رواية روح الفصل السادس 6 بقلم نور الشامي
لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها
أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)
رواية روح الفصل السادس 6 بقلم نور الشامي
البارت السادس
الفصل السادس
روح
كانت الغرفة غارقة في فوضى عارمة… المرايا المحطّمة تعكس شظايا الغضب، والكراسي مقلوبة، والأواني متناثرة على الأرض. ووسط ذلك الخراب، وقفت صفا، شعرها مبعثر، ودموعها تغرق وجهها، وهي تصرخ بصوت مبحوح:
مستحيل… مستحيل أسمح لحد ياخده مني… مش هسيبه، مش هسيبها تاخده.. ركان ليا لوحدي
اندفعت يداها بقوة إلى الطاولة القريبة، ودفعتها بعنف حتى ارتطمت بالحائط، فتبعثر ما عليها. وبينما هي تواصل ثورتها المجنونة، انفتح باب الغرفة بهدوء، ودخل ركان. ووقف عند العتبة، عيناه الباردتان تتأملان المشهد وكأن ما يراه لا يعنيه. وقال بصوت خافت، لكن قاطع:
هتقتنعي امتى يا صفا إننا مش هنكون مع بعض؟
التفتت إليه بسرعة، بعينين حمراوين من كثرة البكاء، ثم اندفعت نحوه بجنون. ألقت بنفسها بين ذراعيه، تضغط على صدره وتشهق:
لا… لا يا ركان… متجولش اكده أنا بحبك، بحبك جوي… مينفعش تسيبني، مينفعش
حاولت أن تتشبث به أكثر، كأنها تخشى أن يذوب من بين يديها، لكن جسده ظل جامدا، متصلبا لا يبادلها العناق. وبعد لحظات صمت ثقيل، دفعها برفق بعيدا عنه، وعيناه لا تحملان سوى قسوة حاسمة:
الموضوع انتهى يا صفا… المأذون هييجي بكره… عشان نطلج.
ترك كلماته تتردد في الغرفة كطعنة نازفة، ثم استدار وغادر بخطوات ثابتة، بينما صفا تهوي على الأرض، تتشبث بالهواء وتصرخ وفي مكان اخر في غرفه ليان الصغيرة كانتنائمة بطمأنينة بجوار أمها حيث جلست روح إلى جانبها، عيناها محمرتان من شدة البكاء، ودموعها تتساقط في صمت على خديها. فـ مدت يدها تتحسس شعر ابنتها برفق، كأنها تخشى أن تفقدها من جديد، ثم غطت فمها بكفها تخنق شهقة حارقة وفجأة، انفتح الباب بهدوء، ودخلت ميرا….. وقفت للحظة عند العتبة، تتأمل المشهد، ثم تقدمت بخطوات بطيئة، وفي عينيها مزيج من السخرية والمرارة. ورفعت حاجبها وقالت بنبرة باردة:
أهه… في الآخر انتي ال كسبتي يا روح.
رفعت روح رأسها بسرعة، والدموع لم تجف بعد، وقالت بصوت مبحوح:
ـ لا… لا يا ميرا… انتي فاهمة غلط جسما بالله
ضحكت ميرا ضحكة قصيرة بلا فرح، واقتربت أكثر، ثم انحنت قليلا نحوها وهمست بحدة:
انك تسمي بنتك الله يرحمها على اسمي… دا مش هيشفعلك عندي. الغلطة ال عملتيها مش بتتمحي… وكفاية بجا، كفاية تدمرينا أكتر من اكده. كفاية ال عملتيه.
ارتجفت روح ومدت يدها وأمسكت بيد ميرا برجاء ودموعها تتساقط بغزارة:
سامحيني يا ميرا… والله ما كان جصدي أوجعك… أنا آسفه.
لكن ميرا سحبت يدها بقسوة، وعيناها تلتمعان بغضب مكتوم، وصوتها خرج كالنصل:
الغلطة الجاية منك… أنا ال هجتلك بنفسي.
ثم استدارت وغادرت الغرفة بخطوات سريعة، تاركة روح غارقة بين دموعها، تحتضن ابنتها النائمة كأنها تحتمي بها من تهديد يخيم كالسيف فوق رأسها وفي المساء كان الليل قد أرخى سدوله على الدار، والهدوء يخيّم على أركانها، لكن غرفة العمة كانت تغلي بالصوت والجدال حيث جلس أمجد على طرف الكرسي، ملامحه مشدودة، بينما وقفت عمته أمامه، يديها معقودتان على صدرها، وعيناها تلمعان بالحدة فقال بصوت متوتر لكنه حاسم:
خلاص يا عمتي بجا … مش هتجوزها، الموضوع انتهى. فركشت الخطوبة.
شهقت العمة بغضب، وصفقت بيديها بقوة مردده:
ازاي يعني؟! ليه من غير سبب؟ مش كل مرة يا أمجد! دي المرة الرابعة… رابع خطوبة تسيبها من غير ما تدي حتى مبرر.. ليه اكده يا ابني ال بتعمله دا
رفع أمجد صوته لأول مرة، وقد اشتعلت ملامحه بالغضب المكبوت وهتف:
علشان مش عايزها…. علشان تعبت…. كل مرة تضغطوا عليا أوافج أخطب وأنا مش عايز… بس المرادي لا… مش هسمع كلامكم تاني، انتهى
ضاقت عينا العمة، واقتربت خطوة منه، وصوتها ارتفع متحديا:
هتنسي امتى ال حوصل زمان؟
تجمدت ملامح أمجد لوهلة، كأن صاعقة نزلت على رأسه. ارتبك و ارتعشت يداه، ثم قال بصوت خافت يحاول أن يخفي اضطرابه:
نسيته… نسيته خلاص.
صرخت العمة بعناد وعيناها تحدقان فيه بحدة:
لا… منسيتش! وعمرك ما هتنسى. مدام لسه بتحبها… سامحها يا ولدي.
ارتفع صوته هذه المرة كالعاصفة، وهو ينهض واقفا، يلوح بيديه بعصبية:
اسااامح؟! أسامح في إي؟! أسامح واحدة جالتلي إني خاين وكداب؟ إني مش أمين عليها؟ أسامح واحدة صدجت كدبة رخيصة وخطة فاشلة اتعملت عليا؟! أسامح ال رمت كل الذنب ليا وسابتني أتحمل لوحدي.. كاني انا الشيطان والحقيقه غير اكده
ارتعش صوته وهو يردد الكلمات الأخيرة، والغضب يتقاطع مع ألم قديم لم يندمل وظلت العمة صامتة لبرهة، تراقب شرارات العتاب التي تفجرت فجأة من قلبه فتنفس أمجد بحدة، ثم استدار نحو الباب وقال بصوت مبحوح:
أنا مش هسامح… الموضوع دا اتجفل من زمان، من ناحيتي ومن ناحيتها.
مد يده ليفتح الباب ويغادر، لكن العمة أسرعت وخطت نحوه، أمسكت بيده لتوقفه، وقالت بصوت مرتعش هذه المرة، كأنها ترجوه:
ميرا… ميرا فعلا لسه بتحبك يا أمجد. وكل ال بتعمله، كل الغضب دا، من كتر ما هي متشتته ومش عارفه تعمل اي
توقف أمجد وتجمد في مكانه، وترددت أنفاسه المضطربة. لم يجب للحظات، ثم التفت إليها ببطء، عيناه تكسوهما مرارة عميقة وقال بصوت هادئ لكن حاسم:
حتى لو بتحبني… خلاص. هي بنت عمي… وبس.
ثم حرر يده من قبضتها، وفتح الباب وغادر بخطوات ثقيلة، تاركا عمته واقفة في مكانها، يعتصرها الغضب والحسرة، بينما يتردد صدى كلماته في الغرفة كجرس خافت يغلق أبواب الماضي إلى الأبد وفي غرفه ركان كان يقف عند الشباك، ساند كفه على حافته الباردة، وعيناه مثبتتان على الحديقة. في الأسفل، جلس أمجد على المقعد الخشبي، ظهره منحني كأنه يحمل جبالا فوق كتفيه، وملامحه غارقة في حزن لا يخفيه الليل. ظل ركان يتأمله بصمت، حتى رأى أمجد ينهض ببطء، ثم شق طريقه نحو سيارته…. لم تمض دقائق حتى دوى صوت المحرك، وغابت أنوار السيارة في عتمة الطريق وقبل أن يغرق ركان أكثر في أفكاره، قطع الصمت طرقات خفيفة على الباب، ثم انفتح بحذر، لتدخل روح بخطوات مترددة.وصوتها خرج مرتجفا:
أحضرلك الواكل… تحب آجيبه اهنيه ولا هتنزل تحت
لم يلتفت ركان نحوها، ظل يحدق في الفراغ خارج النافذة، ثم تمتم ببرود عميق:
مشي… أمجد مشي…. من وجت ال حوصل زمان… وهو مش جادر يتخطى. بيبان جدامنا إنه قوي وكويس، بس في الحقيقة… هو تعبان
ارتجفت عيناها، ونظرت إليه بحزن عميق، ثم همست:
حقكوا عليا… أنا آسفه
ابتسم ركان بسخرية لاذعة و أخيرا التفت إليها وهو يحدق في عينيها بحدة:
دا اعتذار رقم كام؟ عشره؟ عشرين؟ كفاية اعتذارات يا روح… علشان مش هنخلص….. انتي عارفه… أنا ممكن أسامحك على أي حاجه. إلا حاجه واحدة… ال عملتيه في أمجد
انهارت دموعها فجأة، رفعت يديها بتوسل مرتعش:
طب جولي… أعمل إي؟ أعمل إي علشان تسامحوني؟
اقترب أكثر وصوته هابط لكنه جاف كالثلج:
ولا حاجة… ولا حاجة في الدنيا هتخليني أسامحك يا بنت عمي
تحرك ركان نحو الباب بخطوات ثابتة، لكن قبل أن يمد يده للمقبض، اندفعت روح تمسك يده بكل قوتها، دموعها تنهمر على وجهها وهي تلهث:
بالله عليك… كفاية! أنا مش جادرة أستحمل كل دا… آه أنا غلطانه… آه أستاهل… بس اجتلني! اجتلني وريحني بجا
توقف ركان للحظة، عيناه انكسرت فيهما و. مد يده الأخرى ببطء، ولمس خدها المبلل بالدموع بحركة رقيقة على غير العادة. صوته خرج هامسا، لكنه كالسهم:
الموت راحة… خصوصا ليكي. وأنا مش هديكي الراحة دي أبدا
أدار ظهره مستعدا للخروج، لكن كلماتها التالية أوقفته كالصاعقة:
انت… انت لسه بتحبني يا ركان؟
تجمد مكانه وعضلاته تصلبت، وعيناه اتسعتا بدهشة لم يفلح في إخفائها فـ استدارت روح لتواجهه ودموعها تلمع تحت ضوء خافت، أعادت السؤال بجرأة يائسة:
أيوه… لسه بتحبني. كل دا ال بتعمله… مش علشان ال انا عملته… ولا علشان حياة الكل اتدمرت بسببي. لا… دا علشان لسه بتحبني
لم تكد تكمل جملتها حتى تحرك ركان فجأة، انفجر فيه الغضب المكبوت منذ سنين. ورفع يده وصفعها بقوة، فارتد رأسها للجانب، ووقع الصمت الثقيل في الغرفة وأمسك يدها بقسوة جعلتها ترتجف، وصوته انطلق كالبركان:
مش كل الناس أنانيه زيك يا روح وأكبر غلطة في حياتي… إني حبيتك. وياريتك تموتي… وتريحينا كلنا
دفعها بعيدا عنه بعنف، فسقطت على الأرض، جسدها يرتعش ودموعها تتساقط بغزارة ورفعت رأسها بخوف وانكسار، وفجأة وقعت عيناها على الطاولة القريبة… حيث لمع مقبض سكين صغيرة تحت ضوء المصباح وبقيت عينها معلقة بها، بينما صدى كلمات ركان الجارحة ما زال يتردد في الغرفة، يخنق أنفاسها وفي عتمة الليل، كان الحرس يتجولون في حديقة البيت، خطواتهم الثقيلة تتردد على الأرض المبللة بالندى. تبادل أحدهم همسًا مع رفيقه، وهو يلتفت حوله بقلق:
أنا متأكد… سمعت صوت دلوجتي
قهقه الآخر بسخرية، وهو يزيح غصن شجرة عن طريقه:
ـيا ابني، ما هو مفيش حاجه… أهه كل حاجه ساكتة و
لكن فجأة، توقفت خطوات الأول، إذ شعر بقدمه تدوس على شيء غير معتاد وتجمد في مكانه و قلبه يخفق بقوة ثم انحنى ببطء وأزاح بيده ما يحجب الرؤية… وفجأة اتسعت عيناه من الفزع.. كانت ليان… ملقاة على الأرض، وجهها الصغير ملوث بالدماء، وجسدها الصغير غارق في حمرة مرعبة فـ ارتعشت أنفاس الحارس وهو يجثو بجانبها، يمد يده المرتجفة ليتحسس عنقها، يبحث عن نبض… يقترب أكثر ليتأكد من أنفاسها… لكن لا شيء وتراجع ببطء، وصوته خرج مختنقا بالذهول والرعب:
دي… ماتت و
لقراءة باقي فصول الرواية أضغط على (رواية روح)
لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها
أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)