روايات

رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم ياسمين عادل

رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم ياسمين عادل

البارت الرابع والعشرون

 

^^ليلة في منزل طير جارح^^
الفصل الرابع والعشرون :-
“لعنة الحُب إذا أصابت، نفذت.”
____________________________________
كانت كلمات الصغيرة گالسهام النافذة في أعماق قلبهِ، قلبه الذي لم يحب أحد بقدرها في الدنيا أجمع، الآن وقد أعلنت العصيان عليه أصبح گالخواء، يشعر بفراغٍ متألم لما سمعه منها ولم يتخيل يومًا أن طفلة في عمرها قد تفكر هكذا.
ركضت “ليلى” بعدما رمت بكلماتها الجلّادة في وجهه، فـ ظل “هاشم” قرابة العشر ثواني يحاول استيعاب ما قالته بعجزٍ شديد، ثم هرع إليها ليتدارك الأمر قبل أن يفقد السيطرة عليه بالكامل. كانت في غرفتها، تجمع ملابسها على الأرض بفوضوية وكأنها بالفعل ستغادر تنفيذًا لتهديدها؛ فتنهد “هاشم” وهو يدنو منها بحذر، ثم جلس على الأرض بجوارها أمام خزانة الملابس، ليعاتبها في لطفٍ وصوتٍ ناعم مرتخي :
– كده عايزة تمشي وتسيبي دادي لوحده يا ليلى؟.. هونت عليكي.
كانت تعابير وجهها الغاضبة توحي بأن كلماته لم تؤثر فيها، بل إنها ضاعفت من مشاعرها السلبية تجاه تصرفه :
– اشمعنا ناناه جليلة هانت عليك، وأنا كمان هونت عليك انت عارف إني بحبها.
تحامل “هاشم” على نفسه لكي لا يخسرها تمامًا، وتماشى مع عقليتها الصغيرة لعل ذلك يؤتي بثماره :
– حببتي هي اللي عايزة تمشي، أعملها إيه؟.
قدمت “ليلى” حل بسيط وسهل؛ لكنه بالطبع لم يكن بتلك الصورة اليسيرة بالنسبة له :
– قولها l’m sorry وهي هترجع في كلامها وتفضل معايا.
اتسعت عيناه قليلًا، فقد فاقت “ليلى” حدود تخيله، كأنها كبرت عن عمرها أعوام أخرى وهو لا يشعر، وطلبت منه أمرًا استصعبه :
– بس انا مش غلطان في حاجه.. هي اللي اتصرفت غلط والمفروض كانت تعتذر عن الـ……
تشنجت “ليلى” وهي تنهض عن الأرض، فاقدة الأمل في أن يرضيها حديث والدها :
– خلاص يبقى سيب ليلى تمشي هي كمان.. أنا مش هقعد هنا من غير ناناه جليلة وحِراء.
تأفف “هاشم” وقد بدأ يضيق ذرعًا؛ لكن بدا الأمر يستحق التفكير، خاصة وأن تواجد “جليلة” حتمًا سيرتبط بمكوث “رحيل” بدون أي ضغوط أو عكوسات أخرى. نهض “هاشم” ولحق بالصغيرة ليدبر محاولة قد تكون ناجحة :
– طب هتفق معاكي اتفاق.
نظرت إليه الصغيرة بتركيز، كأنها تأهبت لسماع اقتراحهِ :
– أنا هحاول بس انتي ساعديني.. إيه رأيك ؟.
استغرق الأمر منها بضعة ثواني للتفكير، قبل أن ترد عليه :
– موافقة.. بس لازم تعتذر، الغلطان لازم يعتذر مامي قالت كده.
كتم “هاشم” تأففًا منزعجًا وهو يرضخ لرغبتها، وسرعان ما انتقل لغرفة “جليلة” من أجل استرضائها، لعلها تقبل بتغيير رأيها والمكوث هنا، بعدما تسبب لها “هاشم” بحرج كبير. طرق بابها لتأتيه الإجابة بالدخول، فدخل إليها وفي أعقابهِ “ليلى”، ليجدها بالفعل قد بدأت ضبّ الأغراض في حقيبتها. نظرت إليه “جليلة” بإستفهام، قبل أن تسأله برسمية لم يعتادها من تلك السيدة الناعمة اللينة :
– خير.. في أي أوامر تاني قبل ما أمشي؟.
لم يعطي “هاشم” الصمت فرصة، ودنى منها خطوة وهو يقدم خالص اعتذاراتهِ :
– آنا آسـف يا هانم.. مش فاهم إزاي الحوار بينا أتحول فجأة للمنحنى ده، أتمنى تقبلي اعتذاري.
كان ردها جامدًا خاليًا من معالم الرضا :
– حصل خير.
وتابعت إغلاق حقيبتها وكأن اعتذاره غير كافي لتمكث معهم مجددًا، فتدخلت “ليلى” بدورها وفي صوتها نبرة الحزن بينّة:
– خلاص ياناناه جليلة دادي اعتذر رجعي الشنطة.
أجبرت “جليلة” نفسها على رسم بسمة خفيفة لكي لا تحزن الصغيرة، ثم هتفت برفضٍ :
– معلش يالولي مش هقدر أقعد أكتر من كده.
بدأت الدموع تتجمع في مقلتي “ليلى”، غير قادرة على تحمل هذا الفراق المقدّر عليها :
– خلاص خديني معاكي.. انا قولت لدادي مش هقعد هنا لو مشيتي، هاجي معاكي.
الآن فهمت “جليلة” سبب مجيئه للإعتذار، يبدو أن “ليلى” ضغطت عليه كثيرًا، وإلا ما تنازل وأتى حتى عتبة غرفتها. انحنت “جليلة” عليها تمسح على وجهها برفقٍ حاني وهي تقول :
– أنا هجيلك على طول وانتي كمان تعالي مع رحيل لما تيجي تزورني.
رفضت “ليلى” رفضًا قاطعا متعنتًا وهي تضرب الأرض بقدميها :
– لأ لأ لأ.
لم يحب “هاشم” تورط صغيرته في أعمال الإستعطاف وشحذ المحبة، فـ سحبها من يدها إليه، وانحنى إليها ليقول :
– روحي أوضتك يا ليلى وانا هتصرف.
نظرت إليها بعينها الدامعة التي تذبح في قلبه، فأكد إليها مجددًا إنه سيفعل ما تريد :
– متقلقيش، دادي دايمًا يوفي بوعوده.
أومأت رأسها بخيبة أمل، ثم جرت قدميها الصغيرتين وخرجت، كي تواجه “رحيل” في طريقها، والتي انحنت عليها لتحملها بعطفٍ وهي تسألها مذهولة :
– مالك ياليلى؟ مين مزعل القمر؟.
أطرقت رأسها في حزن وهي تشرح بها بإستفاضة طفولية :
– دادي زعل ناناه جليلة وعايزة تمشي وتسيبني.
حدقت “رحيل” وهي تستمع لأخبار لم تكن على دراية بها، فـ منذ عودتها وهي تجهز الخزانة وتعدّ المسبح لكي ينعم بحمام هادئ، بينما هو يفسد الأجواء بالخارج وهي لا تدري شيئًا.. تابعت “ليلى” وهي تشير ناحية الغرفة :
– وهو عندها دلوقتي عشان يقولها متمشيش.
أومأت “رحيل” رأسها بتفهم وهي تنظر للباب المغلق، ثم تحركت من أمامه وهي تقول :
– طب تعالي احكيلي اللي حصل كله.. و متخافيش أنا هخليها تفضل معانا لو دادي مقدرش يقنعها.
أغلق “هاشم” الباب، فكان لا بد من إيجاد المنفذ الذي من خلاله سيقنعها بالإستمرار في المعيشة هنا، بجانب إلحاح “ليلى” المستمر بالطبع.
أشار إليها “هاشم” لتجلس على الأريكة الجانبية، ثم جلس قبالتها على طرف الفراش وهو يذكرها بلمحات من الماضي الذي سيعيد لذهنها ماذا فعل من أجلهم -كما يزعم- :
– احنا بشر زي ماانتي عارفه ياهانم، وكلنا مليانين أخطاء.
حاولت أن تقاطعه لكنه أشار إليها ليتابع :
– من فضلك خليني أكمل.. أنا عارف إني لما بفقد أعصابي بكون إنسان تاني خالص، واحد محدش يعرفه، ويمكن ده أسوأ عيوبي.. بس انا قبلت أقف في وش النار عشان رحيل وعشان حضرتك وده كان أكبر عيب فيها هي كمان، إني أخلق لنفسي عدو من الفراغ لمجرد إني أحميكم، ومع ذلك قبلت، لأننا مش كاملين، ومطلوب مننا نتحمل بعض بعيوبنا عشان نعدي.
ضاقت عينا “جليلة” مستنكرة حديثه، وبالأكثر عن تقديمه يد العون لهن في أوقات الحاجه :
– يعني نهزأ بعض بأسم رد الجميل!؟.
– أكيد لأ ياهانم، أنا بعتذرلك تاني عن أسلوبي وعارف إن الخطأ كبير، أنا بحاول أفهمك إني زيي زي أي حد مش ملاك يعني.. أتمنى تقبلي اعتذاري وأنا كمان هقبل رغبتك أيًا كانت، بس من فضلك تفكري في ليلى اللي اتعلقت بيكي أكتر مني أنا شخصيًا، عن أذنك يا هانم.
كان ودودًا لطيفًا كما عهدته في السابق، لا ينتمي أبدًا لذلك الوجه الذي رأته عليه منذ قليل وكان صادمًا لها، ورغم عدم رضاها عن فكرة الإستمرار في العيش هنا، إلا إنها تفكر في الأمر من أجل “ليلى” و “رحيل” ، ابنتها التي عادت من الموت مؤخرًا بعدما حيكت لها مؤامرة لعينة كادت تودي بحياتها للهلاك، هي الآن تحتاج “هاشم” أكثر مما يحتاجها، إن كانت الحياة تقوم على مبدأ المصالح المتبادلة فقد فازت “رحيل” من وجود “هاشم” أكثر من فوزه هو، هذه هي الحقيقة التي تدركها “جليلة”، بدون أن تشعر إنهن محطّ أطماع ابن العزيزي، وإنه يحتاجهن بالأكثر وليس العكس كما تظن هي.
***************************************
اختلى بنفسه في غرفة المكتب، مستثقلًا التنازلات التي قام بها من أجل ابنته مؤخرًا، من اعتذار لـ “جليلة” وإجبار “حِراء” على عدم الرحيل، هذا ليس هو، وإنما ابنته أجبرته على أن يكون شخص آخر من أجل استرضائها.
طرقات على الباب سلبته من أوج تفكيره، فـ التفت بمقعده المتحرك وهو يسمح بالدخول :
– أدخل.
دخلت “رحيل” إليه متهادية الخطى، فأشاح عيناه عنها مصممًا على نفس موقفهِ، حينئذٍ دنت منه إلى أن أصبحت أمامهِ، وجلست القرفصاء عند ساقيه قبل أن تسترسل في الحوار :
– قبل ما أعرفك حياتي كانت في حته تانية، بعد ما اتحرمت اني أكمل تعليمي مبقتش فارقه معايا حاجه، كنت راضية، عايزة اليوم يعدي عشان ييجي غيره.. في وسط ظلم عمي لينا بعد ما بابا الله يرحمه مات ملقتش حد يرحمني غير حسن، مع إنه كان ناشف معايا، بس عمره ما ظلمني، قولت لنفسي أهو أحسن الوحشين، ورضينا على أمل إن الحق يترد لأصحابه.
كان يستمع إليها بإصغاء، يقرأ الكلمات التي تملأ عيناها ولا تنطقها، يشعر بالمأساة التي عبرت خطوط وجهها حتى انتقلت إلى لسانها، منتظرًا النتيجة التي سيثمر عنها ذلك الحديث :
– إنت الوحيد اللي اديتني حريتي، لما شوفتك قدامي قوي وبتاخد الحق بدراعك أنا كمان استقويت، حسيت إن ضعفي مبقاش لايق عليا وانا جمبك، وإن حقي اختار وأقرر، كنت عايزة اتعلم منك إزاي أدوس على الظالم وأعدي من غير ما ضميري يوجعني، يمكن عشان كده قولت لأ، رفضت إنك تاخد القرار بالنيابة عني، ونسيت إنك أنت اللي وصلتني هنا ولولاك كان زماني لسه محبوسة هناك.
قبل أن ينطق بكلمة اعتراضية كانت تسبقه بالقول :
– عارفه إني غلطانة، ومش جايه أبرر، أنا جاية اعتذر، واطلب منك تشاركني في القرارات اللي تخصني، متبقاش عليا زيهم وترجعني لزمن كرهت العيشة فيه، ساعدني أخرج من حبسي ياهاشم، متحبسنيش زي ما هما حبسوني.
رأى تلك العبرة التي تقف على طرف أهدابها، فـ تناولها بإبهامهِ قبل يمسح بكفهِ الكبير على خدّها، ثم رفعها عن الأرض ونهض هو أيضًا إلى أن أصبحت قبالتهِ، تكاد تكون لصيقة به، حسس بأصابعه على موضع جرحها فتآوهت بتألمٍ، فأبعد يده وهو يسألها :
– غيرتي على الجرح لما رجعنا؟.
هزت رأسها بالنفي وقد بدأ وجهها يستعيد إشراقته، فـ سحبها إليه ليقول في صوتٍ ذا مغزى :
– طب تعالي، أنا هغيرلك عليه بنفسـي.
وساقها معه لغرفتهم، من أجل أن ينسيها جفاء الساعات الماضية، ولأنها بادرت بإسترضائه أكثر من مرة، فكان عليه أن يقبل بالمبادرة وألا يزيد من جرعة العقاب لكي لا تعتاد بعدهِ، فيخسر تأثيرهِ الطاغي عليها.
*************************************
ارتشفت “صباح” آخر رشفة في فنجان القهوة المُرة، تلك التي تتلذذ بمرارتها التي تترك أثرًا في حلقها قد يدوم لساعات؛ لكنه دومًا يذكرها إنها عاشت مرارًا أضعاف ذلك. تركت الفنجان جانبًا وهي تمد ساقها المغطاة بالملحفة السوداء، وهي تعتلي العريشة الضخمة المصنوعة من الخوص، التي صنعها كبير بيت حبش منذ سنوات طويلة، وتوارثتها الأجيال من العائلة رجلًا يليه رجل، إلى أن جلست عليه “صباح” سيدة بيت حبش، حتى يبلغ ولدها الأكبر السن المحدد ليرث ملك أبيه، ملك بيت حبش.
هرولت الشابة الصغيرة نحوها، كانت فتاة لم تتجاوز العشرين من العمر، ممسكة بورقة مطوية بين أصابعها، حتى وقفت بين يدي سيدتها وهتفت بـ :
– چيبتلك رقم المحمول بتاعها، أهو.
تناولته منها ونظرت إليه مليًا، قبل أن تسألها :
– تفتكري هتعصاه وتبيعلي؟.
– والله مش هنخسر حاچه لما نچرب، إحنا اللي يهمنا الدكاكين.
قبضت “صباح” على الورقة بين يديها وكأنها تدسها، ثم سألت والنهم جليًا في لمعان عيناها :
– وحمدي؟؟ عمل إيه؟.
ابتسمت الفتاة متشفية، وكأن الشماتة تحوم فوق رأسها بسعادة :
– نقلوا للبيت التاني اللي في الجهة القبلية، والعمال شغالين ليل نهار عشان يقوموا البيت الكبير من تاني، بعد ما النار نهشته كله.
نهضت “صباح” عن جلستها والإبتسامة تزين محياها، كأنها تريد الإستفادة من الموقف العصيب لتُظهر شماتتها :
– واچب برضو نبعتلهم العشا، اختاري أصغر عنزة من الزريبة، وشيعيها “أبعتيها” مع حد من الرچالة، ويقولهم ست صباح بتمسي، ولو عايزين فطور كمان نبعت.
تطايرت الفتاة من السعادة، وركضت لتلبي أمر سيدتها، فهي أيضًا إحدى ضحايا “حمدي” وأولاده، وقد توفى زوجها أثناء العراك الذي نشب بطلقة طائشة من سلاح “حسن” وهو يدافع عن أخيه الأصغر “حسين”، وعزائها الوحيد أن “حسن” أيضًا قد مات تاركًا خلفه زوجتهِ تنعيه وتبكي عليه.
أمسكت “صباح” بهاتفها ودوّنت الرقم فيه كي يكون محفوظًا لديها، ثم أعادته في جيبها قبل أن تدخل للداخل، وهمست بصوت بالكاد سمعته آذنيها فقط :
– ياريت تصيب والبت دي هي اللي تسلمني يد حمدي الطويلة عشان أقطعها.
**************************************
كان صباحًا مشمسًا، درجات الحرارة معتدلة، ونسمة الهواء العليلة تداعب أطراف حجابها العصري يمينًا ويسارًا، وقد تركت نافذة السيارة مفتوحة ليتجدد الهواء وتستمتع بعبق الصباح.
انتبهت “رحيل” لوالدتها التي كانت تتحدث إليها في السيارة، فـ التفتت إليها تلقائيًا :
– أيوة يا ماما بتقولي حاجه ؟؟.
كانت “جليلة” جادة جدًا، ولم تستطع التخلص من تأثير غضبها بالأمس، رغم قرارها بإستمرار العيش مع ابنتها ومع “ليلى” التي تعلقت بها أكثر من أي أحد آخر :
– بسألك اتكلمتي معاه في حاجه؟.
أومأت “رحيل” برأسها نفيًا، وبدت علامات عدم الرضا على تعابيرها :
– لأ.. سمعت كلامك ومفتحتش سيرة عن اللي حصل امبارح.
ربتت “جليلة” على فخذها وهي تقول :
– كويس.. مش عايزاكي تعكري حياتك بسببي، أنا بعرف أصرف أموري كويس.
وصل بهم السائق أمام البناية الفخمة في الشارع الراقي، ثم ترجل ليفتح بابها :
– اتفضلي ياهانم.
هبطت “رحيل” عن السيارة وهي تقول :
– أنا هطلع للدكتور أخلص وانزل على طول.
عرض عليها السائق :
– طب أركن وأطلع مع سيادتك!؟.
– لألأ مفيش داعي.. دي عيادة خاصة وانا جاية أطمن على الجرح بس، شكرًا.
استبقته هي ووالدتها للداخل، استقلت المصعد إلى الطابق الرابع، ثم هبطت عنه للدور المطلوب، نظرت “جليلة” من حولها لتقول في دهشة :
– هو فين الدكتور ده؟ ؟.
– فوق في السابع يا ماما.
قطبت “جليلة” جبينها وهي تسألها :
– وإيه اللي جابنا الرابع يا رحيل!.. كده تتأخري على معادك يا بنتي.
أشارت “رحيل” إلى مقر بيع وإيجار العقارات الذي أتت من أجله، ثم بررت لوالدتها سبب مجيئها السري هنا :
– إحنا جايين عشان نشتري شقة لينا، لازم يبقى في سكن منفصل بتاعنا ياماما.
كانت فكرة رائعة، لم تخطر على ذهن “جليلة”، حتى في وسط أذمتها وقرارها بالخروج من منزل “هاشم” لم تعلم إلى أين وجهتها ولا تملك منزلًا هنا. أطرقت رأسها هنيهه تفكر، قبل أن تسألها :
– وجوزك ؟.. يعرف؟.
– لأ، ومش لازم يعرف ياماما.
كأنها وجدت لنفسها سببًا لكي تخطو خطوات مجهولة لا يعلم عنها شيئًا، غموضهِ وإزدواجية تصرفاتهِ تجاهها دفعتها لأن تؤمن نفسها ضد أي بادرة غدر، خاصة وإنها بدأت تشعر حيالهِ بمشاعر الزوجة لزوجها، بدأت تألفه وتعتاد وجوده، بدأت تعتمد عليه كُليًا؛ لكن أمام تصرفه ضد والدتها وجدت نفسها مجبرة على تأمين حياتهم، وألا تترك نفسها وأمها في مهبّ الريح، هذا أمانها الوحيد، لكي لا تتكرر المأساة مرة أخرى، لكي لا تكون مسـتعبـدة من جديد.
***************************************

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى