رواية اجنبي مغرم الفصل الثاني عشر 12 بقلم الهام رأفت - The Last Line
روايات

رواية اجنبي مغرم الفصل الثاني عشر 12 بقلم الهام رأفت

رواية اجنبي مغرم الفصل الثاني عشر 12 بقلم الهام رأفت

 

البارت الثاني عشر

 

 

-لأ مش هقدر آجي، أصل وأنا طالعة الشقة إمبارح وقعت من على السلم!
أخبرت ورد والدتها كذبًا سبب عدم مجيئها للشركة اليوم وهي تنظر في غيظ لـ حسين الذي ولج للتو غرفتها ثم جلس على طرف الفراش تاركًا مسافة معقولة بينهما. فردت لميس عليها في غير رضى:
-نفسي تيجي تعيشي معايا، هحاول أظبط الموضوع لو هشوفلك مكان مناسب، وجودك عندك مضايقني.
ترددت ورد في إعلان القبول رغم استساغة ذلك لرغبتها، وبررت رفضها بـ:
-مقدرش أعمل كده من غير إذن بابا.
تحفّز حسين في الإنصات جيدًا فالأمر يبدو هام وتفهم أن من تتحدث معها والدتها، وبداخله انزعج من نسيانها إياه في مخططاتها المستقبلية وأخذ المشورة منه فهو زوجها، وزاد الأمر سوءًا هو ردها عليها حين قالت في توتر استشعره من نظراتها نحوه:
-قوليله إني كويسة، وبكرة هكون موجودة وخفيت إن شاء الله وهشوفه
حدق بها حسين في جمود خلفه ضيق كبير، ثم تجهّز للحديث معها حين أنهت كلامها، خاطبها في هدوء ظاهري:
-عاملة أيه؟!
اعتدلت ورد جيدًا في جلوسها وقالت:
-الحمد لله!
لاحظ جفاء جديد في الرد عليه، فأدرك أنها ما زالت غاضبة منه، فقال:
-باين لسه زعلانة، ما أنا قولتلك مقدرش ألمسها.
أبانت ملامحها الاستياء وعدم الاقتناع من تبريره، فهتفت توبخه:
-لأ قاصد تسيبها، كنت بعدتني من الأول زي ما عملت، بس كل ده علشان كلامي معاك إمبارح.
حين تذكّر حديثها بالأمس تجدّد ضيقه، بالمزامنة مع ما سمعه قبل قليل، فسألها كابحًا إعلان سأمه:
-وليه مش عاوزة مامتك أو الأستاذ سيف يعرفوا بجوازنا، ليه بتخبي؟!
جاءت اللحظة لتثأر لنفسها من غلاظة حديثه معها، فقالت في غرور:
-أولًا علشان على رأيك هنتطلق ومفرقتش، ثانيًا بقى أنا معجبة بـ سيف وأتمنى حد زيه اتجوزه، فينا حاجات كتير من بعض.
هتف مستنكرًا وقاحة ردها:
-فيه واحدة متربية تقول كده لجوزها.
احتجت على إدانته لها في أمور هو اختلقها، وزواج قيّده بشروط لعينة، فهتفت تدافع عن نفسها:
-أنا مبقتش فهماك، مش بتقول اللي بينا ولا حاجة وهنطلق، ليه مضايق وبتكلمني كده؟!
إحساس غريب طرأ عليه جعله لم يتحمل ما تفعله، وود منعها مستغلًا ارتباطه بها، لكنه تراجع مجبرًا فعلاقتهما لن تدوم، بينما رغبت ورد أن يملي أوامره كونها زوجته بتعمّدها استفزازه، فذاك الشعور سوف يبرز علاقة قادمة بينهما، ثم غمرها إحباط سحيق حين قال مكشّرًا:
-اعملي اللي إنتِ عاوزاه، بس تكوني محترمة في تصرفاتك على ما نطلق.
حافظ حسين على شعوره كرجل أمامها، فنظرت له خالية التعابير، ثم علّقت على كلامه محتجة:
-طول عمري محترمة، مش مستنية حضرتك تقولي
أدرك عدم رضاها بما قاله فوضـح:
-الفلوس بتغيّر الناس، يا ريت متكونيش منهم
سخرت من رده حين قالت:
-زي طليقتك كده لما سابتك
اهتزت نظراته نحوها فقد هيّجت بركان غضبه حين ذكّرته بالماضي، وأحس من هيئتها أنها تثير حنقه وربما تتشفى منه، فقال ليسترد ثقته ويقلب الأمور عليها:
-متقارنيش نفسك بيها، أنا زعلان منها علشان بحبها، إنما إنتِ لأ
أحمرت وجنتيها سُخطًا وغِيرة، وسلطت عليه نظراتها المستشاطة حين ميّز الأخيرة عنها رغم استغنائها عنه. نهض حسين وما زال متطلعًا عليها، قال في جد:
-مش عاوز أعرف إنك قليتي أدبك طول ما إحنا متجوزين، مش علشان بحبك، لأ، علشان شكلي بس
ثم دلف للخارج تاركًا إياها تحملق به في عدائية، ثم نهضت من الفراش وكأنها تناست ألم جسدها، فما أحدثه بداخلها كان أكثر ألمًا مما فيه، سارت ورد بالغرفة وهي تسبّه، وأخذت تفكر كيف تنتقم منه، حتى هداها فكرها لشيء متهور، ثم اقتنعت بما قررته وقالت:
-مش علشان باحبك هتهون عليا من اللي هعمله…………!!

*****
بلغ بالسيارة الجديدة الحارة بمساعدة برنامج تحديد المواقع، ثم ابتسم في انتصار فقد فعلها بمفرده رغم أنه غير دارسٍ للشوارع. وحين جاء ليغلق البرنامج من على هاتفه تفاجأ بمكالمة لم تكن على البال، وفورًا لعن نفسه على غبائه فذاك التطبيق الأحمق أعطى فرصة للغير للاتصال به بفضل بيانات جواله، ثم أغلق البرنامج سريعًا. اضطر أدريان للإجابة على مضضٍ قائلًا:
-What do you want, Sandra?
-ماذا تريدي ساندرا؟
لم تصدق أذنيها بأنها تستمع لصوته وأنها قد وصلت إليه، وكانت بعكسه تمدح حظها، تساءلت في لهفٍ:
-How are you, Mr. Noah?! Everyone is asking about you!
-كيف حالك سيد نوح؟!، الجميع يسأل عنك!
تأفف من مهاتفتها له وهتف:
-Didn’t I tell you that I’m going to work and you have to tell them that? What do you want now?!
-ألم أقل لكِ إني ذاهب للعمل وعليكِ إخبارهم بذلك، ماذا تريدين الآن؟!
تلجلجت من نبرة غضبه وبررت:
-Ellen has been sick for two days, and has been asking about you a lot
-إلين كانت مريضة منذ يومين، وكانت تسأل عنك كثيرًا
ملأه القلق وتساءل منفعلًا:
-What’s wrong with her?
-ما بها؟
ردت في حذر:
-She had a cold and her temperature rose
-أصيبت بنزلة برد فارتفعت حرارتها
-Didn’t I tell you to protect her, and if anything happens to her, I will kill you!
-ألم أخبرك أن تحافظي عليها، وإن حدث لها شيء سوف أقتلك!
ذابت أوصالها من زجره الضاري، هتفت في خوف:
-She is fine now sir, and she called you maybe you want to talk to her.
-هي بخير سيدي الآن، واتصلت بك لربما تريد التحدث معها.
هتف محذرًا في امتعاض:
-I don’t want to, just tell her what I told you, and don’t tell anyone that you spoke to me!
-لا أريد، فقط أخبريها بما قلته لكِ، ولا تخبري أحد بأنك تحدثتي معي!
ثم أغلق هاتفه كليًا وهو يزفر بقوة، وعَمد على جلب هاتف آخر خاص بالسياقة. ترجل نوح من السيارة بعدما صفها جانبًا. استمع وهو يغلق الباب لصوت شجار حاد يأتي من العمارة، يطغى عليه صوت أنثوي منفعل، فأسرع خطاه لهناك ومعرفة الموضـوع.
لم يتخيل نوح أن زوجته أحد أطراف الشجار الدائر، ودون تفكير تقدم من الجمع المؤتلف على درجات السلم، وأخذ يحدق بزوجته وهي تمسك بفتاة ما وتضربها بشراسة. فخاطبته السيدة زبيدة حين رأته:
-قدري وصل، إمسك مراتك يا بني محدش قادر عليها
دُهش نوح من عنفها وقوتها بالمقارنة بالفتاة ضخمة الهيئة ذات الشعر المبعثر التي تتألم بين يديها، حيث استطاعت زوجته تطويعها كما تريد والتغلب عليها. ثم استجاب لحديث الجميع بإبعادها حين سحبها بقوة من خصرها وتمكن منها بصعوبة فقد كانت متشبثة بملابس الفتاة. فصاحت شهد وهي تتملص منه:
-سيبوني، أنا هعرّفها إزاي تمد إيدها على أختي
راق الأمر لـ نوح وهي بين يديه وقريبة منه هكذا حد الالتصاق اللعين، ولا إراديًا كان يزيف إبعادها بضمها إليه أكثر، فلطالما تمنى ذلك واستمر على وضعه يستنشق رائحتها. وبعد وقت انتبهت شهد لتلك الأيدي التي تلامس جسدها بطريقة منفرة، وفي لحظة من استيعابها للشخص الممسك بها مالت برأسها لتجده زوجها الوقح من يفعل ذلك فقد ظنته امرأة ما، وفي غيظ جاهدت لإبعاده وهي تزجره:
-ابعد يا متحرش!
فاق نوح على توبيخها له وتأفف داخليًا، لم يستمع لها بل حملها أمامه فركلت بساقيها في الهواء وهي تصرخ:
-دا إنت يومك منيل، نزلني بقولك!
تجمهر النسوة حول بثينة التي تتألم وتبكي، بعضهن يلومها والبعض الآخر يخفف عنها ما حدث لها، بالإضافة إلى حديث السيدة زبيدة المريح.
بينما ولج بها نوح الشقة بعد معاناة من حركاتها العشوائية العنيفة، ثم وضعها أرضًا وأغلق الباب، فالتفتت له شهد مهتاجة من تصرفه، وصاحت:
-جتلك الجرأة منين تلمسني بالشكل ده وقدام الناس كمان، يا سافل يا متحرش
رد في براءة مستفزة:
-لم أفعل شيئًا، واهدأي قليلًا!
انفعلت من سفاهته ثم خبطته في كتفه بعنف عدة ضربات قوية إعرابًا عن حالتها الممتعضة، فحاول نوح تحاشي ضربها له وهو يخاطبها مستنكرًا:
-قلت لكِ اهدأي، أنا زوجك والجميع يعلم!
حاولت تهدئة أنفاسها الغاضبة وهي تهتف:
-إنت صدقت نفسك، مبقاش غيرك إنت اللي بعد ما استنيت كتير تكون إنت نصيبي، دا كان يوم إسود!
تحرك نوح للأمام وقد أخفض رأسه فشعرت شهد بالنصر والسرور كونها سبب في حزنه الآن، لكنه لم يكن حزينًا، بل كان يتذكر ما قاله أندرو له، فقد جاء الوقت لجعلها تقلع عن تنمرها الدائم وغرورها المعتاد، ثم نظر لها بطلعة غير مفسّرة وأمرها:
-أنا جائع، عدي لي الطعام!
كانت مصدومة من بروده فقد أهانته للتو، ثم استهزأت:
-هو إنت فاكرني أيه علشان أعملك تاكل، روح أكل نفسك، كل واحد مسؤول عن نفسه.
أظلم عينيه وقال بنبرة غير مريحة:
-إذن أنتِ لن تفعلي شيئًا!
رغم أنها ارتابت في أمرة إلا أنها أوعزت قائلة في تأكيد:
-مبعملش!
ثم دلفت تجاه غرفتها تحت نظراته المتوعدة، فغمغم في عزيمة:
-سوف أجعلك تفعلي كل ما أطلبه منكِ………….!!
*****
تعجّب من حضورها مجددًا، فقد تركت المكان ولم يحلو لها العمل هنا، ورغم ذلك استقبلها أمجد في الممر بحفاوة:
-أول ما عمي قالي إنك راجعة الشغل تاني مصدقتش.
ابتسمت ديما في زيف وعانقته لتبادله السلام، قالت:
-لقيت نفسي فاضية، وبحس بفراغ
غمز لها في مكر فهو يتفهم سبب الطّلّة المحتالة منها، قال:
-فراغ برضه، ولا ورد اللي هتشتغل هنا!
ردت بهيئة واثقة وهي تتحدث:
-ورد مين اللي هتخليني أغير، مبقاش غير البلدي دي كمان
ابتسم قائلًا في استنكار:
-متنكريش إنها حلوة، عاملة زي الكريم كراميل، ناعمة وتدوبي فيهــا.
-لا وإنت الصادق تموّع النفس.
قالت ذلك في غيظ فضحك أمجد بصوتٍ عالٍ، ثم جذبها من يدها ناحية مكتبها القديم وهو يقول:
-تعالي دا أحنا هنشوف أيام حلوة هنا
جعلته يتوقف حين قالت في تكليف:
-استنى، أنا مكتبي القديم مش عاجبني، شوفلي مكان تاني، مثلًا هنا.
ثم أشارت على ناحية مكتب ورد، فاتسعت بسمته فيبدو أن الأخبار تصلها باستمرار، فقال في ظلمة:
-مش بقولك هنشوف أيام حلوة
-مش باين!
انتبه الاثنان لصوت سيف وهو يتحدث من خلفهما، فتضايقت ديما من رده وحاولت تجاهله، بينما التفت له أمجد وقال غامزًا:
-سيف روح إنت وأنا هتصرف مع ديما
حاول أمجد أن يبعدهما لعدم نشوب تجاذب عنيف بينهما، لكن وقف سيف أمامهما ناظرًا إلى ديما التي نظرت له مجبرة، ثم سألته في جمود:
-أيه اللي مش هيخليه حلو، ليكون وجودي يا سيف بيه؟!
تنهد ليجيب في هيامٍ اصطنعه:
-أصل ورد مش جاية النهارده، فأنا متضايق واليوم مش حلو
تمالكت نفسها ولم تعلن أي تضايق، فقد رتبت أمورها حين تأتي إلى هنا، ثم أثارت حنقه حين قالت ساخرة:
-إمبارح شوفت لارا، كان شكلها تعبانة، أكيد بعد ما أجهضت البيبي
تحرك سيف بغتةً نحوها ليعنفها من تطاولها عليه فوقف أمجد سريعًا بينهما، خاطبه في حزم:
-جرى أيه يا سيف، ناوي تعمل أيه
لم تنكر ديما راحتها في وجود أمجد، الذي شدد من عزمها، فتابعت كلامها المستفز:
-سيبه يا أمجد، مش جديد عليه يمد إيده على واحدة ست!
نظراته الشرسة نحوها كفيلة بأن تُخيفها، فتعالت أنفاسه وهو يرد نافرًا:
-عندك حق، أنا كده مع الستات السافلة بس!
-أنا سافلة يا سيف؟!
سألته مغتمة من رده، فنظر لها أمجد محتجًا بشدة وهو يخاطبها:
-اتجننتي ولا أيه، أكيد مش يقصدك، هتجيبي نفسك لمين!.
تطاول سيف عليها سابقًا جعلها تسأله هكذا سؤال، فنظر لها سيف محاولًا الهدوء فقد تمادى متعمدًا حد إهانة ابنة عمه، وبرر لنفسه بأنها من دفعته لذلك. أنهى أمجد حوارهما الحاد حين خاطبه:
-أنا هاخد ديما، روح إنت كمان على مكتبك
ثم أخذها أمجد وتركه واقفًا بانفعالات مختلفة، وتأفف كن وجودها هنا. ثم جاء اتصال جعل حالته تتبدل كليًا، فجاوب متهللًا:
-ورد، معقول بتكلميني بنفسك…!!
بينما أثناء طريق ديما وأمجد، عاتبها الأخير في ضيق:
-تقصدي أيه بإنك تجيبي سيرة البنت دي؟!
كانت أنفاسها مضطربة مما حدث، فقالت شاحبة الوجه:
-اتضايقت من كلامه عن الست!
نصحها في جد:
-كلنا عارفين سيف، وإنه ملوش علاقة بحد، فعصبيته اللي شوفتيها عادي
حاولت تناسي الأمر وتغيير الموضوع حين سألته مهتمة:
-مكتبي هيكون فين…………؟!
*****
كانت تُعد لهم القهوة بوجهٍ قاطب، تنكر بداخلها ما تراه في هيئتهما، وظلت هكذا تغمغم في عدم استيعاب، حتى انتبه لها رامي الذي يعاونها في تجهيز بعض الحلوى كضيافة. اقترب منها وسألها متعجبًا:
-مالك يا ماما إنتِ بتكلمي نفسك؟!
تركت ما بيدها وهي تنفخ بقوة، قالت مستنكرة:
-طول عمري واخدة فكرة إن الأجانب دول حلاوة أيه وبياض أيه، مشوفتش أبدًا واحد وزنه طن والتاني أسود
قهقهه رامي في خفوت ولم يتحمل سخرية والدته، قال موضحًا:
-يا ماما عادي، فيه نوع حلو وفيه مش حلو قوي
-من حظنا النوع اللي مش حلو
قالت ذلك متهكمة وهي تكمل تجهيز القهوة، فـقبّل رامي كتفها وهو يقول معاتبًا:
-يا ماما دي خلقة ربنا، إنتِ فاهمة وعارفة!
تنهدت وقالت مدركة:
-ونعم بالله، بس شكلهم يسد النفس، وقال التاني اسمه أنور وهو أسود!
-يا مـامــا!
-خلاص خلاص مش هتكلم، يلا علشان مستنين برة…!!
………………………………………………………..
في الصـالون، تبادل نوح الحديث الهامس مع أندرو الذي فقد السيطرة على نفسه من هيئته المضحكة، كان نوح ينهره بشدة ليتوقف عن مزحه فالأمر ليس سهلًا، وبصعوبة جمة توقف أندرو لكنه لم يتخلَ عن عدم قبول شكله للآن، ولم يتأقلم مع بشرته السمراء، فقال معترضًا:
-What if it gets deleted, or I forget and do something stupid to my face? The last time went well!
-ماذا إذا تم مسحه، أو نسيت وفعلت شيء أحمق بوجهي، المرة السابقة مرت على خير!
فاجأه نوح حين ابتسم في سخافة له وهو يوضح:
-Rest assured, my dear, this does not go away easily, unlike the previous one
-اطمئن عزيزي، فهذا لا يزول بسهولة بعكس السابق
اشتدت نظرات أندرو عليه في استياء واضح، ثم بيده لامس بشرة وجهه، نظر لكفه ولم يجد شيء، فعاد يحدق به لائمًا على ذلك، هتف منزعجّا:
-Will I stay like this?!
-هل سأظل هكذا؟!
تأفف نوح من استمرار حماقته، همس محذرًا:
-You idiot, we came for a mission, not to joke and complain.
-أيها الغبي، لقد جئنا من أجل مهمة وليس للمزاح والتذمر.
تجشّم أندرو لما يحدث، فليكفي ما يفعله هو في نفسه، ثم انتبه لقدوم السيدة زبيدة ومعها رامي، فاعتدلوا في جلستهما، لمح أندرو السيدة تنظر لهما في اشمئزاز استشفه بحسه خلف بسمتها لهما، ووجد أنها محقة في ذلك، فهو نافر من نفسه. ثم زيّف الاثنان بسمة وهما يضعان القهوة والحلوى على المنضدة، فقالت السيدة زبيدة مرحبة:
-نورتنا يا أنور!
لم يعترض أندرو على لقبه الجديد ولم يتهكم، فشكله بذاته محل سخرية، قال:
-شكرًا لكِ سيدتي!
هتف نوح في حماس:
-صديقي أندرو يعمل في المخابرات الأمريكية، وأخبرته بأمر السرقة، فتحمّس لمعرفة من السارق، وجاء لسؤالك سيدة زبيدة.
أنصتت السيدة زبيدة في اهتمام، وأقلقها الأمر، فإن كانت تخفي شيئًا عن حكومة بلدها، هل سوف تكشفها للغريب، وهنا تأججت وطنيتها ورفضت قطعًا الموضوع حين هتفت:
-لو فيه حاجة مهمة هبلغ الحكومة هنا، إنما هو دخله أيه بمشاكل مصر.
ارتبك أندرو وشعر بالحرج أيضًا، بينما أخفى نوح ضيقه وهو يعلل:
-لقد خفت لأجلك سيدتي، فالأمر مريب ومقلق
تحمّس رامي أيضًا لذلك، وشجّع والدته قائلًا:
-يا ريت يا ماما، ممكن تفكيره يخليه يكتشف مين عمل كده، وأهو مننا وعلينا يعني لو خايفة تروحي القسم وتتبهدلي.
فكرت السيدة في الأمر، وزحف عقلها لبداية ما حدث معها لتلك اللحظة، أرادت البوح ومحو الهموم الجاثية على صدرها لترتاح مما هي فيه، لكن منعها الوعد المشؤوم، وتراجعت عن ذلك. فنظر لها نوح في شغف يريدها تتحدث، فتفاجأ بها تقول رافضة:
-يا جماعة مافيش حاجة، تلاقيه حرامي وعارف إني بكون لوحدي أوقات كتير.
تضايق نوح منها ولم يعلن، وتيقّن أن هذه المرأة تخفي أمرًا هامًا، ولذلك عزم على معرفة الأمر بنفسه، وإن استغل أبشـع الطـرق للـتنفيذ………….!!
*****
ظلت تعمل بالمطبخ في جِد حتى أصبحت حالتها مزرية للغاية، فكل شيء على عاتقها بمفردها، ولم يخلُ وقتها من سب وقذف المسمى زوجها بأبشع الألفاظ والألقاب، وصاحت متوعدة له:
-بقيت بتشغل مخك عليا، إنت مطيرت النوم من عينك
ثم صرخت وهي تخبط بقدميها الأرض واستأنفت:
-ماسكني من إيدي اللي بتوجعني، بس على مين أنا هشوفلك حل وهحرق دمك
أرادت شهد البكاء ولكنها تجلّدت بالصبر، فسوف تنتقم لاحقًا من هذا الوغــد.
وهي في أوج انهماكها في إعداد الطعام الشهي كما أوصت والدتها، ولج نوح المطبخ مدهوشًا من كم الفوضى من حولها، ثم تأمل اجتهادها في العمل، ولم تلاحظ شهد وقوفه حتى قال بنبرة أغاظتها:
-Good girl (فتاة جيدة)
التفتت له وقد اشتعلت نظراتها الغاضبة نحوه، وودت بمغرفة الطعام التي بيدها أن تهشّم بها رأسه فنظراته تثير هياجها، هتفت:
-إنت مفكر نفسك أيه، وتقصد بأيه تعزم بابا وماما هنا، وهو إحنا يا بني آدم إنت مش متفقين
توجه ليأخذ ثمرة خيار ثم شرع في تناولها في برود مزعج، قال وهو يتأملها ككلٍ:
-أنتِ من بدأتِ معي!
بالفعل هي من افتعلت المواقف المشاغبة، وأجزمت بأنها لن تتراجع وسوف تكمل ما بدأته، ثم وعيت لنظراته الوقحة نحوها، فخبطته بالمغرفة على كتفه وهتفت:
-بطل تبصلي كده، أنا هقول لـ حسين على اللي بتعمله معايا يا قليل الأدب
استنكر أنه قد تواقح معها وهتف:
-ماذا فعلت، هل سوف تمنعيني من النظر
صرت أسنانها تريد مضغه بينها، فألقى نظرة سفيهة عليها وهو يقول دون حياء:
-لقد رأيت أجمل منك بكثير، وبملابس أكثر إثارة!
شهقت من سفالته، ثم قررت إغاظته حين قالت ساخرة:
-معلش ما إنت أخرك تبص عليهم، ولا واحدة فيهم هتنطس في نظرها وتبص لواحد زيك.
أرادت شهد مضايقته بالكلام فهذا ما تملكه الآن، وتعجبت من سكونه كأنها لم تتحدث، بل استمر في فظاظة تناول الثمرة مستمتعًا، وأضحت هي التي تنزعج، فصاحت منفعلة:
-إنت أيه، عديم الدم، يا بني آدم بهزأ فيك، ولا من كتر التهزيء بقيت مبتحسش.
سألها متجاهلًا ما قالته:
-ما هو طعام اليوم؟!، أريد mulukhiyah(ملوخية)، إنها لذيذة، السيدة زبيدة تُعدها جيدًا.
الصـراخ، هو الحل الوحيد مع هذا الأبله المثير للاستفزاز، وجاءت لتعنفه على بروده؛ لكن صوت جرس الباب منعها، فقال نوح متحمسًا:
-لقد وصل والداكِ!
ثم لامس أسفل ذقنها فخبطته لتبعده، فابتسم في سُخف وهو يقول:
-هيا أيها الفتاة الجيدة، أريدك اليوم أن تظهري محبتك لي أمامهما…………!!
*****
لم يذهب للبيت طيلة النهار، وانغمس في عمله بداخل الورشة ليفرغ عقله من التفكير بأمور أخرى، وأنكر بداخله أنه تناسى، بل ما يحدث معه كان يمر على ذهنه في أغلب الأوقـات.
وقف حسين أمام الورشة يتابع أحد الصبية وهو يغلق بابها الجرار، وحين انتهى تناول المفاتيح منه وهو يقول مجهدًا:
-الساعة ٧ تكونوا موجودين، الشغل كتير ولازم يخلص.
أطاعه الصبيان ثم انصرف كل منهما على مكان سكنه، بينما سار حسين في الحارة الهادئة قليلًا في هذا الوقت المتأخر قاصدًا مسكنه، وحين كان يتذكر أمرًا يجاهد لنسيانه. ظل على تلك الحالة حتى وصل للعمارة، ولم يلفت نظره هؤلاء الشباب المرابطين أمامها يدّعون الحديث معًا، لكن هم هنا من أجلـه.
وحين ولج من الباب على الفور كانوا خلفه، تفاجأ حسين قبيل صعوده الدرج بأحدهم يسحبه من الخلف فشعر بالدهشة اللحظية، حتى شرع كل منهم في ضربه سواء بالركل أو باللكم، فصاح منفعلًا:
-إنتوا ميــن؟!
وحتى استوعب حسين ما يحدث معه قرر الدفاع عن نفسه، لكن لكثرتهم كان محاولاته فاشلة، وتألم بقوة حين ارتمى أرضًا وهم فوقه يضربون بعنف بطنه ووجهه الذي نزف الماء. ومن حظه الجيد هو انتباه نوح للأمر من الأعلى بعدما طردته شهد خارج الشقة، فحمد حسين الله على حضوره وضربه العنيف لبعض الشباب، الذين تفهموا مدى قوته فهرب كل واحدٍ تلو الآخـر.
جثا نوح على ركبتيه ليعاونه على النهوض وهو يتساءل مزعوجًا:
-من هؤلاء، هل تعرفهم؟!
هز حسين رأسه بالنفي وهو ينهض متكئًا عليه، قال:
-معرفهمش، أنا مليش أعداء ومش زعلان مع حد!
شعر نوح بأن حمزة من أرسلهم، وزاد ضيقه منه فهو يفعل المستحيل ليسبقه بخطوات، ثم عاون حسين على صعود الدرج، فامتن له حسين:
-من غيرك معرفش كانوا هيعملوا معايا أيه!
-You are welcome man (على الرحب والسعة يا رجل)
ثم استمر نوح يعاونه على الصعود حتى بلغ شقته، فهتف حسين وهو يستند على الباب:
-الوقت متأخر، روح إنت وأنا هدخل متقلقش.
رفض نوح البتة تركه، بالأحرى لا يوجد مكان في ذلك الوقت ليلجأ إليه بعدما أغلقت اللعينة زوجته الباب وهو بالخارج، فهتف مُصرًا:
-لن اتركك مطلقًا، أنت لست بخير
ثم جعله يفتح باب الشقة وسط دهشة حسين، ثم سار برفقته للداخل، وحتى تفهّم حسين سبب وضعه، سأله مرتابًا وهو يجلس متألمًا:
-أدريان هي شهد طردتك من الشقة………….!!
*****
ببهو الشقة، جلست تتحدث مع مروة رفيقتها المقرّبة في أمورٍ شتى، حتى جاء الموضوع الأهم حين أخبرتها في ود:
-هاخدك معايا الشركة، أنا بس لسه بشوف الأمور، لكن لما نتخرّج هتعيّن وهيكون ليا مكان وهعينك معايـا.
ابتهجت مروة لسماحتها معها وشكرتها:
-إنتِ أحلى صاحبة في الدنيا كلها!
انتبهت ورد لحضور أبويها فأنهت معها الاتصال، ثم نهضت لتستقبلهما، خاطبتهما في لطف:
-حمد الله على السلامة!
تقدم أبواها للداخل فهتفت السيدة هنية في سرور:
-شهد النهارده أثبتت إنها مش بس متعلمة، وست بيت شاطرة ومدبرة.
ثم جلست بجانب الحاج منصور وخاطبته:
-شوفت التفاهم بينها وبين جوزها يا حاج، ما شاء الله عليهم، وكتر خيره، وصّلنا لحد البيت بعربيته.
استنكرت ورد الود بينهما وتلك المحبة، وأدركت أنها كذبة افتعلتها شهد أمام والديها فقط، فقال الحاج منصور في راحة:
-الحمد لله، حاسس إني مرتاح علشان مطمن عليها، عايشة كويس وأي بنت تتمنى تبقى زيها
نظرت السيدة هنية لـ ورد وقالت في حنوٍ:
-عقبال ما تطمن كمان على ورد، الأخوات هيعيشوا جنب بعض.
حافظت ورد على ثبات ملامحها أمامهما، فما تقوله السيدة لن يحدث، وأن تلك المزحة السخيفة ستنتهي عاجلًا. نهضت السيدة هنية من مكانها متعبة وقالت:
-هقوم أنا بقى أنام علشان صاحية بدري، تصبحوا على خير!
-وإنت من أهله!
ردوا معًا عليها فتركتهما السيدة متجهة لغرفتها، فنظر الحاج منصور لابنته وسألها:
-إنتِ مرتاحة في الشغل الجديد؟!
-قوي قوي يا بابا!
جاوبت سريعًا في قبول، فخاطبها الحاج في جد:
-عاوزك تخلي بالك من نفسك، إنت عارفة إن مش الكل هيحبك وقابل وجودك.
قالت متفهمة ذلك:
-كفاية ماما بتحبني، واللي مش بيحبني مش هكلمه.
-كانت مامتك كلمتني إنك تعيشي معاها، أيه رأيك؟!
سألها الحاج مترقبًا، رغم رفضه لتلك المسألة، ولأنها لم تعد صغيرة قرر أخذ رأيها، كي لا تنفر منه وتتركه مبهورة بما تفعله والدتها، فقالت ورد مترددة:
-لسه مش عارفة، لما آخد قرار هقول لحضرتك.
عدم راحة الحاج من تلك النقطة تقلق تفكيره، وتمنى الخير لابنته، لربما تحيا هنيئة في حياة جديدة تعوّضها عن ما افتقدته، فتنهد وهو ينهض، قال:
-أنا كمان عاوز أنام، تصبحي على خير
-وحضرتك من أهل الخير
ثم تركها الحاج بمفردها، فنهضت ورد هي الأخرى متجهة للغرفة، وأثناء سيرها رن هاتفها، فتوقفت مكانها وجاوبت على الفور بصوتٍ هامس:
-سيف مساء الخير !
أعلن الأخير وده وسعة محبته حين خاطبها في ثقة:
-شوفتي، نفذت اللي طلبتيه، إنتِ بس تؤمري
دق قلبها فجأة لا تعرف السبب، وأخفت خوفها على الأخير حين سألته في حذر:
-مكنتش تأذيه جامد!
وجد قلقها عاديًا فهو ابن عمتها، ومجرد طلبها ذلك منه يوضح أنها لا تحبه فسُرّ لمعرفة ذلك، قال مؤكدًا:
-رجالتي بيقولوا كويس، متخافيش هيعيش
ثم ضحك على ما حدث، مسرورًا بطلبها ذاك، بينما لم تتماشى ورد مع تلك الفرحة، ومع ذلك استمرت تريد الثأر لنفسها، فخاطبت نفسها في رضى:
-تستاهل كده يا سي حسين، وابقى هات سيرة حبيبة القلب قدامي تاني………………………………….!!

 

يُتبع

 

____

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)