رواية اجنبي مغرم الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم الهام رأفت - The Last Line
روايات

رواية اجنبي مغرم الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم الهام رأفت

رواية اجنبي مغرم الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم الهام رأفت

 

 

البارت الحادي والثلاثون

 

 

حين فُتح الباب استنشقت رائحة مميزة، لكنها مريحة، وكانت نبضاتها تتسارع، لا تعرف لما، ربما وجودها هنا لأول مرة، ربما الآخر هنا وهي قريبةٌ منه، ولم تخفِ توترها من القادم. زفرت بقوة ثم هبطت من الطائرة في ترددٍ وهي تحمل الصغيرة التي غفت في الطريق على كتفها، فأسرع أندرو يحملها عنها قائلًا في لُطف:
-Thank God for safety
-الحمد لله على السلامة
تصنّعت ليلة بسمة صغيرة وهي ترد:
-Thanks Andrew
-شكرًا أندرو
ثم نظرت حولها وهتفت في دهشة:
-I thought Noah was coming!
-ظننت نوح سوف يأتي!
أجاب وهما يسيران معًا تجاه السيارة:
-He has an urgent mission.
-لديه مهمة اضطرارية
لم تعلّق ليلة وبداخلها استهزأت، فأي مهمة أفضل من حضور ابنته، وأخته أيضًا. عند وصولهما للسيارة جلست بالخلف ثم ناولها أندرو الصغيرة، قال:
-المكان ليس بعيدًا عن هنا.
أومأت ولم تتكلم، أيضًا حين شرعت السيارة في التحرك حتى وصلت للفيلا لم يتحدث أندرو معها في شيء، فهيئتها ليست بخير، ووجومها عجيب.
ترجلت ليلة وهي تتطلع حولها في إعجاب، فأخيها لم يبخل في اختيار المكان كعادته، ثم ابتسمت فدائمًا ما يعيش في رفاهية متجاهلًا ما يزعجه.
قبل أن تلج للداخل انتبهت لأحد رجال أخيها يسرع نحوهما مضطربًا، هتف وهو ينهج:
-مستر أندرو، نوح بيه كان مع واحد في القسم اسمه حسين، وبعد شوية خرج وحمزة بيه واخده مع رجالته وطلع بالعربية على فيلته.
قطبت ليلة جبينها غير متفهمة حديث هذا الرجل، لكن بدا لها الأمر خطيرًا، ثم انتبهت لـ أندرو يرد عليه مزعوجًا:
-حدث ذلك متى؟!
أجاب الرجل متجهمًا:
-من ساعتين أو أكتر شوية
تبدّلت تعابير أندرو للغضب فخاطبته ليلة في فضول:
-What happened Andrew, is my brother okay?!
-ماذا حدث أندرو، هل أخي بخير؟!
لم يستطع تخبئة الأمر عليها، فرد محتقنًا:
-Mr. Hamza found Mr. Noah and took him to his villa!
-السيد حمزة، وجد السيد نوح وأخذه لفيلته!
فغرت فاهها في صدمة، هتفت مستنكرة:
-Who is he to hurt my brother?! How dare he.
-من هو حتى يأذي أخي؟!، كيف تجرأ.
رد أندرو محاولًا الهدوء:
-He dared, Miss Laila, he dared………!!
-لقد تجرّأ آنسة ليلة، لقد تجــرّأ…………..!!
*******
مرت عليه ظروفٌ جمّة، لم يكن حينها بذا الضعف وقلة الحيلة، ومنذ حضر هنا ذَهخَبت حدّة حزنه. جلس السيد منصور في المسجد في جانبٍ معزولٍ يقرأ القرآن، وحين يتوقف كان يدعي لأخته الوحيدة بأعين دامعة، فمنذ تغيّبت لم يذُق طعم الراحة. من عند باب المسجد وجده رامي بالداخل ما زال موجودًا حتى بعد انتهاءِ وقت الصلاة، فشلح حذائه ثم دخل. دنا منه في هدوءٍ ثم جثا على ركبتيه أمامه، خاطبه نبرة منخفضة:
-خالي!
نظر له السيد منصور بعد أن صدّق، قال:
-خير يا رامي؟!
عاتبه رامي في ود:
-يا خالي الوقت اتأخر، وإنت لسه هنا.
تنهد مكروبًا ثم أومأ له لينهض بعدها متّكئًا عليه، خاطبه السيد مستفهمًا:
-مرات خالك جات من عند شهد؟!
رد وهو يمسك بيده ناحية الخارج:
-أنا وصّلتها وقالتلي إن حضرتك لسه هنا، فجيت أناديلك.
سار السيد منصور برفقته في الحارة بطلعة كمدة، ردد عفويًا:
-يا ترى يا زبيدة عاملة أيه، أنا خايف عليها وقلبي مقبوض.
ذاك الحديث يسعّر من قلقه تجاه والدته، فبهتت تعابيره في غيابها، قال مناشدًا:
-إن شاء الله هنلاقيها وهتكون بخيـر!
أثناء سيرهما لمحا اقتراب السيدة هنية منهما، ثم جمدا نظراتهما عليها، وتعجّبا من طلعتها القطوب، حين وقفت أمامهما هتفت في قلق:
-مافيش حد في شقة شهد.
ثم أضافت وهي ترفع تليفونها المحمول:
-وبرن على تليفونها مقفول
سألها السيد مندهشًا:
-رنيتي على جوزها؟!
-هو كمان مقفول من إمبارح
أجاب رامي بدلًا عنها فمنذ الأمس وهو متغيّب، ملأ الوجل قلب السيد ولم يستطع تخمين وجودهما، ضاق بالأمر ذرْعًا وقال:
-هو أيه اللي بيحصل معانا ده، زي ما يكون حد قاصد يعمل فينا كده!
تخوّفت السيدة هنية وقالت:
-من وقت جريمة القتل اللي حصلت، وزبيدة خايفة ومش مطمّنة، وكمان خايفة على شهد وجوزها، ممكن يكون حصل معاهم زي زبيدة.
رجّح رامي تفكيرها، وعجز عن استشفاف من المتسبب في هذا، وكذلك السيد منصور الذي ارتعب من الفكرة ككلٍ، ولشدة حيرته تساءل جادًا:
-فين حســين…………….!!

******
لم يتعجّب من الطريقة الوقحة والمستهجنة في حقه حين أتوا به هكذا، واستسلم ولم يقاوم، الأمر الذي جعل فؤاد يعدل عن معاملته بسوء حين جلبه إلى فيلته حيث زوجته لميس التي تجلس بجواره بخُيلاءٍ والأخير واقفًا أمامها ثابتًا وصامدًا، وبعد فترة من مطالعتها له خاطبته متشددة:
-إنت جاي هنا علشان تطلق بنتي يا حسين، والمأذون شوية وجاي.
حدق بها حُسين في جمودٍ للحظات، وكان عقله يفكر بوالدته فقط، ولم يهتم بتاتًا بمعاملتها له وتحقيرها إياه، قال:
-هتجبريني يعني؟!
أخرجت ضحكة متهكمة وهي ترد في ثقةٍ أزعجته:
-وأجبر عيلتك كلها
ابتلع حسين إهانتها ومن هيئته أبان أنه لا يبالِ بتهديدها له، فقال معترضًا:
-بس أنا مش هطلق.
رغم أن الرد أزعج لميس كانت متأكدة من سيطرتها على الأمر ولو استخدمت أفظع الطرق للتنفيذ فجلست هادئة خارجيًا. بعكس ورد التي تقف بالأعلى تستمع له وابتسامتها تصل لأذنيها والفرحة طغت عليها، فهذا يعني تمسّكه بها، ثم تحركت لتهبط الدرج حيث هو، وعند هبوطها استوقفها في المنتصف حين استئناف كلامه في جد:
-غير بشرط واحد!
وقفت مبهوته وعينيها عليه في صدمة، فتساءلت لميس ساخرة:
-شرط أيه ده، وهو إنت جاي تتشرّط عليا!
انتبه حسين لـ ورد، لكنه لم ينظر إليها، فرد في إصرارٍ غريب:
-أيوة مش هطلق غير بشرط، ولو متنفذش يبقى اقتليني بقى علشان تخلصي مني
جلست ورد على درجة السلُّم وقد اغرورقت عيناها، وفكرة عدم حُبه لها بعد اقترابهما تقتلها، فقد أهانها هكذا، فتبدّلت نظراتها للضيق نحوه، وودت بالفعل قتله، حد أنها لم تبدي ندمًا على ما اقترفته في حقه سابقًا. بينما تشدّد حسين في طلبه ولم يهتم بتذمر لميس أو رفضها، فوالدته الأغلى عنده، ولن يهنأ مُطلقًا حتى يجدها. فنظرت لميس لـ فؤاد الذي أشار لها بعينه أن تستمع له، ولا داعٍ للدخول في مناوشات مزعجة، فتنهدت لميس في غيظ وهي تسأله:
-وشرط أيه ده إن شاء الله؟!
بدون تردد قال حسين:
-تساعديني ألاقي ماما، هي مخطوفة، وأنا متأكـد!
قطبت وجهها مستنكرة أن تفعل ذلك، فتدخل فؤاد حانقًا:
-مافي شرطة بتبحث عنها، لازمتنا أيه!
-هو دا شرطي
نهضت لميس ولم تتحمل حماقته وتبجّحه في الحديث هكذا، وقبل أن تنهره أو تعلن رفضها تقدّمت ورد منهم وهي تحدقه بنظرات عدائية، خاطبت والدتها منفعلة:
-اعملي ماما اللي عاوزوه، أنا مش عاوزاه، لأنه مش هيطلق علشان أُمه، اللي اتهمني بغيابها
احتدت نظرات حسين نحوها وهتف موبّخًا إياها:
-أمي دي اللي هي عمتك، احترمي نفسك وإنتِ بتتكلمي عليها.
استاءت لميس من أسلوبه الفظ مع ابنتها فأهانته:
-تتكلم زي ما هي عاوزة، إنت مين وعيلتك مين، أنا بغبائي زمان اللي خليت بنتي بقت بتقرَب ليكم
سيان عن ذاك النزاع القائم، كانت فرحة فؤاد بحديث زوجته تعجبه، وأحب كراهيتها لما مضى وارتاح داخليًا، ثم وقف بجانب زوجته وأيّد كلامها مخاطبًا حسين في ضيقٍ مُختلق:
-حسين أعرف حدودك كويس، وورد من هنا ورايح بنتنا، يعني واحدة مننا، فكلامك معاها بحساب
لمعت عينا لميس بإعجاب من حديث زوجها، ثم ضمت ابنتها إليها في حماية، التي نظرت لـ حسين مستشعرة كم الألم الذي به الآن، فعِزّة نفسه فوق كل شيء، ولأنه يبغض تلك المعاملة، كان حسين مستجمعًا قواه، وفقد تحمّله، وأدرك أن زواجه ذاك غير متوافق، فقرر أن يستغله أفضل، وبكل هدوءٍ وعزيمة قال:
-شرطي يتنفذ هطلّق، غير كده لأ……………!!
******
بغرفته، أراح جسده لبعض الوقت على تخته، فجميع أعضائه تؤلمه، ووجه بالتأكيد مشوّه بفضل لكمات الوغد الضارية، ثم زمجر في غضبٍ حين يأتي على باله عُنف الآخر نحوه، وما فعله به وبرجاله حين وقف أمامه واكتشف هوية بسهولة، ثم تشفى به وهو يتذكر كيف خاطبه الأخير بنبرة حملت القلق:
-حمزة، لا تفضح أمري هنا، الأمر ليس لعبة.
اتسعت بسمة حمزة المنتشية وهو يطالعه في مرحٍ، قال:
-طول عمرك مجنون، متخيلتش توصل بيك تعمل كل ده
لاحظ نوح نظرات حسين لهما وغرابته من حديثهما معًا، فخاطب حمزة يتوسّله:
-حمزة، أرجوك لا تفعل شيء هنا.
وافق حمزة في غرور على طلبه هامسًا في أمر:
-عاوز الست تكون عندي
لاحظ نوح رجال حمزة في تأهّب من حوله، فأسرع يوافق:
-سأفعل، هي لك.
رفع حمزة رأسه في تفاخُر، ولم يطِل الحديث حتى لا يرتاب أحد في الأمر، خاصةً حسين الذي أظلم عينيه من حديثهما الجانبي، ولم يرتاح له. ثم تفاجأ حين وجد الرجل الغريب يأخذ أدريان قائلًا:
-يلا معايا
فورًا منعه حسين متذمرًا:
-واخده فين، دا جاي معايا، مالك بيه؟!
نظر نوح له متوترًا، فتحدّث إليه بدلًا من حمزة:
-سوف أعود حسين لا تقلق.
رد حسين مكفهرًا:
-إنت مالك وماله، عاوز منك أيه الراجل ده؟!
لم يحيب نوح، فاستبعد حسين أن يكون مرغمًا على الذهاب معه، فذاك أمـريكي وضرر أحد له يخلّفه أضرار جسيمة، وتابع ذهابه مع الآخر منهكًا، وأخذ يفكر ما الرابط بينهما فحديثهما سويًا مألوف، وتساءل في ريبة:
-معقول أدريان يعرف الراجل ده…………..!!
……………………………………………………..
سار معه بكل هدوءٍ وتحفُّز، ومع كل خطوة نحو الخارج كان يرتب كيف يخرج من تلك النكبة، بالأخص والرجال من خلفه تراقبه في استعداد، وعند وصولهما للسيارة المصفوفة بالخارج خرج الأمر عن السيطرة ونوح يلتفت لـ حمزة بغتةً ويضرب وجهه مغلولًا ففقدَ الأخير اتزانه، وقبل أن يسرع الرجال في التدخل ألقاه نوح عليهم وأخد يركله في بطنه وجسده مع الآخرين كي يهرب منهما، ولكن لكثرتهم الغَلَبة حين تحلقوا من حوله، ولضراوته لم يستطع أحد ضربه، بل كل منهم كان يمسك به من جميع جسده لتقييده، وبصعوبة حتى تمكّنوا وسط تشنج نوح، فصاح غاضبًا:
-سوف تندم حمزة، من أنت حتى تفعل ذلك معي
حين تحكّموا به نظر له حمزة دامي الوجه فأنفه تنزف وفمه أيضًا، كانت نظراته النارية تعبر عن مدى غيظه منه، رد عليه
-أنت اللي هتدفع تمن اللي عملته فيا دلوقتي، ومتخافش هتروح مكان مبطيقوش ومش أنا اللي هعمل
لم يهتم بشغف نوح في معرفة ماذا سيفعل معه، ثم تابع آمرًا رجاله:
-دخلوه العربية، وإياك يهرب منكم.
فاق حمزة من شروده عصيب الطلعة نتيجة خبط الباب، فقد أخبرهم ألا يزعجه أحد، ثم اعتدل جالسًا وهو يتأفف، نهض ليتحرك ويفتح للغليظ المرابط على الباب، حين فتحه وجده بيتر، سأله حمزة متوجسًا:
-كل حاجة تمام ولا فيه حاجة حصلت؟!
جاوب بيتر مؤكدًا:
-كل شيء تمام سيدي، الأمر لا يخص السيد نوح
ضيق حمزة عينيه فأكمل بيتر مترددًا:
-الآنسة ليلة بالأسفل، وتريــدك……………..!!
******
وقفت منتصف الشقة التي من المفترض أنها عش الزوجية، ثم جابت بنظراتها الساخرة الأثاث وكل شيء، وأدركت سوء الوضع بينهما قادمــًا. توجّهت ديما لتجلس متكئة على عكازٍ ليعاونها على السير فإحدى ساقيها متضررة، خاطبت أختها مغتمّة وهي تسند العكاز بجانبها:
-شوفتي الشقة عاملة إزاي، لأ وفين، في عمارة قديمة في مكان حقير زي ده.
انفعلت ديما وهي تتحدث، فشعرت شيرين بها وهي أيضًا لم تكن راضية عن حركة سيف السخيفة، بينما والدتها كانت صامتة، وملامحها أبانت ضيقها وحزنها. جلست شيرين بجانبها وقالت:
-سيف بيعمل كده علشان المبلغ اللي بابا خلاه يمضي عليه، أنا فهماه، عاوز الطلاق يجي منك.
غصّت ديما من معاملته الجافة معها، ولم تبدي رفضها لذا الوضع، فنظرت لها السيدة راقية وقالت:
-هتوافقي على المهزلة دي يا ديما.
انعقد لسانها فتفهّمت السيدة رضاها لحبها للأخير، فهتفت متبرمة:
-كان حمزة ابن الناس المحترمين أقل منه في أيه، دا ولد قليل الأدب لما يقعّد بنت عمه في مكان مقرف زي ده.
تدخّلت شرين لتخمد ضيق والدتها:
-مش وحش للدرجة يا ماما
حملقت بها السيدة مستهزئة، بينما قالت شيرين ذلك لمعرفة تعلّق أختها بالأخير، رغم أنها مقتت الأمر ولم تحبذه من البداية، لكن احترمت رغبة أختها. نهضتت السيدة راقية مشمئزة وهي تخاطبهما:
-مش قادرة أقعد هنا دقيقة واحدة، أنا هستناكِ يا شيرين في العربية، وهبقى ابعتلك خدامة تنضفلك القرف ده
قالت جملتها الأخيرة لـ ديما ثم انصرفت وهي تغمغم في حنق، فتنهدت شيرين وخاطبت أختها في ملل:
-متأكدة مش هتستحملي، الله يكون في عونك، أنا زي ماما مش مستحملة.
اختنقت ديما وقالت:
-دخليني أوضة النوم ارتاح فيها مش قادرة، وعاوزة تمشي إنتِ كمان اتفضّلي.
هتفت شيرين عابسة:
-مش قصدنا نتخلى عنك، المفروض تتحملي نتيجة اختيارك.
تهكمت من كلامها في غيظ:
-ما بابا اللي جوزهولي، هو ذنبي لوحدي اختياري ده
بررت شيرين موقف والدها:
-علشان اللي عمله معاكِ سيف، وكان علشان عنادك معاه، شوفي وصلتِ لأيه دلوقتي
وصلت ديما لقمة ضجرها من عتابهم الدائم لها ولم تكترث، هتفت:
-اتفضلي روحي لماما مش عاوزة حد يخدمنــي………….!!
******
بالتأكيد لن تترك أخيها هكذا، ولم تتوانى للحظة في القدوم لفيلة الآخر، ثم وقفت تنتظره في الردهة بانفعالات مختلفة، وبالأكثر كانت مضطربة من رؤيته، ومع ذلك شدّدت من قوتها لتصل لأخيها، ثم تأجج توترها حين رأته يهبط الدرج في خفّة، وكانت للهفة حمزة أثر جعلته يتناسى آلامه. حين وقف أمامه لم يصدق عينيه وهي تطالعها في شوقٍ وجراءةٍ ضايقتها، بينما نظرت له في قلقٍ أخفته، فوجهه مُغطّى بالكدمات، وأدركت بأن أخيها هو الفاعل، جاءت لتتحدث فنطق مُغرمًا:
-I missed you
-اشتقت لكِ
تجاهلت ليلة حديثه في تماسكٍ مزيّف، سألته مزعوجة:
-Where is Noah, Hamza?!
-أين نوح، حمزة؟!
هذا ما توقّعه حمزة في مجيئها إلى هنا، فخاطبها في سأم:
-Of course you ran away from my grandfather, you’re only loyal to your brother, Laila
-بالطبع هربتِ من جدي، أنت ولائك لأخيكِ فقط ليلة.
استهزأت من كلامه:
-Will you have Hamza?
-هل سيكون لك أنت حمزة!
رد ضامرًا حنقه تجاه برودها نحوه:
-Why not, you would die of longing when I traveled anywhere
-لما لا، كنتِ تموتين شوقًا حين أسافر لأي مكان
التزمت ليلة هدوئها واعتزمت اتخاذ أمرًا يخصّهما، لتنهي تلك العلاقة المتنافرة، فأرغمت نفسها بعد ترددٍ كبير أن تقول:
-Of course I will miss you Hamza, you are my little brother, and I af…
-بالطبع سوف أشتاق لك حمزة، فأنت أخي الصغير، وأنا خا….
قطع كلماتها صارخًا:
-Shut up!
-اخرصي!
صمتت ليلة متجنّبة انفعاله فهي تعرف كلامها سوف يزعجه، قبل أن يؤلمها، تراجعت قليلًا حين اقترب منها وقال ساخطًا:
-Do you see me as a child in front of you? Look at me well, Laila. Look at what I am doing and what I did to your brother. I will get everything.
-هل تريني صغير أمامك، انظري إلي جيدًا ليلة، انظري ما أفعله، وما فعلته بأخيكِ، سوف أحصل كل شيء
مررت بصرها على وجهه، ثم هتفت نبرة أظهرتها هادئة:
-Look at yourself Hamza, and what my brother did to you
-انظر أنت لنفسك حمزة، وما فعله أخي بك
وعي حمزة لمنظره، بالطبع مُقرِف، نفض التعليق على استهانتها به وقال في مغزى:
-Don’t you like the way I look tonight?
-ألم يعجبك شكلي الآن ليلة!
خشيت أن يتجرّأ عليها بطريقة غير مهذّبة، انتقامًا من إعلان رفضها له الواضح، فسألته متوترة:
-What do you want Hamza?!
-ماذا تريد حمزة؟!
قلّص المسافة بينهما فتعالت دقاتها، أكمل ماكرًا:
-What do you think, you are in my place now, you are bold enough to come to me
-ما رأيك، أنتِ الآن في مكاني، أنتِ جريئة حتى تأتي إلي
تنفّست في هدوء غير مكترثة لنظرات ولهة نحوها، بل هتفت تعيد سؤالها:
-Where did you take my brother?!
-أين أخذت أخي؟!
ذاك الصراع والنزاع بينه وبين أخيها جعله يفطن أنه لن ينالها يومًا، ولهذا وبدون تراجع خاطبها في حدة:
-Your brother is not here, Laila. He is on his way to your grandfather.
-أخيكِ ليس هنا ليلة، هو في الطريق إلى جدك.
ثم أكمل جادًا غير مبالٍ بصدمتها:
-You will be here with me.
-أما أنتِ فستكونين هنا معي.
وحين وضع يده على خصرها صرخت وتعالى استغاثها، الذي أتى على أثره أندرو وبعض الرجال متأهبين في حالة حدوث مكروهٍ لها، والأفظع كان دخول رجال حمزة معهم والجميع في حالة تشابك مقتربة على الحدوث والأسلحة النارية مرفوعة على بعضهم، فنظر لهم حمزة متفاجئًا، وكانت دهشته الكبيرة حيم شحذت ليلة قواها وخاطبته وهي تدفعه بعيدًا عنها:
-If you go too far Hamza, you will find this place a pool of blood………..!!
-إن تماديت حمزة سوف تجد هذا المكان بركة دماء……………!!
******
أعدّت الطعام لهم ولم يستلذ أحدهم تناول شيء، فجلست معهم بالصالون كئيبة مثلهم، ثم فتح السيد منصور الحديث مشدوهًا:
-حاجة غريبة الكل يختفي كده!
ثم نظر لـ حُسين وجده جامد الهيئة، خاطبه مترقبًا:
-هنعمل أيه يا حسين، معقول اللي بيحصل ده
خرج حسين من زوبعة تفكيره وحنكته في حل ذاك اللغز من حوله، هتف محدقًا أمامه:
-قلبي حاسس أدريان ده وراه حاجة.
انتفض قلب السيدة هنية فابنتها معه، فهتف السيد منصور مستفهمًا:
-تقصد أيه يا حسين؟!.
تصلّبت نظرات الجميع عليه بالأخص رامي فقد جاء عن طريقه، فهتف حسين بأنفاس عالية:
-الست اللي ماتت دي قرايبها كلهم في أمريكا، وبعدها هو يجي، ويدخل بينا ويكون واحد مننا.
استنكر السيد حديثه مقطبًّا:
-مش معقول يا حسين، أيه اللي يخليك متأكد.
كانت حالة حسين عنيفة بسبب غياب والدته، ولم يلبث لحظة حتى يدرك ما حوله، فقد سبق وتهجّم على شقتهم غرباء، فهتف مستاءً:
-لما كان معايا في القسم، كان فيه كلام بينه وبين الراجل اللي اشتكى أُمي، وشكلهم يعرفوا بعض
لطمت السيدة خديها في خفة وهي تولول:
-يا دي المصيبة، أكيد عمل في شهد بنتي حاجة، وهي عاجزة وحالتها بالبلا
تدخل رامي مترددًا:
-لا يا حسين، أدريان كَلْنا معاه عيش وملح، وكان كويس معانا وكتير وقف جنبنا
سخر حسين في حنق:
-مش لما يكون اسمه أدريان، الراجل قدامي نداه نـوح.
صاحت السيدة منتحبة:
-كان مع بنتي في الحرام، يا فضحيتنا
صُدم الجميع بحديث حسين، ولأن الأمر حساس ومُلامِس للأعراض كانوا يرفضوا تصديقه، وكلٌ منهم يفكر بطريقة ما، واسترجاع الماضي لكشف ثغرة تدين الأخير، ولم يجدوا مطلقًا، بينما اختلف الوضع مع حسين، الذي ظلّ يبحث ولم يكل أو يمل الفترة الدابرة، فربما هناك ما هو مخفي يبحثوا عنه، وربما شكّهم بأمّه سبب ارتباطها بتلك القضية، ووجعه قلبه عليها، فربما تعاني الآن، ثم خاطبهم في عزمٍ:
-أنا لقيت اللي هيساعدني أوصل لماما
ثم أضاف متوعدًا، ومتجاهلًا حالتهم التائهة:
-بس أدريان ده لو طلع ليه علاقة مش هرحمه………..!!
******
احترس حين أبلغه بأن سيدهم في الطريق إلى هنا على متنِ طائرةٍ خاصة مخدّرًا، فاستجاب مارك لخبر غوست واستنجد ببعض من معارفه داخل المطار متخفّيًا فرجال السيد سليمان هنا. وقف معه أحدهم بغرفة ما قائلًا:
-Mark once the plane lands you can’t even see him
-مارك بمجرد هبوط الطائرة لن تستطع حتى رؤيته
خاطبه مارك مستصغرًا مكانته:
-I thought you were valuable and useful here, Louis.
-لقد ظننتك لويس ذو قيمة وفائدة هنا
تضايق لويس من استهانته به قائلًا:
-You should have told me before Mark, now the situation is complicated
-كان عليكَ إخباري من قبل مارك، الآن الوضع معقّد
ضيق مارك نظراته واستعمل مكره وهو يحثه مرددًا:
-Don’t you have the ability to return the plane to Cairo Airport, for example.
-أليس لديك القدرة على عودة الطائرة لمطار القاهرة مثلًا.
كان لويس يفكر في ذلك ولكن وجده ليس سهلًا، هتف:
-It’s not easy, Mark, wi…
-الأمر ليس سهل مارك، فـ…
قاطعه مارك في دهاء:
-Say there’s a person on the plane carrying a bomb, it’ll definitely come back right away.
-فلتقل أن الطائرة عليها شخص يحمل قنبلة ما، بالتأكيد سوف تعود فورًا
رمقه لويس في ظلمه، معجبًا بطريقة تفكيره:
-You’re a damn Mark, so you’re the best of Mr. Noah’s men.
-أنت لعين مارك، لذلك أنت الأفضل في رجال السيد نوح
ابتسم مارك مغترًّا بنفسه، هتف:
-Come on Louis, do what’s required, and don’t be afraid, we’ll deal with your lie……!!
-هيا لويس، نفّذ المطلوب، ولا تخاف سوف نتعامل مع كذبتك……!!
……………………………………………………….
ابتعد عن جَدّه والرجال من حوله، ثم وقف جانبًا يتحدث هاتفيًّا مع والدته التي تلح باتصالاتها المتكررة، والتي ظلت توبّخه وتنعته بألفاظٍ احتقارية لسعيه وراء الأخيرة التي لم تعطيه اهتمامًا، خاطبته مهتاجة:
-فوق بقى يا إلياس، الست هربت عند حبيب القلب
ضايقته بكلامها، ومع ذلك هتف منكرًا:
-حمزة جايب أخوها هنا أهو، معقول هتبيع أخوها، ليلة مستحيل تكون لـ حمزة، ومتأكد هو اللي بيجري وراها
ضجرت السيدة صابرينا من حماقة وبلاهة ابنها، فقالت:
-اللي تشوفه، بس متجيش تشتكي بعد كده
أنهى إلياس معها الإتصال متأففًا، فحديثها مُصيب، ثم تحرك ناحية أبيه والجميع، وعند وصوله مجددًا لهم كان هناك حالة من الهرجِ والمرجِ، ثم لفت انتباهه حديث جَدّه الغاضب:
-How did the plane come back, what’s happening here is nonsense…….!!
-كيف عادت الطائرة، ما يحدث هنا هــراء……….!!
*****
طوال الطريق البالغ من المطار للفيلا وهو يجتهد في استعادته وعيه، حد أنه لعن ذاك حمزة، فيبدو أنه أعطاه جُرعة كبيرة من المخدر، ثم استعان بعقارٍ ما عجّل من عملية الإفاقة. انتظر أندرو بعدها أن يفتح عينيه، ففعل ذلك نوح بطلعة خاملة، فخاطبه أندرو:
-Come on man, toughen up.
-هيا يا رجل، قوِّ عزيمتك
نظر له نوح في ضعف، وأخذ وقت لا بأس به حتى تيقّظ من غيبوبته المفتعلة وسط ترقّب أندرو له. تأمل نوح ما حوله وعقله يتذكر تدريجيًا ما حدث، ثم اضطرب فجأة لينظر لـ أندرو الذي يبتسم لها بسخافةٍ، ليخبره أنه بفضله خرج من ورطته، فرك نوح وجهه متجاهلًا إياه، سأله:
-What happened?!.
-ماذا حدث؟!.
أخبره أندرو باختصار خطة حمزة اللعينة في عودته لأمريكا ليقع تحت وطأة جَدّه، فسبّه نوح ممتعضًا:
-Damn you Hamza!
-عليك اللعنة حمزة!
هتف أندرو متعقّلًا:
-You’re making something up Noah, now go see your daughter, since she woke up she’s been asking about you!
-لا تفتعل شيء متهوّر نوح، الآن اذهب لرؤية ابنتك، منذ استيقظت وهي تسأل عنك.!
دق قلب نوح وتغيّرت ملامحه للصبْوة والحنين، فقد مرّت أشهر دون رؤية ابنته، أو حتى سماع صوتها، إلا من بعض الصور المرسلة إليه. فور وصول السيارة لم يلبث حتى ولج للداخل ثم وجدها مع أخته بالردهة تنتظره، وبمجرد رؤية الصغيرة له صرخت فرحًا وركضت نحوه متهللة ولسانها يردد:
-Dad
رفعها نوح لأحضانه مُستنشِقًا رائحتها في توْقٍ جم وهو يخاطبها في لُطف:
-My wonderful girl (فتاتي الرائعة)
لامست الصغيرة وجهه أبيها بكفيها غير مصدقة أنها معه، قالت:
-(اشتقت إليك يا أبي) I miss you, dad
أغدقها نوح بقبلاته الحارة معربًا عن محبته الكبيرة لها، أيضًا انضمت ليلة لهما وهي تتأمّله مبتسمة وقد آنستها الألفة بينهما. انتبه لها نوح وألقى نظرة فقط عليها ولم يُحادثها كأنه يتجاهلها حين عاد يقبّل ابنته ويلاطفها، فبهتت قسمات ليلة وهي تسأله حزينة:
-Are you mad at me Noah?!
-هل أنت غاضب مني نوح؟!.
جاهد نوح ألا يظهر ضيقه تجاه أخته أمام ابنته، ثم وجّه بصره إليها وخاطبها في غضبٍ هي من أدركته:
-Why did you go to him?!
-لما ذهبتِ إليه؟!
اصطكّت أعضاؤها من وجوم ملامحه التي خلفها بالتأكيد هياج مدروس، بررت متوترة:
-For you Noah!
-من أجلك نـوح!
زم شفتيه ولم يجادلها كثيرًا فقط الآن، قال:
-We’ll talk later, Laila!
-سوف نتحدث لاحقًا ليلــة!
ابتلعت ريقها فقد باتت صورتها في عين أخيها فاحِشة، ثم صمتت وتابعت محبته لابنته. انتبه نوح لـ شهد تقف عند مقدمة السلم بالأعلى تحدق بهم في تجهّمٍ، حيث خمّنت أن ذاك الحقير اللعين متزوج من فتاة أخرى وأيضًا لديه طفلة منها، واستنكرت محبته لها هي، فتلك الفتاة جميلة ولطيفة في ماذا تتميّز هي عنها؟!، وهنا فقد فطنت أنه زيـر نسـاء، ثم ألقت عليه نظرة احتقار وتوجّهت حيث الغرفــة……………….!!
******
كأي فتاة طائعة، بارّة، جاءت إليه حين علمت بمرضه الأيام الماضية، ثم جلست على طرف تخته تناوله حبة الدواء، ارتشف السيد منير الماء ليبتلعها، وحين أسند ظهره حتى لم يبدي شكرًا، فقط لامها:
-بقالي كام يوم راقد كده، كنتِ فين؟!
زكّت موقفها بنبرة هادئة:
-محدش قالي يا بابا، افتكرت أمجد خليته يمسك مكانك وخلاص.
احتقن وهو يعلّق:
-وطبعًا علشان مخاصمة أخوكِ الصغير مفكّرتيش تسألي.
وجدت لميس أن المناقشة سوف تتفاقم في الحديث عمّا فعله مع ابنتها فسكتت، بينما هو استمر يتابع متبرمًا:
-كل ده علشان حتة بنت جبتيها من واحد شحات
ضمرت لميس سأمها وقالت:
-يا بابا دي بنتي، أنا غلط زمان وبنتي هتحمل وجودهها
لقَطَ آخر كلماتها وهتف:
-طيب بما إنك هتتحمليها، ليه بقى طمعانة بنتك تاخد مني حاجة.
هتفت بعدم رضى:
-دي أملاك ماما.
-ومين اللي بيشغّلها وكبّرها لماما، مش أنا.
رد عليها متهكمًا فتنهدت لميس واعتزمت عدم الحديث كي لا تزيد عليه مرضه، قالت:
-خلاص يا بابا متجهدش نفسك، بنتي وأنا مسؤولة عنها.
لاحظت لميس الراحة على تعابيره حين قالت ذلك وودت السخرية، هي أيضًا ابنته ومن الواضح أنها الأخرى لن تحصل على شيء، لذا سوف تفعل ما بوسعها لاسترجاع ما سلبه منها، وبالأخص حقها في أمومة ابنتها. انتبهت له يريد النوم، فدثّرته في اهتمامٍ لابد منه ثم نهضت لتتركه.
عند هبوطها الدرج وجدت أمجد ومعه عمهما السيد طاهر، وصلت إليهما ورحّبت بعمها، الذي استأذن لرؤية أخيه، بينما أراد أمجد المغادرة فمنعته بطلعة قطوب، نظر إليها موتّرًا فتهكّمت:
-خايف تواجهني، متخافش لو خارج هسيبك مش هعملك حاجة
رسم الصلابة وهو يرد:
-أنا مبخافش من حد، وأروح مكان ما أنا عاوز وفي أي وقت.
تأمّلته لميس باهتة، فهذا من كانت ترعاه صغيرًا وتخفي مصائبه كبيرًا، والآن يعض اليد التي مدت له، خاطبته بملامحٍ غير مفسّرة وهي تشير ناحية الباب:
-أخرج يا أمجد، اتفضل
تحرّك أمجد ناحية الخارج ساخرًا منها فهو غير منتظر أمرها له، فتتبعته لميس بنظراتها ولم تشفق على ما سيحدث له، كونه غدر بأخته التي لم تبخل في منحه محبتها وحُسن معاملتها….!!
******
رفعت يده لتصفعه حين وضع يده عليها دون حياء، وفشلت حين قبض على رسغها بقوة مستاءً من انقلاب حالها، خاطبها مندهشًا:
-ما بكِ سوف نتزوج، لقد وافقتي من قبل على الزواج، والرجل بالأسفل ينتظرنا!
شحذت قواها ودفعته بكل ما بها من عزمٍ فتراجع نوح متفاجئًا، بينما هي صاحت نافرة:
-أنا دلوقتي مش موافقة، هو الجواز بالعافية
هدأ نوح وسألها كابحًا ضيقه:
-ما الذي حدث لتغيّري رأيك
رمقته بنظرة دونية وهتفت معترضة:
-مزاجي كده، ما تروح تشوف غيري.
أدرك نوح سبب تبديل قرارها فقد قرأ أفكارها، هتف عابسًا:
-الفتاة التي رأيتها بالأسفل أختي.
ارتخت أعضاؤها المشدودة قليلًا، ثم تساءلت مندفعة:
-والبنت الصغيرة؟!
ابتسم نوح مستشفًا أن ذاك سبب ضيقها بالفعل، قال:
-هذه ابنتي؟!.
قبل أن تثور تابع موضّحًا:
-توفيت والدتها
سارت شهد قليلًا تفكر، فرغم أن تبريره لما رأته أراحها، وجدت من يحرضها على عدم تكملة الزواج، نظرت له وسألته في حماقة:
-يعني إنت مش جـاسـوس!
مع أنه أقسمَ ووضح لها عدم ارتباطه بما تهذي به تعيد ذات الحديث، هتف:
-قلت لكِ سابقًا الأمر مختلف
كونه لم يخبرها بالحقيقة كاملة كان يقتلها فضولها، ورأت في عينيه أنه لن يتركها، ولحفظ حقوقها مستقبلًا هتفت مصرّة:
-هتوافق على الشروط اللي طلبتها ومهري اللي قولت عليه
بدون تفكير هز رأسه وقبّلَ دون مناقشة، وما طمأنها أنها جعلته يجلب شيخًا تقيًّا تعرفه ليعقد قرانهما. تابع نوح مؤشرات وجهها حين مسحت عليه لتهدأ فتلك اللعينة جميلة بدون شيء، نفخت شهد وقالت في حزم:
-زي ما اتفقنا، سيبني آخد عليك…..!!
…………………………………………………..
انزوت ليلة جانبًا والصغيرة على فخذها تتابع هذا الشيخ ومعه رجُلين في اهتمامٍ، ولم تستوعب للآن أن أخيها سيتزوّج حقًا، واندهشت حين أخبرها أندرو بزواجه منها سابقًا باسمه المزيّف، ثم جلست في صمت تراقب، بدون حتى إبداء رأي فدائمًا ما يفعل ما يروق له، ثم تنبهت بنزول أخيها الدرج وبجانبه الفتاة، أخذتها ليلة بنظرة شمولية وتعجّبت من بساطتها، ناهيك من جمالها، بالطبع ذاك ما جذب أخيها، تأففت ولم تعلق وفقط تابعت ما يحدث.
عند هبوط شهد الدرج نفضت يده من عليها لا تريد مساعدته حين تعثّرت في نزولها، تحمّل نوح نزقها حتى ينتهي الزواج، فبالتأكيد لن ينفّذ شرطها المنفّر والغبي.
وصلت شهد حتى الشيخ ثم ألقت عليه السلام في ود، والأخير رد بنبرة رزينة ثم جلست بالقُرب، متيقنة حالة الرجُلين من وضعها ودهشتهما، فهم أقاربها من صلة بعيدة تقريبًا، لكن لم تتكلم في الأمر، ثم انتبهت لـ أندرو الوغد الآخر يتقدم منهم فرمقته في حنق، مال بجزعه على نوح الذي استعد لعقد القران منشرحًا، خاطبه بهيئة غامضة:
-نــوح، السيدة زبيدة، في المشفى الآن……..!!
******
فتح عينيه بالكاد لينظر حوله عاقدًا جبينه، وللحظات من استعادته وعيه انتبه للمكان، اعتدل أمجد ليجلس موضعه مذبذبًا وهؤلاءِ الرجال من حوله، ثم وقعت عيناه على سيف الذي يجلس على مقعدٍ جانبي يحدق به، جاء أمجد لينهض فوجد من يدفعه من كتفه ليبقى أرضًا كما هو، انزعج وهو يعنّف الرجل:
-اتجننت ولا أيه!
رد عليه سيف الساخط مستهزئًا:
-اهدى يا أمجد.
التفت له أمجد وهتف منفعلًا:
-تقصد أيه باللي بتعمله دا يا سيف، وإزاي تتجرّأ
اشتدّت نظرات سيف النارية نحوه، ثم نهض ليقترب منه، وأمجد يتوعّد له في نفسه إذا تمادى، فهتف سيف في غلول:
-أنا تعمل معايا كده، أما صحيح ندل، دا إنت كنت أكتر من أخويا، كنا بنعمل كل حاجة مع بعض وسرّنا كان واحـد
ما فعله أمجد كان مجبّرًا عليه بفضل حزم والده، ولم ينكر رغبته أيضًا في امتلاكِ كل شيء، فهتف مشدودًا:
-بابا اللي أجبرني أعمل معاها كده، وإنت عارفه.
على زاوية فمه رسم بسمة متهكمة، قال:
-دا أمره محلول، لأنك دلوقت هترجّع كل حاجة.
غضب أمجد فبالطبع وهو هكذا سوف يجبره، بينما أكمل سيف ثائرًا:
-بس اللي عملته معايا حاجة تانية، لما تخليني اتجوز واحدة مش عاوزها، يبقى هتدفع إنت التمن.
قلق أمجد من هيئته، ومن الوضع ككل، فعاد يبرر بنفس كلامه:
-بابا أجبرني
لم يهتم سيف وأمره:
-دلوقتي هتتنازلي عن كل حاجة
صاح أمجد مستنكرًا في ضيق:
-كل حاجة مع بابا، أنا مش معايا حاجة
ضبط سيف أنفاسه وقال متشددًا:
-بس إنت مش هتخرج من هنا غير وإنت متنازل عن اللي خدته، وعليه تمن جوازتي.
شُده أمجد من عنفه نحوه واستعمل اللين ليكسب وقت وفرصة للنجاة حتى يتعامل لاحقًا، ثم خاطبه ماكرًا:
-صدقني بابا باسمه كل حاجة، اديني شوية وقت وهرجعلك كل حاجة بطريقتي.
بدا على سيف الرفض، فحثه أمجد بنظرات وتعابير وجهه على الموافقة، وبعد فترةِ تفكير قاتلة لعبت بأعصابِ أمجد، نظر سيف له محتقرًا إياه، هتف:
-مـوافق يا أمجد…………………………………!!

 

يُتبع

 

____

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)