رواية اجنبي مغرم الفصل العاشر 10 بقلم الهام رأفت
رواية اجنبي مغرم الفصل العاشر 10 بقلم الهام رأفت
البارت العاشر
راقب حركاته المثيرة للدهشة؛ مستنكرًا ما يفعله خاصةً معه، وذلك حين جمع متعلقاته بنفسه داخل حقيبة سفره في إهمال مبالغ به. حدق أندرو به في غيظ شديد من لا مبالاته بشخصه؛ مُلقيًا صداقتهما خلف ظهره، فمعنى ذلك أن عليه المغادرة، نفذ صبره ثم اقترب منه ليوبخه على فعلته، لكن تفاجأ به يلقي عليه منامته قائلًا:
-I forgot this
-لقد نسيت هذه!
تواقح أدريان معه جعل أندرو لم يتحمل حتى هتف منفعلًا:
-To this extent! I see you care so much about marriage!
-إلى هذه الدرجة!، أراك تهتم لأمر الزواج كثيرًا!
توقف أدريان عمّا يفعل ثم نظر له وهو يوضح موقفه:
-I’m getting married, and you can’t be here with me!
-سأتزوج، ولا يصح أن تكون هنا معي!
ابتسم أندرو متهكمًا من لهفته العلنية، فسأله في حيلة:
-Why did you agree?! Didn’t you say that you are here for a specific purpose, not for love!
-لماذا وافقت؟!، ألم تقل أنك هنا لغرضٍ معين، وليس للحب!
ارتبك أدريان ثم تحدث وهو يخرج من الغرفة للصالة ليهرب من نظراته الخبيثة تلك قائلًا:
-I just stand by them, nothing else
-أنا فقط أقف بجانبهم، ليس شيء آخر
أظلم أندرو عينيه وهو بالطبع خلفه غير مقتنعٍ بتبريره الزائف ذاك، ثم تعمد أن يقف أمامه ليرى معالم وجهه التي يخفيها، فتأفف أدريان من سخافته ثم نظر جانبًا، فسخر أندرو:
-You seem to like it, that’s obvious
-يبدو أن الأمر يروق لك، فهذا الواضح
حذّره أدريان بنظراته الحادة:
-It’s none of your business. How long have you been holding me accountable? I said just a service and that’s it
-ليس من شأنك، منذ متى وأنت تحاسبني، قُلت مجرد خدمة وانتهى الأمر
تراجع أندرو عن مناقشته في الموضوع حين لمح الغضب في عينيه، فقال حذرًا:
-But your marriage to her is not recognised, as your papers are fake
-لكن زواجك منها غير معترف به، فأوراقك مزيفة
تجاهل أدريان الرد على حديثه فهو مدرك لما يفعله، ثم خاطبه في أمر:
-You have to leave, I’m getting married the day after tomorrow.
-عليك المغادرة، سوف أتزوج بعد غد.
شُده أندرو من رغبته فتوالت أسئلته:
-You never asked yourself, Where will I go? Will you stay away from me?! And what about our mission here?!
-ألم تسأل نفسك إلى أين سأذهب؟، وهل سوف تبتعد عني؟!، وماذا عن مهمتنا هنا؟!
زفر أدريان وقد ضجر، تذكر أمرًا فقال:
-The owner of the place has another apartment, I will talk to him about you
-صاحب المكان لديه شقة أخرى، سوف أتحدث معه بشأنك
-Now where will I go to talk to him?!
-والآن أين سوف أذهب حتى تتحدث معه؟!
سأله أندرو مبهوتًا من قراراته غير المرتبة، فهتف أدريان في مللٍ واضح:
-Rami is coming now, you will stay in a nearby hotel until everything is over..!
-رامي قادم الآن، سوف تسكن في فندق قريب حتى ينتهي كل شيء..!
أومأ أندرو في طاعة وبداخله لم يعجبه ما يحدث، وظل فكره مشغول بأمر زواجه، وأدرك أنه يستغل الأمر للتسلية، فـهو صديقه ويعرفه جيدًا، لا يبالِ مـطلقًا……..!!
*****
لاحظ بُهُوت ملامح أخيه الفترة الدابرة، وحالة الصمت التي تملّكت منه اليوم حفّزته أن يتحدث معه بشأن تبدُل حاله هكذا، فقد فعل ما يرضاه ليُسعده ولكنه وجد عكس ما توقــع. وقف حسين بجانب أخيه الذي يعبث بحقيبته على طاولة الطعام كأنه يرتب شيئًا ما، رسم بسمة ودّية وهو يسأله:
-أخبار جامعتك أيه رامي، طمني عنك؟
أراد حسين معرفة ما به بالسؤال عن أحواله وأموره ليكشف ما به، فنظر له رامي في هدوء حزين تيقّن حسين من خلاله أنه مغمومًا ويعاني من سببٍ مجهول، بالأخص حين رد باقتضاب:
-أنا الحمد لله!
ربت حسين على كتفه في محبةٍ شديدة وهو يستفهم مترقبًا:
-طيب ليه شايفك زعلان، فيه حاجة حصلت زعّلتك؟!
ازدرد رامي ريقه متوترًا فما مر به مؤخرًا لم يتحمله، بدايةً من ارتباط أخيه بمن اختارها شريكة مستقبلًا، وبالطبع لن يفضح أموره أمام أخيه واحتفظ بما يعانيه، فقال مترددًا:
-المفروض أدريان جاي علشاني، ليه تدخلوه في أمور جواز وحوار كبير كده؟!
أيضًا لم يرضى حسين بذلك، واجتوى الأمر، ولتلك اللحظة لم يصدّق أنه وافق على هذا الهراء بفضل تفكير بنات خاله غير المسؤول، فتنهد قائلًا:
-أعمل أيه، شهد مش عاوزة تتجوز، ومش لاقيين حد نثق فيه يتجوزها مؤقتًا وبعدين يطلق غيره.
جاهد رامي أن يزيف طلعة منشرحة؛ كي لا يزيد من أسئلته وريبته في أمره، فهو لن يجد أي ردود مناسبة، فقال مازحًا:
-طيب إفرض عجبته ورفض يطلق؟!
هنا ضحك حسين ساخرًا من الموضوع، هتف:
-يبقى حظها هنعملها أيه!
استنكر رامي تلك الزيجة وهتف:
-بس شهد جميلة، تستاهل حد حلو زيها
لمّح رامي لأخيه بها دون ورد التي اختارها، لذا أكمل متابعًا مؤشرات وجهه:
-شهد كانت مناسبة ليك، قد بعض وهي حلوة وإنت حلو
ثم صمت رامي متحمسًا ليعرف تعليقه، فمنذ متى وهو يميل لـ ورد، فقال حسين في حذر:
-الظروف مكنتش في صالحي، شهد كويسة، بس ورد شايفها مناسبة ليا أكتر
خشي حسين أن يكشف سبب ارتباطه بها بما حدث معه في الليلة المشؤومة ثم جاوب وهو يحترس في كلامه، ولم يدرك برده هذا أنه أضنى قلب أخيه، مما دفع رامي بأن يعلن ذهابه كي لا يعي مدى الوجع الذي شعر به وكدّر يومه، فقال وهو يهم مغادرًا:
-أدريان مستنيني تحت، ومش عاوز اتأخر عليه.
ابتسم حسين له وتابع خروجه في راحة حين علم بوضعه الجيد وليس هناك ما يغمّه، ثم انتبه لهاتفه الذي يرن في جيبه. قم قرر الإجابه على مضض، فقد اتصلت كثيرًا وتجاهلها، فقد باتت تطارده ليلًا ونهارًا، قال:
-خير يا ورد؟!
لمحت بحدسها مدى بروده في الرد عليها، بعكس مزحه مع هذا وذاك، فتحمّلت سُخفه وقالت:
-مش كنت بتقول هتروح عند حودة؟!، دا اتجوز أول إمبارح ومروحتش، لياخد على خاطره منك.
تذكر حسين أمره، فقد تاه عقله وسط الدوامات التي حوله، قال:
-أيوة هروح النهارده.
ثم تنبّه لكلامها واستنكر:
-يعني عمّالة ترني عليا علشان تفكريني بـ حودة.
ردت في لؤم لا بُد منه:
-بابا يا سيدي، قالي على طول تكوني جنب حسين، علشان الناس تعرف إنكم مخطوبين ومحدش يقدر يتكلم عليكِ.
قطب حسين جبينه غير مقتنعٍ، ثم عاد يتحدث في الأمر معها:
-ورد زي ما قولتلك، الموضوع بينا مش هيطوّل، ودا لمصلحتك.
ألقت كلامه خلف ظهرها كأنها لم تستمع إليه قط، تساءلت في شغف:
-أجي إمتى علشان نروح؟!
لاحظ من نبرتها تهلل واضح، ولم يدرِ للآن سببه، فقال في نفاذ صبر:
-تعالي دلوقتي خليني أخلص……….!!
*****
-موافقة عليه يا بابا!
ردت شهد على والدها الذي سألها عن قبولها لذاك الغريب، وبداخله كان يرفض، فمهما أصرّ على زواجها لن يزوجها بشخص غير لطيف كهذا، ومجهول هويته إلى حدٍ ما برغم ما عرفه عنه، ثم خاطبها في وضوح:
-أنا عارفة إن الواحد مينفعش يعيّب على خلقة ربنا، بس مش شايفة إنه مش مناسب ليكِ، أنا خايف الموضوع ده يعمل مشاكل بينكم فيما بعد.
بيّن الحاج منصور رفضه بشكلٍ لائق لا يُعيبه، فابنته جميلة والأنسب لها شخص مقبول الطلعة، ليتفادى المشاكل فيما بعد بينهما، فغصبت شهد على نفسها وهي تبرر هذا الجُرم القادمة عليه:
-دا أجنبي يا بابا، وحسين بيقول غني وطيب وهيعملي اللي أنا عاوزاه، أنا مبسوطة بيه.
لم تعرف شهد كيف نطقت بذاك المدح في حق الأخير، فمجرد رؤيتها له تشعر بالغثيان، وفكرة وجودها معه وإن كان لفترة قليلة لم تطيقها، ولتلك اللحظة لم تدرك كيف وافقت على ذاك الخبل بفضل أختها وابن عمتها، ثم أرغمت نفسها على القبول لتخرج من تلك الورطـة، بينما ظل الحاج منصور على وتيرته، وللحظات ندم على قرار زواجها، فهو يبغض الانفصال فيما بعد، وظل يطالعها في ندمٍ، ثم سألها مهتمًا:
-يعني خلاص يا شهد، هتعيشي مع واحد منعرفش عنه كتير.
لم تعلق على ذلك فالأمر فترة مريرة وستنتهي، بل هزت رأسها بالموافقة فقط، فتابع الحاج منصور متسائلًا:
-أبلغ عادل برفضك ليه؟!
نطقت سريعًا لتنهي تلك المناقشة السخيفة:
-بلغه يا بابا، أنا هتجوز أدريان!
-اللي تشوفيه يا شهد
سلّم الحاج منصور أمره بقبول رغبتها، فاستأذنت شهد بالذهاب، ثم أثناء توجهها لغرفتها كانت تسب وتلعن من بين شفتيها على وضعها الذي تغيّر كليًا، وانتوت بالانتقام لمن دفعها لهذا الوضع اللعين.
انتبهت ورد لولوجها الغرفة وهي تضبط حجابها أمام المرآة، وتفهّمت سبب حالة بؤسها حين ألقت بثقل جسدها على الفراش وتدعي النوم. اقتربت ورد منها ثم وقفت تتأمل كآبة وجهها، خاطبتها في لطف:
-شهد إنتِ لسه متضايقة، ما خلاص شوفنالك حل
فتحت شهد عينيها التي ظهرت فيهما السخرية، هتفت في مقت:
-وهو الحل المنيل ده يرضي حد!
هتفت ورد لتبرر:
-دا مؤقت يا شهد، وبعدين هتطلقي
اعتدلت في رقدتها ويبدو عليها النزق، حدقت بها منزعجة:
-بأي عقل هتجبروا واحدة تتجوز وهي مش عاوزة، لأ وكمان واحد لا ليه شكل ولا منظر
ثم أكملت منكرة لتلك المهزلة:
-والمطلوب أعيش معاه، أصطبح وأتمسى بخلقته دي
استاءت ورد من وصفها للآخر ودافعت عنه:
-أنا معاكِ إن إنتِ أحلى وتستاهلي أحسن منه، بس هو طيب وغلبان، ووافق وقبل على نفسه علشان قصدناه في خدمة.
وجدت شهد أن لا مفر مما سيحدث، فزفرت في نفاذ صبر وقالت لتنهي النقاش:
-مبقتش عاوزة اتكلم في الموضوع، الأهم عندي يطلقني من سُكات
علّقت ورد وهي تضحك في سخرية:
-الواحد خايف ميصدقش نفسه إنه اتجوزك وميطلقش
ثم قهقهت وسط نظرات شهد الحارقة، والتي جعلت ورد تصمت فجأة، قالت متوترة وهي تهم بالفرار من أمامها:
-سلام بقى يا شهد حسين مستنيني.
ثم هرولت للخارج وتركتها بنيران غضبها، ثم تسطحت شهد مرة أخرى وهي تلعن حظها العسر، فغمغمت في كراهية علنية:
-ماشي يا آية، أفوق بس من اللي أنا فيه وهوريكِ شهد هتعمل أيه………….!!
*****
على مائــدة الطعام بحديقة قصره، جلس السيد منير على رأسها وعلى يساره أخيه طاهر وبجانبه أخيه فاروق، وعلى يمينه ابنه أمجد، ومن أمامه باقي عائلته المقرّبة بعد أن دعاهم لحفلة شواء مميزة يقوم بها كل يوم جمعة لقضاء العُطلة. جلست لميس بينهم حزينة وهي تجد مقعد والدتها فارغًا، فقدت الشهية فجأة وهي تتذكر حديثهما الأخير، ورغبت بالبكاء ففي لحظة تركت الحياة. لاحظ فؤاد هيئتها وذلك لاهتمامه الجارف بها كأنه لم غيرها بين الجميع، فربت على كف يدها وهو يهمس في ود:
-انسي بقى يا لميس، ادعيلها ربنا يرحمه.
أطاعته بنظرة عينيها ثم جاهدت على مشاركتهم الحفلة إرضاءً لزوجها وأبنائها، ثم انتبهت لحماتها أمامها تخاطبها في لطفٍ جُبِرت عليه:
-سيف لما بلغني بإنه عاوز بنتك متعرفيش فرحت قد أيه، أخيرًا هنتناسب تاني.
زيفت لميس بسمة لها وقالت في جد:
-لسه ورد بتفكر ومبلغتنيش برأيها
تدخل السيد منير بطلعته الحانقة قائلًا:
-وهي تطول، دي تحمد ربنا إني سمحت بالجوازة دي.
ضمرت لميس ضيقها ولم تجرؤ على نقاش والدها، فليكفي بالفعل أنه لن يؤذيها. فقال سيف متودّدًا لها:
-متخافيش عليها يا لميس، ورد هتكون في قلبي قبل عنيا.
رمقته ديما بنظرات قاتلة وكم أرادت ترك تلك المائدة والرحيل فكل ما تسمعه يحرق روحها، وعفويًا وضعت يدها على صدغها مكان صفعته وتذكرت إهانته، فمالت أختها شيرين عليها وهمست في تنبيه:
-افردي وشك شوية ومتركزيش قوي علشان محدش يلاحظ حاجة.
أخفضت ديما رأسها لتتطلع إلى محتوى طبقها في شرود وهي ترجع بذاكرتها وقتما كانا معًا، وأحسّت أنه كان يتلاعب بها ويتسلى، ثم أجّلت انتقامها منه كونه استغل محبتها وباتت كالقمامــة ينفر منهــا.
انتهى الجميع من تناول الطعام ثم تفرّق كل منهم في الحديقة. فنجد السيد فاروق يقف بجانب أخيه طاهر، يخاطبه معاتبًا:
-دلوقتي بنت لميس بقت حلوة، على أساس كنت طالب ديما لـ سيف.
توتر طاهر وهو يوضح:
-مش بإيدي، دا الواد سيف اللي عاوزها.
لم يصدق فاروق كذبه فهو يعلم بالمقابل، فهتف علانيةً:
-وصلني إن منير اتنازلك عن أسهمه في شركة الغردقة، يا ترى أيه المقابل؟!
تأجج تذبذب طاهر من أسئلته، ولم يجد الجواب، بل ردت السيدة شهيرة زوجته بدلًا عنه:
-اشتراهم يا فاروق!
نظر لها طاهر ممتنًا على حضورها في الوقت المناسب وردها السريع، فوزّع السيد فاروق نظراته بينهما ثم تركهما دون كلمة، فاغتبط طاهر وخاطبها:
-انقذتيني، مكنتش عارف هقولّه أيه!
بدت نظراتها واثقة وهي تردد:
-إنت من غيري هتضيع!
شَهِد على ذلك فدائمًا ما تخرجه من أبشع المواقف، بفضلها وبفضل عائلتها. فأردفت في جد:
-يحمد ربنا، مش كفاية هشام واخد بنته، طمعان عاوز التاني كمان.
انحاز لكلام أخيه وقال:
-عنده حق برضه، ابنك هيتجوز واحدة بيئة، أبوها وأمها بتوع حواري.
-المهم هي بنت لميس
قالت ذلك متجاهلة حديثه، فصدمها حين قال مستهزئًا:
-اللي متعرفيهوش إن البنت دي مش على اسمها، يعني مافيش اللي يثبت إنها بنتها.
لم تصدق شهيرة ذلك فتساءلت مهتمة:
-ولميس تعرف؟!
حرك رأسه نافيًا فتبدلت ملامحها للنفور، ثم فكّرت في وضعها وسط المجتمع وبين أهلها، كيف ستخبر الجميع بأن ابنها ارتبط بفتاة عادية؟!، ثم عفويًا وجّهت بصرها ناحيته وهو يلاطف ابنة عمه ويضحك معها!.
حيث وقف سيف مع لميس وأخيه يتبادلون الأحاديث، فتابعت لميس لُطفه في التعامل وحنكته، وداخلها بعض التردد تجاهه، فهو ابن عمها الذي تبغض التعامل معه، وما يثير قلقها ما يفعله أمجد مؤخرًا، هما أصدقاء مقرّبين لدرجة كبيرة، ورغم خوفها وجدته أنسب لابنتها من ابن عمتها. وانتظرت أن يخبرها منصور بإنهاء الخطبة حسب رغبتها، لكنه لم يتحدث معها حتى تلك اللحظة.
قطع وصلة فكرها المترع بالأحداث سيف وهو يطلب منها:
-أيه رأيك يا لميس ورد لما تخلّص الجامعة تيجي الشركة تشتغل معانا
علّق فؤاد مهتمًا:
-سمعت إنها في حاسبات ومعلومات
انتبهت لميس أيضًا لذلك وقالت مرحبة:
-يا ريت دي هتنفعنا قوي
ثم تابعت في مغزى:
-وبالمرة تقرّبوا من بعض أكتر وتاخد عليك.
ابتسم سيف من فهمها لغرضه من الأمر ولم يعقّب على ذلك. ولم يعي أثناء وقوفه بنظرات ديما المسلّطة عليه، الأمر الذي جعل أختها شيرين تصل لقمة صبرها منها، فخاطبتها منفعلة:
-هتفضلي كده كتير، يا ريت حتى بتتكلمي وتقولي حاجة، نفسي أعرف بتفكري في أيه.
ظل الوجوم حليف ديما وهي فقط تحدق به بتعابير غير مفسّرة، فاهتاجت شيرين وصاحت:
-ديما ردي عليا!
اختنقت ديما من ثرثرتها وهتفت وهي تهم بالرحيل:
-ملكيش دعوة، أنا عارفة هعمل أيه…………..!!
*****
رحب بحرارةٍ بهما واستقبلهما في شقته المتواضعة بحُسن معاملته وذوق لسانه حين يخاطبهما، وذلك قبل أن تأتي زوجته من المطبخ وتخبرهم وهي تضع الطعام على المائدة:
-الأكل جاهز يا جماعة.
نهض حودة من مكانه وهو يدعوهما لتناول الطعام وسط خجل ورد من إصراره، وحين اقتربا من المائدة لم يجدا عليها سوى طبقٍ من الجبن ورغيف من الخبز. نظرت ورد لـ حسين بمعنى ما هذا؟، فأشار لها بالجلوس ففعلت. وحين جلست همست له مستنكرة:
-هناكل حتة جبنة ورغيف عيش!
خاطبها في دراية:
-بقيت الأكل هتروح تجيبه، ومش مهم قيمته، لازم نعذر ظروف الناس
أومأت ورد راضية بذلك، لكن المثير للدهشة والصدمة معًا هو جلوس الفتاة معهما، وكذلك حودة الذي جلس شبه ملتصقٍ بها دون خجل، مما اضطر ورد أن تخاطب حسين غير مستوعبة:
-دي قعدت يا حسين يعني مافيش حاجة تانية جاية.
شعر حسين بالحرج وبالتأكيد لن يعلق على الطعام، ومما جعلهما في حالة بلهاء هو حديث حودة المادح لزوجته:
-أيـ يه الأكل ده كو وله، مـ مش قولت متتعـ عبيش نفسك!
تبادل حسين وورد النظرات المشدوهة لبعض الوقـت، ثم لاحظوا الهيام الكبير بينه وبين زوجته والنظرات العاشقة غير عابئين لوجودهما، فكتمت ورد ابتسامتها، بعكس حسين الذي اغتاظ مما يحدث، جاء ليتحدث فسبقه حودة الذي قسّم رغيف الخبز لأربع قطع بعشوائية وما زالت نظراته المتيمة على زوجته:
-بـ بـ سم الله يـ يا جمــاعة!
أخذت ورد نصيبها متماشية مع الوضع ولتخفي معالم خجلها مما يحدث، فنظر لها حسين وهمس ناقدًا على ذلك:
-هو إنتِ هتاكلي؟!
-أومال هعمل أيه؟!،
تساءلت في جهل، فتأفف حسين بشدة، ليس من الطعام، بل من حالة هذا الأهبل ونظراته البلخاء أيضًا تجاه زوجته، فنظر لـ ورد وهمس منفعلًا:
-اللي حارق دمي المعالق والشوك اللي جابتهم دي، عاوز أعرف هنهبب بيهم أيه.
نظرت له ورد في هيام وقالت:
-وملفتش نظرك حبهم لبعض!
نظر لها شزرًا ثم وجّه بصره ليتابع وصلة الهيام الحمقاء، خاصةً وهما يأكلون من الجبن في تيه من أمرهما. خطرت فكرة مجنونة خبيثة على ذهن حسين ثم أخذ قطعة خبزه ووضع بها نصف كمية الجبن، وفعل كذلك مع ورد التي تتابع مصدومة، أعطاها نصيبها وقال:
-خدي كُلي!
أخذته ورد منه فأردف وهو ينهض:
-يلا نمشي هما أصلًا مش حاسين بينا
انتبهت ورد أنهما ما زالوا يأكلون من طبق الجبن الفارغ وكبحت ضحكتها بصعوبة، ثم شرعت في تناول شطيرتها الصغيرة برفقة حسين أثناء مغادرتهما من باب الشقة، والعجيب بقاء حودة وزوجته كما همــا…!!
خرج حسين برفقتها من مبنى العمارة وهنا انفجرت ورد لتخرج ضحكتها، بينما لم يعجب حسين ما رآه، فأي عشق يجعله مغيب هكذا، فعلق ساخرًا:
-أنا عاوز أعرف تعبت في أيه وهي بتجيب الجبنة!
ردت عليه مبتسمة في دلال:
-راجل مبيحبش يشوف مراته بتعمل حاجة، دا اسمه الحب والغرام.
اعترض أن يصل الأمر لتلك الدرجة المبالغ فيها:
-هو أنا يعني كنت بعمل كده مع منى؟!
تجمدت ورد حين ذكر اسم زوجته السابقة، بل حبيبته، وأحسّت بنار الغِيرة، كذلك وبّخ حسين نفسه على الحديث عنها وندم بشدة، ليس من أجل ورد؛ لكن لكرامته ومحبته التي استغنت عنها الأخيرة، فيبدو أنه سيجد صعوبة في تخطي تلك المرحلة، تنهد بقوة ثم خاطب ورد في حرج من أمره:
-تعالي نتمشى شوية على الكورنيش، وبالمرة نتكلم في علاقتنا دي.
تضايقت منه بشدة، وعَمَدت ألا تعطيه الفرصة في التحدث بشأن علاقتهما، وقالت بنبرة حانقة:
-مافيش كلام بعد كلام بابا، هو قال هنكتب الكتاب مع جواز شهد يبقى خلاص………..!!
*****
ارتدت السيدة زبيدة ثيابًا أنيقة، لحضور حفلة الزواج، ثم خرجت من غرفتها لتقف في ردهة الشقة، وتفاجأت بمنظر غير مُبشر. مررت نظراتها المدهوشة على ولديها، وكذلك أدريان وأندرو، الجميع في حالة صمت وبهتان، وكأن اليوم عزاء غالي لديهم وليس عرسهم، دنت منهم متعجبة للغاية وتساءلت:
-مالكم يا ولاد وشكم مقلوب كده ليه؟!
لمعرفة حسين فحوى الموضوع لم يتناقش فيه، فخاطب والدته متسائلًا:
-مافيش يا أمي. حضرتك جهزتي علشان نمشي؟!
أومأت مؤكدة وقالت وهي تتحرك جانبًا:
-هجيب بس شنطتي من على السفرة
خاطب حسين الجميع في هدوء ظاهري:
-يلا يا جماعة مستنين أيه!
نهض أدريان أولًا كأنه في عجلة من أمره فخاطبه أندرو مستنكرًا:
-Why the rush man, isn’t that the girl who refused to see you yesterday at her own party!
-لما العجلة يا رجل، أليست تلك الفتاة التي رفضت رؤيتك أمس في حفلتها الخاصة!
ثم كتم بسمته الساخرة، فرمقه أدريان بنظرة تحذيرية، همس منفعلًا:
-You’ve gone too far!
-لقد تماديت كثيرًا!
ثم سار أدريان للخارج ليترك هذا الأحمق، فتجاهل أندرو تذمره وتحرك خلفه. قال متحمسًا:
-I’m looking forward to attending the party and seeing my friend’s charming wife
-أنا متشوق لحضور الحفل، ورؤية زوجة صديقي الفاتنة
اهتاج أدريان منه وود لو لكمه في فكه، لكن الجميع من حوله يمنعه، بينما أحب أندرو إغاظته واستغل حضورهم، فزاد من سخافته معه قائلًا:
-I want to see how disgusted she is when she sees you!
-أريد رؤية مدى اشمئزازها حين تراك!
وبصعوبة بالغة تحكم في ضحكته ألا تخرج، ودون وعي توجه أدريان يلكمه سخطًا من أفعاله؛ لكن حديث حسين له جعله يتوقف وسط تهلل أندرو حين خاطبه:
-أدريان الشبكة معاك؟!
تنبّه أدريان وأجاب مرتبكًا:
-ليست معي!
-أومال فين هتروح من غيرها؟!
سأله حسين مزعوجًا فتدخلت السيدة زبيدة توضح وهي تغلق باب الشقة:
-الشبكة معايا في شنطتي متخافش!
كانت السيدة تمسك بالحقيبة بقوة فقد جلب أدريان مجوهرات ثمينة بفضلها، فهي من دفعته لذلك، ثم استاءت من حديث ابنها الأصغر حين هتف:
-مكانش ليه لزوم كل ده!
خبطته في ذراعه ليكف عن الهراء وصاحت:
-شهد ست البنات، وحلوة وتستاهل.
هبط الجميع الدرج أثناء حديثهم، فمال حسين على والدته ليساعدها على النزول، ثم همس لها:
-برضو كتير يا ماما!
حذّرته بنبرة قوية:
-أسكت، مش كفاية شكله، يبقى لا مال ولا شكل.
رفض حسين حديث والدته في حق الأخير، فهو يستحق بسبب أصله معهم، ثم وضح وجهة نظره:
-يا ماما أنا مش جايب حاجة، علشان شكلي بس
ابتسمت في لطفٍ له وقالت:
-متخافش، عندي كوليه حلو استخسرته في طليقتك، كنت حاسة إنها واطية، خده وإديه لـ ورد
تذوب نضارة وجه حسين حين يتحدث في الماضي، فحزنت السيدة من رؤيته يعاني فتابعت في حنوِ:
-مش قاصدي أفكرك يا حبيبي، انسى بقى ريّح قلب أمك.
أطاعها مزيفًا بسمة صغيرة:
-حاضر يا أمــي………….!!
*****
جعلتهن يتركونها فليكفي مزحهم معها، حيث تحركت شهد بثوبها الأبيض لتجلس على حافة الفراش بطلعة كئيبة رغم جمال وجهها، فأمرت السيدة هنية الفتيات لمغادرة الغرفة، وظلت معها هي وأختيها، عاتبتها في ضيق:
-عاوزة الناس تقول أيه عليكِ، مغصوبة!
ردت شهد في حنق شديد:
-ما هو فعلًا ده!
علّقت السيدة في ريبة:
-وهو مش دا إنتِ اللي اختارتيه برضه
ارتبكت شهد فتدخلت ورد لتوضح حالة أختها:
-شهد تقصد إنها مكنتش بتفكر في الجواز دلوقتي!
لم ترتاح السيدة لوضعها وشكوتها المفاجئة، وحاولت شهد تفادي نظرات والدتها المرتابة، فخاطبت ورد أمها قائلة:
-ماما إطلعي شوفي الضيوف وإحنا هنكمل تجهيزها.
وافقت السيدة هنية ثم تحركت للخارج، بينما انتفضت شهد موضعها وهي تهتف:
-هبقى تريقتهم كلهم النهارده
قالت ورد في تعقّل:
-هتخلي بابا وماما يشكوا فيكِ، عدي اليوم وكلها ساعتين تلاتة والموضوع يخلص!
نهضت شهد وقالت مبتئسة:
-المصيبة إن اللي دايمًا اتريق عليه يكون من نصيبي.
ثم تذكرت مدى إعجابه بها حين رآها، وخشيت أن لا يتركها، فنظرت لأختها وصاحت في جد:
-على ضمانة حسين يخليه يطلقني، لأن لو معملهاش هقتله وأقتل نفسي كمان……!!
……………………………………………………
تابعت حركاته وتعابيره عن قُرب وهو يتطلع بين الفينةِ والأخرى على هاتفه حين يرن. تجرأت السيدة هنية وسألته:
-مين اللي بيتصل بيك كل شوية ده؟!
نظر لها الحاج منصور مطولًا، ثم قال:
-دي لميس!
أحسّت السيدة بأنها هي، فسألته مترددة:
-هي عاوزة تيجي فرح بنتها؟!
صحح في سخرية:
-دي أصلًا مش عاوزة بنتها تتجوز حسين
استقبحت تدخلها وقالت مستنكرة:
-ليه ماله حسين، شاب البنات كلها تتمناه
-عاوزة تجوزها الغني قريبها
قال ذلك متضايقًا، فربتت السيدة على كتفه لتثنيه على اختياره قائلة:
-إنت أبوها اللي ربيت وتعبت، مش هتيجي بمزاجها وتتحكم بنتها هتتجوز مين.
اقتنع الحاج بقراره وعزم على إبعاد ورد عنها، فكلما يتذكر تهديد والدها يتملكه الخوف على بناته، لذلك قال في إصرار:
-هختار لبنتي اللي يعجبني، هي أصلًا مش بنتها، إنتِ يا هنية اللي أمهــا.
ابتسمت السيدة هنية ممتنة لفضله معها، ثم تنبها لحضور السيدة زبيدة وهي تزغرد بصعوبة تعبيرًا عن فرحتها، فتحركوا ناحيتهم لاستقبالهم مرحبين.
تبادلوا السلام الحار في ودٍ كبير وسط تهلل الضيوف وانطلاق الزغاريد من الأحباب والجيران.
لمحت السيدة هنية أدريان يقف بالخلف، لم تحب منظره فشكله لا يحفز على المعيشة، ودعت بصلاح حال ابنتها، ثم وعيت للسيدة زبيدة تهتف:
-العرايس مش هيطلعوا ولا أيه
ردت السيدة هنية على مضض:
-حاضر هناديلهم.
تجولت السيدة زبيدة بنظراتها على تجهيز الحفل بالشقة، فاتساع الشقة ساعد على إقامة الحفل بها. فخاطبهم الحاج منصور في محبة:
-المأذون هنا من بدري، هنكتب الكتاب الأول
ثم أخذهم معه للصالون الجانبي وتم عقد قران شهد أولًا، ولم يصدق أدريان نفسه إلا حين وضع بصمة إصبعه على الورقة، وتملك منه إحساس غريب، فأمر الزواج بتلك البساطة أحدث بداخله أمور شتى بعكس حياته التي عاش فيها، وأحب هذه الخطوة حتى لو بشكلٍ مزيف مع تلك الفتاة المغرورة، فكم رغب في الاقتراب منها بصورةٍ أو بأخرى..!
وعي أدريان لنفسه حين انتهى المأذون من زواج حسين وورد وانطلقت الزغاريد مرة أخرى في جو لم يعيشه من قبل. ثم نهض برفقة الجميع حين علم بحضور زوجته الفاتنة كما أسماها، وحين وقعت عينيه عليها تجمد للحظات غير مستوعبٍ انقلاب الأمور بينهما هكذا، فقد رأي أنها من المستحيلات. لمح نظرات غرورها ونفورها منه، لكنه لم يبدي أي شيء سوى النظر لها في وجــوم عجيب..!!
جانبًا، تعلّقت ورد بذراع حسين تفاخرًا به أمام صديقاتها، الأمر الذي أزعجه، فابتسمت في خجل وهي تخاطبه:
-معقول كتبنا الكتاب!
جعلها تترك يده وسط رفضها وقال:
-ورد متهزريش، إحنا متفقين، اليوم اللي شهد هتطلق فيه إحنا كمان هنطلق.
أشاحت بوجهها للجانب مستاءة، فشعر حسين بجفائه في التعامل معها، وندم على ما قاله، هي جميلة وناعمة لا يريد لها حياة بائسة معه، وللحظات أحب فكرة الارتباط بها، ثم تراجع حين تذكر حديث والدتها له، وأمرته أن يبتعد عنهــا، وأنها لن تسمح بزواج ابنتها منه.!
فاق حسين من شروده على حديث رشا الساخر:
-العريس ساب شهد وطلع يجري على البوفيه……………..!!
يُتبع
- لقراءة باقي فصول الرواية اضغط على (رواية اجنبي مغرم)
لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها
أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)