رواية نبضات لا تعرف المستحيل الفصل الخامس 5 بقلم أميرة أحمد - The Last Line
روايات

رواية نبضات لا تعرف المستحيل الفصل الخامس 5 بقلم أميرة أحمد

رواية نبضات لا تعرف المستحيل الفصل الخامس 5 بقلم أميرة أحمد

 

 

البارت الخامس

 

 

الفصل الخامس:

في الصباح……..جلس الأصدقاء لتناول وجبة الإفطار معا…. جلسا جميعا على طاولة كبيرة… الطاولة في حالة من الفوضى… اطباق موضوعة بشكل عشوائي… أكواب من القهوة وأخري من العصير… هواتف على الطاولة بجانبهم، البعض يعبث في هاتفه… والبعض الأخر يتثاءب في كسل….اصوات احاديث جانبية و ضحكات….. بينما جلست حياة علي طرف الطاولة بجوار يوسف، بين الحين والأخر تقع عيناها علي فارس الذي يجلس في الطاولة المقابلة لهما مع بعض من اصدقائه الأطباء… يحتسي قهوته وهو يتحدث معهم، تتلاقي عيناه مع حياة فيبتسم لها في هدوء…. حتي قام من مكانه و توجه إليها و هو يحمل كوب قهوة في يده… وقف إلي جوارهم: صباح الخير.

ابتسم يوسف ما ان انتبه لوجوده: صباح الخير يا دكتور…. ثم عاود الحديث مع لارا مرة أخري.

مال فارس علي أذن حياة: شايفك عمالة تقلبي في القهوة بتاعتك… مش عجباكي؟

ابتسمت له: انا بحب نوع معين في القهوة… فانا بشرب دي بس علشان افوق… بس انا شايفاك مأكلتش حاجة يا دكتور.

همس بابتسامة: انا مبفطرش… القهوة بس.

عقدت حاجبيها: بس ده غلط.

رفع كتفه في إشارة لعدم الاكتراث: اتعودت على كده.

قالت بمشاكسة وهي تمزح: محتاج تغير من عاداتك يا دكتور.

نظر لها والابتسامة مرسومة علي وجهه و عيناه الزرقاء كموج البحر معلقة بعيناها: انتي عارفة ان دي اول مرة حد ياخد باله أني مش بافطر و يفرق معاه.

توترت من نظراته وعينيه المعلقة بها، حاولت ان تحيد بنظرها عنه، لكن هيهات لها ان تستطيع ان تهرب من تلك النظرات التي تقتحم انوثتها، لم تسعفها كلماتها فتخرج من حلقها، بل اكتفت بابتسامة خجولة أطلقتها شفتاها

شعر يوسف بالتوتر الملحوظ بينها… الذي لا تخطئه عين، لاسيما عين عاشق يعرف جيدا توتر الحب في مراحله الأولي، فوجه كلامه لفارس كاسرا الصمت بينهما: هو المؤتمر بتاعك هيخلص امتي يا دكتور؟

ابتسم له فارس: كمان ساعتين بالظبط يا بشمهندس.

تغيرت ملامح حياة، وظهر الضيق واضح علي وجهها، لكنها ابتلعت ريقها، و حاولت ان تتظاهر بعدم الاهتمام و هي تنظر في هاتفها، بينما أردف يوسف: يعني هتسافر النهاردة؟

هتف له فارس: لأ…. هامشي أخر الأسبوع… بصراحة لقيتها فرصة كويسة أخد إجازة بعيد عن الدوشة.

كان يتلو فارس كلماته و هو يلاحظ تعابير وجه حياة و الابتسامة التي ارتسمت على وجهها بمجرد ان عرفت انه لن يسافر اليوم… شعر بوخزة حلوة في قلبه، وكأن قلبه زادت دقاته، أختل توازن قلبه و تغيرت دقاته منذ أن وقعت عيناه عليها، تسائل كيف تعبث بقلبه فقط بابتسامة منها و هو طبيب القلوب، يعجز ان يجد علاج لقلبه من ابتسامته، او ربما لا يرغب في ان يعالج تلك الرجفة في قلبه.

انتشله يوسف من شروده و هو يهتف: ايه يا فارس؟ بقولك هتيجي معانا النهاردة رحلة اليخت؟ بما إنك إجازة فا قضيها معانا بقي بدل ما تبقي قاعد لوحدك..

ابتسم له فارس: ماشي موافق… بس انا مش عاوز بس ابقي تقيل علي اصحابك.

هتف له مالك: لأ يا دكتور.. احنا مبسوطين بوجودك معانا.

هتف فارس ببشاشة: خلاص لو كده اشوفكوا بعد ساعتين ان شاء الله…. نظر إلي عيني حياة و هو يقول: انا مضطر أمشي دلوقتي علشان ألحق المؤتمر، هاخلص و اقابلكوا.

ابتسم يوسف: هتلاقينا قاعدين علي البحر.

بينما هتفت جميلة إلي حنين: في ايه يا حنين… بتصحي كل شوية بالليل مخضوضة… في ايه؟

قالت حنين في قلق: مش عارفة يا جميلة…. كابوس باشوفه كل يوم بقالي فترة… نفس الكابوس بيتكرر….. باشوف حد بيخنقني بس مش عارفة مين.

ربتت جميلة علي ظهر حنين: اعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. ابقي اقري قران قبل ما تنامي.

هتفت حنين: بانام وانا متوضية و باقرأ قرآن قبل ما انام و برضه باحلم بنفس الكابوس…. تنهدت حنين.. نفسي مرة انام من غير ما احلم بالكابوس ده.

—————-

دخلت نور علي زياد في الشرفة تحمل كوبان من القهوة، وضعتهم على المنضدة … جلست أمامه بعد ان ناولته فنجان القهوة الخاص به، و صوت أم كلثوم ينبعث من المذياع بداخل الغرفة، هتفت له نور بابتسامة: انت هتتأخر علي شغلك يا زياد.

ابتسم لها بدوره، لازالت تلك العادة تسيطر عليه بعد مرور ما يقرب من 40 عاما علي معرفتهم لكنه لايزال يبتسم كلما وقعت عينيه عليها، حتي في أشد لحظات غضبه منها لم يستطع ان يمنع نفسه من ان يبتسم لها بمجرد وقوع نظره عليها: انا إجازة لحد اما الأولاد يرجعوا يا حبيبتي…. مش هاسيبك تقعدي لوحدك.

هتفت في قلق: زياد انت عمرك ما بتحب تاخد إجازة طويلة من شغلك؟ في ايه؟

لازالت ابتسامته مرسومة على وجهه: اعتبرينا هناخد أسبوع عسل من غير الأولاد.

احمرت وجنتاها: عسل ايه بس يا زياد؟

لمعت عيناه: ألبسي وهننزل نفطر بره.. انا و أنتي زي أيام زمان.

ابتسمت له في حنان: بس يا زياد….

قاطعها بحزم و هو يمسك يدها و يجذبها إلي الداخل لتستعد للخروج: من غير بس… يلا اجهزي.. من حقنا ناخد يومين لنفسنا من غير الولاد.

و في إحدي المطاعم علي ضفاف النيل، جلس زياد إلي جوار نور و أمسك بيديها و أخذ يدندن: سنين و مرت زي الثواني في حبك أنت… و ان كنت اقدر أحب تاني، هاحبك أنت.

اتسعت ابتسامة نور، لايزال زياد قادرا علي ان يبعث تلك الرجفة في قلبها حتي بعد مرور أعواما كثيره معا..

همس لها زياد: انتي عارفة اني محبتش في حياتي حد غيرك؟

اومأت رأسها في إيجاب، ثم تغيرت ملامحها للغضب وهمست بضعف: بس اتجوزت واحدة غيري.

خفتت ابتسامته: مش هتسامحيني ابدا يا نور؟

همست: الوجع على قد الحب يا زياد.

اقترب من اذنيها وهمس: ومفيش حاجة في السنين اللي فاتت تغفرلي ابدا؟

ابتسمت و علامات الألم ترتسم علي وجهها رغم الابتسامة: نظرت عينك دي يا حبيبي كانت كفاية اني اغفرلك..

ضغط علي يديها بقوة و قال بحزم: انا عايزك تنسي اللي فات و تبقي متأكده اني محبتش و لا هاحب غيرك.

ابتسمت وقد لانت ملامحها: انا عارفة وعمري ما حبيت غيرك.

هتف بجدية: نور… انا وافقت ان يوسف يخطب البنت اللي بيحبها…. و عايزك تعرفي ان انا وافقت بس علشان مصلحة ابننا… انا مش عايز الولد يخرج عن طوعي او يعمل حاجة ضد رغبتي… طالما اللي بيطلبه مش حاجة عيب و لا حرام يبقي ظلم اني ارفض.

عبست ملامحها وترقرقت دمعه في عينيها، اشاحت بوجهها عنه و همست بصوت مختنق: انا عايزة اروح يا زياد.

احتدت ملامحه أكثر: ده قرار يا نور ومش هيقبل أي نقاش.

فرت دمعة هاربة من عينيها المتجمدتين وهمست: مش انت أخدت قرارك…. روحني البيت من فضلك…… وقفت وسحبت حقيبة يدها بيد مرتعشة، جذبها من يدها لتجلس مرة أخري ولازالت ملامحه في جمود وهمس من بين اسنانه: انتي هتفرجي الناس علينا بعد العمر ده كله، اقعدي يا نور و خلينا نتكلم.

جلست في صمت وقد اشاحت بوجهها عنه تتطلع إلى مياه النيل المتلألئة تحت أشعة الشمس… حاوطها بذراعه ممسكا بكتفها في قوة: كفاية دلع عليا يا نور…. مش هادلعك في سبيل مصلحة أبننا…. انتي عارفة و متأكده ان سارة بنت خالتي و بس…. وعلاقتي بيها مش أكتر من كده، و انا نسيت الماضي و هي كمان…. صمت قليلا ثم همس بحب: انا كنت فاكر إنك متأكده اني مفيش في الدنيا دي كلها حد حبيته قدك.

انهمرت دموعها وقالت بصوت بالكاد مسموع: يعني هي تاخد مني حبيبي، وبنتها تاخد مني أبني.

ابتسم زياد وهو يجذبها أكثر إلي حضنه: محدش قدر ياخد حبيبك منك، ولف و رجعلك برضه…. وابنك اللي هياخد بنتها منها.

مالت واضعه رأسها علي كتفه، مد يده ليمسح دموعها و هو يهمس: سارة انسانة طيبة جدا، انتي لو عرفتيها هتبقوا أصحاب… انا مش طالب منك غير أنك تدي الولاد فرصة… يوسف فعلا بيحب البنت.

لم تعقب علي كلماته، ربت علي وجنتيها في حنان: لو بتثقي فيا متخليش غيرتك تعميكي عن مصلحة أبنك…. ولو علي سارة فا هي الوحيدة اللي اتظلمت في كل اللي حصل….

رفعت حاجبها وهتفت في ضيق وهي لاتزال مسندة برأسها علي كتفيه: صعبانه عليك أوي.

ضحك زياد حتى دمعت عيناه: يعني أعمل ايه اكتر من كده علشان اثبتلك أني مش بحبها و بحبك أنتي…. انتي بتغيري عليا بعد العمر ده كله، انا كبرت خلاص يا نور مبقيتش زي زمان.

ابتسمت وهي تدفن رأسها في صدره: انت في عيني يا زياد أحلي راجل في الدنيا، انا مشفتش في حياتي راجل غيرك…واظن من حقي ادافع عن اللي يخصني.

همس لها: دافعي براحتك… بس لما يكون في تهديد أصلا.

نظر زياد فيما حوله، ثم نظر لها: قومي نروح بيتنا أحسن… الناس بتبص علينا وأكيد في دماغهم مليون سيناريو عن علاقتنا غير اننا متجوزين.

ضحكت نور بخجل واحمرت وجنتاها: تفتكر بيقولوا علينا ايه؟

همس و هو يضع قبلة علي خدها: بيقولوا اتنين مجانين.

وقفت تلملم اشياؤها في ضيق: هو ده اللي أسبوع عسل و هتفسحني.

غمز لها زياد بابتسامة خبيثة: العسل في البيت يا حبيبتي…. ولو على الفسح، بكرة نروح المكان اللي انتي تختاريه، مش هينفع نخرج و انتي بتعيطي كده.

ابتسمت وهي تتأبط ذراعه: اه …كانت خروجه لهدف يعني.

نظر لها بتمعن وهو يرفع حاجبه: وحققت الهدف منها؟

ضحكت وهي تلف يدها الأخرى حول ذراعه: تقريبا كده.

————————————————

صعد الجميع إلى سطح اليخت…. وقف يوسف يتأكد من ان الجميع قد صعدوا قبل أن يتحرك اليخت في الماء، بينما أنس قد انشغل بالاتفاق مع أحد العاملين لجلب أغراض الغطس لهم، والتأكد ان معهم ما يحتاجون ويكفيهم من طعام وشراب.

وقف فارس يتأمل المياه الصافية من حوله، وهو يترقب حياة بطرف عينيه من بعيد و هي تضحك مع ليلي.. ظل واقفا في شرود حتى ابتعدت ليلي تستعد لترتدي ملابس الغطس فاقترب فارس من حياة وهمس: الاوتيل مديني دعوة النهاردة علي العشا في المطعم الأيطالي… تيجي معايا؟

نظرت حياة إليه وحركت رأسها في عدم فهم، فأردف: تتعشي معايا النهاردة؟ قالها بنبرة حاول ان تبدو واثقة لكن قلبه كان يرتجف لها.

همست حياة في تردد وقد احمرت وجنتيها خجلا و نظرت إلي الأرض: لوحدنا؟

نظر لها بعينين واثقة واقترب منها و همس: اه لوحدنا.

ارتعش صوتها أكتر و هي تهمس: أ… أنا… أنا لازم استأذن بابا.

اتسعت ابتسامته و اخرج هاتفه من جيبه و ابتعد عنها قليلا يجري مكالمة هاتفية، كانت تنظر إليه تكاد لا تصدق ما يحدث حولها و قلبها يرتجف بين جنباتها من السعادة.، لحظات و عاد إليها من جديد و قد اتسعت ابتسامته و ظهرت غمازته و تلألأت عينيه التي انعكس فيهما لون البحر و قال بصوت واثق: انا استأذنت اونكل زياد و هو موافق.

اتسعت عيني حياة، لا تصدق كلماته لكنها همست: ازاي؟ استحالة بابا يكون وافق.

رفع حاجبه في ثقة: لو مش مصدقاني اتصلي بيه.

همست بتوتر وهي تعبث بطرف ثوبها: مصدقاك…. بس … انا برضه لازم أقول ليوسف الأول.

قال بثقة أقرب للغرور: هو يوسف هيعترض علي اللي بابا وافق عليه؟ عمتا انا هابقي ابلغه متشغليش بالك.

ثم اقترب منها ليهمس في اذنها قبل ان يبتعد عنها: نكمل كلامنا بالليل علشان نبقي براحتنا.

ابتعد عنها وعاد ليجلس علي سطح اليخت و يطالع المياه الزرقاء في هدوء.

جلست جميلة تعبث بهاتفها المحمول وهي تحكم غلق شال من الصوف حول كتفيها، وارتدت سترة بقلنسوة رفعتها فوق رأسها… اقترب منها مالك و قال بنبرة هادئة: انتي بردانة؟

ابتسمت وهي تنظر داخل عينيه العميقتين: شوية.

جلس إلي جوارها، تطلع إليها في صمت و همس: انتي عارفة ان شكلك حلو و انتي مغطية شعرك.

دارت بعينيها بعيدا عنه: انا عارفة انت تقصد ايه يا مالك… انا فعلا بافكر في الموضوع بقالي فترة.

ابتسم لها: انا مقصدش حاجة.. دي ملاحظة انا حبيت اقولها، لو عايزاني أخلي ملاحظاتي لنفسي بعد كده هاعمل كده.

غمزت له في مرح: ملاحظة ذات مغذي يا أستاذ مالك.

اتسعت ابتسامته: انتي عارفة أنى باقول كده من خوفي عليكي.

خفتت ابتسامتها وهتفت في ضيق: ليه يا مالك بتخاف عليا؟

نظر إلي الأفق و صمت قليلا ثم قال بصوت مرتبك: علشان احنا أصحاب.

نظرت إليه كثيرا قبل ان تزفر في ضيق: و بتخاف علي كل اصحابنا كده؟

أغمض عينه وابتلع ريقه وهتف: لأ يا جميلة… بس انا بخاف عليكي زي أختي.

ترقرقت دمعة في عينيها: اختك يا مالك؟

قال ممازحا محاولا تخفيف التوتر الذي أحاط بهما: طبعا انتي بعد ما شوفتي أنس بتقولي الحمد لله انك مش اختنا…. هو يبان عصبي وجامد بس هو حنين اوي و قلبه طيب.

ابتسمت و هي تشير إلي حافة اليخت: انا بس نفسي نرجع القاهرة قبل ما هو و ليلي واحد فيهم يموت التاني… بص بيعملوا ايه.

نظر إلي حيث تشير جميلة بيدها، فوجد ليلي وأنس كلاهما يرتدي بدلة غطس ويستعد للغوص في المياه، وقف كلا منهما امام الأخر بتحدي… نظر أنس إلي ليلي في علياء: لو مبتعرفيش تغطسي مش عيب بس قولي من دلوقتي، مش ناقصين حوادث.

نظرت إلى عينيه بنظرات حادة: انا باعرف اغطس كويس أوي… خلي بالك من نفسك انت يا… يا باشا.

اقترب منها وأشهر سبابته في وجهها: بس لو بتغرقي متبقيش تيجي تمسكي ايدي، رغم أني عارف انك هتموتي و تمسكيها…. قالها وقد ظهرت ابتسامة خفيفة على جانب شفتيه.

نظرت له مطولا في تحدي قبل أن تهمس: في أحلامك.

بدأ كلاهما في الغطس بعد ان تلقوا تعليمات من المدرب، كان المنظر في الأعماق أخاذ وهما يشاهدان الشعاب المرجانية والأسماك تسبح من حولهم من كل جانب، فجأة ظهر التوتر علي ليلي في الماء و بدأت تدور حول نفسها في توتر، أشار لها أنس ليتأكد من أنها بخير، لكنها لم تجيبه و انطلقت نحو السطح بسرعة…. صعد أنس خلفها مباشرة وهو يحاول ان يتواصل معها ليخبرها ان تقلل من سرعة صعودها إلي السطح لكن دون جدوي، ما ان صعدت ليلي إلي سطح الماء، رفعت عنها قناعها لتستنشق الهواء، ظهر أنس علي السطح أقترب منها و رفع قناعه و صاح بها: انتي مجنونة؟ ازاي تعملي كده؟

لم تعقب، بل دفعته لتبعده عنها وهي تقترب من اليخت استعدادا لصعوده.

اقترب منها وامسك معصمها في قوة يلفها لتواجهه وهمس لها في لين: انتي كويسة؟

اشاحت بوجهها عنه وقالت بتوتر: انا…. انا ….

قاطعها و هو يهمس: اللي عملتيه ده خطر عليكي جدا… كان ممكن بعد الشر يحصلك حاجة… غلط تطلعي من الماية بسرعة كده.

قالت بنبرة متوترة: انا خفت من السمكة الكبيرة… اول مرة اشوف سمكة بالحجم ده.

نظر لها أنس مطولا ثم صدرت منه ضحكة عالية: امال عملتي فيها مبتخافيش ليه؟

وكزته في صدره وابتعدت عنه لتصعد علي اليخت مرة أخري و هي تصيح: انسان مستفز.

وقف أنس يتأملها تصعد على اليخت مرة أخري و ابتسامة واثقة ارتسمت على شفتاه.

جاء يوسف من خلف مالك الجالس في صمت يتطلع إلي البحر و السماء الزرقاء، صاح فيه: هتزل الماية معايا يا مالك مش هتهرب .

حرك مالك رأسه ببطء: بس انا مليش مزاج.

لم يمهله يوسف مجالا للنقاش، بل دفعه من ظهره ليسقطه في المياه وهو يضحك و من ثم قفز خلفه في الماء بمرح، لكن مالك و علي عكس طبيعته الهادئة بدي عليه الضيق و دفع يوسف مبتعدا و صعد علي سطح اليخت مرة أخري، صعد يوسف خلفه و هو يلتقط أنفاسه: في ايه يا مالك، طول عمرنا بنهزر ايه اللي ضايقك اوي.

دفعه مالك في صدره وصاح: حركاتك غبية و ملهاش معني.

ابتعد عنه مالك، وهو يخلع قميصه ذو الأكمام الطويلة، لاحظ يوسف الذي تبعه تلك الكدمة الزرقاء في باطن ساعد مالك، اقترب منه يوسف وهتف بقلق: ايه اللي في ايدك ده يا مالك؟

ارتبك مالك وهو يحاول ان يداري ذراعيه، اقترب منهما أنس وهو يناول مالك منشفة قطنية و قميص جديد و هتف محاولا تدارك الموقف: ايه يا جماعة هتقلبوا الهزار جد و لا ايه؟ ثم ربت علي كتف يوسف و هو يسحبه بعيدا عن مالك: هو بس تلاقي مالك مكنش ليه مزاج ينزل الماية فعلشان كده اتضايق…

همس يوسف بقلق بدي واضحا على صوته: هو مالك كويس؟

ابتسم أنس بمرح: ما هو زي الفل قدامك اهو … اكيد انت خضيته فعلشان كده اتعصب.

لم يعقب يوسف، بل احتفظ بقلقه علي مالك لنفسه و حاول تجاوز الأمر.

——————————————–

جلس فارس علي طاولة المطعم المواجهة للبحر، عيناه معلقتان على مدخل المطعم ينتظر حياة، كانت اضاءة المطعم الخافتة والموسيقي الدافئة قد اضافت سحرا علي المكان مع صوت ارتطام أمواج البحر، كان فارس يشعر بالتوتر فلم يكن معتادا علي مثل هذه اللقاءات لكنه لم يستطع تفويت فرصة لقضاء بعض الوقت مع حياة علي انفراد.

أخيرا ظهرت حياة عند مدخل المطعم، ترتدي فستان فضفاض باللون الوردي، وغطاء رأس باللون الأبيض مما زادها جمالا، عينيها بلون البندق وبشرتها الشقراء المشربة بالحمرة من الخجل جعلتها تبدو كألهة إغريقية، كانت حياة تمشي علي استحياء و هي تنظر في وجوه الجالسين بحثا عن فارس، حتي وقعت عيناها عليه أخيرا، فابتسم لها ابتسامته الساحرة ولوح لها بيديه، توجهت إليه بخطي خجولة، سحب لها المقعد و جلست في الجهة المقابلة له، لحظات من التوتر سادت بينها حتي قطعتها هي بروح مرحة: واضح ان المكان شيك أوي.

ابتسم لها فارس: لو مكنش شيك مكنتش جبتك هنا.

ابتسم حياة في خجل واحمرت وجنتيها، لكنها حاولت ان تحافظ على هدوءها فابتعدت بعينيها عن مرمي السهام الزرقاء.

عاد الصمت بينهم للحظات، لكن سريعا كسره فارس: تعرفي… رغم اننا نعرف بعض من زمان.. بس دى اول مرة تقريبا نقعد ونتكلم فيها مع بعض… قبل الصدفة اللي جمعتنا في الرحلة دي انتي كنتي بالنسبالي أسم بس معرفش عنك كتير.

ابتسم حياة برقة: ايوه فعلا… اعتقد انت علشان دراستك وشغلك فا مكناش بنتقابل كتير.

همس لها فارس في رقة: كنت غلطان…. كمان اونكل زياد كان مخبيكي عننا…. دايما لما كنت باشوفه كان بيبقي معاه يوسف بس.

أطلقت حياة ضحكة عفوية: انتوا كنتوا دايما بتتقابلوا علي القهوة…و أكيد انا مليش مكان فيها.

ضحك فارس بدوره وهتف: حتي لما كنا بنجيلكوا البيت او انتوا بتيجوا عندنا، دايما كنتي بتبقي ساكته خالص، يعني عمرنا ما اتكلمنا مع بعض… كنت واخد عنك انطباع انك هادية و مبتتكلميش.

خفتت ابتسامتها ورفعت حاجبها: والانطباع ده اتغير دلوقتي؟

تورت فارس، وهتف: لأ مقصدش… بس يعني… أقصد…..

ضحكت حياة: انا فاهمة قصدك كويس… عندك حق، يمكن دي أول مرة نتكلم فيها سوا… بس كل حاجة ليها وقتها.

مر العشاء بين بعض الأسئلة العفوية عن حياتهما، هوايتهما، حدثته حياة عن حبها للقراءة، وموسيقاها المفضلة، وكيف انها كانت تخفي القصص في صغرها داخل كتب المدرسة حتى لا تراها والدتها، تحدث فارس عن حبه لكرة القدم، وأحلامه في السفر والاستقرار بالخارج، و رفضه لتقاليد المجتمع البائدة.

وفي لحظة، بينما تأخذ حياة رشفة من العصير، نظر إليها فارس بتركيز وهمس: عمرك حسيتي إنك عارفة حد من زمان رغم انكوا لسة متقابلين؟

نظرت له حياة نظرة مطولة وكأنها تحاول ان تقرأ ما وراء سؤاله: أحيانا.

لمعت عيني فارس، وهمس: انا حاسس ده معاكي.

لم تعرف حياة بماذا تجيبه، كانت نظراته المباشرة لها تبعث بشعور غريب داخلها لم تشعر به من قبل، ساد الصمت بينهما لحظات كانت ممتلئة بمشاعر جديدة على كليهما، لكن قطعه فارس: ايه رأيك نتمشي علي البحر شوية؟

اومأت حياة رأسها بابتسامة ناعمه… مشيا جنبا إلي جنب علي الرمال، يستمتعان بنسيم البحر الهادئ، قطع فارس الصمت بينهما و قال ضاحكا: انتي عارفة انا كنت خايف تكسفيني و مترضيش تتعشي معايا النهاردة.

ضحكت حياة: وكنت هتعمل ايه لو كنت رفضت؟

وقف فارس ونظر اليها للحظة: مش عارف… بس كان جوايا إحساس انك هتوافقي.

نظرت حياة إلي الأمواج المتلاطمة وهمست: وكنت عايز تقابلني لوحدي ليه؟

نظر فارس إليها كثيرا حتى ظن انه فقد القدرة على الكلام، لكنه تكلم أخيرا: علشان كان نفسي أعرف عنك أكتر… مش بس الكلام اللي باسمعه عنك من بابا وماما لما بتيجي سيرتك في الكلام… كنت عايز أعرف انتي مين.

همست بتوتر: وعرفت؟

لم يجب على سؤالها…. نظر مطولا إلي البحر وبعد لحظات وجهه كلامه لها وهو لا يزال ينظر إلي البحر: عرفت أنى كنت مغفل.

ابتسمت حياة في توتر وهمست: مش نرجع بقي؟

همس لها فارس: زهقتي؟

ابتسمت حياة وظهرت تلك الحمرة المحببة على وجنتيها مرة أخري: لأ… بس بقالنا كتير سوا و كده يوسف ممكن يقلق عليا… بعدين هنشوف بعض الصبح صح؟

ابتسم فارس: هاشوفك علي الفطار؟

رفعت حياة حاجبها وهتفت: بس انت مبتفطرش يا دكتور.

عقد فارس حاجبيه: فارس… اسمي فارس بس من غير دكتور…. مبحبش الناس القريبة ليا يقولولي يا دكتور….. اقترب منها خطوة وهمس: هاستناكي نشرب القهوة الصبح سوا.

ابتسمت في دلال: ان شاء الله.

———————————————

اتفق الأصدقاء ان يذهبوا جميعا في جولة في السوق الشعبي…. كانت المجموعة تتنقل بين المحال التجارية وتشاهد المعروضات، بينما ظهرت علامات الملل واضحة علي وجه أنس الذي كان يمشي في نهاية المجموعة… كانت ليلي تسير بجوار حياة و جميلة لكن مع الزحام و اندفاع المشاه وجدت نفسها في أخر الصف تسير إلي جوار أنس…. لاحظت علامات الملل الظاهرة بوضوح عليه فهتفت: شكلك مش مبسوط.

نظر لها وهو ينفث دخان سيجارته: بصراحة شيء ممل جدا… بتقفوا عند كل محل رغم ان كله بيبيع نفس الحاجة تقريبا.

عقدت ذراعيها ونظرت له: الفكرة مش في الشرا… المتعة في الفرجة… بعدين احنا جايين هنا ننبسط.

ظهرت ابتسامة ماكرة علي شفتيه: و شكلك مبسوطة أوي….. مسبتيش محل الا لما دخلتيه.

رفعت ليلي كتفيها: يعني….

اشاحت ليلي بنظرها فوجدت بائعة تبيع مشغولات بدوية يدوية على جانب الطريق… لفتت نظرها فهتفت ل أنس: استني هاروح اتفرج عند الست اللي هناك دي.

زفر أنس في ضيق، لكنها لم تنتظر إجابة منه، بل اندفعت متجهة نحو البائعة تقلب في البضاعة بشغف… تبعها أنس وهو يشاهدها، وارتسمت ابتسامة على زاوية شفتيه… اقترب منها، فما ان رأته اشارت بيديها و هي تمسك اسورتين في كفيها: ايه رأيك؟ انهي واحدة أحلي؟

نفث دخان سيجارته وهتف دون ان ينظر لها: الاتنين حلوين.

رمقته بجانب عينها بنظرة حادة: انا غلطانة اني باخد رأيك….

رمي سيجارته على الأرض و دعسها برجله، اخذ الأسورتين من يديها، نظر اليهما نظرة سريعة، وضع واحدة في كفها و أعاد الأخرى الي الطاولة.. أخرج من جيبه بعض النقود وألقي بها إلي البائعة، و انصرف… وقفت ليلي تشاهده و هي مشدوهه، لحظات حتي استوعبت ما فعله ، لحقت به و جذبته من سترته و هي تهتف في حنق: انت ايه اللي عملته ده؟

قال ببرود: عملت ايه؟

عقدت ذراعيها: مين طلب منك تشتريلي حاجة؟

ارتسمت ابتسامة كلها ثقة على شفتيه و هتف: اعتبريها هدية مني.

زفرت ليلي وقالت من بين اسنانها: مستفز.

رمقها أنس بنظرة لم تفهمها لكنها أسرت قشعريرة في بدنها وهتف: هنقضي اليوم كله واقفين هنا… يلا اتفضلي.

اندفعت ليلي تمضي أمامه مسرعة، واختفت بين الزحام…. كانت عيني أنس تتبعها أينما ذهبت، لكن في لحظة غفل عنها، وانطلق طفل بين الزحام خطف حقيبة يدها وفر هاربا… صرخت ليلي وهمت ان تجري خلفه، لكنها فوجئت بيد قوية تجذبها من ذراعها، التفتت لتجده أنس ينظر لها بنظرة حادة و هتف: انتي هتعملي ايه؟

صرخت بحدة: هاجري ورا الحرامي اللي سرق شنطتي!

احكم قبضته علي معصمها: انتي اتجننتي؟ حرامي مين اللي عايزة تجري وراه في السوق.

هتفت في حده: امال عايزني اعمل ايه؟ أقف اتفرج زيك… شنطتي فيها كل اوراقي وفلوسي.

تغيرت نظرة أنس من الحدة إلي اللين و هتف: اهدي بس… شنطتك هترجعلك.

هتفت ليلي في حدة: هترجعلي ازاي … زمان الحرامي بقي في بيتهم دلوقتي.

التف الجميع حول ليلي، فقد سمعوا صراخها وعادوا إليها… هتفت حنين في قلق: في ايه يا ليلي؟ ايه اللي حصل؟

قالت ليلي بعصبية: شنطتي اتسرقت والأستاذ واقف يتفرج و كمان مش عاوزني اجري ورا الحرامي.

هتف يوسف: عنده حق يا ليلي… ازاي تبقي بنت وتجري ورا الحرامي واحنا موجودين.

كان مالك يشاهد ما يحدث وارتسمت ابتسامة على شفتيه، اقتربت منه جميلة وهمست: بتبتسم ليه كده؟ في ايه؟

همس لها مالك: أصل أخويا و انا عارفه… هتشوفي هيعمل ايه.

هتف أنس في حدة ممزوجة بالثقة: ممكن كلكوا تسكتوا…. شنطتك هترجعلك من غير ما حد يجري ورا حد.

اخرج أنس هاتفه من جيبه وأجري مكالمة هاتفية قصيرة، لحظات وعاد يهتف في ليلي بكل ثقة: شنطتك كلها ساعة و هتوصلك علي الفندق.

ترك أنس ليلي تنظر له في دهشة وانصرف تاركا الجميع خلفه، مالت جميلة علي أذن مالك وهمست: ازاي؟

اتسعت ابتسامة مالك: شغله….. الغردقة دي كلها عارفة أنس المصري… مش هيغلب انه يرجعلها شنطتها.

اقترب مالك من ليلي وهتف: يلا نرجع يا ليلي…. طالما أنس قال هيرجعلك شنطتك هترجع متقلقيش.

 

 

 

 

 

 

____

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *