رواية في حضن الغرباء الفصل الخامس 5 بقلم أمل عبدالرازق - The Last Line
روايات

رواية في حضن الغرباء الفصل الخامس 5 بقلم أمل عبدالرازق

رواية في حضن الغرباء الفصل الخامس 5 بقلم أمل عبدالرازق

 

 

البارت الخامس

 

بعد منتصف الليل
(الغرفة هادئة، نور خافت من الأباجورة الصغيرة بينور الركن اللي قاعدة فيه مريم، ووشها باين عليه الإرهاق والتفكير. بتلف في صوابعها كوباية شاي نصها فاضي. تدخل لطيفة، بهدوء، ملفوفة بكوفيه صوف، وعيونها فيها دفء وفضول ناعم.)
لطيفة (بابتسامة خفيفة): مش ناوية تنامي؟
مريم (بصوت خافت): جربت… بس النوم هرب.
لطيفة (تقعد جنبها على الكرسي الصغير): في حاجات لو فضلت ساكتة جوا دماغنا، بتفضل تزق النوم بعيد.
مريم (تنظر لها لحظة، ثم تهمس): كلمت عمي منير… بعد ما فتحت الموبايل.
لطيفة (بهدوء): وأخبارهم إيه؟
مريم (تتنهد): جدتي… تعبانة أوي. في المستشفى. بتسأل عليا كل يوم… وعايزة تشوفني.
لطيفة (تنظر لها بحنان): وإنتِ؟ نفسك تشوفيها؟
مريم (تسكت… تبص في الكوباية): مش عارفة. جوايا حزن… وغضب… وذكريات مرّة. بس لما سمعت صوت عمي… ولما قالي إنها بس بتقول “هاتوا مريم”، حسيت قلبي محتار.
لطيفة: يمكن هي كمان اتغيرت، أو على الأقل… بتدور على لحظة صفا قبل ما الوقت يسرقها.
مريم (تتمتم): طب ولو روحت؟ لو شفتها… وندمت؟ ولو ما لحقتش؟ وضاع مني وداع كنت محتاجاه؟
لطيفة (تميل ناحيتها، وتمسك إيدها): مفيش ضمانات في الدنيا، بس في حاجات بنعملها مش عشان هما يستحقوا، بس عشان إحنا نقدر نرتاح.
مريم (تدمع عينيها): أنا تايهة يا لطيفة… حاسة كل قرار هاخده تقيل عليا.
لطيفة (بصوت حنون): خدي القرار اللي يخليكي تقدري تبصي لنفسك في المراية بعدين… من غير ما تحسي إنك جبتي آخرك، ولا إنك سبتِ حاجة في قلبك مأفولة.
(صمت. مريم تمسح دمعة، وتبتسم ابتسامة صغيرة فيها وجع وأمل.)
مريم (بهدوء): يمكن… فعلاً محتاجة أرجع… حتى لو يوم.
لطيفة (تربت على كتفها): وأنا هنا… مستنياكي لما ترجعي، نحكي كل حاجة، ونضحك على وجع فات.
مريم (تبتسم): أو نعيط سوا.
لطيفة (بمزاح خفيف): عياط جماعي مسموح، بس بشرط… من غير ما ننسى الشاي.
(يضحكوا سوا بخفوت… مريم تبص ناحية الشباك، وفي عينيها قرار لسه بيتشكل.)
_________
مكتب حمزة بشركة الشهاب
(حمزة قاعد على مكتبه، قدامه اللابتوب، وورق عليه بيانات مريم، وبيفكر بهدوء قبل ما يلتقط الهاتف)
حمزة (يتنفس بعمق ويمسك الموبايل):
ألو، السلام عليكم…حضرتك دكتورة هالة من شؤون الطلبة بكلية اللغات؟
الموظفة (من الطرف الآخر):أيوة يا فندم، تحت أمرك.
حمزة: أنا حمزة شهاب فهيم…
ممثل عن جهة خاصة، وبتواصل بخصوص طالبة عندكم في الكلية، عندها ظروف إنسانية خاصة جدًا.
اسمها: مريم عبدالمجيد، في الفرقة رابعة وهرسل لحضرتك كل التفاصيل الخاصة بيها .
الموظفة (بتردد):حضرتك تقصد إيه بظروف خاصة؟
حمزة (بنبرة جادة ولطيفة): الطالبة بتواجه مشاكل عائلية صعبة جدًا، وبتعيش حاليًا في دار للفتيات، بعيد عن محافظتها.
وحرصًا على سلامتها النفسية والجسدية، هي مش قادرة تمتحن وسط الطلبة؛ لأننا مش عايزين حد يعرف انها جت الامتحانات …
لكنها متفوقة، وعايزة تكمل تعليمها، ومش حابة تضيع السنة دي.
الموظفة:فهمت، بس إحنا محتاجين مستند رسمي يوثّق حالتها، وإلا هيبقى صعب نغيّر مكانها أو نخصص لجنة.
حمزة:أكيد، أنا هجهّز لكم خطاب رسمي من إدارة الدار اللي بتقيم فيه، يوضح حالتها، وكمان أنا مستعد أوفر موافقة أمنية لو لزم الأمر.
بس اللي بطلبه مؤقتًا، إنكم توافقوا مبدئيًا إنها تمتحن في لجنة منفصلة، وهي هتيجي منتقبة تمامًا، مش هيكون في أي اختلاط.
الموظفة (بعد لحظات تفكير): طيب، سيبنا نراجع الحالة مع الشؤون القانونية ونرد عليك خلال يومين…
وإنت وفّر لنا الخطابات المطلوبة في أسرع وقت.
حمزة: أنا هبعت الفاكس من الدار النهاردة، وبشكر حضرتك جدًا على تعاونك.
في دار الفتيات – مكتب نادية
(حمزة بيقابل نادية وبيحكي لها اللي حصل)
حمزة:
إدارة الكلية وافقوا مبدئيًا، بس محتاجين من حضرتك جواب رسمي يثبت إن مريم مقيمة هنا مؤقتًا، وإن ظروفها ما تسمحش تروح البلد.
نادية (بثقة): ولا يهمك، هجهّز الخطاب حالًا…
وصدقني يا حمزة، وقفتك دي مش بسيطة.
مريم دي تستاهل اللي يقف في ضهرها، ودي أول مرة أشوفها بعيون فيها أمل.
حمزة (يبتسم بهدوء):أنا بس بعمل اللي لازم يتعمل… والباقي على ربنا.
في الغرفة – مريم تقلب في كتبها وعيونها مليانة قلق، ثم تدخل لطيفة وهي حاملة ظرف
لطيفة:مريم… في ظرف جالك من مكتب مدام نادية.
مريم (تفتحه بسرعة، تقرأ، وتهمس): لجنة خاصة؟… جامعة؟
(تنظر للخطاب ودموعها تنزل بهدوء)
فتون (من وراها): هو دا اللي اسمه رجّعلك حقك من غير ما تطلبيه.
ربنا يبارك في اللي سعى عشانك.
مريم (بصوت مرتجف): دا أنا لازم أركز أراجع كويس أوي بقى، يا رب تكمل على خير
________
بيت حميدة
النهار هادي، الشمس داخلة من شباك الصالة، والبيت ريحته مختلفة كأنه بيتنفس للمرة الأولى من سنين.
حميدة قاعدة على الكنبة، لابسة طرحتها البيضاء، إيديها متشابكة في حجرها، ونظراتها معلّقة بالباب كأنها بتستعد تقابل شبح من الماضي.
منير يدخل أولاً، يلمح التوتر في عيني أمه، ويهمس:
منير (بصوت هادي):هما وصلوا…
(تدخل زوجته هدى، لابسة محتشم وأنيقة، ماسكة إيد ابنها الكبير سليم – عنده ٦ سنين، وبتشيل على كتفها الصغير آدم – عنده سنتين، بيبص حواليه بفضول)
هدى (بصوت مهزوز): السلام عليكم.
حميدة (ترفع عينيها ليهم، وبصوت مبحوح):
وعليكم السلام… تعالوا.
(هدى تتردد لحظة، وبعدين تتقدم ناحية حميدة، وسليم ماسك إيدها، متوتر شوية)
حميدة (تقوم من مكانها بصعوبة، تمد إيديها ناحية سليم):تعالى… تعالى لحضن تيتا.
سليم (يبص لمامته فتشجعه يتحرك، وبعدين يتحرك ناحية حميدة، يقف قدامها): إنتي تيتا؟
بابا قاللي إنك كنتي زعلانة منه..
حميدة (تبتسم بدموع في عنيها، تركع على ركبها قدامه):
تيتا كانت غلطانة… وزعلانة من نفسها، مش من باباك.
تيتا كان نفسها تشوفكم، وحشتها أحفادها… وحشتها الضحكة دي.
(سليم يبتسم، فجأة يرمي نفسه في حضنها… وآدم كمان يمد إيديه وهو بيقول بصوته الطفولي): تيتاااااااا…
هدى (تدمع عينيها، وبتمسح دموعها وهي تراقب المشهد): أنا كنت خايفة أجي… وخايفة ما تتقبليش وجودنا.
حميدة (تلتفت ليها وهي شايلة آدم): أنا اللي المفروض أطلب منك السماح يا بنتي…
قسيت، وخسرت كتير، وكنت فاكرة إني بحافظ… لكن طلعت بضيّع.
إنتي مرات ابني… وأم ولاده، وأهل البيت دا.
هدى (تبكي وتقول بتأثر): كفاية إنك قلتي الكلمتين دول… إحنا لسه فيها نقدر نعيش لحظات سعيدة
منير (من الخلف، بيبص للمشهد وبيبتسم):
البيت دا النهاردة رجع له النور.
حميدة (تنظر له بحنان):
وهو نورك يا منير…سامحني يا رب، وسامحوني كلكم.
(تتجمع العيلة في حضن واحد… حميدة بتضحك والدموع في عينيها، وسليم بيحكيلها إنه بيرسم، وآدم بيمسك بطرف طرحتها، واللحظة كلها زي بلسم بيلم الشروخ القديمة)
_________
صباح يوم الامتحان – الطريق إلى الجامعة
(ميكروباص صغير واقف قدام باب دار الفتيات، الجو صباحي ضبابي خفيف، حمزة واقف جنب الباب، لابس كاجوال رسمي، ماسك في إيده ملف، ونادية طالعة من باب الدار ومعاها مريم، لابسة عباية واسعة ونقاب سادة، شنطة ظهر صغيرة متعلقة على ضهرها، ومشيتها بطيئة وفيها توتر.)
نادية (بصوت واطي وهي تمسك بإيد مريم): كل حاجة جاهزة… ورق اللجنة الخاصة اتظبط، ودكتور هاني مستني مع الأمن.
حمزة (بهدوء): ماتقلقيش، أنا كلمت مسؤول الكنترول من بدري، وهو فاهم الوضع تمام… كله تمام يا مريم.
مريم (بنبرة فيها رجّة): بس… لو حد لمحني… لو عرفت تيتا أو إبراهيم إني نزلت؟!
نادية (بحزم وحنان): مافيش حاجة هتحصل، إحنا جنبك… وإنتِ داخلة اللجنة كوني هادية ومافيش حد ليه عندك حاجه.
حمزة (بصوت هادي): انسي الناس دلوقتي… افتكري بس إنك رايحة تكملي حلمك، خطوة واحدة بس.
(تركب مريم الميكروباص بصمت، قلبها بيدق بسرعة، عينها على الطريق وهي ساكتة، بتتنفس ببطء)
_______
(حميدة قاعدة على الأرض، محتضنة آدم وسليم في حضنها، صوت ضحكتهم الخفيفة ممزوج بصوت دقات قلب منير اللي واقف على جنب، بيراقب المشهد بعينين غرقانين بالمشاعر)
منير (بصوت مبحوح وواطي وهو بيبص لزوجته): كنت بحلم باليوم ده…
كنت دايمًا أتخيلها كده… ماسكة إيديهم، تحكيلهم حكاية، تدعي لهم وهما نايمين…
هدى (بهمس وهي تمسح دموعها): كان لازم يحصل… يمكن متأخر، بس جه في وقته.
منير (يتقدم ناحيتهم، يقعد على الأرض جنبهم، يبص لحميدة): يا أمي…
شوفتِ؟
إزاي الضحكة كانت مستنياكي؟
إزاي حضن واحد منك رجّع الروح للبيت؟
حميدة (بصوت متهدّج وهي تبص في عينه):
أنا اللي كنت تايهة يا منير…
وانت كنت شايلني في قلبك رغم كل حاجة.
منير (يمسك إيدها): مهما حصل أنتِ أمي مستحيل اشيلك من قلبي… بس كنت موجوع.
كل يوم كنت بروّح أشوفهم نايمين وأسأل نفسي: لحد إمتى هنفضل مستخبيين؟
(آدم يضحك وهو بيحضن جدته، وسليم ينام على رجلها)
منير (يبتسم ويمسح على راس ابنه): بس دلوقتي خلاص…
أنا مش شايل منك حاجة.
اللي فات راح… والباقي لينا.
حميدة (بدموع فرح):
وعد عليا… من النهاردة، البيت ده لازم يفرح، والأولاد دول حياتي.
منير (يحط إيده على كتفها): أتمنى من قلبي وأنا ابنك… زي زمان، بس المرة دي… معاكِ بقلبي كله.
(الصورة تتجمد على حضن العيلة، ويمتزج صوت الأطفال بضحكة حميدة لكن فرحتها لسه مكملتش ولسه عندها أخطاء كتير لازم تحاول تصلحها)
_________
بعد ساعتين
أمام بوابة الجامعة
(الميكروباص بيقف على بعد خطوات من البوابة الجانبية، نادية بتفتح الباب وتنزل بسرعة، وبتساعد مريم تنزل.)
نادية (بهمس): مافيش حد هيقربلك… احنا وصلنا بدري، والبنات لسه ما تجمعوش.
(تمشي مريم جنب نادية وخلفهم حمزة، ما بين كل خطوة والتانية بتبص حواليها، لكن فجأة…
مريم تتسمر في مكانها، عينيها على مجموعة شباب واقفين قُدام الباب الرئيسي… وبتلمح إبراهيم، واقف مع ولدين من العيلة)
مريم (بهمس مرتعش): دا إبراهيم… واقف هناك!
(بتتراجع خطوة، عينها مليانة قلق)
نادية (تسند إيدها على كتفها وتهمس بسرعة): بصيلي… أنا معاكِ، ماتخافيش
نادية (بهمس): افتكري، تمشي ورايا على طول… متبصيش حواليك كتير، وخليكي واثقة.
مريم (بصوت واطي، متردد): حاضر…
(تبدأ تمشي بخطوات بطيئة، مشية شخص قلبه بيرجف. أول ما تقرب من البوابة، عينيها بتتحرك لا إراديًا، وكأن في طاقة جذب غريبة… وفي اللحظة دي، عينها تيجي في عين إبراهيم)
(إبراهيم واقف جنب اتنين من قرايبه – واحد من ولاد عمها والتاني ابن خالتها – بيتكلموا مع فرد أمن)
(إبراهيم بيشوفها… عينه بتضيق، كأنه بيركّز… في حاجة مألوفة في الطريقة اللي بتمشي بيها، في عيونها اللي هربت بسرعة أول ما جت في عينيه، في رعشة خفيفة في إيدها وهي ماسكة طرف العباءة)
إبراهيم (بصوت منخفض لصاحبه): استنى كده… مش دي…
(يتوقف، بيحاول يتقدّم خطوتين، لكن فرد الأمن بيوقفه)
فرد الأمن: استنى يا باشا، مفيش حد بيدخل من هنا غير الطلبة، لو ليك استدعاء من الإدارة اتفضل وريني.
نادية بتهمس لمريم:
نادية (بسرعة وهدوء): كمّلي… أنا جنبك، كله تحت السيطرة.
(مريم بتشد نفسها، وبتكمّل خطواتها، بس قلبها بيخبط جوا صدرها كأنها سامعة صوته. بتحاول تبص للأرض، لكن عينيها بتلمح نظرات الشك في وجه إبراهيم وهو بيبص وراها)
إبراهيم بيتمتم لنفسه: مش ممكن… دي مريم؟
(تبدأ الشكوك تكبر جواه، وإيده تتحرك لا إراديًا ناحية موبايله…)
(مريم تغمض عنيها لحظة، تاخد نفس عميق، وبعدين تمشي بخطوة مترددة، لكنها مصممة، ونادية جنبها ثابتة، وحمزة بيراقب من ورا بهدوء وحرص)
مريم (صوت داخلي): “أنا خايفة… بس مش هرجع… مش بعد ما وصلت لهنا. الامتحان قدامي، والخوف ورايا… وعايزة أكمّل.”
_________
بيت حميدة
(البيت هادي بعد ما الأولاد دخلوا يلعبوا في الأوضة التانية، ومنير راح يجيب حاجة من السوق، وهدى بتعمل شاي في المطبخ. تبقى حميدة وحدها في الصالة، قاعدة على الكنبة، شال خفيف على كتفها، وفي حضنها رسمة من رسومات سليم.)
(تفضل تبص في الرسمة شوية، وتبتسم، لكن ابتسامتها تبهت فجأة، ويتحول وشها لنظرة ساكتة فيها غصة)
حميدة (تتنهد، وتهمس بصوت مبحوح): كانت دايمًا ترسم… بس كانت ترسم بصمت، كأنها بتكلم الورق بدالنا…
يا مريم… يا بنت ابني، أنا ما كنتش أمّ ليكي، ولا حتى حضن.
(تمشي عينيها ناحية البلكونة، تفتكر مشهد لمريم وهي صغيرة، بتجري في البيت وهي بتضحك، أو وهي بتقف قدام المراية تسرّح شعرها، وتخاف تتكلم.)
حميدة (تكتم شهقة حزن): أنا اللي خلتك تهربي…
كنت شايفة إني بحميكي، وإني عارفة الصح…
بس يا إزاي ما كنتش شايفة الخوف في عنيكي؟
ما كنتش سامعة سكوتك اللي بيصرخ؟!
(تقوم بصعوبة، تمشي ناحية كومودينو صغير فيه صور، تمسك صورة قديمة لمريم وهي طفلة، في حضن أمها. تقعد على الكرسي، تحط الصورة في حجرها، وتحكي وكأنها بتكلم الصورة)
حميدة:
سامحيني يا بنتي… سامحي الست اللي ما عرفتش تكون حضن ليكِ وظلمتك ومش بس أنتِ لوحدك حتى إبني، وكل حاجة حواليا بتفكرني بيكم.
كله بسبب أمك اللي عمري ما حبيتها، ولو السر المدفون اتكشف هخسر كل حاجه
يا مريم أنا نفسي أشوفك، ألمّك في حضني، أقلك ارجعي…
بس يمكن رجوعك مش سهل… يمكن أنا مش مستاهلة.
(هدى تدخل وهي شايلة كوباية الشاي، وبتلاحظ دموع حميدة)
هدى (بحنان): خالتي… تعبتِ؟
حميدة (تهز راسها): مش من النهاردة… من سنين وأنا تعبانة وتاعبه اللي حواليا ومش حاسة.
هدى (تقعد جنبها):مريم أكيد حاسة بيكي دلوقتي… وأكيد بتفتكرك زي ما انتي بتفتكريها.
حميدة (تنظر لها برجاء): لو كلمتيها في يوم… قولي لها إني بستناها… قولي لها البيت فاضي من غيرها، وقلبي كمان.
هدى: كفايه عشان صحتك، ان شاء الله كل المشاكل تتحل
_________
داخل الجامعة أمام مبنى الامتحانات
(تمرّ مريم بجوار السور الخلفي، تتبع نادية بخطى حذرة. تغمرها مشاعر متضاربة بين الخوف والتصميم. عبايتها الطويلة تلامس الأرض، والنقاب يخفي ملامحها لكن لا يُخفي قلقها. تمر بجانب بوابة جانبية صغيرة مخصصة لدخول الحالات الخاصة. حمزة يسبقها بخطوتين، يتحدث مع أحد أفراد الأمن.)
حمزة (بصوت هادئ للموظف): صباح الخير، دي الطالبة اللي اتكلمنا عنها، اللجنة المفصولة في الدور الأول… كل الورق معاها، ودكتور هاني منتظر فوق.
الموظف (ينظر لمريم ثم يومئ برأسه): اتفضلوا… كل حاجة تمام.
(تنظر مريم للبوابة للحظة، وكأنها على وشك عبور عالم آخر. عيناها فقط هما الظاهرتان، وفيهما ارتباك، خوف، لكن في عمق النظرة، شيء أقرب إلى الشجاعة.)
نادية (تهمس جنبها وهي تضع يدها على ذراعها): يلا يا مريم، خطوة واحدة… وهتبقي جوه.
(تمر من البوابة… خطواتها بطيئة، السلالم أمامها تبدو وكأنها جبلاً، لكنها تصعد… واحدة تلو الأخرى.)
المكان هادئ، ممر طويل، وورق الامتحانات يُنقل للعاملين. موظفة بالكنترول تخرج من غرفة جانبية وتقترب.
الموظفة: أنتي مريم، صح؟ تعالي ورايا، اللجنة الخاصة جاهزة.
(تمشي مريم خلفها، أنفاسها تتسارع. تمر بجوار باب مفتوح، تسمع ضحكات الطلبة في اللجان العامة، فترتعش قليلاً، لكنها تكمل.)
_________
خارج أسوار الكلية، إبراهيم واقف بعيد شوية، الموبايل في إيده، وعينيه لسه على البوابة، بيضغط رقم جدته بسرعة
يرن الهاتف…
حميدة (بصوت متعب وواهن لكن فيه لهفة): أيوه… إبراهيم بشرني وليك الحلاوة..
إبراهيم (بصوت مشوش لكنه متماسك): تيتا… أنا تقريبًا شوفتها.
حميدة (بنبضة أمل فجأة في صوتها): مين؟… مريم؟! بتقول إيه يا ابني؟
إبراهيم: آه، بس مش متأكد… كانت لابسة نقاب، وواضح ان معاها حراسه ، ومش عايزين حد يعرف هي مين… ماشية مع واحدة ست شكلها من الإدارة ، وقالوا إنها داخلة تمتحن.
حميدة (تحاول تنهض من على السرير بصعوبة): يا رب! يا رب تكون هي… أنت متأكد يا إبراهيم؟
إبراهيم: متأكد، في حاجة في طريقتها، في عينيها، في ارتباكها… خلّت قلبي يقول لي دي مريم.
حميدة (بصوت فيه رجاء شديد): اسمعني يا ابني، تعمل المستحيل عشان تجيبها، ما تسيبهاش تمشي تاني. اعمل أي حاجة… أي حاجة، بس تجيبها
إبراهيم: أنا لو فضلت واقف هنا كمان شوية هعرف اللجنة اللي دخلتها، وهلاقي وسيلة اجيبها بيها، ممكن أستناها واخط.فها
حميدة: اسمعني كويس… اعمل أي حاجة… فاهم؟ أي حاجة كع كل الصالحيات!
إبراهيم (بحزم): يعني لو لزم الأمر… أخطفها؟!
حميدة (بحزم): آه طبعًا، لو دي الطريقة الوحيدة، اخطفها! المهم ترجع.
إبراهيم (بسخرية خفيفة): يعني خلاص؟ هتجوزيهالي؟
حميدة (بلا تردد): أيوه، أومال مين اللي هيتستر عليها بعد الهروب اللي عملته غيرك؟ وأنت اللي كنت مستنيها زمان… يبقى انت أولى بيها من أي حد، مش هتكون غير ليك اوعدك.
إبراهيم (بعزيمة): خلاص… اعتبريها راجعة النهارده… مش هسيبها تضيع مني، بس بشرط
حميدة: انجز انطق شرطك
إبراهيم: ينكتب كتابي عليها النهاردة
حميدة بحزم: موافقة
(إبراهيم يقفل المكالمة، يزفر نفس طويل، ويبدأ يتحرّك في اتجاه مبنى الكلية بخطى ثابتة وسريعة وعيونه كلها شر…)
_________
داخل لجنة الامتحان
غرفة صغيرة فيها مكتبين، إضاءة هادئة مراقبتان، هواء المروحة يدور بتثاقل. على الطاولة دفتر الإجابة وورقة الأسئلة.
الموظفة (بابتسامة خفيفة): اتفضلي اقعدي هنا… الامتحان هيبدأ كمان عشر دقايق.
(تجلس مريم على الكرسي الخشبي، ظهرها مستقيم، ويداها ترتجفان وهما تفتحان القلم. تنظر للساعة المُعلقة… الثواني تمر ببطء.)
مريم (بصوت داخلي): “أنا هنا… فعلاً هنا. محدش مسكني، محدش عرفني… أنا وصلت.”
(تأخذ نفسًا عميقًا، تخرج زفرة ثقيلة، وتستعد لتبدأ.)
المراقبة (وهي تضع الورقة أمامها): بالتوفيق يا بنتي.
مريم تجلس وحدها على الطاولة، النقاب لا يغطي عينيها المرتبكتين، وقلمها في يدها يرتجف)
(تبدأ تسمع صوت ورق بيتقلب حوالين اللجنة، خطوات ناعمة، كحة بعيدة… لكن الصوت الوحيد اللي بيعلو جواها هو نبض قلبها)
مريم (صوت داخلي): “هدّي نفسك… الورقة قدامك، السؤال الأول سهل… ركّزي… بس هو كان واقف هناك… إبراهيم! مستحيل ما يكونش عرفني… عينيه… كانت بتفتّشني جوه النقاب.”
(تبص في الورقة، وتحاول تقرأ السؤال، لكن الحروف بتتشوش قدام عينيها… تحاول تاخد نفس عميق… صوت خطوات خفيفة وراها يخلي قلبها يقف لحظة)
(تلف ببطء، تلاقي المراقبة بتتكلم بهدوء مع فرد أمن دخل القاعة، فرد الأمن بيبص ناحيتها ثواني ثم يهمس للمراقبة، والمراقبة تومئ برأسها.)
مريم (صوت داخلي، نبض متسارع): “أكيد… أكيد في حاجة… هو؟ بعت حد؟ لا لا لا يمكن… بس ليه الأمن بيبصلي؟! وبيتكلموا ليه بصوت منخفض؟!”
(تمد يدها تمسك بالقلم، تبدأ تكتب، إيدها بتتهز… الحروف بتتلخبط… تسمع صوت خطوات تانية وزعيق برّه الباب.)
(تغمض عينيها للحظة… تتنفس ببطء، تحاول تفتكر صوت لطيفة وهي بتقول: “خدي القرار اللي يخليكي تقدري تبصي لنفسك في المراية بعدين…”)
(تفتح عينيها، وتحاول تكتب… لكن تلمح ظل واقف برّه شباك الباب الزجاجي، مش واضح مين… لكنه ثابت، كأنه بيراقب من بعيد)
مريم (تتمتم جوه نفسها بصوت متكسر): يا رب… يا رب ما يكونش هو… أنا مش هقدر أهرب تاني.
( إحدى المراقبات تلاحظ ارتباكها، تقترب منها بهدوء)
المراقبة (بصوت منخفض): أنسة… محتاجة ميّة؟ تعبانة؟
مريم (تهز راسها بسرعة): لأ… تمام، بس شوية توتر…
المراقبة (بابتسامة لطيفة): عادي… أول امتحان بيبقى كده، خدي وقتك، وركّزي، متخافيش.
(ترجع مريم تبص في الورقة، لكن عينيها تروح تاني على الشباك، والظل ما زال موجود، ثابت… قلبها يخبط في صدرها، لكن إيدها بتتحرك، وتبدأ تكتب أول إجابة رغم كل الرعب جواها.)
الصوت الداخلي: “أنا جيت أكمّل… مش هرجع خطوة ورا… حتى لو الخوف قدّامي… هكتب، ولو بكرا كل ده ينهار… أنا هاكتب النهاردة.”

 

 

 

 

 

 

____

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *