رواية اجنبي مغرم الفصل الثاني والثلاثون 32 بقلم الهام رأفت - The Last Line
روايات

رواية اجنبي مغرم الفصل الثاني والثلاثون 32 بقلم الهام رأفت

رواية اجنبي مغرم الفصل الثاني والثلاثون 32 بقلم الهام رأفت

 

البارت الثاني والثلاثون

 

دق قلبها وهي تحدق بانعكاس صورتها عبر المرآةِ في زهوٍ، فقد زادتها تلك المجوهرات جمالًا، لامست بأناملها العقد الألماسي الذي ضاهى بشرتها بلمعة مُغرية وابتسمت، فقد جعلته يجلب لها ما تتمنى، وتفرض عليه من شروطها ما تبغى، ثم شرعت في تمشيط شعرها في إعجابٍ أبلج، خاصةً وهي تنعم بأشياءٍ كثيرة ساحرة. وضعت شهد الفرشاة أمامها لتتبدل تعابيرها للجدية، وراودتها أسئلة منطقيّة، ومنها ما حقيقة زوجها؟، ولما جاء إلى هنا؟، ففكرة تخفّيه عن الجميع أمضّت فكرها. والمريح لقلبها هو إتمام زواجها، لتحفظ من خلاله كرامتها وعفافها، فبزواجها السابق والمزيّف اندثرت حقوقها.
اجتث وحدتها دقات الباب المتتالية، قطبت جبينها حين أتى صوته من الخارج طالبًا منها فتح الباب، تأففت وهي تنهض بتقاعسٍ، سحبت طرحتها بجانبها ثم غطّت رأسها دون تنميق.
فتحت الباب بالمفتاح ثم بذراعها استندت على حافته كحاجزٍ لمنعه من الدخول، نظرت له في عدم اكتراث غير مبالية بطلعته الحانقة، سألته في غلظة:
-نعــم، فيه حاجة؟!
استنكر نوح معاملتها الفظة فهو زوجها، وانزعج من سوء معاملتها، ثم في غيظ تحرّك ليدخل وبجسده كان يدفعها للداخل معه، فثارت من وقاحته وقالت:
-أيه قلة الذوق دي، أنا سمحتلك تدخل.
هتف متأزّقًا مما تفعله:
-أنا زوجك، أدخل متى أشاء، هل أحتاج لإذن أحد!
تجهّمت تعابيرها وهي تعيد تذكيره:
-مش قولنا واتفاقنا قبل ما نتجوز مش هتجبرني على حاجة
مرر نظراته عليها واستاء من هيئتها حين وضعت موانع في عدم إحلاله للنظر لما هو ملكه، فعلّق على كلامها معلّلًا:
-ظننتكُ تمزحين، أو ربما تخجلي مني.
ثم دنا أكثر وتابع ماكرًا:
-ما الأمر الآن، ألم يعجبك شكلي الذي كنتِ تسخرين منه!
حاذرت في التعامل معه ومن تطاوله الوقح، فرغم أنها قد باتت تتقبّله بهيئته القديمة، لم تحبذ البقاء برفقته، وخداعه كان الحافز لذلك، فهتفت متبرمة:
-شوف علشان نكون واضحين، وافقت اتجوزك علشان حاجة واحدة.
بدا منصتًا لها فأكملت مغترّة:
-أوعى تكون فاكر علشان تهديدك بالسجن، لأ، علشان كنت متجوزني وعايش معايا واتكشفت عليك
تقطّب نوح وهو يستمع لها، فقد ظن أنه أعجبها، أحبت لربما ما يمنحه لها، لكنها فاجأته حين أكملت في عدم اهتمام:
-يعني لو طلقتني دلوقتي مش هتأثّر، أنا خلاص ضمنت سمعتي وحقي، يعني بكده مكنتش عايشة مع واحد في الحرام.
حين شرع في الرد ظهرت نبرته مزعوجة:
-وهل تعتقدين أنني سوف أطلقك، لن أفعلها زوجتي
أخفت خوفها من تماديه في التقرّب منها كعادته فنظراته نحوها فاجرة، فأظهرت فقط قوتها حين هددته علنًا:
-متفكرش هخاف منك، لسه متعرفنيش، يعني لو فكرت تقرّب مني بأي شكل هصوّت وألِم عليك الناس، هخلي عيشتك معايا زفت
أظلم عينيه من سُخف حديثها ولم يعجبه هراءها، فقد أقنع نفسه ربما باقترابه منها بأي صورة سترضى وتكون حياتهما طبيعية، لكنها رفضته، هتف:
-ومن قال أنني سوف أفعلها رغمًا عنك، ربما تأتي إليّ وتطلبين ذلك
تبدّلت قسماتها للاعتراض من تكبّره وهتفت:
-أنا أعمل كده، مش ممكن يحصل
احتفظ بكرامته حين رد كابحًا ضيقه:
-وأنا لن ألمسك سوى بقبولك، وفكرة الطلاق لن تحدث
شعرت شهد بسأمه من كلامها ولم تبالِ، بل هتفت في حزمٍ:
-أنا هروح أشوف أهلي علشان ميقلقوش عليا
لم يكن غرض شهد الذهاب لأهلها فقط، بل غلبها فضولها لمعرفة شيء آخر سوف تسعى إليه، فرد نوح مكفهرًا:
-اذهبي، لكن بمفردك.
جملته الأخيرة نطقها وهو يلقي نظرة ساخطة على ما ترتديه من مجوهراتٍ نفيسة قد جلبها لها، فاشتدت نظراتها نحوه شراسة من احتقاره لشخصها، فأكمل نوح متعمّدًا إغضابها؛ انتقامًا منها:
-فذلك سوف يجعلك تعودين.
ثم تحرّك ليتركها تغلي من وصفه الساقط لها، وكانت فرحته مما قاله أثلجت صدره فمن هي حتى تتجرّأ وترفضه، ثم هبط الدرج وهو يغمغم متشفيًا:
-تستحقين ذلك، فتاة مغرورة.
حين وصل للأسفل توجّه ناحية أخته وابنته، ثم جلس معهما ويديه تجذب ابنته ليحملها على فخذه، فنظرت له ليلة في حذر، ليست صغيرة لتدرك سوء الوضع مع زوجته المصرية، فحالته واضحة، ثم في ترددٍ سألته:
-Did you marry her out of love for Noah?
-هل تزوجتها عن حُب نوح؟!

التفت لها نوح تاركًا مُداعبة ابنته، لم يخفِ عليها أمرًا ليرد ضامرًا إذاعة غيظه:
-You know what I like about her? She’s just beautiful, all beautiful. Her personality is stupid, damned. I don’t like it.
-هل تعلمين ما يعجبني بها، أنها جميلة فقط، كلها جميلة، أما شخصيتها فغبية، لعينة، لم أُحِبها
هتفت ليلة مستنكرة:
-The most important thing in marriage, my brother, is understanding, and that way nothing will happen.
-الأهم في الزواج أخي التفاهم، وبذلك لن يحدث
مدح نوح تفكيرها في نفسه وقال:
-As long as she is with me, I will make her what I want, don’t worry, my dear
-طالما هي معي سوف أجعلها كما أريد، لا تقلقي عزيزتي
ثم انتبه لأمرها واتخذ قرارات بشأنها، قال جادًا:
-I have agreed to Elias’s request, you will marry him
-لقد وافقت على طلب إلياس، سوف تتزوجي به
وجدت ليلة في جدالها معه ربما نزاع سيحدث، أو انفعاله كعادته وذلك ما أخافها منه، فأطاعته مجبّرة:
-As you wish, brother!
-كما تريد أخي!
غيّر الموضوع كي لا يجعلها تناقشه وهتف فرحًا:
-I forgot to tell you, everything is with me now………!!
-لقد نسيت أن أخبرك، كل شيء أصبح معي الآن………!!
******
أغذّ في السير داخل المشفى مضطربًا، فقد أخبروه في الاستقبال بغرفتها، وكلما يتقدم خطوة منها تتعالى دقاته مع أنفاسه، فهل حقًا هذه السيدة والدته؟، أم ربما تشابه بينهما. أرفد حُسين للغرفة ثم فتحها مستبشرًا، وقف على بابها يحدق بوالدته النائمة على التخت في راحة ملأت روحه، وانقشع الفرح على سَحْنته من رؤيته لها بعد تلك المدة. عرفت قدماه الطريق إليها، جثا حُسين على ركبتيه أمام رأسها يطالعها في اشتياقٍ وافرٍ وهي غافية، وابتسم من ملامحها الهادئة والسمحة، فهذا دليل أنها بخير، وبعد فترةِ تأمّل مدرارة، تحدّث إليها حذرًا:
-مامــا!
بعدما نادها مرة أخرى استفاقت السيدة زبيدة بوجهها المريح لتقع عينيها عليه، ابتسمت له وقالت:
-حبيبي حسين
من وهج شغفها أسرعت لتعتدل، فاستقام حسين ليفعل ذلك بدلًا عنها وهو يرفع جزعها، ثم شرع في تقبيل وجهها ككلٍ وهي تضحك لتحتضنه بعدها في شوقٍ، هتف حسين حزينًا:
-كنت قربت أموت يا ماما، مش متخيل كان بيحصل معاكِ أيه وإنتِ بعيدة عني.
أظهرت السيدة زبيدة أنها بخير، وقالت مضطرة:
-أنا بخير يا حسين، وقدامك أهو كويسة والحمد لله
نظر لها حسين ولولا كلام الأطباء عن استقرار وضعها لكان ارتاب في أمرها، فسألها متحيرًا:
-وصلتي هنا إزاي، حصل معاكِ أيه يا ماما؟!
لم تكن السيدة بحاجة لاختلاق سبب وتُجهد نفسها، فالسبب مُجهّز من قبْل، قالت:
-كان فيه ناس خطفوني، افتكروني حد يعرفوه، بس طلعوا غلطانين.
كان ردها بمثابة تغيير فكره عن شكّه السابق، فقد أخذ تخمينه مجرى آخر، ليتّهم أدريان بغيابها، أو يربط اختفاءها بالسيدة المقتولـة، ثم سألها قلقًا:
-عملولك حاجة يا ماما؟!
ردت نافية:
-أنا بخير، محدش عملي حاجة.
فور إنهاء ردها ولج رامي متلهفًا ليردد مبتهجًا أثناء إسراعه نحوها:
-مامــا!
ثم ارتمى في أحضانها بعدما أفسح له حسين المجال لينال من محبتها ويخمد توْقه، شعر رامي بالسكينة وهو بين يدي والدته ثم قبّل يدها قائلًا:
-وحشتيني يا ماما، كنت خايف عليكِ قوي
أحبت السيدة وجودهما من حولها، ولم تجد أفضل من بقائها بجوارهما واطمئنانها عليهما، هتفت في ود:
-أنا بخير يا ولاد خلاص، محصليش حاجة وحشة.
مال حسين عليها ليضم رأسها لصدره في لطفٍ ومحبة، فأدركت السيدة من أفعالهما مقدار حبهما لها، وما فعلته كان فقط من أجلهما، فمن هي لتتصدى لأُناسٍ أعلى منها، وتقحم نفسها في أمورٍ هي في غنى عنها. ثم خاطبتهما في هدوءٍ كمد:
-بيتي وحشني، يلا نمشي من هنــا…………..!!
1
******
-مش هسمحلك تمشي من هنا
أكد السيد فاروق لابنته بقاءها في شقتها حين أتى لرؤيتها، ولم تحتاج ديما لمن يخبرها، هي بالطبع لن تترك هنا من أجل أن تكون مع زوجها، بعكس السيد فاروق الذي ظهر غرضه من ذلك حين أكمل:
-هقدم فيه بلاغ بإهماله ليكِ، وبكده هيكون مضطر يدفع الـ ٢٠ مليون، يا يحترم نفسه ويقدرك عن قعادك في الزباله دي
ترجته ألا يفعل في اعتراض:
-لا يا بابا بلاش، دا هما يومين بس قعدتهم، وأكيد…
حين نهض بترت حديثها، فهتف غير راغبٍ في المكوث أكثر:
-عاجبك قاعدتك في البيت المقرف ده، دا عيل قليل الأدب ناقص رباية، وأنا اللي هربيه
استندت على عكازها لتنهض غير راضية عمّا سيفعله والدها، ثم خاطبها ممتعضًا:
-أنا هخليه يجي يبوس رجلك، علشان يعرف يعاملك كويس بدل ما يرميكِ كده.
أرادت ديما أن تثنيه عن قراره ولم تستطع، وحين توجّه السيد للمغادرة أمرها:
-خليكِ مرتاحة، أنا همشي أنا
تحرّك السيد نحو الخارج وتتبعته ديما بنظراتها حتى أغلق الباب خلفه، ثم جلست مرة أخرى وهي تبدأ في الاتصال بأختها، وحين ردت خاطبتها مكفهرة:
-شوفتي يا شيرين بابا هيعمل أيه؟!
كانت شيرين على علم بخطوة والدها لذا لم تستفسر، هتفت:
-اللي هيعمله بابا هو الصح، سيف دا واحد حقير، واللي عمله معاكِ ميتسكتش عليه
احتجت ديما على كلامهم مزعوجة:
-متعرفوش سيف قدي، مستحيل بعد اللي هتعملوه هينفذ حاجة، وكمان مش هيسكت.
تغاضت شيرين عن ذلك وظلت كما هي تردد مؤكدة:
-ولا هيقدر يعمل حاجة، الوضع في صالحك إنتِ، وغصب عنه لو مقدركيش هيدفع يا يتحبس
لم تقتنع ديما وتخوّفت من ردة فعله، التي لن يقاسي ويلاتها أحد سواها، فردت بعدم راحة:
-أما أشوف أخرة دا أيــه……….!!
******
ترجّلت من السيارة الخاصة بزوجها، ثم أخذت تتأمل المشفى من الخارج، فتلك هي المرةِ الأولى التي حضرت فيها بعد الحادثة المشؤومة التي تعرّضت لها. خطت شهد للداخل وبعقلها بعض الاستفهامات، فقد جاءت لترى صدق ما وعدها به هذا زوجها.
وهي تسير بالممر خاطبتها بعض الممرضاتِ في ألفة، منهن من يرحب بها، ومنهن من يدعو لها بإتمام الشفاء العاجل، تلاطفت شهد معهم بحديثها الودي، وظلت هكذا معهن حتى حضرت آية، انتبهت لها شهد وحملت نظراتها نحوها الضيق والعدائية، وحين وقفت آية أمامها قالت:
-حمد الله على السلامة يا شهد
لم ترد شهد سوى بنظراتها المحتقرة لها، فتفهّمت آية مشاعرها وما مرت به قائلة:
-أنا ندمت لما مشيت ورا واحد واطي وخاين زي كريم، الحمد لله إني خلصت منه واتقبض عليه.
تأكدت شهد بما جاءت من أجله، فهذا يعني لن تلقى تهديد مجددًا من زوجها، لكن رغم ندم آية البادي عليها لن تشفع لها، فتلك الكراهية لم تكن من الفراغ، فبفضل زوجها خلق خصومة وافتراق بينهما حتى ينتقم ممن أذوها. وبفضله فقط أخذت حقها، لكن بقى القليل فردت عليها في سأم:
-لسه إنتِ، يا آية إنتِ صاحبة حقيرة، ندلة، غدرتي بيا
أدركت آية سبب ضيقها منها، فردت ساخرة:
-واللهِ يا دكتورة شهد أنا لو عملت حاجة وحشة فإنتِ كمان شوفي نفسك، كلنا في الهوى سوا.
رغم صدق ما قالته، بأنها غير أمينة في ممارسة مهنتها، ظلت تصفها بالخسة والوضاعة، هتفت:
-بس محاولتش أقتل يا آية، ومين، صاحبة عمري.
ابتلعت آية ريقها متوجسة من خطوة حمقاء تفتعلها معها مستعينة بزوجها الأجنبي، سألتها مترقبة:
-هتبلغي عني؟!، أنا روحت وشهدت ضد كريم، وقبضوا عليه خلاص.
ابتسمت شهد في سخرية من خوفها الظاهر، قالت:
-متقلقيش، أنا كده خدت حقي.
لم تعي آية مقصدها فنبرتها غامضة، وما رمت إليه شهد هو التفرقة بينها وبين حبيبها، خطيبها، فذاك أكبر عقاب لها، لتضحى وحيدة والأخير في سجنه يعاني من نهايته البشعة، ثم تصنعت شهد بسمة سخيفة وخاطبتها:
-يلا أشوفك بعدين.
ثم استدارت شهد لتعود للسيارة بعدما تأكدت لما جاءت من أجله، وحين شرعت السيارة بالتحرك عرفت وجهتها الأخرى، وهو الذهاب لبيت أسرتها، وتنفيذ ما قاله لها زوجها بالحـرفِ.
حين فتحت لها والدتها الباب صاحت السيدة هنية باسمها ثم جذبتها لأحضانها متهللة، ضمتها شهد هي الأخرى في شوقٍ وهي تردد:
-وحشتوني قوي
لامتها السيدة وهي تسحبها معها للداخل:
-كنتِ فين يا شهد، معقولة تمشي كده من غير ما تقولي.
ثم أكملت في توجس:
-ليكون جوزك عملك حاجة وخطفك زي عمتك.
اندهشت شهد من كلامها وعلقت:
-مالها عمتي، حصلها أيه؟!
ثم جلست مع والدتها والأخيرة توضح:
-عمتك كانت مخطوفة، وحسين كان شاكك في جوزك.
ثم سردت السيدة ما قاله حسين من معلومات حول زوجها وارتباطه لربما بالسيدة المقتولـة، فتملّكت الرهبة من شهد، لكن تكملة والدتها الحديث أراحتها قليلًا:
-بس عمتك لما رجعت مجبتش سيرته، وكان سوء تفاهم من اللي خطفوها.
سألتها شهد مهتمة:
-عمتي كويسة، فيها حاجة؟!
ربتت السيدة على فخذها وهي تؤكد سلامة الأخيرة:
-حلوة يا حبيبتي، طمنيني عنك إنتِ
ثم مررت بصرها على هيئتها الجميلة وملابسها القيّمة وسألتها:
-روحتي فين مع جوزك فجأة كده؟!
انتبهت شهد لسبب حضورها وقالت في زيف:
-روحنا نتفسّح شوية، وكمان نـو..، أدريان كويس معايا، وحسين أكيد غلطان.
نطقت شهد ذلك رغم شكها بالآخر، هو بالفعل مخادع، ماكر، وربما يصل الأمر أكثر من ارتباطه بتلك المرأة التي قُتلت، لكن لم تخشاه، فهي لن تسمح له بأن يستغلها، وستظل متيقّظة دائمًا للوقوف أمامه وللتصدي لقباحة أفعاله، ثم ابتسمت لوالدتها التي تطالعها في شغفٍ وإعجاب وهي تسألها:
-يعني إنتوا رجعتوا خلاص؟!.
وضحت شهد في توتر داخلي:
-لأ، جيت أطمن عليكم علشان مشيت من غير ما أقولكم.
ثم تساءلت مهتمة:
-فين بابا ورشا، وحشوني.
-عند عمتك، بيطمنوا عليها
هزت شهد رأسها متفهمة ثم ناولتها ما جلبته معها من أشياءٍ هامة محكمة الغلق، قالت:
-خدي يا ماما خلي الحاجة دي معاكِ على ما أرجع
تناولت السيدة تلك الحقيبة المنمّقة منها وأخذت تتأملها محاولة استشفاف ما بها، ثم سألتها في جهلٍ:
-فيها أيه الشنطة دي يا شهــد………….!!
******
أوقف بيتر السيارة مبتعدًا مسافة كافية عن فيلا الآخر بعدما علم بمكانها، طالعها حمزة الجالس بجانبه بنظرات متفحّصة، تحدّث محدقًا بها:
-شايف قاعد فين، طول عمره مش بيبخل على نفسه بحاجة!
ثم استأنف حاقدًا:
-ولسه بيبقى عاوز أكتر، أنا مش مطمن.
قال جملته الأخيرة ناظرًا لـ بيتر، الذي تابع حديثه الحانق له:
-رجوع الست دي مرة واحدة مش مطمني، معقول نوح هيسيبها كده من غير ما يكون أخد منها اللي كلنا بندور عليه.
لم يختلف قلق بيتر عنه وهو يقول:
-بالتأكيد سيد حمزة ربما ذلك، لكن لم أتفهم شيئًا
تابع متحيرًا وسط انتباه حمزة له:
-هل السيدة عواطف أعطت هذه السيدة جميع الأوراق، هل كانت تثق بها لهذه الدرجة، ما أعرفه أنها متهمة بقتلها
بدا حمزة أكثر تذبذبًا منه، وإلى الآن لم يتفهم مقصد عمته المغدورة بما فعلته، قال:
-المهم دلوقتي تراقب نوح كويس، عاوز أعرف هيروح فين، لأنه لو رجع أمريكا إعرف إنه خلاص
رغم صعوبة ذلك بفضل الحراسة المشددة أطاعه بيتر:
-سأفعل سيد حمزة، كن واثقًا!
عاد حمزة يتأمل الفيلا وبداخله ضغينة جمّة نحو ذاك نوح، أما أخته فحمل ناحيتها عدم الرضى، فآخر ما علم به هو موافقتها على الزواج من إلياس، ثم أخذ يفكر في طريقة لإفساد الزواج، وربما يفلح مستقبلًا في ذلك. انتبه لـ بيتر يسأله مترقبًا:
-ألن تذهب إلى حسين؟!
تنهد حمزة فهو لم يتناسى شيئًا، قال مؤكدًا:
-دلوقتي هروحله، وهشوف هيعمل أيه لما أكشف أدريان المزيّف قدامه
-وهل سيصدقك؟!
ذلك ما لم يُسلّم به حمزة فقال في ظلمة:
-في مثل مصري بيقول، العيار اللي ميصبش يدوش.
لم يتفهّم بيتر المقصد فابتسم حمزة موضحًا:
-يعني كفاية يشك…….!!
1
******
بداخل السيارة، أخذت نفسًا طويلًا متهيئة لمقابلته، لم تُرِد ورد ذلك، لكن كرامتها من دفعتها لتلك الخطوة، وجاءت إليه بنفسها، ربما يبدي ندمًا، فما علمت به رفضه الطلاق رغم رجوع والدته. نظرت لـ سيف الذي أتى بها والذي سألها:
-أنزل معاكِ، خايف يعملك حاجة.
لم يكن حسين بذلك الجبروت ليعنفها، ولأنه لا يعرفه جيدًا قالت معترضة:
-لأ خليك، مش هيعملي حاجة.
نزلت ورد موتّرة وكانت على عكسِ الجميع، جاءت لمعرفة سبب رفضه للانفصال لا لإجباره عليه كما يعلموا، متمنية تعلّقه بها ليس إلا، ثم صعدت درجات السلم شبه فرحة حتى وصلت للباب، قَرعت الجرس وانتظرت في رهبـة.
جهُم وجهها حين فتحت لها هذه الفتاة اللعينة الباب، ثم طالعتها بنظرات دونية كارهة، أما مُنى فابتسمت في غرورٍ وسُخف لتزيد من إغاظتها، ثم خاطبتها في تأفف:
-جاية عاوزة حاجة!
لم تتحمل ورد وقاحتها ثم في غلٍ دفعتها جانبًا لتلج غير مبالية بها، وعندما تعمّقت للداخل وجدت الجميع بالصالون إلا من رامي، فنظر لها حسين متضايقًا، وعلّقت على حالته تجاهها قائلة:
-متضايق أنك شوفتني، وصلك عملت حاجة.
ثم نظرت لعمتها بطلعة حزينة وسألتها في الوقت الذي تقدم حسين فيه منها:
-أنا يا عمتي عملتلك حاجة، زعلتلك مني ولا السبب في غيابك.
استاءت السيدة من وضعها وحزنت من سوء حالتها، وكونها لا تعلم بإتمام علاقتهما خاطبتها بشيء من النُصح:
-ورد طالما إنتوا على البر يبقى كل واحد يروح لحاله، وزي ما فهمتك، إنتوا مش لايقين على بعض
ابتسمت ورد في غضب، فطفل مَن تحمل الآن؟، ثم نظرت لـ حسين في سأم من صمته وعدم توضيح ما صار بينهما، سألته:
-ساكت ليه، ولا اللي حصل بينا تقصد بيه أيه، إني رخيصة مثلًا.
وقفت منى على مقربة تتابع منتبهة، وارتابت في حدوث علاقة بينهما، وتمنّت ألا يصدق حدسها. بينما لم يعلن حسين ما صار بل هتف مزعوجًا:
-واللي عملتيه معايا، دا تقصدي بيه أيه، لما تحاولي تأذيني.
رفضت ورد حدوث مناقشة أو أي عتاب، فالآن فقط تحتاج لحضنه واكتنافه إياها فمنذ حضرت لم يجذب نظراتها أحد سواه، فوقفت خائرة مهزومة، سألته على أمل:
-رفضت تطلقني ليه؟!
الأمر الذي أثّر في حسين هو ما تعرّض له على يد اللعين سيف، ولهذا رد مكفهرًا:
-أنا مش رافض، أنا ليا شروط، وهقولها لأمك
أذاب آمالها بقسوة رده، فتعالى صوتها وهي تزجره:
-تقصد أيه يا حسين باللي بتعمله معايا، لما مش عاوزني ليه قرّبت مني؟!
ذاك القُرب لم تبغضه، حتى وإن كان من باب التسلية، لكنها رغبت في معرفة مشاعره نحوها، فقبل مرة أخبرها بأنها الأجمل، فهل كان حقًا يخدعها؟، ثم نظرت له لبعض الوقت وأبانت هيئتها اللوم، أما هو فقد تضايق من وضعهما، ولم يندم على قربهما، ولم يجد إجابة لسؤالها، لكن ما خشاه تهوّرها وسوء أفعالها التي لم تعجبه، وجاء رده مخالف لما توقّعت:
-لو عاوزة تطلقي يبقى تدفعي.
احتجت ورد على أخلاقه الجديدة وتنابذ أفكاره، فمنذ متى والمال يهمه؟، ثم وجّهت ورد نظراتها نحو منى التي حنقت من وجود علاقة تجمعهما، لكن بهجتها كانت في عدم لهفته عليها، وهذا يعني أنه ما زال يكن لها هي الحُب، وفرصة رجوعهما ممكنة، وربما يريد حسين المال لأجلها. فعادت ورد تنظر إليه، خاطبته في هدوءٍ عجيب:
-وإنت بتفكر ترجعلها إبقى دوّر على كرامتك
ثم تحرّكت ورد للخارج وتشنج وجه مُنى من كلامها، وتوجّست من تأثيره على حسين ومن ثمّ يرفض رجوعهما، اغتبطت قليلًا حين لم يعلق على الأمر وتوجّه ليجلس بجانب والدته التي ربتت على كتفه، ومن الحديث الدارج سألته في ريبة:
-حسين هو فيه حاجة حصلت بينك وبين ورد…….!!
…………………………………………………….
أخذت فترة هبوطها الدرج في بكاءٍ متواصل، حد أن عقلها فكّر في الأذيّة، وجاء ما خططت له سابقًا على بالها، فقد قتلتها الغِيرة، ولحبها له لم تبغى له الضرر مجددًا، ثم تحيّرت ماذا تفعل؟.
دلفت للخارج فتموّر قلب سيف وهو يتأمل وجهها الباكي ثم ترجل فورًا لمقابلتها، خاطبها منفعلًا:
-عملك حاجة؟!
هزت رأسها بالنفي وقالت:
-أنا بس ندمانة على اللي حصل بيني وبينه.
ارتاح سيف من كلامها نحو الأخير، بينما قالت ورد ذلك ثأرًا لكرامتها، ثم سألها وهو يجعلها تجلس على مقعد الراكب:
-قال هيطلقك أمتى؟!.
أحست ورد بالإهانة من شرط حسين، ثم نظرت لـ سيف الذي بدأ يجلس بجانبها، قالت:
-طالب مقابل، عاوز فلوس
بدا الأمر مُغايرًا لـ سيف، لم يعترض قائلًا:
-مش مشكلة ياخد، المهم نخلص منه
سألته مستنكرة:
-إفرض طلب كتير
أظهر سيف عدم مبالاته كي يكسب ودها ومحبتها قائلًا:
-علشانك ما يهمنيش الفلوس أبــدًا……………!!
******
وقفت بشرفة غرفتها تتابعه وهو يسبح في حوض السباحة بمهارة مع ابنته، التي رغم صِغر سنها كانت بارعة، فشلت شهد في معرفة حقيقته، لكن ما يقلقها أنه أجـنبيًا، بل أمـريكيًا، وكان عقلها يأخذها لمجرى آخر حياله. انتبهت له يلوّح لها كي تنزل وتشاركه ما يفعل، فنظرت له في اشمئزاز دليل رفضها ثم ولجت للداخل، تأفف نوح من طبعها، ومن قُبح معاملتها له، ثم تحرك مع ابنته للحافة ورفعها عليها، خاطبها في حنوٍ:
-That’s enough, don’t you want to rest?!
-فليكفي إلى هذا الحد، ألم تريدي الراحة؟!.
أومأت له بقبولها ليخرج هو الآخر حاملًا إياها، ثم سحب المنشفة كي يجففها وهو يلج للداخل، وحين خطا بقدمه استمع لأغنية باللهجة المصرية وصوتها يصدح في الأرجاء، دقق في كلماتها فكانت إعرابًا عن حُب مصر، حيث كانت للفنانةِ شادية “يا حبيبتي يا مصر”، رفع نوح رأسه للأعلى فوجدها تستند على الدرابزين كأنها تشعر بالفخر، فانزعج نوح من الوطنية التي طفحت عليها فجأة، ومن ظنها السخيف به، ثم أمر أحدهم بإغلاقها، الأمر الذي جعل الشك يدق ناقوسه بداخلها، ثم غمغمت محتقنة:
-يا جـاسوس يا عـميل!
ثم توجّهت لغرفتها فهتف ثائرًا من غلاظتها:
-أيتها الفتاة اللعينة! !You damn girl!
تحرّك نوح تجاه أخته التي جلست تستمع في ذهولٍ وجهل، لم تعلق على الأغنية كونها لم تتفهم حرفًا منها، بل سألته مدهوشة:
-Do they listen to songs so loudly here in Egypt?!
-هل هنا في مصر يستمعون للأغاني بصوتٍ عالٍ هكذا؟!.
تعامى نوح عن أفعال زوجته الغبية وقال:
-Tomorrow I will return to America
-غدًا سأعود لأمـريكا
تحفّزت وهي تسأله:
-And we are with you?!
-ونحن معك؟!
حرك رأسه بالنفي قائلًا:
-You’ll stay with Ellen. I’ve done some work here, and you’ll be filling in for me.
-سوف تظلين مع إلين، لقد قمت ببعض الأعمال هنا، وأنتِ ستكونين بدلًا عني
لم تكن نيّة نوح بقاءها من أجل ذلك فقط، فقد أراد اختبار مدى طاعتها وولائها له في حضور حمزة وربما مقابلته لها، وإن صح تخمينه بشأنها لن تجد ما يسُرها، بينما اعترضت ليلة بعلامات قلق واضحة:
-I want to be by your side, don’t go alone brother
-أريد أن أكون بجانبك، لا تذهب وحدك أخي
استنكر جملتها الأخيرة في جد:
-I won’t go alone, my wife will be with me.
-لن أذهب وحدي، ستكون معي زوجتي.
صُدمت ليلة من غرضه وقالت:
-Will you trust this girl?! She doesn’t know anything Noah
-هل ستثق بهذه الفتاة؟!، هي لا تعرف شيئًا نوح
رفض نوح الإجابة وفقط أصرّ على كلامه:
-Here, you and Ellen will be fine, and she’s the one coming with me.
-هنا أنتِ وإلين ستكونان بخير، وهي من ستأتي معي
شعرت ليلة بميل أخيها لهذه الفتاة، التي منذ رأتها لا تبادله أي مشاعر سوى استرابتها في أمره، لم تجادل ليلة كالعادة وسألته مترقبة:
-Does she agree to that?!……..
-وهل هي توافق على ذلك؟!………..
******
كان الخدم من حوله يقدمون له المطلوب من رعاية، وذلك بفضل ابنه أمجد وما يمنحه له من اهتمام، حيث أراد والده بصحة جيدة، فقد تكاتف عليه الجميع، وربما سيكون فريسة سهلة بينهم في غيابه.
تأمّل السيد منير ابنه في ريبة، فيبدو أنه يخفي شيئًا عنه، سألها في جد:
-مالك كده، فيه حاجة حصلت معرفهاش؟!.
ما يلقاه أمجد من خطيئة هو من واقع أفعال والده الخبيثة، خاصةً مع أقربائهم، فرد على والده حذرًا:
-سيف اتجوز ديما، واللي سمعته إن عمي مضّاه على ٢٠ مليون دولار
هتف منير مكفهرًا:
-يعني كده الموضوع اتحل واللي عملناه مجبش نتيجة.
أبهج أمجد والده حين وضح:
-سيف مبيحبهاش، ولما اتجوزها رماها في شقة قديمة في حتة في المنيل
رغم أن أمجد وُضِع في تلك المعمعة بفضل والده، كافح على الجهاد بعزم قوته، ومن الواضح بمفرده، فقال حانقًا:
-متقلقش يا بابا، المشاكل أصلًا بدأت بينهم
رن هاتف أمجد وحين نظر لشاشته لم يبدي شيئًا أمام والده، ثم استأذنه للرد، وتحرّك ليقف في مقدمة الشرفة يهمس للمتصل فيما معناه:
-عملت يا حسين اللي قولتلك عليه؟!
رد حسين مرغمًا:
-طلبت منهم اللي قولتلي عليه، باين مش هيدفعوا، كانوا متعصبين قوي، خصوصًا سيف.
هذا ما أراده أمجد، فتلك اللحظة يلعن سيف حين أجبره على التوقيع على ذاتِ المبلغ ليتركه، وكانت طريقته في استرجاعه هي استغلال حسين، فرد عليه كارهًا:
-هيدفعوا، ولو مدفعوش إنت مش خسران حاجة
-مش هيسيبوني في حالي.
من الآن أخذ أمجد حذره وانتباهه في كل خطوة، حدّثه واثقًا:
-وعدتك يا حسين، هكون جنبك على طول…….!!
******
صفعها بقوة ولأن جسدها لا يتحمل وقعت أرضًا، ولم يشفع لها ما هي عليه من أوجاع كان المتسبب بها. نظرت له ديما في ألمٍ من كراهيته الشديدة لها وحضوره إليها فقط من أجل تعنيفها، بينما تحداها سيف بنظراته وهو يخاطبها ثائرًا:
-عاوزة تسجنيني، شكلك نسيتي أقدر أعمل أيه، لا إنتِ ولا أبوكِ تقدروا تعملولي حاجة.
جاهدت ديما لتجلس مكانها ولم تبالِ بالدماء التي نزفت من فمها بقدر ضراوته تجاهها، فتجبّر سيف في حديثه أكثر:
-أنا محدش يغصبني على حاجة، ولو ناسية شوفي صحبتك لارا تفكّرك
لم تكن ديما واثقة في وجود علاقة تجمعه مع هذه الفتاة أم لا، لكن ما أدركته قسوته حين أخبرته بحملها، وكانت نهايتها معه وخيمة، فابتسم سيف ساخرًا وقال:
-شكلك مش ناسية.
ثم انحنى ليجثو على ركبته وهو يخاطبها ساخطًا:
-يبقى تاخدي اللي حصلها درس قدامك، مش أنا اللي أشيل شيلة مش بتاعتي
سألته ديما مدهوشة:
-إنتِ ليه بتكرهني كده؟!
أنكر ما قالته قائلًا:
-هكرهك ليه، أنا مش عاوزك بس، ترضي تكوني معايا وأنا بفكر في غيرك.
فاجأته بردها المثير لحنقه:
-معنديش مانع بس أكون معاك.
قبضه على فكها جعلها تصرخ وجعًا، وجاهدت أن تبعد يده وفشلت، فقال من بين أسنانه:
-مفكرة هدفع فيكِ جنيه، أنا هخليكِ تكرهي اليوم اللي اتجوزتيني فيه، هخليكِ إنتِ وأهلك تدفعولي
تهديده لن تفعله ولن توافق مطلقًا على طلاقه إياها، وهذا ما استشفه، ثم أخرج من جيب جاكيته ورقة أعدّها مسبقًا، وكان الغرض منها واضحًا، فازدردت ريقها من إجبارها على شيء وهي بمفردها، وصح توقُّعها حين أمرها حازمًا:
-إمضي هنا، دا تنازل عن المهر والمؤخر.
انتفضت لترفض في رهبة:
-مش همضي على حاجة.
جذبها من شعرها وهو يرغمها على إمساكِ القلم ولم تفعل وسط تشنج جسدها ومقاومته، صرخت:
-أبعد عني يا سيف.
لم يكترث لحالتها وهدر:
-يا أنا يا إنتِ النهارده
تصدّت له بكل ما بها من قوة، وتحمّلت عنفه وتفوقه جسمانيًا عليها، وسعّرت من غضبه حين استمرت تعترض:
-اقتلني بس مش همضي على حاجة………..!!
******
ظلت تراقبها خلسة، واستغلت أنها بمفردها، تسللت شهد حذرة وهي تخطو نحوها، وقبل أن تتحرك لغرفتها نادتها في لُطفٍ مصطنع:
-إلين! Ellen!
التفتت الصغيرة لها لتجدها السيدة التي تمكث برفقتهم، وأخبرها والدها أنه تزوج بها، لم تعي مجمل ما حدث لتدرك بحنكتها أنها شخص مألوف بينهم، فابتسمت لها وأخذت تقترب منها، فتنهدت شهد في راحة وهي تثق بها. وقفت الفتاة أمامها وتساءلت:
-Do you want something from me?!
-هل تريدين مني شيئًا؟!
ابتسمت لها شهد ثم أمسكت بيدها وهي تهمس لها:
-Yes, come with me!
-أجل، تعالي معي!
أخذتها شهد لغرفتها قبل انتباه أحد، وفي اللحظة التي ولجت فيها الغرفة وأغلقت الباب، خرج نوح من غرفته وهو يتحدث في هاتفه مع غوست وينهي اتصاله معه، ثم توجّه لغرفة شهد ليخبرها بسفرهما سـويًا.
بالداخل جعلتها شهد تجلس معها على التخت، وطالعتها بنظرة إعجاب من لطافتها وملامحها الراقية، ثم تنهدت لتشرع في استدراجها وهي تسألها:
-What does your father do?! Tell me what you know!
-ماذا يعمل والدك؟!، اخبريني ما تعرفينه!
لفت نظر الفتاة ملامحها ثم مدت كفها الصغير لتلامس بشرتها حتى ثغرها، وفي تلك اللحظة فتح نوح الباب لتضطرب شهد وهي تنظر إليه، ابتلعت ريقها مضطربة من شكه في أمرها، لكنه كان على العكس تفهّم الألفة بينهما، وحين دنا منهما نهضت متحفّزة. حمل نوح ابنته وخاطبها:
-Did you come to meet your stepmother?!
-هل جئتِ لتتعرفي على زوجة أبيكِ؟!
اتسعت عينا شهد متخوفة من فضح الفتاة أمرها، ثم ذابت أعصابها حين ردت عليه:
-She wanted to know what my father was doing.
-كانت تريد أن تعرف ماذا تعمل أبي.
ثم مالت على أذنه لتكمل بنبرة طفولية محبوبة:
-Don’t worry, Dad, I’m not too young to do that.
-لا تقلق أبي، لستُ صغيرة لأفعل ذلك
ابتسم نوح من ذكاء ابنته ومدحها:
-My wonderful girl!
-فتاتي الرائعة!
ثم وجّه بصره لـ شهد التي امتقع وجهها ورسمت بسمة سخيفة، عاد ينظر لابنته ويخاطبها:
-Go to your room, dear.
-اذهبي لغرفتك عزيزتي
ثم وضعها لتقف على قدميها وتنفذ المطلوب حين ركضت للخارج، بينما احتدت نظرات نوح عليها وهو يقول:
-ماذا أفعل معك؟!، لقد فاق الأمر احتمالي لغبائك
تراجعت شهد وقالت متصنّعة الضيق:
-مش من حقي أسأل.
رد متفهمًا غرضها الخبيث:
-أنا أدرك جيدًا ما تريدينه، وضجرت من كثرة الحديث معك، ولذلك لن اتحدث في الأمر مرة أخرى
أظهر ملله من تفكيرها الأبلد نحوه، ثم أمرها جادًا:
-الليلة سوف نسافر سويًا لأمريكا.
تفاجأت شهد واحتجت:
-مش عاوزة، أنا مش هروح معاك في مكان.
قلقت شهد من اصطحابه إياه، وربما ترويضها لتكون مثله خائنة لوطنها، لذا تموّرت حين هتف متشددًا:
-لم آخذ إذنك، أنا فقط أخبرك.
أرادها نوح معه، ربما فرصة للتقرُّب الجدّي حين تعلم كل شيء، وتيقن مدى خوفها وترددها، حتى لم يكترث لإعادة رفضها:
-أنا مش هروح معاك، على جُثّتي………………!!

 

يُتبع

 

____

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)