رواية اجنبي مغرم الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم الهام رأفت
رواية اجنبي مغرم الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم الهام رأفت
البارت الرابع والعشرون
داءبت على مراقبته في حذرٍ وتنحّت عن بعض الأمور كأي عروس تهتم بتفاصيل يومها؛ لكن اليوم رغم بهجته وفخامته لم تدق السعادة قلبها. لاحظت ديما مسرّة سيف وتيقنت أن مخططه الدنيء قد تم كما أراد، وقتها ابتسمت في تشفٍ وتركته يفرح مؤقتًا، وتغير وضعها من الجمود إلى اللين في التعامل مع خطيبها حمزة، الذي تعجب حين خاطبته في دلالٍ لأولِ مرة:
-مش هنرقص ولا أيه؟!
نظر لها مبتسمًا فيبدو مرحها يروق له، ورحب بذلك حين وقف بها منتصف المدعوين. شرعت ديما في التمايل وهي بين ذراعيه وطلعتها تعلن فرحة عجيبة، جعلت أختها تستنكرها فهي أعلم بمدى تذمرها، وكذلك سيف الذي انتبه لذلك من بعض النظرات التي توجهها له في مغزى لم يتفهمه مطلقًا، حد أنه انزعج من سعادتها تلك، وود أن يعلمها بإنجازه العظيم اليوم ليمحي تلك البسمة اللعينة وهذه النظرة الخبيثة.
أفعم تبدل حالها الأجواء ببهجةٍ من قِبل حمزة الذي شاركها فرحتها وأحب ما يحدث اليوم رغم الفتور في بداية الأمر، ولدهشته من ذلك مال عليها ليستفهم:
-من شوية كان شكلك متضايق، ممكن أعرف أيه غيرك؟!
اتسعت بسمتها وهي تجيب في رقة:
-مش من حقي أفرح لما اتجوز واحد في قيمتك دي!
لم يشبع ردها فضوله والإجابة على سؤاله؛ لذلك أعقبه بسؤالٍ آخر:
-طيب لسه برضو عاوزة نطوّل فترة الخطوبة؟!
إدراكها بأن من تحبه لن يكون لها يومًا جعلها توافق رغم ترددها:
-لأ عادي، لو مستعجل نتجوز معنديش مانع
ابتسم حمزة وأكد:
-خلاص اتفقنا!
على مقربة انتبهت لميس لـ سيف يقف بمفرده وعينيه مسلطة على أحدهم، ولم تعي بأنها على ديما التي أراد كسر سرورها الأحمق ذاك. اقتربت منه لمعرفة ماذا فعل بطريقة غير مباشرة علّه يبهج قلبها فابنتها لهذه اللحظة تتصل بها وهي تتجاهلها متعمدة.
حين انتبه سيف لحضورها نظر لها يريد أن يخبرها بما أتمّه اليوم لكن تلك الغبية ديما غطت على فرحته، ورغم ذلك خاطبها شغوفًا:
-اتخلصت من حسين، هتجوزيني ورد إمتى بقى؟!
أترع نفسها بتهلل واضح ولم ترد أن تستفهم كيف فعلها، بل يكفي أن يتخلَ الأخير عن ابنتها، ولشدة إعجابها به وعدته:
-الوقت اللي تحبه يا سيف، أنا هلاقي لبنتي أحسن منك!
لاحظت ديما وقوفه مع لميس والحديث المتبادل بينهما وبدت أكثر اهتمام وهي تتابع ما يجري بينهما، حتى استشفت بحدسها أن لميس لها علاقة بالأمر، وتلك كانت المفاجأة، فاعتزمت أن تخبر حسين بذلك كي يعي ما يدور من حوله ومع من يتعامـل………..!!
******
-أنا مش فاهم المعاملة دي ليه؟!
نطق حسين بذاك السؤال لأحدِ أفراد الشرطة مستنكرًا بشاعة تصرفاتهم تجاهه، حيث وقف أمام باب غرفة التحقيق ينتظر أن يلج، وجاء الرد من أحد الضباط ساخرًا:
-مش عارف لقينا أيه في عربيتك، إدعي ربنا ما يوصلش الموضوع للمؤبد
من داخله كان حسين باردًا، لأن الأمر فاشل من البداية، وترقب دوره لينهي هذا الهراء عاجلًا، ولم ينكر أنه تخوّف من الأمر إذا نجح ولم يجد من ينبهه، واضطرم غضبه وكرهه لذاك سيف، فما فعله تجاهه فاق حد التخيُل، فهل لتلك الدرجة النكراء يأذي شخصًا بريئًا؟!.
ثم تأفف علنًا حتى وقعت أنظاره على منى التي قُبض عليها أيضًا، قابل نظراتها الحميمية نحوه بالجفاء، لذا أشاح عنها وجهه للناحيةِ الأخرى لا يريد التطلع عليها، ثم أبصر حضور أدريان وأدرك أن والدته من سارعت في إرساله، وتنهد في راحة فليكفي وجود أحد برفقته. وقف نوح أمامه وخاطبه متفاجئًا:
-حُسين، هل صحيح ما سمعته؟!
طمأنه حسين حين نفى بشدة:
-مستحيل أعمل حاجة زي دي، دا بلاغ كيدي مش أكتر والحقيقة هتبان.
مع آخر كلمة نطقها أمرهم الضابط بالدخول، فاستأذن نوح بمرافقته وسُمح له. حين ولج حسين تعجب المحقق من طلعته الباردة وهدوئه العجيب، فسأله في مغزى:
-شكلك مش خايف يا حسين، إنت في مصيبة!
ابتسم حسين واستفهم في مراوغة:
-وأيه المصيبة اللي أنا فيها، أنا لحد دلوقتي مش عارف أنا هنا ليه
رفع حاجبه أكثر تعجبًا ثم رفع الكيس الشفاف المليء بمادة بيضاء اللون أمامه وقال:
-ودا يا حسين، لقيناه في عربيتك
نظر حسين للكيس في صلابة وزيف استنكاره وسوء الفهم لديهم:
-حضرتك هو اللي يشيل دقيق اليومين دول يتقبض عليه، حد وصلكم إني تاجر تموين، أنا مهندس ميكانيكا
قطب المحقق جبينه وهو يستمع لكلامه، ثم أمر ضابط بالجوار في فحص المادة الموجودة، وحين شمها الضابط وبحنكته أكد كلام حسين:
-مظبوط يا فندم دقيق!
انزعج المحقق ثم جذب الكيس من يده ليتأكد بنفسه. ثم صُدم من كم الاستهتار ممن حوله، ولم يستطع كظم غيظه وهتف:
-ودا معناه أيه يا حضرة الظابط، مش تتأكد من شغلك
ثم نهض من مجلسه ليستأنف زجره له:
-اللي حصل ده مش هعديه، أنا هحولك لمجلس التأديب
لم يهتم حسين بما يحدث أمامه فهو يدرك جيدًا أنه لن يجد التعويض لفضيحته أو حتى موقفه المشين ذاك في نظر الجميع، فتابع نوح ما يحدث متضايقًا، وتأكد بأن هناك من يكيد لـ حسين، وطال شكه حمزة ابن عمه، ثم فكر لما سيفعل ذلك وما الغرض؟!.
فاق نوح من تفكيره على مخاطبة المحقق لـ حسين:
-حقك علينا يا أستاذ حسين، أوعدك اللي قصر في شغله هيتحاسب، إحنا بلد قانون ومافيش مجاملات
أعلن حسين توغر صدره حين هتف:
-وسمعتي في وسط الحتة، أودي وشي فين من جيراني
وقف المحقق أمامه وأبدى أسفه وهو يرد في لطف:
-أنا بنفسي هاخد عربية الشرطة وأوصلك لحد بيتك، وبكده الكل هيتأكد من براءتك.
وجد حسين أنه لا أفضل من ذلك لاسترجاع كرامته ولم يطلب أكثر وبات أكثر تفاهم مع المحقق، والذي بدوره أنهى تلك القضية الخائبة قبل أن تبدأ.
اتسعت بسمة منى وازداد تمسكها بـ حسين، هي تعي حسن أخلاقه وأدبه المشهود به. وحين خرج ثلاثتهم ظلت كالعلقة ملتصقة به علّ قلبه يلين، بينما تحرك نوح جانبًا حين وجد من يرسل له رسائل متتالية، وحين فتحها علم بفشل المهمة من أندرو في استرجاع ابنته، ولأن الوضع غير جيد للمناقشة أجّل الأمر الآن، لكن أرسل جملة أعربت عن مدى انفعاله:
-I will bring women to work with me better………..!!
-سوف أجلب النساء للعمل معي أفضل………!!
******
ألقى هاتفه بعنف إثر توبيخه الصاغر لشخصه فليكفي ما يعانيه الآن، اعتدل أندرو في تخته واستند بظهره على الوسادة وهو يتألم نتيجة الطلقة النارية التي أصابت ذراعه، نظر عابسًا لـ مارك الذي يرتب بعض الأدوية بجانب تخته، خاطبه ممتعضًا:
-I can’t believe I made it, everyone’s become a bastard!
-لأ أصدق أنني نجوت، لقد أصبح الجميع أوغاد!
احتج مارك على استمرار تعذيب نفسه هكذا بتفكيره منذ جاء، فرد عليه متعقّلًا:
-You should rest, it’s over bro!
-يجب أن ترتاح، لقد مر الأمر يا أخي!
-Traitor Ghost!
-الخائن غوست!
تغابى أندرو عن حديثه واستمر يلعن ويفكر في الغدر الذي تلقاه خاصةً من غوست، وبفضل المساعدة من رجاله الأوفياء لكان بين براثن السيد سليمان الآن ينتف ريشه تعذيبًا وإذلالًا، فطلب مارك منه محاولًا الهدوء:
-Andrew just think about your situation, things are going well don’t worry.
-أندرو فكر في وضعك فقط، الأمور تسير على ما يرام لا تقلق.
حدق به أندرو مزعوجًا حيث نفض فكرة التراخي تلك وصاح:
-What about Miss Laila, maybe Mr. Suleiman will punish her now?
-وماذا عن آنسة ليلة، ربما يعاقبها السيد سليمان الآن
حضر غوست بغتةً فانتفض أندرو من مكانه يريد افتراسه حيث قفز من تخته متجاهلًا إصابته وهو يوبخه:
-You bastard, how could you do that to me?!
-أيها الحقير، كيف فعلت ذلك بي؟!
أمسك غوست بذراعه السليمة ودعاه للهدوء:
-Calm down Andrew you did the right thing
-إهدأ أندرو لقد فعلت الصواب
هتف أندرو وهو يركل ساقه بقوة:
-What are you talking about, you vile bastard?
-عن أي صواب تتحدث أيها الوغد الحقير
تدخل مارك ليفض الاشتباك ذاك وهو يخاطب أندرو معترضًا:
-Andrew Fleckfee, Ghost made no mistake.
-أندرو فليكفي، غوست لم يخطئ
شعر أندرو بالألم مجددًا فتراجع للخلف مجهدًا، استفهم صارخًا:
-What’s right then, I almost lost my life yesterday
-وما هو الصواب إذن، لقد أوشكت على فقد حياتي أمس
التزم غوست السكون وأخبره متفهمًا وضعه:
-I had to do it, because Mr. Suleiman was suspicious of me.
-كان يجب أن أفعل ذلك، لأن السيد سليمان كان يشك في أمري.
ثم سأله مستاءً:
-Didn’t you ask yourself how he knew what we were planning, because he didn’t like me.
-ألم تسأل نفسك من أين علم بما خططنا له، لأنه لم يرتاح لي.
اكفهر وجه أندرو ثم جلس على الأريكة متعبًا، فجلس غوست بجانبه وكذلك فعل مارك، فاستأنف غوست موضحًا له:
-When I realized this, I told Miss Laila, who was also careful not to make her grandfather angry.
-حين أدركتُ ذلك أخبرت آنسة ليلة، ولقد أخذت حذرها هي الأخرى كي لا يغضب عليها جدها.
ارتاح أندرو قليلًا من ناحية السيدة الصغيرة، فابتسم غوست في ود وهو يخبره:
-Would I have sacrificed you? Of course not, brother. I was careful when Mr. Suleiman saw you and gathered some of our men to intervene at the right time.
-هل كنت سأضحي بك، بالطبع لا أخي، لقد أخذت حذري حين يراك السيد سليمان وجمعت بعض رجالنا للتدخل في الوقت المناسب
أحس أندرو بأنه اندفع في الحكم عليه، فهو صديق بل أخ مقرب منذ سنوات، رغم ذلك لم يشكره فقد أصيب في ذراعه، ثم نفخ ضجرًا وقال:
-Now that Noah knows about our failure and possibly our exposure, we must explain to him what happened, especially about Mrs. Laila……….!!
-نوح الآن علم بفشلنا وربما فَضْح أمرنا، يجب أن نوضح له ما حدث، بالأخص عن السيدة ليلــة………….!!
******
ركضت ليلة ناحية جدها حين حضر من الخارج، وفي شغف ممتزج بالقلق سألته:
-Grandpa, what did you do to Sandra?!
-جدي، ماذا فعلت بـ ساندرا؟!
لاح تجبُّر السيد وهو يخبرها بقساوة أخافتها:
-Do you know that I will pamper her!
-هل تعرفي إنني سوف أدللها!
لم يكن ليسألها بل يسخر من سؤالها، فندمت ليلة على استغلالها وباتت كبش الفداء بدلًا عنها، أسرعت تترجاه بدموعها:
-Grandpa, please don’t hurt her. Ellen loves her and wouldn’t let anything happen to her. Please, Grandpa.
-جدي لا تؤذيها أرجوك، إلين تحبها ولن تتحمل أن يصيبها مكروه، أرجوك جدي
بدا أنه غير موافقٍ على هرائها فالأخيرة يجب أن تعاقب، ولذلك أردفت مستنكرة:
-Are you going to kill her just because she’s loyal to my brother, she didn’t do anything to hurt you?
-هل ستقتلها لأنها فقط مخلصة لأخي، هي لم تفعل ما يؤذيك
إصرارها جعله يرتاب في أمرها نتيجة دفاعها المستميت عن خادمة، لكن انضمام إلين وتأكيد ما طلبته ليلة جعله يندم على شكه بها حين خاطبته:
-I want Sandra seriously, she didn’t do anything wrong, she was going to take me to my father
-أنا أريد ساندرا جدي، هي لم تفعل شيء خاطئ، كانت ستأخذني لأبي
حملها السيد سليمان مبتسمُا في ود، ووجد من الأصح عدم إبراز عداوته مع أبيها كي لا تنزعج منه وتنفر أيضًا، ولذلك وافق على طلبها مرحبًا:
-You have what you asked for, my beauty. I will not punish her and she will come back here for you
-لكِ ما طلبتيه جميلتي، لن أعاقبها وسوف تعود إلى هنا من أجلك
هللت الصغيرة فرحًا، وكذلك اغتبطت ليلة من قراره ومن تأنيب ضميرها تجاه تلك الفتاة المسكينة، ثم وضعت رأسها على كتف السيد وهي تشكره:
-Thank you, Grandpa, you are the most caring person out of all
-شكرًا لك يا جدي، أنت الشخص الحنون من بين الجميع
ضمها السيد مع الصغيرة وقرر إحجاب المشكلات المتعلقة بالعائلة أمامهن بالأخص كي لا يخسرهن بتهوره…………!!
******
جلست تمشط شعرها أمام المرآةِ في جذلٍ وافر من الأخبار المبهجة التي تلقتها اليوم، ثم تطلعت على شاشة الهاتف التي تضيء أمامها على فترات متقاربة نتيجة اتصالات ابنتها دون كلل، بالطبع لن تجيب عليها وتركتها هكذا في تجاهلٍ تـام.
نهضت لميس ثم تحركت ناحية فراشها لتغفو، وجدت فؤاد بانتظارها فابتسمت له، بينما هو وجد صعوبة في التجاوب معها فقد علم بما حدث لابنتها، هو توقع أن عَمه سيفعلها يومًا، لكن اشتراك أمجد وتدبيره لذلك كان المفاجأة. مالت عليه لميس وبدأت في ملاطفته وهي تهتف:
-أنا النهارده مبسوطة قوي.
زيف بسمة توحي بمسرته وهو يرى سعادتها، وبداخله أحس أن الأوضاع قريبًا سوف تصل لذروتها وسوف تتفاقم المشكلات وخشي أن يصل الأمر إليه، ولذلك سوف يعلن وقوفه بجانبها وعدم معرفته بشيء مطلقًا، وتجاوب أخيرًا معها لقضاء ليلة هادئة قبل العاصفة التي ستحل……..!!
…………………………………………………
في مخفرِ الشرطة حيث ورد، سمح لها الضابط أن تتصل بوالدتها حين أشفق على وضعها، فهيئتها الرقيقة والجميلة لم يعربا عن سوء خُلق مطلقًا. ورغمًا عنه أخذ الهاتف منها وقال:
-سمحتلك تتصلي أكتر من مرة، دلوقتي لازم تنزلي الحجز
وضعها لا يحسد عليه أحد، فمنذ حضرت وعينيها حمراء من شدة البكاء الذي لازمها حتى تلك اللحظة، وصوت شهقاتها لم يكف رغم خفوته، ورفضت أن تعلن عن اسم والدتها كي لا تسبب فضيحة لها، والأخيرة خذلتها بعدم الرد، وبنبرة متقطعة سألته:
-ليه تحبسني، أنا قولت اللي حصل ومعملتش حاجة.
لأنها فتاة أراد مساعدتها حين جعلها ترتدي ملابسها، بعكس الرجل الذي كان معها، وتأخُر الوقت لتلك الساعة أرغمه على تنفيذ مهمته كضابط، مرر نظراته عليها وهي واقفة أمامه ترتجف هكذا ونفخ بقوة، هتف في شدة:
-لازم تنزلي الحجز وبكرة هتتعرضي على النيابة، دا اللي أقدر أعمله ليكِ
ذابت قوتها والعسكري يأخذها من ذراعها حيث السجن، كانت تجر قدميها جرًا وكاد أن يغشي عليها فهي في فضيحة ضارية جعلتها حتى لا تفكر في المتسبب بها، غير أنها استاءت من عدم رد والدتها ولذلك الحظ الأعجف، وكان لسانها يردد دون وعي:
-أكيد حسين هيتخلى عني، هيسبني، هيبعد………….!!
******
في شقة نوح، رفضت أن يترك أحضانها منذ عاد إليها، وهدأت نبضاتها حال رؤيته بخير، فتحدث حسين إليها في لطف:
-أنا الحمد لله يا أمي زي الفل
هتفت السيدة زبيدة في غلٍ:
-منه لله اللي كان عاوز يوديك في داهية ده. إن شاالله هو وعيلته كلها
دعوتها نابعة من الموقف، ليس معرفتها بمن تسبب في ذلك، فقد احتفظ حسين بهويته لنفسه فيما بعد وأعلن جهله له. وتابعت منى ما يحدث وحمّست نفسها على التدخل والوقوف بجانبه كي يرأف بحالتها وتعود حياتهما معًا، فهتفت في غبطة:
-الحمد لله يا ماما ربنا نجاه، أنا كان قلبي هيقف من اللي حصل.
انتبه حسين أنها ما زالت هنا، فترك حضن والدته ليخاطبها نافرًا:
-هو إنتِ لسه هنا، كل اللي بتعمليه ده ممنوش فايدة
انقبضت منى من تجاف مشاعره بعكس السابق، فما الجديد حتى يتغيّر هكذا، فقد كان يتذلل كي يعودا، بينما عابت عليه السيدة زبيدة في تمرُد:
-ميصحش يا حسين كده، منى كتر خيرها وقفت جنبك، دا غير اللي عملته لما قالت للظابط إنها معاك ومش هتسيبك ومفكرتش هيحصلها أيه
تحكم في غضبه لوجود والدته وأدريان، ثم هتف كاظمًا حنقه:
-أمي من فضلك خليها تمشي، كفاية اللي حصلي أنا مش ناقص.
تعاملت السيدة في لؤم واستغلت ذلك حين قالت:
-طيب هتروّح، بس الوقت اتأخر، يرضيك واحدة حلوة في سنها تمشي في الشوارع كده لوحدها.
مَدَحت منى تفكيرها وابتسمت لها السيدة وذلك دبّ الأمل في نفس مُنى التي تريد استرجاع الود المفقود بينهما، ولم يتوقع حسين أنها تقصده بمرافقتها فهتف ضجرًا:
-أدريان يوصلها!
أوضحت نظرات نوح اعتراضه فلما هو، هل تم استئجاره لمهامهم أم ماذا؟!، فليكفي أنهم هنا لذلك الوقت المتأخر وحتى زوجته لم يرها منذ جاء، ويبدو أنها غفت، فتأفف، ثم ارتاح حين اعترضت السيدة زبيدة:
-مينفعش، مهما يكن دا غريب عنها
راقبت منى مؤشرات وجهه في شغف وودت موافقته، وعلى مضض استسلم حسين لتلك الورطة وأقنع نفسه بأنه وقت مُمل وسيمر، هتف وهو ينهض:
-يلا خليني أخلص من الليلة السودا دي
نهضت منى مغتمة من استمرار نفوره وسوف تتريث إن طال الأمر. وحين خرجا الاثنان رفعت السيدة زبيده ذراعيها في مناشدة لتدعو لهما، فتنفّس نوح في راحة وتمنى أن تذهب هي الأخرى، ويبدو أن ذلك لن يحدث حيث أمسكت السيدة بجهاز التحكم وشرعت في تحويل قنوات التلفاز في استرخاء استفزه، فضاق صدره واضطر لأن يدخل ويرى زوجته حين نهض قائلًا:
-سأدخل للاطمئنان على شهد.
-براحتك يا حبيبي هتستأذن في بيتك.
ردت السيدة دون النظر إليه فتحرك تجاه غرفة شهد وهو يغمغم ببعض الكلمات المعترضة لما يحدث.
فور دخوله دق قلبه فها هو يعود لرؤيتها، تقدم نوح من فراشها منشرحًا وهو يتأمل جمال وجهها وهي نائمة، ثم جلس بجانبها وشرع في هزها برفق كي تصحو، فاستجابت شهد وفتحت عينيها، نظرت له بوجهٍ عابس فاجأه حيث ظنت أهمية الأمر، استفهمت مضطربة:
-خير فيه أيه؟!
هدأها حين أجاب موضحًا:
-لا يوجد شيء، الأمور بخير
ازدادت استشاطة وهي تخاطبه:
-ولما الأمور تمام بتصحيني ليه!
شُده من غلاظة ردها فقد تخيل أن يكملا ما كان سيحدث بينهما، وفشل في شرح موقفه في إيقاظها وتذبذب كليًا، بل أيقن أنها تتلاعب به كعادتها، لكن صَدَمته شهد أكثر حين هتفت محذرة إياه:
-طول ما أنا نايمة متصحنيش، إلا لو مصيبة حصلت، البيت ولّع، إنت بتولّع، فاهم……………!!
*******
صباحًا، انتظرته حتى يأتي ولم تدخل للشركة بدونه، وصل حسين فتهلل وجهها وهي تراه بخير، لا تعرف لما شعرت بالود تجاهه وسعت رغم إنشغالها لمساعدته، حتى أنها جاءت خصيصًا اليوم من أجله متناسية أنها عروس. وقف حسين أمامها معلنًا شكره وامتنانه لما قامت به قائلًا:
-آنسة ديما أنا مش عارف أقولك أيه، لولاكِ كان زماني ضعت!
أظهرت مدى اهتمامها وهي ترد:
-أول ما حسيت إنه مش هيسيبك في حالك فضلت وراه. أنا أكتر واحدة تعرف سيف، وإنت متستهلش حاجة وحشة، كفاية أخلاقك
على سيرة اسمه شعر حسين بالكراهية نحوه، فهتف بنبرة انتقامية:
-مش لازم يعدي الموضوع كده. لازم يدفع تمن اللي كان هيعمله فيا.
استصغرت مكانته مقابل الأخير، بالطبع لن يستطع مواجهته، ولأنها أيضًا تميل له لم تُرِد أن يتأذى، فقالت منبهه:
-حسين أنسى، إنت مش قد سيف، ولا أي حد هنا، إنت خلي بالك من نفسك، وأنا هكون جنبك
كرامته حثته على شيء آخر كي يثأر لنفسه، ومؤقتًا أخذ بنصيحتها وقرر السكوت حين هز رأسه مطيعًا لكلامها، فابتسمت ديما ودعته للدخول وهي تردد في شغف:
-يلا هو هنا، عاوزاه يشوفك، دا لوحده هيجننه.
رغم أنه متشوقٌ لمعرفة رد فعل هذا الغادر، سار معها وهاتفه بيده يتصل بـ ورد التي فشل في الوصول إليها من أمس، وكانت النتيجة لا جديد في الرد وبالتالي زاد قلقه ووجله عليها، وألزم نفسه حين ينهي الأمر هنا سوف يذهب لشقته للاطمئنان عليها لربما غاضبة من غيابه..!!
بداخل الشركة، رأته ديما واقفًا في قسم الحسابات مع السكرتير الخاص به يتكلم في أمور العمل من منظرهما، فدفعت حسين على السير تجاهه ونظرات التشفي من غيظها تتطاير من عينيها نحوه، وكذلك حسين رغم جمود خلقته.
تلك اللحظة التي وقعت عينا سيف عليهما، وبالأخص على حسين جعلته يتجمد مصدومًا ومغلولًا في ذات الوقت، ورغم أنه المخطئ والجاني كان يثبت حقارته أكثر حين ترك ما بيده من أعمال وتحرك نحوه كارهًا. فتشدد حسين لمواجهته وتحمّل سفالته ونظرات احتقاره له حين هتف محدقًا به:
-البني آدم ده هنا إزاي؟!
كبح حسين الدخول معه في مشاجرة بالطبع هو الخاسر فيها، فاستفزه حين رد عليه:
-عند حضرتك حق، المفروض أكون في مكتبي بشوف شغلي
تخضب وجه سيف باللون الأحمر نتيجة غضبه الذي تأجج من رؤيته ومن حديث ديما الذي ثبط ظنه:
-باين لسه صاحي والمعلومات الجديدة موصلتكش، الحمد لله حسين طلع من القضية الفاشلة اللي كان هيقع فيها، لأنه محترم وميستهلش كده أبدًا.
تحولت نظرات سيف نحوها وكان ينفث دخانًا من شدة غيظه فقد أدرك ما فعلته، فخاطبها متوعدًا:
-بقى إنتِ اللي ساعدتيه، مردودة ليكِ قريب
ابتسمت في غرور وتجاهلته تمامًا، ثم التفتت لـ حسين وقالت:
-يلا يا حسين عندنا شغل متأخر.
أوعز حسين موافقًا وتحرك برفقتها ونظرات سيف كانت كالسهام النارية تخترقهما. جف حلقه وأخذ من الآن يفكر في استرداد سيطرته بانتقامه منها قبله……………!!
******
أخذها الضابط من محبسها لبدء التحقيق معها، وأثناء سيرها كانت ورد تتساءل، ألم يشعر أحد بغيابها؟!، ألم يهتم أحد بالسؤال عنها في تلك الفترة؟!، خيّب الجميع ظنها فاهتمج وجهها ألمًا، وفقدت قدرتها حتى في مواصلة البكاء فقد تعبت.
حين دخلت لغرفة التحقيق تلألأ التفاؤل في عينيها وهى ترى أمجد، خالها كما المتعارف عليه جالسًا أمام المحقق، فتقدمت منه مستبشرة فرحة، وظنت أنه علم وحضر لإنقاذها، ثم وقفت أمامه مخاطبة إياه:
-أمجد الحمد لله إنك جيت.
قابلها بنظرات باردة غير مشفقة على وضعها، مما جعلها جاهلة لحالته، ثم انتبهت للمحقق يهتف:
-هسيبكم لوحدكم تتكلموا.
ثم غادر المحقق فاستغربت ورد مما يحدث ورغم ذلك نظرت لـ أمجد لمعرفة ما هو وضعها؟!، فتحدث معها في صلابة:
-اقعدي يا ورد.
احتاجت بالفعل للراحة فتحركت لتجلس مقابله، نظر إليها لبعض الوقت ثم شرع في إعلان ما جاء من أجله حين هتف:
-أنا جاي مخصوص وفي إيدي أخرجك لو حبيتي.
استنكرت كلمته الأخيرة، هي بالتأكيد تريد الخروج، ولم يعطيها المجال للرد حيث أكمل دون مقدمات:
-ورد خروجك من هنا مرهون بتوقيعك على الورق ده
نظرت حيث أشار فوجدت بعض الأوراق ويبدو عليها الأهمية مسنودة على المنضدة الصغيرة بينهما، ولأنها غير ناضجة كفاية لم تعي ماذا يريد أو بالأحرى ماذا يحدث معها، فاستفهمت:
-مش فاهمة؟!
نظراته القوية نحوها أحدثت بداخلها خوف لا تعرف ماهيته، وتفاقمت حدة رهبتها مما تلقاه الآن، فصدمها أمجد حين قالها صراحةً:
-كل اللي إنتِ فيه بسببي، وعلشان أخرجك هتمضي على كل ورقة قدامك………………………………..!!
يُتبع
- لقراءة باقي فصول الرواية اضغط على (رواية اجنبي مغرم)
لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها
أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)