روايات

رواية ليتني اعفو الفصل السادس عشر 16 بقلم لمسة جمال

رواية ليتني اعفو الفصل السادس عشر 16 بقلم لمسة جمال

 

البارت التاسع عشر

 

الفصل السادس عشر

بعد مرور عدة اشهر

ملك ياملك
دخلت اميرة غرفة ملك لتجدها مازالت جالسة على فراشها رافعة ارجلها الى صدرها ومستندة عليها بايديها التى تحمل راسها شاردة لتلتفت لها وتردف بخفوت : نعم يااميرة مالك بتصرخى كدة ليه عاوزة حاجة
انتى هتفضلى قافلة على نفسك كدة لامتى ياحبيبتى
اعمل ايه بس
اخرجى شمى هوا اقولك تعالى اقعدى معايا فى الجنينة شوية انا زهقانة وقاعدة لوحدى انتى عارفة ان اسر باباه اخده النهاردة هيفسحه ومش هيرجعه غير بعد مايعشيه ويجيبه على النوم
سيبينى الله يخليكي يااميرة ماليش نفس
ياستى تعالى واخرجى من الحبسة اللى انتى فارضاها على نفسك ديه
مش عاوزة اعمل قلق لحد ارجوكى يااميرة سيبينى
جذبتها اميرة من يدها خارجة من الغرفة فى اتجاه باب الفيلا للجلوس فى الحديقة فالجو كان جميل اليوم والشمس دافئة ولاتنذر بهبوب عواصف ولا امطار
شوفتى بقى اهو الموضوع سهل خالص والجو لطيف جلست ملك بجانبها شاردة صامتة لتهب اميرة قائلة:وبعدين ياملك يعنى انا جيبتك معايا هنا علشان تسليني ولا تقعدى ساكتة كدة
انا مخنوقة قوى يااميرة من بعد ماصحيت ولاقيت عقلى صفحة بيضا ومابقتش فاكرة اى حاجة ولا عارفة انا مين ولا مين اهلى ده بقى اكبر هم فى حياتى حاسة اننى مش عارفة راسى من رجلى والدنيا قدامى بقت سودا .. و اننى تايهة وضايعة نفسى بس اعرف انا مين وحياتى اللى فاتت ديه كانت ازاى
ياحبيبتى ماالدكتور اللى اخدك عنده فارس اخويا قالك انها هترجع لك واحدة واحدة وخصوصا ان الاحلام والكوابيس اللى بتجيلك ديه مؤشر كويس ان الذاكرة عندك هترجع لك قريب
انتظمى بس انتى فى العلاج اللى كتبه لك واى حاجة تفتكريها ولو لمحة صغيرة قولى له عليها فورا
مش عارفة لو ماكنتش اتعرفت على الدكتور فارس كان ممكن حصل لى ايه ولا روحت فين
ماتشغليش بالك انتى باى حاجة دلوقت وهدى اعصابك
التفتت ملك اليها قائلة :انتى ماسكة ايه فى ايدك
ديه رواية لكاتب جديد بحب اقرا له تخيلى انا جمعت كل رواياته عندى فى المكتبة وحفظتها عن ظهر قلب بس الرواية ديه بيقول انها قصة حقيقية لصاحبه بس بينى وبينك انا حاسة انها قصته
ليه بتقولى كدة
لانها مؤثرة جدا حاسة انه كتبها بدموعه واحزانه والامه اسمها ايه الرواية ديه
عودى لى
والكاتب اسمه ايه
عمر عز الدين
شعرت بدوار عصف كيانها والم شديد فى راسها لدرجة ضربات قوية موجعة لمجرد سماعها اسمه امسكت برأسها قليلا وشحب وجهها لتقترب منها اميرة
ملك ياملك انتى سامعانى مالك ياحبيبتى فيكي ايه طيب انادي لك فارس
لم تستطع ان ترد عليها ودوار راسها مازال مستمر ترى خيالات لاشخاص لم تستطع ان تتعرف عليها اصوات كثيرة تتداخل فى راسها مازالت تضغط على راسها بقوة والالم فى ازدياد
اتى مسرعا استجابة لنداء اخته اميرة
مالك يااميرة فيه ايه بتصرخى كدة ليه
الحق يافارس مش عارفة ملك مالها
اندفع فارس نحوها بقلق ليجدها فى حالة يرثى لها وقبل ان تسقط مغشيا عليها تلقفتها ايديه وبقلق :ملك ردى على مالك حاسة بايه
لم تستجب له ليحملها مسرعا بها الى غرفتها
اميرة هاتى لى شنطة العلاج بسرعة
كان يتأملها بشغف ونظرات حزينة منذ ان اتت الى منزلهم لم ترى اى يوم سعيد
بعد الكشف عليها واعطأئها ابرة مسكنة هم ليخرج من الغرفة لتسرع اخته خلفه لسؤاله :مالها ملك يافارس ايه اللى عندها
ان شاء الله هتبقى كويسة هى جسمانيا ماعندهاش حاجة بس موضوع الصداع والدوخة ديه اكيد ليها علاقة بفقدانها للذاكرة وخصوصا ان دكتورها النفسى قالى انها من وقت للتانى هتنتابها نفس الاعراض ديه وده معناه ان ذاكرتها هترجع لها قريب هو انتوا كنتوا بتتكلموا فى ايه سبب لها التعب ده
مفيش انا كنت ماسكة رواية وكنت بحكى لها عن مقتطفات منها
بشك : غريبة وايه علاقة ده بذاكرتها
عموما خليكى جنبها هى هتفوق بعد شوية انا هروح اجهز نفسى وانزل للشغل
خرج فى اتجاه غرفته ليلتقى بوالدته عند الممر الواصل بين الغرف وهى تنظر له نظرات نارية وقف صامدا امام العاصفة القادمة فهو يعرف سببها فقد اعتادها دوما منها الى ان تكلمت اخيرا : وبعدها لك يافارس جيبت لنا واحدة من الشارع وقلت خابطها ومش عارفة ايه وقلت ماشى اهى يومين وهتمشى وفجاة عرفنا انها فاقدة الذاكرة وكل شوية دوخة وتعب ويغمى عليها هى هتفضل قاعدة لنا هنا ولابدة لحد امتى ان شاء الله واوعى تقولى لحد ماترجع لها الذاكرة انا مش هقدر اتحملها فى بيتى المدة ديه كلها وكمان لما ترجع لها الذاكرة تضمن منين انها ماتبلغش عنك وترميك فى السجن ولا كل ده علشان تشبه مراتك
ازدادت نظرته قتامة وانطلقت منه زفرة مكتومة ليرد عليها بغضب:اولا ملك مش من الشارع زى مابتقولى يافريدة هانم ولبسها اللى كانت لابساه وقت الحادثة واسلوبها فى الكلام بيدل انها من عيلة محترمة وبنت ناس
وابنك هو اللى اخطأ فى حقها تفتكرى اننى ممكن اهرب من مسؤلياتى بالشكل المقرف ده واطردها من بيتى ده مش هيحصل ابدا والشبه اللى بينها وبين ندى مالوش اى علاقة ابدا لانها لو كانت اى حد برضه كنت هقف جنبها لاننى اتعودت اوجه اخطائى مش اهرب منها يافريدة هانم ودلوقت عن اذنك بقى ماعنديش وقت اضيعه اكتر من كدة واياكى تحاولى تأذى مشاعرها باى كلمة من كلماتك الجارحة اللى انا عارفهم كويس
خرج فارس متجها الى عرفته وهو يكظم غيظه المستعر كيف تفكر والدته بهذا الشكل وتنفر من فتاة مشكلتها الوحيدة انها فاقدة الذاكرة ولا تستطيع ان تتعرف على هويتها
انها انسانة محترمة رقيقة بريئة وعفوية لايمكن ان تكون غير مستقيمة او غير سوية

Image
كانت ملك تشعر انها تغوص فى بئر سحيق تمد يديها لكى ينقذها احد ولكن مامن مجيب ايام وليالى تشعر بكافة اعضاء جسدها مخدرة لم تستطع ان تتحرك او تتجاوب مع محدثها لسانها كاد ان يلتصق اسفل فمها جف حلقها تصلبت اعضاءها كان فارس يذهب اليها يوميا كما وعد زياد يتحدث معها فى كل شئ سرد لها عن حياته حبه الضائع زوجته ووفاتها حكى لها عن اخته وماتعرضت له وكيف يصلح لها حياتها حكى لها عن والدته ايضا وعن عمله ومايتعرض له يوميا من طرائف كان يضحك تارة وتدمع عينيه تارة اخرى حتى تعرفت على كل شئ يخصه وعندها كان يرى ملامحها تتغير مع كل انفعال يصدر منه كأنها تتابعه فى سكناته وهمساته
اعتاد على الذهاب اليها فى موعد محدد واعتادت على سماع صوته واحست انه الوحيد فى هذه الحياة امانها ومنقذها من حقد البشر وصراعاتهم حاول مرارا ان يجعلها تستجيب له ولكن بدون فائدة الى ان فقد الامل فى رجوعها للحياة وحتى اتت الازمة الاخيرة فى عمله وتعرض لمشاكل كثيرة كان يواصل فى العمل الليل بالنهار ليخفق فى زياراتها عدة ايام لانشغاله

ومرت عدة ليالى
شعرت فيها بالوحدة والغربة والخوف من المستقبل المظلم الذى اعيش فيه وفجأة استطعت ان احرك احد اطرافى شيئا فشيئا بدأت الرجوع إلى العالم …استيقظت…فتحتُ عيني بصعوبة وأشحت بنظري إلى المكان الذي أنا فيه وعينيَّ لم تكتمل قوة بصرهما بعد ..لكني استطعت أن اعرف باني في غرفة مستشفى لماذا!!
فتحتُ عينيَّ بقوة واصبحت أتنفسُ واشهقُ بصعوبةٍ متقطعة وكأني في مكانٍ ضيقٍ وهناك من يكتم على انفاسى
عندها شعرت بى الممرضة التى تجلس بقربى هاتفة :حمدالله على السلامة حبيبتى اخيرا صحيتي
انا فين وايه اللى جابنى هنا
امسكت يدي برفق قائلة :اهدى دلوقت وانا هروح انادى الدكتور لحسن موصيني اول ماتصحى ابلغه فورا
ثم جرت مسرعة خارجة من الغرفة صرت منكمشة فى مكانى خائفة بل مرعوبة من كل شئ لا اعلم ماذا يحدث وماهو مصيرى
جاء الدكتور زياد فورا ليتحدث معى

كان فارس يهم بالدخول الى المتشفى فقد غاب عن زيارتها عدة ايام واشتاق للحديث معها ليدق هاتفه ويجده رقم زياد :الو
فارس تعالى بسرعة المريضة فاقت
بتقول ايه
بقولك فاقت ومش هتصدق اللى حصلها
اقفل يازياد انا على باب المستشفى وجاى لك حالا

دخل فارس مسرعا فى اتجاه غرفة زميله الدكتور زياد
السلام عليكم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته تعالى اتفضل اقعد
فيه ايه يازياد قلقتنى المريضة اخبارها ايه
واضح ان اختفاءك المدة اللى فات كان له تأثير ايجابى عليها وسلبى فى نفس الوقت
ازاى يعنى
النهاردة فوجئت باعتماد جاية لى تجرى وتقولى الحق مريصة غرفة 87 فاقت من غيبوبتها
ماكدبتش خبر وجريت على هناك على طول:صباح الخير سيدتى انا الدكتور زياد المخصص لحالتك حمدالله على سلامتك
ممكن تقولى لى حضرتك اسمك ايه واهلك فين علشان نبلغهم بمكانك
مازالت تشعر بالخوف والرهبة وتنظر له نظرات مذعورة ولم تتجاوب معه الى ان صرخت بهياج وهيستيريا حتى انه اقترب وحاول تهدئتها ولم يجدى سوى اعطائها ابرة مهدئة
وماكانش ينفع اسيبها بالمنظر ده وهى خايفة ومرعوبة من اى حد فينا بيتكلم معاها وخصوصا انها مش لايقة الصوت اللى اتعودت تسمعه فى فترة غيابها عن الواقع علشان كدة قلت الافضل انك تيجي تتكلم معاها لانها مش هتتعرف الا على سيادتك بما انك كنت الاقرب ليها الفترة الاخيرة وقول يارب ماتخيبش املنا وتقبل انها تحكى معاك
ربنا يسهل انا هقوم اروح لها فورا
طبعا لازم نعملها علاج طبيعى لانها عندها ارتخاء فى عضلات جسمها نتيجة للفترة الطويلة اللى غابت فيها عن الوعى
اعمل اللازم يازياد انت هتاخد رايى عن اذنك دلوقت
كان يشعر بلهفة للقاءها والتحدث معها فملامحها قريبة جدا لقلبه هل ستكون نفس صوتها وعينيها ماذا ستكون لونها
نفض راسه من هذا التفكير فهمه الوحيد الان هو معرفة من هى واين اهلها
طرق الغرفة بهدوء لتسمح له الممرضة بالدخول كانت عينيه مركزة عليها مازالت مرتعبة ومنكمشةعلى نفسها اجلى صوته قليلا ثم قال :حمدالله على السلامة سيدتى عاملة ايه دلوقت
لمح انشراح اساريرها قليلا وشبه ابتسامة اذابت قلبه وزادت خفقانه هامسا لنفسه :ياربى ازاى تشبهها بالشكل العجيب ده مستحيل تمعن فيها منتظر قليلا ثم اردف : ممكن اعرف اسمك ايه وعيلتك فين
لكنها لم تستطع ان ترد باى شئ ليعبس وجهها قليلا فمازالت تبحث فى عقلها انه صفحة بيضاء سالت دموعها عندئذ وانهمرت على وجنتيها حتى انه صدم من مرآها بهذا الشكل ليهتف: ليه بتعيطى دلوقت حد ضايقك او قالك اى حاجة ازعجتك اومأت برأسها نافية
حاولى تتكلمى ردى عليا على الاقل انتِ سامعانى
اومأت براسها موافقة
طيب ردى قولى لى اسمك ايه
عندها صرخت بانهيار مش عارفة ولا فاكرة عقلى صفحة بيضا دورت فيه كتير مش قادرة افتكر اى حاجة حرام عليكوا سيبونى لوحدى عاوزة اموت
اقترب منها اكثر وهو يحاول تهدئتها :طيب اهدى ارجوكى وان شاء الله كل شئ هيبقى تمام وهتفتكرى كل حاجة بس ماتحاوليش تجهدى نفسك دلوقت
علم انها فقدت الذاكرة فعادة من يصاب بغيبوبة فترة طويلة وخاصة بارادته فالعقل يهرب الى اسهل طريقة وهى النسيان ولكنه يعلم انه يكون نسيان مؤقت حيث انها لم تصاب اى اصابة دماغية ولكنها حالة نفسية اذا عادت لنفس الاماكن والاشخاص القريبة منها ستساعدها على التذكر حتما

بتقول ايه يافارس
زى مابقولك كدة المريضة دخلت فى فقدان ذاكرة وطبعا العقل الباطن لما استجاب ورجع للواقع مسح كل حاجة مرت بيها فى حياتها
طيب انت ايه رايك
هتستمر فى العلاج الطبيعى وهنطلب لها دكتور نفسى يبدا جلساته معاها لعله يساعدها على رجوع ذاكرتها
وبالفعل استمرت الجلسات ولكن بدون فائدة لتخرج اخيرا ملك – بعد ان سماها فارس بهذا الاسم لانه عندما رآها اول مرة كانت نائمة كالملاك -معه الى منزله ليطمئن عليها الى ان تعود لها ذاكرتها ووعدها انها ستكون مسؤلة منه ولن يبتعد عنها ابدا
عندما رأتها والدته واخته شهقتا من الصدمة مثلما حدث له عندما رآها اول مرة ولكنهم تجاوزا هذا الشبه سريعا لم تتقبلها والدته لكن اميرة اقتربت منها وجعلتها رفيقتها حتى لاتستغرب المكان…..
Image
ها يابطل ايه رايك نروح ناكل بقى
لا عاوز العب تانى
طيب اختار انهى لعبة تحب تركبها بس واحدة اشار له الصغير على لعبته المفضله ورفعه بين احضانه مقبلا وجنتيه التى ازدادت اشتعالا من اثر اللعب والجرى يالا بينا بس اللعبة ديه ونروح ناكل مش عاوزين مامى تزعل مننا وتتهمنى اننى مجوعك
ابتسم له الصغير ابتسامة اذابت قلبه فهو يشبهها كثيرا حتى فى ضحكتها فى نظراتها البريئة فى حركة يديها :ياربى اشتاقت لك كتير يااميرتى لامتى بس هتحرميني حتى من نظرة عينيكى الفاتنة اللى سحرتنى وخلتنى مش شايف ولا بفكر فى اى ست تانية قدامى غيرك
تذكر منذ عدة اشهر عندما اتى ليتحدث معها امتنعت عن لقائه وعندما اصر خرج له فارس واتهمه بخداعهم وكيف انه اعادها لعصمته بدون معرفة احد اخبره انها زوجته ولن يفرط فيها حتى الموت ولكن فارس طلب منه ان يتركها على راحتها ولا يحاول ان يقترب منها مرة اخرى حتى تنسى مافعله بها فجرحها كبير وعندئذ ستخبرهم بقرارها الاخير والى الان ينتظر وسيظل ينتظرها حتى اخر يوم فى عمره لم يتذوق طعم الحرمان كما اذاقته اياه ببعدها عنه وتجرعه قطرة قطرة .. والان يذهب لاخذ ابنه يوما فى الاسبوع يقضيه معه فهذه الاوقات تعتبر من اسعد الاوقات التى يعيشها مع صغيره يلعب ويمرح معه وكانه طفل صغير ثم يعود به ليلا الى منزل والدته حتى انها تستكثر عليه النظرة لتخرج له الخادمة وتأخد الطفل منه ويرحل بعدها لقد لمحها اكثر من مرة وهى تتابعه من النافذة عيناها تراقبان خطواته القوية الثابتة وهو يبتعد متجها نحو سيارته لقد لمح خيالها هامسا لنفسه يوما ما ستفقده عقله حتما ببعدها عنه ونفورها منه ولكنه يحبها وسيظل ينتظرها …
Image
طرق الباب لتفتح له السيدة المسنة وبابتسامة هادئة قال لها :ازيك يادادة عاملة ايه
الحمد لله يابنى على كل حال
الدكتور ماهر نايم ولا صاحى
لا هتلاقيه فى اوضة المكتب انت عارف انه بيشغل نفسه فيها طول الوقت منه لله اللى كان السبب
تركها وذهب فى اتجاه الغرفة ليطرق بابها وينتظره ولكن مامن مجيب عندها دخل بهدوء ليجده جالس على مكتبه ممسكا باحدى الصور لابنته وهى تعانقه ناظرة فى عينيه وهى تبتسم له ابتسامتها الناعمة كان شاردا وعيونه تذرف الدموع ليهتف قائلا :ازيك ياعمى عامل ايه دلوقت
رفع له ماهرعينيه المعاتبة وامأ له ثم اسبل جفونه مرة اخرى لينظر الى الصورة التى فى يديه بتمعن ينسيه عن العالم اجمع
وبعدين ياعمى مش الدكتور قالك ماتحاولش تزعل نفسك علشان صحتك وتكون هادى دايما علشان حالتك ماتتأزمش اكتر من كدة ده انت دكتور وعارف انا هعرف
اكتر منك
وبعدين مواظب على العلاج الطبيعى ولا لا
ماعادش فيه فايدة من كل ده خلاص بعد الحبيبة ماراحت مابقاش ليا نفس لاى حاجة
ليه ياعمى اليأس ده انا عارف انك زعلان منى وبتحملنى بعد نور واختفاءها وانا كمان بأنب نفسى طول الوقت على كل اللى حصل بس انا واثق ان نور بخير واكيد هترجع ماحدش عارف ظروفها ايه ولا ايه اللى حصل معاها وبعدها عننا الفترة ديه كلها
حسبى الله ونعم الوكيل فى اللى كان السبب
خلاص ياعمى اهو مات وراح بكل بلاويه اللى عملها وماتجوزش عليه الا الرحمة دلوقت
المهم انت ليه مش عاوز ترجع المستشفى تانى تشغل وقتك فيها
تفتكر ينفع بحالتى ديه
وايه اللى يمنع ياعمى انت مدير المتشفى حتى لو ماقدرتش تدخل عمليات دلوقت بس على الاقل انت اصلح واحد يقدر يمشى المستشفى بادارتك الناجحة
ضحك بسخرية :ادارتى وكانت فين ادارتى لما قدر الندل الخسيس يستغفلنى ويسرقنى
ياعمى انت كنت فى ظروف وقتها مش حاسس باى حاجة غير انك تلاقى بنتك
ماتحاسبش نفسك على غلطة مالكش ذنب فيها وغير مقصودة اوعدنى ياعمى انك ترجع علشان اكون مطمن عليك ارجوك مش عاوز اشوف نظرة الياس ديه فى عينيك تانى انت كنت ومازلت مصدر فخر لكل شاب زى وماحدش هينسى ابدا اعمالك وانجازاتك يكفى القسم المجانى اللى وسعته علشان يساع كل الكم من الاعداد اللى بتدخل كل يوم من المرضى المحتاجين ومش لاقيين تمن العلاج شوف كم الدعوات اللى بيجيلك وانت تحس بطعم السعادة انا مش بقولك انساها نور هتفضل فى قلوبنا دايما لحد ماترجع وتنورنا من تانى لكن الحياة بتستمر ولا عاوزها ترجع تلاقى حالتك بالشكل ده وتحزن عليك
ابتسم له ابتسامة باهتة ابتسامة امل ليتبع عمر كلامه:عاوز امشى وانا مطمن عليك ارجوك ياعمى ماتخلينيش قلقان عليك دايما
ربنا يسهل هحاول اروح المستشفى من وقت للتانى
ان شاء الله سلام ياعمى
مع السلامة يابنى

تحرك الرجل البائس الحزين بالكرسى المدولب وقلبه يتغضن الما على فراقها ناظرا الى النافذة التى تطل على حديقة غناء شاردا فيما مضى …

Image
دلف ماهر الى المشفى المعنى ليذهب فى اتجاه غرفة المدير المسؤول ويستأذن للدخول
اهلا وسهلا بالدكتور العظيم ماهر مهران اشهر من النار على العلم ازى حضرتك يافندم
انا بخير الحمد لله ممكن اعرف مين المصاب اللى طالب يشوفنى
حضرتك تعرف دكتور اسمه عماد رشوان
بصدمة :عماد ماله
للاسف جالنا فى حادثة عربية كبيرة ادى لاحتراق عربيته والبنت اللى كانت معاه ماتت فى الحال وهو للاسف جسمه كله اتحرق وحالته خطرة هو اصر علينا اكتر من مرة اننا نكلمك علشان يشوفك قبل مايقابل وجه كريم بس طبعا الرقم ماكانش معانا وتعبنا لحد ماوصلنا لحضرتك
للدرجة ديه حالته خطرة
اومأ له الرجل براسه قائلا : للاسف يارت تدخله فورا يادكتور
انهالت الاخبار على راس ماهر حتى ادارت راسه ليتقدم بهدوء الى الغرفة المسجى فيها المدعو عماد ليجده ملفوف بطبقة معينة من الشاش المعقم على جسده المحترق ومحاط بساتر شفاف

بلهفة وخوف:عماد ايه اللى حصلك يابنى الف سلامة عليك
ابتلع عماد ريقه بصعوبة وبصوت واهن لم يستطع اخراجه همس:دكتور ماهر تعالى قرب منى هنا ارجوك مش قادر اتكلم
طيب خليك ساكت طالما تعبان انا هطلب منهم ينقلوك حالا لمستشفانا وهجيب لك افضل دكاترة وان شاء الله هتبقى بخير
ماعادش منه فايدة ارجوك اسمعنى قبل فوات الاوان وسجل لى كل كلمة هقولها علشان حقك مايضيعش
انت بتقول ايه وحق ايه
سرد له عماد كل شئ بداية من نشأته ومصائبه التى كانت تتوالى وقراره بالانتقام من كل من آذاه الى ان انتهى عندما خرج من المشفى فى اتجاه الشهر العقارى كى يوثق التنازل كان يقود السيارة يضحك ويمرح وصوت الموسيقى عاليا يصدع فى المكان يتراقص بالسيارةيمينا ويسارا غير عابئ باى شئ لقد حقق كل ماتمناه ووصل الى كافة احلامه التى انتهت بحصوله على المشفى التى اصبحت ملكه
عاوزك يابت يادلال تجهزى لى ليلة من اياهم بقى على كيف كيفك
انت تؤمر يابوس عندى ولا عندك
لا عندك ايه عندى طبعا انا هروح مشوار سريع وعاوز ارجع الاقيكى مظبطة المسائل ومجهزة لى نفسك على سنجة عشرة ومحضرة المزة والذى منه يابت انا النهاردة فرحان والدنيا مش سيعانى
ربنا يفرحك كمان وكمان ياخويا ده انا هروقك واظبطك على الاخر فى ليلة ماتحلمش بيها وقبل ان تكمل كلماتها المغوية صرخت صرخة قوية :حاسب ياعماد لقد اصطدمت سيارته بشاحنة امامه وعندما حاول ان يتفادها تقلبت السيارة عدة تقلبات لتقع من منحدر عالى وتنفجر فى الحال استطاعوا الناس ان يطلبوا الاسعاف التى اتت باعجوبة ليتم اخراجه حيث كان مازال على قيد الحياة
ومازال عماد يتحدث بصعوبة:الحمد لله اننى مالحقتش اوثق العقد واهو اتحرق مع كل الاوراق اللى كانت فى العربية ارجوك تسامحنى يادكتور سامحونى كلكم وخلى الدكتورة نور لما ترجع بالسلامة تسامحنى انا عارف اننى غلطت فىلا حقها كتير وهدمت سعادتها بس هى قلبها كبير وهتسامحنى عاوز اقابل رب كريم وهو راضى عننى واكون سددت كل ديونى
كانت عينيه تتسع من الصدمة من كم المصايب التى قام بها وسردها له ليصيح به اخيرا :انت ياعصام يطلع منك كل ده وانا اللى عاملتك زى ابنى من يوم مادخلت المستشفى وكنت هجوزك بنتى كمان اتاريني كنت بربى حية واول مانثرت سمومها لدغتنى وسممت حياة بنتى حسبى الله ونعم الوكيل ..حسبى الله ونعم الوكيل فيك من شيطان ثم تركه وخرج ولم يرى دموع الندم التى سالت من عيني عماد لكن بعد فوات الاوان

خرج ماهر مندفعا خارج المشفى لايريد ان يظل لحظة واحدة يشعر بالاختناق فاذا ظل عنده سوف يقتله بايديه الاثنين بدون ان يرف له جفن ليخرج هاتفه ويطلب رقم
ايوة ياعمر تعالى البيت حالا
قلق عمر من هذا الاتصال ولا يعلم ماسببه هل وصلته اخبار عن نور هل حدث لها مكروه ليستقل سيارته مسرعا فى اتجاه منزل ماهر
وعندما دخل اليه وجده يزرع الغرفة ذهابا وايابا كالثور الهائج ليلتفت له بعيون حمراء من اثر الغضب
خير ياعمى حصل حاجة عرفت حاجة عن نور
كانت انفاسه عالية ونبضات قلبه تتسارع وصدره يعلو ويهبط ليشعر بالم عميق حتى انه شعر بتنميل فى ذراعه الايسر ولكنه لم يبالى ليصيح فيه :انت ياعمر تعمل فى بنتى كدة بنتى اللى اتحدتنى واتحدت العالم علشان تتجوزك انت اللى اقسمت انك ترعاها وبدل ماتحميها تخونها تحطمها علشان ايه علشان لعبة حقيرة اتعملت فيك وبدل ماتقويك تهزمك لدرجة انك ترافق بنات الليل والغوانى وتكسر قلب بنتى وياعالم هى فين دلوقت
للاسف بنتى اساءت الاختيار انت ضيعت بنتى ومش ممكن هسامحك ابدا
لم يستطع ان يرفع عينيه لتلاقى عيني ماهر المتألمة لشعوره بالندم
ليردف اخيرا : اهدا ياعمى ارجوك انا عارف اننى حقير وندل وخسيس واننى ضعفت ايوة ضعفت والنتيجة اننى جرحت ارق مخلوقة فى حياتى
صرخ ماهر وسرد له الجريمة الدنيئة التى حيكت له هو وابنته ليشعر عمر بالغضب والهيجان اخذ يصرخ فى الغرفة ويضرب راسه فى الحائط حتى شعر بالدماء تسيل من جبهته ولم يبالى لقد تحطمت معنوياته فقد حبيبته وزوجته والسبب شخص حقير استغل ضعفه اراد ان يمتلكها هى والمشفى معا طمعا فيما تملك وليس حبا بها اراد ان يعرف طريقه حتى يقتله بايديه الاثنين وعندما علم انه يكاد يفارق الحياة صرخ وثار اكثر الى ان التفت على ماهر الذى وقع مغشيا عليه حيث تعرض لجلطة كادت أن تودى بحياته لولا فضل الله لينتهى به الحال مقعد على كرسى مدولب وقلب يتغضن الما وحزنا لفقدان ابنته

خرج من بيت ماهر واستقل سيارته فلديه موعد للاحتفال بمولدته الاخيرة عودى لى فقد اجله كثيرا ولكنهم فاجئوه بالموعد الجديد ليضطر للذهاب اخيرا دق هاتفه ليخرجه من جيبه ويجد اسم محمد صديقه عندها فتح الخط :ايوة يامحمد
عمر انت فين انا عرفت مكان نور
بصدمة :ايه

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى