رواية اجنبي مغرم الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم الهام رأفت
رواية اجنبي مغرم الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم الهام رأفت
البارت الحادي والعشرون
جال بأنظاره المبهورة حول غرفة مكتبها ككلِ، وذلك ما لاحظته حين جلست على مقعدها تتابع ما يفعله بطلعة ودّية وبسمة رائعة. تنهد رامي بعمق ثم تحرّك ليجلس مقابلها، خاطبها في لُطف:
-مبروك عليكِ يا ورد، إنتِ طيبة وتستاهلي.
-ميرسي يا رامي!
شكرته في رقة، ثم تابعت بشيء من التردد:
-بس بيني وبينك أنا أوقات مش ببقى مبسوطة
اهتم بأمرها وسألها مستنكرًا:
-ليه بس، كل حاجة عندك غيرك يتمناها، عاوزة أكتر من كده أيه؟!
أظهرت ملامحها هاجس ما يسبح بداخلها وهي توضح:
-فيه كتير هنا مش قابل وجودي، أنا حاسة بيهم!
أدرك رامي ذلك وقال متعقّلًا:
-طبيعي، أصلك هتشاركيهم في الأملاك، وكفاية مامتك بتحبك!
ردت بقليلٍ من راحة:
-دا اللي مصبرني على كل حاجة هنا
اعتزم تغيير الموضوع فقال بشوشًا:
-سيبك منهم، المهم جبتلك المحاضرات اللي فاتتك في اليومين اللي فاتوا
ثم ناولها دفتر كبير الحجم فأخذته ورد مسرورة لاهتمامه، فرغم أن ما يفعله دؤوب عليه منذ الصغر، كانت تتهلل مما يفعله من أجلها دومًا. خطر على بالها فكرة ما فاقترحتها مستبشرة:
-أيه رأيك تيجي تشتغل هنا؟!
تفاجأ رامي بذلك وبدت هيئته تعلن عدم تصديقه لتلك الفرصة المحدودة، فهتف فرحًا:
-صحيح يا ورد عادي لو جيت اشتغل هنا!
قالت في جد وهي تؤكد:
-صحيح جدًا، أنا اللي هشغلك بنفسي، أنا باسمي أسهم كتير هنا ومن حقي أشغّل اللي يعجبني
لمعت عينا رامي بوميضٍ مبتهج، ووجد أن يغتنم الفرصة أفضل بعملٍ ثابت، عن العمل مع أدريان، فعلى الرغم من أنه يطلب منه بعض المهام بأجرٍ كبير، إلا أنه رأى بعد زواج الأخير وانشغاله بابنة خاله تجاهل غير متعمد، لذا نظر لها وقال موافقًا:
-خلاص بعد التخرُّج هاجي معاكِ يا ورد
نجحت ورد في كسبه لصفها ومنحه المزيد من النعم بفضلها، فقالت متحمّسة:
-قلبي حاسس هنعمل شغل عظمة مع بعض هنا.
-بس على الله حسين ميعترضش على وجودي هنا
قال رامي ذلك في قلق، بينما اعترضت ورد منزعجة:
-دا مستقبلك، ومن حقك تختاره!
تردد في الحديث عن شيء خاص بهما ثم في حذر قال:
-إذا كان علاقتكم مش كويسة علشان وجودك هنا، فأكيد مش هيوافق على شغلي وخصوصًا معاكِ
جاهدت ورد ألا تظهر أنفعالها من حماقة الأخير الدائمة وتشدده السافر نحوها، فهتفت مستنكرة:
-ما هو هنا وبيشتغل، ولا هو حرام على غيره
تنحنح رامي محرجًا من تطفله وهو يقول:
-طيب طالما كده متسيبيه، أنا شايف إنكم مش لايقين على بعض ومش متفقين كمان.
توتر رامي حين انتهى من كلامه فقد خانه قلبه في معاودة التفكير بها رغمًا عنه، لكن صدّته ورد حين قالت بلمعة حُبٍ يدركها:
-بحبه!
رجفة خاطفة أصابت قلبه من كلمتها، فابتلع ريقه وأخفى معالم حزنه، قال في هدوءٍ منظور:
-بس ماما معترضه على جوازكم، إمبارح كنت معاها وقالت كده.
اكفهرت ورد من ذلك وهذا ما لاحظه، فجاء أمرًا على باله ولم يتردد في قوله حين هتف مترقبًا:
-منى اطلقت وكانت بعتاله جواب عاوزة ترجعله
اشتدت نظراتها ضراوة متفاجئة، فابتهج رامي داخليًا واستأنف:
-ماما علشان عارفه إنه بيحبها بتفكر يرجعوا لبـ..
صرخت ورد ليتوقف عن قول ذاك الهراء فلم تتحمل، ثم هتفت متهاجة:
-مش هيحصل إنه يرجعلها، هوديه في داهية لو عملها
صمت رامي مجبرًا من صوتها المنفعل وهيئتها المستاءة، فرمشت ورد وارتجفت قليلًا من أن يفعلها الأخير، وبات هناك منافس لها جديد، رفضت بداخلها حدوث ذلك ثم نهضت مستجمعة قوتها وهي تخاطبه:
-أنا هروح اتكلم معاه…………!!
*****
على يختٍ كبير نسبيًا، تزيّنت بفستانٍ راقٍ ذي أكمامٍ وطويل بمحاذةِ الأرض، ثم رفعت شعرها بهيئة كلاسيكية بسيطة ولم تفرط في تجميل وجهها. لم تدرك ديما ماذا خطر ببالها حين اختارت هيئتها، ولكن وجدت حضورها مع هذا الشاب الواقف أمامها يفرض عليها احترام فيما تفعله بالأخص معه، فقد رسم الحدود في التعامل بشكلٍ غير معقول. تنهدت ديما وهي واقفة تستمع له وهو يتحدث في دراية واضحة، وما أعجبها عدم مبالاته بكل البزخِ من حوله، وحين انتهى من كلامه ردت برقتها المعتادة:
-لما نرجع نبلغ عمي بفكرتك يا حسين، متأكدة هيوافق، أصلًا معجب بيك جدًا
جاء حسين ليرد فقاطعه انضمام أبيها المتذمر:
-يلا يا ديما هنمضي العقود
نظرت لـ حسين تحفزه على الذهاب معًا لاتمام ما جاءوا من أجله، فأخفى فاروق ضيقه من اهتمامها به؛ لكنه تجاهل ذلك وتوجّه ليجلس بجوار حمزة، الذي شرع في وضع الأوراق وتوقيع فاروق عليها في شغفٍ عجيب.
مما جعل حسين الواقف بجوارها يخاطبها متعجبًا:
-هو والدك بيمضي كده على طول وموافق على كل حاجة!
بانت سخرية ديما وهي تعلق ناظرة إليه:
-أصلًا دي فرصة لبابا، ما هو اللي اقترح عليه الشراكة
-واضح من كل حاجة إنه حد مهم قوي
ألقت نظرة على حمزة وهو يوقع هو الآخر، أجزمت بأنه شخصٌ جيد بل ممتاز لتقبل به كزوج ثم تنهدت رافضة حدوث ذلك، لم تجد نفسها سوى مع الآخر الذي شبّت معه وقضت سنوات برفقته رأت فيهن الحبيب. انتبهت ديما لـ والدها يخاطبها فنظرت له في توتر طفيف:
-أنا اتفقت مع حمزة على خطوبتكم، هو كلم جده والتاني وافق
ازدردت ريقها وقالت في تردد:
-أنا لسه بفكر يا بابا مش…
ثم تألمت في صمت حين ضغط بيده على عضدها كي تصمت مجبرة، همس لها ساخطًا من بين أسنانه:
-إنتِ تخرسي، هو فيه بنت ترفض واحد زيه
ثم رمقها بنظرة مستهزئة وهو يكمل:
-ولا لسه بتفكري في اللي مش معبرك وهيتجوز غيرك
أغمضت عينيها لوهلة متحسّرة على وضعها، فسألت والدها منكرة:
-هتغصبني يا بابا؟!
ترك ذراعها وقال في شدة لا تقبل النقاش:
-والجزمة على رقبتك كمان
لم تستوعب ديما ما يحدث لها وتمنّت أن تخرج من هذا الكابوس، ثم نظرت له في توسُل لم يؤثر عليه، بل أمرها في حدة:
-دلوقتي وحالًا تقربي منه وتتكلمي معاه، علشان النهارده هنحدد ميعاد الخطوبة.
ثم تركها واقفة مذبذبة الفكر وأدركت أن لا مفر لها من ذلك، نظرت حولها لتبحث عن حسين ربما يفيدها لكن وجدته على آخر اليخت يتحدث هاتفيًا مع أحدهم، واضطربت فجأة حين وجدت من يخبط على كتفها بأنامله، نظرت له وإذا به حمزة الذي يطالعها بنظرات مبهمة، ثم خاطبها بطلعته الحسنة:
-هاي ديما……..!
……………………………………………………
وقف حسين يستمع في برود متعمد لزوجته المنفعلة وهي تأمره بالمجيء، فقابل أمرها ساخرًا:
-مفكرة نفسك أيه علشان تقوليلي أعمل أيه، بشتغل عندك!
تماسكت ورد لتخفف من حدة هياجها وهي ترد عليه:
-أيوة بتشتغل عندي، وبكلمة مني أمشيك من هنا
لمح في نبرتها العجرفة والتفاخر بما هي عليه، وكل يومٍ يمر يزيد إصراره بعدم تركها كي يتحكّم فيها، وذلك ما دفعه للتفوه بـ:
-واضح إنك نسيتي إني جوزك، وبكلمة مني أنا أجيبك عندي، ويكون في علمك، أنا كلمت خالي وموافق أكمل جوازي معاكِ
ضحكت متهكمة من حديثه:
-ويا ترى هتتجوزني مع الست القديمة ولا هتعمل أيه؟!
فطن أن أحدهم قد أخبرها بخطاب الأخيرة وربما رامي من فعلها، فتنهد بعمقٍ وقال جادًا:
-شوفي، من النهاردة هتعيشي معايا، ولازم الكل يعرف إنك مراتي.
رغم أنها رغبت في البقاء معه، لم تٌرد أن تنهرها والدتها على ذلك، فإن علمت لن تسكت مطلقًا، فهتفت محتجة:
-مش هينفع، كلم ماما واتفق معاها
وصل حسين للنهاية فأغلق هاتفه مما صدمها، فنظرت ورد أمامها متضايقة ومتحيّرة، فهي لا تريد إغضاب والدتها التي بالتأكيد سوف تنزعج. ثم تفاجأت بوالدتها من خلفها تثني على ما فعلته للتو:
-برافو يا ورد
التفتت لها ورد سريعًا فتابعت لميس بنظرات إعجاب:
-دا الرد المناسب من بنتي العاقلة اللي بتحب مامتها
اغتبطت لميس من تفكير ابنتها، وتأكدت من حديث سيف، هي لم تحب الأخير كما أخبرتها، بينما نظرت لها ورد بفكرٍ متزعزع، فحياةِ الترفِ تلك قد تملّكت منها. احتضنتها لميس وقالت في حماس:
-ناقص خطوة واحدة، أطلقك منه…………!!
*****
بشرفة الصالة، وقف يستمع له عبر الهاتف وهو يخبره بتطورات صدمته، ثم زجره وهو بحالة غاضبة لتخبئة ما حدث عنه:
-Why didn’t you tell me, and where is my daughter now?!
-لماذا لم تخبرني، وأين ابنتي الآن؟!
لم يبغى أندرو تعكير صفو أيامه كونه تلهّي بزوجته ولم يجرم في ذلك، فبرر ما فعله معتذرًا:
-I didn’t mean to tell you, I knew everything first and Eileen is fine, she is with Mr. Suleiman.
-لم أكن اتعمد عدم إخبارك، لقد علمت بكل شيء أولًا وإيلين بخير، هي مع السيد سليمان.
تخضّب وجه نوح وهو يخبره، فمن الواضح أن جده سوف يستغل ابنته للضغط عليه كي يتراجع مثلما أمره من قبل، ابتلع ريقه قلقًا وهو ينتبه للآخر على الهاتف، حدّثه مذبذبًا:
-And my men are there?!
-ورجالي هناك؟!
توقع أندرو سؤاله فقال في حذر:
-They couldn’t stand before him
-لم يستطيعوا الوقوف أمامه
-Stupid, cowardly!
-أغبياء، جبناء!
ردد نوح تلك الكلمات ساخطًا من حماقة رجاله عديمي الفائدة، فهتف متأنيًا:
-Now let me think carefully, and wait for me to tell you what is required
-اتركني الآن أفكر جيدًا، وانتظر أن أخبرك بالمطلوب
أغلق نوح هاتفه مقطّب الوجه وقد شغله الأمر، لم ينتبه لوقوفه هكذا حتى حين خاطبته السيدة هنية في لطف:
-هتقف كتير يا قدري، يلا يا ابني
لم تجد ردًا منه فتعجّبت، فأعادت مناداته بصوتٍ أعلى:
-قدري يا ابني اللي واخد عقلك.
صوتها العالي هو من جذبه لينتبه، فقد تناسى اسمه المزيف ذاك، فالتفت لها مجيبًا ثم ولج للداخل مزيفًا بسمة صغيرة، فقالت السيدة بطلعةٍ بشوش:
-أنا همشي بقى علشان سايبة رشا لوحدها
أومأ متفهّمًا فتحركت السيدة للخارج ومن خلفها السيدة زبيدة لترافقها حتى الباب، حين رحلت أغلقت السيدة زبيدة الباب ثم تقدمت من نوح الواقف ينظر إليها في دهشة، ثم سألها:
-ألن تذهبي أيضًا؟!
جلست على الأريكة وهي تخرج تنهيدة مجهدة، قالت:
-هستنى عندكم رامي، أصل بصراحة خايفة أدخل الشقة بعد الحرامي اللي كان هنا!
تذكر نوح أمره فامتعض، فما علم به لم يسُر قلبه حين نجا. ابتسم في تصنّع لها وقال:
-سوف أذهب لرؤية شهد
أشارت له بالذهاب وحين سار ناحية غرفة الأخيرة رفعت السيدة زبيدة رجليها على الأريكة لتستلقي في وضعٍ مريح وهي تضع الشال عليها ثم أنّت بخفوت وهي تغمض عينيها معتزمة أخذ غفوة لحين قدوم ابنها….!!
فور وعيها بقدومه ادعت النوم على الفور، واطمأنت قليلًا حين جاهدت لوضع ذاك الغطاء على رأسها بعد رحيل والدتها، فتدرج نوح للداخل وقد استعجب، دنا منها ثم جلس على طرف الفراش أمامها، ومن أنفاسها المضطربة أدرك كذبها فابتسم، قال في مكر:
-هذا جيد، اعتقد فرصتي لأخذ قُبلة
فتحت عينيها سريعًا ثائرة، فضحك نوح على منظرها، هتف مستنكرًا:
-لا عليكِ أن تفعلي ذلك، فأنا من سأتولى كل شيء خاص بكِ
جاء الحديث الجاد فقالت محتجة:
-مش هينفع تعملي حاجة، إنت ناسي اتفاق جوازنا
أظهر بأسه من سوء معاملتها وهو يستعطفها بزيف كلماته:
-شهد لا أريد الانفصال بيننا، أنا أحبك، وما تفعلينه معي يزعجني، متى سوف ترضي عني؟!
نبرته اللطيفة جعلت قلبها يرق، ونظرت له في شرود كأنها تفكر فيما بينهما، فمنذ ارتبطت به لم يبخل عليها بشيء تطلبه أم لا، وأخيرًا ما قام به من أجلها، لكن طلعته أقفلت رغبتها منه، وما هي عليه الآن من وعكة أوجم قلبها، فاندثرت أحلامها وعليها الرضى، وأنكرت ذلك بداخلها، لذا قالت في حيرة من أمرها:
-سيبني أفكر!
لم يتفاجأ من عدم قبولها، ورغم ذلك وجد في ردها الأمل، فهز رأسه ولم يعلق، ثم شعرت برغبة ملحة للذهاب للمرحاض، فتساءلت:
-ماما فين؟!
تيقن أنها تريد شيء، فقال مهتمًا:
-ماذا تريدين؟!
-ماما فين عاوزاها؟!
سألته مرة أخرى بوجهٍ مُكشّر، فتضايق من استمرار عنادها في قبول مساعدته، لذا هتف كذبًا:
-لا يوجد أحد هنا سوى أنا وأنتِ!
امتعضت شهد ولم تجد حلًا لورطتها، فنظر لها شغوفًا في معرفة قرارها. بينما جُبِرت شهد على الاستعانة به، معللة بداخلها أنه زوجها ولا حرج، فنفخت وقالت مستسلمة:
-عاوزة أروح الحمام!
لم يتوانَ في الاستجابة فمال عليها ليرفعها فسقط حجابها وتلك هي المرة الأولى التي يرى فيها شعرها كاملًا، رغم أنه رأى الكثير لكنها كانت تختلف، وتطلع عليها بقلب يخفق، فضمرت شهد حرجها فالقادم أسوأ. حملها نوح على مهلٍ ثم سار بها في خفةٍ للمرحاض. عاونها فيما تحتاجه وسط خجلها مما يحدث، ولكي لا يربكها كان يبعد نظراته في كثير من الأحيان، ولم يخفي محبته من علاقتهما.
وقتما انتهت حملها ليعود بها كما كانت، ولم تلاحظ شهد السيدة زبيدة التي تنام على الأريكة في ذهابها أو عودتها بسبب ارتباكها. كان نوح يشعر بنبضاتها، فلم يُظهر هو أي شيء يثير توترها، ثم وضعها برفق على الفراش، وحين جاء ليبتعد تبادل النظرات للحظات، حتى حاولت التجاهل بإبعاد نظراتها وهي تقول:
-شكرًا!
ابتسم لها ووهلة مرت واستمع الاثنان لصوت السيدة زبيدة من الخارج تقول:
-أنا همشي بقى يا قدري رامي وصل
اعتلت شهد الصدمة الممتزجة بالغيظ وهي تضغط على أسنانها، فرمش نوح في براءة مزيفة ولم يجد ما يعلل به فهو قد خدعها، فعنّفته شهد مستاءة:
-آه يا سافل يا وقح…………!!
1
*****
بالصالون، استمع في هدوء لأبيه وهو يعلن استيائه، بل رآه الأخير باردًا وهو يذم في أفعال ابنته والمُدعية حفيدته، ولذلك عَمَد على المكوث في قصره والتغاضي عما يحدث بالشركة. فعلّق أمجد حذرًا:
-حضرتك عارف لميس بتحب بنتها قد أيه، ومن وقت ما بقت جنبها مبقتش شايفة غيرها.
تهكم السيد منير من شخصيته الضعيفة قائلًا:
-وهتسيب كل حاجة تروح للبنت دي، دا بدل ما تشوف ليها حل يخليها تخفى من خلقتنا، هو دا الراجل اللي هيورثني ويشيل اسمي!
تزعزع أمجد في جلسته، وأظهر استيائه من تقليل والده منه:
-أنا شايف شغلي يا بابا وفاهم كل حاجة، حضرتك عاوزني أنا ولميس يكون فيه بينا مشاكل!
رفع السيد سبابته كأنه يعلن شيئًا هامًا وهو يقول:
-يكون في علمك، البت دي دلوقتي أو بعدين مستحيل أقبل بيها، مكنتش تعبت نفسي وشيلتها من اسم العيلة
تبرّم أمجد من سطوة والده، واعترض على كراهيته لفتاةٍ شابة صغيرة، وتدبير مكائد للتخلص منها، ورغم ضعفه أمامه قال:
-حضرتك هي مش هتاخد منك حاجة، اللي خادته ورث…
نظرة السيد الحادة نحوه جعلته يصمت متوترًا، فهتف الأخير مستاءً من حماقته:
-أنا اللي تعبت، وأنا اللي كنت شغال في أملاكها وهي راقدة عيانة، تروح بعد دا كله تكتب كل حاجة لعيلة بنت واحد مجبوش يمسح جزمتي
-ما هي برضه بنت لميس!
نطق أمجد ذلك ليخفف من حدة غضبه، لكن هيهات من ذلك فتلك النقطة بالأخص تعكر صفو السيد ولذلك لم يندم مطلقًا على خطوة التخلي عن نسبها. حدق به السيد وأمره في جد:
-البنت دي تشوف طريقة وتخلصني منها. أنا بقيت بقرف أروح الشركة من المزبلة اللي بقت فيها.
ثم تنهد وهو ينظر أمامه متضايقًا أكثر وهو يتابع:
-بقالي سنين اسمي فوق، في الآخر بنتي عاوزة الناس تتكلم عني، دي فضيحة ليا ولعيلتي
اغتم أمجد وهو يستمع لوعيده ونفوره من حفيدته، ولم يجد بُدًا غير طاعته، فنطق متعثرًا وهو يسأله:
-عـ عاوزني أعمل أيه يا بابا……….!!
*****
استغل كل فرصة تجمعهما، حتى انتهى الاجتماع وظل بجانبها بالغرفة يدّعي أنه يعاونها في معرفة سير العمل بالشركة، كانت اللحظات رائعة بالنسبةِ له، لكن أشعرتها بالحرج من قربه المتعمد لها، الذي واجهته في جميع الأحيان بالابتعاد والحذر. تجلّد سيف حتى يفوز بها فقد تعطّش للطف بينهما.
نهضت ورد لتنهي جلستهما في توتر داخلي، قالت:
-كفاية كده تعبت، بعدين نكمل
تابعها هو الآخر وقال متلهفًا:
-يلا علشان أوصلك
اهتزت من طلبه لوهلة غير راضية ثم زيفت بسمة وهي تمتن له:
-شكرًا يا سيف، خليها يوم تاني
قطب وجه وهو يبدي حزنه:
-ليه، لأكون ضايقتك وأنا مش واخد بالي؟!
نفت سريعًا وهي توضح:
-لأ، كل الحكاية إن حسين هيوصلني
حين لاح غضبه أكملت في عجالة:
-هيوديني أشوف شهد
كذبت ورد فقد تشدّد الأخير في أوامره وتحكمه بها، فَزّم سيف شفتيه وهو يرضخ لذلك، قال مدركًا:
-عارف إنك مش بتحبيه، حاولي تتجنبيه على قد ما تقدري أكيد بيضايقك!
أبانت عكس ما بداخلها حين ردت حذرة:
-متخافش عليا، ميقدرش يعملي حاجة
ابتسم لها ثم رافقها في الخروج من الغرفة، وفي الرواق استأذنت لتجمع أشيائها قبل عودة الأخير ورؤيتها معه، بينما وقف سيف بمفرده متجهّمًا، ثم أخرج هاتفه ليحادث أحدهم، أمره حانقًا:
-متنفذش النهارده اللي قولتلك عليه، واستنى مني خبر
أنهى مكالمته وقبل أن يعود لمكتبه ناداه فؤاد:
-سيف استنى!
دنا منه فؤاد وكان الأخير يتقدم منه هو الآخر، هتف فؤاد منزعجّا:
-شوفت عمك فاروق عمل أيه النهارده!
أعْرب سيف عن إنصاته له فاستأنف الأخير في توغر صدر:
-عمل شراكة مع حمزة عمران، ومش بس كده دا هيجوزه لـ ديما
لم يكن الأمر مزعجًا لـ سيف بقدره هو، فقال في برود مستفز:
-يعمل اللي يعمله، وأنا مالي
-دي فضيحة وتقليل مننا
قالها فؤاد مستنكرًا، فجاء سيف ليرد لكنه لمح على الجانب الآخر من الممر قدوم ديما مع حُسين، تأمل وجهها فرأى الجمود وأدرك أنها مرغمة على الزواج، جاهد على عدم الاهتمام ونظر لأخيه قائلًا قبيل تركه:
-الكلام ده متقولوش ليا، قوله لأبوك وعمك…………….!!
*****
في بهو الفيلا، داعبت الصغيرة في ود وهي تلعب معها على الأرض وسط ألعابها كطفلة مثلها، أبانت منذ جاءت لطافة لا مثيل لها فهي ابنة أخيها الوحيد، وكانت ساندرا تقف جانبًا تتابع ما يحدث كالملجوم لسانها، تاركة سيدها يتصدى لهم، فقد ارتاحت حين أبلغت أندرو بما حدث.
أطلّ وقتها رجلٌ من الباب بشعرٍ مسترسل كالفضة، يرتدي قميصًا أبيضًا، وسروال من القماش أسود اللون، وعلى وجهه سماحة وهيبة علنية رغم كِبر عُمره. تقدم للداخل قاصدًا غرفة مكتبه ومن خلفه رجل ذي بنية قوية ويبدو عليه الشدة، والواضح مرافقته له في كثير من الأحيان.
حين انتبه لهن السيد سليمان أمر من معه قائلًا:
-Ghost, go to the office and wait for me!
-جوست، أذهب للمكتب وانتظرني!
أطاعه الأخير وذهب فورًا، بينما تقدم السيد من حفيداته التي نهضت أكبرهن وقالت في احترام:
-Good evening, welcome, grandfather!
-مساء الخير، أهلًا بك يا جدي!
ابتسم لها السيد ثم جلس على المقعد المجاور للصغيرة، سأل مهتمًا وهو يميل ليمسح على شعرها الأشقر:
-Is my little girl okay?
-هل فتاتي الصغيرة بخير؟
ابتسمت له الصغيرة بينما أجابت عليه الأخرى في تأكيد:
-She’s fine, I’m doing everything I can to make her happy
-إنها بخير، أفعل ما بوسعي لإسعادها
نظر لها السيد وأعلن محبته لطاعتها له قائلًا:
-Dear Laila, you are a wonderful and obedient girl, unlike your stubborn brother!
-عزيزتي ليلة، أنتِ فتاة رائعة ومطيعة، بعكس أخيكِ العنيد!
طاعتها له لم تقلل من محبتها لأخيها حين قالت:
-Noah also loves you grandpa, he’s not bad!
-نوح أيضًا يحبك جدي، هو ليس سيئًا!
لم يقتنع السيد فهو يرى غير ذلك، فاقتضب في الرد وهو ينهض:
-I hope so!
-اتمنى ذلك!
ثم تركها واقفة تتبع ذهابه بشيءٍ من الضيق، فهي مدركة لكم سطوته تجاه أخيها، فوجود صغيرته هنا مقيّد بشروط، وللحظة تذمرت من عناده، فقالت متأففة:
-Noah, you stubborn person, where are you?!…………
-نوح أيها العنيد، أين أنت؟!………..
*****
بات لوقتٍ طويلٍ يطلب العفو منها، هو فقط أعرب عن محبته في معاونتها ليس إلا، لكنها وعيت لأسلوبه الوقح في استغلال ظروفها، خاصةً حين انكشفت عليه، ليس بالمعنى المقصود، لكن استباح رؤيتها بمنظرها ذاك.
نفخت شهد بقوة مجهدة فلا داعٍ لما تفعله، فقد حدث ما حدث وانتهى، هي بالفعل تحتاج للمساعدة، فنظرت له وقالت:
-ممكن تعملي حاجة سخنة أشربها!
طلعته المبتهجة حين تطلب شيء تطرب قلبها، ولم تشعر بأنها حملٌ ثقيلٌ عليه، وذهابه المُطيع قد أحبته.
استغلّت شهد الفرصة وبصعوبةٍ كبيرة أمسكت بهاتفها المسنود بجانبها، فتحته في عجالة لترى ما به، وإذا بكم هائل من الرسائل النصية، أغلبها من رقمٍ مجهول ومن أقارب صديقتها أماني، يخبروها باختفائها وسؤالهم عنها، اضطربت شهد وأدركت أنها كانت تتعامل مع عصابة ليست سهلة وتوقّعت تخلّصهم منها، فما فعلته من سوء لا يضاهي مأْثَم ما يقوموا به. ثم بإصبعٍ يرجف فتحت الرسائل المجهولة، اتضحت أنها من ذا السافل وهي تقرأ فحواها بأعينٍ مهزوزة، لم تجد سوى تهديدات بالقتل، فتجمدت خائفة، وما أثار هلعها الفيديو المرفق، تأكدت بأنه من أخبرها به، ولم تجرؤ على فتحه الآن، ثم بأنفاس مضطربة أغلقت الهاتف محاولة التنفُّس في هدوء.
ولج نوح الغرفة حاملًا لصينية صغيرة عليها كوب كبير نسبيًا، اقترب منها ثم جلس، قرّبه منها وقال متوددًا:
-جهزت الحليب الساخن بالشيكولا
بجهدٍ كبيرٍ منها ابتسمت ممتنة مجتهدة في تناسي ما رأته للتو. عاونها نوح على الاعتدال وقال:
-سوف يعجبك كثيرًا
بدأت شهد في ارتشافه بمعاونته وسط نظراته المهتمة نحوها، وفي ظل الجو الذي يمنحه لها شعرت بودٍ غير عادي معه، فسألته في ألمٍ:
-هتفضل تهتم بيا؟!
لم تهتم لرده كثيرًا، فإن استغنى فله الحُرية، فقليلٌ ما تجد زوجًا يفعل مثله. لامس نوح بأنامله صدغها فتوترت، وبداخله رفض ضعفها، ولم يتخيل مطلقًا أن تكون يومًا هكذا، رد مؤكدًا:
-بالطبع سوف أفعل!
أعادت رأسها للخلف ولمعت عيناها بدموعٍ، مبتئسة على وضعها فجُل جسدها يؤلمها، استاء نوح لذلك ودون وعي ضمها مرددًا:
-لا حبيبتي لا تفعليها
اضطربت من ذلك وتناست حزنها، فأحس نوح برجفتها لكن لم يتزحزح، وفي تلك اللحظة وجدت أنها تريد شخصًا قريبًا منها، فعاد قرارها بالتودد إليه من أجل سلامتها، ليس استغلالًا، بل واجب منه عليها، فسكنت بين ذراعيه ولم تبدي رفضًا. فابتسم نوح مسرورًا، ثم سألته مرة أخرى لكن في اهتمامٍ كبير:
-مش هترجع تعايرني إني كنت مسجونة……….!!
*****
-أنا عند شهد، هفضل عندها النهارده!
أخبرت ورد والدتها حين وقفت جانبًا مختلقة سببًا لعدم عودتها لشقتها، وظلت تحادثها همسًا حتى أغلقت الهاتف. التفتت متأففة من تعلُّقها بها، فقد اختارت بقائها معه، ربما تستغل ذلك مستقبلًا، ثم سارت لتبحث عنه، وأثناء ذلك كانت تجول بأنظارها شقته الجديدة، فلم يسع الوقت لرؤيتها جيدًا حين ولجت برفقته حيث هاتفتها والدتها.
انتبهت ورد له جالسًا في هدوءٍ شديد، وفي حالة شرودٍ مدرار، تقدمت منه مبتسمة ثم جلست بجانبه، واعتزمت استخدام دلالها لجذبه إليها هي فقط وتلك فرصتها، لم يشعر حسين بها إلا حين وضعت يدها على كتفه وتخاطبه:
-حسين!
نظر لها لبعض الوقت في وجوم، تأمل وجهها الفرح بوجودها معه، بينما هو ضمر حرجه من وجوده الآن برفقتها، لم يتخيلها يومًا زوجة له، لطالما كانت معه طوال الوقت ولم يفكر بها إلا كأختٍ صغيرة فقط، واليوم عليه أن يعتبرها زوجة، وتذمر من ذا الوضع العصيب الذي وضعه خاله به، فكيف له أن يبادلها المحبة و…
نهض حسين غير باغٍ لتخيل المزيد وتعالت أنفاسه فلم تأتيه الجُرأة لأن يفعلها، وعن ورد ظنت ودّه القديم لزوجته عاد طيفه ليؤثر عليه هكذا، فانزعجت داخليًا وابتأست من استمرار محبته لها ثم نهضت خلفه متذمرة.
وقفت بجانبه فحاول حسين تجاهلها، ففاجأته حين قالت:
-قد كده بتحبها، واحدة سابتك لسه بتفكر فيها!
التفت لها مستنكرًا ما تفكر به، فنفى ذلك قائلًا:
-لأ مبفكرش فيها، وبطلي إنتِ تجيبي سيرتها.
كان يتحدث بعصبية ثم تركها ووقف في جانب آخر منفعلًا. تعجّبت ورد وزادت حيرتها من حالته، فتحركت لتقف خلفه وسألته متحفزة:
-أومال ليه طلبت أعيش معاك وبتتجاهلني
أدرك مغزى كلامها وتضايق من نفسه، فلم يُجهز سببًا لذلك الموقف، ثم لام خاله في نفسه مرة أخرى. استدار لها حسين مستجمعًا رباطة جأشه وقال مترددًا:
-ورد ممكن نفضل سوا فترة على مناخد على بعض
وصلها من رده شعوره نحوها، هو يخجل منها، لم تجد غير أنها ابتسمت فاقتربت منه متهللة حتى لامسته، ارتبك حسين من قُربها فقالت في رقة:
-حسين لو دا السبب عادي، إحنا متجوزين
ثم طوّقت عنقه في بادرة ودّية منها، ورغم ما قالته ظل كما هو مترددًا، ثم تأمل حُسن طلعتها الجذابة، التي تُخصع أي رجل، ونهر شخصيته في ترك ذاك الجمال، فكثيرًا ما يتفاخر بها حين تكون معه.
طال سكوته فسلّطت بصرها عليه وقلبها يترجرج من نظراتهما المتبادلة، حتى تفاجأت به يحتضنها بقوة فوصلت فرحتها عنان السماء، وقد قرر حسين أن تكون ملكه واليوم حتى لا يندم بعدها، ثم تركته يفعل ما يحلو له لتتوالى مفاجآته لهــا……………………………………………!!
يُتبع
- لقراءة باقي فصول الرواية اضغط على (رواية اجنبي مغرم)
لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها
أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)