رواية نوح الباشا الفصل الثاني 2 بقلم ندى الشرقاوي
لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها
أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)
رواية نوح الباشا الفصل الثاني 2 بقلم ندى الشرقاوي
البارت الثاني
صوت رسالة جديدة دخل، فتحها بتركيز، وكانت تحذيرًا مبطّنًا:
-إياك تستهين، في عيون تراقبك أكثر مما تتخيل.
قفل اللابتوب بقوة، ونهض واقفًا، يمشي بخطوات طويلة في الغرفة الفسيحة، وعيناه تحملان عاصفة من الأفكار.
ثم أخرج هاتفه، واتصل بصوت حازم:
-أريد تقريرًا كاملاً عن كل تحركات المنافسين خلال 24 ساعة القادمة… ولا تترك شيء للصدفة.
نظر إلى المرآة الكبيرة، وتحدث لنفسه بصوت منخفض لكنه قوي:
-نوح، ده مش بس تصميم، دي لعبة… واللعبة دي لازم ألعبها بذكاء أو أموت في المحاولة……لازم أنزل مصر أشوف الحياة هناك بس أنا بره من زمان أوي ..معرفش هما نقلوا ولا لسه في مكانهم أنا حتى مكلفتش خاطر إني اعرف احوالهم بس هما اللي عملوا فيا كده
عودة إلى الماضي
منذ اثني عشر عامًا…
في ذلك اليوم، ظهرت نتيجة الثانوية العامة لنوح، الفتى الذي عُرف بين الجميع بذكائه وقوّته ومهارته العالية في دراسته.
كان أفراد العائلة يجلسون على أعصابهم، يترقبون لحظة ظهور الشهادة، بينما ظل نوح صامتًا، مشغول الفكر، لا يشغل باله بالنتيجة نفسها، بل بالكارثة التي تنتظره عقب إعلانها.
مضت عشر دقائق… ثم خمس أخرى…
حتى علت الأصوات في الشارع، ضجّة من الفرح، صياح وزغاريد، وكأن الحي بأكمله يحتفل.
صرخ والده من الخارج بصوتٍ حماسيّ متسارع
-افتح يا نوح بسرعه يلا بسرعه
ابتلع نوح ريقه بصعوبة، وكأن شيئًا ثقيلًا يعيق حلقه.
أخرج هاتفه، فتح التطبيق المختص بالنتائج، وأدخل الكود الخاص به.
ثوانٍ معدودة مرّت، لكنها بدت كأنها دهرٌ كامل…
ثم ظهرت النتيجة:
“نوح عبدالعظيم الباشا – ٩٦٪ علمي رياضة”
في لحظة، تعالت الزغاريد في المنزل، وارتفعت أصوات التهاني، وتحوّل الترقب إلى بهجة عارمة.
أسرع والده إليه، واحتضنه بفخر، فيما انفجرت والدته بالبكاء من شدة الفرح
هتف والده بصوتٍ يملؤه الزهو والاعتزاز
-مبروك مبروك يا بشمهندس كده رسمي بقا
ثم تابع بصوتٍ أعلى، وكأنّه يعلن الخبر للعالم بأسره
– …المهندس نوح عبدالعظيم الباشا
رد نوح بهدوء ما قبل العاصفة
-احم الله يبارك في حضرتك
هتفت شقيقته الأصغر
-مالك يا نوح أنت مش مبسوط
رد نوح بحيره وهو ينظر لوالده الذي يطالعه بدقه
-هااا لا فرحان
رتب والده على كتفيه وهو يقول
-كده بقا نقدم في اجدعها كلية هندسة في اسكندرية
تشجع نوح وهو يتمتم ويجاهد على خروج صوته لكن دق الباب وبدات المباركات ولم يستطيع الحديث مع والده
حتى جاء المساء ،هدأ ضجيج التهاني، وسكنت الزغاريد، وبقي في الجو صدى فرحة لم تكتمل داخل صدر نوح.
جلس الأب في صدر الصالون، يرتشف قهوته بطريقته المعتادة، يضع ساقًا على ساق، وعيناه تلمعان بفخرٍ لا يُخفى.
ثم نادى بصوته العميق:
-تعال يا نوح ،نبدأ نفكر في التنسيق
دلف نوح الغرفة بخطى ثابتة، لكن قلبه يتقلب كصفحات كتاب تحت عاصفة. جلس أمام والده بصمتٍ مريب.
قال الأب بثقة لا تقبل نقاشًا:
-طبعًا هندسة القاهرة تروح تقعد هناك مستقبلها مضمون ،قسم كهرباء أو عمارة ،هاا ايه رايك ؟
نظر إليه نوح طويلًا، ثم نطق بصوت هادئ، لكنّه يحمل صلابة غير مألوفة
-أنا مش ناوي أقدم هندسة يا بابا
تجمّدت يد الأب في الهواء، وكأن الزمن توقف وضع قهوته امامه حتى يستوعب ما قاله ولده ، ثم قال ببطء:
-ايه؟؟؟
رفع نوح رأسه، وقال بوضوح:
-أنا عاوز أدرس تصميم أزياء يعني أدخل فنون التطبيقية
ساد الصمت للحظات، ثم ضحك الأب بسخرية قصيرة:
-أنت بتتكلم بجد ؟؟ تصميم ايه ؟ أنت جايب ٩٦٪ علشان تروح ترسم فساتين
-مش فساتين ،دا فن حقيقي ،أنا مش هقدر اعيش غير وأنا بعمل الحاجة اللي بحبها
ارتفع صوت الأب فجأة، وانقلب وجهه:
-ده كلام فاضي ،شغل عيال هو ،هو انا صرفت عليك وكبرتك وعلمتك علشان بحلم باليوم اللي اشوفك فيه مهندس مش تضيع مستقبلك بايدك
نهض نوح واقفًا، عينه لا تهرب من عيني والده، وقال بصوت منخفض لكن حاسم:
-أنا مقدر كل دا بس دي حياتي أنا ،أنا اللي هعيش وأدرس وأشتغل مش اعيش حياة غيري مقدرش يحققها فا احققها أنا
اتسعت عينا الأب من الغضب، وصاح:
-تحقق حاجة غيرك معرفش يحققها ؟؟
رد نوح بتردد
-أنا اسف بس دي الحقيقة حضرتك عملت كل دا علشان أنا احقق اللي حضرتك كنت عاوز تبقى فيه ،لان حضرتك مجموعك مجابش هندسة ودخلت حاسبات عاوزني اعيش حلمك ليه ؟؟واعيش حياتك اللي حضرتك مقدرتش تعملها ،مع احترامي لحضرتك أنت اه عملت علشاني كتير وصبرت كتير وصرفت عليا المفروض علشان تشوفي مبسوط مش علشان اعيش حياة مش حياتي ،أنا مش أنت
في لحظةٍ خاطفة، رفع الأب يده، وسقطت صفعة قوية على وجه نوح، دوّى صداها في قلبه قبل أن تدوّي في أذنه.
تجمّد مكانه، مذهولًا، وعيناه اتسعتا من الصدمة… لم تكن الصفعة هي الألم الحقيقي، بل الخذلان.
امتزج وجهه بين الاحمرار والذهول، وشعر بوخز الخزي ينهش داخله، كأن كل كرامته انهارت فجأة أمام أعزّ الناس إليه.
نظر إلى والده نظرة طويلة… لم تكن نظرة كره، بل وداعٍ صامت.
ثم قال بصوت منخفض، مكسور… لكنه ثابت:
– كنت أتمنى تسمعني… مش تضربني.
استدار ومشى بهدوء… خطواته كانت بطيئة، لكنها ثابتة، وكأن كل خطوة تُحفر في الأرض طريقًا لا رجعة منه.
لم ينظر خلفه، لم يرد أن يرى وجه من كسر شيئًا داخله للأبد.
كانت تلك اللحظة… لحظة ميلاد رجل جديد. رجل قرر أن يصنع مجده بيده، ولو كلّفه ذلك الغربة عن الوطن… وعن الأهل.
“عودة للحاضر”
تذكر تلك الصفعة التي يتذكرها كل دقيقة وكل ثانية لا يعلم كيف ينسى ؟؟كيف يتخطى؟اهو المخطئ؟أم والده الذي لم يحتويه ؟
وقف واخذه معطفه وخرج من الشركة باكملها يحاول البحث عن الراحة لكنه لم يجدها مر اثنا عشر عامًا
…………….
الإسكندرية
كانت موج تجلس في غرفتها الضيقة التي استأجرتها مؤخرًا في أحد الأحياء الشعبية القريبة من البحر، ظهرها مستند إلى الحائط المتقشّر، ويديها متشابكتان في حضنها.
لم تكن تعرف ما تفعل، وإلى أين ستقودها خطواتها القادمة.
لا مأوى حقيقي، لا عائلة تحتضنها، لا حبيب يطمئنها، ولا صديق يشدّ على يدها… كانت وحيدة، تمامًا كصخرة نُسيت على الشاطئ.
كل ما تعرفه عن الحياة هو البحر… والسمك.
مدّت يدها إلى جيبها وأخرجت ما جمعته من عملها اليومي، قطعًا معدنية وأوراقًا قليلة.
بدأت تعدّها ببطء كمن يحصي أنفاسه:
-٣٢٠ جنية
ثم تمتمت بسخرية مريرة:
-وبعدين يا موج ؟ هتفضلي البحر يمرجح فيكِ لحد امته ؟هتفضلي تجري من هنا لهنا ،شكلك مكتوب عليكِ الشقى يا بنت صبحية
نهضت واتجهت نحو الفراش المهترئ، رفعت المرتبة وأخرجت كيسًا أسود اللون، وضعت فيه مال اليوم بعد أن احتضنته لحظة بابتسامة صغيرة، وكأنها تربّت على قلبها.
عدّت ما فيه:
-١٥٠٠ جنية
رقم لا يعني شيئًا للكثيرين، لكنه بالنسبة لها أملٌ في الاستمرار.
أخذت عشرين جنيهًا فقط، ووضعت البقية، ثم ارتدت عباءتها الباهتة، وخرجت إلى الشارع.
هبطت الدرجات بخفّة المعتادة على الرحيل، وتوجّهت إلى السوق القريب.
وقفت أمام عربة طماطم متواضعة، وقالت بصوت خافت:
-عاوزة حبيتين طماطم ،ياخالتي
نظرت إليها المرأة الجالسة خلف العربة ، وهي تعوّج فمها:
-حبيتين ياختي ،أنتِ كل يوم على كدة
تنهدت موج، وردّت بهدوء بارد:
-يا خالة ،هو أنا باخد ببلاش ؟ما بتاخدي فلوسك ،مالك بقا ؟ولا شايفة نفسك قاعده في كارفور ؟أنتِ فارشة في السوق أوزني واخلصي
رمقتها المرأة بنظرة جانبية، ثم وضعت الطماطم في كيس صغير:
-اتنين جنية ونص ياختي
أخرجت موج ثلاث جنيهات، وقالت بابتسامة سمجة قاصدة :
-ايدك على النص جنية .. اصل هجيب نص كيس ملح
أعطتها المرأة النصف جنيه، وهي تتمتم بسخرية:
-خدي ياختي … ولا كأنك بتقطعي من لحمك
تحركت موج وهي تتمتم في نفسها، نظراتها تائهة بين وجوه الناس، وصوت قلبها يتردّد داخله عجبًا عليهم لا يعلمون كيف يدخل الجنية إلى جيبي ..ربنا الرزاق
قطعت الطريق إلى أقرب بقالة صغيرة، ثم عادت تسير بخطى بطيئة نحو البيت، تحمل كيسها كأنه كنز.
لكن قبل أن تصل إلى باب البناية…
توقفت فجأة عندما رايك وجه تعرفه جيدًا هتفت بصدمة كان يخرج بؤبؤ عينها من مكانة
-عمتي ؟؟؟؟؟؟؟
- لقراءة باقي فصول الرواية أضغط على (رواية نوح الباشا)
لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها
أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)