رواية لحن الأصفاد الفصل التاسع عشر 19 بقلم أسماء
لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها
أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)
رواية لحن الأصفاد الفصل التاسع عشر 19 بقلم أسماء
البارت التاسع عشر (زَئير الوحوش!)
❞إما أن تملكَ المخالب؛
أو أن تبقى خارج الغاب!❝
1
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
كنيسة سانت مارونيت|الموكب الأسود…
للحظات طويلة لم ترمش روكسان، مثلما لم يهتز جفن أحد من الحاضرين كذلك، ظل دارك مطوقا خصرها بذراعه، كأنه مدرك لحتمية سقوطها في أية لحظة من هول الصدمة! ما قاله على مسمعها و مسمع الكل لم يكن شيئًا يسهل إستيعابه أو التعاطي معه خلال وقت قصير، ما برح شفتيه كان الأغرب، أو الألعن! هي لا تعرف! لا أحد يعرف!
تبادل أفراد عائلتي التايغرز و الليونز نظرات الذهول فيما بينهم، كانوا قد فقدوا إبنتين في سن صغيرة جدا، لكنهم أجزموا بموتهما، أيعقل أنها حقا تحمل دماءهم و تنتمي لهم؟!
1
حدج جيرو دارك بنظر حاد يسأله:
“ريغان، أنتَ لا تلهو بنا صحيح؟ لأنكَ تعرف أننا سنلهو برأسكَ على طريقة الوحوش!”.
حافظ دارك على صمته و نظراته الباردة، في حين بدا على دومينيك و ألفار أنهما يصدقانه، رمقا بعد ذلك إدريك بنظرات ساخطة، كانا يقسمان في أعماقهما أنه عالم بقصة روكسان، إنه شيطان كعادته، مطلع على كل الأسرار، و غامض حد اللعنة! و داجيو السافل! كان طوال الوقت يخفي أن له إبنة من روزا تايلور!
و من جهته… كان إدريك يبقي بصره الغامض قيد وجه روكسان فقط، لقد شحبت حتى الموت إثر إدراك واقعها اللعين، أكان يتعين على دارك كشف الحقيقة هنا و بهذه الطريقة؟ أكان عليه أن يتزوجها دون أن يطلب يدها منه؟ هل إستكثر عليه حتى إعلامه مُسبقًا بهذا أم تجاهله؟
2
إستطاعت روكسان أخيرًا أن تتخلص من جمودها و تحرك رأسها بإتجاه زوجها، حدقت فيه بعينين شاخصتين و فم فاغر، قبل أن تجد لسانها و تسأله متعثرة في كلماتها:
“ما… ماذا… قُلت؟ أنا… إبنة… عشيرة الوحوش؟!”.
أكدت لها نظراته الثابتة أنه جاد و صادق في مزاعمه، لا! ليست مزاعم! لا ريب أنها الحقيقة الدامغة، هذه حقيقتها! بعدما نعتت دارك بالمجرم المتوحش لأشهر طويلة، ها هي ذي تكتشف أنها تحمل جينات العائلتين اللتين كانتا تكلفانه بسفك الدم!
تقدمت إيسميراي بعينين دامعتين نحو العروس، نحو إبنة خالتها روزا، غير أن روكسان تراجعت رافضة حتى لمسها أو النظر إليها، لم يكن من السهل عليها ذلك، إنها تجهل الآن ما الذي يجب أن تصدقه و ما الذي يجب أن تفنده! يا له من قدر!
ضحكت إيسميراي لاعنة كل شيء، طفرت دموعها مفسدة كحلها الجميل، منذ قليل فقط… كانت إبنة خالتها داخل سيارتها، قريبة جدا، في متناول يدها و بصرها، و لم تتبينها، و الآن… حتى و هي على بعد ياردات فقط، بدت أبعد من الفضاء!”روكسان…”.
تمتمت إيسميراي، غير أن روكسان أشاحت مرتجفة، و طمرت وجهها بصدر دارك مرددة بهستيريا:
“أبعدني عن هذا المكان، لقد تعبتُ من كل هذا، لم أعد أعرف من أكون، حتى الكنيسة لم تعد تشيع في قلبي النور و الأمان وسط كل هذا السواد! دارك أرجوك أبعدني عنهم!”.
لحقت غولدينا بأختها، و طبطبت على كتفها هامسة:
“إنها تحتاج وقتًا عزيزتي إيسميراي، سنؤجل حديثنا معها إلى حين تتماسك، أنا شخصيا أجدني ضحية صدمة عنيفة! جميعنا نحتاج مساحة نستوعب فيها كل هذا!”.
لم تكد الأختان تايغرز تتراجعان عن العروس، حتى رفع رجال الكامورا أسلحتهم بإتجاه دارك، و قال أحدهم بسخرية:
“ٱحيِّي قدرتكم جميعًا على التمثيل بمهارة، مسرحية قيامتكما كانت ممتعة يا ريغان، لكنها إنتهت، و في ظل غياب دليل قاطع يثبت أنك تزوجتَ من حاملة للدم الأبيض، لا أحد يستطيع منعنا من قتلكما!”.
كان إدريك و الأب لوثر قد تحركا في اللحظة نفسها، و أشهرا صدريهما لحماية العروسين، بينما رفع بقية سفاحي الويد أسلحتهم ضد الكامورا في مشهد لا سابق له، سيريا… مايڤا… سيفاك… ليشا… و مايلس! لتنضم إليهم إيسميراي مبرزة مسدسها بعدما بلغ غضبها أقصاه، و سددته بجنون إلى رأس الكابو مزمجرة:
“أنزلوا مسدساتكم فورًا، أو سأفجر رأس زعيمكم!”.
نقلت سلاحها إلى وضعية الإطلاق و هي تضيف بعينين مظلمتين:
“أقسم أنني لن أتردد لحظة واحدة في تفتيت دماغه إن لمستم شعرة من أحدنا!”.
لم يهتز الكابو سيباستيان إثر ذلك التهديد، رغم إشتعال أعماقه، و يقينه التام بأن النمرة البيضاء قادرة على تنفيذ وعيدها دون أن يرف لها جفن، لكن الصادم هو إرتفاع جميع أسلحة عشيرة الوحوش ضد الإيطاليين! حتى ڤيرينا و من حضروا بمعيتها من عائلة دارغاريا أثبتوا أن تهديد الوحوش في أرضها لا يمر مرور الكرام، و حتى عائلة أدولفز الذين أبقوا أنفسهم لسنوات خارج خارطة الوحوش، قرروا أن يتصرفوا بما تمليه طبيعتهم كذئاب يموت فيها الفرد ليعيش القطيع، و قال إبن زعيمهم راوول أدولفز:
1
“ربما أتى اليوم الذي ستكفون فيه عن معاملتنا كحاشية رخيصة تخدمكم، نحن أيضا عشيرة، و إذا دستُم على القوانين و قتلتم حامل الدم الرمادي و محطم رقم جينيوس بإمكاننا أيضا تجاهل قوانينكم اللعينة و إنهاء عهدكم هنا و إلى الأبد!”.
إن ٱشتُهِرَ المونسترز بالجرأة و التمرد، فقد ٱشتُهِرَ رجال الكامورا بالصمود حتى النهاية، و بالعناد الجنوني، لم ترتخِ قبضة أي منهم عن سلاحه، و لم يصدر الكابو أي أمر لهم كي يتريثوا و يلغوا قرار تصفية ريغان، أما هذا الأخير، فتصرف ببرود وسط كل ذلك، و عقب على كلام راوول أدولفز مضيفًا حقيقة كفيلة بتجميد الدماء في عروق كل إيطالي داخل ذلك الصرح الشاهق:
“لقد أتى أيضا اليوم الذي ستنحنون فيه لروكسان ليوني ريغان، ليس لأنها تحمل الدم المقدس فحسب، و لا لأنها أصبحت حاكمة الويد الجديدة، بل لأنها تحمل وسم المرايا!”.
تردد أزيز محركات تقترب من الكنيسة، في الوقت الذي كان دارك يدير روكسان إلى الملأ، و يجبر نفسه على تحمل ما سيفعله دون أن يقتلع أعينهم، اللعنة! لقد أبعد شعرها عن عنقها و جيدها، و لفت أنظار الجميع للوشم الذي بين نهديها، سترها بسرعة في غمرة ذهول الناظرين، حتى أوشكت على الإختناق بشعرها الكثيف، ثم أسدل الطرحة ثانيةً على وجهها يخفي عنهم جمالها المعذب، و تابع قوله و هو يغمد كتفيها الهشين تحت ذراعه:
“البراتفا هم من وضعوا هذا الوسم لحماية الشخصيات المهمة من الموت، و البراتفا فقط من يحق لهم إلغاء هذه القاعدة!”.
“و البراتفا لا تنوي إلغاء أي شيء قررته سابقا!”.
إلتفتت الرؤوس نحو من تحدث للتو خلفهم، و كانت صدمة بالغة أن يروا زعيم البراتفا «فاسيليوس براتفاسمرت» و رجاله يفِدون من بوابة القاعة، داخل ِبدلهم الحالكة، ليس على وجوههم أي أثر للإستنكار مما فعله ريغان، بل دلفوا مباركين، ترافقهم شابات روسيات محملات بالهدايا و باقات الورود التي إزدحمت بها القاعة، و تكلل أفواههم إبتسامات التهنئة للزعيم الجديد، و الشماتة بالكامورا اللذين طغوا في الآونة الأخيرة أكثر من المسموح لهم!
1
كان دخول البراتفا أشبه كدلو الثلج الذي يُدلَق على النار فلا يذرُ منها جمرة إلا و يُخمدُ جذوتها و يُسكتُ حسيسها! أسفر وقوفهم في صف ريغان عن تراجع الكامورا و تكميم أسلحتهم و دسها داخل أحزمتهم في صمت خانق، حتى الكابو الذي كان في أوج غضبه، أبقى شفتيه مطبقتين، و أيقن أن أي تصرف غير مدروس سينعكس على عشيرته بأكملها، لقد إستلم الزعامة بعد والده منذ وقت قصير، و ليس من الحكمة أن يدخل في صراع مع البراتفا الآن! لا بأس! إن كان لريغان حظه في الحياة اليوم، فلن يعارض، لكنه لن يبقى مكتوف اليدين لو كبر رأسه أكثر و شكل خطرًا على نظام الميغا!
إعتلى فاسيليوس منبر الكنيسة الخاص بالقساوسة، و باشر خطابه القوي بصوت واثق و إنجليزية طليقة متشحة بمسحة من لكنته الروسية الجذابة:
“نحن… البراتفا… العشيرة الأولى… أسياد العالم السفلي… المعروفون بلقبنا «براتفاسميرت» و الذي يعني بلغتنا الأم: أشقاء الموت… نعترف بدارك ريغان حاكما جديدًا على عرش الويد… بعدما تجاوز داجيو و جينيوس في ترتيب لائحة السفاحين العشرة… و حطم كل الأرقام القياسية… و بعدما قضى بذكاء و في ليلة واحدة على ألد أعداء الميغا… و نعترف به كحامل للدم الرمادي بعد زواجه… و بأحقيته في أن يصبح أحد قضاة مجلس شيوخ المافيا، كما نعترف بزوجته روكسان ليوني ريغان سليلة عائلتي التايغرز و الليونز صاحبة الدم الأبيض المقدس… واحدة منا… حاملة لوسم المرايا… حاكمة نافذة إلى جوار زوجها على عرش الويد! نأمر أن ينشر هذا الإعتراف و التبريك في أرشيف الكونغرس السفلي و يُخطَّ إسم داركسان على لوائحنا السوداء بماء الذهب!”.
5
نظر فاسيليوس عن يمينه و يساره منتظرًا أي إعتراض، لكن الصمت كان قد إستعمر المكان، و أرخى سدوله على أفواه الكل، بعضهم فخور بقيامة الداركسان، و غيرهم ناقمٌ على ما جرى و يتميز غضبًا… كالقضاة اللذين ظلوا على رفضهم و مكرهم، و لولا خوفهم من عقاب البراتفا… لما ترددوا في إنهاء حياة الزوجين ريغان لحظة واحدة، لا يهمهم أي دم يحملان، لا يعنيهم أي رقم حطمه ريغان، هم يكترثون فقط لمصالحهم في مجلس الشيوخ، يريدون أن يتفردوا بالقوة و المشورة في الكونغرس، و إندساس قاضٍ جديد بينهم سيفضح ملفات قذرة عنهم، أعمالهم المتواطئة ستوضع تحت المجهر، و إختلاساتهم التاريخية ستطفو إلى السطح، و هذا ما لن يسمحوا به… حتى و إن اضطرهم هذا لتصفية داركسان بطرق ٱخرى!
تناول دارك يد عروسه و إتجه بها نحو سيارته، و رغم سربلة الصحفيين للكنيسة من كل حدب و صوب، إلا أنهم لم يتبينوا وجه أحد وسط ذلك الظلام، و ما إستغربوه أكثر، تضاعف حجم الموكب و هو يغادر حدود سانت مارونيت، فقد شوهدت سيارات سوداء روسية لمجهولين يستبقون صف اللومبورغيني و قد زينوا أيضا مقابض أبواب سياراتهم القاتمة بأشرطة الزفاف البيضاء مما يؤكد أنهم جزء من المناسبة… و لا ريب أنهم من أثرياء المجتمع الروسي نظرًا لقيمة مركباتهم الباهظة و عدد حراسهم الشخصيين الهائل!
كانت مارفل داخل مكتبها حين تلقت آخر التعليمات، و طفقت مكرهة بنسخ القرار القاتل على حاسوبها، ليُصبح منشورًا نافذًا:
1
تعديل أول: تم إلغاء إسم دارك ريغان من قائمة المطلوبين!
تعديل ثانٍ: تم سحب الزعامة من داجيو فارغاس الغير مؤهل لمواصلة مهامه حاليا.
2
تعديل ثالث: تم تنصيب دارك ريغان زعيما جديدًا على الويد.
2
الجهة المصدرة للقرار: البراتفاᙫ.
1
𝓶𝓪𝓻𝓿𝓮𝓵 𝓼𝓶𝓲𝓽𝓱
«يبدو أن أمركَ إنتهى حقا… داجيو!»
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
فيلا داركسان | غسق و دُجى…
بلغ الموكب منزل العروسين، ترجل دارك أولاً يمنح روكسان يده، لكنها نزلت بمفردها، رافضة لمسه، و أسرعت بالدخول دون إنتظاره، أو حتى تكبد عناء توديع الآخرين، تجاوز دارك ذلك بصدر متصاعد، عرف أنها غاضة و مجروحة الروح، هو لا تظنه أخفى عنها حقيقة أصلها طوال هذا الوقت فحسب، بل تظنه أيضا إستغل زواجه منها ليصبح حاملاً للدم الرمادي و يحمي نفسه من الموت، ألا يعرف كيف تفكر؟ ألا يحفظها كخطوط يديه؟
ظل واقفًا بشموخ يغمد يديه بجيبيه و هو يومئ لسيارات الميغا المغادرة، و عقِبَ رحيل آخر واحدة، لاحظ بقاء سيارة مألوفة حيثما ركنها صاحبها قبل قليل، و وجد نفسه وجهًا لوجه مع إدريك، وجهه ينافس بدلته قتامة، و عيناه لا تترجمان من أعماقه شيئًا غير السخط، إلتوى رأس دارك حالما إصطدمت به قبضة إدريك العنيفة، اللكمة الأولى كانت كافية لتحطم عظام أي كان، و الثانية كانت كفيلة بإفقاده وعيه، لكن دارك لم يتزحزح من مكانه، أعاد رأسه لوضعه السابق، و حدق في عيني إدريك قائلاً بكل برود:
“لم تكن ضربة موفقة، توقعت أن أفقد نصف أسناني، هل خسرتَ أداءك الشهير يا إدريك؟!”.
رفع إدريك يده المشدودة مجددًا ليلكم ذلك الفم الساخر، لكنه عجز، فجأة لم يرَه دارك ريغان السفاح المرعب، بل رآه مجرد طفل يطلب منه أن يخيط أشلاء أمه الممزقة! أشاح عنه متمالكًا قبضته، و تمتم بصوته الباهت:
“لم يكن إتفاقنا أن تتزوجها، لقد دللتُكَ على مكانها لتبقيها تحت حمايتك!”.
1
“هذا الزواج هو الطريقة الوحيدة لحمايتها!”.
“ماذا عن كشف إنتمائها للوحوش أمام الملأ؟ هل كانت أيضا ضرورية لحمايتها!”.
أجاب دارك بثقة:
“بل لتحريرها!”.
رمقه إدريك مستفهمًا، فتابع دارك قوله و الثقة لا تفارق نبرته:
“تكفي كل تلك السنوات التي قضتها روكسان في حفرة من الظلام، آن الأوان لتنال حقوقها، و لتفرض وجودها رغمًا عن أنوف الكل، رغمًا عن أنفكَ أيضا يا إدريك، و إن كان يهمكَ أمرها كما تزعم، فلا تقف بوجهي، روكسان أصبحت إنعكاسي الآن، تحمل إسمي و رائحتي، و أنت تعرف جيدا كم أنا مغرور و لعين بشأن ما يخصني!”.
لم يكن لدى إدريك أي شيء يضيفه، إرتد على عقبيه، و فتح باب سيارته في صمت، ليرتفع صوت دارك مستطردًا:
“لا تقلق! لا زلتُ عند وعدي، لن أخبرها بالعلاقة التي تجمعكما، لكنني سأخبرها كل شيء عن والدها الحقير!”.
3
وصلت مايڤا في تلك اللحظة إلى الفيلا بعدما تأكدت أن الموكب إبتعد تماما، ركنت سيارتها أمام دارك، و ترجلت تخاطبه بإستغراب و في يدها شيء أسود:
“أهذا إدريك؟ غريب! لِمَ غادر بهذه الثوران؟”.
“دعكِ من ثورانه الآن، و أخبريني أنكِ أحضرتِها معكِ!”.
“و هل سبق و أن فشلت مايڤا في مهمة يا دارك؟!”.
رددت ذلك بخيلاء، ثم سلمته الحقيبة السوداء التي تحملها مضيفة:
“كان التسليم في الكنيسة على مرأى الكل مستحيلاً، لذا آثرتُ أن يتم هذا في مكان أكثر هدوءً و خصوصية!”.
هز دارك رأسه معبرًا عن فخره بمهاراتها في أي شيء يوكله لها، و نصحها أن تشق طريقًا مختلفًا أثناء العودة لبيتها، لأن الثقة الزائدة بمن حولها فتاكة، أومأت مايڤا شاكرة إهتمامه بسلامتها، و إختفت من أمام منزله على الفور، لكنها لمحت سيارة مجهولة تتبعها بعد لحظات، فضاعفت من سرعتها مفكرة بجدية في إحتمال وجود متعقب آخر غير والدها، إن صدق تخمينها… فمن يكون هذا المتعقب؟ أو من يكون مرسله؟!
وجد دارك منزله غارقًا في السكون في الظلمة، تعجب كيف تبينت طريقها دون ضوء، أنار ثرايا الأسقف واحدة بواحدة، و إستهل الدرج العريض بخطوات متئدة، تترك على السجاد الأحمر السميك دعسات عريضة ذكرت روكسان بخطواته حين إختطفها أول مرة، الخطوات الرنانة بلحن الأصفاد، لحن العذاب و الموت! أيقنت أنه أصبح داخل الغرفة، فإنكمشت على نفسها أكثر، بينما كان هو يدير المقبض و يبحث عنها بعينين تواقتين للنظر إليها دون أجل، لكن دارك إصطدم بمنظر الفستان فارغا من جسدها الفاتن، مكوما في طبقات بيضاء لامعة على الأرضية، وضع الحقيبة السوداء أسفل السرير، ثم إستوى واقفًا يعاود التحديق بالمنظر، كان التاج أيضا منزوعًا و متروكًا على طرف من الفراش، أخذ نفسًا عميقًا، و جمع الفستان ليعيده إلى كيسه الخاص و يعلقه داخل الخزانة، ثم تناول التاج يضعه داخل درج الإكسسوارات، قبل أن يتجه صوب الحمام و يفتح بابه ببطء واثقًا أنها هناك…
لم ترفع روكسان بصرها نحوه، في حين لم يرفع هو بصره عنها، و خاطبها برقة بالغة:
“لو إنتظرتني لحظات فقط… لساعدتكِ في نزع الفستان… و لحممتكِ بنفسي!”.
أغمضت عينيها تهرب من ذلك الخاطر الذي هزَّ فرائصها هزًّا، ماذا يحاول أن يفعل الآن؟ هل يُسرِّي عنها أم يسخر من وضعها؟ ثم إنها ليست داخل الحوض لتستمتع بحمام العروس السعيدة، بل لتضع حاجزًا بينهما، لماذا فكرت أن هذا الزواج قد يغير شيئًا من خطة إنتقامه؟ لماذا رددت موافقتها على الإقتران به و حمل إسمه إلى الأبد بتلك الشاعرية؟ كان كل شيء مزيفًا… فقط لأنها من سلالة مهمة! فقط لأنها روكسان ليوني… بياض الدم!
1
تمتمت بتجهم دون أن تنظر نحوه:
“لا أريد منكَ شيئًا، لقد أخذت مبتغاك، حصلت على الزعامة، و ضمنتَ حياتكَ من خلالي، ماذا تبقَ لكَ لتأخذه مني؟ حقوقكَ الزوجية!”.
رفعت رأسها صوبه أخيرًا و هي تنطق بالعبارة الأخيرة، فوجدته يبتسم كأنه ملك العالم، حتى حين قلده فاسيليوس براتفاسميرت منصب الزعيم لم تتجلَّ على فمه إبتسامة مماثلة، راق له إحمرار عينيها، هل هو بخار المياه الدافئة أم أنها بكت في غيابه؟ قرأ أفكارها بسهولة تامة، و نفى مخاوفها بعبارة بثت الفوضى في حواسها و نبضاتها:
“إنسي عقد زواجنا اللعين و ٱخرجي من المياه قبل أن تمرضي… أنا أثبت رجولتي على الأرض… و ليس على جسد عروسي!”.
3
لم تجرؤ روكسان على دفع نفسها خارج الحوض، كانت باهتة و مأخوذة، ترتعش حتى الموت بسبب كلماته التي حملت حنانًا عجيبًا، و بسبب الصدمات التي مُنيت بها في ليلة يفترض أن تكون ليلة العمر لأي امرأة! لكنها ليست أي امرأة، و لم تتزوج أي رجل، و زفافهما لم يكن أيضا أي زفاف!
توقعت أن ينقض عليها دارك كعادته و يحملها من الحوض إلى السرير، و يمرر بصره بجرأة سافرة على كل إنش حميم فيها، غير أنه عاكس توقعاتها، و إكتفى بوضع منشفة على حافة الحوض، قبل أن يستدير و يترك الحمام دون رجعة، هل مل منها أم أنه بدأ يحترم رغباتها حقا؟
إنتزعت جسدها من المياه التي بدأت تفتر، و مضت تجفف نفسها و تتستر بواسطة المنشفة، ثم تمهلت قليلاً، قبل أن تخطو ببطء و تردد إلى وسط الغرفة، لاحظت أنه يقبض على منشفته الخاصة بشدة، ينتظر دوره في الإستحمام، بينما عيناه متراخيتان على الأرض، ترقبت أن ينظر إليها مرة فقط كما يفعل دائما، لكن دارك أثبت لها غناه عن ذلك، شعرت بصدع يشق صدرها نصفين حين راقبته يلج الحمام، و يوصد الباب كأنها لم تكن هناك! لكنها نسيت تصرفه الغريب، و غرقت ثانية في ما شهدته الكنيسة هذه الليلة!
عندما غادر دارك الحمام، كان يلف المنشفة حول وسطه، جسده يبرق بجاذبية صارخة، كأن وشومه تتأوه تحت ملمس القطرات التي تتدحرج فوقها، كأن جلده الفاتن كان ينطق مخاطبًا تلك العروس الجاثمة على وسادتها في وضعية دفاعية، تحفزت خلاياه بعد تلك النظرة الساحرة التي قفزت من عينيه، و مدت يدها نحو الوسادة الثانية كي تضربه بها إن تراجع في كلامه و حاول أخذها غصبًا، لكن دارك كان أسرع منها، أمسك قدميها الناعمتين، و سحبها لتصبح ممدة على طولها أسفل منه، باتت الوسادة بعيدًا عن متناولها، و بات قلبها يثب بجنون حين علق زوجها:
“لا تخافي يا بلائي الأول و الأخير، لا يليق بحاكمة الويد أن تخاف!”.
2
نجح في إمتصاص خوفها حين داعب قدميها بأصابع يديه و أضاف:
“الرجل الذي يرتدي قلادة صليب دون أن يكون مؤمنا، يستطيع أن يحتضن زوجته دون معاشرة كاملة، ألا تذكرين؟ سبق و قلتُ أن ذلك الشيء الصغير الذي بين ساقيكِ ليس رمزًا للشرف و لا للعذرية و لا لأي شيء آخر، كل الرموز و المعاني تحتشدُ داخل القلب، و أنا قررتُ إمتلاك قلبكِ أولاً يا روكسان!”.
4
رغم كلامه الجريء و الفج… لم تشعر يالنفور منه، بدأ يشرف عليها و ينشر نفسه فوقها، كأنه سماء تغطيها، فلم تقاومه، و لم تسدد نحوه تلك الضربة الموعودة، بل أخذت تسترخي تدريجيا مستعذبة الحنان المفاجئ الذي غمرها به. أصبح دارك أقرب إليها من أنفاسها، لفظ زفيرًا حارًّا متقطعا عند عنقها، و طبع قبلة طفيفة على فمها المفتوح، ثم أرخى رأسه عند نهديها، و أغمض عينيه يصغي لنبضها العنيف، قبل أن تسمعه يستطرد هامسًا كأنه مجرد طفل يتألم:
“أريد أن أنام هكذا فقط… أحتضنُ إنعكاسي، أتلفعُ بنيرانكِ الحبيسة، و أشعر أن داخلي غسقكِ و داخلكِ دُجَايْ…، أعرف أنني آخر رجل قد يستحق امرأة مثلكِ، لكنني أرفض التخلي عنكِ، كما أرفض تقاليد الزواج اللعينة، و أرفض أن أنظر إليكِ كجسد لتبديد الشهوة، أنتِ لستِ مجرد عذرية تُؤخذ، و أنا لا أريد ليلة العمر… بل أريد العمر يا روكسان!”.
19
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
فيغاس العلوية | المراقبون في الظلام…
أغلقت روما دفتر يومياتها و نظرت للسقف حالمة، طيف مايلس يتكوم داخل عقلها منذ ساعات دون أن تستطيع الخلاص، ما الذي يجري لها؟ ما السر به؟ سرقها من شرودها طرق خفيف على باب غرفتها، كان شقيقها الأكبر كِيان هو القادم!
“تفضل عزيزي كِيان!”.
فتح الباب و شملها بنظرة مستفهمة، فسألته حائرة:
“ما خطبك؟”.
“ما خطبكِ أنتِ روما، ناديتُكِ عدة مرات و لم تجيبيني! حتى العشاء لم تتناوليه كعادتك! هل تعانين من مرض ما؟”.
تضرج وجهها، و نفت بسرعة و هي تقلب كتبها و دفاترها بعشوائية أثارت قلقه أكثر:
“لا مرض بي، أحاول فقط الإجتهاد في دراستي هذه الفترة، إنها سنة تخرجي كما تعلم!”.
هضم كِيان فضوله المتزايد، و بجهد عظيم منع نفسه من سؤالها عن متسابق الفورمولا الذي تلتقيه في الآونة الأخيرة بإستمرار، لقد أصبحت روما راشدة، ثم إنه قد سأل يوري عنه، و هذا الأخير أكد لطفه و تهذيبه حين زار مقهاه، ربما عثرت شقيقته على شريك مناسب لها، ربما هو فقط يبالغ بخوفه عليها. تنهد بخفوت يتمنى لها ليلة سعيدة، و نزل إلى الطابق الأرضي.
إرتدى سترته، و أمن نفسه بحمل سلاحه و شارته ككل مرة، ثم غادر منزله الرئيسي، ليقصد شقته الخاصة على بعد أمتار، و التي يسهر بها عادة لحل قضاياه المعقدة، و يعقد بها إجتماعاته السرية بخصوص تتبع المجرمين و إلقاء القبض عليهم، الليلة أيضا تنتظره أكداس مكدسة من القضايا التي يفترض أن يعمل عليها!
حين فتح الباب، و أنار أضواء الردهة، قرر الإتجاه أولاً ناحية المطبخ كي يعد شرابًا دافئًا لنفسه في تلك الليلة الباردة، غير أنه تمهل حادسًا حركة غريبة في الشقة، هل يستنشق عطرًا غريبًا أم ماذا؟ و هل يسمع صوت مطمطة و حشرجة أم أنه فقد صوابه؟
إستل مسدسه من حزامه، و تقدم بحذر من فوهة غرفة الجلوس، كان واثقًا أن الصوت يأتي من هناك، كأن كائنا ما يفترس شيئًا بنهم، إلتقطت أذناه تنهيدة ناعمة، فتحفز أكثر، و خمن أن قطط الشوارع إقتحمت شقته و إفترست طائر الكناري الذي يربيه، و في وثبة واحدة و متمرسة، هجم على الغرفة مشهرًا السلاح ضد القطط، لكن الصدمة علت وجهه عندما تفاجأ بقطة بشرية ممشوقة القد تستأثر بأريكته البيضاء التي تناقض سواد شعرها القصير و عينيها الجريئتين، و تلتهم بشراهة ما وجدته في ثلاجته من دجاج الكِنتاكي الذي أعده بنفسه هذا الصباح و بدا شهيا لها! غمزته مايڤا ما إن لاحظت وجوده، و تمتمت بصوت الهررة المبحوح:
“الطعم مذهل، يا لها من مهارة فذة حضرة الضابط رافِنوود! سأكون ممتنة لك إن دللتني على مكان المخلل و الفلفل الحار! أو إن تكرمتَ و أحضرتَ لي القليل بنفسك!”.
تذكرها دون جهد، أعاد شريط لقائهما الفائت حين تبادلا السخرية و الحركات القتالية، غمد مسدسه في حزامه، و سأل غير مصدق قدرتها على إقتحام شقته المؤمنة:
“ماذا تفعلين هنا بحق الجحيم؟!”.
إبتسمت بمكر و هي تلعق أصابعها بعدما فرغت من تناول آخر قطعة كِنتاكي، ثم أجابت بوضوح:
“أراقبُكَ بينما تراقبني! أفضل أن نفعل هذا بمسافات قريبة!”.
أدرك أنها كشفت أمر الشرطي الذي كلفه بتعقبها منذ أيام، زم شفتيه للحظات، قبل أن يعلق طاويا ساعديه أمام صدره:
“يبدو أنكِ ذكية كما توقعت، لكن ألا ترين أن قمة الغباء هو قدومكِ إلى شقتي يا فتاة الكونغ فو؟!”.
لم يبدُ عليها أي أثر للقلق من كلامه، بل تعمقت إبتسامتها و هي تعلق:
“لا، بل قمة الغباء أن تتعقب شخصا ينظر خلفه بإستمرار!”.
إبتسم بدوره متقدما خطوة نحوها، و قال:
“في مطلق الأحوال، أنتِ بقبضتي الآن، و الأصفاد التي معي ستكون أفضل لكِ من المخلل و الفلفل!”.
“إحتفظ بها لنفسك، أنا امرأة جميلة دون إكسسوارات!”.
1
كان كِيان جادًّا في نية إعتقالها، و قطع وعدًا على نفسه بألا يسمح لها بالفرار هذه المرة، لكن مايڤا لم تخف من منظر الأصفاد التي إستخرجها، بل نهضت بتكاسل عن الأريكة، و خطت نحوه في مشية القطط المغرية، و حين باتت قريبة جدا منه، همست بنبرة ناعمة:
“أما أنت فنصيحتي أن تحذر، قد تجد هذه الأصفاد حول يديك أنت بدلاً مني!”.
“حقا؟!”.
ردد هازئا، فأردفت تلهو بأعصابه:
“طبعا، تمزيق ثيابي و الصراخ لجلب الملأ إلى هنا لن يستغرقا مني الكثير، لكن تهمة محاولة إغتصاب امرأة مسكينة مثلي تسغرق منك الكثير لتستعيد شرفك و سمعتك كرجل شرطة! صحيح؟”.
كال لها نظرة سوداء، ردتها مايڤا بشماتة، قبل أن ترمي له قبلة في الهواء و هي تغادره، لكن كِيان إستوقفها بصوت واثق:
“لا تظني أنني سأدعكِ و شأنكِ يا لصة الكِنتاكي، إذهبي الآن، لكن أعدكِ أنني سأقبض عليكِ في لقائنا الثالث!”.
2
إستدارت نحوه تغمزه من جديد و تهتف مستعدة لأي مغامرة:
“عظيم، جِد لي إذن تهمة تستحق، و أعدكَ أن أضع الأصفاد بنفسي!!”.
و في مكان ليس ببعيد جدا عن منزل الضابط رافِنوود، كانت تجري مراقبة من نوع مختلف، كانت سيريا تجلس داخل سيارتها في مكان ظليل، قبالة منزل آل تايلور الفخم، في يدها زجاجة مشروب، و في قلبها وجع لا ينتهي، كيف يمكنها أن تكون بهذا القرب من ذويها دون أن تستطيع إحتضانهم و الجهر بأنها جزء منهم أيضا مثل روكسان؟ كانت تراهم على إحدى شرفات المنزل يتسامرون، لا ريب أنهم سعداء بالمفاجأة التي فجرها دارك خلال زفافه، لا شك أنهم يتوقون لضم روكسان إليهم قبل أن يضمها آل ليوني!
شعرت بالإختناق، إحتاجت لمن يضمها أيضا، لأول مرة تتقزز من حياتها التي لا يعنونها شيء سوى الزيف، أنزلت زجاج النافذة لتتنفس بعمق، حاصرت دموعها، و نفذ الشراب من القنينة، فرمتها بإهمال أسفل المقعد، و أسندت رأسها المنهك على عجلة القيادة، و لم تشعر إلا بيد تمسد شعرها، بكت بشدة حين ظنت في البداية أن لمسته التي إقتحمت واقعها كانت وهمًا، لكن صوته الأجش أكد لها أنه موجود:
“صغيرتي!”.
رفعت رأسها بحدة منتفضة، و نظرت بإتجاه الصوت غير مصدقة، بللت الدموع وجهها أكثر هامسة:
“إدريك!”.
لم ينتظر مرور لحظة ٱخرى، فتح الباب بقوة حتى كاد يخلعه، و سحبها إلى أحضانه، تمرغت بصدره مفرغة نشيجها الخانق، في حين ربت هو على شعرها و ظهرها بهدوء. إستغربت حنانه الجديد عليها، و راق لها، فهمست ثانيةً تشده نحوها بقدر ما يشتد الألم داخلها:
“إنها الليلة الأولى التي أشعر فيها أنك أبي حقا، إن أشد ما أحتاجه الآن هو أبوتكَ إدريك! هذا الإدراك يحطم آمالي في الحب، لكنه يمنحني شعور الأمان الذي فقدتُه بسبب اليُتم!”.
1
طال صمته، و إستمر نبضه الهادئ يربت على روحها، ليردف فجأة بلهجة حادة أحبتها:
“حين أموت لقبي نفسكِ باليتيمة يا سيريا، أما و أنا على قيد الحياة، فلن أسمح بذلك! أتفهمين؟”.
1
هزت رأسها مستكينة بين يديه، فأبعدها عنه قليلاً و تفحص عينيها الحمراوين سائلاً:
“كم كأسًا إحتسيتِ؟”.
“زجاجتين!”.
أطلق شتيمة و أردف:
“إذن أنتِ محظورة من القيادة! ستعودين معي في سيارتي!”.
“حسنا دادي، لكن… ماذا عن سيارتي؟”.
“سأرسل شخصا لإحضارها، هيا… تأخر الوقت!”.
سارت بمعيته إلى المكان الذي ركن فيه سيارته، و كانت لا تزال محتفظة ببعض من وعيها، لكن حين بلغا المنزل، لاحظ إدريك ترنحها أثناء نزولها مم السيارة، لذاحملها لبقية المسافة، بينما كانت هي تعبث بلحيته و أذنه ضاحكة، وضعها أمام غرفتها يحاول السيطرة على نفسه، و تجاوزها نحو غرفته، و لم يصدق أنه إستطاع إغلاق بابه دون أن يعود إليها و يفعل ما فكر به، لكن سيريا لم ترحمه، دلقت بابه بكل جرأة، و قالت دون مقدمات:
“أريد النوم معك دادي، إشتقتُ لتلك الذكريات!”.
أردف إدريك ببرود و هو ينزع ربطة عنقه:
“كنتِ طفلة في ذلك الوقت، و الآن أصبحتِ امرأة ناضجة، تستطيعين النوم بمفردك!”.
“ليس الليلة إدريك!”.
1
دنت منه متحسسة ذراعه، فنفض يدها بعنف رغمًا عنه، و عقب بحدة:
“أنتِ ثملة سيريا، إذهبي إلى غرفتكِ قبل أن أغضب، لا تدفعيني لأذيتكِ ثانيةً!”.
تذكرت الليلة التي تذوقت فيها قسوة حزامه، فذرفت دموعها، و همست بيأس:
“الأذى الذي تتحدث عنه لا شيء مقارنة بما أعيشه الآن، ألا تشعر بي أبدًا؟”.
خرج إدريك عن هدوئه بشكل مخيف، فصرخ بها و هو يمسك كتفيها:
“أنتِ التي لا تشعرين بما تقوديننا إليه، أنا وحش سيريا، مجرد وحش كريه سيدمركِ إن إقتربتِ منه أكثر مما يجب!”.
وضعت يديها على صدره مردفة:
“جميعنا كذلك، ثم إن هذا الوحش إعتنى بطفلة لسنوات… و لا يزال!”.
“لكنكِ لن تنكري أنني حطمتُ عظامكِ تلك الليلة!”.
إعترفت بذلك، و أضافت متصالحة مع الواقع بكل مرارة متوحشة فيه مذكرة نفسها أن هذا الرجل قتل والده لينقذها:
“و لن أنكر أيضا أن ذلك جاء نتيجة تصرفي كبائعات الهوى، حاولتُ إغواءك مصغية لشياطين رغبتي، و أنت أنزلت بي العقاب الذي أستحقه!”.
2
تمتم شاعرًا بكره عميق نحو نفسه:
“أهكذا تواسين نفسكِ؟”.
“لستُ بحاجة للمواساة، أنا بحاجة للراحة إدريك، و راحتي معك، لكن من المؤسف أن تتمكن من معالجة الكل… و تتجاهل علتي أنا!”.
1
إستدارت تنوي تركه و شأنه، لكنه أمسك يدها، و قربها منه ثانيةً يتنفس أنفاسها و يجفف دموعها قائلاً:
“لا تذهبي! سأريحكِ و أمنحكِ ما تريدين، أردتِ هذا الوحش؟ إذن فلنبدأ من حيث تريد فتاتي! هذه الليلة لن أوقفكِ مهما فعلتِ، لكن هل ستتحملين العواقب بعد معاشرة رجل مثلي؟”.
“ماذا تعني برجل مثلك؟”.
“أعني الحقيقة التي لم أخبركِ بها بعد، أنا لم أتبناكِ بشكل قانوني، لا توجد وثيقة رسمية تحرمكِ علي، لكن عقوبتي هي من تفعل!”.
1
سألت ثانيةً باستغراب:
“عقوبة منعكَ من الزواج؟ أخبرتني بهذا الخصوص، و لا أكترث مطلقا لما يقررونه!”.
“كلا، هناك نصف ثانٍ من العقوبة، تحملته لسنوات!”.
تمهل لبعض الوقت، ثم قال دفعة واحدة و عيناه تشتدان سوادًا و برودًا أكثر من الليل في الخارج:
“أنا عقيم بسبب عملية أجراها والدي!”.
- لقراءة باقي فصول الرواية اضغط على (رواية لحن الأصفاد)
لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها
أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)