روايات

رواية لحن الأصفاد الفصل العاشر 10 بقلم أسماء

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

رواية لحن الأصفاد الفصل العاشر 10 بقلم أسماء

 

 

البارت العاشر (دماء بين الاصابع!)

 

 

 

❞سيبقى أسفُكَ باردًا…
و لو غمَّستَه بنارٍ حارِقة!

 

❝لاس فيغاس| منزل إدريك…
التاسعة و النصف ليلاً…

 

 

دلفت سيريا الردهة الرئيسية للمنزل متختِّلة بخطوات رشيقة كما لو أنها ثملة بالنشوة، لكن في الأعماق لم تشعر بأي من ذلك، كان قلبها يرتعش حتى الموت، و هي تشعر أن نظرات إدريك الذي يسير ببطء مخيف في أثرها تحفر ظهرها، كان قد أمرها بصعود سيارته بدل التي أتت بها إلى الكازينو، و بصمت أطاعت سيريا الأمر، و جلست داخلها متوترة، حاولت التسرية عن نفسها بتأمل أضواء فيغاس الليلية، لكن لمعان عيني إدريك الكاتمتين لغضب قاتل كان أشد ومضا، فظلت طوال طريق العودة أسيرة القلق و الخوف، على أنها إدَّعت الثبات لاحقا، و واصلت المضي قدمًا حتى بلغت غرفة الجلوس الواسعة، ألقت بجسدها المضطرب على إحدى الكنبات، و لم تكد تضع ساقًا على ٱخرى و تبدأ بمحادثته… حتى هاجمها إدريك بشراسة لم تعهد لها مثيلاً من قبل!
قلب الطاولة الثقيلة بركلة حبست أنفاسها، و إلتقط مرفقها بقبضة قاسية، ثم أمسك بالمرفق الثاني، و صرف أسنانه مزمجرًا، قبل أن يدفعها نحو أقرب جدار بكل ما ٱوتيَ من قوة… كأنه رغِبَ فقط في سحق كل عظمة بها!
3
تقلص جسد سيريا عندما إصطدمت بالجدار، و سقطت متكوِّرة على نفسها بسبب هول الألم الذي سببته لها تلك الهجمة، لكنها و رغم ذلك لم تتأوه، ظلت منكسة رأسها، ترى على الأرضية بُقعًا صغيرة لدموع و لعاب عجزت عن كبتهما، عضت شفتها السُّفلى مانعة صوتها من التحرر، كانت بحاجة للصراخ، و مرة ٱخرى حاربت تلك الحاجة، و رأت قدمي إدريك تتحركان صوبها، فتحفزت كل خلية بها لتلقي ضربة أكبر، لأنها تربت مع إدريك لسنوات طويلة، و تعرف تماما أنه لا يستعمل جسده إلا ليترك جروحا لا تندمل، جروحا تترجم إلى أي حد بلغ غضبه!

لكن إدريك بدل ضرب سيريا، إكتفى بلف أصابعه الغليظة حول عنقها، و رفعها بحركة واحدة، حشرها بينه و بين الجدار الذي كاد يكسر ظهرها للتو، و لم يمنحها سبيلاً للتنفس حتى، إذ اشتدت قبضته، و قست أصابعه، كأنها تحفر جلدها، و ومضت عيناه السوداوان ببريق يكفي لوحده كي يقتل فيها كل شيء!
زمجر بصوتٍ يتكسَّرُ خشونةً قرب أذنها:
“ثاني مرة… لا تغادري حدود منزلي دون إعلامي!”.
1
قبض على شعرها القاتم بيده الٱخرى و شده للخلف… حتى أوشك على إقتلاعه من فروته، أفلت عنقها للحظات، فاستطاعت أن تسحب أنفاسًا تسعفها من الإختناق، لكن ما حدث تاليًا كان معاكسًا لتوقعاتها و صادمًا بكل المقاييس! شملها إدريك بنظرة سوداء من رأسها حتى أخمص قدميها، و مزق الفستان المثير الذي كان يلف جسدها، مزقه بوحشية، و من بين شفتيه كانت تصدر همهمة الوحوش حين تقتات على فرائسها دون رحمة، لحظات فقط… حول فيها الفستان الذي تدبرته لها مايڤا… إلى قطع بالية!
10
نظرت سيريا برعب إلى القطع المتناثرة على أرضية غرفة الجلوس، و بسرعة غطت صدرها بيديها، و قد تضاعف إرتعاشها غضبًا و خزيًا، و أدمعت عيناها أكثر، لم تحزن من أجل الفستان، لأنها لم تكترث يومًا للفساتين و ثياب الإناث التي قد تبدو فاتنة بها، لماذا ستكترث سفاحة لشيء كذلك؟ ما سبب لها الرعب حقا هو المنظر الذي كان تحت الفستان، فقد بات الجزء العلوي من جسدها الآن… و أمام إدريك… عاريًا تماما… لأول مرة!
كانت سيريا تكره إرتداء حمالات صدر تحت الثياب لأنها تضايقها، و لو أنها توقعت أن يفعل إدريك بها شيئًا كهذا، لإرتدت ملايينًا منها فقط حتى لا ينظر إلى حرف إسمه الأول الذي وشمته أسفل حلمة نهدها الأيسر… ليكون قريبًا من نبضها…
10
ازدردت ريقها منكسة رأسها، و حالما رفعت بصرها إليه، رأت أنه هدأ نسبيا، و حاولت جهدها أن تفض غموض عينيه و تقرأ فيهما ما إذا كان قد إنتبه للوشم الحميم أم لا؟! لكن إدريك لم يكن سهل القراءة كما هو دوما، سحب نفسًا مسموعًا من فتحتي أنفه، مبقيا فمه مطبقًا، ثم فرج شفتيه مقتربًا منها أكثر، و تابع هاصرًا كل كلمة بين أسنانه:
“… و لا ترتدي أي شيء أحمر!”.
5
أفرج عنها أخيرًا، و دون أن ينظر إليها ثانيةً، خطا ببطء صوب الدرج، و لم يتردد في أذنيها طيلة اللحظات التالية… سوى صدى دعساته الثقيلة على الدرج و هو يتجه إلى غرفة نومه!
6
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
دريم ريس…
“إذن! كيفِ وجدتِ السباق؟”.
سأل مايلس روما و هما يتمشيان على بعد أمتار قليلة من حلبة الفورمولا بعدما إختتمت الليلة الٱسطورية بتتويج خالد، فانتفخت رئتاها بأنفاس عميقة، و ضحكت تجيبه في لهجة عفوية:
“مفعمًا بالإثارة… و غايةً في الغرابة أيضا!”.
لم يفلت أي تفصيل في وجهها و شعرها دون تأمل دقيق و هو يردفُ بإهتمام:
“و فيمَ الغرابة؟”.
“في كل شيء!”.
كانا قد إبتعدا نوعا ما عن صخب الجماهير، فتوقفت عن السير ليحذو مايلس حذوها، منصتًا إليها بفضول و هي تضيف:
“لم يكن أيٌّ من هذا يعني لي في السابق، ضجيج المدرجات و إثارة المشاهدة! لطالما إمتاز عالمي بالهدوء، جبالٌ من الكتب حولي و فقط صمتٌ كثيف، لم أكن مترقِّبة إلى هذا الحد مثلما وجدتُني الليلة أترقَّبُ فوزك! لم أكن هكذا حتى و أنا بين أفضل كتبي! هذا التغيير الذي أضفيته على حياتي راق لي لقد منحني تجربة مختلفة… و لن أنسى ما عشته هنا ما حييت!”.
رفعت إليه عينين لامعتين عكستا ضوء أعمدة الإنارة التي تعلو زوايا الحلبة، و تمتمت مشغوفة بكل نسمة تخللت شعرها الأشقر المتناثر على كتفيها:
“أعتقدُ أنني أحببتُ عالمكَ… أبولو!”.
أخذته تلك العبارة إلى أحضان شيء غريب، و يبدو أنها لم تُعِده بعد لمكانه الصحيح، عبرت عيناه صفحات الجرائد التي امتلأت بأخبار جثث قام بإنهاء حياتها بيديه، إسودَّت نظرته فوق سواد بؤبؤيه، و لم يملك مهربًا من التساؤل في قرارة نفسه… تُرى هل ستظل نظرتها وردية تجاهه حين ترى تكتشف الأبعاد الحقيقية لعالمه!
قبض جيدا على خوذته أسفل إبطه، و إبتسم مقترحًا بلطف:
“هل تحبين الشامبانيا؟”.
“لا أظن أننا في وفاق!”.
“تحبين الكولا إذن؟”.
“ليس إلى حد كبير!”.
إرتفع حاجباه و هو يسأل من جديد:
“إذن بما تقترحين أن نحتفل؟!”.
غمدت يديها في جيبي بنطالها الواسع، و رفعت رأسها مفكرة، قبل أن تفرج عن فكرة مثالية خطرت لها:
“شيء أثق أنكَ ستحبه كثيرًا!”.
إستخرجت إحدى يديها من جيب البنطال، و دفعتها نحوه و هي تردد من بين شفتين ضاحكتين:
“إذا قررتُ بدوري منحكَ تجربةً مختلفة! فهل ستأتي؟”.
تناول مايلس يد روما دون أن يفكر لمرة حتى، و أجاب كشخص يمسك الطوق الوحيد الذي وجده في معترك الموت و الحياة:
“أبولو يتبع كورونيس… حتى آخر شعاع!”.
1
أدارت مايڤا رأسها ضاحكة مع نفسها و هي تتساءل ما اللعنة التي حلت على زميلها السفاح حتى أمسك يد تلك الغريبة و غادر بمعيتها؟! لم تسمع من مكانها البعيد ما تبادلاه من كلمات، لكنها حدست تغيرًا غير مألوف في أطواره، لم يتعود مايلس على إخفاء إنجذابه للفتيات؛ و لا سيما الفاتنات منهن، لكنها لم تره قبلاً على هذا الإنبهار و التعلق بأي ٱنثى… و الأغرب و الأكثر إدهاشا لها هو أن تلك التي أمسك يدها مسحورًا… كانت عادية جدا مقارنة بذوقه الشهير في إنتقاء أرهف الخصور و أضخم الأثداء و أكثر الوجوه تطابُقًا مع نجمات السينما الأمريكية!
لحقت بهما بينما كانا يتجهان صوب الباحة الخلفية للحلبة؛ و التي تُركنُ فيها سيارات المتسابقين الخاصة، فهي لا تزال على ذمة مراقبته الحريصة، و لا تعبأ بمتابعة حركاته الجديدة في الحصول على رفيقة مختلفة بقدر ما تعبأ بحمايته من أي خطر محدق!
و لحسن الحظ أنها كانت ممتازة فيما تفعله، لأنها لاحظت بطرف عينها وسط الظلام شبح شخص آخر تهمه مراقبة الإثنين، فإتخذت من إحدى المركبات المركونة تِرسًا مناسبًا تتحصَّنُ به، ثم إسترقت النظر تلف أصابعها حول مقبض السلاح المحشو الذي تبقيه تحت كل الظروف على خاصرتها…
برز ذلك المتعقِّبُ للوضوح أكثر، فتركز الضوء فوق كتفيه العريضتين، و بات ظله الممتد حتى مخبأ مايڤا أكثر ضخامة و إتساعًا من حجم جسده الحقيقي، تجاهلت اللياقة البدنية التي يتمتع بها، و حصرت أفكارها فقط في النية التي يبيتها، فكرت عن يقين أنه مبعوث الليونز لتصفية مايلس أو لإختطافه و إستخدامه كورقة ضاغطة على إدريك، و آنذاك حسمت قرارها، و نهضت من مكانها ترنو إليه محاذرة إصدار صوت بحذائها، و حين تأكدت أنه لم يعد يفصلها عنه غير سنتيميترات، هاجمته بشراسة، و دفعته نحو السور، ثم أسندت فوهة سلاحها على حنجرته البارزة، و حاصرته بعينيها المائجتين عنفًا، قبل أن تسأله بحدة:
“لماذا تلاحقهما؟”.
بدا الرجل متفاجئًا بظهورها المباغت، و إستمر يتأرجح بنظرات جاحظة بين عينيها البنيتين، و عقله يتساءل بإلحاح من أين سقطت؟
“هل أنت أصم؟”.
تابعت و هي تحشر فوهة السلاح بين ذقنه و عنقه أكثر… حتى تركت على جلده البرونزي وشمًا دائريًّا غائرًا:
“أجب… أو سأفرغ مشطي برقبتك!”.
شعرت بشيء يستند إلى خاصرتها، و لم تكد تخفض بصرها حتى تبين لها أنه مسلح أيضا!
“لا تشكِّي أبدًا أنني سأفرغ مشطي هنا أيضا!”.
لثوانٍ نسيا من كانا يتبعان، و فاتهما سماع عجلات سيارة مايلس و هي تدور و تترك الباحة، ليقول الرجل و عالق في تفاصيلها الغريبة:
4
“أعتقدُ أنكِ مدينةٌ بإجابة سؤالي أيضا… لماذا تراقبينني؟”.
“كأنني مضطرة لمنحكَ أي معلومات!”.
“بل إنكِ ملزمة!”.
قال ذلك بسرعة، و أضاف و هو يعكس الوضع و يباغتها بدفعة قوية للسور ضاغطا على خصرها بسلاحه:
“حياتكِ بين يدي!”.
“و خاصَّتُكَ ليست بمأمن أيضا!”.
أعادت مايڤا الأمور إلى الصفر، و سددت إليه ضربة عنيفة رأسًا لرأس، مسببة لأنفه نزيفًا حادًّا، قبل أن تطيح بمسدسه، و يطيح بمسدسها، و تتحول مسرحية الأسلحة الباردة لنزال بدائي متوحش، ندًّا للند، كان الرجل يدرك أنه ليس أمام امرأة عادية، كانت أشرس مما توقع، و ألعن مما أظهرته عيناها المتحررتان من أي ذعر أو تردد، و لم يؤثر بها فقدان السلاح في شيء، إذ راحت تواجهه بحركات جودو أثارت حيرته و إقتنصت إعجابه في آن واحد، و إتخذت من السيارات المحيطة بهما إكسسوارات مدهشة للقتال معه، تثب من مركبة لأخرى، و تركل صدره و وجهه، و أحيانا ينجح في التصدي لها بساعديه، إلى أن نجح في القبض على إحدى ساقيها و الإطاحة بها، و سرعان ما رمى بنفسه فوقها يثبتها أرضًا، و كي يشتت إنتباهها و يخمد قوتها المجنونة، داهمها بقبلة لم تكن في الحسبان، و لعلها كانت في نظره الحركة المثلى لإخماد جنون امرأة، لكنها لم تكن الخيار الأمثل مع مايڤا بالذات، لأنها قطعتها قبل أن تطول، و إستعانت بكل قوتها لتركله بين ساقيه و تلقيه بعيدًا عن جسدها المنتفض!
2
تكور على نفسه معترفا في أعماقه أن اللعينة عرفت أي نقطة تستهدف، لكن سقوطه لم يدم طويلاً…
شكلت مايڤا حرف إكس بساعديها متأهبة لتلقي أي هجوم من قبله، لكنه ظل يلهث و يزيل الدم النازف من أنفه و حاجبه بكم سترته، ثم تمتم بصوت متقطع:
“إهدئي! هذا يكفي! أنتِ سيئة في التقبيل… لكنكِ مذهلة في الركل!”.
أردفت مكشرة:
“ٱشكر السماء أن ركلتي لم تكن أقوى… و إلا فإنك كنتَ ستصبح سيئًا في أهم شيء بحياتكَ كرجل!”.
4
أيقن أنها ألعن امرأة قابلها، و لاحظ في الوقت نفسه أن قتالهما أخذ أكبر من حجمه، و تسبب في تضييعه لأثر مايلس و روما، نظر حوله بإستياء باحثًا عن مسدسه، لكن مايڤا كانت أسرع كعادتها، وجدت سلاحها الذي فقدته منذ لحظات قبله، و صوبته نحو رأسه مصرة على عدم ترك أي فرصة له كي ينجو بفعلته و يفر نحو أسياده!
“ماذا تفعلين الآن؟”.
“كما ترى… أوجه مسدسًا نحوكَ أيها المهزوم!”.
سألها ثانيةً و هو يستوي واقفًا، و يدس سلاحه بحزامه غير مذعور من الموت:
“و هل ستقبلين بأي نتيجة تترتَّبُ عن هذا؟”.
“أرِني ما عندك!”.
تمتمت بذلك في صوت ثابت، و سلاحها لا يتزحزح عن رأسه، فإبتسم و أشعل سيجارة مفكرًا بهدوء عجيب فيما قالته، ثم ها هو يرمي عقِبَ السيجارة أرضًا و يسحقه، قبل أن يظهر شيئًا آخر من جيب سترته الداخلي، لم يكن ما أراها إياه مسدسًا أو ما شابه، بل… بطاقة عليها شارة لا أحد يجهلها… فتحها بإصبعين و رفعها بإعتزاز و تفوق…
أمعنت النظر بقوة تقرأ الإسم و الرتبة معا: «الرائد… كِيان رافِنوود» … شرطة لاس فيغاس … ولاية نيڤادا!!
5
ظلت صامتة تحافظ على جمود ملامحها، فأشهر البطاقة بشكل جيد أمام عينيها، و قال:
“إذا لم تكفِ بطاقتي… فعندي ما يمكن إضافته!”.
رأت أصفادًا تبرز من حزامه و تصدر بجلجلتها لحنًا باردًا، قبل أن تسمعه يستطرد بجدية كافية لإثارة رعب أي كانت:
“و الآن لنرَ… كم ستبدو الأصفاد جميلة حول رسغيكِ!”.
لم تكن مايڤا من النوع الذي يرتعد لدى رؤية أفراد الشرطة، لذا بدا عليها البرود و اللامبالاة بينما يطبق أصفاده حول معصميها النحيلين، كأنه كان يزينهما بأساور فضية!
“و بأي تهمة تعتقلني؟ محاولة إخصاء رائد شرطة فيغاس؟! لا أظن أن رجولتكَ تسمح بتقييد هذا في أي محضر!”.
أفلتت منه إبتسامة رغمًا عنه و هو ينظر لها بإستغراب و يردف:
“فلنفترض أنني أبقيتُ خبر ركلتكِ بين ساقيَّ لنفسي، لا سبب آخر يمنعني من إعتقالكِ بتهمة حيازة غير مشروعة لهذا المسدس!”.
ردَّت مرة ٱخرى كرجل آلي حفظ الحوار من قبل:
“و لا حتى هذه التهمة متاحة لك، طالما يجيز لي القانون حيازة سلاح مرخص لحماية نفسي و من يهمونني!”.
أرسل نحوها نظرات متشككة، بينما تابعت هي بثقة و هدوء أدهشاه:
“مايرا ڤاندرمان… هذا إسمي… و يمكنكَ التأكد برقم المسدس التسلسلي من أنني مالكته شرعيًّا!”.
شعر كِيان أنه بحاجة لقرص فوار حتى يتخلص من الصداع الذي نابه بسبب إصابة أنفه، أبقى بصره مركزًا عليها بينما يتحقق بالفعل من رقم المسدس، إلتقط له صورة، و أرسلها لأحد مساعديه بعدما أرفقها بجملة مقتضبة:
«تحقق منه!».
و في غضون ثوانٍ، نال الرد، و ثبت أن المدعوة مايرا صادقة في مزاعمها، و أنها بالفعل مالكة المسدس، و بطريقة قانونية و مشروعة!
“لا غبار على رخصة السلاح آنسة ڤاندرمان، لكن هذا لا يعني أنكِ حرة في الذهاب قبل أن أحقق معكِ!”.
“تحقيق؟ ألا ترى أنكَ توسع من نطاق سلطتكَ خارج المركز فوق القدر المطلوب، أنتَ رائد الشرطة… لكنكَ لستَ رائدًا علي!”.
تفاجأ من جرأتها في مخاطبته رغم علمها أنه يستطيع حبسها ليلة على الأقل بتهمة الإساءة لرجل شرطة! لكن بالنظر لبرودها بدا له و كأنها لا تجد أي حرج في قضاء ليلة داخل زنزانة!
“يجوز لي التحقيق معكِ في أي مكان… طالما يتعلق الأمر بشقيقتي الصغرى! و الآن… يكفي جدالاً، و أخبريني ما علاقة فتى السباق بها، و لأي سبب لعين تراقبينهما؟”.
12
إنهمكت مايڤا في أفكارها خاضعة للصمت، و مضت تتساءل بجدية، هل يدرك مايلس في أي خندق سيعلق و تعلق معه الويد بأكملها؟ أم أنه لا يدرك بالأساس أن الفتاة التي يتسكع معها هي شقيقة شرطي…؟ و ليس أي شرطي!
1
أما كِيان فمكث يخيم بنظراته عليها حتى لا تلوذ بالفرار، لكن إتصالاً هامًّا من فريقه شغله عنها لثوانٍ، و و كان ذلك أفدح أخطائه، لأنه ما إن نظر مجددًا للمكان الذي كانت تقف به… كانت مايرا ڤاندرمان… أو مايڤا… قد إختفت!
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
نيڤادا| كوخ الصخور
آنذاك…
3
رأسٌ مفصولة… و أحشاء مجتثَّة… هو كل ما كان دارك يراه، آه… و الدم بالطبع، لم تكن فقط بقعه متناثرة على كل شيء حوله، كان الدم حرفيا… الطلاء الجديد للكوخ، على الكنبة و الكراسي، على الأرضية و الجدران، و حتى حين لمس ألعابه، وجده ينزلِق بغزارة بين أصابعه، لهث بشدة يمسح ذلك الدم المنزلق بثيابه و بالأجزاء النظيفة من الأرضية، يزيله عن كفيه و أصابعه الصغيرة كيفما إتفق، و لهاثه يتصاعد، و وتيرة أنفاسه تصبح أكثر وضوحًا، دون أن يستطيع النطق بحرف واحد، كأنه لسانه كان مُجتثًّا هو الآخر كالأحشاء التي لا يزال بخار حرارتها الخافت يتصاعد منها، أشاح عينيه كارهًا أن ينظر إلى باطن أمه و هو يُقتلعُ و يتمزَّق أمام مرآه، كمم فمه حتى لا يُكتشف مخبأه تحت سرير والديه، و أصغى لمزيد من ضربات الخناجر و المناجل و هي تقتات على جسديهما، الخناجر تطعن و تقطع دون هوادة، و المناجل تحصد أي شيء في طريقها، و أذناه تنقلان له صوتًا يطحن روحه لحظة بعد لحظة، و عيناه لا ترأفان بسنه و براءة روحه، و تصران على أن يرى و بكل جلاء وحشي… أول مجزرة بحياته!
فتح دارك عينيه بحدة متحررا من ذلك الكابوس، و قد عاد لحاضره و صحوه، وجد نفسه يلهث بنفس القوة و الوتيرة… لكن على السرير و ليس أسفله، و لاحظ أنه لم يعد ذلك الطفل المرتعش من هول مشهد رآه ذات ليلة بنفس الغرفة، جسده الآن بات أضخم و غزير الشعر، و ردوده إزاء ما عاشه سابقًا باتت شيئًا يستطيع كتمانه في قرارته، لكن… يخلد إلى النوم، يخرج الأمر عن يده، و تصبح الذكريات العابقة برائحة الدم… أكثر فتكًا و سيطرة!
فرك جبينه بتعب، كأنه قضى نصف عمره في الركض نحو اللا شيء، لكن كل شيء تلاشى من عقله و تبخر دون رجعة حين شعر بثقل على جانب من صدره، تذكر أن رهينته إنتهى بها المطاف بعد ذلك الحمام في غرفته… على فراشه… و تفترش بدل الوسادة صدره، لكن ليس ذلك ما جعله يجحظ و يلعن العالم بأسره، بل ما لمحه حين نهض ليدخن سيجارة قرب النافذة، كانت هناك بقعة دم هائلة تحتهما…!
6
“ما الذي يجري بحق الجحيم؟!”.
حركها يمينًا و يسارًا يجري فحصا دقيقًا كي يحدد مأتى تلك الدماء، ثم أطلق وابلاً من اللعنات و الشتائم و هو يذرع الغرفة، و يود لو يناطح الجدران ريثما يفهم نفسه، و يجد مخرجًا من ذلك الوضع الذي لا يُحسَد عليه، هل من الضروري أن يحدث هذا الآن؟ و لماذا لم يحدث منذ أشهر؟ لماذا عليه أن يكون في مواجهة مع شيء كهذا؟ و لماذا رؤية دمها تحديدًا يثير جنونه إلى هذا الحد؟ الأمر لا يتعلق بذكرى إنزلاق الدم بين أصابعه و هو طفل، و لا يتعلق بملاءات سريره التي تلطخت بشكل سيء الآن، الأمر أكبر من ذلك بكثير!
1
قرر أن يستعجل، لا جدوى من هذه الأفكار الآن، إما أن يتصرف حسب ما تقتضيه اللحظة… أو يجلس في الزاوية و يدخن بينما تنزف روكسان حتى آخر قطرة من دمها!
3
في ذلك الوقت كانت مايڤا تمدح نفسها على تخلصها الذكي من الشرطي، قادت سيارتها الرياضية السريعة نحو الأماكن التي يرتادها مايلس للإستمتاع بمواعيده الغرامية مع الفاتنات… لكن محاولاتها للعثور عليه هو و فتاته الجديدة خابت، و ها هي بعد ذلك تقرر العودة إلى المقر، حيث يمكنها أن تناقش ما حدث مع زملائها، و سيكون من حسن حظها لو عثرت على إدريك هناك، لأنه الوحيد الذي يجيد التصرف إزاء حوادث كهذه، و لا أحد سواه يستطيع إيجاد دارك و مايلس ما إن يختفيان!
كأن دارك كان يقرأ أفكارها، فقد ظهر رقمه آنذاك على شاشة هاتفها، و لأن دارك نفسه هو المتصل، فهذا يعني أن أمرًا خطيرًا يُحاك، و عليها الرد دون مماطلة، فلن يتصل بكَ سفاح عندك منتصف الليل كي يطمئن أو يعرف أخبارك، الأمر دائما خطير بين أفراد الويد، هؤلاء لا يستعملون الهواتف إلا لتناقل أوامر التصفية، أو ليتباركوا برائحة الموت!
5
“مايڤا على الخط!”.
“أريدُ شيئًا منكِ… و على الفور!”.
أصغت مايڤا إلى كلماته بحرص معتقدة أن ذخيرته نفذت أو ما شابه، و كاد يُغمى عليها بعد ذلك من هول الصدمة!
17
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈┈
نيڤادا|كوخ الصخور…
صباح اليوم التالي
شعرت روكسان بثقل يتكوم أسفل بطنها، و بألم رهيب يمزق ما دون أحشائها، صدر عنها أنين مكتوم، و عبثًا حاولت رفع جسدها، يبدو أنها لن تشفى من ذلك العياء إلا بعد مضي وقت طويل، لكن… ما سبب هذا الألم الذي يستوحشُ داخلها مع كل حركة؟
1
زفرت بقوة تناضل لمد يديها و بلوغ أعمدة السرير حتى تساعدها على النهوض، لكنها تجمدت حين أدركت أن ما يجثم فوقها ليس ثقلاً وهميًّا ناجمًا عن المرض، بل هو إنسان!
تمكنت مرعوبة من رفع نصفها العلوي عن الوسادة، و بدأت تتلمَّس الشخص الثقيل الذي يستلقي فوقها، كان أول شيء لمسته منه هو شعره، لم تكن خصلاته طويلة، لكن ملمسها كان ناعمًا و مريحًا، إنتقلت لجبينه، و لم يكن بها أية خطوط، مما يعني أنه لا يزال شابًّا، و لم تكن هناك عقدة بين حاجبيه، و هذا يدل على إسترخائه التام، أدركت روكسان أن من ينام فوقها محتضنًا بطنها بتلك القوة ليس سوى… دارك ريغان، لأنها حين نقلت أصابعها المستكشفة إلى بقية تقاطيع وجهه تعرفت عليه سريعًا، سبق و مررت أصابعها على نفس الوجه، فحفظت شكل أنفه المستقيم، و محجري عينيه الضيقين، و حدة فكيه البارزتين، و قسوة شفتيه الآثمتين! إصطدمت أصابعها بأنفاسه الحارة، تتدفق ببطء و إنتظام، إستهجنت بجنون كيف ينام مستمرئا جسدها هكذا، قاومت الآلام التي إعتصرتها، و مضت تهزُّ كتفيه القويتين مزمجرة بصوت ضعيف:
“ما الذي تفعله فوقي يا عديم الشرف؟ إنهض! ألا تسمع؟ تحرَّك! أنتَ يا كومة التخلُّف! إنهض عني أيها الآثم المُتهَتِّك!”.
14
فتح دارك عينيه ببطء شديد، كأنه نام الدهر، رفع رأسه فقط، مسندًا ذقنه على سرَّتها التي بانت بسبب إرتفاع جزء من القميص، ثم عكف على النظر إلى وجهها و ٱنوثة جسدها من تحت جفنيه الناعسين، كانت تبدو كوردة متفتحة وسط أحراش شوكية، سواد ملاءات سريره و جدران غرفته الرمادية لم يناسبا إحمرار وجنتيها و بريق شعرها الحريري و رقة بشرتها الفاتحة، لكن منظرها و هي تستلقي بكل فتنة و غضب بين جسده و فراشه… راق له!
1
أبى أن يتحرك قيد أنملة، فجزَّت أسنانها، و غرزت أظافرها بلحم كتفيه مطلقة صرخة متقطعة:
“إنهض عني… و ٱخرج من هنا حالاً!”.
أردف دارك و هو لا يزال على نفس الوضعية:
“عظيم! توجهين لي الأوامر و أنتِ داخل حدودي!”.
1
لم تركز روكسان فيما نطق به، و ركزت فحسب في فكرة التخلص منه، لذا إستندت على السرير بمرفقيها، و زمجرت:
“أيًّا يكن… إنهض عني! لا بُدَّ أنكَ تزِنُ أطنانًا، أشعر أنكَ سحقت نصف جسدي!”.
لو أن شخصًا آخر حدثه بتلك اللهجة، لكان ذاك يوم تشييع جثمانه، لكنه لم يفعل شيئًا إزاء ما قالته، لأنها هي التي قالته، ذلك غريب، و لعل الغرابة هي أكثر ما يطابق حياة رجل مثله، في العادة يستيقظ دارك ريغان متجهمًا، يركل الأشياء و يشتم الفراغ من حوله دون سبب، يفتتحُ يومه بتفجير مكان ما، أو ترك رصاصه داخل جسد أحدهم، أما اليوم… أو بالأحرى… مُذ وضع يديه على رهينته روكسان… بات يستيقظ بشكل مختلف، يركل كل شيء يقف بينهما، يشتم أي فراغ لا يشمل وجودها في مسرح نظره بسبب و دون سبب، يفتتحُ يومه بتفجير رغباته الدفينة و إسقاطها على شفتيها، أو ترك لعابه و آثار أسنانه على أجزاء متفرقة من جسدها!
“لستُ أنا من يزنُ أطنانًا… بل أنتِ التي لا تزنُ مثقال ذرَّة!”.
قال ذلك، ثم فكر أنها إزدادت نحولاً و ضمُر وجهها مؤخرًا بسبب سوء التغذية، اللعنة! إنها لا تستسيغ طعم الحساء، و هو مُدركٌ أنه يصنع قرفًا بامتياز و يطلق عليه إسم الحساء، لكن… لا سبيل غيره لتقتات و تستعيد عافيتها، لا سيما تحت هكذا ظرف! حسنا، ربما هناك سبيل!
1

تحرك رافعًا جسده عنها، فتنفست ببطء تتحسَّسُ بطنها و فخذيها المخدَّرين من كثرة استلقائه عليهما، ثم تمتمت ساخطة تودُّ لو تنقب الظلام فتبصر تعابير وجهه آنذاك:
“لا أتصوَّرُ أنك بحاجة لأسلحة نارية كي تقتل، يكفي أن ترمي بنفسكَ فوق ضحيتك و ينتهي الأمر!”.
14
لم يعرف ما إذا كانت تنتقده أو تحاول صنع فكاهة لتناسي الألم الذي مضى يستفحل داخلها و يمضغ تقاطيع وجهها، لكنه أدرك شيئًا واحدًا… و بقوة، روكسان لا تعي في أي حال هي، أو لعلها لم تنتبه بعد للأمر، لذا حرر لسانه من جموده، و عقَّب ببرود:
“ليلة أمس… كنتِ تنزفين!”.
رفعت رأسها باتجاه صوته مستفهمة، فتابع بصوت أكثر برودًا:
“…نزيف حاد… هذا هو سبب الألم الرئيس!”.
1
بتفكير بديهي متسرع… و متوقع… ربطت روكسان كلمة النزيف بوحشية خاطفها عديم الضمير، و لم يكن أمام عقلها آنذاك سوى التصديق جزمًا أنه إستغل فقدانها للوعي، و إفتكَّ منها عِفَّة جسدها التي حافظت عليها لسنوات! لا سبب آخر لتدفق ذلك الكم الهائل من الدماء! هكذا فكرت و هي تنتفض فوق السرير بعصبية، إنتابها الجنون بحق، نشرت ذراعيها حولها تحركهما عشوائيًّا، فحلت فوضى عارمة ببعض الأغراض المتزمتة التي يؤثث بها دارك منضدتي السرير الجانبيتين في غرفته، إطار صورة مجهولة، زجاجات عطر، قنينة مشروب منتصفة، ساعة يده المنزوعة، و علبة سجائره الفارغة تقرييا، باتت كل تلك الأشياء على الأرضية، نقل دارك بصره بينها دونما تأثر، حتى تعثرت نظراته بالإطار الذي تهشم زجاجه و تناثر في أمواج من الشظايا، و بإحدى زجاجات العطر التي تدحرجت حتى إرتطمت بواحدة من أرجل الخزانة!
إستحال برود دارك هياجًا، فدفع كتفيها بقبضتيه لتستلقي مجددا على الفراش، و تكف عن هرجها و مرجها بين جدرانه، كان من الجلي أنها عبثت في غمرة إنكسارها بأغراض محرم لمسها، أنفاسه المتسارعة قرب وجهها أكدت ذلك، و صوته الأجش الذي إنطلق من حلقه كحشرجة مركبة عنيفة أثبت أنها حركت رمادًا قديمًا داخله، و أيقظت لعنة كان يجب أن تظل نائمة!
“كفى! أنا بحاجة لقهوة و سيجارة… و ليس لصراخِك!”.
إستمرت في تخبطها و صراخها تحت جسده، فثبتها بقوة أكبر، و أضاف و هو في قمة غضبه:
“لا أظنُّنِي قادرٌ على لمس امرأة حائض، هذا مستوى من القذارة لم أبلغه بعد… و لا أنوي بلوغه!”.
3
خمدت حركاتها دفعة واحدة، و لم تعد صيحاتها مسموعة، و لا أطرافها تصطكُّ بأطرافه، بحثت عن معنى لعبارته في عقلها، و شعرت أن حبيبات عرق تنزلق من جبينها إثر الجهد الذي بذلته في محاولة ركله و التحرر من قبضته، حائض؟! هذا غير معقول! كيف لذلك أن يستوي؟ إتهمته بالكذب، بتزييف الحقيقة!
“هذا مستحيل! أنا لم أحِض مُذ كنتُ في الثامنة عشر! و لم تعد لدي حظوظ في عيش دورتي بشكل طبيعي لسبب أجهله!”.
8
لم يبعد يديه عنها، صمتٌ رهيبٌ هو كل ما صدر من جانبه، أما هي فسافرت بذاكرتها لليوم المشؤوم الذي علمت فيه أنها موعودة بمستقبل أسود، لا حيض، لا أمومة، و ربما لا زواج أيضا، عانت من ذلك الكابوس لسنتين كاملتين، إنتظرت لأكثر من سبعمائة يوم دون جدوى! و الآن… يأتي هذا المسخ النذل الذي جردها من أمانها و شرفها ليقول ببساطة أن أمنيتها تحققت! إمتلأت عيناها بالدموع، و صرخت بفم مرتعش:
“أنتَ تواري فعلتكَ الحقيرة لا غير! لا يمكن أن أحيض أبدًا!”.
نهض عنها مكشِّرًا و قد ضجر من ذلك الحوار الذي يخوضه للمرة الأولى بحياته، ثم ردَّ في لهجة سافرة:
“إتَّضحَ أنكِ كذلك بعد ما اضطررتُ لتنظيفه من بين فخذيكِ!”.
18
غرقت في صدمة عنيفة، تحاول فض شرنقة أفكارها المتداخلة، و الخروج لساحة المنطق بفكرة معقولة، أيعقلُ أنه يقول الحق؟ ألهذا كان ينام فوق بطنها… فقط يكي يمنحها دفئا يخفف وطأة الآلام برحمها؟!
“هناك فُوَطٌ صحية في أول درج على اليمين، لا أعرف ما إذا كان حجمها مناسبًا لكِ، و لا متى يتعينُ عليكِ تغييرُ كل فوطة بٱخرى، لكن… تصرفي بنفسكِ في ذلك، لأنني أمقتُ رائحة دمِك!”.
7
تذكر حضور مايڤا محملة بعدد كبير من تلك الأشياء التي لم يكن يتوقع أنها ستدخل بيته يوما ما، و عرف أن من القاسي ترك ذلك لها و هي عاجزة تقريبًا عن مغادرة السرير بنفسها، لكنه قرر عدم النظر لدمائها مرة ٱخرى، هو لم يتقزز لأنها لوثت ملاءات سريره و اضطر لتغييرها بعد منتصف الليل، بل أغضبته فكرة نزيفها بحد ذاتها، أقنع نفسه أنه غاضب لأنه أراد أن يكون هو المتسبب الوحيد في إنزلاق دماء على فخذيها، و تجاهل أي فكرة ٱخرى تأخذه إلى هوة أعمق من الكر و الفر بينه و بين لعنته!
2
أبقى عينيه قيد وجهها الشاحب، بدا له أنها تصارع لتستوعب شيئًا ما، فإستأنف قوله دونما نبرة واضحة و هو يلملم الفوضى التي سببتها:
“من المرجَّح أن إدريك حقنكِ بأدوية قوية أعادت دورتكِ الشهرية لنظامها الطبيعي!”.
تجلى عليها مزيج من التعب و عدم الفهم و هي تسأله بشكل سرابي:
“من يكون إدريك؟”.
لم يكن دارك بحاجة لكل ذلك الوقت، لكنه ترك فاصلاً طويلاً من الصمت قبل أن يجيبها، كأن إدريك أكبر من أي كلمة يمكن أن تصفه!
“طبيب!”.
كادت تصدق أنه تراجع عن فكرة إيذائها و هي تسمع ذلك، لكن أملها خاب، و قلبها إنكسر لملايين القطع مرة ٱخرى، بالطبع! سيتكبد عناء جلب طبيب لها كي تستعيد نفسها… و تختبر كل قطرة من كأس المرارة الذي سيذيقها إياها! لن يكون إنتقامه بتلك اللذة التي خطط لها إن لم تكن الرهينة في جاهزية تامة للشعور بكل ذرة من الإنتقام!
تنهدت بخفوت، و إنتقلت لفكرة ٱخرى، أيًّا كان إدريك هذا، و أيا كان ما حقنها به، فهي شاكرة و راضية، و ربما ستمتنُّ له حتى آخر نفس، لأنه حول كابوسها لحلم مرة ٱخرى، و أعاد قطعة تائهة منها لمكانها الصحيح!
لم يبتعد دارك كثيرًا عن السرير و هو يتابع بصوت باهت:
“كنتُ قادرًا على أخذِ جسدكِ داخل السيارة التي إختطفتكِ بها، كنتُ و لا أزالُ قادرًا على أخذكِ بألعن الطرُق يا روكسان، لكنني لم أفعل، و طوال الليلة الفارطة كنتِ على سريري… تحتَ جسدي… و مثاليةً تماما لتصبحي ضريبة داجيو لقاء آثامه، لكنني أبيتُ إسترخاص جهودي، في النهاية… أنا لم أتكبَّد كل هذا من أجل مضاجعتكِ و أنتِ صريعة، سأتركُ إستمتاعي بذلك لفرص أفضل!”.
1
إرتجف كل ما بها مفكرة أنها الأسعد و الأتعس الآن، فلتنظر إلى نعمة الأقدار التي رحمتها و منحتها بصيصًا من الأمل كي تصبح أمًّا يوما ما، و لتنظر أيضا إلى مكانها، إلى جلادها الذي يحوم فوق رأسها متحيِّنًا فرصة سانحة لينقضَّ على خناقها و يكتب نهاية الحلم بدم بارد!
للحظات طويلة تلت ذلك المشهد… بقيا هادئين، خضعت روكسان نوعا ما لسلطانه، ليس ضعفا من جانبها، و لا إستسلاما لتفوقه جسديا عليها، بل لكونها لا تريد فعل شيء سوى التفكير بعمق فيما حدث! كان كل ما ترغب به هو الجلوس و الإبتسام إلى ما لا نهاية… لأنها حائض!
4
أما دارك فظل خارج الصورة، كظل رمادي لا يمتُّ بأدنى صلة للوحة البهجة التي تجلس في قلبها روكسان، افترسته تلك الفكرة، فقرر أن يفرض نفسه على خيالها، و يتسلل إليها عبر منفذ ما، ليفهم أبعاد السعادة الحمقاء التي تكلل وجهها، حينما كان يفترض بها أن تجهش بكاءً و توسُّلاً لأنها لا تزال ملكه و تحت رحمته!
“لأجل أي لعنة تبتسمين؟”.
أفاقت من شرودها مجفلة من صوته الشبيه بزعيق الوحوش في البراري، لكنها لم تتخلَّ عن إبتسامتها الطليقة، بل زادت من وسعها، فتألق بها وجهها و هي تجيبه بصوت يقطر ٱنوثة و صراحة:
“لستُ على شاكلتكَ حتى أبتسم للعنات!”.
ضاقت عيناه، و بما أنها لا تبصر التغيرات التي تطرأ على وجهه و ردوده، فقد إستمرت في كلماتها غير محاذرة إغضابه:
” الأمر البسيط الذي يحدثُ لإنسانة مثلي و يدفعني للإبتسام… يفوق إدراك المسوخ، في النهاية… سفاح من طينتك لن يعرف حتى كيف يبتسم كإنسان!”.
لم يخطئ حين لقبها بمصيبته، فهي كذلك بالفعل، لا سيما إذا أطلقت العنان لجرأتها و لسانها معا، فإنها قادرة على إضرام النار في أعصابه دون فتيل، لكن دارك لم يسعفها هذه المرة، و حرمها فرصة الإنتصار عليه بالكلمات، فقد إكتشف مؤخرًا أنها تخرس و تفقد شيئًا من تركيزها على النيل منه حين يلغي المسافة بينهما، و حين تبلغها حرارة جسده، و تصبح شفاهها موطئًا لقسوة فمه الذي يخلف الألم أينما مر!
فاجأها إقترابه، و شلت أنفاسه المتتابعة قرب وجهها أي فكرة كانت تنمو و تتشكل بعقلها، شعرت أنه قد بدأ بإلتهام كل تفصيل في ثغرها دون مقدمات، لكنه لم يحصر نفسه هناك، بل نشر قسوته في نطاق أوسع، و تركَ بقعًا حمراء على رقبتها و أسفل أذنها، أراد الوصول لنشوة ما داخلها، و ما إن بدأت روكسان تغمض عينيها، حتى راقه أن يكسر تلك النشوة و يقتلها بمهدها قبل أن تثور ضده، غير أنه ثار ضد نفسه حين أيقن أن روكسان لم تستسلم له بل للنعاس، كان سينهض عنها و يبحث عن شيء ما لكسره بدل نشوتها الوهمية، لكنه أبى النهوض عندما إسترخت نظراته فوق جفنيها، و تحرر صوته رغما عنه… في غمغمة مبحوحة:
2
“لا أعلم من السفاح بيننا… أنا أم عيناكِ؟”.
16
تمكن أخيرًا من رفع نفسه عن جسدها، لكنه لم يسـِر خارج الغرفة كما رغب، و إنما وقف لوهلة بكل شموخ عند رأسها يتأمل الآثار الحميمة التي تركها على رقبتها، و لو أن كلمة عنيفة أدق وصفًا لما أنزله بذلك الجزء من جسدها، لكن… اللعنة! كل ما بها غضٌّ… بشكل يتضاد مع قسوة فمه! أم حريٌّ به تسمية تلك القسوة جوعًا يرفض الإعتراف به!
خرج يطرد نفسه من هناك كأنها ليست غرفته، و في ذات الوقت صفق الباب كما لو أنها ليست نائمة و بحاجة للراحة، إستفزه بشكل مميت أنها نجت منه بسهولة و إستسلمت للغطيط بدل الإستسلام لنرجسيته، لكن الرسالة التي إهتز على إثرها هاتفه في تلك الأثناء، أنسته غطيط روكسان و نقلته إلى مستوى مخيف من الغضب، و دفعته إلى العودة لغرفته، لكن ليس لإستئناف تقبيل مصيبته، بل لفتح خزانته و إرتداء سترته السوداء، بنطاله الداكن، و حذائه الصلب، إنها بزَّة الموت التي يتزين بها عادة حين يتلقى أمرًا بالقتل، لكنه المرة الآمر و المنفذ! حمل معه بدل المسدس شفرة حلاقته الحادة، تأكد من أنه وضع دورق القهوة و فنجانا مع حبة مسكن قرب روكسان في حال تعرضت لموجة أعنف من الألم بغيابه، ثم أوصد الأبواب و النوافذ بشكل محكم، و إتجه صوب السيارة بينما يمناه تستخرج الهاتف ليعيد قراءة الرسالة للمرة الثانية:
«عثرتُ على المنزل… و هذا عنوانه و إحداثيات موقعه، أنا واثقٌ أن المدعوة مارغو لم تغادره بعد، لأنها عادت إليه في وقت متأخر ليلة البارحة… و كانت مخمورة!”.
1
أعاد دارك الهاتف لجيب السترة، و ركب سيارته مشددا قبضتيه على عجلة القيادة، ثم دعس دواسة البنزين، و كل ما يضخ في صدغيه هو نبض الرغبة بالسحق، و كل ما تصرخ به دماءه الفائرة هو الجلوس فوق قبر تلك المرأة و هو يدخن آخر سيجارة بعلبته، لعل ذلك يرضي أسفًا صغيرًا داخله تجاه ما فعلته مارغو اللعينة بروكسان، لكن هل سيبقى ذلك الأسف صغيرًا؟

 

 

0 0 votes
Article Rating
____

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x