روايات

رواية وصية حب الفصل الخامس 5 بقلم نسرين بلعجيلي

رواية وصية حب الفصل الخامس 5 بقلم نسرين بلعجيلي

 

 

البارت الخامس

 

*وصيّة حب*
بقلم نسرين بلعجيلي
Nisrine Bellaajili
_الفصل الخامس_
النهارده ماكانش شبه الأيام اللي فاتت. كان فيه هدوء غريب، لا هو مريح ولا مزعج، زي سحابة ثابتة فوق البيت ومستنية لحظة نزول المطر.
سارة صحيت متأخرة شوية، جسمها تقيل كأن حد سحب بطارية روحها بالليل. لكن قررت ما تفكرش كتير : يمكن مجرد إرهاق.
راحت تعمل فطار لياسر وملك، والشمس كانت داخلة من الشباك كخيط دهب بيلمس جدران المطبخ.
ملك كانت واقفة على كرسي صغير تحاول توصل لطبق :
ماما، شوفي أنا بساعدك.
سارة ضحكت :
أيوة أيوة يا ست مساعدة الشيف، إنزلي بس قبل ما تتحولي لكفتة.
ضحكوا، وياسر دخل لابس قميصه، شكله فيه ذرة توتر بيحاول يخبيها.
ياسر :
جه وقت إستلام النتائج، جاهزة؟
سارة تصلّبت لحظة، ثم رفعت كتافها بابتسامة خفيفة :
يلا بينا. مش هنخلي حاجة توقفنا.
ملك جريت وحضنت أمها :
ماما، لو الدكتور قال إنك بطلتي تبقي بطلة، أنا لسه هفضل أحبك.
سارة انحنت وبصت لها :
أنا عمري ما هبطل أكون بطلتك يا ملك.
في الطريق….
العربية كانت بين صمت وكلام خفيف. روان بعتت رسالة : ما تقلقيش ربنا كريم.
سارة مسكت الموبايل ترد، بس ياسر مد إيده وأخده منها برفق :
خليه بعدين. دلوقتي ركزي معايا.
كان صوته هادي، لكنه محمل بحماية وقلق هادي.
سارة سابت الموبايل ومسكت إيده.
إيديهم إتشبكت بهدوء زي وعد صامت.
روايات نسرين بلعجيلي Nisrine Bellaajili
في المستشفى…..
الساعة كانت عشرة الصبح. رائحة مطهر، صوت خطوات، كراسي انتظار.. وسارة حست قلبها بيدق ببطء. مش خوف، استسلام خفيف : اللي هيجي من ربنا خير.
الدكتور دخل. شاب، نظارة، ملامحه جدية لكنها مش كارثية.
ده وش “فيه حاجة محتاجة تفسير أكبر”. :
التحاليل الأولية كويسة، لكن فيه مؤشرات محتاجة متابعة. مش قلق، بس نعمل فحوصات إضافية.
سارة بلعت ريقها :
يعني إيه مؤشرات؟
الدكتور :
فيه علامات ضعف في الأنسجة. محتاج تحليل جيني لحاجة نادرة. مش هنستعجل، خطوة خطوة.
ياسر شد إيدها. صوته ثابت، لكن وراه زلزال مكتوم :
خير يا دكتور إن شاء الله.
الدكتور :
– خير بإذن الله. أنتم جيتوا بدري، وده مهم. هاكتب التحاليل وتيجوا بكرة بدري.
سارة حاولت تبتسم، لكنها كانت شبه شمعة في مهب هوا خفيف. خرجت من العيادة، خطوتها عادية، لكن قلبها صندوق مقفول جواه سؤال كبير.
المفاجأة..
عند باب المستشفى سارة أخدت نفس طويل، تفتكر لما الحياة كانت بسيطة. دلوقتي كل نفس له قيمة.
ياسر قال :
نرجع؟ ولا نتمشى شوية؟
سارة :
– نتمشي، يمكن النفس يرجع لمكانه.
مشيوا جنب المستشفى. سارة بتحاول تكون عادية، لكن فجأة الدنيا لفت حواليها. دوخة مش بسيطة، دوخة تخض. مدت إيدها كأنها بتدور على هوا تتعلق بيه.
سارة بصوت واطي جدًا :
ياسر…
قبل ما تكمل، ركبتها رخُت. ياسر لحقها، حضنها قبل ما تقع :
سارة! إفتحي عينيكِ. سامعاني؟
كانت سامعاه لكن الصوت بعيد،
كأنها تحت الميه. ملك مسكت إيد أمها، صوتها مكسور :
ماما؟ ماما؟!
سارة حاولت تنطق، خرجت جملة واهية جدًا :
حاضر، أنا هنا.
ياسر حضنها بقوة، مش صوت راجل قوي ولا مهزوم، صوت إنسان روحه بترتجف :
خلاص… أنا ماسكك. مش هسيبك.
العودة للبيت…
بعد ما هديت في العربية، وصلوا البيت. سارة على الكنبة، ياسر حط قدامها ميه وساندوتش كأنه بيبني جدار يحميها من أي تعب.
سارة :
أنا كويسة يا ياسر، بس اتخضيت شوية.
ياسر :
ما تقوليش الكلام اللي يريحني. ريّحي نفسك إنتِ.
ملك مسكت إيد أمها ونامت عليها كأنها خايفة تفلت. سارة بصتلها قلبها اتعصر :
هفضل جنبك طول عمرك، ما تخافيش.
وبصت لياسر :
وإنت كمان. إحنا هنعدي.
قرب وباس راسها :
ولا لحظة هسيبك.
الكلمة دخلت قلبها كنور. مش علاج، لكنه أمان.
قالت في سرّها : اللهم قوة، مش ليا بس، للي بيحبوني.
البيت سكت.
بس الصمت المرة دي مش عادي. الصمت اللي ييجي قبل الحقيقة.
الدنيا ماشية..
لكن تحت السطح، القدر بيكتب سطر جديد. الليل نزل بدري يومها، كأنه هو كمان تعبان. سارة حاولت تقوم ترتّب البيت، تعمل أي حاجة تخلي اليوم يمشي بشكل طبيعي،
لكن ياسر وقف قدامها ومنعها بهدوء :
إجازة شغل البيت النهارده. أقعدي خلّيني أخدمك شوية.
سارة ابتسمت بنعومة، ابتسامة فيها محبة وتقدير وخجل خفيف :
بجد مش عايزة أقلقك.
ياسر :
القلق مش حاجة تختاريها، ده حاجة بتيجي لوحدها. بس وجودك معايا، ده اللي باختاره.
الجملة نزلت جواها زي دواء بسيط. راحت جلست على الكنبة وشكلها مايل شوية، مش ضعف، لكن إستسلام رقيق لراحة محتاجاها.
ملك جريت تجيب بطانيتها الصغيرة وغطّت أمها، حطّتها عليها ولفّت وشّها في كتفها، كأنها بتحضن أمانها كله مرة واحدة.
سارة بصّت لها وبصوت خافت :
مبسوطة إنك معايا.
ملك رفعت رأسها بحماس طفولي :
أنا وماما وكوكو ضد العالم.
سارة ضحكت :
وإنتِ مين قالت لك على كلمة “كوكو” دي؟
ملك أشارت لياسر بضحكة بريئة :
هو اللي قال، وبعدين قالّي ده سر.
ياسر خبّى وشه في كفّه :
خلاص هتنشروا أسرار البيت؟
سارة لأول مرة في اليوم ضحكت من قلبها. ضحكة صغيرة لكنها طالعة من جوا، زي نفس فوق الميّة بعد غطسة طويلة.
بالليل، بعد ما نامت ملك، البيت كان ساكت إلا من صوت عقارب الساعة. سارة كانت نايمة على جنبها، تفكّر، تتنفس ببطء، وياسر قاعد على طرف السرير، ظهره مسنود للحائط،
إيده بتلعب في خصل شعرها براحة شديدة.
Nisrine Bellaajili
ياسر :
حاسّة بإيه؟
سألها من غير صوت عالي ولا خوف، صوت راجل بيحاول يفهم، مش يسيطر.
سارة :
حاسة إني محتاجة وقت، ومحتاجة أعيش كل يوم بيومه، من غير ما أعمل سباق مع نفسي ولا مع الدنيا.
سكت لحظة، ثم قال :
وأنا معاكِ يوم بيومه. ولو جت أيام صعبة هنعدّيها. ولو جت أيام حلوة هنعيشها مرتين.
سارة رفعت عينيها له، كانت نظرتها مش بتدوّر على وعد، كانت بتدوّر على صدق.. ولقته :
ياسر… خايفة تكون بتتعب.
ياسر :
التعب اللي بييجي من حب بيقوّي. التعب اللي بييجي من الخوف ما بيبنيش. وإحنا مش خايفين، إحنا جاهزين.
سارة مدّت إيدها ولمست أصابعه، كإنها بتتأكد إنه حقيقي قدّامها، مش فكرة :
ربنا ما يحرمنيش منك.
ياسر :
ولا منك.
دخل بينهم صمت دافئ، النوع اللي فيه قلوب بس بتتنفس مع بعض، من غير كلام. قبل ما يناموا، سارة قامت على مهل، وفتحت شباك الأوضة شق بسيط، هوا الليل دخل بملمس بارد، زي نسمة على صفحة ميّة ساكنة.
وقفت قدّام الشباك لحظة، ما بتبصّش للشارع، بصّت للسماء.
وقالت من غير صوت تقريبًا :
“ربّي… ما تخلّينيش أوجّع حد بيحبني.”
رجعت السرير ببطء، حطّت رأسها على صدر ياسر، وهو حضنها من غير كلام.
الدنيا نامت. بس جوا البيت، وفي القلوب، فيه حاجة كانت بتتغيّر
بهدوء… وبصدق… وبأمر ربنا.
الليل قفل صفحته، وبدأ فصل جديد في القدر، لسه ماحدّش قراه.
نامت سارة أخيرًا بعد ما دمع عينيها نشف قبل ما ينزل. جسمها ارتاح جنب ياسر، بس عقلها ماكانش نايم زيها.
في نص الليل…
حسّت بخطوات خفيفة جايّة من بعيد، مش جوّا البيت، من أعمق حتة في روحها. الدنيا حواليها سكتت، حتى صوت الساعة إختفى.
كأن الوقت وقف ثواني.
سمعت صوت… مش همس، مش خيال… صوت ست كبيرة، دافي وناعم زي حضن أول الشتوية.
“يا سارة… تعالي.”
سارة فتحت عينيها بفزع خفيف، قلبها اتنفض جوّا صدرها. بصّت حواليها، ياسر نايم، ملك نايمة، البيت ساكن.
لكن الصوت رجع تاني، أهدى… أوضح… أقرب :
“تعالي عندي يا بنتي… أنا وأبوك مستنّيينك.”
الإسم اللي جري جواها زي خيط حرير اتقطع فجأة :
“ماما؟!”
اتسحبت من السرير بهدوء كأنها خايفة توقّع الإبرة، وقفت جنب الشباك، الهوا بقى أبرد، والليل أهدى من الطبيعي. مش عارفة هي سامعة بعقلها ولا بقلبها. هي متأكدة، أمها وأبوها ماتوا. ومع كده الصوت كان حقيقي لدرجة ترعب وتطمن في نفس اللحظة.
سارة بصوت مكسور، بتحارب دمعة :
أنا هنا يا ماما، بس لسه بدري. لسه فيه ناس محتاجاني.
الصوت اتبدّل، بقى شبه دفا صلاة الفجر :
“إحنا مش مستعجلين عليك، بس خبّي نفسك، واعتني بقلبك.”
وبعدين سكون…
سكون يخوّف ويحضن في نفس الثانية. سارة بتحاول تلتقط أنفاسها،
حطّت إيدها على قلبها تحس نبضها،
وهمست لنفسها :
يا رب.. أنا خايفة، بس في أمانك.
رجعت على السرير، اتدفّت في حضن ياسر، ودمعة صغيرة نزلت رغم مقاومتها. مش دمعة ضعف.. دمعة روح سمعت حد من السماء.
ياسر حسّ بحركتها وهي بتبكي، فتح عينه نصها وقال بنص وعي :
مالك؟ زعلانة؟
سارة مسحت دموعها بهدوء :
لأ… بالعكس. حاسّة إن ربنا بيطبطب عليا، بس بطريقة تخوّف شوية.
ضمّها بين دراعاته أكثر :
طول ما أنا هنا مافيش خوف. وحتى لو الدنيا كلها اتغيّرت، مش هسيب إيدك.
سارة غمضت عينيها، وقالت جوا قلبها مش بلسانها :
“إدّيني قُدرة يا رب قبل ما تدّيني معجزة.”
وبين نبضة ونبضة… كان الفجر بيقرّب، ووراه يوم جديد… يوم مش زي أي يوم.
الحكاية لسه بتتنفّس، والقدر لسه بيتكتب، ومن أول ضوء، الدنيا هتبتدي تقول سطور جديدة.
بقلم نسرين بلعجيلي
Nisrine Bellaajili
يتبع ….

دي رواية مميزة جدًا جرب تقرأها  رواية قصي وأميرة - انتقام حياة الفصل الثامن 8 بقلم رودينا محمد

 

 

 

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *