رواية أنا لها شمس الجزء الثاني (اذناب الماضي) الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم روز امين
رواية أنا لها شمس الجزء الثاني (اذناب الماضي) الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم روز امين
البارت الخامس والعشرون
«يا ساكني، عشِقَتْكَ رَوْحِي والفؤادِ تعمقَ منهُ الغرامُ المُولعُ وتملكَ،ورجوتَ رَوحي ان تَسْكُنْكَ وبالوريدِ يمضي غرامي ويتغللَ، تمنيتُكَ واقعًا ملموسًا لا طيفًا حينَ أشتاقَهُ يتبخرَ، حبيبًا مقيمًا بالفؤادِ لا عابرَ سبيلٍ أو زائرًا، نبضًا بين الضلوعِ والكيانِ ساكنًا ، وطنًا يحتويني وأحتويهِ وبالأمانِ سويًا نشعرا، عشقًا يزلزلُ الكيانَ وبسفينةِ نوحٍ نُبحرا، والآن بعد أن اكتشفتَ مدى وجودي داخلك فسأرحلُ، فـ وداعًا يا من سكَنتُ بروحِكَ الطاهرةِ الأضلعَ»
بيسان ماجد
بقلمي «روز أمين»
_____________
قبل حوالي ما يقارب من الخمسون دقيقة
داخل البهو الخاص بمنزل “ماجد عليوة”، يجاوراه والديه الجلوس وبالمقابل تجلسُ دكتورة”عصمت الدويري”، التي نطقت لتُهدى من ورع ذاك الذي يهز ساقيه وعروق جسده بالكامل تنفرُ من شدة الاحتدام والغضب:
-خلاص بقى يا ماجد، حاول تهدى شوية
وتابعت لائمة:
– نقلت لنا كلنا التوتر بعمايلك دي
هتف بحدة وملامح وجه تشتشيطُ غضبًا:
-أهدى إزاي يا دكتورة بعد الفضيحة اللي اتعرضنا لها كلنا؟، زمايلنا في الجامعة شافوا المهزلة اللي حصلت بعنيهم، ولا علام باشا وسيادة المستشار، ذنبهم إيه؟!
وصاح بجنونٍ صارخ:
-بكرة الصحافة الصفرا والمواقع الخبيثة تستغل الفضيحة وتشهر بيهم
بمنتهى الثقة تحدثت عصمت بظهرٍ مفرود وساقٍ تعتلي الأخرى بأناقة:
-من الناحية دي متقلقش
وتابعت تخبرهُ ما حدث فور ما قامت به عزة:
– أول ما عزة طلعت قدام الناس وكشفت عن اللي سمعته، فورًا وانتوا لسه بتتكلموا مع الولد ، علام باشا اتصل بوزير الإعلام ووصاه ينزل منشور لجميع المواقع بمنع النشر
نطقت نوال وهي تربتُ على ساق نجلها الغاضب:
-أهي الدكتورة قالت لك إن كله تمام،هدي نفسك بقى ليجرى لك حاجة
هتف ومازال بنفس حدته:
-ده بالنسبة للصحافة يا ماما
وتابع موجهًا حديثهُ إلى والدة زوجته:
-وشكلنا قدام هيئة تدريس الجامعة يا دكتورة،تقدري تقولي لي إزاي هنوريهم وشنا بعد كده؟!
-متبقاش أوفر في رد فعلك يا ماجد،اللي حصل ميستاهلش أصلاً الكلام فيه، لأنه مش إدانة لينا ولا شيء مشين ضد أخلاق أي حد فينا…قالت كلماتها بلامبالاة لتتابع مسترسلة بإبانة:
-بنتنا اتخطبت لواحد حقير طلع مخطط هو وزميلة ليه علشان يفرق بينها وبين اللي بتحبه، إيه بقى الفضيحة في كده يا ماجد؟
-الفضيحة في ظهورنا قدام المعازيم بالشكل المخجل اللي وضح لهم قد إيه إحنا شوية مغفلين، لدرجة إن حتة عيل ميسواش استغفلنا كلنا واستعملنا يا دكتورة
وتابع مشيرًا للطابق العلوي حيث تقطنُ ابنته واسترسل بغضبٍ جحيمي كاد يصيبهُ بأزمة قلبية:
-وكل ده بسبب غباء وعِند الأستاذة
أجابتهُ بحدة لينتبه:
-كفاية تضغط على أعصاب البنت أكتر من كده، هو أنتَ مش شايف حالتها عاملة ازاي؟!
وتابعت بحكمة:
– زائد إن اللي حصل حصل وخلاص، ونرفزتك ولومك ليها مش هيفيدوك لا أنتَ ولا هي، بالعكس، هيوسع المسافة والفجوة بينك وبين بنتك أكتر، إنتَ أب، وده أكتر وقت بنتك محتاجة لك فيه جنبها
توقفت لتعيد تنظيم أنفاسها ثم تابعت بإرشادٍ:
-إطلع خد بنتك في حُضنك وطمنها، حسسها إنك واقف جنبها وبتدعمها، مش واقف ضدها
زفر بقوة ليؤكد عليوة على حديث عصمت:
-يسلم لسانك يا دكتورة، كلامك كله صح
بينما لوت نوال فاهها اعتراضًا على وقوف زوجها بصف تلك المرأة ضد نجله لتنطق بمساندة ذاك الذي طالما رأته على صوابٍ فيما يخص لوم زوجته وأبنائه:
-لا طبعاً، كلامك ده هيقويها أكتر ويخليها متحسش بالمصيبة اللي وقعتنا كلنا فيها يا دكتورة، بيسان غلطت لما وقفت في وش أبوها واتحدته واتخطبت للواد ده غصب عنه
وتابعت لتلقي كامل اللوم في إتمام تلك الخطبة على زوجها:
-وإنتَ السبب في كل اللي حصل ده، لأن ماجد كان رافض وإنتَ اللي زنيت عليه لحد ما وافق غصب عنه يا عين أمه
طالعتها عصمت ببغضٍ لتقليلها من شأن زوجها بذاك الشكل المهين أمامها ونجله، وحملت عصمت عليوة الذنب الراجع لضعف شخصيته، رفعت عينيها وهي تشاهد نزول ابنتها من فوق الدرج لتسألها بلهفة واهتمام:
-طمنيني يا فريال، بيسان هديت؟!
جاورت والدتها الجلوس ثم تنهدت بأسى ظهر فوق ملامحها الحزينة:
-بتقول إنها هديت يا ماما، دخلت الحمام غسلت وشها وطلبت مني أسيبها لوحدها علشان تنام
رمقها ماجد بحدة قبل أن ينطق بنبرة أظهرت كم سخطه على الفتاة:
-ولسه ليها نفس تنام بعد الفضايح اللي عملتها لنا؟
لم تعد تتحمل اسلوبهُ الحاد وتلك المعاملة السيئة والتعنيف المستمر لابنتها فتحدثت بحدة تعجب هو منها:
-كفاية يا ماجد، أنا تعبت من أسلوبك ده
وتابعت ناهرة تحت استشاطة قلب نوال التي صمتت فقط لوجود عصمت:
-كل كلامك اللي قولته من شوية وصلنا فوق أنا والبنت، يعني فوق ما هي منهارة من اللي حصل،تسمع كلامك اللي زي السم بدل ما تطلع تاخدها في حضنك
قبل أن يجيبها استمعوا جميعًا لصوت الفتى وهو يصيحُ من أعلى الدرج:
-إلحقي بيسان يا مامي
هرول الجميع وهم يتخبطون أثناء صعودهم الدرج بعدما رأوا بأعينهم هلع الفتى، هتفت فريال صارخة وهي تسألهُ بقلبٍ يشعر بأن صغيرتها أصابها مكروهًا:
-مالها أختك يا فؤاد؟!
نطق الصبي بصوتٍ متقطع هلع وملامح وجه فزعة نتيجة ما رأته عينيه:
-كنت داخل أطمن عليها، خبطت عليها مرضتش، قلقت، دخلت لقيتها….
لم يستطع متابعة حديثه من شدة الشهقات، هرول الجميع إلى الغرفة كي يكتشفوا ما حدث بأنفسهم،توقفت أقدامهم عن الخطوات وكأنهم تسمروا بأرضهم،أعين متسعة دقات قلوبٍ تدق بقوة تكاد تُسمع من شدة قوتها،عقولاً لا تستوعب ما تراهُ الأعين،فقد كانت الفتاة تتوسطُ فراشها الابيض والذي تلطخ بدمائها التي انسالت بفضل قطع شريان يدها بعدما قررت الرحيل وترك كل هذا الوجع خلفها كي ترتاح الروح ويتوقف العقل عن التفكير للأبد،بلحظة فقدت شتات عقلها واتبعت وسوسة الشيطان الرجيم الذي إقتحم عقلها ورسخ بداخله أن فكرة إنهاء الحياة هي الحل الاوحد لإنهاء الألام، وأنها ستريحها من جميع المواجع التي سكنت فؤادها واستوطنت، انتفضت أجساد الجميع على إثر صرخة فريال التي هزت أركان الشارع بأكمله وهي تقول بعدما عادت إلى وعيها:
-بيســـان
هزت صرخاتها المتتالية المكان برمته ليستمع إليه جميع من بمنزل علام زين الدين،هرولت نحو الفراش كي ترفع جسد ابنتها التي فقدت وعيها بالكامل بسبب فقدانها الكثير من الدماء أثناء قطع الشريان الرئيسي، باتت تصرخ مستغيثة وهي ترى جسد ابنتها يترنحُ بين يديها كجثةٍ هامدة:
-ردي عليا يا بنتي،عملتي في نفسك كده ليه؟
صرخات متتالية خرجت من نوال المذهولة وعليوة الذي يهز رأسهُ بعدم استيعاب بينما هرولت عصمت نحو الخزانة وقامت بإخراج قطعة من الملابس وتوجهت إلى حفيدتها،قامت بلف القماشة فوق الجُرح الغائر كي يتوقف النزيف، ثم أمسكت عرق عنقها النابض تستكشف من خلاله النبض، وبعدها صرخت مستنجدة إلى ذاك الواقف مصدومًا وهو يتطلعُ على ابنته بشرودٍ:
-إطلب الاسعاف بسرعة يا ماجد
وأثناء ما كان يحاول الاستيعاب ولج يوسف الذي قطع المسافة بلمح البصر، اتسعت عينيه وهو يرى حبيبة القلب ممددةً فوق الفراش بعدما وضعت فريال رأسها لتتوسط وسادتها البيضاء كـ وجهها الملائكي،بات يحرك رأسهُ يمينًا ويسارًا في محاولة منه على استيعاب المشهد، ليتدارك الموقف سريعًا وبلمح البصر كان يرفعُ جسدها بين يديه وهو يصيح بكامل صوته:
-إسبقني على تحت وشغل عربيتك بسرعة يا دكتور
طالعهُ ماجد بتيهةٍ وشرود ويبدو عليه عدم الإدراك ليصرخ به يوسف بقوة:
-فوق يا دكتور واتحرك، بيسان لازم توصل المستشفى في أسرع وقت، أتحرك
قال كلمتهُ الأخيرة بصراخٍ جعل جسد ماجد ينتفض وكأنهُ للتو فقط قد عاد له الوعي، هتفت عصمت التي جاورت يوسف لاسناد رأس الفتاة:
-بسرعة يا ماجد
هرول الجميع خلفهما،هتف فؤاد الذي ولج للتو إلى المنزل:
-مالها يا يوسف
اجابته عصمت وبعد قليل كان يوسف يقود سيارة ماجد الجالس بجواره ينظر إلى ابنته ودموع الندم واللوم يغرقان وجههُ،أما يوسف فكان يسابق الزمن عبر قيادته للسيارة وهو يراقب الطريق تارة وينظر إلى تلك التي تتوسطُ عصمت وفريال المنتحبة، وصل إلى المشفى بوقتٍ قياسي، طاقمًا كاملاً من الاطباء وطاقم التمريض يقف بانتظار الحالة بعد مكالمة هاتفية قام بها فؤاد إلى مدير المشفى، انتشلوا الفتاة سريعًا وفي خلال دقائق معدودة كانت الفتاة تقبع داخل غرفة العمليات، نطق الطبيب بعدما فحص الحالة:
-الجرح عميق جداً والبنت نزفت كتير، هنحتاج نقل دم، والمشكلة الكبيرة
ترقب الجميع كلمات ذاك الذي صمت ليتحدث فؤاد بقوة:
-كمل يا دكتور
تابع الرجل يخبرهم بوجهٍ آسف:
-النبض ضعيف جدًا يا سيادة المستشار، إحنا هنوقف النزيف ونخيط الجرح، وربنا يستر والحالة متنتكس
اختفى الطبيب خلف حجرة العمليات ليبدأ، الجميع يقف مترقبًا خارج الغرفة، يوسف وقلبهُ الصارخ اللائم وهو يعنفهُ ويحملهُ كامل الذنب بما أقبلت عليه الفتاة، وماجد وشعورهُ الذي لا يختلف كثيرًا عن الأول،عصمت التي طلبت من إحدى العاملات مٕصحفًا “القرآن الكريم”لتتلو بعض السور كي يهدأ قلبها، عليوة نوال حتى الفتى، وفؤاد وإيثار التي تجاورُ فريال في محاولة منها للمواساة والتهدئة، بلحظة وبدون مقدمات نهرتها لتُبعد يدها تحت انتفاضة جسد الاخرى، تطلعت إلى يوسف وماجد وتحدثت بسخطٍ وهي ترمقهما بنظراتٍ نارية:
-بنتي لو جرى لها حاجة إنتوا الاتنين اللي هتبقوا مسؤلين قدامي
تحرك يوسف ليقف مقابلاً لها وهو يقول بدموعهُ التي لم يستطع التحكمُ بها:
-بوسي هتقوم وهتبقى كويسة يا حبيبتي
نفضت يدهُ التي لمست خاصتها لتنهرهُ بحدة:
-إوعى تنطق إسم بنتي على لسانك، إنتَ السبب في كل حاجة وحشة حصلت لها، حتى الولد الحقير اللي خدعها كان بسببك إنتَ، هي قربته منها بسببك إنتَ
-إهدى يا حبيبتي… قالها يوسف بهدوء فى محاولة منه لاحتواء فزعها لتصرخ وهي تُبعده من جديد:
-أنا مش حبيبتك، أنا لو فعلاً غالية عندك وطمر فيك حبي وتربيتي ليك مكنتش أذيت بنتي بالشكل ده
اقبلت عليه لتدفعهُ بكفيها على صدره:
– كنت عملت حساب لغلاوتي عندك ومكنتش وصلتها للتفكير في الانتحار
نزلت دموعهُ وهو يستمع لاتهامها الصريح،أجابها بشهقة شقت صدر الجميع فما أقساها وأصعبها دموع الرجالِ:
-مهما قولتي وعملتي انا عازرك، ومعاكِ كل الحق، مقدرش ألومك
رمقتهُ بازدراءٍ قبل أن تتطلعُ لذاك المنزوي جانبًا يدعو الله بسريرتهُ ألا تتذكره ولكن دعوته لم تستجب، فقد جاء دورهُ لتنطق وهي ترمقهُ شزرًا واشمئزاز:
-وإنتَ، جهز نفسك كويس واستعد للي جاي يا ماجد، لأن بنتي لو جرى لها حاجة، مش هقعد على ذمتك يوم واحد، وهخلص منك حق السنين اللي عيشت فيها مخروسة وساكتة على كل القهر والتسلط اللي مارسته على بنتي
لم يستطع مجابهة غضبها ففضل الصمت لكن نوال لم تتبع نهج ابنها ونطقت ويا ليتها لم تفعل:
-عيب عليكِ الكلام ده يا بنت الاصول، دي بنته زيه زيـ….
قطع حديثها تلك التي صرخت تنهرها بحدة وغضب:
-إسكتي، مش عاوزة أسمع صوت حد فيكم، إنتِ فاهمة
قالت كلمتها الأخيرة بتهديدٍ بإشارة من يدها ليهرول عليها فؤاد يحتويها بأحضانه وهو يقول:
-إهدي يا حبيبتي واطمني، والله هتبقى كويسة
-بنتي يا فؤاد… قالتها بصوتٍ يتمزقُ ألمًا ودموعًا تشق القلب قبل مجرى العين، ضمها أكثر لأحضانهِ وتحدث وهو يملسُ على رأسها ليحتوي انهيارها:
-هتبقى كويسة، والله لتخرج وتبقى كويسة
لم تكتفي تلك المرأة اللعينة بما أصاب فريال من جنونٍ ضرب صوابها بفضل صورة ابنتها التي لم تفارق خيالها لتهتف مشتكية إلى فؤاد:
-عاجبك اللي اختك بتقوله ده يا سيادة المستشار
نطق بأعين تطلقُ شزرًا ولهجة تهديدية صريحة:
-فريال تقول اللي هي عوزاه كله، ومش من حق أي حد مننا يعترض، لأن ببساطة الوضع اللي هي فيه ميسمحش بالعتاب ولا بالمسائلة
وتابع بحدة تعود إلى حدة غضبه من تلك السيدة ونجلها:
-ولو حضرتك مش قادرة تتحملي وجعها تقدري تستني تحت في الكافيتريا
كادت أن ترد عليه فقاطعها زوجها في محاولة منه لامتصاص غضبها:
-خلاص يا نوال، كلام سيادة المستشار عين العقل، ولو فعلاً مش هتتحملي انزلي على الكافيتريا
جذبت رسغها بقوة من بين راحته لتنطق بسخطٍ:
– أنا قاعدة ومش منقولة من هنا لحد ما بنت ابني تطلع واطمن عليها، محدش يقدر يمشيني من هنا
صدقت عصمت وأغلقت كتاب الله “القرآن الكريم ” ثم نطقت والدّمع يسكنُ مقلتيها ويفيضُ:
-محدش طلب منك تمشي يا مدام نوال، كلام سيادة المستشار واضح، بنتي تعبانة ومقهورة على بنتها
وتابعت بحدة وحزم أوقف نوال عند حدها:
-ومش من حق اي حد يحاسبها على أي كلمة تقولها لا الوقت ولا حتى بعدين
وتابعت بعدما وقفت وهي ترمقها متعجبة:
-وبعدين هو حضرتك في إيه ولا في إيه، بنت ابنك جوة في العمليات والمفروض تدعي لها تخرج بالسلامة
كانت كلماتها حاسمة لدرجة جعلت الجميع يصمت، وصلت إيثار إليها وتحركت بها لتحثها على الجلوس مرةً أخرى:
-ارتاحي يا ماما وحاولي تهدي علشان ضغطك ميرتفعش
مر الوقت على الجميع بصعوبة بالغة، قلوبًا ترتجفُ خوفًا من فكرة الفقد لشابة بمقتبل العمر، وأمًا تتلهفُ لخبرٍ يطمأنها عن فلذة كبدها التي ترقد بالداخل تصارع الموت، أما عن ذاك العاشق وقلبهُ المتألم، فقد اقتحمت قلبهُ عدة مشاعر متضاربة ألامها فوق احتماله، منها الشعور المميتُ بالوم مع تحميل الذنب بالكامل لحاله، هرول الجميع يتسابقون على الطبيب الذي خرج من غرفة العمليات لينطق يوسف متلهفًا:
-طمنا يا دكتور من فضلك
ابتسم يجيبهم بطمأنة:
-الحالة استقرت الحمدلله،والنبض انتظم والمريضة استعادت وعيها
حالة من السعادة غزت قلوب الجميع بينما تطلع الطبيب إلى فؤاد وتابع بتوصية:
-البنت لازم تتابع مع أخصائي نفسي يا سيادة المستشار،لأن اللي حصل ده مؤشر خطير وانعكاس لحالتها النفسية المتدمرة
هتفت فريال برجاءٍ:
-ممكن ادخل لبنتي يا دكتور؟
أجابها بوجهٍ بشوش:
-دي غرفة عمليات يا هانم وممنوع أي حد يدخلها غير الدكاترة والممرضين، الحالة هتخرج حالاً وتتنقل على الغرفة اللي اتخصصت لها
وتابع مشيرًا لإحدى العاملات:
-وصلي الهوانم لغرفة المريضة علشان ينتظروها هناك يا عبير
صاحت فريال بحدة مبالغ بها وكأنها تحولت،اتسعت عينيها بغضب وهي تقول:
-أنا مش هتنقل من مكاني غير لما بنتي تطلع واشوفها بعيني وأطمن
أشار فؤاد إلى الطبيب فتفهم الأخر وصرف العاملة ثم تحدث إلى فؤاد بصوتٍ خفيض:
-المفروض إني كنت أبلغ الشرطة عن الحالة حسب القوانين اللي حضرتك عارفها،لكن أنا معملتش كده علشان خاطرك يا سيادة المستشار
-متشكر يا دكتور،وأنا مقدر جدًا اللي حضرتك عملته، واوعدك إنه مش هيتكرر تاني
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
داخل منزل علام زين الدين
جالسًا فوق الأريكة ببهو المنزل، مستندًا على عصاه برأسهِ المنكس وقلبهُ متألمًا على حفيدته التي لا يعلمُ إلى الأن شيئًا عنها حيث أبلغهُ فؤاد بأنهُ سيقوم بإبلاغه على الفور حين يطمأن على الفتاة، شعر بكفٍ حنون تتحركُ على شعرهُ لينطق صاحبها بصوتٍ تغلل بروح علام:
-مش تزعل يا حبيبي، بيسو هتبقى كويسة
رفع رأسهُ يتطلعُ على الصغير وبنبرة حنون تحدث:
-إن شاء الله هتبقى كويسة يا مالك
سألته تاج المجاورة له:
-هي إيه اللي حصل لها يا جدو؟، انا مش فاهمة حاجة
-أكيد عمو ماجد الشرير قتلها… نطق بها ليتابع بوجهٍ عابس:
-مش شوفتي كان بيزعق لها ازاي برة في الجنينة
وتابع بلهفة وفخرٍ بشقيقهُ البكري:
-بس چو البطل انقذها يا تاج، أنا شوفته وهو شايلها وبيركبها العربية، بس هي كانت ميتة شوية
استرسل وهو يشير بكفه:
-مش ميتة خالص يعني،بس أكيد الدكتور هيديها حقنة تصحيها تاني
ابتسامة طفيفة خرجت من جانب فمِ علام على حديث حفيده الصغير لتتحدث تاج ناهرة شقيقها:
-ممكن تبطل فتي يا مالك
صاح معترضًا على إهانته:
-أنا مش بفتي يا تاج، أنا عارف كل حاجة
وتابع باتهامٍ:
– إنتِ اللي سطحية زي ما زينو قال عنك
رمقتهُ بحدة وقبل أن تنطق أوقفتهم عزة التي حضرت من المطبخ حاملة كأسًا من المشروب البارد:
-بطلي مناقرة إنتِ وأخوكِ وإكبري، جدك فيه اللي مكفيه مش ناقص صداعكم
وأشارت إلى زين وزينة وتحدثت:
-شايفة أخوكِ وزينة قاعدين محترمين وعاقلين إزاي
هتفت الفتاة بحدة رافضة نهرها أمام الجميع:
-قولي له هو الكلام ده يا ست عزة، هو اللي بيغيظني بكلامه
-خلاص يا تاج… قالها علام لينهي ذاك النقاش العقيم، انساقت الفتاة لحديث جدها وتحدثت عزة:
-خد يا باشا كباية الليمون دي علشان تروق بيها دمك
سألها بنبرة قلقة:
-إيثار ما اتصلتش بيكِ يا عزة؟
-لا يا باشا… قالتها وهي تناولهُ كأس العصير لتتابع مسترسلة كي يطمئن قلبه:
-بالله عليك لتهدي علشان متتعبش، والست بيسان هتبقى زي الفل
رفعت كفيها متطلعة للأعلى:
-إلهي ينتقم منهم اللي كانوا السبب، البت يا عين أمها متحملتش تبان قدام الناس كلها إنها اتغفلت من الواد الملزق
رمقها وكأنها ذكرته:
-وهو مين اللي بين للكل إنها اتغفلت يا عزة؟
ابتلعت ريقها ليتابع هو متوعدًا:
– حسابك معايا بعدين، نطمن على البنت الاول وبعدها نتحاسب
جحظت عينيها قبل أن تنطق بتملصٍ:
-اللاه، طب وأنا مالي يا باشا، ما فؤاد باشا هو اللي قال لي كملي وإنتَ عارفني، مقدرش أرفض لحد منكم كلمة، آه
تحدث بعدم رضا:
-ماشاء الله على الباشا بتاعك وتصرفاته مؤخرًا،الظاهر إن من كتر العشرة طبعك بهت عليه
التزمت الصمت فصاح الصغير يذكر جده:
-جدو، شوفت الراجل التخين اللي بيقول ألاجة
تمعن الجميع ليتابع ذاك المشاكس حديثه:
-ده كان بيقول لبابي إن صاحبه جايب له رقاصة، يعني إيه رقاصة يا جدو؟!
اتسع بؤبؤ عين عزة وعلى الفور بعثت إليه إشاراتٍ بالعين واليد ليتوقف، بينما تحدث علام بجدية:
-عيب الكلام ده يا مالك، الراجل ده شخص مش سوي، علشان كده لازم تمسح كل كلامه اللي قاله من دماغك
-أوكِ يا جدو
أقبلت عليهم سعاد لتتحدث بجدية ورزانة:
-سعادة الباشا،منظم الحفلة بيبلغ حضرتك إنه وصل الأكل لدور الأيتام التلاتة اللي فؤاد باشا بلغه بأسمائهم
وتابعت:
-وبيبلغ جنابك إن الجنينة رجعت زي ما كانت يا افندم، وبيستسمح حضرتك إنهم يمشوا
نطق يسألها:
-الناس كلها اتعشت يا سعاد؟
-أيوه يا افندم، أنا بنفسي باشرت على الموضوع وفضلت مع الشيف لحد ما اتأكدت إن كل العمال أكلوا
نطق بهدوء:
-شوفي لو لسه ليهم باقي حساب أديهولهم
نطقت تخبرهُ:
-لا يا باشا، الراجل بلغني إن سيادة المستشار ادى له حسابه كله قبل بداية الحفلة، هو بيستأذن حضرتك كنوع من التقدير لشخص جنابك
أومأ لها وانصرفت السيدة وتبعتها عزة التي فرت هربًا من أمام علام
شعر الصغير بالنعاس وبات يتثاوب فشعرت به زينة التي تحركت إليه وتحدثت:
-تعالى أنيمك في سريرك يا مالك
تشبث بساق جده وتحدث رافضًا:
-أنا مش هطلع إلا لما بيسان ترجع
نطق علام بهدوء:
-سبيه جنبي يا زينة
تمدد الفتى ليضع رأسهُ فوق ساق الجد الذي تبسم وبات يلمس شعر الصغير الذي غفى بسلامٍ
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
عودة إلى المشفى من جديد
استقرت الفتاة داخل الغرفة وسط سعادة الجميع والتفافهم حولها،جلست فريال بالمقعد المجاور للتخت يقابلها بالمقعد المقابل عصمت،أما فؤاد وقف بجوار والدته محتضنًا إيثار،بينما يقف يوسف منزويًا على باب الغرفة يتطلعُ بشوقٍ وندمٍ وعشقٍ تخطى الحدود إلى تلك التي تتجاهلُ وجودهُ، نطقت فريال وهي تتحسسُ كفها بعناية:
-هونت عليكِ تخضيني بالشكل ده يا قلبي؟
وتابعت بدموعها:
-وازاي هانت عليكِ نفسك يا بيسان؟!
أشار لها فؤاد بأن تنتبه ولا تتطرقُ إلى اللوم والعتاب،فتوقفت وتحدث ماجد:
-حمدالله على سلامتك يا حبيبتي
بمجرد وصول صوت والدها إلى أذنها عادت لأذهانها كلماته اللائمة والجالدة لذاتها،أغمضت عينيها كنوعًا من الهروب وأيضًا الرفض، مما أدخل ماجد داخل حالة من الحزن والألم، الجميع يتحدث ويطمأن عليها ولا جواب منها، فقد اكتفت بغلق اجفانها كنوعًا من الهروب، انضمت إيثار إلى نجلها لتتحدث إليه بصوتٍ هامس:
-روح يا يوسف
نطق باستماتة واصرارٍ:
-مش همشي يا ماما، لازم أتكلم مع بيسان
نطقت بتفكيرٍ عقلاني:
-محدش هيسمح لك، ياريت تمشي قبل ما ماجد ياخد باله من وجودك ويطردك، وساعتها أنا مش هسكت له وهتحصل مشكلة
بدلاً من انسحابه انطلق صوتهُ القوي قائلاً وهو يتوجهُ إلى الداخل متخطيًا وجود والدته:
– لو سمحتم، انا وبيسان لازم نتكلم لوحدنا
ضغطت على كف والدتها وكأنها تترجاها عدم تركها بمفردها مع ذاك الحبيب، بينما انفجر ماجد الذي تذكر وجود الشاب فنطق معنفًا بطريقة فظة:
-إنتَ واقف هنا بتعمل إيه، إمشي اطلع برة واياك أشوفك بتحوم حوالين بنتي تاني
هتف يوسف بقوة استمدها من تلك التجربة المريرة:
-إنتَ اللي هتخرج حالاً، ومش هسمح لك تاني تتدخل في حياتنا وتدمرها أكتر من كده
جن جنون “ماجد” تحت ارتعاب الفتاة وقبل أن ينطق أوقفته إشارة حازمة من يد فؤاد الذي نطق ناهرًا الجميع:
-بعد اذنكم الكل يطلع برة
وتحرك باتجاه ماجد وتحدث:
-يلا معايا يا دكتور
هرولت نوال لتجذبه من رسغه وهي تحثه على الخروج:
-يلا يا ابني ربنا يهديك
خرج الجميع ما عدا فريال المتمسكة بكف ابنتها، اقترب فؤاد من يوسف لينطق محذرًا:
-لو كلامك ليها هيبقى شبه كلامك اللي قولته في الجنينة،يبقى تطلع معايا إنتَ كمان وتسيب البنت ترتاح
-متقلقش يا بابا، كل حاجة هتتحل النهاردة بإذن الله
وتابع برجاء:
-بس انا محتاجك جنبي إنتَ والباشا
نطق فؤاد داعمًا نجله:
-أنا في ظهرك يا يوسف، متقلقش
وتابع بمشاكسة:
-بس إنتَ صلح اللي هببته مع البنت يا بيه
اقترب على شقيقتهُ ثم وضع كفه على كتفها وتحدث:
-تعالي معايا يا حبيبتي
نطقت بحدة ولوم:
-عاوزني أسيبها معاه علشان يقهرها تاني بكلامه يا فؤاد
بالكاد أقنعها لتتحرك بجواره وقبل أن تخرج طالعتهُ بنظراتٍ عاتبة ليبادلها بأخرى آسفة،أغلق فؤاد الباب ليقترب يوسف من تلك التي ارتفعت شهقاتها لتسيل على إثرها الدموع الغزيرة،جلس بجوارها ليقترب من أذنها وهمس بصوتٍ جعل جسدها ينتفضُ:
-فتحي عيونك وبصي لي
شهقت ليتابع بنفس الطريقة:
-واجهيني وقولي لي ازاي جالك قلب تعملي كده فيا؟
-عاوزة تمشي وتسبيني وإنتِ متأكدة إن وجودي بعدك شيء مستحيل
وبصوتٍ يقطرُ عشقًا تابع:
– أنا مقدرش أعيش من غير وجودك يوم واحد يا بيسان
فتحت عينيها لتلتفت إليه وبصوتٍ لائم تحدثت:
-ما أنتَ قدرت وعيشت
-قد كده مش حاسة بحبيبك؟… قالها متأثرًا لتنزل دموعها، مد يده يجففها ثم قرب كفهُ المبلل بدموعها من شفتيه وقبلها تحت انتفاضة قلبها النابضَ بعشق ذاك الفارس، نطق بأعين لائمة:
-إزاي هانت عليكِ روحك يا قلب حبيبك
أجابتهُ متأثرة بدموعها الحزينة:
-كنت هعيش في الدنيا أعمل إيه بعد ما قولت لي إن كل اللي بينا انتهى
ضيق بين عينيه ليسألها بصوتٍ هز كيانها:
-وإنتِ بقى صدقتي إن اللي بينا فعلاً انتهى؟!
أومأت بإيجاب،ملس على خدها بنعومة بكفه في حركة أذابت روحها:
-ده لأنك غبية يا حبيبي، مقدرتيش تفهمي إن كل اللي قولته كان كلام من ورى قلبي
-يعني إنتَ مكنتش هتسيبني بجد؟
ابتسم يجيبها ومازال يداعب وجنتها بأناملهِ:
-إسيبك إزاي بعد ما عملت المستحيل علشان أقرب المسافة ونقدر نتجوز قبل ما نخلص الجامعة
كان لكلماته وقع السحر على قلبها العاشق ليتراقصُ فرحًا وتحومُ من حولها فراشات الغرام الهائمة، سألتهُ بلهفة ظهرت بداخل عينيها:
-هو إحنا ممكن نتجوز واحنا لسه بندرس؟!
اومى بعينيه مبتسمًا ثم سألها بصوتٍ ناعم أنهى على ما تبقى من صبرٍ لها:
-لو حبيبي عاوز كده، نتجوز فورًا
وتابع يسألها:
-إيه رأيك نتجوز في أجازة السنة دي؟
سألتهُ بنظراتٍ متوسلة:
-إنتَ بتتكلم بجد يا يوسف؟
أجابها هامسًا:
-وهي الحاجات دي ينفع فيها الهزار يا روح قلب يوسف؟
-يعني إنتَ بجد مش هتسيبني تاني؟!
وتابعت متوسلة:
-ولا بتقولي الكلام ده علشان عاوز تخرجني من الحالة اللي أنا فيها ؟
نطق بثقة:
-أنا ببلغك باللي هيحصل يا بوسي
بسطت كفها تتحسسُ به وجنته وهي تقول بعدما جنبت حيائها وكأن ما استمعته منه افقدها الصواب:
-أنا مش مصدقة اللي بسمعه منك يا يوسف، حاسة إني جوة حلم وإنتَ كالعادة مشاركني فيه
وتابعت وهي تميل برأسها بدلالٍ:
-قولي إن ده مش حلم، وإنك بجد معايا وإن كل كلامك ده هتحققه
نطق بثقة عالية:
-هيتحقق وأسرع مما تتخيلي
اختفت الابتسامة من فوق شفتيها لتنطق بعدما نزلت من سماء الأحلام لتصتدم بأرض الواقع:
-وتفتكر بابا هيسمح لنا نحقق الحلم؟
-مش عاوزك تفكري في أي حاجة تعكر علينا فرحتنا… قالها بثقة ثم تابع ليطمأنها:
-بابا وجدو علام هيساعدوني، متقلقيش
رفع كفها وقربهُ من فمه ليطبع بداخلهِ قبلة تنم عن عشقٍ عظيم يسكن فؤادهُ، تنهدت بسعادة سكنت عينيها لينطق بعينيه قبل الشفاة:
– إوعي تخوفيني عليكِ تاني
نطقت بنعومة أثارته:
-عارف يا يوسف
تمعن النظر بمقلتيها لتتابع مسترسلة بطريقة طريفة:
-لو أعرف إنك هتتغير كده وتسمعني كل الكلام الحلو ده، كنت انتحرت من تاني يوم سيبت فيه البيت ومشيت، وكنت جنبت قلوبنا كل الوجع اللي عيشناه
أجابها بيقينٍ:
-مش يمكن ربنا عمل كل ده علشان كل واحد فينا يعرف قيمة وغلاوة التاني عنده
-أنا بحبك قوي يا چو، وحياتي من غيرك ملهاش أي معنى… لتتابع بنظراتٍ متوسلة:
-إوعى تسيبني تاني
-عمري ما هسيبك… قالها مؤكدًا ليتابع هائمًا بعد تنهيدة حارة:
-ده أنتِ النور لعيوني يا بوسي، فيه حد يعيش محروم من نور عنيه؟
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
بالخارج، فور خروجهم من الغرفة وابتعادهم كما طلب منهم فؤاد كي لا تستمع الفتاة إلى مناوشاتهم وتنتكسُ حالتها أكثر،هتف ماجد وهو يقول بحدة:
-أنا خرجت وسيبت بنتي معاه إحترامًا بس ليك ولكلمتك يا سيادة المستشار،لكن أنا موقفي من الولد ده لا أتغير ولا هيتغير
هتفت إيثار تنهرهُ بحدة لأجل ابنها:
-اسمه حضرة الظابط يوسف البنهاوي، يعني لما تجيب سيرته تتكلم عنه باحترام وأدب
هتف بحدة أظهرت تعنته تجاه الشاب:
-إن شالله يوصل لرئيس الوزرا، ده مش هيغير من نظرتي ليه
هتف فؤاد بعدما توقف بينهما:
-ممكن مسمعش صوت حد فيكم
التزم كلاهما الصمت لينطق فؤاد بجدية:
-يوسف طلب مني وإحنا جوة أبلغك إنه طالب إيد بيسان يا ماجد
-وانا مش موافق يا سيادة المستشار… قالها برفضٍ قاطع وتابع بعد احتراق روح إيثار:
-ولو أخر راجل في الدنيا بردوا مش موافق
-يبقى تطلقني يا ماجد… انتبه الجميع على صوت فريال التي وقفت لتتابع بشموخٍ:
-طالما حياة بنتك متهمكش للدرجة دي، يبقى أنت كمان متلزمنيش
اتسعت عينيه ذهولاً تحت صمت عصمت وفؤاد وترك القرار لها، بينما ارتعبت نوال من فكرة تخلي زوجة ابنها عنه وطرده من جنة نعيمها ونعيم عائلتها فتحدثت بنبرة جديدة عليها:
-إستهدي بالله واخزي الشيطان يا فريال، دي كلمة بردوا تقوليها لجوزك أبو عيالك؟
هتفت بقوة أذهلت الجميع:
-وإذا كان جوزي راجل أناني مبيفكرش غير في نفسه وغروره، وإذا كانوا عياله أخر شيء بيفكر فيه، يبقى أعيش معاه واكمل ليه؟!
نطق مفسرًا بعتاب:
-شيفاني أناني علشان خايف على بنتي يا فريال؟
-خايف عليها من إيه يا دكتور؟!…جملة قالتها بسخرية لتتابع بحدة:
– بنتك هانت عليها روحها وانتحرت علشان يوسف قال لها كل اللي بينا انتهى
مصعبتش عليك وإنتَ شايفها غرقانة في دمها؟!
صمت ومازال يحاول إدراك كلماتها وثورتها العارمة لتتابع هي بقوة وحسمٍ شديد:
-رفضك لجواز بيسان من يوسف، قصادة طلاقي منك يا ماجد
شعر بصغر حجمه عندما وضعته امراته أمام اختيارين كلاهما آمر من الآخر، نطق بانهزامٍ في محاولة منه لتحسين صورته التي تشوهت أمام الجميع:
-عاجبك اللي أختك بتقوله ده يا فؤاد؟!
اجابه فؤاد بجدية:
-فريال أم بتدور على مصلحة بنتها وبتحمي حياتها
بنبرة ضعيفة تحدث:
-يعني إنتَ موافقها على كلامها المهين اللي قالته لي في حضوركم ده؟
أجابهُ متنصلاً كي يغلق عليه جميع الأبواب ويحسره في الزاوية:
-دي حاجة ترجع لها هي
رأت نوال إهتزاز نجلها وانتهاء حججه لتنطق وهي تمسك بكفه:
-يا باشا ربنا ما يجيب شر أبدًا، الدكتور ماجد موافق على جواز بنتنا من يوسف
وتابعت وهي تنظر إلى إيثار الساخطة على ماجد والصمت كاد أن يقتلها:
-حضرة الظابط راجل محترم، وكفاية إنه إبن مدام إيثار ومتربي في وسطيكم
طالع والدته بتشتتٍ لينطق عليوة بعدما قرر التدخل:
-بعد إذنك يا سعادة المستشار، هنقعد مع ماجد عشر دقايق بس، وبعدها هو بنفسه هيبلغكم بموافقته
انسحب ثلاثتهم لتنطق عصمت وهي تتلفتُ من حولها بحثًا عن الفتى:
-“فؤاد ماجد” فين؟!
نطق فؤاد يطمأنها:
-طلبت منه يقف على الباب جنب اخته، محبتش يسمع كلامنا مع أبوه
اقتربت إيثار من فريال وسألتها:
-إنتِ كويسة؟
هزت رأسها بنفيٍ وبدون سابق إنذار انسابت دموعها الغزيرة وهي ترتمي بين أحضان زوجة أخيها:
-بنتي كانت هتضيع مني في غمضة عين يا إيثار
نطقت تطمأنها:
-قدر الله ماشاء فعل، إهدي يا قلبي، هي الحمدلله بقت كويسة
تحدثت عصمت بهدوء:
-إهدي يا فريال وبطلي عياط، ربنا يهدي ماجد ويوافق ويخلصنا بقى من وجع القلب ده
-هيوافق…قالها فؤاد بثقة ليتابع مشيدًا بتصرف شقيقته:
-فريال حصرته في خانة اليك، بقى مجبر على الاختيار الأوحد اللي هيضمن له بقائه وسط عيلة “علام زين الدين”، والاحتفاظ بالصورة والمكاسب اللي قدر يحققها طول السنين اللي فاتت.
نظرت عليه ثلاثتهُن ليقطع تفكيرهن حضور ماجد بصحبة نوال وعليوة الذي تحدث بابتسامة بعدما اقنعا ولدهما:
-مبروك يا جماعة، أهو دكتور ماجد وافق
لم يرى ماجد أي رد فعل سعيد أو منبهر من هؤلاء الأربعة وكأنهم كانوا متوقعين الموافقة، حيث تحدث فؤاد بلامبالاة وهو يدس كف يده داخل جيب بنطاله:
-تفكير سليم يا ماجد
لم يكن الأمر يشكلُ صعوبة أمام والديه حتى يقنعاه، فقد حذرته نوال من التمسك بذاك الموقف المتعنت الذي سيفقده جميع مكتسباته التي حصل عليها فور تمسكه برأيه، فوافق على الفور، ولا ننكر شعورهُ الكبير بالخوف على ابنته التي كادت أن تفقد حياتها في سبيل الحب.
تحرك فؤاد صوب غرفة بيسان ليدفع الباب دون استأذانٍ قاصدًا،رأى الفتاة تتحسسُ ذقن الفتى وبدورهِ يزيد هذا الكف قبلاتٍ نهمة حيث تسرح شفتاهُ وتمرح براحتها،انتفض كلاهما لينطق فؤاد وهو يسحب يوسف من ياقة قميصه الخلفية:
-والله كنت متأكد.
وتابع:
-على برة يَلا
نطق يوسف بدهاءٍ متجنبًا ذاك الموقف:
-طمني عملت إيه؟
-بتوهني حضرتك؟… قالها فؤاد ليتابع متهكمًا:
-عامل عليا ذكي وبتوهني وناسي إنك تربية إيدي؟
ثم حول بصره على ابنة شقيقته واسترسل معنفًا:
-وإنتِ يا ماما يلي كنت فاكرك قطة مغمضة
استرسل بعتابٍ متهكم:
– بتلعبي له في دقنه يا حنينة؟، أمال في الخطوبة هتعملي له إيه
خفضت بصرها بخجلٍ فتحدث هو:
-أنا الكلام ده ميلزمنيش…قالها بحدة وجدية ارعبت كلاهما ليتابع:
– إحنا كده نكتب كتاب على طول
اتسعت أعينهم لتهتف الفتاة بلهفة:
-بابي وافق يا خالو؟
أجابها بملاطفة:
-وإنتِ فاكرة إن ابوكي ده يقدر يرفض لي طلب؟
تطلعت بحزنٍ إلى يوسف لتنطق متأثرة:
-شوفت إنك بعدت ووجعت قلوبنا علشان وهم، لو كنت وسطت خالو من الأول مكناش مرينا بكل الوجع ده يا يوسف
نطق بثباتٍ وثقة:
-مكنش ينفع أتقدم لأبوكي قبل ما أثبت له ولنفسي قبله إني جدير بيكي وأستاهلك
-إطلع برة يَلاَ….قالها فؤاد بسخطٍ مفتعل ليتابع مسترسلاً وهو يشير إلى الفتاة:
-وإنتِ يا ماما، قومي غيري هدومك خلينا نروح
سألهُ يوسف باهتمامٍ ودهشة:
-هو ينفع تروح النهاردة بجد؟
اجابتهُ فريال التي ولچت بصحبة الجميع:
-الدكتور سمح لها وقال ينفع تروح
اقتربت تقبل ابنتها الجالسة فوق السرير:
-حمدالله على السلامة يا قلب ماما
-الله يسلمك يا حبيبتي…قالتها بصوتٍ سعيد ووجهٍ تتدفق منه الحياة ليتعجب الجميع من تبدل حال الفتاة، نطقت فريال بمداعبة :
-هي القعدة مع يوسف بتحلي قوي كده؟
مالت على أمها تسألها بهمسٍ:
-مامي، بابي وافق فعلاً على يوسف؟!
-أه يا حبيبتي وافق
اقترب منها ماجد ليجلس بجوارها، أمسك كفها يحتضنهُ بين راحتيه ثم تحدث وهو يطلب العفو منها بالقلب قبل اللسان:
-حمدالله على سلامتك يا ماما
ابتسمت تجيبهُ بهدوءٍ:
-الله يسلمك يا بابي
باغتها بجذبها لتسكن احضانه،ورغمًا عنه نزلت دموع الندم بعدما رأى سعادة نجلته، وبلحظة شعر كم هو حقيرًا أناني،جل ما كان يفكر به هو الانتصار وذُل إيثار وكسرها عن طريق رفض نجلها، مجنبًا سعادة ابنته وما تريدهُ، شعرت الفتاة بعذاب والدها وندمه فاحتوت ضهره بيدها وباتت تحركها باحتواءٍ وحنو نال استحسان الجميع.
نظر ماجد إلى فريال يطلب منها السماح فتنهدت بهدوءٍ قبل أن تشيح عنه بصرها.
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
عاد الجميع إلى منزل علام بينما ذهب عليوة وزوجته إلى منزلهما، هرولت الفتاة ترتمي بأحضان جدها الذي أصر على أن ينتظرها لكي يطمأن عليها بنفسه،تحدثت بندمٍ وخجل:
-أنا آسفة يا جدو
نطق بكلماتٍ تحمل الكثير من المعاني:
-حمدالله على سلامتك يا حبيبتي، ارتاحي الوقت ونتكلم بعدين، لأن اللي حصل شيء خطير وميخرجش من حفيدة علام زين الدين أبدًا
اومات له لينطق فؤاد وهو يشير إلى يوسف وماجد المتقابلان:
-الباشمهندس يوسف طلب إيد بيسان من دكتور ماجد وهو وافق يا باشا
رفع علام حاجبهُ إلى ماجد ليسألهُ ممازحًا:
-وافقت كده منك لنفسك من غير ما تاخد رأيي يا ماجد؟
نطق ماجد باحترام:
-بيسان بنت سعادتك واللي تأمر بيه جنابك كلنا هنفذه
-متشكر يا ماجد… وتابع مشيرًا إلى يوسف يستدعيه ليجاورهُ الجلوس:
-تعالى يا حبيبي
جلس ليحتضن علام كلاهما بحبٍ، تقابلت نظراتهم وابتسم كلاً منها للاخر تحت سعادة قلبيهما وقلوب الجميع.
بعد حوالي نصف ساعة، وأثناء انشغال الجميع وقف بجوارها عند البوابة الحديدية لينطق بعينين تنطق عشقًا:
-تصبحي على خير يا حبيبي
-وإنتَ من أهله يا يوسف، إوعى تنام وكلمني، أنا هستناك
نطق من باب الحرص عليها:
-هكلمك شوية صغيرين وأسيبك تنامي علشان ترتاحي وتقومي لي بالسلامة بسرعة
-أنا راحتي في قربي منك يا حبيبي…نطقت بها لتخرج تنهيدةٍ حارة تنم عن مدى انزعاجها من المستقبل:
-من كتر ما أنا خايفة نبعد تاني مش عاوزة أضيع لحظة واحدة في قربنا
-مش عاوزك تفكري بالطريقة السلبية دي تاني
وقبل أن تجيبهُ أقبلت عليهما إيثار وتحدثت بسعادة ظهرت فوق ملامحها:
-مبروك يا حبايبي
نطقت بيسان وهي ترتمي بأحضانها بدلالٍ كما السابق:
-الله يبارك فيكِ يا طنط
تنهدت براحة وشعورًا رائع بالإطمئنان والاستكانة وهي تحتضن نجلها الحبيب وقلبها يتراقصُ فرحًا وهي ترى السعادة تحومُ حول نجلها وحبيبتهُ الغالية، قرر الجميع محو الماضي من الذاكرة ومنح المستقبل فرصًا للتعافي والعيش بقلوبٍ لا يشوبها الحقدُ والانتقام.
بالاعلى، داخل حجرة فؤاد، كان يحتضن حبيبته التي حُرم منها لعدة أيامٍ كثيرة ولم تتح له الفرصة إلى الآن لتعويض حالهُ فقدان حنانها، تحدث إلى تلك التي لا تستطيع فتح أهدابها:
-الليلة انضربت يا إيثو، كان نفسي في شوية مساچ يفكوا ضهري القافش على رأي عزة
ابتسمت لتجيبهُ بصوتٍ ناعس وأعين مغلقة:
-بكرة بقى يا حبيبي، أنا مش قادرة أفتح عيوني من كتر النعس
تنهد يجيبها بتعب:
-كان يوم طويل ومتعب، أنا مش مصدق إنه خلص
وتابع يسألها:
-إطمنتي على مالك واتأكدتي إنه في سريره يا بابا؟
لم يجد منها جوابًا فتأكد من دخولها في سباتٍ عميق من خلال تنظيم أنفاسها، شدد من احتضانه ودفن رأسها بتجويف عنقه ليلحق بها بعد قليل.
______________
بعد مضي يومان،كان يجلس داخل مكتبه المتواجد بالمنزل،ممسكًا بجهاز الحاسوب الشخصي له، ضغط على إرسال ملفٍ يبعثهُ لشخصٍ ما،ثم ابتسمَ بسخرية مع شعورًا جيدًا بلذة الإنتصار.
وبنفس ذات اللحظة بالطابق العلوي،استمعت إلى صوت رنين هاتفها الجوال، لتجيب على الفور، وما أن استمعت لكلمات المتصل حتى خرجت منها صرخة،وضعت كفها على فمها وباتت تحرك رأسها غير مدركة لصحة ما استمعت إليه.
يتبع…
- لقراءة باقي فصول الرواية أضغط على (رواية أنا لها شمس الجزء الثاني)