رواية لعنة الصعيد الفصل السابع 7 بقلم نور الشامي
رواية لعنة الصعيد الفصل السابع 7 بقلم نور الشامي
البارت السابع
الفصل السابع
لعنة الصعيد
كان يقف في غرفته وعاصفة من الغضب تتفجر في صدره وعيناه تتوهجان بجنون… يده امتدت إلى الكرسي الخشبي وأطاح به إلى الحائط… فتكسر تبعه صوت تحطم زجاج، وصدى صراخه المكتوم وهو يصر على أسنانه، يضرب كل ما يقع تحت يده… المكتب، الأباجورة، حافة الدولاب، كل شيء تحول إلى فوضى اما هي فـ كانت تقف أمامه، ملتصقة بالحائط وعيناها تلمعان من الدموع، وشفتيها ترتجفان من الخوف، تنكمش على نفسها كطفلة صغيرة، وكلما تحرك خطوة ازداد ارتعاش جسدها فـ صرخت بصوت مبحوح وهي تبكي:
شهاب… بالله عليك كفاية… إهدي… إسمعني بس و
لكنه لم يهدأ واقترب منها فجأة، كمن انفجر بركان داخله، وأمسكها من كتفيها بعنف، وصوته خرج كالرعد:
إنتي كمان؟! كدابة… جتلتي أخوي وانتي اصلا كنتي بتحبيه من ورايا وانا كل دا زي الاهبل فاكر انك بتاخدي بتارك بس لع.. طلعتي بتنتجمي علشان اخوي سابك
هزها بقوة، والدموع انهمرت من عينيها، وهي تصرخ بحرقة:
والله ما حوصل! جسما بالله ما حوصل! الفيديو دا معمول… دي كانت نفس هدومي… بس دي مش أنا! أنا كنت بحب حد تاني مش كمال… وكل دا كدب.. الكلام ال في الفيديو دا انا كنت بجوله لحد تاني والله.. كنت بجوله لعادل ال كمال جتله
شد على كتفيها بقسوة أكبر و عينيه تشتعلان نارا وزمجر بصوت غاضب:
كدب… كدب إي دا فيديو يا بنتي فيديو بيجول كل حاجه! صوتك، شكلك، كلامك! إنتي بتستهبليني؟!
رددت عاليه وهي تحاول التقاط أنفاسها وسط شهقاتها وهتفت:
الفيديو مقصوص…. متفبرك! حد لعب فيه أنا جولت الكلام دا بس مش لكمال .. هو اتقص واتركب علي بعضه والله.. صدجني بالله عليك انا مش اكده
ضحك شهاب ضحكة خافتة، خاوية، ثم نظر إليها من أعلى لأسفل، وقال بازدراء:
ومين أصلا هيضيع وجته وفلوسه ويعمل اكده مع واحدة زيك؟ إنتي متسويش حاجة! إنتي نجطة سودة في حياتي! أنا كنت بدأت أحس بالذنب ناحيتك… بس طلعتي متستاهليش اي حاجه كويسه في الدنيا دي
ثم اقترب منها خطوة أخرى وهمس بصوت صارم:
من النهاردة… هتشوفي العذاب بعينك! عذاب عمرك ما شوفتيه… وهبدأ بأهلك
القي شهاب كلماته ودفعها بعيدا عنه، فارتطمت بالحائط، ثم التفت بسرعة وخرج من الغرفة وصفق الباب خلفه بقوة، حتى اهتزت الجدران، وأدار المفتاح من الخارج وأقفل الباب عليها فـ سقطت على الأرض باكية، تضرب الباب بكفيها وتصرخ:
شهاب… بالله عليك إفتح…. متعملش اكده فيا… أنا بريئة والله… إفتح الباب
لكن لم يكن هناك صوت سوى وقع خطواته وهو يبتعد… تاركا خلفه قلبا مكسورا ونارا بدأت تشتعل في العيون التي لم تذنب و في عمق الليل، كانت نريمان تقود سيارتها ببطء، تتبع سيارة والدتها التي تسير أمامها في طريق جانبي مهجور، لا يمر به أحد في مثل هذا الوقت. عيناها تتابعان الأضواء الخلفية للعربة الأخرى، وقلبها يخفق بخوف لا تعرف سببه، كأن هناك شيئا مجهولا يسحبها نحو الهاوية حتي توقفت سيارة الأم فجأة أمام مبنى قديم، بلا لافتة ولا إشارة، فخفضت نريمان سرعتها وتوقفت على بعد، تراقب من خلف الزجاج المعتم. رأت والدتها تترجل من السيارة، وتنظر حولها بحذر، قبل أن تدخل من باب جانبي حديدي فـ نزلت نريمان من سيارتها بخفة، وتقدمت بضع خطوات واختبأت خلف جدار قريب، تراقب الباب الذي دخلت منه والدتها، ثم همست لنفسها بقلق:
دي جايه اهنيه ليه؟! هو في مين جوه؟… يارب أكون فاهمة غلط
مرت دقائق طويلة، كأن الزمن تجمد، ثم… انفتح الباب مجددا. فـ تسمرت نريمان مكانها، وقد اتسعت عيناها من الصدمة. خرج رجل… طويل القامة، ملامحه مألوفة، خطواته مألوفة أكثر… وكان هو… كمال…. أخيها… الذي مات…. يقف على عتبة الباب، ينظر حوله بحذر، ثم… ظهرت والدتها خلفه، ومدت ذراعيها نحوه، واحتضنته بحنين، كأنها لم تفارقه يوما فـ شهقت نريمان من شدة الصدمة وتراجعت خطوة، كادت تتعثر من فرط الدهشة، ثم استدارت والدتها بسرعة وركبت سيارتها وهي ، وانطلقت أما نريمان، فظلت واقفة في مكانها، ذاهلة، تشهق بأنفاس متقطعة:
دا كمال… كمال عايش؟! إزاي يعني إي؟! طيب كل ده كان تمثيل؟! ودفناه إزاي و
لكنها لم تكمل جملتها، إذ شعرت فجأة بضربة قوية على مؤخرة رأسها… وكل شيء من حولها انطفأ. وبعد عدت ساعات حين استعادت وعيها، كانت مستلقية على سرير داخل غرفة غريبة…. الضوء خافت، ورائحة عطر والدتها تعبق المكان فـ التفتت بجانبها… فوجدت سعاد تجلس قربها، تبتسم ابتسامة باهتة ونهضت نريمان بفزع، وضربت الغطاء بعنف، وهي تصرخ:
إنتي ال عملتي اكده؟! ضربتيني… وحبستيني
اقتربت منها سعاد، تمسك بيدها بلطف مردده :
اهدي يا بنتي… اسمعيني بس
صرخت نريمان، وهي تزيح يدها بقوة:
اسمعك إي! بعد ما اكتشفت إن كمال عايش؟! إنتم خدعتونا! أنا هجول لشهاب حالا كل حاجه
نهضت نريمان من على السرير، تتجه نحو الباب، لكن يد والدتها أمسكتها فجأة، بقوة غير متوقعة، وهمست بانفعال:
استني! لو حد عرف… هيجتلوه يا نريمان! أو يتحبس! يرضيكي أخوكي يتحبس
نظرت إليها نريمان بعينين متسعتين، تتوهج فيهما نار الغضب:
يولع! يتحبس! يتحرق! بس أنا مستحيل أسامحكم… طول عمري! ولا هسكت
ثم دفعت الباب وخرجت مسرعة، خطواتها تمزق صمت المكان، تاركة والدتها جالسة وحدها، والقلق يأكل ملامحها.حتي أمسكت سعاد هاتفها بسرعة، وضغطت على زر الاتصال، ثم قالت بصوت متوتر ولهفة:
نفذ ال جولتلك عليه… حالا… من غير تأخير
وفي صباح يوم جديد، تسللت عالية إلى غرفة شهاب، وخطواتها خفيفة كأنها تخشى أن توقظ الشياطين النائمة في صدره. كان مستلقيا على السرير، عاري الصدر، وقد بدا عليه التعب والإهمال، شعره مبعثر، وأنفاسه غير منتظمة، كأن الليل كله كان معركة بينه وبين نفسه حتي اقتربت عالية منه بخوف، وعيونها تلمع بالدموع، ثم انتبهت لجرح صغير في جانب رأسه، يبدو حديثا. مدت يدها ببطء و لمسته برقة، وكأنها تحاول أن تمحو الألم من فوق جلده…لكن فجأة، قبض شهاب على يدها بقوة، وسحبها نحوه بعنف، لتجد نفسها فوقه تماما، وهو يصرخ بعصبية:
إنتي عايزه إي…. جايه تجتليني انا كمان
ارتبكت عالية وقلبها يوشك على الخروج من صدرها، وهتفت بصوت خافت:
لع والله… أنا كنت عايزه أشوفك صاحي ولا نايم بس… سيبني بالله عليك
لكن شهاب لم يتركها، بل استدار فجأة، لتصبح هي تحته، وهو فوقها، يحدق في عينيها بغضب مرددا:
إنتي عايزه إي تاني
أجابت عالية بصوت مرتعش:
والله ما عملت حاجه… إديني فرصه أثبتلك إني بريئة! مفيش بيني وبين كمال أي حاجه
نظر إليها شهاب ببرود قاسي وقال:
وبعدين؟”
ارتجفت عالية وحاولت أن تنهض لكن قبضته اشتدت حول ذراعها واقترب منها أكثر ونظراته تخترقها يوشك أن يطبع على شفتيها شيئا من غضبه…لكن قبل أن يفعل انطلق صراخ حاد من الطابق السفلي وابتعد شهاب عنها بسرعة، ونهض وهو يخرج من الغرفة بخطوات مسرعة، تاركا عالية تجلس في مكانها، تتنفس بصعوبة، وعيناها زائغتان نحو الباب ومرت لحظات، ثم لحقت به وهي تحمل قميصه في يدها ونزلت بهدوء، لتجده واقفا في منتصف الصالة، وعيناه مشدودتان إلى والدته، التي كانت تصرخ في وجه يمنى، بينما عزة تحاول التدخل فـ اقتربت عالية من شهاب، ووقفت إلى جانبه، ثم رفعت القميص ووضعته على كتفيه بلطف، فأمسك به وارتداه وسط نظرات متعصبة من سعاد التي صاحت بانفعال:
هو إي دا….. إي الوضع دا؟!
قالت عزه بتهكم، وهي تشير إلى يمنى:
كنا ناقصينها هي كمان
لكن شهاب رفع يده بحدة وهتف:
كفايه كلام! حد يفهمني إي الحكايه؟ مالك يا يمنى؟!
نظرت إليه يمنى بثقة وقالت:
جايه أجول إني حامل… من كمال
ساد الصمت، كأن الزمن توقف….. وجوه مذهولة، وعيون متسعة لا تصدق ما سمعت فـ شهقت سعاد ثم صرخت:
إنتي إي…. حامل؟! من ابني انا… ازاي انتي كدابة…. ابني معملش معاكي حاجة
نظرت يمني إليها بخبث وقالت ببرود:
وإنتي عرفتي منين يا حماتي ؟ كنتي معاهم يعني؟ اسأليه… روحي اسأليه بنفسك
تراجعت سعاد بخطوة، كأنها تلقت صفعة، ثم صرخت:
اسأله إزاي…. ابني مات! ربنا يرحمه.. اي ال بتجوليه دا
نظر إلى شهاب يمنى، نظرة مطولة، ثم قال ببرود متماسك:
هتفضلي اهنيه … لحد ما نتأكد إنك فعلا حامل من كمال.
ابتسمت يمنى بسعادة منتصرة، ثم اقتربت من عالية، وهمست في أذنها بصوت خافت لا يسمعه سواها:
نجحنا
وانسحبت للخلف، تبتسم في خبث… وفي المساء كانت سياره شهاب تشق الطريق كطلقة غاضبة، يتطاير الغبار من خلفها، والمصابيح الأمامية تمزق ظلمة الليل. وشهاب يقبض على عجلة القيادة بشدة، فكاه مشدودان، ووجهه جامد كصخرة، عيناه لا تغمضان ولا تزيغان وإلى جواره، جلس أمين، يتلفت حوله في قلق يحاول تهدئته ولكن بلا جدوى. فردد بقلق:
يا ابني على مهلك… إنت اكده هتجتلنا بتصدج الكلام ال اتجال مش يمكن يكونوا بيوقعوك
شهاب بحده:
أنا مش مصدجهم… بس جالي رسالة، وده العنوان… ولازم أتأكد بعيني
كان يحمل شهاب في يده ورقة مطبوعة، عليها صورة مأخوذة من كاميرا مراقبة، وتحتها عنوان واضح فـ رفع أمين حاجبه باستغراب وقال:
طيب ما يمكن عاليه متكونش موجوده جوه اصلا مش شرط يعني تكون خيانة..
وفجأة، ضغط شهاب على المكابح بقوة، فارتجت السيارة وتوقفت أمام مبنى قديم متهالك، تغلفه عتمة الليل ورائحة الأسرار وفتح باب السيارة مرددا:
وصلنا… دلوجتي هنعرف إذا كانت عاليه بريئة ولا لأ…
هنشوف مين جوه.. وإي ال بيوحصل
ترجلا من السيارة سريعا واخرج شهاب سلاحه من جيبه وكذلك فعل أمين، وكل منهما يمسك بمسدسه في توتر وتقدما نحو الباب الرئيسي، الذي كان مواربا، يصدر صوتا خافتا مع نسيم الليل واشار شهاب لأمين بالصمت، وبدأا في التسلل إلى الداخل
وخطواتهما كانت بطيئة وثقيلة، والهدوء من حولهما كان قاتلا
مرا عبر ممر طويل، ثم وصلا إلى باب خشبي موارب، ينبعث من خلفه نور خافت و… أنفاس هادئة فـ مد شهاب يده، ودفع الباب بهدوء…ثم تجمد واتسعت عيناه بذهول، وأمين خلفه يفتح فمه دون أن يخرج منه صوت على السرير، كان كمال مستلقيا عاري الصدر، أنفاسه ساكنة كأنه غارق في النوم…وبجانبه، كانت عالية نائمة، رأسها ملتصق بصدره، ودموع جافة على وجنتيها.
الملابس مبعثرة، والمشهد لا يحتاج إلى تفسير و
- لقراءة باقي فصول الرواية أضغط على (رواية لعنة الصعيد)