روايات

رواية نجوت بك الفصل الرابع 4 بقلم مي مصطفي

رواية نجوت بك الفصل الرابع 4 بقلم مي مصطفي

 

البارت الرابع

 

 

الفصل الرابع”المنقذ مرّة أخرى”

قبل أن تغوص في هذا الفصل…
توقّف لحظة، خذ نفسًا عميقًا،
و—بكل خشوع—ردّد معي:
اللهم صلِّ على محمد، عددَ ما خطّت الأقلام، وما رفرف السلام، وما تنفّس الأنام.
صلِّ عليه حتى يُطمئن القلب، وتُفتح الأبواب، وتُروى الأرواح.

+

بسم الله نبدأ…
وبنور الصلاة عليه، نُزيّن الحروف ونُغلف المعاني…
فما طابت الكلمات إلا حين اقترنت باسمه، وما سكنت القلوب إلا حين صلّت عليه.
صلِّ على الحبيب… ثم اقرأ.✨

+

————-

+

دخلت “رُفَيدة” إلى غرفتها بخطى متثاقلة. كانت الدنيا تمطر، والهواء البارد يلسع وجهها، لكن قلبها كان أكثر دفئًا مما اعتادت عليه.
أغلقت الباب خلفها، ووقفت في منتصف الغرفة كأنها لا تصدق ما مرّت به.
خلعت معطفها، وضعت حقيبتها، ثم جلست على طرف السرير، ودفنت وجهها بين راحتيها.
كانت ترتجف… لكن ليس من خوف.
بل من تلك الدهشة التي اجتاحتها منذ ساعات…

+

رفعت رأسها ببطء، ونظرت إلى لا شيء. ثم تمتمت بصوت خافت:
“إزاي؟… إزاي أول مرة أسمع صوت راجل ومخفتش؟”
“إزاي كنت برد عليه؟… بتكلم معاه… وبحس إني مطمنة؟”
سؤالٌ غريبٌ راح يتردّد في عقلها كصدى في كهفٍ عميق.
كم مرة سمعت صوت رجال فارتجف قلبها؟
كم مرة أُحرجت من نظرات عابرة، أو حتى من خطوات تقترب؟
لكن اليوم… كان مختلفًا.
“كنت حاسّة بأمان!”
قالتها، ودمعة دافئة انسابت على خدّها دون استئذان.
بدأت تسترجع المشهد… صوته وهو يقول “اهدي أنا جنبك”… خطواته التي كانت تسابق الدرج فقط ليصل إليها… وكيف لم تنظر خلفه حين فتحت الباب، بل نظرت إليه وحده… وكأن العالم كله كان وراءه.
شهقت ببكاءٍ خافت، وسجدت على السجادة الصغيرة، تبكي وتحمد الله من قلبٍ متعب:
“يا رب… شكرًا… شكرًا إنك بعتلي حد يخرجني من المخزن… كنت هموت من الخوف ألف حمد وشكر ليك يا رب ”
“يا رب إحفظه… زي ما كان سبب نجاتي، أجعل ليه خير في كل خطوة… واكتب له الطمأنينة زي اللي هو دخلها لقلبي من غير ما يحس…”
صلّت ركعتين، وسجدت طويلاً في كل ركعة، ثم عادت إلى فراشها، ونامت ودمعة دافئة لا تزال تبلل وسادتها…
————————————————
على الجانب الآخر…
كان سُليمان قد عاد إلى شقته الواسعة في أحد أحياء لندن.
فتحت له الباب والدته، السيدة الأربعينية الوقورة، خلفها شقيقته “رنا”، طالبة طب مجتهدة.
نظرت إليه أمه بقلق:
– “اتأخرت كده ليه؟ ده الدنيا كانت بتمطر وأنت مش بترد ومش عادتك تتأخر ومتعرفناش”.
رنا أضافت وهي ترفع حاجبها:
– “كنت فين؟ ولا في قصة كده؟”
ضحك وهو يخلع معطفه المبتلّ:
– “هي قصة فعلًا… الكهربا قطعت وكنت نازل على السلم، سمعت صوت بنت مصرية بتصرخ… كانت محبوسة في المخزن.”
– “إزاي؟!”، قالتها الأم في توتر.
– ” معرفش اتحبست ازاي الباب كان مقفول ومفيش مفتاح بره،، وهي كانت جوه… جبت الأمن، فتحنا الباب، وبعدها الدنيا كانت متأخرة، وصلتها أضمن مكنتش هـ أآمن تروح في الجو ده وخصوصًا بقا وهي بنت بلدي .”
قالت الأم بفخر ودعابة:
– “ربنا يجازيك خير يا حبيبي… حقيقي لو حد غيرك كان سابها وروح… بس أنت زي ما بنقول في بلدنا إبن بلد بصحيح”.
صعد سليمان إلى غرفته بعد أن طمأنهم. دخل الحمّام، ووقف تحت الماء، يترك دفئه يغسل التعب…
ثم خرج، توضأ، صلّى ركعتين، وجلس على الكرسي الخشبي بجوار النافذة، يراقب تساقط المطر.
كانت صورتها لا تفارقه.
فتاة بنقاب أسود، تقف في عتمة المخزن كأنها طفلة تائهة…
صوتها المرتجف، يده التي ارتعشت حين أمسك بها لتمنع سقوطها… نظراتها التي اتّكأت عليه حين رأت رجال الأمن، كأنّه أمانها الوحيد.
“هي ليه كانت مرعوبة كده؟
ليه حسّيت إنها مش مجرد مرعوبة من الظلمة؟
نظرة عنيها… كان فيها خوف سنين… خوف ملوش تفسير.”
ثم نهض وأغلق الضوء، وألقى بنفسه على الفراش، وظلّ يتأمل السقف… حتى غفا.

+

 

في صباح اليوم التالي…
استيقظت “رفيدة” باكرًا. توضأت، صلت الفجر، ثم ارتدت عباءتها السوداء الثقيلة، ومعطفًا شتويًا أنيقًا بلون الفحم، ولفّت نقابها بحنوّ كأنّها تحتمي به من ضجيج العالم.
أمسكت بحقيبتها، وهبطت من السكن.
على الرصيف، كانت “ندى” واقفة تنتظر الحافلة، وما إن رأت رفيدة حتى تجمدت ملامحها.
همست لنفسها بصدمة:
“هي خرجت؟ إزاي؟
أنا قافلة الباب بإيدي… والمفتاح كان معايا…
ومحدش كان موجود في الدور ده…وكله كان مروح وقتها!
خرجت إزاي؟!”
ثم عضّت على شفتها، وقالت:
“مش مهم… الجوالات لسه قدامي… ومش هخليها تفوز”
ركبت “رفيدة” الحافلة، وجلست في أقصى الزاوية، نفس الكرسي المعتاد، وتبدأ في قراءة وردها اليومي من القرآن والأذكار، كأنّها تُحصّن روحها.
هدوءها كان لافتًا… والطمأنينة التي على ملامحها المخفية أسفل النقاب، كانت غريبة على “ندى” التي لم تكفّ عن التحديق بها.
في منتصف النهار، وبينما كانت “رفيدة” منغمسة في العمل داخل المكتب، فُتح الباب، ودخل المشرف المسؤول.
ابتسم قائلاً:
– “صباح الخير، يا شباب!”
– “بس حبيت أفكركم إن بكرا يوم العرض النهائي للمشاريع، وهيكون فيه لجنة تقييم من الإدارة، ومدير الشركة بنفسه هيحضر”.
ثم أضاف بحزم:
– “كل واحد فيكم هيطلع يعرض مشروعه بنفسه، ويشرح فكرته قدام الناس، ويجاوب على الأسئلة، لأن الأداء مهم زي الفكرة تمامًا …ابدؤوا جهزوا نفسكم من دلوقتي، أي استفسار أنا موجود”.
خرج، فشعرت “رفيدة” وكأنّ قلبها سقط أرضًا.
“أنا… هشرح؟
أنا هطلع أتكلم؟
قدّام ناس؟
أنا؟!”
كأن الرهبة هجمتها دفعة واحدة، كأنها اختنقت فجأة.
ضربات قلبها تسارعت…
كفّاها تعرّقتا…
“أنا كنت داخلة أشتغل وأثبت نفسي من غير ما أتكلم…
كنت فاكراه مشروع بس، مفيهوش مواجهة…
أنا بخاف أتكلم قدّام الناس…!”
وأسندت ظهرها على الكرسي، وضغطت على صدغيها براحتَيْها المرتجفتين، تحاول أن تستجمع شتات نفسها…
———————–
في سكن الطلاب…
ساد الهدوء المكان، إلا من خفق أقدام متفرقة، وهمسات تنبعث من غرف مغلقة، حيث كل عقلٍ منهمك في تدريباته، وكل يدٍ مشغولةٌ بإعداد مشروعه، وكأن السباق قد بدأ قبل أوانه.
في إحدى الغرف، جلست “ندى” عند حافة سريرها، تتأمل شاشة الحاسوب أمامها، بينما تقلب بين أوراقٍ كثيرة مبعثرة. كانت شفتاها مطبقتين، وعيناها تغليان بمرارة، وكأن شيئًا ما يعصف داخلها ويكاد يتمرد على ملامحها المتماسكة.
همست بصوتٍ خافتٍ متوتر:
— “كلهم شايفينها مختلفة… وهي أصلًا مش عايزة تتكلم… مش اجتماعية… مش بتندمج… ولبسها؟! ده لوحده كفاية يخليهم يستبعدوها من أي تمثيل رسمي، وأنا؟ أنا اللي أستحق…”
ارتجف جفنها وهي تنهض واقفة، بدأت تتمشى في الغرفة بخطواتٍ سريعة، تضغط على أصابع يدها بشدة، تهمس لنفسها في حنقٍ أشبه بالغليان:
— “دي لو نجحت… هتفضل في الصورة، وأنا هبقى على الهامش… مينفعش، مينفعش! لازم ترجع مصر… وتفشل… وأثبت أنا إن مكانها مش هنا من الأول…”
توقفت فجأة… ثم التفتت ببطء نحو الباب، وارتسمت على وجهها ابتسامة خبيثة،
قالت بصوتٍ متهدجٍ من النشوة:
— “لقيتها…”
هرعت إلى الباب، وفتحت شقًا صغيرًا، تراقب بحذر… إلى أن سمعت خطوات خفيفة تخرج من إحدى الغرف. دق قلبها بشراسة، تعرف هذا الإيقاع… إنه مشي “رفيدة”، المنتظم، الخفيف، كأنها تحاول ألا تزعج الهواء.
همست وهي تبتسم:
— “بتنزل دلوقتي تعمل لنفسها أكل زي كل يوم… يعني في وقت أنفذ خطتي”
خرجت كالسهم، تغلق بابها بخفة، تمشي كظلٍ يتسلل بين الجدران، حتى وصلت إلى غرفة “رفيدة”. كان الباب مواربًا كما اعتادت رفيدة أن تتركه، ثقة أو سذاجة، لا فرق.
دفعت الباب ودخلت، تنظر حولها بسرعة. كل شيء منظم… مرتب بعناية مؤلمة.
هناك، فوق السرير، كان المشروع. صندوق صغير، وأسلاك، ودائرة إلكترونية معقدة، وأوراق تفصيلية بجانبه.
انحنت “ندى”، ولمست العمل بأنامل خبيرة. نظرت إليه كمن يفك لغزًا، ثم تمتمت في سخرية:
— “ده الجزء الأساسي… ده اللي كل شغلها قايم عليه… لو اختفى أو باظ… راحت في داهية.”
بدأت بفكه بهدوء، بخبرة مكتسبة من تجارب كثيرة. فصلت أحد الموصلات الدقيقة، ثم فتحت الغطاء وأزالت شريحة إلكترونية بعينها.
نظرت لها بغلٍ وكأنها تخلع قلب المشروع، ثم ضحكت بخفوت:
— “مبروك يا رفيدة… رجوع آمن لمصر.”
أعادت ترتيب الغطاء كما كان، وضغطت على السرير لتُخفي أي أثر للعبث، ثم أدخلت الشريحة في جيبها، واستدارت خارجة بخفة، كما دخلت، قبل أن يفضحها صوت أو تنهيدة.
أغلقت الباب خلفها، وعادت إلى غرفتها، بينما كانت الابتسامة الشيطانية لا تزال ترقص على شفتيها.

دي رواية مميزة جدًا جرب تقرأها  رواية الراهب الفصل التاسع 9 بقلم فريدة الحلواني

+

 

بعد أن انتهت “رفيدة” من تناول طعامها،
نظّفت المكان بهدوء، كعادتها، ثم عادت إلى غرفتها، أغلقت الباب، ووقفت للحظة أمام المكتب حيث مشروعها.
تنهدت بعمق، ثم همست لنفسها:
— “بسم الله… أبدأ التدريب.
رفيدة،… لازم تعدي الخطوة دي.
رُهابك مش هيروح إلا بالمواجهة… مش كل مرة هتهربي.
يا رب قوّيني… يا رب عِينّي…”
وقفت أمام المرآة، تحمل ورقة صغيرة فيها الملاحظات التي كتبتها بصوت مرتعش.
بدأت تتمتم:
— “The project is about…..
“المشروع عن…”
لكن صوتها خذلها.
توقفت، بلعت ريقها، ارتبكت.
— “مينفعش… لازم أكمّل.”
عادت تحاول.
مرة، واثنتين، وثلاث.
في كل مرة، يتوقف الكلام في منتصفه، ويخنقها الخوف، لكنها كانت تعود.
ثم همست من قلبٍ مثقوب بالقلق:
— “أنا مش ضعيفة… أنا وصلت لحد هنا لوحدي… مش هقف دلوقتي.”
ثم فتحت الجهاز، وبدأت تحضّر للعرض الفعلي، كبروفة نهائية.
ضغطت زر التشغيل…
لكن لا شيء.
حاولت ثانية.
وثالثة.
عشر مرات… والجهاز لا يستجيب.
تجمدت، ثم تمتمت بذعر:
— “كان شغال… كان شغال كويس في المكتب… إيه اللي حصل؟!”
ارتعشت يداها، وبدأت تدور حول الجهاز في هلع.
— “مش وقته ….يا رب… مش دلوقتي…”
دموعها سالت على خدّها، وسقطت منها شهقة مكتومة.
ثم انحنت تفكك الغطاء، تبحث، تقرأ، تراجع…
فجأة، سكتت.
أدركت الحقيقة.
— “الشريحة… الجزء الأساسي مش موجود…”
شهقت: — “يا نهار أبيض… راحت فين؟
أنا… أنا مش فاكرة إنّي طلّعتها…
تكون وقعت؟!”
أخذت تدور في الغرفة.
تنظر تحت السرير، داخل الأدراج، خلف الستائر… لا شيء.
— “يمكن وقعت في المكتب؟
بس العرض بكرا الصبح…
ومفيش فرصة أرجع الشركة ولا المخزن…
مش هيكون مفتوح أصلاً!”
جلست على الأرض، ودفنت وجهها في كفّيها، تبكي.
ثم رفعت وجهها، ومسحت دموعها بقوة:
— “مش هستسلم…في أمل… معايا وقت لسه…
ممكن ألاقي شريحة زيها.”
نهضت فجأة، أخذت اللابتوب، وبدأت تبحث عن متجر إلكترونيات في المدينة التي تسكن بها
ظهر أمامها متجر شهير.
قربه منها أعطاها جرعة أمل.
— “الحمد لله يا رب… ده قريب، عشر دقايق بالتاكسي.”
ارتدت معطفها، وحملت حقيبتها، ثم خرجت إلى الشارع، ووقفت تنتظر.
أوقفت تاكسي، ولكن قلبها كان يرتجف.
خوفها من الحديث مع رجل لا تعرفه خنقها للحظة، لكن… تنفست بعمق.
اقتربت منه ببطء وقالت بتوتر:
— “Excuse me… can you take me to the Maplin Electronics store?”
عذرًا… هل يمكنك أن تأخذني إلى متجر مابلين للإلكترونيات؟”
– “Sure, hop in. I know where it is.”
“بالطبع، اصعدي. أعلم مكانه جيدًا.”

دي رواية مميزة جدًا جرب تقرأها  رواية مهمة زواج الفصل السادس والاربعون 46 بقلم دعاء فؤاد

+

ركبت التاكسي.
كل عضلة في جسدها مشدودة، قلبها يدقّ بعنف، لكنها تماسكت، وضغطت على نفسها حتى لا تُظهر توترها. جلست في المقعد الخلفي، تخفي توترها خلف نظرات زائغة إلى النافذة. لم تكن الرحلة طويلة، لكنها بدت لها دهرًا.
لم يكن السائق مخيفًا… لكنها كانت خائفة.
كل رجل غريب يذكّرها بجدران الرعب القديمة التي بَنَتها حول نفسها. لكنها، هذه المرة، لم تهرب.
جلست، صامتة، تُنصت لصوت القرآن في رأسها، تتلو آيات تحفظها من صغرها في سرّها:
“قل أعوذ برب الفلق… من شر ما خلق…”
كل نبضة في قلبها كانت رجاء، وكل زفير دعاء بألا يلتفت لها، ألا يسأل، ألا يتحوّل من سائق لرجلٍ آخر.
لكنها وصلت… بأمان.
وما إن وقفت على الرصيف، حتى شعرت بشيء غريب في صدرها… انتصارٌ صغير.
لقد فعلت ذلك!
ركبت تاكسي وحدها…… بل وتخطّت موقفًا كاملًا دون أن تنهار.
كانت خُطاها المرتبكة إلى المتجر مصحوبة بشيء يشبه الفخر… فخر الخروج من قوقعة الرعب، حتى وإن كان إلى ضوءٍ باهت.
دخلت إلى المتجر الكبير. الأنوار الساطعة، وضجيج الزبائن،… كل شيء بدا مفرطًا في الحياة.
اقترب منها أحد العاملين، رجل في منتصف الثلاثينات، مظهره أنيق ولهجته أجنبية واضحة.
“Can I help you with anything?”
(هل يمكنني مساعدتك في شيء؟)
“Hi, I’m looking for this specific microchip. Do you have it?”باللغة العربية
“مرحبًا، أبحث عن هذه الشريحة الدقيقة تحديدًا. هل هي متوفّرة لديكم؟”
– “Hello, unfortunately, this type is not available with us. It’s a basic and rare item, and it’s usually sold in a large electronics store in central London. You can find it there.”
مرحبًا، للأسف هذا النوع غير متوفّر لدينا. إنه أساسي ونادر، وغالبًا ما يُباع في متجر إلكترونيات كبير في وسط لندن. يمكنك إيجاده هناك.”
أعطاه العنوان وذهبت…
خرجت تبحث عن تاكسي آخر.
وصلت للمول، وبعد بحث طويل، وجدت القطعة.
لكنها كانت باهظة.،..دفعت آخر ما تملك.
خرجت “رفيدة” من المتجر ممسكة بالشريحة، وقلبها يكاد يقفز من صدرها. لم تصدق أنها وجدتها أخيرًا… لكنها في ذات اللحظة، أدركت المأزق الجديد.
لا مال، لا وسيلة للعودة.
حدّقت في الأرض، شعرت بثقل مفاجئ في صدرها.
— “يا رب دبّرها…
أنا حتى مش معايا أرجع…”
دمعت عيناها.
رفعت رأسها، نظرت للشارع الطويل، المزدحم، ثم إلى هاتفها.
فتحت تطبيق الخرائط، حدّدت موقع السكن… طريق طويل… لكن يمكن قطعه مشيًا تماسكت:
— “هرجع مشي… مش مشكلة.”
فتحت Google Maps وبدأت تتبع الطريق.
[فلاش باك]
تذكرت سليمان وهو يقول:
— “لازم تحفظي طريق السكن. متعتمديش على الباص بس. دايمًا في مواقف خارجة عن السيطرة.”
[عودة]
من يومها، حفظت اسم الشارع، والمكان، وحدّدته على الخريطة.
وسارت.
الرياح باردة، تلسع وجهها، والصقيع يتسلل إلى أطرافها، لكنها تابعت.
عيناها تتفقدان الشوارع، الشجر، الإنارات الخافتة…
قلبها يتمتم الأدعية:
— “اللهم أني أعوذ بك من كل شرّ، ومن كل خوف، ومن كل من أراد بي سوءًا.”
مرت ساعة كاملة، حتى دخلت شارعًا ضيقًا، بدا أقرب إلى الممرات الخلفية. كانت قد اقتربت من الحيّ، واعتقدت أن هذا اختصار.
لكنّه كان خطأ.
الشارع موحش، مظلم، لا أحد فيه.
وقبل أن تكمل خمس خطوات…
خرج من الظلال رجل مترنّح، طويل القامة، وجهه مُحمّر، عيناه زائغتان، رائحته خانقة.
صوته خرج أجشًّا، متهكمًا:
“What’s all this black in the dark, huh?”
“ما كل هذا السواد في هذا الظلام؟”
توقفت “رفيدة”، قلبها توقف معها. أرادت أن تعود أدراجها، لكن قدماها تجمّدتا.
اقترب منها خطوة…
“Damn, your eyes… never seen eyes like that. Let’s see what else is hiding under all this.”
“اللعنة… عيناكِ؟ لم أرَ عينين كهاتين من قبل… دعينا نرى ما الذي تُخفينه تحت هذا كله.”
ارتجفت “رفيدة”، تراجعت للخلف، تتنفس بصوتٍ مسموع، جسدها بالكامل ينتفض.
صاحت:
— “Stop! Please… don’t come closer!”
“توقّف! أرجوك… لا تقترب أكثر.”
“No escape tonight, sweetheart. No one’s saving you.”
“لا مفرّ الليلة، يا جميلة… لن يُنقذكِ أحد.”
ثم اندفع نحوها.
صرخت “رفيدة”، جرت بكل ما أوتيت من قوة، لكنه أسرع منها.
ركض خلفها، يضحك، يلاحقها، حتى تعثرت قدماها بحجر، وسقطت على الأرض.
ارتطم جسدها بالأسفلت البارد. نظرت حولها كحيوان جريح.
زحفت، بكت، وصرخت:
— “يا رب… يا رب نجّيني…!”
وصل الرجل، جذبها من عباءتها، حاول نزع النقاب عن وجهها، نظر في عينيها بوقاحة:
“You’re too pretty to be hiding behind all this.”
“أنتِ جميلة جدًا لتختبئي خلف كل هذا.”
وضعت يدها على وجهها، تحاول منع يده، لكنه أقوى…
يداه خشنتان، تقتربان…
فجأة…
صوت ضرب…
صرخة ألم حادة…
الجسد الغليظ اندفع جانبًا، وارتطم بالحائط بعنف.
فتحت “رفيدة” عينيها المغمضتين، فإذا بالظلال تنقشع، ووجهٌ تعرفه يظهر.
إنه سليمان.
وجهه ممتلئ بالغضب…
عيناه لا ترمش…
يده تطبق على عنق الرجل، يضربه بكل ما في جسده من عضلات مكبوتة.
الرجل يصرخ… يحاول الرد… لكن “سليمان” لا يمنحه الفرصة.
ضربة على البطن، وأخرى على الفك، ثم دفعة قوية جعلته يرتطم بالحائط مرة أخرى، ويسقط مغشيًّا عليه.
وقف “سليمان”، صدره يعلو ويهبط، ثم التفت إليها، كأن الدنيا توقفت فجأة:
— “انتي كويسة؟!لمسك؟! عمل فيكي حاجة؟!”
“رفيدة” لم تستطع الرد. كانت تبكي، تصدر أصواتًا متقطعة كطفلة خائفة.
اقترب ببطء، رفع يديه دون أن يلمسها، وقال:
— “بصيلي… ركزي معايا… انتي كويسة؟!”
هزّت رأسها، وأرادت الوقوف، لكن قدمها ارتجفت، وسقطت مجددًا.
جلس “سليمان” على ركبتيه بجانبها، وجهه ممتقع، صوته منخفض:
— “خلاص…، أنا هنا،متخافيش خلاص… أنتِ في أمان الوقتي ،أهدي مفيش حاجة هتحصل تاني، أنا جنبك أهو أهدي.”
لاحظ أنها تحتضن جسدها بقوة، وكتفها مكشوف.
أشاح وجهه فورًا، مدّ يده بجاكيت كان يلبسه، ووضعه على كتفها دون أن يلمسها.
قال بصوت مبحوح:
— “يلّا… هنخرج من هنا.”
نظرت إليه بعينين دامعتين، ثم هزّت رأسها.
قامت بمساعدة بسيطة منه، وهو لا يزال لا يلمسها إلا بالحذر الكامل.
خطت خطوة…
ثم فجأة شهقت:
— “آآآآه!!”
التفت إليها برعب:
— “مالك ؟!”

دي رواية مميزة جدًا جرب تقرأها  رواية رفعت وزينب - عشق بين نيران الزهار الفصل الخامس عشر 15 بقلم سعاد محمد سلامة

 

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *