بيحب بجد… ما يبقاش حقير.
الدموع لمعت في عينيها… بس ما وقعتش.
كانت أقوى من زمان… أقوى منه… أقوى من وجعها.
وآخر نصيحة يا أحمد…
ما تجيش جنبي.
ولا تيجي على طريقي.
ولا تحاول تفهمني.
ولا حتى تفكر فيا.”
لفّت…
وبصوت ثابت قالت له:
لإني فوقت…
وفوقت على إنك أسوأ قرار أخدته في حياتي.
النظرات بين نسرين وأحمد كانت مولّعة…
الكلام اللي بينها خلّى الجو تقيل…
وتوتر يكفي يِكسر الهوا نصين.
وفجأة…
باب المكتب اتفتح.
دخل شاب…
طويل، شكله هادي، بس حضوره واضح.
وقف ثواني، وعيونه اتحركت بينهم بسرعة:
بين نسرين…

 

 

وبين أحمد…
وبين النظرات اللي زي الشرار.
رفع حاجبه باستغراب بسيط:
هو… في حاجة؟
النبرة مش اتهام…
مجرد استغراب حد دخل على مشهد مش مفهوم.
نسرين اتلخبطت، اتلفت ناحيته بسرعة…
وعينيها اتسعت:
أويس؟
أويس ثبت مكانه لحظة…
واضح إنه اتفاجئ هو كمان…
بس خبّى ده تحت طبقة هدوء محترفة:
وبص لأحمد ثواني…
ورجّع عينه لنسرين…
وكأنه بيحاول يقرأ اللي حصل قبل ما يدخل.
وبنبرة رسمية خفيفة، كأنه رجع لدوره الطبيعي:
أنا أويس… مدير المكتب.
وإن شاء الله هكون مسؤول عن تدريبكم وتوزيع شغلكم.
خطا خطوات بسيطة…
وراح قعد على مكتبه من غير تعليق زيادة.
فتح اللابتوب…
وبدأ يراجع ملفات، لكن واضح من حركة عينه إنه لسه واخد باله من الجو المكهرب.
نسرين شدّت نفسها…
راحت قعدت على مكتبها…
بتحاول تبلع توتر اللحظة.
أحمد؟
فضل واقف ثواني،
عامل نفسه طبيعي…
لكن وشه مفضوح.
وبعد كم لحظة تقيلة…
راح هو كمان قعد على مكتبه اللي وراهم،
بس كان واضح عليه إنه مش قادر يشيل عينه من نسرين…
ولا يشيل الغيرة اللي فجأة ولّعت فيه لما شاف أويس معاها في نفس المكان.
والمكتب…
اِتملى صمت مش طبيعي.
صمت كله أسئلة… حيرة… وشوية نار.
بعد شواية شغل أويس رفع رأسه من اللابتوب…
وبص عليهم واحد واحد…
الجو لسه ثقيل من التوتر اللي بين نسرين وأحمد…
بابتسامة بسيطة، هادية، محترفة:
طيب… خلينا نتعرف أولاً…وزي معرفتكم أنا أويس، مدير المكتب هنا… وحابب أعرف اسم كل واحد منكم.
نسرين خدت نفس عميق…
وبعيونها اللي لسه شايلة الصدمة قالت:
أنا… نسرين…
أويس دون الاسم على ورق قدامه…
وبص لأحمد بنفس الابتسامة المهنية:
وانت؟
أحمد رفع رأسه… حاول يبتسم بشكل طبيعي…
بس العينين مفضوحين:
أنا… أحمد.
أويس رجع قعد على مكتبه،
لكن عينه لسه بترقبهم شويه…
المكتب هادي… لكن الجو كله نار من غير كلام، كل واحد فيهم فاهم اللي حصل قبل كده…
——————————–
الأيام بدأت تتحرك…
وببطء.
بطء يغيظ…
بطء يخلي كل لحظة في المكتب بالنسبة لأحمد عقاب مستمر.
نسرين؟
كانت في حالها تمامًا.
بتدخل الصبح بوش طبيعي، ثابت، هادي…
تسلّم على الكل بنبرة محترمة، موزونة، مش أكتر من المطلوب… ولا أقل.
كانت بتتعامل مع الشغل كأنه ملجأ
وربما فعلاً كان ملجأ.
كل كلمة بتقولها محسوبة.
كل خطوة ليها وزن.
وكل حاجة فيها بتقول:
أنا جاية عشان شغلي… مش عشان حد.
أحمد؟
كان العكس تمامًا.
من أول يوم… لآخر يوم…
بيحاول.
بيحاول يقرب منها بكل طريقة سخيفة ممكنة.
مرة يقف جنب مكتبها من غير داعي.
مرة يطلب منها تساعده في حاجة هو أصلاً فاهمها.
مرة يرمي كلمة كده وكلمة كده…
ومرات كتير يجرّب يتكلم معاها برا الشغل.
بس هي؟
كانت بتقفله…
تقفيل يوجع…
تقفيل يخليه يفوق…
تقفيل خلّى كرامته اللي واضح إنها نامت سنين تصحى بالعافية.
كانت بترد بجمل قصيرة… باردة… قاطعة:
أنا مش فاضية لحديث جانبي، يا أستاذ أحمد.
رجاءً خلّينا ملتزمين بالشغل وبس.
كل كلمة بتقولها… كان بيبقى فيها شوكة.
شوكة مقصودة.
شوكة تخلّيه يعرف قيمته… وقيمتها.
أما لما كانت تتكلم مع أويس؟
كانت شخصية تانية خالص.
احترام…
هدوء…
نبرة ثابتة…
ردود واضحة…
ولا كلمة زيادة.
كانت بتحافظ على الحدود كأنها مرسومة بحديد.
مفيش مزاح.
مفيش ضحك زيادة.
مفيش أي تلميح لعلاقة.
مجرد مدير… وموظفة.
بس.
وده…
كان بيجنّن أحمد.
كان بيشوف التعامل الراقي اللي بينها وبين أويس…
والبرود اللي بتعامله هو بيه…
فيولّع.
يفوّر.
يحس إنه هيولع المكتب كله لمجرد إنها بتبص لمديرها بعيون محترمة…
وهو مش بياخد منها حتى كلمة حلوة واحدة.
كان يقعد يراقبها من بعيد من غير ما حد يلاحظ
وكل ما يشوفها بتشرح حاجة لأويس، أو تسمع منه تعليمات،
يمسك القلم في إيده لدرجة القلم يتني.
كان شايف…
وشايف قوي…
إنها مش بس بعيدة عنه…
دي بتبعد أكتر… وأكتر… وأكتر.
وهو؟
كان بيغرق أكتر.
مش عشان بيحبها…
لكن عشان فقد السيطرة.
عشان اتعود إنها ملكه من غير ما تكون.
عشان مش قادر يستوعب إنها دلوقتي بتتعامل معاه كأنه زميل عابر…
لا… أقل…
كأنه هوا.
ومهما حاول يعمل مشكلة…
مهما حاول يقترب…
مهما حاول يفتعل حاجة بس علشان تلفّ تبص له…
هي كانت ثابتة.
هادية.
ولا كأنه موجود.
وبين الاستفزاز…
والغيرة…
والوجع…
كان فيه حقيقة واحدة بتقرّص قلبه كل يوم:
نسرين…
كبرت.
اتغيرت.
واتعلمت منه.
واتعلمت ضده.
وهو… بقى صفحة مقطوعة من حياتها.
—————————–
لحد ما في يوم…
أحمد كان واقف في المكتب لوحده، ماسك الموبايل بإيده وصوته عالي كعادته لما يفتكر إنه مسيطر.
كان بيتمشى رايح جاي…
صوته واصل للناس اللي برا بس محدش فاهم الكلام.
لكن هو؟
كان فاكر إن الباب مقفول…
وإنه في أمان.
قال بنبرة مليانة غل وغرور:
يا عم أنا مش بحاول معاها علشان بحبها… لا طبعًا.
أنا بحاول معاها علشان شايفها حاجة ملكي… حاجة كانت ليّ من زمان.
سكت ثواني…
تنفّس… وكمّل:
يمكن… كان في إعجاب بشخصيتها…
كان في إعجاب بيها هي نفسها… آه.
رجع يمشي… يفرك جبينه…
وصوته يرتفع أكتر:
بس اتجوزها؟!
لا لا لا… اتجوز إيه؟ أتجوز نسرين؟
إنت بتتكلم بجد؟
ضحك ضحكة فيها قرف:

 

دي واحدة كسرت ثقة أهلها… وكانت بتكلّمني من وراهم سنتين…
وتخرج… وتعمل…
وعايزني أتجوزها؟!
سكت لحظة…
كأنه بيلمّ كلامه…
وبعدين قال الجملة اللي كسرت الدنيا:
يا عم… أنا بعمل معاها كل ده علشان أتجوز خطيبتي…
وهي تبقى حاجة كده… فاهم؟
حاجة كده الواحد يسيبها معاه… وخلاص.
وفجــــــــــــــأة
البــــــــــــــاب يتفــــــــــــتح.

 

 

لقراءة باقي فصول الرواية أضغط على (رواية خذلان الماضي)

____

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)