روايات

رواية لحن الأصفاد الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم أسماء

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

رواية لحن الأصفاد الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم أسماء

 

 

البارت الخامس والعشرون (جولة الشموخ الٱولى!)

 

 

 

❞يا له من عَوْدٍ مُتَأخر،
أنتَ تبحثُ عن كُوخِ سذَاجتي؛
و أنا بنيتُ من خُذلانكَ قصرًا لشموخي!❝
5
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
لاس فيغاس|المقبرة
شواهدٌ على الصدور…
1
ظلَّت روما متصلّبة في مكانها، يداها ما زالتا على صدرها الدامي من شدّة البكاء، و عيناها مشدودتان نحو مايلس المحاصر بأفراد الشرطة، لا تدري إن كانت ترتجف من البرد أم من ثقل الخيانة التي صنعتها بيديها؟
2
لكن في حالها هذه… أ هي خائنة لصديقها أم وفيَّة لمربِّيها؟ لم تكن لتعرف أبدًا…
3
وقف مايلس في مرتع تلك الفوضى مكلومًا، يحدّق بها دون أن يرمش. لم تكن تلك النظرة غاضبة، و لا حتى مكسورة؛ كانت نظرة إنسان أدرك أن قلبه هو الثمن الحقيقي الذي دفعه من أجل الثأر لٱخته!
1
و كان الضابط كِيان رافنوود يطالعه من موقعه بغل جلي، و لولا القانون، لأرداه قايلاً في أرضه دون الحاجة لسَوقِه إلى المركز، و بينما كان الضابط يعالج تلك الرغبة في أعماقه، هدر ضجيج محرك ما خلفه، كأن أحدهم يزمجر بسيارته لينفِّسَ عن غضب يعتملُ صدره إزاء ما يحدث.
13
إستدار كِيان دون أن يبدو متفاجئًا، ليس و كأنه حزر لمن تعود سيارة الموستنج التي توقّفت بعنف خلفه، بل كان واثقًا من هوية السائقة قبل أن ينظر إليها بعينيه الضيقتين، هل يمكن أن ينسى كيف صارعته قطة الشوارع الشقية تلك بشراسة فقط كي تموِّهه، و تحمي فتى السباق؟!
قفزت مايڤا من السيارة صافقة الباب، ناشبة نظراتها الحادة في الضابط، ثم خطت نحوه بثقة، و نجحت في الوقوف بينه و بين مايلس مكشِّرة!
7
إفترَّت شفتا كِيان عن تكشيرة مشابهة، و علق:
“ماذا كنتُ أتوقّعُ غير هذا؟”.
أضاف و هو يفترسُ ملامحها الباردة بنظراته المحتدَّة:
“تليقُ بكما الرِّفقة، واحدة تقتحم منزلي كاللُّصوص، و الآخر يستغلُّ شقيقتِي ليقتلَ أقربَ الناس لي!”.
5
“تتحدثُ كما لو كنتَ تعرف الكثير، لكنكَ و للأسف يا حضرة الشرطي، بعيدٌ تماما عن الحقيقة!”.
“حقيقتكما واضحة، كلاكما من أرذل ما أنجبت شوارع الإجرام، و مكانكما الوحيد هو السجن!”.
1
و قبل أن يأمر كِيان بإلقاء القبض عليها أيضا بتهمة عرقلة عمل رجال الشرطة، سحبت مايڤا مسدسها، و قفزت خلفه بخفة، موجهة فوهة السلاح لمؤخرة رأسه، مطلقة تحذيرًا أجبر رجال الشرطة على التراجع نصف خطوة.

“مُرهُم أن يطلقوا سراح مايلس!”.
3
لم ينطق كِيان بحرف، فهيأت مايڤا المسدس للإطلاق، و أقسمت أنها ستفجر رأسه دون تردد إن لم يصدر أمره حالاً!
أبى كِيان أن ينطق مرة ثانية، لم يبالِ بموته في سبيل تحقيق العدالة و محاسبة المجرم، لكن حب رجاله له كان أكبر من ولائهم للقانون، تراجعوا عدة خطوات مخلين سبيل مايلس، ملقين أسلحتهم بعيدًا كما أملت عليهم مايڤا!
صرخ كِيان و قد ٱخِذَ بالغضب من فعلتهم:
“ماذا أنتم بفاعلين أيها الحمقى؟ نفذوا ما يُمليه القانون و حسب!”.
تحدث أحد أفراد الشرطة غير مخيَّر:
“آسفون سيدي، يمكننا ملاحقته و القبض عليه مجددًا، لكن… لا يمكننا التضحية بقائد كفء مثلك!”.
1
أبقت مايڤا سلاحها مصوبًا لرأس كِيان، لكن عيناها كانتا منصبتين على مايلس الجامد بينما تخاطبه:
“هذه فرصتُكَ مايلس، قُد سيارتكَ إلى أبعد مكان!”.
ظل مايلس ثابتًا بمكانه، لا تلاحق عيناه سوى دموع روما و إختلاجات فمها، قبل أن يردَّ على صراخ مايڤا بإسمه:
“لكنني لم ٱحاول الهرب، و لن أفعل، أتيتُ بمحض إرادتي إلى العزاء، و سأذهبُ بكامل إرادتي و ذنبي إلى السجن!”.
1
لم تتمكن روما من مواصلة التحديق به و هو يقول تلك الكلمات، شعرت أنه يغرز صوته بصدرها، فيمزقه، أشاحت عنه مجهشة بالبكاء على كتف السيدة الآسيوية التي ظلت على مقربة منها، لكنها لم تربت على ظهرها، و لم تواسِها، بل تركتها تستفرغ حرقتها بصمت غريب، و أبقت عينيها حكرا على مايلس و مايڤا، في الوقت الذي كادت هذه الأخيرة تفقد صوابها و هي تعاود الصراخ:
“لا تُثِر جنوني يا فتى الفورمولا، إلى سيارتَك حالاً، لدي شيءٌ خاصٌّ ٱناقِشُه مع الضابط!”.
1
و حين وثقت أن حتى الأعاصير العاتية ان تنتزع مايلس من مكانه، أمرت أفراد الشرطة مضطرة:
1
“ضعوه في سيارته بالقوة إن كنتم على قدر كافٍ من الولاء لقائدكم!”.
كانت تعني مايلس لا غير، إهتزَّ صدر هذا الأخير و امتعضت قسماته عندما أجبره رجال الشرطة على الإبتعاد، حشروه بأيديهم داخل سيارته الرياضية، و بتلك الأيدي كانوا يتعطشون من صميم أعماقهم لرميه خلف القضبان، لكن روح رافِنوود كانت أثمن من أي مخاطرة!
و بينما كان مايلس يحاول التعنُّتَ و تسليم نفسه بنفسه، كان كِيان يتمتم بهدوء باذلاً كل ذرة جهد بعقله لتخمين خطوتها التالية:
“ما الذي تحاولين فعله يا لصة الكِنتاكي؟”.
3
“ٱحاول وضع الٱمور في نِصابها!”.
قالت ذلك بعدما طلبت رقمًا خاصًّا على هاتفها الخلوي، ثم حذرته من الإلتفات و هي تقرب الهاتف من ٱذنه و تضيف:
“هذا الرجل سيجعلكَ تعيدُ التفكير كثيرًا قبل أن تستخفَّ بمايرا ڤاندرمان أو تهدد حياتها بأي شكل من الأشكال! و تذكر… حين تنتهي المخابرة، دع الهاتف هنا و خُذ رجالكَ إلى المركز! و لا أنصحُك بمخالفتي حضرة الشرطي!”.
3
خطط كِيان لمباغتتها و إخضاعها حالما تبعد السلاح عن رأسه، لكن الصوت الذي إنبعث من الهاتف جمد خطته، و شلّ حركته كليًّا، حدّثه القائد الأعلى لشرطة الولايات المتحدة، ساعد ذلك مايڤا في إنتهاز الفرصة و التراجع نحو سيارتها، و لتحث مايلس على الإنطلاق في أثرها لوحت بيدها اليسرى و هي تمر قربه، التي تشمُ عليها ثلاثة حروف «R.I.P» ، و لا يتداول السفاحون هذه الكلمة إلا إن كان أحدهم في خطر.
1
نسيَ مايلس أمر خضوعه للشرطة و تسليم نفسه، إتسعت عيناه مخمنا أن أحد عزيزيه في خطر، إما أن سيريا ساء وضعها، أو أن دارك تعرض لهجوم جديد، و هذا ما جعل جسده يقود طواعية خلف زميلته.
أما كِيان فلا يزال تحت وطأة الصدمة، ما قاله رئيس رؤسائه أجمعين جعله يزبد و يرغي:
“يراودني حدسٌ قويٌّ أنكَ ضابطٌ نزيه، و مع هذا لا أنصحُكَ بملاحقة أي شيء يخصُّ مايرا!”.
جُنَّ جنونه، أراد فقط أن يعرف من تكون مايرا ڤاندرمان تلك حتى يتحدث عنها القائد الأعلى كما لو أنها الفناء نفسُه! أغلق الخط بعنف، و بكل سخط تراكم داخله… ردَّد غاضبًا:
“اللعنة!”.
حدق بالهاتف للحظات قبل أن يمرره لأحد رجاله آمرًا:
“فليفحصه خبير الأجهزة التقنية بدقة، و لتجهزوا السيارات لننطلق!”.
حين إقترب كِيان من شقيقته كي يرسلها مع أحد رجاله إلى المنزل، تدخلت السيدة الآسيوية عارضة عليه تولي ذلك بنفسها، ربتت على كتف الفتاة كما لو أن رابطة قوية تجمعهما، و قالت أن يوري كان ينتمي لعشيرتها في اليابان، و أنها مدينةٌ له بالكثير. لم تذكر تفاصيلاً واضحة عن علاقتها مع الراحل، و لم تحدد أي نوع من العشائر تقصد، و مع ذلك بدت الإبتسامة الهادئة التي رسمتها على فمها جادة و مطمئنة ليسمح كِيان بإرسال شقيقته في سيارتها الخاصة.
8
و من جهتها، أمضت روما تلك اللحظات كشبح، لم يكن هناك وصفٌ أبلغُ ليلائم وقفتها بذلك الضياع، يمكن للناظر أن يراها فقط… شجرة هجرها الربيع، و لم يظل بها من ألوان سوى إخضرار عينيها الذي موَّجته الدموع، و إصفرار خصلاتها التي بعثرتها الرياح، ثم ليس بها عدا هذين سوى سواد المأتم!
1
إنحنت مطيعة كلمات المرأة التي ربتت على مكان قربها داخل السيارة الخاصة، و ما إن أصبحت جالسة عن يمينها، حتى منحت للسائق إشارة الإنطلاق، متمتمة بإسم مطعم فخم و هادئ، بدل عنوان منزل آل رافِنوود، لكن روما لم تنتبه لذلك، و لم تأبه لأي شيء مر بعينيها خلال الطريق، لم يشدَّ إنتباهها غير وجه مايلس و كلماته في ذاكرتها خلال أول لقاء جمعهما بالمكتبة:
«لكنني لم ٱحاول الهرب!».
قضمت شفتيها بأسنانها، و شدَّدت قبضتها حتى إبيضَّت مفاصلها، كأنها تحاول كبح رغبة خفية في أن تصرخ، أو تعتذر، أو تنتقم منه و من نفسها معًا!
ليرتفع صوتُ المرأة الآسيوية كشيء آتٍ من العدم:
“وصلنا!”.
إبتسمت بغموض، و تابعت:
“هنا، يمكننا التحدث بأريحية أكثر”.
عادت روما إلى الواقع أخيرًا و نظرت عبر زجاج السيارة الداكن إلى حيث تتجه عينا السيدة، مطعمٌ يُشتهرُ بالرَّفاه وسط المدينة، و حينها فقط برز صوتها المهزوز:
“عن أي شيء… سنتحدث؟”.
“عن يوري الحقيقي! ألا تريدين أن تعرفي في كنف من تربَّيتِ؟”.
2
إتسع الصمت صانعًا فجوة غريبة في مسار الزمن! أمسكت روما أنفاسها، و بدأت لأول مرة تخشى تلك المرأة، و تتوجَّسُ من الأسرار الثقيلة التي معها!
و بعيدا عنهما… عندما تأكدت مايڤا أن المنطقة آمنة، سحقت فرامل الموستنج، و ترجلت ملوحة لمايلس كي يحذوَ حذوها، و ما هي إلا لحظة حتى تواجها و إشتعل الجدال:
“هل كان يجبُ أن تدُسِّي أنفكِ بذلك الشكل؟”.
“آه، أجل! لا شُكرَ لي، و لتنزل بي اللعنة إذ تدخلتُ و أنقذتُك! كان يجبُ أن أبتاع فوشارًا مضاعف الحجم، و أجلس مراقبة ٱولائكَ الأوغاد و هم يزجون بكَ في السجن و يركلون مؤخرتكَ كيفما إتفق!”.
2
للحظة أراد شدَّ شعرها القصير و ضرب رأسها بزجاج مركبته، لكنه أغمض عينيه بقسوة، ثم فتحهما و زمجر موجهًا عدة لكمات لسطح السيارة:
“لم تنقذيني! أنتِ لم تنقذي أي جزء لعين مني، ما فعلتِه أسوء، جعلتِني فقط المذنبَ الذي خان ثم فرَّ من العقاب، جعلتِني أسوء لعنة عبثت بحياة تلك الفتاة، لقد قتلتِ آخر أثرٍ شريفٍ لي بقلبِ روما!”.
8
تناثر دمه فوق سطح السيارة و الزجاج، حتى أنه لطخ أجزاء متفرقة من ثيابه، قلبت مايڤا عينيها مشمئزة من تلك الدراما، خصوصًا أنها تكره رؤية دموع في عيني رجل! و فورًا تدخلت و دفعته بلكمة قاسية على فكه، قهقرته حركتها إلى الوراء، فاصلة إياه عن كتلة المعدن التي إحتفظت بأثر لكمته، و جعلته يفقد تركيزه لبعض الوقت!
4
عالجت مايڤا قبضتها مرددة:
“وسيم، لكن لكَ فكٌّ صلبٌ يا ولد!”.
تأكد بلمسة من يده أنها لم تكسر شيئًا برأسه، و علق بإستياء:
“من تنعتين بالولد يا حقيرة؟”.
1
“الذي ينتحِبُ من أجل امرأة!”.
رأت جحيمًا تتقِدُ في عينيه، لكنها أضافت غير مكترثة لرد فعله:
“أنتَ واحدٌ من السائرين في الظلام، لا تعبث بسمعة المنظمة، لا تنتحِب كالأولاد!”.
“من الجيد أنكِ تذكرين من أنا، سائر الظلام، ثامن السفاحين العشر، و أثمنُهم، و طاقة القتل لدي في إرتفاع هاتِه الأيام، هل تريدين أن تكون الضحية التالية؟”.
غمزته بسخرية، كأنه لم يتوعدها بالقتل توًّا:
“المعذرة، لا رغبة لي بالموت بعد، لا تزال لدي الكثير من الفوضى التي سٱثيرها في العالم! ثم لا تتحدث بهذا الغرور أمامي، فالقتل لا يجعلك سفاحًا، موتُ أعماقِكَ هو من يفعل!”.
1
هدأ مايلس نوعًا ما، تركها تستخرج صندوق إسعافات من سيارتها لتضمد يده المصابة، و ظل يقلبُ كلماتها في عقله بتركيز، مايڤا على حق، لأجل أي لعنة ينتحِبُ الآن؟ لقد خسِرَ روما منذ زمن، منذ اللحظة التي تطلع إليها عبر زجاج المكتبة، كان جليًّا أن عالمه لن يناسبَ براءتها، و أن جرائمه لن تعانق كتبها دون أن تترك عليها شروخًا عميقة تشوهها، كان صارخًا منذ البداية ذلك الشِقاق الذي سيحدث عاجلاً أم آجلاً، لكن مايلس كتم ذلك الصراخ، و أصغى فقط لنبض قلبه الذي ظل يردد إسم فتاة التاريخ و الأساطير، حتى باتت قصتهما نفسها ٱسطورة مستحيلة التحقق!
خرج عن صمته مراقبًا عودة مايڤا بالصندوق إلى الموستنج:
“إذًا، من يواجه الخطر هذه المرة؟”.
لم يلتقط أي رد، فاستوعب كذبتها، و فزَّ من مكانه مستشيطًا:
“يا لكِ من مخادعة لعينة! أوهمتني بكلمة السر فقط كي أتبعكِ و أتهربَ من ذنبي؟”.
هددته بقبضتها فاقدة صبرها:
“كُفَّ عن التذمُّر و إلاَّ حطمتُ وجهكَ هذه المرة! ألا تفكر مطلقًا؟ أ نسيتَ ماذا يعني وقوع سائر في الظلام بين يدي الشرطة؟”.
مشت حول نفسها بعصبية متابعة قولها الساخط:
“لو تركتُكَ في قبضة ذلك الضابط الوغد، لكان الخبر قد بلغ الميغا، و لكانوا الآن يوقعون قرار تصفيتك! لكنكَ تنظر لمساعدتِي و كأنها لعنة مسَّتك! أثرتَ إشمئزازي بحق”.
ألقت رأسها داخل الموستنج تلتقط قارورة مشروب غازي لا يزال باردًا نوعا ما، و بينما كانت تفتحه و تدلق محتواه في حلقها المتعطش، كان مايلس يردفُ بعناد:
3
“إذا أردتِ أن تساعديني حقًا، إحمِ روما من الميغا!”.
زفرت مايڤا مطولاً و هي تراقبه دون حراك يمتطي سيارته و يقودها بسرعة جنونية، حتى إبتلعه الٱفق، و لم يعد باليد حيلة سوى أن تخابر إدريك و تعلن عن فشلها في ضبط هذا الولد!
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈

فيلا داركسان|نزيف الوهم!
تعرَّقت روكسان بشدَّة، وجهها صار أكثر شحوبًا من الوسادة التي تحمل رأسها، دارك كان لا يزال مستلقيًا قربها، يمدُّ ذراعه تحت كتفيها، و بلغته رعشة جسدها، فحرك رأسه صوبها، و رفع جفنيه يطالعها، لم يكن ما بها يوحي أنها نائمة بشكل طبيعي، إختلاجات فمها، و زوغان بؤبؤيها أسفل جفنيهما أكدا له أنها تخوض غمار حلم مزعج، حاول إيقاظها قابضًا على رسغها بخفة، غير أنها ظلت قيد ذلك الحلم، أين كانت ترى نفسها في منزلها القديم، تنظر بوجس إلى زاوية معتمة منه غرفة الجلوس، و تتراجع بخطوات مرتابة إلى الخلف، كان في الزاوية رجل يردد بصوت عريض:
«جئتُ لأخذ إبنتي، سلِّميني تلك القطعة فهي مني… روزا!»
5
إعتقدت روكسان لوهلة أنه يقصدها، لكن حديث داجيو كان موجَّهًا لإمرأة ٱخرى تجلسُ خلفها، بطنها منتفخة، تترنَّحُ بهدوء على الكرسي الهزَّاز، و تدندن لحنًا غامضًا. أدمعت عيناها متأثرة، أ هذه ٱمها إذًا؟ إنها نسخة طبق الأصل عنها، الشعر الداكن عينه، القوام الرشيق نفسه، و العينان الواسعتان ذاتهما، منها إذًا ورثت عيون الريم، و منها كذلك ورثت أجمل إبتسامة، كالتي رسمتها الآن و هي تتفحص شيئًا ورديًّا بين يديها، يبدو أن ٱمها أيضا إمتلكت أنامل فنانة، لم تكن عازفة؛ لكن ها هي ذي تحيكُ شيئًا ما لجنينها القادم، كنزة صوف ربما! قرفصت روكسان قرب الكرسي الهزاز متأملة عُقدًا جميلة تغزلها ٱمها، و كادت تتحسس بطنها، لولا إرتفاع صوت داجيو المرعب:
«روزا! قلتُ ٱريدُ إبنتي».
فجأة حل الرعب مكان السعادة على وجه روزا، و نهضت مفلتة بإرتعاش ما كان بين يديها، لتنهض معها روكسان و هي تنقل بصرها بين والديها متوقعة كل شيء؛ إلا أن يغرز داجيو يديه بعمق بطن ٱمها، و يجتثَّ الجنين مردِّدًا في صرخات جنونية:
1
«وحدي منحتُكِ هذه القطعة، و وحدي أنتزِعُها منكِ!».
تأوهت روزا بصوت متكسر، و سقطت متلاشية، كالسراب، كأنها لم تكن جزءً من ذلك الحلم السوداوي، لتتلقى روكسان بعدها نظرة مرعبة من داجيو، إنخفضت عيناها إلى نقطة تتوسط جسدها، فكسرت نظراتها إلى حيث يحدق بغضب، لتتفاجأ بإنتفاخ بطنها السريع، تعمقت حيرتُها، و شهقت غير مصدقة النزيف الذي أخذ يسيل ما بين فخذيها بغزارة حبست أنفاسها، و رغم أنها لم تفهم كيف أصبحت حامل و ما سبب كل تلك الدماء، لكنها خشيت أن يفعل بها داجيو ما فعله بٱمها قبل قليل، لذا رفعت رأسها باحثة عن أي مهرب، لتجد أن من يقف أمامها ليس داجيو بل… مارغو، عمتها الميتة!
6
جحظت عيناها مستشعرة ألمًا رهيبًا أسفل بطنها، كأنها ستجهض أو ستضع مولودها، و مع صعوبة الركض و هي في تلك الحال، كان من السهل على مارغو أن تدركها و تسحلها بقوة، لتلقيها مجددًا في ظُلمة القبو!
ظلت روكسان تضرب خشب الباب بقوة مستنجدة، متوسلة مارغو أن تفتح لها لتنقذ جنينها، لكنها لي الحقيقة كانت تضرب صدر زوجها، و آنذاك فقط، أفلتت من قيود الكابوس، و جلست على السرير محتضنة دارك، لاهثة بأنفاس متقطعة فوق كتفه، فيما إكتفى هو بالهمس ماسحًا على شعرها:
1
“لقد مضى، كان مجرد كابوس و مضى، أنتِ بأمان!”.
4
مع ذلك لم تبتعد عنه، ظلت ملتصقة به، تشدُّه إلى صدرها المهتزِّ بذعر غير مسبوق، حتى حين كانت تحبسها مارغو في القبو لم تكن لتبلغ هذه المرحلة من الذعر و العستيريا. تلفَّتت فجأة حولها تتأكد أن داجيو ليس في إحدى زوايا الغرفة، ثم تمتمت عاثرة على لسانها أخيرًا:
“أضِئ الغرفة، أرجوك!”.
لم يشأ إفلاتها لإماطة الستائر بحثًا عن ضوء الشمس، فأبقى ذراعًا حولها، و مدَّ الآخر لإنارة المصباح الجانبي لسريرهما، ثم كرر مسحه على شعرها قائلاً:
1
“أرأيتِ، لا مسخَ هنا سواي!”.
5
نجحت دعابته في رسم شبح إبتسامة على طرفي فمها، و تمتمت بصوت تعوزه القوة:
“ليته كان مسخًا الذي زار أحلامي!”.
“من كان الزائر إذًا؟ من كانت له الجرأةُ ليُفزِعَ غسَقي؟”.
4
إزدردت ريقها و أجابت بينما تقبض على اللحاف بقسوة مخفية هناك رعشة يديها:
“داجيو و مارغو!”.
في اللحظات التالية لتصريحها، قدّم لها دارك كوب ماء بارد، إزدردته روكسان دفعة واحدة لشدة ظمأها، دون أن تحسّ بأطراف أصابع زوجها المستقرة على عنقها الحار، بالكاد كانت يده تلامسها، كأنه يخشى كسرها رغم صلابته التي يمكن أن تسحق عظامًا. و لأن الكوب كان يهتزُّ بسبب إستمرار ذلك الإرتعاش، فقد لفَّ يده الثانية حول أصابعها القابضة على الكوب، و ساعدها في متابعة إزرداد الماء حتى آخر قطرة.
1
وضع الكوب جانبًا، و رفع خصلة من شعرها الملتصق بجبينها، ساحبها جسدها برفق إلى حضنه، ماسدًا كتفها برفق بينما تتلو شفاه كلمات تشبه السحر:
“من الجنون حقا أن ترتعشي و أنا هنا، ثِقي أنني سأشطر داجيو نصفين لو تجرأ فقط على لمس شعرة من رأس زوجتي!”.
6
توقف مبعدًا رأسه قليلاً ليستطيع النظر داخل عينيها، و تابع بصوت مبحوح جعل الإرتعاش ينتقل لقلبها، دون أن يشبه في أي شيء إرتعاش الفزع:
“أنتِ لي، و هو لمِشرطي إن حاول إيذاءكِ!”.
5
صحيحٌ أن تملُّكه و هوسه بها كان صارخًا في كلماته، لكنها إستكانت لما سمعته، و ظلت على تشبثها به، حتى عندما نزلت لتناول الفطور، فضلت أن تبقى على مقربة منه، و لو أنها كانت متماسكة بعض الشيء كي لا تلفتَ إنتباه الخدم و تحرج نفسها، إلا أن فكرة البقاء في ظل زوجها طاردة لأي طيف علق بها من سوداوية ذلك الكابوس الذي روَّعها!
حركت روكسان قهوتها بشرود قبل أن تسأل إحدى الخادمات:
“هل حمل أحدكم الفطور للٱستاذ الموسيقي؟”.
1
أومأت الخادمة مردفة:
“تم ذلك سيدتي، السيد ريغان بنفسه ألقى هذه التعليمة فور نزوله، و نحن نفذناها في حينها!”.
تمنت لهما شهية طيبة، و إنصرفت تاركة روكسان تتأمل زوجها بمزيج من الحيرة و الإمتنان. غالبًا ما كانت تنعته بالقاسي، البارد، عديم المشاعر، المسخ! فحين يتعلق الأمر بتعامله مع البشر، لا يشبه كثيرًا البشر، لكن اليوم أثبت دارك شيئًا من إنسانيته الدفينة.
1
و كان دارك من جانبه قد رمقها في البداية بحدة لأنها تقلق بشأن ذلك المدعو ٱوكاليبس، لكنه صرف عينيه السوداوين إلى الفنجان الذي يمسكه، و تلهى بإرتشاف قهوته، كاتمًا غضبه، متسائلاً كم عليه تحمل وجه ذلك الخبيث حتى تنال زوجته الشهادة و يتنفس الصعداء!
1
ليقطع رنين هاتفه الصمت المطبق على قاعة الطعام، و يجيب دارك متبيِّنًا أن الإتصال من إدريك:
“نعم!”.
“أين تخفي وجهكَ اللعين؟ إتصلتُ بكَ عدة مرات!”.
“في مثل هذا الوقت، أين تفترضُ أن يكون وجهي، إدريك؟”.
8
تجاوز إدريك سخرية دارك الباردة، و طرق الموضوع الأهم:
“مايلس قتل الشخص الذي إستهدفني أنا و سيريا، و و بات ملاحَقًا من الضابط رافِنوود!”.
“الضابط نفسه الذي يحاول اصطيادي؟”.
1
تذكر دارك تحذيرًا سابقًا كان قد سمعه من إدريك، أخبره في بحر سنتين مضتا، أن أحد أهم رجال الشرطة في المدينة، و أكثرهم صرامة و نزاهة يلاحق حقيقة سفاح فيغاس المجهول، و يقسم أنه سيضعه يومًا ما خلف القضبان!
لكن ذلك لم يكن سبب إقتران حاجبي دارك فجأة، و هجره لقهوته تماما، ما أضافه إدريك كان لعنة حقيقية أذهبت هدوءه سُدى:
“لا أعرف من يقفُ خلف المدعو يوري حاليا، الأذى متوقعٌ من أي صوب، خُذ حذركَ الليلة، و أبقِ روكسان آمنة، ريثما أدفع الكفالة لمايلس!”.
“كفالة؟ بماذا تهذي الآن؟”.
أوضح إدريك أن في غاية الجدية:
“ليس هذيانًا، مايلس و رغم كل ما بذلته مايڤا لإنقاذه، سلَّم نفسه لمركز الشرطة قبل لحظات!”.
17
لاحظت روكسان بوادر الجحيم على ملامح زوجها، لكنها لم تتدخل، حتى حين أنهى المخابرة، و نهض عن مقعده بوجه جامد، إكتفت بتوديعه عند مدخل الفيلا قائلة:
“كُن حذرًا، بعض الزوايا المظلمة قد تخفي شرًّا، حتى تلك نعرفها جيدًا!”.
لم يسبق لدارك أن حظي بشخص يودعه على عتبة المنزل، و لا أحد أيضا كان يخاف عليه بذلك الحنان بعد ٱمه، محبة إدريك له كانت باردة و غامضة رغم صدقها و قوتها، و بقية السفاحين كانوا دائما يتفادون ممازحته أو إطالة أي حديث معه، هذا إن أخذوا بعين الإعتبار أساسًا أن دارك ريغان شخصٌ يتحدث! روكسان هي أول من كسر قواعده، واحدة تلو الٱخرى!
1
أخذت نسمات الجو اللطيفة في المدينة تتكسَّر مصطدمة بجسده العابر، و كانت هناك شجيرة ورد صغيرة قرب مركن سيارته، إستقبلته بعبيرها الفواح، غير أن الهواء حول أنفه ظل ثقيلًا جدا، كرائحة دم قديم، و في عقله فكرة تبدو مغرية، لو يقتل رافِنوود ذاك، فيضيفه إلى القائمة، و يقفل الملف؛ هل سيقفل فعلاً، أم ستفتَحُ الجحيم على الويد؟
إن عاد الأمر عليه وحده، لن يكترث كثيرًا، لكن جميعهم سيكونون طرفًا في هذا الأمر، حتى الويد، حتى الميغا نفسها! القاعدة السوداء واضحة: أي سفاح يقع في قبضة القانون، تتمُّ تصفيتُه قبل أن يفتح فمه!
2
في مطلق الأحوال، القتل ليس الحل الوحيد الذي يمكن من خلاله إيقاف هذه الفوضى، ربما هكذا إعتاد السفاح الذي بداخله، لكنها ليست طريقة الزعيم، و ليست المحطة المناسبة لسفكِ الدماء، إن أراد حماية مايلس، ليبدأ بالصمت!
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈

مركز شرطة فيغاس
بينما كان مايلس يخضع في الداخل لإستجواب خانق، وصل إدريك، ملامحه كما هي في العادة، قناع لا يُقرأ. وجد مايڤا تترصد المكان بسيجارة مشتعلة بين أصابعها، و حين تعرفت على سيارته، و لمحته يُبرز منها قامته المديدة، إختصرت المسافة نحوه معلنة:
“بذلتُ ما في وسعي لئلا نقفَ خارج المركز بهذا الشكل، لكنه مجنون!”.
“أعرف، لقد ربيتُ أكثر الأشخاص جنونًا! و أتساءل كيف تحملتهم لسنوات؟”.
2
كان يقصد مع مايلس… دارك و سيريا، ثلاثتهم إشتهروا في الويد بتمردهم و عنادهم، و لو لم يكن الظرف جادًّا، لضحكت مايڤا إثر قوله الساخر، الآن أيقنت من أين جاء دارك بسخريته السوداء، ورثها عن إدريك دون شك!
إنتظرته مايڤا خارج المركز لوقت طويل، إلى أن لفظته بوابة المركز لوحده، و ليس على تقاطيع وجهه أي دليل على أنه نجح في مساعيه!
“كيف جرت الأمور؟”.
“دفعتُ الكفالة، و قد يفوز مايلس بالإفراج المشروط ريثما يكتمل التحقيق في القضية، لكن هذا ليس مفتاح الحرية، الوضع شائك و معقد، و بسبب دليل قوي حصل عليه الضابط، قد تثبت التهمة على مايلس!”
“أي دليل هذا الذي تقصده؟”.
أخبرها إدريك بشأن نظارات مايلس التي وُجِدَت مع الجثة، و كانت عليها بصمات مايلس، قبل أن يتابع محاولاً التفكير في عدة أسماء قانونية ثقيلة قد تقلب الموازين لصالحه:
“في هذه الحال سيكون بحاجة لمحامٍ عبقري أكثر من حاجته للكفالة!”.
لمعت فكرة في عقل مايڤا، ألقت سيجارتها تحت حذائها تدعسها بشدة خانقة وميضها، و أردفت بغموض متجهة نحو الموستنج:
“دع أمر المحامي لي، تأكد فقط أنهم لن يستعملوا أي عنف تجاه فتى الفورمولا بينما يستنطقونه، لأنني لن أتوانى حينها عن تفجير المركز بمن فيه، و أنتَ تعلم أنني الأكثر توقًا لفعل هذا بالشرطة!”.
1
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈

فيلا داركسان بعد وقت قصير
بدت السماء ملبدة بغمام ثقيل، و الندى لم يجف بعد على أوراق الزهور، جعل ذلك الجو المترنح بين البهجة و الكآبة روكسان ترغبُ في البقاء خارجًا لبعض الوقت، جلست في حديقة الفيلا الأمامية، شاردة في فوضى الأشجار التي تهتز مع النسيم، و عقلها لم يتحرر من كابوس الصباح، حتى إسترعت إنتباهها همهمة عند البوابة الخارجية، أرسلت أحد الخدم كي يستطلع الأمر، و كان أن أقفل نحوها راجعًا، حاملاً أغرب الأخبار!
“أحدهم يطلبُ رؤيتكِ سيدة ريغان”.
“هل حدَّد هويَّته؟”.
فكرت أن الزائر واحد من الليونز أو التايارز، يجددون توددهم إليها، و يتسابقون لضمها إليهم، لكن الإسم الذي سمعته وقع عليها مخلفًا صدى الصفعة!
“داجيو، والدُ حضرتِك المريض، هذا كل ما جاد به لسانه!”.
4
فكرت في رفض رؤيته، بل في طرده شرَّ طردة، لكن رابة غامضة بأعماقها ألحَّت عليها بإستقباله و سماع ما لديه! لذا أذنت للخادم بإستدعائه، و ظلت خلال تلك اللحظات تربت على صدرها كي تسيطر على إضطراب أنفاسها، و تقف بشموخ أمامه في مواجهتهما الٱولى!
مرَّت دقائق فقط، و ها هي ذي دعسات واهنة تدنو خلفها، يرافقها دبيب عكاز يصطدم مع كل خطوة بالجزء المرصوف من الحديقة. التفتت لترى جسدًا هزيلاً، أو يتظاهر بالهزل و الضعف، شَعره الأسود قد غزا الشيب الفضيُّ أغلبه، و إبتسامة غريبة لم تصل إلى عينيه!
توقف داجيو أمامها للحظة، كما لو أنه يمنح نفسه وقتًا كي يستوعب عمق القرابة بينهما، ثم فاجأها بإلتقاطه إحدى يديها، و بالكلمات التي تصنّع فيها الدفء بشكل مُفتضح:
“روكسان، علمتُ متأخِرًا أنني والدُ جوهرة هذا جمالها، لكن… لم يتأخر الوقتُ كثيرًا، صحيح؟ لا زال أمامنا بعض من العمر كي نقضيه سويًّا!”.
3
تصلبت أصابعها، هزَّة قوية هزَّت فرائصها فأجبرتها على سحب يدها منتفضة من أثر لمسته، تضايق من ردّ فعلها، لكنه توقعه، لذا رسم إبتسامة ٱخرى، و قال ذارفًا بعض الدموع:
6
“ٱنظري كيف بات الحال بين الأب و إبنته، أتساءل بأي شيء سمم ريغان عقلكِ تجاهي، لكن مهما بدر منه، لن يغير واقع أنكِ من لحمي و دمي، و إن كنتِ حاكمةً للويد، فهذا بفضل إنتمائكِ لي لا بفضل إقترانكِ بذلك الوغد!”.
4
إكتفت روكسان بتحريك قدمها، فأسقطت عكازه، ليتكور أرضًا، و تعلق هي ببرود دون أن يثير شفقتها:
“كلمة ٱخرى عن زوجي و سأركلُكَ بنفسي خارج الفيلا!”.
10
إمتعض داجيو مما إنتهى إليه الأمر، و رغم أن مارفل التي رافقته هرعت نحوه و ساعدته على الوقوف، إلا أنه ظل ساخطًا و هو يستقيم و يعلق:
“تبا لكِ! ألم يُعلمكِ أحد كيف تحترمين الكِبار؟”.
3
إثر ذلك، ردَّت بشموخ لم يشهد له مثيلاً قبل الآن:
“مثلما لم يعلمكَ أحدٌ كيف تحترم سيد الأرض التي تدوسُها!”.
4
إضطر داجيو لهضم الإهانة الثقيلة، و محاولة إستمالتها لطرفه من جديد:
“أتفهَّمُكِ، كيف لا و كلانا تمَّ التلاعب بنا، كلانا عاش على وهم لسنوات طوال، أنتِ ٱوهِمتِ بأن والدكِ مجرَّد نذل تخلى عنكِ، و أنا لم أعرف أساسًا بولادتك! و المسؤول الوحيدة عن هذه الفوضى هي مارغو! لو أنها فقط فتحت فمها القذر و إتصلت بي لمرة واحدة، و حدثتني عنكِ لعشتِ معي، لكنتِ الآن تحتفلين بعودتي من تلك الغيبوبة، و لحكمنا جنبًا إلى جنب هذا العالم الطاغي!”.
5
لاحظ أنها لا تفعل شيئًا سوى النظر نحوه ببرود، تذكر شخصًا واحدًا يمكنه رسم تلك النظرة على وجهه، و حتى لا يخسر عناء المحاولة التي أجهد نفسه لأجلها، تراجع خطوة إلى الوراء كأنه يتركها لمرادها بحق، و إستطرد هازًّا كتفيه بإستسلام:
“و لأنني أتفهُّم أي صدمة تعيشين، سأدعُ القرار لكِ، لا تقلقي، سأقمع مشاعري كأب، و سأحاول قدر مستطاعي ألا أفرض نفسي عليكِ، لكنني لن أبقى مكتوف اليدين إن ألمَّ بكِ ضرٌّ بسبب من تسمينه زوجكِ!”.
4
ثوانٍ فقط مرَّت على تلاشيه من مسرح بصرها، فسقطت متهالكة على المقعد، و هرعت إليها إحدى الخادمات التي كانت تراقبها قلقة من نافذة الصالون!
“هل أنتِ على ما يُرام سيدتي؟ هل تريدين أن نتصل بالسيد ريغان؟”.
“كلا، أنا بخير، شكرا لإهتمامك!”.
صرفت روكسان الخادمة، و حاولت السيطرة على إرتعاش يديها، و ترتيب أفكارها و أنفاسها في وقت واحد، لا ريب أن وراء زيارة داجيو دافع قوي، لكن… هل يمكن أن تسلم بحسن نوايا شخص مثله؟ و أساسًا… هل يعرف مَن يجتثُّ جنينًا مِن بطن ٱمِّه كيف هي الحُسنى؟!
حين أصبح داجيو داخل سيارته، وضع عكازه إلى جانبه، و بأنفاسه المتقطعة بعد فشل الزيارة، منح إشارة الإنطلاق، لكن المركبة لم تتحرك قيد شعرة، ليكتشف أن سائقه تعرضة لطلقة من بندقية قنص مكتومة الصوت، من قد يفعل هذا أو لصالح أي جهة؟ لم يجد اجابة شافية، لكنه علم أنها رسالة تهديد صارخة، و ما هي إلا لحظات حتى طرقت امرأة شقراء الزجاج المحاذي له، و لم يكد ينزله ليحدد هويتها، حتى إنهالت عليه لكمة قاسية، إعتدل في جلسته يتفقد فكه، و في الوقت الذي إنكمشت مارفل أمامه بذعر من هوية المهاجمة، رفع داجيو رأسه، و جحظت عيناه، كان و بطريقة ما في مواجهة مباشرة مع نمرة المافيا البيضاء… إيسميراي تايلور!
11
“سيدة تايلور؟ هذا…!”.
“هذا التنبيه الأول و الأخير لك… يا حثالة الٱسود!”.
مدَّت يديها تهزُّه بشدة من ياقة بدلته، حتى أوشكت على إنتزاعه من السيارة، و رميه خارجًا، ثم أضافت و هي تدفعه و تنفض يديها متأكدة أن طلاء أظافرها الجديد لم يخرب:
“الرصاصة الثانية لن تستقر برأس أحد تابعيك، بل بين ساقيك، إن شممتُ رائحتكَ النتنة حول فيلا الداركسان!”.
6
رددت شتيمة مبهمة بسبب العلكة التي كانت تلهو بها أسنانها البيضاء، و أكدت له عيناها الفائضتان إغراء و جرأة أنها تعني كل حرف مما نطقت، إنها أكثر إمرأة تشتهرُ بجنونها بين عشيرة الوحوش، إن قدمت إنذارًا لأحدهم، فمؤكد لا لبس فيه، و لا مبالغة في أخذه بعين الإعتبار لتلافي جنونها!
حدجته بنظرة قرف، قبل أن تعود أدراجها إلى اللومبرغيني التي ركنتها على بعد أمتار من الفيلا، و لم يمضِ الكثير حتى زمجرت السيارة كوحش معدني فائر، و تركت خلفها زوبعة ضباب، و أمارات السخط على ملامح داجيو!

 

 

 

0 0 votes
Article Rating
____

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x