روايات

رواية وصية حب الفصل السادس عشر 16 بقلم نسرين بلعجيلي

رواية وصية حب الفصل السادس عشر 16 بقلم نسرين بلعجيلي

 

البارت السادس عشر

 

النهار بدأ هادي، بس في البيت ده مافيش هدوء حقيقي من يوم ما رجعت سارة من المستشفى. صوت النفس وهو بيطلع منها بقى محسوب، وكل حركة بتتعمل بحساب.
ياسر كان بيعدّ أنفاسها من بعيد كأنه بيتأكد إنها لسه هنا.
الدكتور جِه الصبح بدري. شاب محترم، صوته ناعم وفيه هدوء بيخوّف أكتر من إنه يطمن. فتح شنطته الصغيرة، بصّ في الورق، وبعدين في سارة اللي كانت قاعدة على الكنبة ملفوفة في ببطانية خفيفة.
قال بهدوء :
التحاليل وصلت، يا أستاذة سارة، الأنسجة لسه ضعيفة جدًا، ومؤشر الكولاجين ناقص عن الطبيعي. الضغط كمان منخفض، ولازم ننتبه لأي دوخة أو خمول.
ياسر سأله بسرعة :
يعني الوضع خطر؟
الدكتور هزّ راسه وقال بصوت طبي متزن :
مش خطر لو التزمتوا بالراحة. لكن لازم تعرفوا إن المرض دا من النوع اللي محتاج حذر طول الوقت. أي مجهود أو انفعال ممكن يأثر على الأوعية الدموية. الموضوع أشبه بإن جسمها بقى هشّ.. زي الزجاج.
سارة بصت له بابتسامة صغيرة :
يعني لو وقعت أتكسّر؟
ضحك الدكتور بلُطف وقال:
بالظبط، بس إنتِ مش لوحدك. فيه حالات كتير بتعيش سنين، أهم حاجة الهدوء والمراقبة. وطبعًا… الدعم النفسي.
نسرين بلعجيلي
ياسر شكر الدكتور، وهو بيحاول يخبي رعشة صوته. ولما الباب اتقفل ورا الطبيب، سارة قالت بهدوء :
كل ما الدكتور يتكلم عنّي، بحس كأني برواز بيتكلم عن نفسه، من برّه باين سليم، وجوّاه بيتفتّت.
ياسر قعد جنبها، مسك إيدها بحنان وقال :
طالما النفس طالع، يبقى لسه فيه معركة، ولسه فيه أمل.
إبتسمت بخفة :
وأنا حاسة إنك بتتعلم تقول الكلام اللي كنت أنا دايمًا بقوله.
روايه حصري روايات نسرين بلعجيلي
بعد الظهر، كانت سارة قاعدة لوحدها في أوضتها. النوت بوك مفتوح قدامها، والقلم في إيدها. بس المرة دي ما كتبتش “وصيّة” ولا “حكاية”. كتبت سطر واحد :
“كان نفسي أعيش عادي… مش بطلة، ولا مريضة. بس ستّ بتحب وتتحب.”
دموعها نزلت على الورق، فمسحتها بسرعة كأنها خايفة الحبر يبوح بسرها. سمعت صوت خفيف، كانت “ملك” واقفة على الباب، ماسكة عروستها في إيدها :
ماما، هو الوجع بيروح لما نبصّ للسما؟
سارة ضحكت رغم الدموع :
أوقات السما بتفكرنا إن فيه ناس فوق مستنيانا، بس كمان بتفكرنا إن لسه فيه عمر تحت لازم نعيشه.
ملك قالت ببراءة :
مش فاهمه يا ماما يعني مش هتمشي؟
– لا يا حبيبتي، مش دلوقتي… لسه عندي حكايات ليكِ.
حضنتها، والعروسة وقعت منهم على الأرض. بس الحضن فضل ثابت، زي وعد بين قلبين صغيرين.
المساء نزل، ومعاه خطوات روان. الباب خبط خبطتين خفاف، ولما فتحت سارة، شافتها واقفة ووراها ورد أبيض.
– إيه ده يا روان؟ تاني ورد؟
– المرة دي مش عشانك.. عشان البيت يفتكر ريحة السلام.
دخلت، والهدوء اتكسر شوية. سارة ضحكت وقالت :
أنا بقيت بخاف لما أشوفك داخلة، بحس إنك هتشيليني من على الأرض.
– ولا يوم من غيرك، يا سارة. قالتها روان وهي بتحاول تخبي تعبها. عيونها فيها سهَر، وشها باين عليه إنها بتنهار من جوّا ومش عايزة تبين.
سارة بصتلها لحظة طويلة. صمت.. بعده ابتسامة خفيفة :
– إنتِ بتحبيّهم بجد.
روان اتلخبطت :
– بحب مين؟
– الناس… البيت ده، ملك، حتى ياسر. نظرتك ليهم كلها حنية، وده بيطمني إن لو أنا مشيت، مش هيبقوا لوحدهم.
الكلمة وجعت روان، قامت بسرعة وقالت بحزم :
– ما تقوليش كده، مش هتمشي من هنا غير وإنتِ سليمة.
سارة هزّت راسها وقالت بهدوء مرّ : – يا روان.. مش كل اللي بيمشي بيروح. فيه ناس بتفضل في كل زاوية، في كل نفس.
الباب اتفتح فجأة، ياسر داخل وشه مرهق، ولحيته طولت شوية، عيونه فيها سواد التعب، مش نايم من أيام. لما شافهم، حاول يضحك :
– شكل الجو هنا ناقصني.
سارة قالت له بخفة :
– وإحنا قاعدين نستناك علشان نكمل الحياة.
ضحكوا التلاتة، بس بعد دقيقة سكتوا. سارة كانت بتبصّ لهم بعين فيها حزن غريب. ياسر بقى أضعف من الأول، صوته مش واثق، حتى ضحكته بقت مكسورة.
وروّان بتتحرك بخفة حواليه، تساعد من غير ما يتكلم، كأنها بقت تفهمه من غير كلام.
سارة شايفاه، وشايفها. وشايفة حاجة جديدة بتتكوّن من بعيد، مش حب، بس رابط خفي، زي خيط من نور بين تعبهم المشترك.
وفي لحظة صمت، قلبها كلمها :
“يمكن أنا السبب… يمكن وجعي خلّاهم يقربوا من بعض، وأنا اللي علمتهم الحب الحقيقي من غير ما أقصد.”
حاولت تاخد نفسها، بس الصدر تقل فجأة. إيديها اتشبكت في بعض، والنَفَس بقى قصير.
ياسر لاحظ بسرعة :
– سارة؟ مالك؟
إبتسمت بصعوبة :
– مافيش، يمكن فرحت زيادة.
لكن عينيها قالت غير كده. الدموع لمعت، والنور في وشها بقى أضعف.
روان مسكت إيديها وقالت بخوف : – أناديله يا سارة؟ أنادي الدكتور؟
سارة حركت راسها نفيًا :
– لأ… كل حاجة تمام. بس نفسي أقولكم حاجة قبل ما الليل ييجي.
بصت ليهم هما الاثنين، ووشها مليان طيبة وسلام :
– لو في يوم الدنيا بعدي وجعتكم، إفتكروا إن الحب مش بيخلص، هو بس بيتبدّل مكانه.
سكتت لحظة، ضحكت وهي بتبص على ياسر :
– وأنا مش هسمحلك تبطّل تحبني، حتى لو في السما.
نزلت دمعة من عينه وهو بيحاول يخبيها :
– ماقدرش أعيش من غيرك.
قالت وهي تمسح دموعه بإيديها الضعيفة :
– لأ، هتعيش، عشان أنا بحبك كفاية للعُمرين.
سكتوا الثلاثة، والليل دخل على مهل، صوت الأجهزة في الخلفية بقى شبه موسيقى هادية.
في اللحظة دي، سارة ابتسمت وهي تبص ليهم :
“أنا مطمنة… الحب لسه هنا، حتى لو جسمي تعبان.”
البيت كله نام إلا ياسر، قاعد في الصالة ماسك ورقة من النوت بوك القديم، مكتوب فيها بخط سارة المائل :
“لو جي يوم ما قدرتش أكمل، خلي الناس تعرف إن الحب الحقيقي مش بيحتاج بقاء، بيكفي إنه كان صادق.”
قراها، وبكى بصوت واطي. روان كانت بتبص عليه من بعيد، دموعها نازلة في صمت. ومن بعيد، حسّت إن البيت كله بيتنفس وجع، بس كمان بيتنفس حب.
الليل كان هادي بطريقة غريبة، زي ما تكون الدنيا كلها واقفة على نَفَس واحد. المطر بينزل خفيف على الإزاز، وصوته بيمشي في الشقة كأنه موسيقى حزينة حافظاها الجدران.
سارة قاعدة على الكنبة، ملفوفة في بطانية خفيفة، وياسر جنبها على الكرسي، مش قادر يبعد عينه عنها. كل شوية يمد إيده يطمن إنها بتتنفس، وبعدين يرجع يسند ظهره، يقول لنفسه :
“الحمد لله… لسه هنا.”
هي ابتسمت وقالت بصوت واهي :
– شكلك نسيت طعم النوم.
– أنام إزاي وأنا خايف أصحى وما الاقيكيش ؟
ضحكت، لكن ضحكتها طلعت معاها سُعال بسيط.
مدّ لها الكوباية بسرعة، وقال بحنية :
– إشربي يا سارة.
أخذت نفس خفيف وقالت :
– عارف يا ياسر، بقيت بحب المطر.
ليه؟ يمكن علشان بيغسل الحزن. كل نقطة بتنزل، كأنها بتقول : لسه فيه حياة.
قعدوا ساكتين شوية، صوت المطر بيملأ الفراغ بينهم. عين سارة كانت شايفة كل حاجة حوالين البيت :
صورهم القديمة، رسمة ملك على الحيطة، وردة نشفت في فازة على الرف، بس في قلبها كان في دوشة مش قادرة تسكتها.
قالت فجأة :
– لو في يوم ما قدرتش أكمل…
قطع كلامها بسرعة :
– بلاش الكلام ده.
– إسمعني بس، أنا مش بخوّفك. بس كل واحدة بتوصل لمرحلة تبقى عارفة خلاص. مش بحس الموت.. بحس السلام.
ردّ وهو ماسك إيدها :
– لو فيه سلام من غيرك، أنا مش عايزه.
إبتسمت وقالت :
– يا مجنون، السلام مش اختيار، ده وعد من ربنا للناس اللي تعبِت كفاية.
Nisrine Bellaajili
سكتوا تاني، والمطر زاد. الضوء الخافت كان بيخلي وشها شبه ملاك نايم، صوت نفسها بقى أهدى شوية.
قالت وهي مغمضة عينيها :
– عارف، يمكن ربنا خلاني أمرّ بكل ده علشان أفهم يعني إيه حب. الحب اللي يخليك تفضل قاعد، مش مستني مقابل، ولا نهاية سعيدة، مجرد وجودك جنبي كفاية.
ردّ عليها بصوت متكسر :
– وجودي جنبك هو اللي مخليني عايش.
الصبح دخل على استحياء، ضوء الشمس إتسلل من الشباك زي خيط دفا. سارة كانت نايمة، ملامحها هادية كأنها في حلم بعيد.
ياسر ما نامش ولا دقيقة، قاعد يراقبها بخوف وامتنان في نفس الوقت.
رنّ الجرس..
قام بسرعة وفتح الباب، كانت روان واقفة، وشها قلقان وفي إيديها كيس فيه فطار خفيف :
– صباح الخير، حاولت أكلمكم امبارح وما حدش رد، خفت.
إبتسم رغم تعبه :
– كانت تعبانة شوية، بس الحمد لله أحسن دلوقتي.
دخلت بهدوء، وبصّت على سارة اللي كانت نايمة. قربت منها ولمست إيديها بلُطف :
– صباح النور يا جميلة.
سارة فتحت عينيها بابتسامة صغيرة وقالت :
– إنتِ لسه بتعرفي توقيت القلق،
ضحكت روان وقالت :
– ده أنا قلبي مربوط بيكِ، باحس بيكِ من بعيد.
قعدت جنبها، السكوت بينهم ما كانش مزعج، كان فيه دفء غريب، زي راحة مؤقتة وسط معركة طويلة.
سارة قالت بهدوء وهي تبصّ عليهم هما الاثنين :
– أنتوا الاثنين، شكل التعب غيّركم.
ياسر لحيته كبرت، والهالات سوادها زاد، وروان وشها بقى باهت من كتر السهر، بس في عينيهم نفس الطيبة اللي دايمًا كانت شايفاها.
قالت لنفسها في سِرّها :
“يا ترى أنا السبب؟ هو وجعي اللي سرق منهم الراحة؟ ولا الحب هو اللي بيخلق الوجع ده لما يبقى صادق زيادة؟”
مدّت إيدها ولمست وش ياسر بحنية :
– إوعى تسيب التعب يكسرك.
ردّ عليها بهدوء :
– إنتِ اللي علمتيني أقاوم.
إبتسمت، وبصّت ناحية روان وقالت :
– خلي بالك منه لو تعبت.
روان حاولت تضحك وقالت :
– هو اللي بيشيل الكل، مش العكس.
سارة بصتلها بنظرة عميقة، فيها أكتر من كلمة، كأنها كانت بتوصيها من غير ما تنطقها.
بعد شوية، الدنيا سكتت، سارة غفلت وهي ماسكة إيد بنتها الصغيرة. ياسر و روان قاعدين في الصالة، كل واحد فيهم تايه في تفكيره. المطر وقف، بس ريحته لسه على الشبابيك.
وفي النص، كان فيه إحساس واحد مالي المكان :
حبّ حقيقي… مش كلام، ولا مشهد. حبّ ساكت بيتنفّس ما بين الخوف والوجع، وبيحاول يعيش، حتى لو العمر خلاص بيقصر.

دي رواية مميزة جدًا جرب تقرأها  رواية صبا و عيسي - زواج تحت التهديد الفصل السادس عشر 16 بقلم اسراء محمود

 

 

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *