روايات

رواية شظايا الكلمات أثير وراكان الفصل الرابع 4 بقلم جهاد وجية

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

رواية شظايا الكلمات أثير وراكان الفصل الرابع 4 بقلم جهاد وجية

 

 

البارت الرابع

 

 

« نَسمـ.ـا.ت الهواء بلغت مبلغها من جدائلها السوداءِ وأنا كالضالِ ينتظر إحدىَ خُصلاتها المتمردة لترقد بهيامٍ فوق كتفاي ليهدأ ضجيج خافقي»
فقد أعصابه من هدوئها واستفزازها الغير مبرر له، كيف لها أن تظل على ذِمة حـ.ـيو.انٍ كهذا!! بالطبع لا يستحق أن يُلقب ببشرٍ، لكم مقود السيارة بعنف فزعت له « رحمه» وشهقت هبه بهلع من هيئته، ابتلع غـــضــــبه وتلك النيران المُندلعة بصدره وتحدث بتروي: مش عاوزه تطلقي لي يا هبه
أغمضت حدقتي البُنِ خاصتها وتمتمت بمرارة تجرعت ما يكفيها منها ويفيض عنها: مينفعش أطلق
صك على أسنانه بقوة وافترس شفتاه حتى كاد يُدmيها من فرط غـ.ـيظه وصاح بنفاذ صبر: ليييييه… لييييه مينفعش تطلقي…
ضحكت بتهكم على غـــضــــبه الغير مبرر وطالعته بنظرة مستفسرة وتحدثت: حضرتك مش واخد بالك أنك بتتدخل في حياتي من غير وجه حق!! يعني جيت بيتي من غير ما تعرفني وكمان خليت واحد زي فاضل الزبـ.ـا.لة دا يتكلم عني لا وكمان دلوقتي عاوزني أطلق وبتزعق فيا، أنت بأي صفه بتتكلم معايا كدا؟!

حسناً عليه الآن فصل رأسها عن جسدها والتمثيل بجثتها والاستحمام بجسدها!؟ حلاً مُرضيًا لكافة الأطراف، ولكن بماذا يُجيبها؟! هو نفسه لا يعرف لما فضل مساعدتها وتخليصها من هذا الحقير، هو بذاته لا يدري لأين تأخذه قدmاه!!
لكمة أخرى على مقود السيارة المسكين جعلتها تهب من جلستها وتأخذ وضع الهجوم وصاحت بحدة: أنتَ كل شوي تفزعني وتفزع البـ.ـنت، متزفت متنرفز فك عن غـــضــــبك بعيد عننا، هبلتنا
أيضحك أم يلكمها بوجهها الجميل حتى تصمت! ولكن عليه إيصالها لأعلى درجات الغـــضــــب حتى تفقد أعصابها وتخبره بما يجيش بصدرها، ابتسم باستفزاز وتمتم: والله أنا حر، ولمي نفسك في أم الليلة اللي مش معدية دي وقوليلي مش عاوزه تتنيلي تطلقي ليه
هل إن هجمت عليه وقبضت على خصلاته الناعمة تلك لدرجة خلعتها بيدها سيحدث شيء؟! ولكنها هدأت من روعها وبادلته ببسمة ودودة عكس ما تكنه له وهمهمت: حاجه متخصصكش!
حسناً هي الفائزة، أخرجت شياطينه الخامدة، قبض بقوة نسبية فوق رسغها وتمتم من بين أسنانه: مش عاوزه تطلقي لي يا هبه
لمعت الدmـ.ـو.ع بعينيها البُنية وصعدت غِصة مؤلمة لحلقها عنـ.ـد.ما أراد لسانها نُطق تلك الكلمـ.ـا.ت المُحرجة، أنزلت كفه بهدوء عن رُسغها وتمتمت بجمودٍ: عشان ممضيني على وصل ب 2 مليون جنيه يوم فرحي وقالي مش هت عـ.ـر.في تخلصي مني إلا بمـ.ـو.تك أو السـ.ـجـ.ـن
لا يُسعفه لسانه عن إخراج وصفاً لهذا الشيء الخسيس، حـ.ـيو.اناً، حقيرًا، نذلاً ومُخنت وضيع، ترجل من مقعده بجمود وتوجه لها ثم فتح الباب وهتف بثبات: أنزلي

انصاعت بخنوعٍ له وهبطت بعدmا القت نظرة خاطفة على شقيقتها التي عاودت النوم، ابتسمت بتهكم للمباني الشامخة من حولها، تبعت خطواته الثابتة بأخرى مهزوزة حتى وصلا لشقة، تابعته وهي يطرق الباب ويتحدث بلباقة مع صاحبة المنزل حتى خرج لهم رجلاً ملامح الطيبة والصرامة تعجُ من وجهه، ظلا يتحدثان بجدية وهي تتابع حوارهم القائم حولها بصمتٍ، ابتسمت بتكلف ودلفت خلفه وهي تدعو في سرها أن يمر كل ذلك دون ضرائب أخرى ستتكلف هي بدفعها، لم تعد روحها تمتلك أي ثروة تُذكر حتى تُضحي بها، جلست جواره على الأريكة وأعطته نظرة مستفهمة بادلها هو بأخرى مطمئنة، مضت بضع دقائق حتى عاد ذلك الرجل ومعه بعض الأوراق، تابعتهم بجهلٍ وتعجب من نظراتهم المصوبة نحوها وهتفت: في إيه؟!
أمسك « ثائر» الملف وقدmه إليها بجدية وتمتم: دا ورق الطـ.ـلا.ق
ابتلعت لعابها بتوجس من القادm وهمست بخفوت: وأيه المطلوب مني؟

حينها هتف المحامي وهو يدعى « سمير» : مطلوب منك توقعي بس على الأوراق وكل حاجه هتم بدون شوشرة أو مشاكل تُذكر
تناولت القلم من كفه بأصابع مرتجفة ودmـ.ـو.عٍ تُهدد بالهطول وخطت اسمها بأسفل الورق، كأنها تخطُ نهاية لماضٍ أزهق روحها، ماضٍ قُضيَ نحبه من حياتها، مع كل حرفٍ تضعه كان يتبخر جزءٍ من ندباتها السوداء التي غطت قلبها، تركت القلم وتنفست براحة وناظرت « ثائر» المتابع لها وتمتمت بشكر: شكراً
هز رأسه بتروي وابتسامة جذابة زينت وجهه الرجولي الوسيم وأشاح ببصره عنها ناحية « سمير» وتمتم: هتاخد وقت قد إيه يا أستاذ سمير
تناول « سمير» الملف وألقى نظرة خاطفة عليه وهتف بإيجازٍ: إسبوع بالكتير وورقة طـ.ـلا.قها تكون عند حضرتك
حينها هتفت هي بلهفة ممزوجة بإحراجٍ: ووصل الأمانه
ابتسم الرجل بزهوٍ وتمتم بثقة: ولا يقدر يعمل بيه حاجه، متقلقيش كل حاجه هتكون بخير
******************************
تساقطت دmـ.ـو.عها بصدmة مما حدث، لقد تركته يقترب منها، أصبحت هينة ولينة بين ذراعيه، كم بغضت نفسها لفعلتها تلك، انساقت خلف لحظة عابرة، هبطت من أعلى الرخامة ودmـ.ـو.عها تجاري حسرتها، دفعته بعيداً عنها وخطت مسرعة للخارج وكادت أن تسقط بسبب غشاوة عينيها لولا قبضته التي ساندتها ولكنها نفضت يديه بعيداً عنها وهتفت بعصبية مفرطة: ابعد عني
أجفل من نبرتها الباكية وصدmته دmـ.ـو.ع عينيها، ماءا فعل لكل ذلك؟ ألــم تكن له ولو بعضًا مما يجيش بصدره لها؟! حاول إيقافها أو منعها عن الخروج ولكنها كانت تقاومه فهتف بغـــضــــب: أثير أثبتي
قابلت عسليتيها قاتمتيه بنظرة مُعاتبة ولائمة جعلته يدرك ما وصلت إليه، اقترب منها محاوطًا لوجهها بين كفيه وتحدث بحنانٍ: أثير أنتِ مراتي واللي حصل مش غلط ولا عيب
هزت رأسها بنفيٍ شـ.ـديد تحدثت بكلمـ.ـا.تٍ غير مترابطة: لالا لا غلط وحـ.ـر.ام وعيب، أنتَ استغليتني، ايوا استغليت ضعفي ليك، دا غلط وحراااام، أنا لسه مش مراتك بالمعنى الحرفي
تنهد بيأس من عِنادها ومسح دmـ.ـو.عها الغالية وتمتم بدفء: حبيبتي الجواز شرطه الإشهار، وكتب الكتاب كان في وسط عيلتك وصحابي وأمي عرفت أهي يعني أنتِ مراتي، ممكن تهدي
سقطت دmـ.ـو.عها مجدداً بقهرٍ وتحدثت برجاء: بالله متكررهاش تاني يا راكان، مش عاوزه أكون كدا، بلاش أرجوك
هز رأسه بتفهم ومسحت أنامله على عينيها وقبل رأسها بهيامٍ وتحدث: حاضر يا قلب راكان
****************************
بداية جديدة بيومٍ جديد، سيكون مُنيرًا لقلب البعض ومعتمًا للبعض الآخر، بعدmا أوصلها ليلة أمس للبيت لم ينبث ببـ.ـنت شفته رحل فقط!! بينما هي بقيت تُسارع دقات خافقها نحو ما ينتوي فعله، كيف لها سداد مثل هذا المبلغ التعجيزي، لا تعرف كيف أحب قلبها المسكين ذلك الحقير، مرأة الحب معتمة تُريك فقط محاسن المُحب وتخفى مساوؤه داخل جوفها المظلم، تنهدت بعمقٍ وتمددت جوار شقيقتها النائمة، نظرت للساعة بيديها والتي تُشير للثانية عشر ظُهرًا، كادت أن تغفو لولا طرقات الباب، ارتد نقابها وحجابها على عجلٍ وفتحت الباب، لم يكن الطارق سواه، أفسحت له المجال ليدخل وتمتمت: اتفضل
أعطاها نظرة عميقة من مقلتيه وتمتم باسف: آسف على عصبيتي عليكي امبـ.ـارح
هزت رأسها بخفة مع ابتسامة لطيفة وهمهمت: ولا يهمك
مسح على خصلاته بحرج وتمتم ببسمة طفيفة: فين رحمه عاوز اطمن عليها
معنت النظر ببسمته الجذابة وهيئته المُهكلة وتحدثت: نايمه هدخل أصحيها، هتتبسط لما تشوفك

تحركت بتباطؤ واختفت لبعض الوقت وعادت حاملة لشقيقتها، ابتسم باتساعٍ فور رؤيته لتلك الصغيرة التي أصبحت جزءً من تفكيره اليومي، اقترب حاملاً الصغيرة عنها وقبل جبينها وتمتم بمرح: رحوم عامله النهاردة

ابتسمت الصغيرة بمرحٍ وفركت أصابعها بتـ.ـو.تر وهمهمت بشكرٍ: شكراً عشان أنتَ بعدت فاضل عننا

أخرج بعض الحلوى من جيبه ووضعها بكفها وتمتم محاولاً جعلها تنسى ما حدث: طب شوفي الشيكولاته دي كدا

تناولتها منه ووضعتها على الأريكة جوارها وتحدثت وكأنها فتاة ناضجة وليست طفلة بالعاشرة من عمرها: أنا مش صغيرة وعارفه إن فاضل عاوز يزعل هبه ويرجع ياخدنا عشان يضـ.ـر.بها ويشـ.ـد شعرها قدامي

نيران حارقة تملكته جعلته يرغب بنزع قلب ذلك الخسيس على ما حفره بعقل تلك الطفلة، ابتسم بتكلف وربت على خصلاتها وسط نظرات هبه الحزينة وتمتم: طب لو قولتلك إني هاخدك تعيشي معايا وبكدا هو مش هيعرف طريقك ولا يجيلك تاني هتوافقي؟!

تهلل وجه « رحمه» ولمعة عيونها وتحدثت بفرحة: ايوا، أنا بحبك أووي يا ثائر

جحدتها « هبه» بنظرة لائمة ومعاتبة على ما تفوهت به واقتربت منها وملست على خصلاتها وتحدثت برفقٍ: عيب يا رحمه أنكل ثائر بيهزر معاكي

قاطعها هو بجدية تامة: بس أنا مش بهزر، أنا فعلاً هخدكوا تعيشوا معايا!

انتفضت بغـــضــــبٍ ورفعت سبابتها بوجهه وتحدثت بحدة: ومين قالك إننا هنروح معاك، إذا كنت سيباك تدخل وتخرج براحتك علينا فدا عشان إنك ساعدت أختي اللي اتكـ.ـسرت بسببك بردو وقعدت عاجزه وعشان دافعت عني قدام فاضل، بس مش معنى كدا إنك تفكر أنك هتبيع وتشتري فينا، إحنا مش تحت أمرك

ابتسم ببرودٍ لانفعالاتها الواضحة وارتجاف جسدها أسفل ثيابها الفضفاضة ولمعة الدmـ.ـو.ع بمقلتيها الحزينين وتمتم بجدية وأمر: أنا مش باخد رأيك أنا بعرفك إيه اللي هيحصل، وأنا مش عايش لواحدي أنا والدتي عايشه معايا ومش هتقعدي في نفس الشقه لا في شقه تانيه في نفس العِماره

كادت أن تقاطعه ولكنه أشار لها بالصمت وأكمل موضحًا: اعتبريها إيجار ولو حتى تمنها غالي سدديه براحتك، دا كله عشان فاضل مـ.ـيـ.ـتعرضش ليكوا تاني وعشان تبقوا تحت عيني لو فكر في أي حاجه، أنا لا بأمرك ولا بفرض عليكي حاجه دا مجرد اقتراح والعماره فيها مرات عمي وابنها ووالدتي ومـ.ـر.اته كمان يعني آمان جداً والوضع دا لحد ما عدتك تنتهي عشان حتى لو فاضل خد فلوسه هيفضل يتعرض ليكي مع كل فرصة تجيله

تنفست بهدوء، لقد أحاط جميع نِقاط خــــوفها، هذا الماكر دخل لها من ثغراتها كما يجب أن يكون ولكن هي للآن لا تعرف عنه شيء؟! عدلت من وضع نِقابها كحركة خاطفة عنـ.ـد.ما تُصاب بالتـ.ـو.تر وهمهمت بخفوتٍ: تمام

****************************

هُنا حيث قلب الصغيرة العفوية التي تبدأ تعلم فنون العشق على كف زوجها الوقح، ذلك الرجل الذي أربكها بقربه، بعدmا وصلا أمس ودعها بقبلة عميقة فوق كفها ورحل دون حديث، لم تجرؤ على الذهاب للجامعة اليوم بسبب ما ستتعرض له من المؤامرات والكلمـ.ـا.ت اللاذعة التي ستهشم روحها، تقبلت بإنزعاج بالفراش عنـ.ـد.ما رن هاتفها، التقطته بضجر وتحدثت: مين

على الناحية الأخرى تعجب من عدm حضورها ولكنه فهم موقفها جيداً وقرر مهاتفتها، ابتسم بخبث عنـ.ـد.ما لم تتعرف على رقم هاتفه وتمتم باستمتاعٍ: صباح الخير يا مراتي يا قمر

عقدت حاجبيها بضيقٍ من ذلك الحديث ولكنها فور علمها بهوية صاحبة انتفضت من نومتها وتحدثت: متقولش مراتي

صدحت ضحكته الرجولية بأذنها جعلتها تبتسم تلقائياً وخاصة عنـ.ـد.ما همس بوقاحة: طب وبالنسبة للمأذون والشهود والبوسه والل..

قاطعته بعنفٍ وغـــضــــب وهتفت بخجلٍ: بس بس، عاوز إيه على الصبح

هتف « راكان» بسخرية: أنا لو بشحت منك مش هيبقى بالشكل دا وهتعمليني أحسن وأرقى من كدا

مطت « أثير» شفتيها بملل وهتفت: طب في حاجه مهمه ولا لا عشان أنام

تمتم « راكان» بتأكيدٍ على حروفه: بحبك يا أثير هانم

خُتم حديثه بصوت انتهاء المكالمة، لقد استشعرت أذنيها تلك الجملة من قبل، مهلاً!!! انتصبت واقفة ودرات حول نفسها بحركاتٍ متعثرة وتمتمت بجنون: يعني طلع بيحبني وقالي امبـ.ـارح وأنا زي الهبله كرفته؟!

بسمة بلهاءٍ تبعتها سبة بذيئة لنفسها وجلست بإهمالٍ على الفراش وتمتمت بحالمية شـ.ـديدة: يعني القمر دا بيحبني؟! هيييح

وُضعت بدائرة مُظلمة جعلتها غافلة عن هوية الأمور من حولها، كون الأمر مِثالي ليس بصالح قلبها، لاشك أن للقصة بقية ستُهلك خافقها العفوي، هي بالأخير أُنثى منبوذة من العالم وقع قلبها بيد رجُلٍ خبيرًا سيُشكلها كيفما تشاء رغبته ولكن هل ستظل على ضعفها وصمتها أمام من يحطمون أسوار دفاعِها؟!

******************************

اراحت جسدها على المقعد الجلدي الخاص بها، سمعت صوته تشابك عِظامها المُنكهة معاً، انتصف النهار ومازالت تعمل دون راحة، واكب عقلها الأحداث المحيطة به وفضل الإنغماس بالعمل عوضاً عن التفكير بعشقٍ سيحمله الكثير من الآهاتِ والدmـ.ـو.ع، أغمضت عينيها لعدة دقائق مختلسة من واقعها ولكن عكر صفو راحتها صوت حركة بمكتبها، افرجت عن سوداويتيها بخفة لتسقط على زيتونيتيه الشغوفتين، تنهد بيأسٍ وتمتمت: عاوز إيه يا استاذ براء

رسمية معه! لقد كانت لا تكف عن مجادلته والمُزاح باسمه والآن بـ.ـاردة وتعابيرها جدية للغاية، جلس في مقابلتها وتمتم بحيرة: ممكن تفهميني مالك؟!

عقدة حاجبيها من اهتمامه الجديد عليها وفركت جبهتها بتعب وأردفت: عادي مُرهقة شوي من الشغل الكتير، شكراً لسؤالك

أشاح بنظره عنها بسبب تبلدها الغير مبرر معه!! وتمتم وهو يفترس شفتيه: ورده مالك متغيره معايا ليه؟!

ضحكت بتهكم وأستندت بمرفقيها على المكتب وتصنعت التفكير لبضع لحظاتٍ ثم أردفت بجدية مزيفة وقد فاض بها الكِتمان والصمت : هتغير معاك ليه؟! عشان مثلاً مصدر سُخرية للشركة كلها؟! ولا عشان ضحكك عليا مع كل يوم وأنا بنزل ملف معين ومش طيلاه؟! ولا عشان نظرات السخرية اللي بقيت بشوفها في عيون كل الشركة بفضلك؟! لالا مليش حق اتغير

قاطعها مدافعًا عن نفسه بنبرة احتجاجية: ورده أنا كنت بهزر معاكي مش أكتر

صدحت ضحكاتها الساخرة بقوة ثم نبرتها الحزينة المغلفة بالقوة: بتهزر؟! تعرف عشان أنتَ تضحك كان ثانية انا عانيت قد إيه؟! تعرف عشان تسلي وقتك أنا قابلت نظرات مش كويسه قد إيه؟! تعرف أنتَ كلامك أثر فيا إزاي؟! عيونك شيفاني وحشه أو فيا عيب ممكن تحتفظ بيه لنفسك لأنه ملوش لازمه ولا قيمه مش تتفاخر بيه تحت مسمى أنك بتهزر؟! أنتَ عارف وَقع حروفك دي على قلب الشخص اللي اتنمرت عليه دا خلاته عايش إزاي؟! تعرف كام ليلة فضل يبكي بقهر وقلبه يوجـ.ـعه بسبب سخريتك منه؟! عاوزه اعرف إحساسك وأنت بتعيب في خلق ربنا ومبسوط في كدا، متعرفش إنك كدا بتدmر روح اللي خليته عاش لحظات التنمر والضعف دي؟! متعرفش أنه فقد ثقته في نفسه وفي المجتمع وبقا منعزل؟!

قاطعها مجدداً بنبرة مُحرجة: ورده مكنش قصدي أنا بس…

انتفضت واقفة واتجهت نحو مقعده ووقفت مُربعة ذراعيها وتحدثت: بيقولوا العيون بتعكس نقاء القلوب واللي قلبك أنتَ واللي شبهك عكسه هو السواد والنقص بس، تخيل أنك عشان تكون روش والبنات تحبك تروح تتريق على بـ.ـنت ماشيه في آمان الله وهي تسمع كدا!!! كلامك كفيل يوصلها للانتحار، المصـ يـ بـةإني اللي بيعايب ويقلل من الناس بيكون أقل الناس، آه والله بيكون فيه عيوب الدنيا كلها لو مش شكلياً بيكون داخلياً وبدليل أنه بيغطى عليها بكلامه ونظراته، تعرف كام بـ.ـنت كرهت شكلها بسبب كلمه ملهاش لازمه من واحد من عينتك؟! واحد لمجرد مزاجه وقلة أدبه اتطاول عليها وخلاها نكته ليه وهو وأشباه الرجـ.ـال اللي حواليه، في نهاية كل ليلة عقلنا بيعمل فلاش باك لكل همسه ونظرة قبلناها من شخص قريب أو بعيد ووقتها بتبدأ اللعنه، بتبدأ وصلة و.جـ.ـع جديدة وعتاب ولوم وكـ.ـسرة وحسرة، بتبدأ بوادر ندبة جديدة تظهر في قلوبنا…..

صمتت « ورده» قليلاً لتلتقط أنفاسها وسط نظراته المتـ.ـو.ترة وعضلات وجهه المتشنجة وعاودت هجومها عليه:
نهى الله عن التنمر في قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُون} «سورة الحجرات: الآية 11»
والتنمر مش مجرد سخرية من الشكل أو اللون أو اللغة لا والاستحقار والإذلال، يشيخ دا يمكن الشخص دا عند ربنا أحسن منك، ياريت لو شوفتني في مكان داخل أو خارج الشركة مترميش حتى السلام، اتفضل

خرج « براء» تحت نظراتها الجـ.ـا.مدة التي تُنافي ضجيج قلبها، التفتت خلفه تطالعه بنظرة لائمة وحزينة وأغلقت الباب عليها من الداخل وحينها فقط سقط قِناع قوتها للمرة الأولى وتهاوت من فوق قمة شاهقة وافترشت الأرضية لتروي بدmـ.ـو.عها القهرية قحط روحها العطشة، سقطت مقاومتها ولسانها السليط ونظراتها الجـ.ـا.مدة وحلت بها لحظات الانهيار، سمحت لنفسها للمرة الأولى بالضعف والبكاء لأجل الحب!! لأولى مرة تسقط صخرتها المتمكنة من أعلى كيانها لتجعلها كرضيعة تشتهي طعامها، ها هي ضعيفة، باكية، حزينة، موجوعة، ذابلة، شاحبة ومتألــمة!!

هي أُنثى خُلقت بجمالها الخاص ورونقها الفريد وقلبها الأوحد، هي طفلة هوجاءٍ بشغبها وشغفها للحياة وتفتُحها للواقع، هي فتاة نضجت بحبها لقلبٍ غافلًا عن دقاتها الهائجة لبسمته، كيانٌ ضعيف تصلبت قواه بفعل صفعات وطـــعـــنات الزمن، قلبٌ تحجرت حُجراته بفضل بشاعة البشر، هل سيكون لها الملاذ والخلاص من هواجس مظهرها بيومٍ ما؟! هل سيلقى قلبها من يأنسه ويضمه ثم يُقبل ثناياه؟!

**************************
علينا دوماً بحساب خطواتنا التي ستؤهلنا لطُرقٍ ربما ستؤلم قلوبنا، ها هي تسير خلفه وهو حاملاً شقيقتها نحو شقتهم الجديدة، لربما سيكون ذلك الأفضل بل هي تفضل الأختباء عن العالم والانعزال بروحها الهالكة، لقد حلمت بيومٍ بأسرة سوية وطفلين يكونون دواء بيتهم، ولكنها الآن مُنساقة لنهاية علاقة فاشلة خطت بدايتها ببعض المشاعر المراهقة، وقفت أمام البيت وزفرت أنفاسها بعدm راحه وأردفت بجدية لا نِقاش بها: عدتي تنتهي وهسيب البيت وارجع بيتي أنا وأختي وإيجار الفترة دي هيوصل لحضرتك

هز رأسه بتأكيد على حديثها وداخله يبتسم بخبثٍ على ما سيحدث بعد ذلك، أنزل « رحمه» بفراشها وعاد لها وجدها شاردة وبعض العَبرات تتلألأ من مقلتيها، حمحم بنبرته القوية وأردف بتوضيح: البيت بقا بيتك، رحمه نامت، لو احتاجتي حاجه أنا شقتي اللي قصادك علطول، تصبحي على خير

راقبت خروجه بنظراتٍ زائغة، خافقها اللعين بات يستجم عند رؤيته، بعض الراحه أصبحت تأتيها عند حضوره، ارتباكها وخجلها من ما يبدر عنه بداية لوقوعها، لقد اختبرت ذلك من قبل وهي ليست مراهقة لتتهرب من ما يعتمر قلبها، ما كان يجب عليها أن تأتي، كانت ستتصدى ل« فاضل» وسينتهي الأمر، أما الآن فهي مُجبرة على رؤيته والتحدث معه، نظرت بالساعة لتجدها السابعة مساءً لقد حان موعد دواء شقيقتها…..

روحها الهادئة لم تعد كسابق عهدها بل تمردت على صمتها وخرجت لتواجه العالم بحـ.ـز.نها وقنوطها، عشقها السابق لرجلًا أرهق كيانها بكلمـ.ـا.ته جعلها ضعيفة كقطعة من الزجاج المزخرف ما إن تلمسه يتهشم ولكنها لم تقف لهنا بل واجهت ودافعت وتغلبت على طُغيان من ظلمها وخدشت روحه بكيانها ووجدانها المُهشم ولكن من المؤسف أنها على مشارف السقوط ببئر العِشق وأباطرته مجدداً فهل ستكرر نفس المأساةِ وتترك قلبها ينجرف خلف مطامع تتيمها؟!
**********************************

احتضنت « أثير» وسادتها بقوة لقلبها، هي أيضاً على بوابة من طُرق أوبال العجيبة التي ستُبدل حالها من السيء للأسوأ!! ابتسمت بخجلٍ عنـ.ـد.ما تذكرت ضحكته، جاذبيته، وسامته، ابتسامته، صوته ووجوده الطاغي عليها، وضعت يديها على وجهها بخجلٍ شـ.ـديد فور تذكرها لتلك القُبلة التي عصفت بها و.جـ.ـعلتها غائبة عن الواقع وشاردة به وبه فقط، انتبهت على صوت رسالة على هاتفها، ضحكت بشـ.ـدة فور رؤيتها لصورته المُغفلة مُرفقة ببعض الأوجه البلهاء….
_ عشان تبقى تركز في نفسك ومتبصش لبعيد تاني يا دكتور

أرسلتها وبسمة مغــــرورة على ثغرها المُكتز
= أعملك إيه يا هانم وأنتِ نازله زي أميرة من أسطورة قديمه

تسارعت دقات قلبها بسبب غزله الواضح لها ورجفة يديها الممسكة بالهاتف
_ ماما عامله إيه

بعثتها كمحاولة فاشلة منها لتغير حديثه الذي يُربكها
= غيري في الموضوع براحتك بس مسيرك يا ملوخية تيجي تحت المخرطة ومحدش هيرحمك

أغلقت هاتفها عند رؤيتها لرسالته المُخجلة مُرفقة بوجهٍ يغمز لإثبات حديثه الوقح، حـ.ـضـ.ـنت هاتفها لصدرها وأغمضت عينيها لتذهب بسُباتٍ عميق بعالمٍ خلقته هي بخيالها وأحلامها الطفولية وبراءتها…..

**************************
على الناحية الأخرى أغلق هاتفه وصدحت ضحكاته المستمتعة على خجلها الفطري اللذيذ، هي أُنثاه وزوجته العفوية واللطيفة التي أوقعته بها بلا محاولاتٍ منها، أراح ظهره على المِقعد الوثير من خلفه وتمتم لنفسه: ياريتني شوفتك من زمان يا أثير

حينها سمع ضحكة والدته الطيبة وهي تردف: لو كنت قابلتها الأول يا ابن شريف مكنش زمانك ناضج زي دلوقت، عيونك مكنتش هتشوف عيوبها ولا تحبها زي دلوقت

ابتسم برضى تام عن حديث والدته ونهض جالسًا أسفل قدmيها وتحدث بعشقٍ خللته الأيام بين ثناياه: أثير دي زي أكسير شربته من وقت ما شوفتها يا أمي، أربع سنين براقبها من بعيد، شوفتها بتبكي وشوفتها حزينة وضعيفة ووحيدة، شوفتها منبوذة ومذلولة ونادرًا ما كنت أشوفها بتضحك، شوفتها خايفة تواجه ونفسها تواجه، أثير زي طفل لسه بيتعلم المشي بس مع كل خطوة بيقع لأنه خايف أو لأن محدش بياخد بكفه ويشجعه، أنا لو نـ.ـد.مان على حاجه تبقى أني متقدmتش ليها من وقت ما حبتها، لما بتضحك بتخفي وشها عشان مره واحده زميلتها قالت ليها خدودك قافله على عيونك، لما بتتكلم بتوطي في الأرض عشان محدش يقول ليها تُخنك خافي ملامحك، لما بتتـ.ـو.تر عيونها بتلمع وتمسك هدومها، أثير زي أمنية تفضل تتمناها طول حياتك وفجأة لما توصلها تبقى من فرحتك عاجز عن إنك تحتفل بيها

ملست « دعاء» على خصلات والدها بحنانٍ وتمتمت: للدرجادي بتحبها يا راكان

ضحك بقوة ولمعت عيناه وأردف: بحبها؟! يا أمي أنا وصلت لمرحلة تعبت قلبي من حبي ليها

أشفقت الأم على مشاعر صغيرها المُهددة بالفشل وهمست بخفوتٍ: وهتعرفها الحقيقة امتى يا راكان

شرد « راكان» قليلاً ثم نهض متوجهًا لغرفته كهروبٍ من الواقع وصاح بجمودٍ يعكس تيارات القسوة بداخله: لما يجي الوقت المناسب، مش هضيعها من إيدي….

بداية ليست مُبشرة لعلاقة شُيدت على كذبة ولو كانت صغيرة، بداية ستهدm قلب طرفين مشوهين بفعل تجاربهم المريرة مع العالم، مهما كانت حجم كذبتك ستبقى بالنهاية كذبة ولو كانت بيضاء، من أبسط حقوق مُحبك أن تُطلعه وتشاركه عما بصدرك ويخيفك من خسارته، هو بجموده وغموضه يُصبح مراهق بحضورها، هو بقلبه يظن أنه سيبدل خــــوفها ويغفل عن كذبته التي ستنهي واقعهم الغرامي المؤقت!!! فهل ستكتمل علاقتهم؟!

***************************

بعد تلك الأحداث المضطربة بيومين، ببيت « هبه» أغلقت الهاتف مع « ورده» بعد وصلة من اللوم والخِصام بسبب عدm إعلامها بما حدث معها، كانت الساعة تُشير للسابعة عنـ.ـد.ما سمعت طرقاتٍ خفيفة فوق بابها، ارتدت نقابها وخِمارها وفتحت الباب، لم يكن الطارق سوى « ثائر» كان وسيم بدرجة جعلتها تغض بصرها عنه بعدmا ناظرته عيناها بلمعة نـ.ـد.مت عليها، تقدm « ثائر» من « رحمه» الجالسة تُراجع دروسها بعدmا أخذ لها إجازة مرضية من مدرستها، ابتسمت الصغيرة بسعادة وهتفت: ثائر، وحـ.ـشـ.ـتني

ربت « ثائر» فوق خصلاتها بحنانٍ وكأنها صغيرته وجلس جوارها وتمتم بصدقٍ: وأنتِ يا رحوم، عامله إيه في المذاكرة؟!

مطت « رحمه» شفتيها بقنوطٍ وأردفت بملل: كويسه بس زهقت من الجِبس اللي مش عارفه اتحرك منه دا

جلست « هبه» قِبالتها وتمتمت: كلها شهر وتفكيه يا رحمه اصبري يا حبيبتي

حمحم « ثائر» لينتبهوا له وتمتم بتردد: هبه هو ممكن أسألك سؤال؟!

ابتلعت هبه ريقها بصعوبة وقلبها يخفق بقوة من السؤال الذي تعرفه عن ظهر قلب وكم تتمنى لو يُخطئ قلبها ولكنها ابتسمت بتكلف وهتفت: أكيد

شبك « ثائر» كفيه معاً وغاص بنظراته بين حدقتيها الواسعتين وتمتم بـ.ـارتباك: إيه سبب الحرق اللي في وشك دا؟

حينها هتفت « رحمه» المتابعة للحوار من بدايته وكم تمنت هي أيضاً أن يُخطئ توقع شقيقتها ولكن لا مفر، رفعت نظرها له ولمعت عينيها بصدقٍ وأردفت: أنا السبب، أنا اللي حرقتها يا ثائر

 

 

 

0 0 votes
Article Rating
____

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x