روايات

رواية أرشد فؤادي الفصل الأول 1 بقلم سارة فتحي

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

رواية أرشد فؤادي الفصل الأول 1 بقلم سارة فتحي

 

 

البارت الأول

 

 

كل منا لديه طموحات نَكِد ونتعب طول حياتنا لتحقيقها لكن بعض الطرق تقودنا الى الهاوية؛ بعض الأفكار تطرق بابنا لتنتشر كالوباء سريعًا بداخلنا ثم تبدأ فى نهش مقاومتنا لتقل بالتدريج وربما تنعدم.. لنصبح طوعًا أو كرهًا علينا مواجهة صراع العصر المال والأخلاق

هناك خلل اخلاقى سببه لنا الهوس الأجتماعى الجديد
(التيك توك) الكثير والكثير من الفيديوهات الكاشفة
للعورات.. لا تراعى عيبًا ولا حرامًا ولا عادات ولا قيم
ولا حرمة البيوت.. فقط ينظرون للمكسب السريع
والسهل.. وإذا حدث خلل وتشوهت إحدى مبادئ حياتنا يحدث خلل فى البقية..

فى حى شعبى حيث البيوت البسيطة التى تدل على مدى بساطة اهلها.. الجميع يعمل فى صمت.. يصدح صوت بعض النساء للباعة وهن يتذمرن من غلاء الأسعار
فى الفترة الأخيرة.. وعلى الجانب الآخر بعض الأطفال كل منهم يحمل بيده هاتفًا حيث أن فى الآونة الأخيرة
تم إستبدال لعبة الكرة والغميضة بالهواتف.
هوس بمواقع التواصل الأجتماعى المدمر.

فى إحدى البيوت.. ها هى قامت بتثبيت هاتفها بضجته المعتادة وصخبه الحتمى.. فهى لا تمتلك قدر عالى من الجمال ولكن حضورها طاغى.. بدأت فى تسجيل مقطع تصويرى مع صديقاتها كى تبثه عبر إحدى التطبيقات (التيك توك) فهى فتاة متناقضة تجمع كل شئ وعكسه ملامحها توحى بالبراءة لكن بداخلها أنثى شرسة.. لا تعرف حدود.. قوية.. لكنها لا زالت طفلة بريئة.. وما أن انتهت من التسجيل
ضغطت على زر الإنهاء بملل ثم جلست على الأريكة خلفها تزفر بحنق:

-دا الفيديو التالت خلال الاسبوع ولا فى ريتش ولا أى حاجة أنا زهقت

اجابتها صديقتها “فاتن” هاتفه بخيبة أمل:

-مش فاهمة فى أيه؟!
بس دا الطبيعى احنا مين هيتفرج علينا فى كذا حد بيعمل تعبير حركي على الأغانى

التو ثغر صديقتهما الأخرى “نهى” وهى تقول:

-طب ما أنا قولتلكم على اللى فيها احنا المفروض نطلع بشعرنا ونفكها شوية حركات والله فى شهر هنكون من
اشهر التيكتوكر

زفرت “نادين” بحنق:

-شعرنا أيه وحركات أيه؟!
انتِ ميولك بتحدف شمال ليه؟!

اجابتهما “فاتن” مسرعة:

-الحل كله احنا لازم نتعرف على الشباب اللي بيعملوا فيديوهات ونرتبط بيهم وساعتها نبقى كابلز.. وهما دول اللى بيجيبوا
مشاهدات

سريعًا حلمت “نادين” بالحياة الوردية وهى تهمس:

-يا سلام لو الحلم يتحقق ونعيش حياة الرفاهية ويبقى كل همنا نلبس ايه.. اى براند احلى.. ونرشح ميك اب للبنات
وكل الفنادق تطلب تعمل فرحنا كدعاية.. ونعمل بدل الفرح اتنين والمشاهدات تعلى والفلوس تكتر من غير ولا تعب
ولا جهد ولا مرمطة

وقفت “نهى” أمام المرآة ثم تناولت احمر الشفاه من أمامها
وبدأت بوضعه على شفتاها قائلة بسخرية:

-حيلك حيلك انتِ وهى وهم شباب
التيك توك مستنينا دا كل واحد معاه واحدة.. هو الحل زى ما بقولكم كدا
احنا نعمل كدا وساعتها هنلاقيهم بيجروا ورانا أما مين هيبص لينا واحنا مش بنعدى ٢٠٠لايك

حاولت “نادين” أن تهدأ من نفسها بعد كلام “نهى” القاتل لطموحها وهوسها بمواقع التواصل الإجتماعى.. فنهضت واقفة وهى تقول:

-قنبلة إحباط.. طب يلا بقى على بيتكم ونتقابل بكرة عشان ننزل نشترى هدوم جديدة

نهضت كلا من الفتاتان وتوجها نحو الخارج وكل منهما بداخلها طموح تتمنى تحقيقه

طرقت الأرض بكعب حذائها العالى داخل الشركة التى تعمل بها الموجودة فى الطابق الثالث عشر بأحد الأبراج
العالية كان يرمقها الموظفين بإنبهار البعض يعرفها والبعض لا.. فهى من النادر أن تأتى إلى مقر الشركة.. فتواصلها الدائم يكون إلكترونيًا.. ولجت مكتب المدير ومن خلفها مساعدها.. جلست بكل هدوء

أما صاحب المكتب الأنيق اخرج علبة سجائره واشعل لفافة ثم اخذ نفسًا عميقًا واخرجه على المهل.. رمقت مساعدها بضيق ثم سألته بغيظ:

-خير اصريت أننا نيجى هنا ليه؟!

-وحشتينا يا نهى

اجابها بسخرية مستفزة.. فتنهدت وظلت صامتة حتى
اعتدل فى جلسته قائلًا:

-الشغل مش عاجبنى ومكانش ينفع التواصل على النت

مال مجد برأسه متسائلًا:

-إزاى يعنى؟!

-الشهر دا تقدر تقولى كام بنت دخلوا على التطبيق
دا غير أن فى بنات خرجت وكانت هتعمل لينا شوشرة
لولاك يا مجد

ابتسم مجد فعمله فى القرصنة الإلكترونية وخاصة مواقع
التواصل الأجتماعى هو مصدر ربحه الأساسي والأكبر

اجابته نهى ببرود:

-كل اللى دخل دا شوية دول فوق الألفين بنت

قهقة عاليًا فهو شيطان يوسوس دون إكتفاء ثم تحولت ملامحه فجأة هامسًا:

-هما الألفين دول مأخدتيش عمولتك عليهم.. مالك مش
مركزة معايا ليه؟! دلوقتى الكل حلمه الشهرة والفلوس
الرصيد.. واللى بتعمل فيديوهات ترقص ممكن تعمل
اكتر فى سبيل الفلوس والشهرة فرصتك كلمتين
وتسحبيهم وصدقينى الأغلب مش هيقاوم خصوصًا
انك ثقة وقريبة من الكل بس إختارى
الناس اللى عندها المبادئ بعافية حبتين
وعلى فكرة العمولة هتزيد.. شدي حيلك واعملي دعاية
لأصحابك.. وزودى الفيديوهات على التيك توك والكل
هيجى لعندك.. بس استنضفى البنات اصلًا ألفين
فيهم عدد كبير كسر وقالبين عدد تمام

ابتسمت بتوسع عمولتها ستزيد.. رمقت مجد ثم نظرت
نحو المدير الأنيق هامسة:

-تمام يا بوص.. متقلقش الشهر دا الإقبال هيعجبك

بعد مرور يومين

كانت تسير نادين هى وصديقاتها فاتن ونهى.. وكالمعتاد تخطف الأنظار اليها وتتفحص الجميع لترى تلك النظرات المعجبة هى لا تمتلك قدر عالى من الجمال لكنها ذو جاذبية.. قطع نظراتها شابًا وقف أمامها قائلًا:

-نادين مش كدا بردو؟!

-أنت تعرفنى؟!

قالتها بتساؤل ليجيبها بخبث:

-أيوة اعرفك أنا بشوف فيديوهات ليكم انتوا التلاتة على التيك توك.. وطلعت فى نفس الجامعة معاكم.. كنت حابب نتعرف أنا معجب بيكم جدًا أنا مجد

نظرت حولها هى وسط الحى الذى تسكنه به فأجابته مسرعة:

-أهلًا يا مجد بس أحنا مش هينفع نقف معاك هنا

-طبعًا فاهم وأنا ميرضنيش أجيب مشاكل ليكم
نبقى نتقابل فى الجامعة

لم تنتبه للعينين اللتان تقدحان غيرة وتراقبها عن مسافة ليست ببعيدة عنها..
استشاط غضبًا وصار نحوهما.. ثم وقف بجوارها متجاهلًا
نظرتها النارية المصوبة نحوه.. فنظر لذلك الشاب متسائلًا

-خير.. عايز أيه منهم؟!

حك الشاب ذقنه وهو يقول بثبات:

-معايا فى الجامعة وكنت بسلم عليهم عادى
أنت فى حاجة

استشعرت “نادين” اشتعال الموقف فهمست قائلة:

-مدين ابن خالى.. مع السلامة بقى

ابتسم مجد عنوة ثم تبادلا النظرات هو ونهى قبل أن يلقي التحية ويغادر.. أما هو سحبها خلفه داخل ورشة النجارة الخاصة به متجاهلًا تذمرها.. فقد اشتعلت غيرته
وتملك منه الغضب ألا تفهم ألا تشعر أنه يعشقها حقًا
لما تراهن على صبره.. نزعت ذراعها بحدة قائلة:

-أنت اتجننت؟!
ازاى تسحبنى قدام الحتة كلها كدا

الدم يغلى برأسه لكنه حاول السيطرة على أعصابة قائلًا:

-كويس أنى مكسرتش رأسك واقفة قدام الخلق وبتكلمى
رجل غريب.. دا غير البت اللى إنتِ مصحباها جديد شكلها
مش مظبوط

طوت ذراعيها أمام صدرها ثم أمالت رأسها قليلًا قائلة بسخرية:

-تكسر رأسى!!
ما بلاش دور حامى الحمى دا يامدين.. بعدين أصاحب اللى على مزاجى أنت مالك.. احب اقولك ريح نفسك وطلعنى من دماغك تريح وتستريح.. فكك منى بقى مش فى الرايحة والجاية تنط على دماغى.. عن إذنك.

انهت كلامها تاركة خلفها رجل بقلب ممزق.. رجل طعنات الحياة لم ترحمه.

الحب قدر وليس له قيود.. لا يأتى بالقوة ولا يأخذ بالمال
بل هو إدمان وليس هناك سبيل للإعفاء منه

مر اسبوع منذ اخر لقاء بينهما أو بالأدق المشاجرة جلس”مدين” على المقعد المقابل لعمته.. فابتسمت
عمته وهى تضع أنية ذهبية أنيقة فوقها فنجانين من
القهوة فداعب بخار القهوة انفه.. فملأ صدره برائحتها ثم زفرها على المهل وهو يقول:

-القهوة من إيدك غير يا عمتى.. مش أى حد يعمل قهوة هى اللى بتجيبنى هنا على طول

هزت رأسها بمكر وهى تغمز بعينيها قائلة:

-يعنى أنت بتيجى عشان القهوة بتاعتى

تحمحم مدين بإرتباك وتوتر.. هزت رأسها بيأس فهى تعلم مدى عشقه لأبنتها والكل يعلم ذلك.. لكن هناك لذة تكمن فى مشاكسته فهمست:

-العشق وسنينه

رد عليها مسرعًا متسائلًا بإرتباك:

-عشق أيه يا عمتى؟!

-القهوة يا قلب عمتك هو انت فهمت ايه

هز رأسه وهو يرتشف القهوة وعينيه تجوب المكان كمن يجلس على جمر اشتاق لرؤية عينيها.. لعله يُسكن ألم
فراقه لها لسنوات.. لكنه كان مجبور.. هتفت عمته على ابنتها:

-نادين.. نادين انتِ يا بت

بعد عدة مرات خرجت “نادين” من غرفتها لتجيبها بإقتضاب دون أن تنظر نحو “مدين” الذى كان يحترق
لنظره واحدة من عينيها

-يا بت بقالى ساعة بنادى عليكِ ايه اطرشتى

-كنت حاطة الهاند فرى فى ودنى عايزة أيه؟!

رفعت والدتها حاجبيها بنظرة اعتراضية ثم قالت:

-الزفت والنيلة اللى مش بتخلص اجرى هاتى صينية
البسبوسة من المطبخ

تحركت نحو المطبخ بينما تابعها هو بعسليته حتى غابت عن مرمى بصره دقائق وكانت تخرج من الداخل
لتضع الصينية امامهما وقبل أن تنصرف كانت والدتها ترمقها بغيظ تحثها على الجلوس.. جلست ولا زالت
والدتها تحدجها بالنظرات فمطت شفتاها قائلة:

-عامل أيه يا مدين؟!

ابتسم وهو يطالع وجهها فبالرغم من البعد لسنوات ظلت هى غيمة الحب سيدة القلب الأولى والاخيرة.. حاول التحكم فى ثورة مشاعره ليجيبها:

-الحمدلله.. انتِ اخبار الكلية ايه؟!

اجابته بملامح منزعجة وهى تشيح وجهها الجهة الأخرى
هامسة:

-ماشى الحال

حدجتها والدتها بغيظ ثم سألته بهدوء:

-إلا بالحق يا مدين انت اشتريت المحل اللى على الناصية

هز رأسه بالإيجاب قائلًا:

-ايوة يا عمتى يعنى قولت اوسع الورشة

-دا عوض ربنا يا حبيبى ليك انت وأمك على اللى شفتوه
فى حياتكم.. وعقبال يارب كدا ما نفرح بيك

لم تخفِ الفرحة التى ارتسمت على وجهه.. لكم تراقص قلبه بين ضلوعه عند تخيله انهما فى بيت واحدًا.. ألجم ثورة مشاعره وهو ينظر إلى عينيها مبتسمًا هامسًا:

-يارب يا عمتى يقرب البعيد

ضربت الطاولة بيدها وهى تنهض كمن لدغتها عقربة قائلة بغضب:

-هو أحنا مش هنخلص من الموال دا.. أنا قولت وبقول أنا وانت مش لبعض يامدين.. ومش هيكون فى مستقبل
عشان متحطش أمل وتشوف واحدة تنفعك غيرى
أنا عندى طموح وعمره ما هيتحقق معاك.. ايوة يا ابن خالي متنساش أن الطبع غلاب وبلاش افسر اكتر من كدا
ياريت تبعد لأن أنا مش بحبك.. كفاية لعب
فى دماغ امى بقى.. وجو الصعبنيات دا

كلماتها تدوى فى رأسه وتتخبط كرصاصة مجنونة بعظام جمجمته.. آلاف الخناجر صوبت لقلبه.. لم يصدق ما تلفظت به.. كان يحملق بعينيها بقوة.. جذبتها والدتها بحدة وهى تصرخ بها:

-اخرسى يا قليلة الحيا شكل دلعي فيكِ بوظ تربيتك اعتذرى لأبن خالك

ألجمها صراخ والدتها.. فقاطعها هو هاتفًا:

-مين قالك انى حاطط أمل عليكِ.. أنا قولت لعمتى تدعى يقرب البعيد.. أى كان البعيد أنا طول عمرى برضى بالنصيب.. عن إذنك يا عمتى

لم ينتظر ردا واندفع صوب الباب وخرج واغلقه خلفه كان حقًا يحاول أن يتنفس بأقصى قواه لكن الهواء عانده هو الآخر.. فعض على شفتاه بقهر.. قبل أن
يهبط الدرج مسرعًا.

الألم.. الفراق والخسارة هى أمور لا مفر منها ما دمت عاشقًا فهى قربها يؤلم.. وبعدها أكثر ألمًا؛ ألمًا يفتك بروحه وكأنها دفعته فى قعر جهنم ليحترق فى وادى سقر.. ربما قد حان وقت التخلى عن هذا الحب

ولج للداخل وجد والدته تجلس وبجوارها ابنة عمه.. اخذ نفسًا عميقًا قبل أن يلقى التحية عليهما.. فسألته
والدته:

-مالك يا مدين؟!

نظر إلى ابنة عمه بطرف عيناه ثم تنهد فهو لم يحتمل حتى سماع صوت انفاسه أجابها باقتضاب

-ماليش قولت اطلع اريح شوية
فى حاجة؟!

نهضت والدته ووقفت على مقربة منه تسأله بحدة:

-مفيهاش حاجة يا ابن كريمة.. بس ياريت تريح بجد وترتاح وتريحنى معاك

انهت جملتها وهى تتأمل وجهه الذى بدا عليه الألم وكأنه يحمل هموم العالم فوق كتفيه.. كان ينظر لها بحدقتين مهتزة كسائر جسده.. وقلب مثقلًا بالهموم هامسًا:

-عايزة تقولى أيه ياما؟!

-أنت كنت عندها يا مدين واوعى تكدب.. عارفة وشك اللى بيسود يابنى لما تكون راجع من هناك أنت ليه عايز تكسرنى يا ضنايا

جمع شتات نفسه وهو يقول لوالدته بثبات ظاهرى:

-متقلقيش ياما كل شئ انتهى وخلاص.. حتى رجلى مش هتخطى هناك تانى

كانت ابنة عمة تراقب الموقف بقلب منفطر.. همست ملتاعة:

-قلبى عليكِ يا مدين والله هى اللى ماتستاهل واحد زيك

-إنتِ ايه اللى هببتيه دا؟!

رفعت “نادين” حاجبيها تشير بمدى جنون عصبيتها قبل أن تجيب أختها:

-أيه إنتِ كمان هى ناقصكى

-أمك حكتلى اللى حصل معندكيش دم خالص ازاى تكلمى ابن خالك كدا

غمغمت بتبرم وهى تقول:

-بلا ابن خال بلا وجع دماغ ما لمحت ميت مرة وقولت يبعد عنى وهو مافيش.. مش عايز يحل عنى.. أنا دماغى فى حتة وهو فى حتة تانية خالص

هزت اختها رأسها وهى تقول:

-دا هو اللى خسارة فيكِ دا كل بنات الحتة بيموتوا عليه

زفرت هواء صدرها وهى تقول:

-يبقى حلال عليهم أو عليكِ.. سيبك شوفتى اخر فيديو ليا على التيك توك.. مش تعملى منشن لأصحابك وتظبطى
اختك أنا لو بقيت مشهورة والزهر لعب.. الخير هيعم على الكل

رمقتها بإشمئزاز قائلة:

-الخير هيعم على الكل.. أحب أقولك أنى بتكسف اقول أن ليا اخت بتعمل فيديوهات على التيك توك.. لأن أنا وزمايلى طول النهار نسأل فين أهالى العيال دول والبلاوى اللى بنشوفها.

عقدت حاجبيها وتغاضبت ملامح وجهها قائلة بسخرية:

-خليكِ فى كليتك أنا غلطانة انى كلمتك اصلًا.. دا انتِ بومة وتسدى النفس.. انت فعلًا شبه لوح التلج مدين

رمقتها بخيبة أمل ثم هتفت بنبرة تحذيرية:

-يعنى مفيش فايدة.. والله يا “نادين” لو مبطلتيش
الزفت دا لأقول لأمك وأقسم بالله مش هاخبى تانى

لم تكن حياته دربًا من السعادة.. كانت ينابيع من الحزن والقهر كلما جفت عين أنفجرت الأخرى.. اغمض عيناه يسترجع ذكرياته حين هجرهم والده وذهب ليتزوج من أمراة اخرى.. لم يكن اهلًا لهم.. كان طفلًا حينها لكنه على درجة كبيرة من النضج.. فوالدته ذاقت الأمرين.. كانت
الكتف الذى يحمل فوقه اطنان السفينة وتسير بها عرض
البحر كي تربيهم هو واخواته البنات.. دون مساعدة من أحد على الرغم من إصرار عمه على مساعدتهم لكنها رفضت رفض تام.. حتى ذلك اليوم الذى اتت فيه تلك المرأة
أمام بيتهم لتهين والدته.. بسبب أن ما اخذته من والدته من ملابس كانت رديئة كما تتدعى.. فوالدته كانت تبيع الملابس من منزلهم بنظام التقسيط لنساء الحى.. ومنذ ذلك
اليوم اقسم ألا يكسر احد والدته.. دفن “مدين” الطفل وأهال فوقه اطنان من التراب وتعلم استقبال لطمات الحياة ولم يكمل دراسته واصر على تحمل المسئولية.. وبعد فترة اخذه عمه معه للخارج أو بالأحرى تحت جناحه.. ليصبح رجلًا ذا قوة وشكيمة.. وكى يتمكن من مساعدة والدته.. واخواته البنات.. لكنه بالكاد حصل على شهادة متوسطة (الدبلوم) بعد إلحاح من عمه

ابتسم بوجع لا يعلم كيف جرفه تيار الحب فى ظل ظروفه القاسية نحو أبنة عمته.. مجرد رؤيتها كانت تجعله يرمى كل شئ وراء ظهره.. جذب خصلات
شعره بعنف.. ما كان عليه أن ينسى كل ما علمته الحياة له ويقع فى بحور العشق

كانت تقف على اعتاب الغرفة تناظره بشفقة وهو
يدور فى الغرفة كالأسد الجريح.. فتحمحمت ثم ولجت للداخل دون أن تنتظر رد قائلة:

-دا عمل أسود البت دي عملت عمل ليك اسمع منى يا مدين.. أنا عارفة دا شغل جلب الحبيب مافيش حل غير كدا

كلماتها التلقائية جعلته يستدير قائلًا بإمتعاض:

-عايزة أيه يا سنا مش ناقص وجع دماغ؟!

رمقته فى أسى ولاحظت الدموع المتكونة بعينيه لتتابع وهى تقول بمشاكسة قائلة

-صدقت بقى أنه عمل

ترك حديثها ومضى للشرفة وعينيه لا تتوقف عن الشرود وهو يزفر بعمق فتابعت:

-معلش قولى سبب واحد يخليك تحبها هى مش أنا
مدين بص عليا وأنا بكلمك

ألتفت لها وما أن نظر فى عينيها انفجرا من الضحك سويًا:

-طب وبعدين؟!

-يا سيدى بقى ما أنا قولتلك إذا احببت شخص بشدة أطلق سراحه إن عاد … أيه بقى يا عم مدين

حك مؤخرة رأسه قائلًا بابتسامة هادئة:

-إن عاد هو ملكًا لك ياسنا

هزت رأسها بالنفى قائلة:

-لأ أن عاد يبقى محدش عبره غيرك ولازم تطلق سراحه تانى يا معلم مدين فهمت

جز على أسنانه وهو يقول:

– أنا غلطان أنى بتكلم معاكِ

التو ثغرها قائلة:

-معلش هو أنت حد بيسمعلك غيرى.. قصدى حد بيطيق يسمع سيرتها غيرى أنا.. قول عملت أيه ومتتكسفش ياابن
عمى.. قول قول

سحب عينيه بعيدًا وهو يسرد عليها ما صار معه.. لكنه توقف حينما رأى جبينها المقطب من شدة ذهولها من الكلمات.. زفر متسائلًا:

-أيه تنحتى ليه كدا؟!

-لأن يا مدين عارفين انها شايفة نفسها بس كدا وصلت لقلة الادب

هز رأسه مستنكرًا كلامها ثم اكتست مقلتيه بعبرات اليأس هامسًا:

-هى من حقها تحلم بحياتها بالطريقة اللى تريحها.. وتشوف مستقبلها زى ما تحب.. أنا اللى بفرض نفسى عليها

-مدين!!

امتعضت ملامحه بمرارة وهو يبتلع ريقه ليشعر كأنه يتجرع علقم الماضى.. همس بإرهاق قائلًا:

-سنا أنا عايز أنام

هزت رأسها بصمت وانصرفت للخارج.. نام على الفراش واضعًا معصمه على وجهه وهو يتذكر نظراتها التى أحرقت
وتين قلبه

القسوة والتعدى على الغير ليس بالضرورة بالضرب لكن فى بعض الأحيان تكون كلمات.. لا ليست كلمات بل نارا تلتهم كل شئ.. سهام تنغرس بداخلك لتنزف كرامتك

بعد مرور اسبوع

جلسا فى مكانهما المعتادة فى الحرم الجامعى.. وفتحت كل منهما هاتفها لتتابع هوسها بمواقع التواصل الأجتماعى ” التيك توك “
لكزتها فاتن برفق قائلة:

-شايفة يا نودى الرجل دا ومراته عدو الفقر إزاى امته بقى احنا كمان نركب عربيات ونبقى يوتويبرز مشهورين
أوى بقى

تنهدت “نادين” وهى تقول:

-يااااه حلم بعيد.. طب ماتيجى نعمل فيديوهات طبخ الناس بتابعها اوى

رمقتها “فاتن” باستهزاء قائلة:

-طبخ؟!
طبخ أيه يا نودى هو أحنا بنعرف نعمل أكل دا احنا بنسلق البيض من غير مية.. وأمك وامى صوتهم بيجيب اخر الشارع.. دا احنا لو وقعنا كوباية لبن يحرمونا من الأكل
شهر

ضحكت “نادين” وهى تقول:

-عندك حق والله.. وأنا مش عايزة اعمل مشاكل مع أمى خالص الحمدلله أنها رضيت تكلمنى بعد موضوع مدين

اجابتها فاتن بحنق:

-مفترية والله حرام عليكِ مدين ميستاهلش كل دا والله ابن حلال وبيحبك ليه بس كدا

نظرت لها بنظرات نارية كأنها تقذف من عينيها حمم بركانية من الغضب:

-هو الكل هيمدح فيه.. أنا مش بطيقه قفلى على الموضوع دا

توسعت عيناها بصدمة وصرخت نظراتها بعشرات الاسئلة وهى ترى صديقتهما تقف أمامهما ومعها ذلك الشاب
فابتسمت نهى قائلة:

-عاملين أيه يابنات؟
أنا قابلت مجد طلع زميلنا فى الجامعة فاكرينه

ابتسم باتساع ثم اضاف بتوضيح أكثر:

-اسمى مجد وبصراحة شوفت الفيديوهات التيك توك
بتاعتكم وعرفت اننا فى الجامعة.. فقولت نتعرف ونبقى تيم ونعمل فيديوهات

ابتسمت فاتن بترحاب قائلة:

-أهلًا يا مجد.. ياريت والله فكرة حلوة وكدا الريتش يعلى ونتشهر يارب اصلى احنا شلة البوساء

كان يقف ثابتًا وهو يراقب ملامحها ثم شرح باستفاضة:

-لا بوساء دا زمان أنا عندى افكار كتير تخلينا نتشهر يعنى مثلًا أقول انى ارتبطت بواحدة منكم ونخرج كام خروجة وكام صورة وفيديوهات بقى والسند والأمان
والكلام دا وفجأة نفركش وارتبط بصحبتها
الدنيا هتولع والكل هيكون حابب يتابع حوار الخيانة والغدر بياكل اوى على السوشيال ميديا النميمة عمومًا

هزت “نهى” رأسها وهى تقول بحماس:

-جامدة اوى الفكرة دي.. طب كدا فى واحدة فينا مش هيكون ليها دور

غمز لها بطرف عيناه وهو يقول:

-ودي تفوتنى التالتة منكم هى اللى هتكشف الخيانة ونظبط كام اسكرين ننزلهم والدنيا تولع

نهضت “نادين” فهى لم تعد تحتمل حديثهما اكثر من ذلك فقالت:

-جرى أيه يا فاتن احنا متربيين مع بعض وعايزين نتشهر مع بعض مش على حساب بعض وسمعتنا
واحدة ترتبط والتانية تضربها باسكرينات دا أيه الهبل دا
أنا مش موافقة

همت بالأنصراف لكن جذبها “مجد” من معصمها قائلة:

-طب نتفاهم فى خطط كتير عندى يا نودى واللى يريحك
اعمليه

نظرت ليده التى تقبض على معصمها ثم حدثته بحدة:

-أنت ازاى تمسك إيدى كدا.. سيب إيدى وخططك خليها لنفسك أحنا مش هنعمل خطط مع حد

رد “مجد” بغيظ:

-بالراحة دي مسكت ايد هو أنا حضنتك.. أحنا فى مكان عام

-أنت شايف أنه عادى؟!
على العموم أحنا شايفين أننا مش هننفع نعمل فيديوهات معاك.. أتفضل بقى امشى

اجابها بعناد أكثر:

-على فكرة دا رأيك انتِ لوحدك.. أنا شايف البنات مرحبيين بالفكرة

ضحكت بسخرية وهى تقول:

-مافيش الكلام دا

ثم تابعت:

-فاتن ردى وانتِ كمان يا نهى

ابتلعت فاتن وهى تجيبه بإحباط:

-لا خلاص إحنا مع بعض تيم واحد

امتنعت “نهى” عن الرد وهى تحدجها بنظرات حقد لم تخفى على مجد فابتسم بمكر وهو يقول:

-طب وماله براحتكم.. أيه رأيكم نصور فيديو عادى دلوقتى مع بعض.. تيم يعنى

اجابته “نادين” بسرعة وهى ترمقه بشررات الغضب:

-هو فى أيه ما قولنا لأ.. اتفضل بقى شوف حد غيرنا

ابتسم بهدوء وهو يقول بمكر:

-خلاص انتِ عصبية أوى.. أنا يعنى كنت حابب نتشهر مع بعض بس خلاص عادى على العموم بالتوفيق.. يكفى
اننا اصحاب

اولاهم ظهره وانصرف بعد أن غمز لنهى بطرف عيناه فابتسمت وهى تغمز له أيضًا

فى المساء

كان يجلس أمام ورشته.. فجأة اشتلعت دبكة الجنون بصدره.. ألتمعت عيناه ببريق الشوق حينما وقفت عمته أمامه ومعها “نادين” ابنتها.. كأنه مغيب وقف
يرمقها بنظرات معذبة.. فالقلوب تذل اصحابها بالشوق
وتكسرهم بالحنين.. أما هى كانت تنظر أمامها وكأنها بعالم أخر.. فابتلع قائلًا كى يحظى ببعض القرب:

-عاملة يا عمتى؟!

-الحمدلله يا قلب عمتك.. كدا مش بتسأل عنى؟!

نظر لتلك الواقفة ثم نظر إلى عمته بإنكسار قائلًا:

-غصب عنى يا عمتى مشغول اليومين دول

نبرة صوته آلمتها فربتت على كتفه قائلة:

-الله يقويك ويعينك يا حبيبي أنا رايحة اجيب طلبات وارجع لأمك اقعد معاها شوية هى فوق

-تنورى يا عمتى.. أه فوق

اندمجت عينيها بعيناه للحظات وكأنه يعاتبها.. يشكى لها قلة حيلته.. عشقه.. عيناها بها وميض كالدوامة يسحبه للغرق بهما.. سحبت عيناها وهى تقول بسخرية لاذعة:

-ما تنجزى يا امى انا لو اعرف اننا هنقضى المشوار هنا ماكنتش اتحركت من فوق

كلماتها القاسية كالمرض الخبيث تنهش قلبه.. وصل الوجع بقلبه أشده ولا زال يحبها.. لكزتها والدتها وهى تحدجها
بنظرات نارية قائلة:

-طب عشان منتأخرش يا مدين ونلحق مشوارنا احنا يلا عن اذنك

كم اراد أن يصفعها.. يضمها.. يعنفها.. بل هو يريد قربها خلع قميصه وألقه جانبًا ثم ألتقط المنشار وبدأ فى تقطيع الخشب بعنف وعصبية

بعد مرور عدة اسابيع

ظل “مجد” يحوم حولهم حتى اصبحوا اصدقاء.. كانت نهى تجلس بجواره تنتظر فاتن ونادين بينما هو يعبث بهاتفها
فوجد صور وفيديوهات لكلا من “نادين” و”فاتن”
دون حجاب فابتسم بخبث قائلًا:

-أوبا بقى أيه الصور الجامدة دي

التو ثغرها قائلة:

-ولا جامدة ولا حاجة

– البت نادين داخلة دماغى اوى وبفكر اعلقها

ضيقت حاجبيها تسأله بإستنكار:

نادين!!!!
طب قول فاتن خفيفة مش نادين فاكرة نفسها سفييرة

-لأ دا المزاج بقى

يتبع
أرشد فؤادى

 

 

 

5 1 vote
Article Rating
____

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x