روايات

رواية وصية حب الفصل الرابع 4 بقلم نسرين بلعجيلي

رواية وصية حب الفصل الرابع 4 بقلم نسرين بلعجيلي

 

 

البارت الرابع

 

**وصيّة حب**
بقلم نسرين بلعجيلي
Nisrine Bellaajili
_الفصل الرابع_
الصبح جه هادي زي العادة، بس فيه حاجة خفيفة جدًا في الجو، مش قلق، مش خوف، كأن القلب عامل لود زيادة بس.
سارة فاقت بدري، قبل ملك حتى. قعدت على طرف السرير، خذت نفس طويل وبصّت حواليها. الدنيا عادية، بس التعب اللي في جسمها كان زي أثر موج سايب بلل بسيط على الرمل.
سمعِت صوت ياسر في المطبخ بيعمل شاي. ابتسمت لنفسها :
“هو لحق؟”
قامت، لبست طرحتها، وخرجت. لقته واقف بقميص نص كم، بيحرك الشاي بمعلقة، ووشّه لسه مليان نوم.
سارة :
إنت صاحي من إمتى؟
ياسر (يرفع كتفه) :
والله ماعارف، يمكن قلبي صحاني بدري النهارده.
قرب منها وحط إيده على كتفها :
نايمة كويس؟
سارة :
نايمة كويس الحمد لله. ماتكبرهاش بقى، عادي اللي حصل امبارح.
ياسر :
آه عادي.. عشان لو كانت حصلت لروان كنتِ قُلتِ عادي؟
سارة ابتسملت من جواها وهاديت الموضوع بإيد على صدر ياسر :
خلاص يا عم الدكتور هنعمل التحاليل ونطمن.
ياسر هز راسه، مش راضي قوي بس متأكد إنها بتقول اللي محتاج يسمعه.
ملك خرجت من أوضتها بنص عين مفتوحة ونص مقفولة :
فين الفطار؟
ياسر :
والله أنا شايف حياتنا ماشية كلها على الأكل.
ملك :
وإنت عايزها تمشي على الرياضة؟
ضحكوا.. الجو رايق، البيت لسه بيضحك.
بعد الفطار، روان بعتت رسالة :
“أنا تحت.”
سارة لبست طرحتها وبصّت لنفسها في المراية تاني، مش خوف، بس الست بتحب تتطمن على ملامحها قبل ماتخرج تشوف الدنيا.
نزلت، لقت روان مستنياها بعربية صغيرة بس نظيفة ومرتّبة، وشّها صافي، بس فيه تركيز.
روان :
جاهزة نغزو المستشفى ونرجع؟
سارة :
جاهزة، بس على فكرة أنا مش مريضة ولا حاجة عايزة تحليلي؟ تعالي خذي عينتك إنتِ الأول.
روان :
سمّية بس. أنا تحليلّي الوحيد هو السلام العقلي، وإنتِ مش هتخربيهولي.
ضحكوا وطلّعوا على المعمل. الدكتور أخذ عينات، وسارة كانت بتتريق وهي بتقول :
“لو طلع عندي نقص ضحك ماحدش يلومني.”
روان :
“أنا متأكدة هتطلع perfect بس هسكت.”
سارة خرجت من غرفة التحاليل،
روان شافت إيدها وهي لسه عليها اللاصقة الصغيرة، إيد ست شاطرة، بتشتغل طول اليوم، وبتحضن بنتها، وبتطبخ، وبتضحك، وحد بيحب الحياة.
قلب روان تِقل فجأة :
“يارب خليها بخير.”
مش خوف، دعوة تلقائية.
راجعين بالعربية، سارة قالت :
على فكرة يا روان، أنا سعيدة إنك معايا في الموضوع ده. بغضّ النظر هو كبير ولا صغير. إنتِ أخت مش صاحبة.
روان بصّت قدامها، صوتها هادي قوي :
وإنتِ أمان مش مجرد بيت.
سارة إبتسمت، بس جواها كتمت دمعة صغيرة مش بتاعة حزن، بتاعة تقدير.
وصلوا البيت. ياسر واقف في البلكونة مستني يشوفهم يركنوا. أول ما شاف سارة، نزل على طول.
ياسر :
عاملين إيه؟ إيه الأخبار؟
سارة :
ولا خبر لسه، هتطلع النتائج بكرة أو بعده.
روان :
المهم إنها عملت التحليل. هسيبكم ترتاحوا وأنا رايحة ألحق شغلي.
ياسر :
شكراً يا روان.. بجد شكرا.
روان بابتسامة خفيفة :
إحنا أهل.
(بصة سريعة لسارة) :
إفتحي الباب لما أتصل بيكِ.
مشيت وسارة وقفت تبص وراها بتتأكد إنها ركبت العربية.
ياسر قرب منها :
حاسة بإيه؟
سارة (تضحك وتشد يده) :
باحس إني متدلّعة زيادة الفترة دي.
ياسر :
والدلع للي يستاهل. يلا أدخلي أريحك شوية.
سارة حطت راسها على كتفه لحظة قصيرة، زي واحدة بتشرب نفس دافي من الدنيا.
سارة :
ماشي، بس بعد القهوة.
ياسر :
قهوة؟ يا شيخة قومي ادخّلي هاتي المجهود اللي بتعمليه وإحنا نشرب شاي بالعافية.
ضحكت. دخلوا البيت، الدنيا عادية، والحياة بتمشي في مسارها الطبيعي جدًا.
مافيش حاجة اتغيرت، ولا حاجة حصلت. لكن فيه سطر صغير اتكتب في القدر النهارده :
“بدأت رحلة الطمأنينة، قبل أي حاجة تانية.”
والقلب؟ لسه خفيف، لسه مطمن.
والحكاية لسه في أولها.
دخلت سارة البيت بخطوات هادية، شنطتها على كتفها وإيدها ماسكة تليفونها كأنها خايفة يرن فجأة برسالة النتائج. هي مش قلقانة، بس جواها خيط رفيع جدًا من التفكير، زي الشعرة المستقيمة فوق كوب شاي ساخن.
حطت المفاتيح على الكونسول، وفكت الطرحة ببطء.
ياسر (وهو بيفك زرار قميصه) :
تعالي ارتاحي شوية. هعمل أنا الشاي.
سارة رفعت حاجبها :
إيه الكرم المفاجئ ده؟ بقى تخاف عليا للدرجة دي؟
ياسر :
مش بخاف، أنا بتحمّس إنك تفضلي كويسة. فرق كبير.
ضحكت وهي تمسك كوباية الميّة و تشرب شوية.
كان جو البيت ساكن، بس فيه شعور لطيف كده، زي لمّة شتوية دافية.
سارة :
طب طالما متحمس، ساندوتش جبنة مع الشاي، ولا ده كده طمع؟
ياسر :
دي طلباتك ولا طلبات ملك؟ لأنها صوتها واضح في الموضوع ده.
سارة :
ملك نايمة على الكنبة من التعب، إزاي صوتها واضح؟
ياسر :
لأن بنتي ما بتسكتش حتى وهي نايمة.
راح يبوس بنتُه وهي نايمة، وسارة فضلت واقفة قدام المشهد ثواني، بتشرب حرارة اللحظة بعينين هادين.
سارة :
ربنا يخليها لينا يا ياسر.
ياسر (بصوت واطي) :
ويخليكِ لينا إنتِ كمان.
الجملة عدّت، بس قلبها مسكها كويس، زي ما الست بتحفظ كلمة حلوة في درجها الداخلي.
دخلت سارة المطبخ معاه تساعد، رغم إنه حاول يمنعها.
ياسر :
طيب سيبيني أعمل الشاي لوحدي مرة واحدة في حياتي.
سارة :
لو سبتك، هتنساني ساعة في المطبخ وهاتطلعلى بشاي بدون سكر وتقوللي “معلش نسيته”
ياسر :
– لا ده افتراء رسمي على راجل محترم.
بدأ يقطع جبنة وهي بتغسل شوية فراولة للملك. فجأة ضحكت سارة لوحدها.
ياسر :
ضحكتِ ليه كده؟
سارة :
إفتكرت أيام الجامعة لما كنت آكل سندوتش فول وأمشي في الشارع وأقول “أنا سعيدة”. شايفة السعادة مش محتاجة كل ده.
ياسر :
وإحنا دلوقتي مش سُعدا؟
سارة (بهدوء صادق) :
جدًا… الحمد لله.
كانت بسيطة الجملة، بس كانت مليانة رضا. وهو ساب السكينة دقيقة وبصّ عليها كأنه بيشكر القدر عليها.
روان في الطريق..
في نفس الوقت، روان كانت سايقة العربية راجعة شغلها. فتحت الراديو، بس قفلته بسرعة، مخها مش في الأغاني.
كانت ساكتة، بس قلبها بيدعي من غير ما ينطق :
“يارب طمن سارة، وطمن قلبها ولاتخلّي لها هم.”
وصلت المكتب، حطت شنطتها على الكرسي، وبصت في مرايتها الصغيرة ثواني.
روان لنفسها :
ليه بحس إن قلبي مربوط بيها بالشكل ده؟ ‍ربنا يدّيها الصحة ويديها العمر الطويل.
مسحت وشّها بإيدها وابتسمت :
خلاص يا بنتي، كفاية دراما، إحنا لسه في أول الحكاية.
رجعت تفتح اللابتوب وتكمّل شغلها، بس عقلها بيرجع لسارة بين كل سطر وسطر.
الرجوع للبيت…
ياسر وسارة قعدوا على السفرة الصغيرة في الصالة، الشاي بيطلع بخار، سندوتش الجبنة معمول بحب بس بدون فخامة. ملك نايمة، والبيت هادي جدًا.
سارة :
تعرف؟ أوقات باحس إن الحياة لو فضلت كده تكفيني.
ياسر :
الحياة هتفضل كده إن شاء الله لحد لما تزهقي ونشرّف على جزر المالديف
سارة :
يا عم خلينا نجيب غسالة جديدة الأول.
ضحكوا…
ضحكة ناس فاهمة إن السعادة في الحياة مش في السفر ولا الهدايا، في تفاصيل صغيرة، وراحة قلب.
سكتوا شوية يشربوا الشاي. ومع السكون ده، سارة وضعت يدها على صدرها لحظة، مش ألم، مجرد إحساس بسيط.
بصلها بسرعة، وخففتها بابتسامة :
سارة :
يا عم ياسر، بطل تبصلي كده، والله أنا بخير. وأهو عملت التحليل، يعني إتصرفنا.
ياسر :
خلاص، طول ما إنتِ معايا وبتضحكي أنا بخير.
سكتوا…
الجو دافي وساكن.
سارة (بحنية ناعمة) :
يلا ننام بدري النهارده، بكرة نستلم النتائج ونطمن.
ياسر :
على بركة الله.
قامت، لفت على ملك تشيلها على سريرها. بوسة على خدها، وشالها بحنية.
وهي بتشوف بنتها نايمة، قلبها قال جواها :
“يارب… خلي فرحتي بيها عمر.”
وبهدوء مشيوا على أوضتهم، والبيت نام على صوت دافي وصمت مطمئن.
مافيش صوت دراما، ولا خوف، ولا حاجة سودا، بس ليلة هادية جدًا.
وأول خيط جديد من القدر، لسه بينسج نفسه. الليل نزل هادي، والبيت كله كان نايم. ملك في أوضتها ماسكة لعبة في حضنها، والنور الخفيف من الأباجورة بينور الأوضة بلون دافي.
سارة دخلت تمسح وشها، وشعرها ناعم نازل على كتفها من غير لفات كتير، بطيبة الست اللي مش بتحاول تبقى أجمل واحدة في الدنيا، بس بتبقى أريح مكان للي بيحبها.
ياسر كان نايم على جنبه، أول ما حسّ بالحركة، فتح عينه وبصلها بابتسامة هادية زي الطفل اللي بيشوف أمه أول الصبح.
ياسر (بصوت ناعم) :
تعالي… بقالك يوم طويل.
قربت منه، حطت راسها على صدره تسمع دقات قلبه، دقات ثابتة مطمئنة، كأن الحياة ماشية على إيقاعه.
سارة :
بتحبني أد إيه؟
نسرين بلعجيلي
ياسر :
أد كل مرة ضحكتِ فيها وكل مرة تعبتِ وأنا ماستاهلش، وكل مرة خُفت عليك وقلت لنفسي ربنا يحفظها.
رفعت راسها تبصله، وعنيها فيها لمعة محبة مش محتاجة كلام. مدت إيدها على خده، وهو مسكها من تحت وكأنه خايف تروح.
سارة (بضحكة هادية) :
أنت بقيت رقيق اليومين دول زيادة.
ياسر :
ما هو الست لما تتدلع، الراجل يبقى بني آدم محترم فجأة.
ضحكت وهي ترد جبينها على صدره لحظة، كأنها بتسيب التعب كله هناك.
سارة :
وعد، لو تعبت تاني ما تزعقليش.
هقولك بنفسي.
ياسر :
وأنا أوعدك أفضل سندك قبل ما أكون زوجك.
ضمّها بإيده، مش ضمة شهوة، ضمة أمان.
سارة رفعت وشها وبصتله، قربت منه، وفى وسط هدوء الليل اتقابلت شفايفهم بقبلة صغيرة، بطيئة، مليانة حنان مش استعجال. قبلة زوجين مش مشهد فيلم.
بعدها حطت راسها على كتفه تاني،
وباس شعرها من فوق وقال وعيونه بتتقفل :
Nisrine Bellaajili
ياسر :
بحبك يا سارة، كل يوم أكتر من اللي قبله.
سارة (بهمس) :
وأنا كمان.. الحمد لله إنك نصيبي.
الليل غطاهم، والدنيا سكتت، ومافيش صوت غير دقات قلوبهم. حب هادي.. نظيف.. صادق.
حب يتكتب في دعوة، مش في سرير بس.
يتبع …..
بقلم نسرين بلعجيلي

دي رواية مميزة جدًا جرب تقرأها  رواية ليل الفهد الفصل الرابع عشر 14 بقلم مريم وليد

 

 

 

 

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *