رواية اجنبي مغرم الفصل السادس 6 بقلم الهام رأفت
رواية اجنبي مغرم الفصل السادس 6 بقلم الهام رأفت
البارت السادس
انبثق شعور الأُلفة في ثنايا روحه، وقت أعربت عن لُطفها في إغداقه برحب معاملتها نحوه، بعكس أول مرة جاء فيها وأحسّ بضنّة ودْها، واليوم يترفّه بما تمنحه إياه. حيث جلست السيدة زبيدة على المقعد المجاور لفراش ابنها النائم عليه أدريان، وتشاهده في عطف وهو يتناول ما أعدّدته له من طعامٍ صحيٍ، يمنحه القوة ويخفف من جرحه. لم يتوانَ أدريان في شكرها على ذلك حيث خاطبها:
-أشكرك سيدة زبيدة، الطعامُ لذيذ وبفضله أشعر بالراحةِ الآن.
استنكرت ما يقوله في عتاب:
-خلاص يا قدري يا ابني، إنت بقيت زي حسين ورامي، يعني متشكرنيش وإلا هزعل منك.
أفعم الاعتزاز قلب رامي وهو يرى سماحة والدته، وأحب ما تفعله واغتبط كليًا، بينما طالعت السيدة بنظراتها الضمادة أعلى رأسه وقالت في فخر:
-شهد بنت أخويا دكتورة شاطرة، جمال وتفوق، بتطلع من الأوائل، الحمد لله كل ولادنا في كليات تشرّف
انتبه أدريان لحديثها عنها، ولم ينكر ما قالته فقد رآها بعينه، ولاحت بسمة معجبة على ثغره، فأكد رامي حديث والدته قائلًا:
-بصراحة يا ماما ساعدتنا كتير، وهي عملت كل حاجة بنفسها لـ أدريان!
أخرجت تنهيدة حزينة عبرت بها عما بداخلها وقالت:
-كان نفسي حسين يوافق يتجوز، خايفة تروح من إيدينا، دا العِرسان رايحين جايين عليها
تبدلت تعابير أدريان للسأم الشديد، وتأجج سُخطه وألمه حين تابعت:
-بس حسين وعدني، لما يفكر يتجوز هتكون شهد، يا رب تبقى من نصيبه.
قالت جملتها الأخيرة بمناشدة عميقة من قلبها، فنظر أدريان أمامه وقد تجهم للغاية، ولم يلاحظ أي منهما وضعه ذاك مطلقًا، ثم خاطبته السيدة حين تذكرت:
-مش كلمتلك صاحب العمارة، من حظك طلع عنده شقتين، واحدة فيهم تحتينا بالظبط، بس المفتري مغليها علينا علشان هنأجرها
نظر لها أدريان ولم يهتم بموضوع المال بقدر فرحته في وجود مكان خاص به هنا، فهتف قائلًا في شغف:
-أريدها، من الغد سوف أسكن فيها!
رضخت السيدة لطلبه قائلة:
-خلاص بكرة حسين هيتفق معاه، مع إنه استغلالي، لما عرف إنك اللي هتسكن، طماع منه لله!
-بالمناسبة يا ماما، متعرفيش الدوشة اللي كانت تحت في العمارة من شوية دي من أيه؟
سألها رامي مترقبًا، فردت في عدم اهتمام:
-من وقت الحادثة إياها ومبقتش افتح شقتي أبُص على حاجة، خليني في حالي.
جذب الحديث أدريان فتساءل مهتمًا:
-حادثة ماذا؟
طغت على السيدة ملامح الإرهاق والضغينة تجاه ذلك الأمر، فقالت:
-محدش يجيب سيرة الموضوع ده، نفسيتي بتتعب.
ثم نهضت في تكاسل، قالت:
-هنام أنا بقى، لما حسين يجي خليه يسخن الأكل لنفسه، هو جاهز في المطبخ.
أومأ رامي مطيعًا، فتحركت السيدة لتخرج وتتركهما، فتذكر أدريان حُسين الذي غاب كثيرًا، فتساءل في دهشة:
-أين حُسين، لقد أخبرنا أنه لن يتأخر؟!
استغرب رامي كذلك وقال جاهلًا:
-مش عارف، أنا هتصل بيه وأشوفه فين……..!!
*****
تغلل بداخله راحة لا مثيل لها حين انفضّ الأمر وأثبت براءته؛ رغم أنه عانى حينها وضغط على نفسه في تنفيذ شروط تلك المُستغلة التي تجلس بجانبه وتتناول المثلجات في برود أثار استفزاره، فقد أجبرته على التجوّل قليلًا معًا، وها هو الآن يجلس برفقتها على مقدمة سيارته بعيدًا عن جو الحارة الخانق. نظر لها حُسين كابحًا حنقه بداخله، كذلك الانتقام منها، فهو الآن تحت وطأتها، وأحس بالغيظ كونه لم يثأر لنفسه بسبب صفعتها اللعينة؛ لكن لم ينكر أنه امتنن لتعاونها معه وإخراجه من تلك الورطة.
تصنع التأفف حين خاطبها ضجرًا:
-مش هنروّح بقى، الوقت اتأخر!
كشرت وهي تنظر له وتوقفت عن الأكل، ثم عابت عليه قائلة:
-دا إنت حتى مشكرتنيش، وكمان شكلك مش طايق نفسك إنك فسحتني شوية.
ثم نظرت أمامها مستاءة، فاستنكر حين أن يتذلل لها وهو بريء من تلك التهمة، فعلّق مزعوجًا:
-بقولك أيه، أنا معملتش حاجة، دي بتتبلى عليا وعنيها مني علشان كده كانت مستنياني.
لوت فمها وزيفت سخريتها من رده حين كذبت قائلة:
-على أيه يعني؟، نظرها ضعيف.
تجاهل حسين كل ذلك ثم نزل من على السيارة ووقف أمامها قائلًا:
-خلينا نمشي، ميصحش نفضل مع بعض لوحدينا كده، الناس كلامها كتير.
وضعت المثلجات بجانبها وقالت محتجة:
-هما لسه هيتكلموا، أومال اللي قولته علشان تخرج من المصيبة دي مش هتنفذه إن شاء الله!
رد في لا مبالاة أزعجتها:
-دا كلام عادي محدش هيقول حاجة.
نزلت هي الأخرى ووقفت أمامه وهي في حالة متشنجة، صاحت:
-يعني مش هتخطبني، الناس هتقول أيه لما أقولهم دا خطيبي وأطلع كذابة، عاوز تفضحني أكتر من اللي أنا فيه!
تذكر حسين وقع ما حدث لها وشعر بالضيق فقد شاهد بعينه سوء حالتها من كلام الناس، قال مختنقًا:
-بس أنا مش عاوز اتجوز دلوقت، لا إنتِ ولا غيرك.
كتمت ورد حُزنها داخلها، ولم تعبر عن فيض مشاعرها لتكسب جُزء من وِده، فقالت في كذب:
-هو أنا اللي هموت واتجوزك، بس دي سمعتي ومن حقي أحافظ عليها!
فرك حسين أسفل ذقنه كأنه يفكر في الأمر بجدية، فهي ابنة خاله ولا يريد السيئ لها، وتابعت ورد هيئته واجمة مستاءة وهو لم يكن لها حُبًا أو معروفًا، بينما توصّل حسين إلى حلٍ مرضي حين نظر لها قائلًا في تعقّل:
-خلاص هخطبك!
لم يعطيها الفرصة حتى لتعلن الفرحة على ملامحها حتى تابع في حزم:
-بس فترة صغيرة وننهي الموضوع.
كما هي أعلنت الجمود في إبراز معالم الضيق من سخافته معها، فهزت رأسها موافقة على كلامه الغليظ، قالت:
-معنديش مشكلة، المهم سُمعتي!
خاطبها وهو يشير ناحية باب السيارة:
-يلا اركبي خلينا نمشي
أومأت في طاعة ثم تحركت لتركب على مقعد الراكب، فركب هو الآخر ليستعد للقيادة، حاولت ورد تمثيل اللامبالاة لتحفظ كرامتها حين علّقت في غرابة، رغم أن الأمر زاد من فضولها سابقًا:
-أنا عاوزة أعرف الكيس دا فيه أيه، البت كانت قافشة فيك وهتعملك فضيحة والكيس مسبتوش من إيدك!
وجه بصره ناحية حقيبة المشتريات المسنودة بينهما، جاوب بتلقائية بحتة:
-دي حاجات اشتريتها لـ أدريان من السوبر ماركت
-وأيه يعني اللي يخليك مهتم بيها بالشكل ده.
ردت متهكمة من ذلك، فهتف يدافع بقوة:
-دي حاجات مستوردة، دافع فيها ألف جنيه!
شهقت ورد من تبذيره العلني تجاه شخص غريب، ولم تعلّق على ذلك رغم غيظها فلا يحق لها التدخل في شؤونه، ربما الآن فقط. ثم أعلنت ضيقها حين قالت:
-وعازمني على أيس كريم عادي، مستخسر فيا وأنا اللي لسه عملة فيك جِمِيل
جاء ليدافع عن نفسه ثم توقف حين وجدها تفتح الحقيبة البلاستيكية وتفتش فيها، وبغتةً جذبها من يدها وسط نظراتها المدهوشة والساخطة، فعاندت بشدة ثم مالت عليه لتنتزعه من يده. جاهد حسين على ردعها لكنها كانت تحمل تصميم عجيب وهي تقول:
-هات الكيس ده!
خاطبها منفعلًا من عقلها الصغير:
-عاوزة منه أيه؟!
توقفت ورد عن عنادها وعما تفعل، هي تريد أن تكون مميزة عنده، لكن الأجنبي الوغد كان الأفضل ونظرت أمامها تفكر، لاحظ حسين هدوءها ثم وضع الحقيبة البلاستيكية مكانها. شرع في قيادة السيارة ولا يعرف ماذا أصابها فجأة، بينما سكنت ورد وظلت تفكر في مستقبلها معه، هو لا يبدي قبول تجاهها، وأدركت معاناة حقيقية في انتظارهـــا………!!
*****
في اليــوم التالـي…
أبصر كل منهم المكان في تفحص شامل، وجده أدريان بسيطًا ولم يعلق، فليكفي أنه بجانبهم، ثم أعلن قبوله له حين قال:
-البيت رائع!
على النفيض حسين الذي وجده ليس بذاك القدر ليأخذ صاحب العمارة ضعف الإيجار كما الآخرين هنا، ثم نظر للمالك مقطّب الوجه، وهو يتذكر إهانته له بفضل ابنته السمجة، فخاطبه مستنكرًا:
-مش شايف الإيجار ده كتير عليها يا حاج متولي!
رأى الحاج متولي في نبرته حنقًا تجاهه، فما حدث بسبب ابنته الحمقاء جعله خاضع حينما تصاغرت قيمته في أعين ساكني المبنى، فابنته أضحت المخطئة، أعدل عن قراره سابقًا حين قال:
-اللي تشوفه يا بشمهندس حسين، مش هنختلف.
تعجّب رامي من حديثه المُغاير مع أخيه، فبالأمس وضع شروطًا إلزامية. بينما زاد غرور حسين بنظراته نحوه، وقرر استغلال ما حدث أمس لصالحه حين قال:
-هندفع زي الناس، لا كتير ولا قليل!
وافق الحاج متولى ورأسه منخفض، وذلك ما زاد من حيرة رامي تجاه الأمر، بعكس أدريان الذي أخذ يتجول في المكان ويفكر كيف سيجعله أفضل. فذهب إليه حسين قائلًا:
-خلاص يا أدريان، من بكرة تبدأ تفرشها على ذوقك.
ابتسم له ممتنًا ثم قال:
-من الأفضل التحدث مع مهندس مختص.
رأى حسين أنه مُصيب في كلامه ووافق على تلك الفكرة، ثم تذكر حسين أمرًا فترك أدريان يعتاد المكان، وتوجّه ناحية أخيه وجذبه من ذراعه ليقفا جانبًا، سأله هامسًا:
-إنت هتشوف ورد النهارده؟!
دُهش رامي من سؤاله فاستفهم:
-أيوة، فيه أيه؟!
مد يده بحقيبة بلاستيكية وأعطاه إياها، قال:
-لما تشوفها قولها حسين بيديكِ ده!
أطاعه رامي رغم غرابته من وجود شيء يجمع حسين بابنة خالهما، ثم أمسك بالحقيبة وزاد فضوله في معرفة ما بها، لكن بالطبع لن يفتحها فهي أمانــة، وفي ظل فكره ذاك انتبه لأخيه الذي وقف مع أدريان يخاطبه في مغزى:
-روح إنت بقى يا رامي، أنا هفضل مع أدريـان………!!
*****
-وهو عامل أيه دلوقتي؟!
تساءلت رشا مهتمة بما حدث للرجل الأمريكي، فردت شهد وهي تمشّط شعرها أمام المرآة:
-زي العفريت، بس دماغه هي اللي اتفتحت
ثم نظرت لانعكاس صورتها وتباهت بجمالها فهي قد شعرت بأن نظرات ذاك الأجنبي تكاد تأكلها، ثم ابتسمت بشدة، بينما نهضت رشا لتقف بجانبها وتهتف في حماس:
-هو حلو كده يا شهد؟!
مالت شهد برأسها نحوها لترد ساخرة:
-مكعبر ولا ليه شكل ولا لون!
كشّرت رشا وتفهمت سبب رفض ورد الضروس له، لوت فمها ثم عادت موضعها لتتجاهل الأمر برمته. بينما ولجت ورد الغرفة متوجهة ناحية الدولاب، فالتفتت لها شهد وخاطبتها فيما معناه:
-عرفتي باللي حصل، مش أدريان وقع واتفتحت دماغه
ثم تابعت في فخر وسط ذهول ورد:
-وأنا بنفسي اللي عالجته لما جه المستشفى إمبارح
لم تكن ورد تعلم فلم يخبرها أحد، حتى حسين الذي ظل معها لبعض الوقـت. اقتربت رشا منها وقالت نافرة:
-هو ماله عامل كده ليه، شكله فيه حاجة غلط
ثم ضحكت في خفوت، فردت ورد توبخها على كلامها:
-دي خلقة ربنا، هتتنمري على الراجل
تأففت شهد ثم تركتها لتهندم ملابسها وترتدي حجابها في عناية. نظرت لـ ورد التي ترتدي ملابسها هي الأخرى وقالت:
-سمعتي آخر خبر!
نظرت لها ورد في لا مبالاة في البداية، لكن حينما استأنفت شهد كلامها زاد اهتمامها حينما قالت:
-جدتك ماتت، مش هتروحي تعزي………..!!
*****
ملأ الحزن قلبها، وأفعم روحها بجفاء ذبلت بسببه طلعتها، فوالدتها كانت بخير قبل ساعات، والآن أصيبت بأزمة قلبية مفاجئة. جلست لميس في حديقة المشفى معها باقي أسرتها، لمحت برود تام في المشاعر، لم تلوم أحد سوى والدها القاسي ذاك الذي يجلس وكأن من ماتت إحدى الخادمات بقصره، ثم بكت في صمت وألم، ضمها فؤاد إليه وقال ليهدئ من ألمها:
-البقاء لله يا لميس، ما إنتِ عارفة إنها كانت عيانة.
رفضت التصديق إلى الآن وتساءلت مبهوتة:
-كانت بتكلمني عادي، مش قادرة استوعب في لحظة تسيبني!
بعد حديثها لاحظت تأفف والدها، لم تتضايق بقدر سُخطها من قول عمها الفظ حين هتف:
-مش هناخدها بقى علشان ندفنها، أنا عندي شغل!
رمقتها بنظرات كارهة، لكن أعلنت هدوءها أمام الجميع. فربت فؤاد على ظهرها مستشعرًا بأن كلام والده ضايقها، فابتسم لها للتهوين عليها وهمس:
-أنا جنبك يا حبيبتي، مش عاوزك تزعلي!
مسحب لميس دموعها بكفها وخشيت أن والدها لن يقوم بعمل عزاء لوالدتها ويتجاهل الأمر، لذا هتفت في جد وهي ناظرة إليه:
-أنا عاوزة أحسن عزا لماما!
انتظرت الرد من والدها، لكن عمها من علّق على كلامها ممتعضًا:
-لزومها أيه المصاريف، نعمل نعي في الجرنال وخلاص
أحدت إليه النظر من تدخله في شؤون غيره، كذلك الأمر لم يعجب فؤاد الذي يتمنى رضاه، فهتف في عزيمة:
-اللي لميس عاوزاه هيتعمل، دي والدتها وهي حُرة!
وصّل فؤاد الرد بطريقة لطيفة فهو لا يريد إغضاب والده الذي رغم رده هذا نظر له في تهكم، مدركًا مدى حُبه لزوجته المصون. وكسر ذلك الجو السيد منير الذي نهض من مكانه ضجرًا وهتف:
-يلا يا فؤاد استعجلهم يسلموها لينا، الوقت اتأخر………!!
*****
في ساحة الجامعة، تأمّلها مبتسمًا وهي جالسة بمفردها بطلعتها الناعمة وجمالها الطفولي، فمن يراها يجزم أنها مراهقة صغيرة لم يتعدى عمرها الخامسة عشر. اقترب رامي منها في هدوء فانتبهت ورد له وابتسمت في زيف، جلس بجانبها على المقعد قائلًا:
-المحاضرة هتبدأ الساعة كام؟!
-اتنين!
ردت في جمود، ويبدو عليها شيء من الضيق، ثم نظر رامي للحقيبة التي أعطاها له أخيه، لا يعرف لما تردد في إخبارها بشأنها، وبّخ رامي نفسه على تفكيره ذاك ثم مد يده بها وخاطبها في صلابة:
-حسين باعتلك ده.
فورًا كانت ورد تأخذ الحقيبة منه في تلهُّفٍ أبلج، فرمقها رامي متعجبًا، ومقطّبًا في ذات اللحظة، وحين شرعت ورد في إخراج ما ابتاعه لها انفرجت طلعتها الكئيبة، وانجلت بسمتها المُضيئة. وأدركت أنه أحس بسخطها أمس، واليوم يعلن التصالُح معها. كل ذلك أمام رامي الذي جهل لما يفعل أخيه ذلك من أجلها، وللحظات شعر بالغِيرةِ عليها، فاهتمام أخيه بها زاد عن اهتمامه هو بهــا. أخذت ورد تفتح الشيكولاتة المستوردة، وقبل أن تتناولها خاطبت رامي في لطف وهي تعطيه قطعة منها:
-خد يا رامي!
لوهلة قرر الرفض، لكن لم يشأ يضايقها وأخذها منها دون أن يأكلها، بينما تناولتها ورد في تلذّذ واضح، جعله ينظر لها بتعابير حزينة، تبدلت لأخرى متجهمة حين رددت في سرور:
-يا حبيبي يا حسين، ربنا ما يحرمني منك………..!!
*****
غرابتها من رؤيته بمفرده حين أتى إليها فاقت الحد، وتعجبت من مجيئة هنا، ثم تقدمت منه في ذات اللحظة التي يتحرك فيها نحوها. وقفت شهد أمامه وتساءلت مهتمة:
-أدريان، خير فيه حاجة؟!
كان لصوتها نبرة تبعث الدفء والرقة تجعل القلب يرفرف فرحًا، وحين فاق من شروده الذي يتملك منه حين ينظر إليها، هتف مُدعي الألم:
-أشعر أنني لستُ بخير، رأسي يؤلمني!
ثم وضع يده موضع جرحه يلامسه، فتفهمت سبب حضوره وابتسمت قائلة:
-متخافش، إن شاء الله كام يوم والجرح هيلم خالص
رغمًا عنه كام يتوه في ذاك الجمال واللطافة، فسألها مترددًا:
-ألن تعطيني شيء؟
كتمت شهد ضحكتها من حديثه باللغة العربية، ثم ردت في عملية:
-إنت مش بتاخد من المسكن اللي اديتهولك؟!
تذبذب في رده ثم هتف:
-مفعوله ليس قوي، أريد شيئًا آخر.
مطت شفتيها لتخفي بسمة خبيثة حين أدركت نواياه، هو قد تعلّق بها كما توقعت، وهو الآن هنا لرؤيتها، ثم أحبت الوضع، وقررت اللعب بمشاعره والتسلية أيضًا، فردت مدعية الاهتمام:
-هكتبلك على مسكن أقوي، بس غالي شوية وهتجيبه من برة.
كحالته الدائمة لم يهمه المال مطلقًا ووافق قائلًا:
-هذا أفضل، الأهم أن يسكن الألم، فأنا لم أعد أحتمل
لمحت في طريقة رده تلميح لئيم، عبّر به من خلالها مدى انشغاله بها، وهذا بالفعل ما كان يقصده أدريان، هي من استحوذت عليه ورغب في رؤيتها أكثــر، وتصنعت شهد عدم الفهم ثم تعاملت مع الأمر بطريقة طبيعية حين أخرجت من جيب سترتها البيضاء دفترًا صغيرًا وقلمًا، ثم دوّنت له اسم الدواء وهو يتأمل في إعجاب ما تفعله، حين انتهت انتزعت الورقة ثم أعطتها له قائلة:
-هتاخد منه لما تحس بوجع، واسبوع كده تيجي أفك الخياطة.
وجد أدريان أن المقابلة انتهت سريعًا، والآن عليه المغادرة، فشعر بالإحباط، وتمنى وقت أكثر معها، وهذا ما استشفته شهد وابتسمت في نفسها، ثم جاءت فرصتها لتختبر مدى تعلقه بها حين قالت في مكر:
-يوم الخميس أيه رأيك نروح الأهرامات، وبعدين نطلع الكورنيش نسهر شوية؟!
هتفت بوجهٍ مُشرق:
-أنا وأنتِ؟!.
ردت لتصحح فهمه الخاطئ لها:
-لأ طبعًا ميصحش، أنا أقصد كلنا نطلع، وبالمرة تتفسح شوية في مصر
وجدها أدريان فرصة مناسبة للتقرُّب منها وارتضى بذلك قائلًا:
-أجل، فكرة جيدة.
جاءت الممرضة من خلفها تناديها وتذكرها بشأن العملية الضرورية التي سوف تقوم بها، فانتبهت شهد لذلك وزيفت بسمة له وهي تقول:
-أنا لازم استأذن، إنت خد المسكن وهتبقى كويس.
أومأ لها فتحركت مع الممرضة وتركته يقتفي أثرها، بينما سارت شهد ناحية الغرفة الخاصة بالعمليات السّرية التي تقوم بها، ثم وجدت فتاة ممدّدة على السرير، جابت شهد هيئتها ككل في نظرة متفحصة وقالت:
-هي دي اللي هتعمل العملية؟!…….
*****
عجّلت في سيرها نحوه حين رأته يسير في الحارة قاصدًا سكنه وقفز قلبها فرحًا، انتبه حسين لها فوقف مكانه مبتسمًا لها، وأيقن أن ما جلبه لها السبب في ذاك الحضور المحبور. وصلت ورد إليه وضحكتها تزين وجهها البشوش، ففرح لرؤيتها هكذا وخاطبها متعجبًا:
-كل ده علشان شوية حلويات!
أومأت مؤكدة وهي تقول ممتنة:
-شكرًا علشان مسبتنيش أزعل
لم يجد حسين فتاة من قبلها مثلها ترضي بأبسط الأشياء، ولأول مرة يلاحظ تفاهمها معه، لكن لم يضعها في خانة أخرى غير أنها ابنة خاله وبمثابة أخته، فقط ذلك ما يشعر به نحوها. وعيت ورد لما يفكر به وتأنّت في ترويضه لتبادل الود كما تحب. وجذبت معه أطراف الحديث ليشاركها حياتها، فقالت راسمة للحزن:
-جدتي ماتت، مش المفروض أروح أعزي وكده.
تدارك حسين الأمر وقال:
-معقول عمي هيوافق، بس علشان أهل مامتك وكده!
ردت متفهّمة الأمر:
-أنا كلمت بابا، قالي لو هروح عادي، بس محدش يعرف أنا مين غير ماما، هي عايزة تشوفني ودي فرصة نتقابل
-خلاص المهم تخلي بالك من نفسك!
استنكرت وقالت مغتمة:
-هو إنت مش هتيجي معايا، معقول هتسبني أروح لوحدي!
تساءل في غرابة:
-ليه أنا؟!، ما مـ…
قاطعته وهي تعترض بشدة:
-مش هتكون خطيبي، ودي فرصة ماما تعرف بيك.
زفر حسين ويبدو عليه الضيق، فالأمر يصبح أكثر جدية بسبب موقف سخيف وُضِع فيه، ورؤيته هكذا غير قابلِ لها أوجم قلبها، هي تعرف أنه يحبها لكن بطريقة أخــرى.
بتر وصلة ذاك الحوار الخوّار ضجة غير عادية، توحي بفرحة نتيجة الطبل والأغاني والتهليل، فانتبها له وأخذا يشاهدا ما يحدث، حيث تمر زفّة لعروسٍ ما. الأمر كان غير مُعلن بالنسبةِ لـ ورد، لكن حسين وقف كالود يتابع في جمود عجيب، فذلك عرس زوجته السابقة. عند مرور الموكب من أمامهما تمنّت ورد أن تكون مثلها، وفورًا كانت تنظر لـ حسين في تبهج، ثم صُدمت من طلعته الخابية، ولم تستشف ماهية الأمر حتى وقعت عينيها على بعض من أهل زوجته في إحدى السيارات، هنا وصلت لماهية حالته البائسة، وتملك منها غيظ كبير، فقد شعرت بالغِيرة، وزاد من استيائها حين أعلن قبوله لها كأنه مضطرًا حين خاطبها متصلّبًا:
-أنا هاجي أطلب إيدك بكرة من خالي…………!!
*****
في زاويـة بعيـدة عن أعين جميع من بالمشفى، وقف كريم برفقة آية يتهامس معها في سرية حين خاطبها:
-البت اللي جبتيها فهمتيها هتعمل أيه؟
أخفضت نبرتها وهي تقول في ثقة:
-كله تمام، أول ما المدير يدخل عليها الممرضات كمان هيشهدوا عليها
رمقها بنظرة إعجاب قائلًا في حبور:
-تعالي بقى نتفرج بس من بعيد!
سارت آية معه وبداخلها تردد من تلك الخطوة، فهي صديقتها الوحيدة هنا، وكان لمحبتها تجاه خطيبها بُعد آخر، هي مضطرة لأن تنصاع لأوامره وتسعى في تدمير أعز صديقة لهـا، ثم وجدت أن لا مفر اليوم لتتراجــع..!!
…………………………………………………………
جهز الممرضات لها الأدوات اللازمة كما المعتاد وهن ينظرن لبعضهن في مغزى، بينما وقفت شهد ترتدي القفازات وعينيها الساخرة مسلّطة على تلك الفتاة، فهي رغم أنها تشارك بطريقة ما في ستر فضيحتهن، ترى بداخلها أنهن مذنبات، لذا تطالعهن في احتقارٍ بيّن.
حينما أمسكت بساقي الفتاة لم تلمح الخوف والرهبة كما الأخريات، ودُهشت من ذلك، لكن لم تعلّق وتابعت عملها، وقبل أن تبدأ تفاجأت في دخول مدير المشفى ومعه بعض من الأطباء والأمن، نظرت لهم شهد في رعبٍ حقيقي من النظرات المتهمة الموجّهة منهم لها، وذابت أوصالها حين خاطبها المدير غاضبًا:
-أيه اللي بيحصل هنا يا دكتورة شهد؟!
ذابت أوصالها ولم تعرف ماذا تفعل، ثم تمالكت نفسها وأدركت الموقف قائلة:
-مافيش حاجة يا دكتور وفيق آ..
أشار بكفه أن تصمت فالوضع يشرح نفسه، ثم وجّه بصره للفتاة التي نهضت ووقفت خلفها تزيّف الخوف، جل ما يحدث جعل قلب شهد يهوى أرضًا. خاصةً سؤاله الحازم للممرضتين:
-إنتوا هنا ليه؟!
نطقت إحداهن متصنعة البكاء:
-إحنا ملناش دعوة، الدكتورة شهد هي اللي طلبت مننا كده وإن الموضوع مش غلط وحضرتك عارف.
ظنت شهد أنها تبرر موقفها وتلقي اللوم عليها خوفًا، ولم تتوقع أن وراء ما يحدث خديعة سقطت هي في أهوالها لتكون هي الجانية بمفردها. شعرت بقلة القيمة حينما رأت ازدراء أعينهم تجاهها، وجف حلقها متلعثمة في خلق أي تبرير، وكسا الضياع هيئتها ككل حين قال مُصرًّا:
-أنا مضطر أسلمك للشرطة يا دكــتورة…………!!
يُتبع
- لقراءة باقي فصول الرواية اضغط على (رواية اجنبي مغرم)
لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها
أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)