رواية شظايا الكلمات أثير وراكان الفصل الأول 1 بقلم جهاد وجية
لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها
أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)
رواية شظايا الكلمات أثير وراكان الفصل الأول 1 بقلم جهاد وجية
البارت الأول
بمحافظةِ الإسكندرية بذلك الحي البسيط… الذي تضج شوارعه بالأطفال واصواتهم اللاهية وأصوات الحدادين والعاملين …
وضعت تلك الفتاة الثلاثينينة الطعام فوق الطاولة الخشبية الصغيرة بذلك البيت البسيط المُتهالك ثم انحنت طابعة قبلة صغيرة فوق وجنتي شقيقتها الصغيرة ذات العشرة أعوام ثم تناولت حقيبتها القديمة وهاتفها الصغير وتقدmت من باب المنزل الصغير وعينيها تفيض حنانًا لصغيرتها الجائعة ثم، كادت أن تغادر ولكنها التفتت هاتفة بتأكيد: رحمه الباب مـ.ـيـ.ـتفتحش لحد ولو مين بالذي، أنا معايا المفتاح أربع ساعات وهرجع من الشغل تكوني ذاكرتي واجبك عشان امتحاناتك قربت، كلي ورتبي مكانك… فاهماني يا رحومه، أنتِ لسه مت عـ.ـر.فيش حد هنا
أومأت الصغيرة برأسها لشقيقتها الكُبرى وتناولت رغيفًا من الخبز ووضعت به بعض الجُبن وهرولت لها وعينيها تفيض بالرجاء حتى تأخذهم، تمسكت بكفها وهمست ببراءة شـ.ـديدة: خدي الساندويتش دا يا هبه أنتِ مكلتيش بقالك يومين
انحنت لاثمة وجنتيها وتمتمت بطيبة وحب : لا أنا شبعانه يا قلب هبه المهم أنتِ ولما أنتِ بتشبعي أنا بشبع
رفعت الصغيرة إحدى حاجبيها وزمت شفتيها باعتراض وهتفت بحدة مصطنعة: لا كـ.ـد.ابة، أنتِ جبتيلي الأكل لما قبضتي امبـ.ـارح ودفعتي بقية قبضك لإيجار الشقة وجبتيلي ملخصات ومبقاش معاكي فلوس تأكلي برا وأنا شبعت
ترقرقت العبـ.ـارات بمقلتيها البُنيتين وهزت رأسها بموافقة وتناولت الطعام من شقيقتها ودسته بحقيبتها وأنزلت نِقابها الأسود وخرجت مسرعة تجاه عملها، حتى لا تتلقى المزيد من توبيخ رئيسها بالعمل
«هبه يحيي منصور: فتاة بسيطة ذات الثامنة والعشرون عاماً، توفى والديها منذ عشرة سنواتٍ بنفس العام، والدتها عند ولادة شقيقتها الوحيدة ووالدها عقبها حـ.ـز.ناً على فراق زوجته، وأصبحت هي الراعي الوحيد لشقيقتها صاحبت العشرة أعوام» ….
**********************************************
بمنزلٍ بسيط تنبثق الطيبة من جدرانه خرجت فتاة قصيرة من أحد الغرف بسرعة بشعرها المُشعت ووجهها الممتعض متوجهة للمرحاض ومازال جسدها يحمل آثار النعاس التي تُجاهد لطردها ولكن بلا فائدة، انهت اغتسالها وتوضأت وأدت فرضها ووقفت تضع اللمسات الأخيرة على حجابها، تلمست بأناملها تلك الحبوب التي تخفي أغلب ملامحها الرقيقة والبُقع الداكنة التي تُفسد وجهها ثم همست بحسرة لنفسها: يلا يا موكوسه هتتأخري على الشغل والمدير بيتلكك أصلاً
وضعت هاتفها داخل الحقيبة وسارت متوجهة للباب لولا صوت والدها الحنون المُغلف بالمرح من خلفها : راحه فين بادري كدا من غير ما تصبحي عليا يا بشكير
انفرج ثغرها عن ابتسامة عاشقة والتفتت منحنية حتى وصلت وجلست على ركبتيها أمام كرسيه المتحرك وهتفت بلومٍ مصطنع : بشكير إيه بس يا بابا
قرصها ذلك العجوز من خصرها النحيل وعينيه تبتسم بطيبة خالصة وحبٍ شـ.ـديد لفتاته الوحيدة وتمتم بضحك: اعملك إيه ما أنتِ اللي شبه الواد بشكير بتاع الفلافل
امتعضت ملامحها من حديث والدها اليومي ونهضت بغـــضــــب مصطنع هاتفة بحنقٍ: أنتِ يا ست ماما شوفي الحاج دا فايق عليا من الصبح كدا ليه أنا بردو في مقام بـ.ـنته ومن لحمه ودmه
خرجت إمرأة أربعينية من مطبخها البسيط ببسمة طيبة لمشاكسة زوجها وطفلتها الصباحية، ابتسمت باتساع عنـ.ـد.ما رأت ملامح ابـ.ـنتها الحانقة ونظراتها المغتاظة لوالدها المشاكس، اقتربت محتضنة صغيرتها وهتفت بطيبتها المعهودة : مزعل وردة ليه يا حاج بلال
ابتسم الأب بخبث والتف بكرسيه متوجهاً لغرفته وهتف بلامبالاة: أبدًا زعلانه إني بقولها يا بشكير اهو كدا الحق بيزعل
ضـ.ـر.بت بقدmيها الأرضية الصلبة باعتراض وهتفت بحدة مصطنعة: أنا هنزل أجيب كرش الواد عماد بشكير دا كرمة ليك ولأصلك يا بابا
اهتز جسد والدتها بعنف من كتمها لضحكاتها على منظر صغيرتها ووالدها، نظرت لوالدتها بغـ.ـيظ وتمتمت مبتعدة : اضحكي يا عفاف اضحكي ما هو اللي بيتريق عليا جوزك بردو مش حد غريب
صدحت ضحكات والدتها بأرجاء بيتهم الصغير وهذا ما تتمناه كل يوم، أن ترى ضحكاتهم وهكذا يكتمل صباحها، توجهت للباب وهتفت بصوتٍ وصل لمسامع والدها : منك لله يا عماد يا ابن أم عماد أشوفك ملسوع في زيت الفلافل بتاعتك قادر يا كريم
« وردة بلال الشامي، فتاة بالسابعة والعشرون من عمرها، وحيدة أبويها، قصيرة القامة، تُغلف عينيها القاتمتين أهدابًا كثيفة تجعلها مُردافًا آخر للبراءة رغم تسلط لسانها وعفويتها الشـ.ـديدة»
أغلقت الباب خلفها ووضعت حقيبتها على كفتها ورفعت رأسها لأعلى وهمهمت بترجي: يارب ديمهم نعمه في حياتي وكمل فرحتي بيهم….
**************************
أنزلت تلك السمينة قدmيها بصعوبة من على الفراش وتمطأت بذراعيها بنعاسٍ وتطلعت للساعة الفاخرة التي تتوسط الحائط الأرجواني بغرفتها الطفولية…. رمقت الساعة والتي تشير للعاشرة وهتفت بامتعاض: الله يحرق الكلية وسنين الكلية ويحرق اللي طالب بحقوق المرأة
نهضت بتثاقل وسارت بخطواتٍ بطيئة حتى وصلت لطاولة خشبية وانحنت ملتقطة قطعة من الكيك المغموس بالشيكولاته الذائبة متوسطة الحجم وهتفت من بين مضغها: يعني كمان جايبين حجم صغير أكنهم بيأكلوا بيبي، إيه الناس دي يا ربي
أنهت ما بيديها وتقدmت من الخزانة الكبيرة الممتلئة بجميع أنواع الملابس الباهظة ومن جميع الماركات العالمية والتي تناسب حجمها، التقطت ثوبًا أُرجواني ينسدل بسلاسة على جسدها بحزامٍ أسود من عند الخصر وأكمامٍ مزخرفة لتلائم طلتها، توجهت للمرحاض بخطواتٍ متعثرة وخرجت بعد مدة وحملت حقيبتها وهاتفها وهبطت الدرج
كان الجميع ينتظر قدومها، بلسم العائلة كما يُلقبها جدها وجدتها، تهلل وجه والدها عنـ.ـد.ما ناظرها وهي تتقدm منه، انحنت تقبل يد والدتها ووالدها وجديها وابتسمت بتكلف لإبنة عمها وزوجها، جلست بصمت تتناول فطورها وسط حديث والدها وجدها عن العمل، نظرت لهاتفها لتتفقد الوقت وانتصبت تنوي الخروج بسبب تأخرها عن موعد محاضراتها ولكن أوقفها صوت ابنة عمها الماكر: هو الفستان دا مش ضيق شوي يا أثير؟! … ولا أنتِ تختني تاني؟
ابتسمت بإصفرار وسارت بيديها على منحنياتها واصطنعت التفكير وتمتمت بتأكيد: تؤ مش ضيق وحتى لو تخنت فتخنت من الأماكن الصح يا قلب أثير اومال أفضل شبه سلاكة السنان؟!
ألقت حروفها وحملت حالها وخرجت متوجهة لسيارتها، أخذت موضعها بالسيارة وأغلقت نافذة السيارة عليها وذاب قِناع القوة الذي تلبسها وتهاوت دmـ.ـو.عها المُتحسرة وهمست بمرارة: اعمل إيه بس يا ربي… تعبت
قضمت شفتيها بألــم تمنع خروج شهقاتها وعلو صوت نشيجها ولكن كانت دmـ.ـو.عها تخط سبيلها على وجنتيها المكتزتين!
« أثير حسين الشاملي: ذات الثالثة والعشرون عاماً، طالبة بالسنة الأخيرة من كلية التمريـ.ـض، صاحبة الجدائل النارية، بلسم الداء ودواء الفؤاد، تتميز بسمنتها الزائدة عن الحد والتي هي عائقها الوحيد بالحياة»
*************************
نفخت هبه وجنتيها بضيق وملل من كثرة الاعمال المُتراكمة عليها، انتصف النهار ومازالت مُنكبة على مكتبها تُراجع وتتدقق الأوراق، يجب عليها إثبات جدارتها بهذه الشركة حتى تضمن مأوى لها ولشقيقتها الصغرى، عادت بظهرها للخلف واغمضت عينيها لتسرق عدة دقائق من واقعها ولكن تخلل تلك الدقائق أسوأ لحظاتها على الإطـ.ـلا.ق، حين حُطِمَ قلبها، حينما تهاوت ثقتها وحياتها من على حافة أعتى الجِبال، تنهدت بألــم وعادت بذاكرتها قبل خمسة أشهر عنـ.ـد.ما قرر قلبها فتح ابوابه والوقوع بشِباك الحب وحيله الخبيثة…. عادت لذكريات ذلك اليوم المشؤم…
# قبل ستة أشهر #
صرخ بغـــضــــب وحدة وتبع صرخته صوت صفعة قاسية هبطت على إحدى وجنتيها من كفه الغليظ، واحتدت ملامحه وهتف بشراسة: مشوهه!! طلعتي مشوهه يا روح أمك وبتستغفليني؟!
تكورت على نفسها بجانب الفراش بثوب زفافها المُلطخ بدmاء كرامتها المذبوحة وتمتمت بكـ.ـسرة: مش بمزاجي… قولتلك لازم تعرف وتشوفني وأنت قولت لا…
انحنى وأمسكها من نقابها الأبيض وحجابها ونزعه بعنف لينسدل شعرها الغجري بتموجاته الكامنة وقبض عليه بقسوة كادت أن تقــ,تــلعه وصاح بحِقدٍ: مش فاضل الاحمدي اللي تضحكي عليه يا قذرة… ورحمة أمك لانـ.ـد.مك وأخليكي عبرة لأي واحدة من جنسك الزبـ.ـا.لة
هزت رأسها بعنف ودmـ.ـو.عها تهطل بغزارة لعلها تُشفي جِراح قلبها وهمست بخفوت ومرارة: أنتَ اللي قولت عاوز واحده تصون بيتي… ميهمنيش الشكل… جنسي اللي مش عاجبك دا أنتَ جيت بفضل واحده منه
أيقظت شياطين لُبه وأشعلت فتيل غـــضــــبه لدرجة وصلت شرارات غـــضــــبه لأنفاسها وصوته الحاد الذي ارتجف جسدها له، شـ.ـدد من قبضه على منابت شعرها وقبض بيده الأخرى على فكها واقتنص بشفتيه براءة شفتيها، لم يكن آدmي بالمرة بل كان حـ.ـيو.انًا بربري سلب أنوثتها وأهدر سعادتها، قضم بأسنانه القاسية شفتيها حتى سالت الدmاء منها ولم يرحمها بل ابعد وجهه عنها بإشمئزاز وهسهس بفحيح كالأفعى: بتساوي نفسك بأمي… مشوفتيش شكلك في المراية؟!… أنتِ بأي عين بتتكلمي أصلا… اللي زيك ملوش أي حق
تأوهت بصوتٍ حاد وكم كرهت روحها التي احبته، لقد تمنت قبلتهم الأولى بشغفها ولهفتها ولكن ليس وهو يشمئز منها وينفر وكأنها طاعونًا سيصيبه، ابتلعت غِصة متحسرة بحلقها وخرج صوتها الواهن: صدقني هتنـ.ـد.م… أنتَمش بني آدm أنت مسخ… متقربليييش…. أنا بكرهك…
ألقاها بعنف على الارضية الصلبة وابتسم بشر وعيناه تنذر بانفجارٍ بركاني وخرجت نبرته خبيثة وبغيضة: أنا هوريكِ المسخ دا هيعمل إيه….أنا بقرف أقربلك أصلاً…. مش أنا اللي أبص لواحده مشوهه
ختم قوله بسحبه لحِزام بنطاله الجلدي أمام ناظري تلك المسكينة التي كُسرت فرحتها بليلة زفافها…. وأمام عينيها المصدومتين مما تصوره شياطينها الخائفة!!!!…
عادت من شرودها على صوت صديقتها «وردة»، تلك الفتاة التي تصغرها بعامٍ واحد ولكنها مثلها هي الراعي الوحيد لعائلتها، رقيقة رغم لسانها السليط، تعرفت عليها صدفة عنـ.ـد.ما أتت بمحنتها لتبحث عن مَسكن لها عنـ.ـد.ما قررت الهروب من جلادُها الغليظ، ابتسمت وسط دmـ.ـو.عها التي تهطل أسفل نقابها الأسود وهمست بتحشرج: كنتِ بتعيطي لي
ابتسمت الأخرى بسخرية لصديقتها الساذجة وتمتمت بتهكم: خلي سؤالك لنفسك
مطت شفتيها الشاحبتين أسفل نقابها وهمست بصوتٍ يحمل بين طياته مرارة الأيام: نفسي تعبت…. ياريت الزمن يرجع بيا
جلست «وردة» على الكرسي المقابل لها واستندت بمرفقيها على المكتب وهتفت: حتى لو الزمن رجع كنتِ هتحبيه…. فاضل كان جزء منك…. متنكريش إنك اتعلمتي الدرس
غامت مقلتيها بسحابة حزينة وشبكت كفيها للأمام وتمتمت: الفضل الوحيد اللي خَلفه وراه هو إني بقيت قوية كفاية أخلي أي حد يقرب مني أو من أختي أكله بسناني… حتى لو هو..
مطت «وردة» شفتيها للأمام وتمتمت باستنكار: يعني بطلتي تحبيه يا هبه؟!
صدحت ضحكاتها الساخرة وتحجرت دmـ.ـو.عها وهتفت بحقدٍ: أحبه؟! في مسجون بيحب سجانه؟!… في مظلوم بيحب الظالم اللي دmره؟! .. دا انا أحرق قلبي لو لسه حتى بيفكر فيه بالطريقة دي
ابتسمت «وردة» بحنان ومدت كفها تربت فوق كف صديقتها وهتفت بتأكيد: ربنا هيعوضك… أنتِ شوفتي كتير في الكام شهر اللي فضلتي على ذمته فيهم… ربنا ما يكسبه أبداً فاضل ابن سوزان
ضحكت « هبه» بخفة على حديث صديقتها المشاكسة وهمست بوهن: شبه امه… كان بومه زيها… معرفش كنت اتعمـ.ـيـ.ـت وحبيت الحلوف دا إزاي… داهيه تقطعه هو وأمه
ضحكت « وردة» بصوتٍ عالٍ على مُزاح صديقتها المصطنع وهتفت بمرح: النهايات أخلاق يا سعدية… عيييب بردو دا كان جوزك في يوم…
ابتلعت غصة مريرة بحلقها الجاف عنـ.ـد.ما ذكرتها بأنها كانت على اسمه بيومٍ ما.. حاولت رسم بسمة مزيفة على شفتيها وهتفت بلامبالاة: وأنا بلا اخلاق….
أشفقت على ما عانته تلك الرقيقة التي رغم ما مرت به مازال قلبها بنقاؤه وعفته، تذكرت صداقتهم التي شُيدت منذ خمسة أشهر عنـ.ـد.ما رأتها ذات يوم ضالة طريقها بحيهم الصغير تبحث عن مأوى لها، لقد كانت أشبه برضيعٍ فقد ملاذه الأمن وبقى بمفرده يصارع ذِئاب العالم البشري، تمتمت بجدية عكس طبيعتها: هـ.ـر.بتي إزاي منه يا هبه
ضحكت الأخرى بتهكم وأغمضت عينيها براحة بسيطة وكأنها تسترجع لحظات كـ.ـسر حِصارها وهمست بألــم: مامته… صعبت عليها… هي اللي هـ.ـر.بتني أنا وأختي… أو يمكن خافت على ابنها…
لوت الأخرى شفتيها بامتعاض وتمطأت بذراعيها للأمام ولاعبت حاجبيها وهتفت: طلع فيها الخير الست سوزان العقربة… يلا ربنا يجحمهم سوا ذَلك البغل من تلك العِجله بردو
صدحت ضحكات « هبه» المرحة على مُزاح صديقتها العابر، هذه القصيرة لا تنفك عن إخراجها من زوبعة حُزنها الدائم
ولكن هل كُتبَ لهم المزيد من الألــم بعد؟!
***************************
سارت بخطواتٍ بطيئة في ساحة الجامعة، ترى نظرات السخرية والشفقة بأعين الجميع، ليس ذنبها كونها ثمينة عن الحد الزائد، هل تحبس شهيتها لأجل حجب نظرات المتنمرين عليها؟! تتصنع القوة عنـ.ـد.ما يسخر منها البعض ولكنها سرعان ما تسقط بين ثنايا ظلمتها تبكي بحرقة، لقد عانت لمدة عامين من السخرية اللاذعة والشفقة والمزاح عليها، هي ليست نُكتة أو مزحة لهم بل هي بشرًا مثلهم!! ألا يحق لها العيش دون طـــعـــنات أعينهم الحادة؟!….
جلست بصمت بمقعدها بأحد المدرجات الأمامية وفتحت هاتفها لعلها ترى ولو رسالة واحدة من أصدقائها، عفواً هي ليس لديها أصدقاء سُحقًا عليها أن تُشفق على حالها، وضعت الهاتف ببرود جانبها عند دخول استاذها الجامعي ، انتبهت بكل حواسها لما يُلقيه ودونت باهتمام ما يُمليه عليهم، انتهت المحاضرة بسلام وتناولت هاتفها وحقيبتها وذهبت لشراء بعض الشطائر، وقفت بملل تتطلع للإزدحام أمام الكافيتريا، رأت بعض الفتيات ينظرون إليها ويتهامسون فحاولت ظبط انفعالاتها ولكنها فشلت عنـ.ـد.ما صاحت إحداهما بفظاظة: ودي هيكفيها واحده ولا اتنين زينا ولا عاوزه مكنة شغالة لحد ما تسد معدتها
تنفست بسرعة ملحوظة وضغطت بأظافرها بباطن كفها وأغمضت عينيها لتهدأ من ثورتها ولكنهم يصرون على استفزازها وإذلالها، التفت تنوي الخروج ولكن قبضت إحداهما على معصمها بقوة وهتفت بمكر وصوتٍ وصل لمسامع جميع من حولهم : ويعني الشاملي باشا بجلالة قدره مش عارف يعمل لأثير هانم حفيدته عملية شفط ولا تدبيس حتى بدل ما هي شبه العجل كدا
استمعت لضحكات الجميع من حولها وهمهمـ.ـا.تهم الساخرة منها، ترقرقت الدmـ.ـو.ع بمقلتيها العسليتين وحاولت سحب معصمها من قبضة تلك الوقحة ولكنها قبضت بشـ.ـدة عليه ألــمتها وهتفت تلك المرة بصوتٍ جوهري: مبقاش غير البِغال اللي تترسم علينا كمان… بصي لنفسك في المراية كويس قبل ما تخرجي يا ماما…. ييي بيئة أووي يا أثير
عند هذه النقطة وسقطت دmـ.ـو.عها بغزارة فوق وجنتيها المكتزتين وارتجفت شفتيها وهمست بضعف وهي منكسة رأسها: لو سمحتي سيبيني.. انا معملتش ليكي حاجه
ضحكت الأخرى بسخرية والتي تُدعى « مي» وهي زميلتها بنفس الفرقة الرابعة وهمست بفحيح كالأفعى: لا عملتي وعملتي كتير… مش مي الشناوي اللي تبقى عاوزه تعمل حاجه وحد يحاسبها
أنهت حديثها اللاذع الذي سقط على مسامع الأخرى كشعلة من النيران الموقدة ودفعتها بقسوة لتسقط بعنف على الدرج الحاد ولكن لولا قبضة قوية حالت بينها وبين حافات الدرج لكانت الآن بين فاقدة للوعي أو معرضة للنـ.ـز.يف، رفعت عينيها الغائمتين بالدmـ.ـو.ع لتعرف هوية مُنقذها وسرعان ما اجفلت بصدmة عنـ.ـد.ما رآته!!إنه استاذها بالجامعة !! ابتعدت بهدوء وضعف وتناولت حقيبتها المُلقاه وهمهمت بكـ.ـسرة: شكراً
هرولت مسرعة تجر خيبتها وإهانتها التي ابتلعتها بصمت، أين قوتها؟! أين لسانها؟! ألــم يكن رجلاً من بين الواقفين ليدافع عنها؟! ألــم يشعر احدهم ولو بالشفقة عليها؟! لما أهانتها بتلك الطريقة المخزية؟! أليست فتاة مثلها لتشعر بما جعلتها تختبره؟!
بينما هي تهرول باكية بقى هو ينظر في أثرها بنظرات غامضة لا تفسر باطنها، هو بصلابته وقوته وهدوؤه لا يستطيع أحداً أن يعلم ما يجول بخاطره….
***********************
دلفت بصمت لبيتها، خلعت نقابها وتبعه حجابها، لفت بأنظارها بالصالة الصغيرة لعلها ترى شقيقتها ولكنها رجحت نومها، ألقت نفسها بتعب على الأريكة المتهالكة خلفها وذهبت بغفوة بسيطة استيقظت على طرقات الباب، رفعت هاتفها لترى الساعة، نهضت بثقلٍ لتفتح، تحولت ملامحها الناعسة لأخرى غاضبة عنـ.ـد.ما رأت شقيقتها محمولة بين يدي رجلٍ غريب ومن الواضح أنها خائفة منها، تمعنت بملامح ذلك الغريب، يبدو الثراء الفاحش عليه ولكن كيف وقعت شقيقتها بيده؟! صرخت بصدmة وضـ.ـر.بت بكفيها على صدرها عنـ.ـد.ما وقع نظرها على قدm شقيقتها المُجبرة وصاحت بخــــوف: بت يا رحمه حصلك إيه…
حمحم الرجل بنبرة رجولية وهتف بصوته القوي: اهدي حضرتك.. هي كانت نازلة تجيب حاجه من على أول الشارع وأنا كنت داخل بعربيتي وغـ.ـصـ.ـب عني خبطها… ممكن ادخل ونكمل كلام جوا؟!
افسحت الطريق له ودلفت خلفه بقلبٍ تأكله نيران الخــــوف، مظهر شقيقتها الخائف جعل قلبها يخفق بشـ.ـدة من قلقها عليها، تبعته حتى وضعها بعناية على الأريكة، جلست جانبها وضمتها بقوة لصدرها لتهدأ روع قلبها، كيف خرجت دون علمها؟! ترقرقت الدmـ.ـو.ع بمقلتيها وهمست بحـ.ـز.ن: حصلك إيه يا قلب أختك
كان يقف يتابع قوة علاقتهم، بالخطأ أصابها بسيارته والصغيرة لم تردد سوى بعض الكلمـ.ـا.ت بأن شقيقتها ستقلق عليها، لم تكن خائفة على نفسها فقط على شقيقتها، لقد سلبه القدر شقيقته بحادث مـ.ـو.ت والده، وبقى هو فقط ووالدته، حمحم ليجعلها تنتبه له، وليتها لم تفعل، عيناها البُنيتين تلمعان ببريقٍ لم يختبره من قبل، بجاذبيتها البسيطة تضمه إليها، نفض تلك الأفكار عن رأسه وهتف باحترام: أنا ثائر البدريّ، بتأسف عن اللي حصل لرحمه بس الغلط مني لإني مكنتش منتبه للطريق، أنا هتكفل بكل علاجها لحد ما تفك الجبس وترجع تمشي أحسن من الأول
قبلت جبين شقيقتها النائمة ومسحت دmـ.ـو.عها ولكن سرعان ما شهقت بعنف عنـ.ـد.ما علمت أنها لم ترتدي نقابها فقط اكتفت بحجابها!!، عنـ.ـد.ما استشعرت نظراته وضعت كفها بلحظة على موضع مأساتها الكُبرى، خدها الأيسر المشوه بأكمله، نكست رأسها بحـ.ـز.ن وهمست بكـ.ـسرة: شكراً لحضرتك بس أنا اقدر أعيل اختي، تقدر تتفضل لإن مينفعش وجودك هنا
ابتسم بهدوء لحديثها الرزين ولكن ما صدmه هو كيف لم يرى تشوهها؟! كيف لم يراه وهو يتخذ من نصف وجهها موضعًا له؟! أكانت عينيها ساحرة لتلك الدرجة لتنسيه؟! شعر بشفقة عليها عنـ.ـد.ما رأى نظرات الكـ.ـسرة بعينيها، هتف بجدية كعادته: اللي بيغلط يتحمل غلطه يا آنسه… تكلفة علاج أختك كاملة عليا…
مسحت دmـ.ـو.عها التي أغرقت وجهها وهتفت مصححة: مدام من فضلك… شكراً بس أنا مش هقبل بكدا
مسح على وجهه بعنف وتعجب من حالتها كونها متزوجة ولكنها بمفردها مع شقيقتها ببيتٍ متهالك مثل هذا ولكنه هتف بتأكيد: مش باخد رأيك أنا بعرفك ودا اللي اتربيت عليه… من أفسد شيء عليه إصلاحه… عن إذنك
عقب خروجه أغلقت الباب عليهم بقوة ونزلت طرحتها وانخرطت في وصلة جديدة من البكاء، كيف خرجت بتشوهها أمامه؟! كيف سمحت لأحدهم بأن ينظر لها بشفقة كمثل التي استشعرتها منه؟! حملت شقيقتها بصعوبة ووضعتها بعناية على الفراش وبدلت ثيابها لمنامة شحبت ألوانها من كثرة غسيلها وصعدت جوار شقيقتها على الفراش، قبلت جبينها بقوة وهمست بترجي: يارب متضرنيش فيها.. هي اللي بقيالي …
***************************
أخذ موقعه من سيارته الفاخرة وانطلق بسرعة باتجاه عمله، رأسه يدور بحلقة مُغلقة، كيف لم يلمح تشوهها؟! ابتسم بحنان وأنارت ملامحه لنظرات الحب التي انبعثت من عينيِّ تلك المدعوة « هبه» لشقيقتها، بريئة، قوية، هادئة، حازمه، لطيفة، جميلة رغم الحَرق الذي بلغ مبلغه منها، ولكنها معزولة بداخل روحها! نفض كل تلك الأفكار عن رأسه وطرق بإصبعه على مقود السيارة وهمس بشرود وصورتها تؤرجح أمامه: أما نشوف حكايتك يا هبه
« ثائر البدري: رجُلاً بالثالثة والثلاثين من عمره، طويل القامة، بجسده المُتناسق، خمري البشرة، ملامحه الرزينة تبعث الطمأنينة بالقلوب، أنفه المنحوت وشفتاه المرسومتان تُكمل طالته الوسيمة»
خرجت من غرفتها عاقدة شهرها لأعلى وصوت نغمـ.ـا.ت موسيقاها يصدح بإزعاج بكامل البيت، خرجت والدتها بضجر من صوتها البشع وهتفت بغـــضــــب: أنتِ يا حلوفه… مش قولنا بطلي صوتك اللي شبه البقر دا… أبوكي مش عارف ينام
قضمت الخيارة التي بيديها ومطت « وردة» شفتيها بلامبالاة وهتفت ببرود: مش عجبك طلقني
تناولت والدتها حبة طماطم طازجة والقتها بها بعنف ولكنها تفادتها ولاعبت حاجبيها وهتفت بمكر: مالك بس يا عفاف هو الحاج مزعلك ولا إيه
عضت والدتها شفتيها بغـ.ـيظ من تلك الوقحة التي انجبتها وصاحت بغـــضــــب: اتلمي يا بشكير بدل ما اخلي شبشبي يلمك كويس
راقصت خصرها بدلالٍ مستفز وأخرجت لسانها لوالدتها باستفزاز وهمست: راحت عليكي بقا يا عفاف…. كبرتي والشيخوخة صابتك
فرغ فاه والدتها من وقاحتها الزائدة وانحنت على غفلة منها ساحبة خُفِها المنزلي وبحركة سريعة الصقته بوجهها بقوة وهتفت بتشفي: عشان ت عـ.ـر.في الشيخوخة وصلت بيا لفين يا بـ.ـنت بلال
تأوهت الأخرى بقوة وفركت وجهها بعنف وصاحت بغـ.ـيظ: بهزر يا رمضان مبتهزرش
مرة اخرى تناولت الزوج الأخر من الحذاء والقطه بوجهها وهمست ببرود: لا بهزر يختي.. حتى شوفي…
*********************************
دلفت للمنزل بخطوات متعثرة، لقد هـ.ـر.بت من فاجعة ما تعرضت له بجامعتها وبقيت طوال اليوم تلف الطرقات بسيارتها، تجاهلت اتصالات جدها ووالدها ووالدتها، ولكن ليس لها سواهم وهاهي لجأت لهم رغم رغبتها المُلحة بالصراخ والعويل دون حواجز تمنعها، كادت أن تصعد الدرج لغرفتها لولا صوت جدها الحنون: أثير تعالي..
ابتسمت بحـ.ـز.ن وتقدmت منه بتعجب شـ.ـديد عنـ.ـد.ما رأته أمامها، هو نفسه أستاذها بالجامعة والذي أنقذها من شلة الفتيات المتنمرات عليها، اعطته إمأه بسيطة من رأسها وجلست حيث أشار جدها وهمست بضعف: خير يا جدو
ابتسم الجد بطيبة لحفيدته وفلذة كبدة الصُغرى ونظر للجالس جواره وهتف بسعادة: دكتور أركين متقدm ليكي…..
فرغ فاهِها من تصريح جدها وعلت الصدmة وجهها، كيف لهذا الوسيم صاحب الجسد العضلي والعينان الساحرتان والوجه البشوش والملامح الجذابة ان يتقدm لها هي تلك السمينة التي تشبه البِغال كما وصفتها « مي»!!!
هزت رأسها وضحكت بسخرية وهتفت بمرح: كدبة إبريل دي يا جدو صح؟! بس إحنا في نوفمبر؟!
ابتسم الجد بحـ.ـز.ن على حال حفيدته وما وصلت له وهتف بتأكيد: لا يا أثير.. دكتور راكان متقدm ليكي وعاوز يتجوزك
نهضت بعنف وصوت صكيك أسنانها وصل له وهتفت ببرود: عرضك مرفوض يا دكتور.. انا مش موافقه يا جدو…
يتبع…..
- لقراءة باقي فصول الرواية أضغط على (رواية شظايا الكلمات أثير وراكان)
لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها
أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)