رواية مهمة زواج الفصل الحادي والخمسون 51 بقلم دعاء فؤاد
لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها
أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)
رواية مهمة زواج الفصل الحادي والخمسون 51 بقلم دعاء فؤاد
البارت الواحد والخمسون
بعد مغادرة ألارا بطريقة مؤلمة جلس أدهم على حافة الأريكة في غرفة مكتبه، يدفن وجهه بين كفيه.
كان إحساسًا بالثقل يخنقه، كأن كلمات ألارا الأخيرة صارت قيودًا تلتف حول قلبه. لم يكن يتخيل أن اعترافه، الذي كان ينتظره بفارغ الصبر، سيأتي بنتيجة معاكسة.
+
رغم صلابة ملامحه المعتادة، بدا الآن كشخص فقد اتجاهه تمامًا. الغرفة، التي كانت دائمًا مألوفة، أصبحت فجأة خانقة، كأنها شاهدة على كل أخطائه. بداخله، صراع عنيف بين شوقه لندى وغضبه من تحولها إلى ألارا، وبين ذلك الشعور بالندم الذي أطبق عليه.
+
أدهم (يتحدث مع ذاته بصوت منخفض):
ــ “كان لازم أتمالك أعصابي… كان لازم أستنى… بس أنا مليش طاقة أعيش في الدور ده أكتر من كدا.. هي قدامي لكن مش بتاعتي… طب أنا أعمل إيه؟!”
+
يقف فجأة، يمرر يده في شعره بعصبية، ثم يأخذ هاتفه وينقر على اسم “آسر”. يتردد للحظة، ينظر إلى الشاشة وكأنها تعكس ألمه. لكنه في النهاية يضغط زر الاتصال.
+
آسر (يرد بنبرة عملية):
ــ “أدهم؟ خير؟.”
+
أدهم (بتنهد عميق، صوته مثقل بالحيرة):
ــ “آسر أنا محتاجك ضروري… مش قادر أكمّل كده.”
+
آسر (بتوجس):
ــ “إيه اللي حصل؟ اتكلم.”
+
أدهم (بتوتر واضح):
ــ “الارا… أو ندى… مش عارف أقول عليها إيه… أنا حاولت أواجهها.. بس الموضوع اتقلب ضدي… حاسس إني خنقتها بكلامي، وخلّيتها تبعد أكتر.”
+
آسر (بنبرة هادئة لكن صارمة):
ــ “طب وانت كنت متوقع إيه؟ إنك تقولها الحقيقة مرة واحدة فتصدق؟ كان لازم تمشي خطوة بخطوة.”
+
أدهم (بتوتر):
ــ “هي اللي استفزتني و معرفتش أمسك نفسي… كل حاجة فيها بتقول إنها ندى، لكن هي مصممة إنها مش هي… أنا مش عارف أتعامل معاها ازاي… بس كفاية كده، لازم نبدأ نتحرك رسمي… قضية الحادثة لازم تتفتح من أول وجديد يا آسر.. أنا مش هفضل عايش في الشكوك دي”
+
آسر (يوافق بهدوء):
ــ “تمام، وده اللي المفروض كنا عملناه من الأول… هبدأ أجهّز كل حاجة… هنحتاج تفاصيل دقيقة عن الحادثة أي شهود، وأي أوراق تخصها… بس مش عايزك تتحرك بمشاعرك.. لازم نكون عقلانيين.”
+
أدهم (بحسم):
ــ “عارف، و دا سبب اتصالي بيك.. أنا عايز أنهي الشك ده، مهما كان التمن.”
+
—
+
بعد المكالمة، بقي أدهم واقفًا في مكانه للحظات.
كان يشعر بشيء من الراحة لأن لديه خطة أخيرًا، لكنه لم يستطع التخلص من إحساسه بالذنب تجاه ألارا. يعلم أن الطريق أمامه ليس سهلاً، لكنه كان مصممًا على مواجهة الحقيقة، مهما كانت قاسية.
+
أخذ نفسًا عميقًا، ثم نظر إلى صورة قديمة لندى على هاتفه. همس لنفسه:
ــ “مهما حصل… هعرف الحقيقة، وهترجعيلي، حتى لو كانت نهايتي أنا.”
+
وضع هاتفه في جيبه، ثم بدأ في جمع الملفات القديمة، مستعدًا للقاء آسر والانطلاق في أولى خطواتهم نحو كشف غموض الحادث.
+
بينما ألارا بمجرد أن وصلت للمنزل التزمت غرفتها و
جلست على الأريكة، تحيط بها هالة من الصمت، بينما يتردد صوت أدهم في ذهنها، كأن كلماته ما زالت تلاحقها:
ــ “إنتي ندى… مراتي اللي اختفيتي من حياتي فجأة.”
+
رفعت المرآة الصغيرة الموضوعة على الطاولة، تأملت وجهها بحيرة. هل من الممكن أن تكون حياتها كلها كذبة؟ شعور غريب بالفراغ اجتاحها. وضعت المرآة جانبًا، ونهضت متجهة إلى المكتب الصغير الموضوع في أحد أركان الغرفة الواسعة..
+
جلست أمام مكتبها، وبدأت تقلب ألبوم الصور الذي أعطاها إياه نديم. صفحات الألبوم تحكي قصة طفولة ومراهقة، لكن ألارا لم تشعر بأي صلة بتلك الصور. توقفت عند صورة محددة:
“أول يوم مدرسة – ألارا، عمرها 6 سنوات.”
+
نظرت للصورة، ثم همست لنفسها:
ــ “ليه مش فاكرة أي حاجة؟ الصور دي حقيقية؟ ولا مجرد قصة معمولة؟”
+
أغلقت الألبوم بعنف، ونهضت وهي تشعر بالغضب والتوتر يسيطران عليها.
+
قررت الدخول إلى غرفة مكتب نديم. كان المكان شبه مظلم، لكنها أشعلت الأباجورة الصغيرة بجانب المكتب وبدأت تبحث بين الأوراق. أوراق العمل تتكدس هنا وهناك، لكنها لم تجد شيئًا يتعلق بها أو بماضيها.
+
حين بدأت تفقد الأمل، وجدت مظروفًا صغيرًا مكتوب عليه اسمها الحالي “ألارا نديم” كان بأحد الأدراج وسط مجموعة من الملفات.
فتحت المظروف، ولم تجد سوى صورة من تقرير طبي يظهر أنها عانت من فقدان ذاكرة كامل بسبب حادث سيارة. شعرت بيدها ترتجف، لكن الغموض كان أكبر من أن تكتشف كل شيء دفعة واحدة. التقرير لم يذكر أي تفاصيل عن مكان الحادث أو الظروف المحيطة به.
+
بينما كانت تفكر، قطع صوت نديم أفكارها:
ــ “بتدوري على حاجة؟”
+
التفتت إليه سريعًا، وجهها يحمل خليطًا من الصدمة والخوف:
ــ “كنت.. كنت بدور على شوية أوراق تخصني.”
+
ابتسم نديم، لكنها كانت ابتسامة باردة، وقال بهدوء مبطن:
ــ “لو عايزة أي حاجة، أنا موجود.. بس المكتب ده فيه حاجات شغل، مالوش علاقة بيكي.”
+
أغلقت المظروف بسرعة، ووضعت الأوراق في مكانها، وقالت بصوت مرتجف:
ــ “آه… طبعًا. .. آسفة لو ضايقتك.”
+
نديم (بهدوء مع نبرة تحذير):
ــ “انتي عمرك ما تضايقيني يا ألارا… بس حاولي تسيبي الماضي وتركزي على حياتك اللي معايا دلوقتي.”
+
شعرت أن كلماته تحمل شيئًا أكثر مما يبدو، لكنها لم تستطع مواجهته.
+
في وقت لاحق حين عاد أدهم لمنزله…
+
وقف أمام نافذة شقته، يتأمل الأضواء الخافتة للمدينة الغارقة في صمت الليل. عقله مثقل بالأسئلة، ويداه تحكمان قبضتهما حول كوب قهوة بارد كأنه يحاول استمداد شيء من الحرارة المفقودة داخله. دق الجرس فجأة، فأفاق من شروده وسار نحو الباب بخطوات ثقيلة.
+
أدهم (يفتح الباب):
ــ “آسر، اتفضل.”
+
دخل آسر بخطوات ثابتة، مرتديًا بدلته الرسمية فيبدو أنه قد خرج من عمله للتو، ممسكًا بملف صغير تحت ذراعه، ونظر إلى أدهم بنظرة جادة، كأنما يحمل معه الإجابات التي طال انتظارها.
+
آسر (بهدوء مشوب بالتصميم):
ــ “أدهم جاهز تخوض طريق ما لهوش رجوع؟”
+
أدهم (يجلس قبالته بعد أن وضع الكوب جانبًا):
ــ “أنا ما عنديش حاجة أخسرها… الحقيقة هي الشيء الوحيد اللي باقي لي…
+
سكت مليا ثم بدأ حديثه بأمر كان يدور بذهنه:
+
ـــ” أول حاجة لازم نفكر فيها… بفرض ان الارا هي نفسها ندى و ان ندى خرجت من الحادثة حية… طاب جثة مين اللي كانت في التاكسي و دفناها على انها ندى؟!.”
+
ضيق آسر عينيه بتفكير ثم قال مستكملا افكار أدهم:
+
ـــ “و البنت دي اكيد كانت هي اللي راكبة قدام و ندى فعلا كانت قاعدة ورا زي ما كانت الكاميرات موضحة… بس عشان مكانش في اي دليل يقول ان ندى عايشة صدقنا ان الجثة دي جثتها و اتقفلت القضية على هذا الأساس.”
رد أدهم بجدية:
ـــ “و واضح ان البنت دي كانت في نفس عمر ندى تقريباً و نفس طولها و دا اللي خلانا نصدق اكتر.”
+
رد آسر بعد قليل من التفكير:
ـــ “احنا لازم نعرف مين البنت دي.. لازم نتأكد انها مش ندى فعلاً..”
بينما أضاف أدهم:
ـــ” أكيد أهلها دوروا عليها… عملوا محضر تغيب مثلا.. احنا لازم نفحص جميع البلاغات اللي جات لقسم القصاصين و الاقسام المجاورة في نفس يوم الحادثة و الايام اللي بعدها.. دا اكيد هيوصلنا لأهل البنت.. و بكدا هنتأكد فعلاً ان الجثة المتفحمة مش ندى.. وإن ندي لسة عايشة.”
ربت آسر على كتفه بتأييد:
ـــ “بالظبط يا أدهم دا اللي لازم نعمله فعلاً قبل أي حاجة… لازم نتأكد ان ندى لسة عايشة..”
+
أدهم (ينهض بتوتر):
ــ “يبقى نسافر الإسماعيلية من الصبح… لو في خيط، مش هسمح انه يضيع مننا”
+
آسر (يبتسم بخفة):
ــ “تمام يا أدهم الصبح هعدي عليك…بس خليك مستعد لأي حاجة مش متوقعة.”
+
لم ينم ليلته من فرط التفكير تارة يفكر بألارا… و تارة أخرى بندى… و لكن أكثر ما أسعده أن الله لم يحرمه منها و أعادها له سالمة حتى و ان لم تعرفه… و ان لم تتذكره.. يكفيه أن قطعة من قلبه مازالت على قيد الحياة…
+
جلس على حافة السرير، الهاتف في يده، تملأه الحيرة والقلق. كان قد جمع شجاعته بصعوبة للاتصال بألارا. تنفس بعمق، ثم ضغط زر الاتصال.
+
كانت ألارا تجلس بجوار النافذة، تمسك بكوب قهوة باردة. بدا عليها الإرهاق من الأفكار التي لا تتوقف في رأسها. رن هاتفها، نظرت إلى الشاشة ورأت اسم أدهم. ترددت للحظة، ثم أجابت.
+
ألارا (بصوت بارد):
ــ “أيوة، عايز إيه؟”
+
أدهم (بتردد):
ــ “ألارا… أنا آسف.”
+
ألارا (بجفاء):
ــ “آسف؟ آسف على إيه بالظبط؟ على إنك بتدخل في حياتي من غير إذني؟ على إنك بتحاول تقنعني بحاجات أنا مش فاهماها؟”
+
أدهم (يحاول تهدئة نبرة صوته):
ــ “عارف إني اتسرعت… كنت فاكر إن الحقيقة هي اللي هتريحنا كلنا. لكن… لكن أنا غلطت لما حاولت أفرضها عليكي.”
+
ألارا (بحزم):
ــ “غلطت؟ المشكلة مش بس إنك غلطت يا أدهم. المشكلة إنك ما فكرتش إني أنا ممكن أكون محتاجة أكتشف بنفسي… أنا مش لعبة في إيدك، ولا أداة عشان أنت تلاقي أجوبة لنفسك.”
+
أدهم (بصوت يائس):
ــ “مش قصدي كده، والله… أنا كل اللي كنت عايزه… إنك تعرفي مين إنتي فعلاً… كنت فاكر إن ده اللي هيخلي الأمور أسهل علينا.”
+
ألارا (بهدوء غاضب):
ــ “بس أنا اللي هقرر ده، مش إنت… أنا اللي هكتشف مين أنا… الحقيقة دي حقي أنا، مش بتاعتك… ومهما كنت بتفكر أو بتحاول، ده مش هيغير إن أنا مش هخليك تقودني زي ما كنت بتعمل.”
+
أدهم (يحاول السيطرة على انفعاله):
ــ “طيب… ماشي… أنا بس كنت عايز أقولك إني مش ناوي أضغط عليكي تاني. لكن لو احتجتي مساعدة… أي حاجة، أنا موجود جنبك… حتى لو مش عايزة تتواصلي معايا دلوقتي.. أنا هفضل مستني.”
+
ألارا (بعد لحظة صمت):
ــ “شكراً على كلامك، بس أنا فعلاً محتاجة وقت… ومش عايزة حد يملي عليا طريق أكتشف بيه الحقيقة. دي حياتي، وأنا اللي هختار أعيشها إزاي.”
+
أدهم (بحزن):
ــ “تمام… أنا مش هقول حاجة تاني… بس… لو يوم حسيتي إنك محتاجة تتكلمي، أنا مش بعيد.”
+
أنهت ألارا المكالمة دون رد آخر، وعادت لتنظر من النافذة، تتأمل في ظلمة الليل. بدا أدهم جالسًا في غرفته، الهاتف لا يزال في يده، يحدق في الفراغ. كان يعرف أنها لن تسامحه بسهولة، لكنه كان مقتنعًا أن قراره بعدم الضغط عليها هو السبيل الوحيد لمنحها المساحة التي تحتاجها.
+
—
أغلقت ألارا هاتفها، وضعت كوب القهوة بجانبها، وحدقت في صورتها المنعكسة في الزجاج. لم تكن تعرف مَن هي تمامًا، لكن الشيء الوحيد الذي كانت متأكدة منه هو أنها ستكتشف الحقيقة بنفسها، دون مساعدة أحد، ودون أن تسلم مصيرها لأحد.
+
في صباح اليوم التالي في قسم شرطة القصاصين..
+
دخل أدهم وآسر إلى القسم بخطوات ثابتة. كانت أجواء القسم تعج بالحركة، أصوات الهواتف تتداخل مع نقاشات الضباط وأصوات الكتابة على الآلات الكاتبة القديمة. خلف مكتب الاستقبال وقف أمين الشرطة، ينظر إليهما بفضول.
+
أمين الشرطة (ينظر إليهما):
ــ “خير يا باشا؟ أقدر أساعدكم في حاجة؟”
+
آسر (يُخرج بطاقته):
ــ “مقدم شرطة آسر سعيد من القاهرة. وده المقدم أدهم برهام.. . جايين نراجع أرشيف البلاغات الخاصة بحادثة حصلت هنا من سنتين.”
+
أمين الشرطة (يهز رأسه):
ــ “أوامرك يا باشا. بس أرشيف البلاغات القديمة موجود في المخزن الخلفي. هجيب المفتاح من المأمور.”
+
آسر (بهدوء):
ــ “تمام، مستنيينك.”
+
جلس أدهم على أحد المقاعد، بينما ظل آسر واقفًا يتابع حركة القسم. عاد أمين الشرطة بعد دقائق ومعه المفاتيح، وأشار إليهما أن يتبعاه.
+
في غرفة الأرشيف.
+
فتح أمين الشرطة الباب، ليكشف عن غرفة صغيرة مزدحمة بالملفات القديمة التي تغطي الأرفف والجدران. كان الهواء في الداخل يحمل رائحة الورق العتيق.
+
أمين الشرطة (يشير إلى أحد الأرفف):
ــ “البلاغات دي بتاعت السنتين اللي فاتوا. أي حاجة محتاجينها أنا موجود برة.”
+
آسر (بشكر):
ــ “شكراً. هنبلغك لو احتجنا حاجة.”
+
بدأ أدهم وآسر يبحثان بين الملفات. كان أدهم يقلب الأوراق بسرعة، عينيه تتحركان بين الكلمات بحثًا عن أي شيء يتعلق بالحادثة.
+
أدهم (بصوت منخفض):
ــ “آسر… أنا مش قادر أتخيل إزاي ممكن نلاقي حاجة وسط الكمية دي.”
+
آسر (بهدوء وتركيز):
ــ “لازم نلاقي. الحادثة كانت مميزة. حادثة انفجار تاكسي على الطريق الزراعي… لازم يكون في حاجة واضحة.”
+
بعد دقائق من البحث، أمسك آسر بملف وفتح صفحاته بسرعة. عيناه توقفت عند صفحة محددة.
+
آسر (ينادي أدهم):
ــ “أدهم! هنا… فيه بلاغ تغيب في نفس اليوم اللي حصلت فيه الحادثة.”
+
أدهم (يقترب بسرعة):
ــ “وريني.”
+
قرأ أدهم البلاغ بعناية. كان البلاغ يتحدث عن اختفاء فتاة تُدعى “رحمة محمود”، تبلغ من العمر 22 عامًا، قُدمت من والدتها، التي ذكرت أن ابنتها كانت ذاهبة إلى عملها لكنها لم تعد.
+
أدهم (بدهشة):
ــ “نفس العمر تقريبًا… الطول كمان قريب… هل ممكن تكون هي اللي كانت في التاكسي؟”
+
آسر (بتفكير):
ــ “ممكن جدًا. لازم نزور أهلها. البلاغ هنا مكتوب فيه عنوان الأسرة.”
+
أدهم (بحزم):
ــ “يلا نروح لهم… لو دي كانت رحمة، يبقى في دليل أكبر إن ندى ما زالت حية.”
رد آسر بجدية:
ـــ “نكمل فحص البلاغات الاول عشان منرجعش هنا تاني”
هز أدهم رأسه بتأييد ثم استكملا فحص الاوراق سويا..
+
كان أدهم وآسر لا يزالان في غرفة الأرشيف، يتصفحان الملفات المتراكمة بدقة. وبينما كان آسر يقلب أوراق أحد الملفات، توقف فجأة عند صفحة معينة، ثم قرأها بعناية.
+
آسر (بتفاجؤ):
ــ “أدهم، تعال شوف ده!”
+
اقترب أدهم بسرعة وأخذ الورقة من يد آسر، وبدأ يقرأ بصوت مسموع:
ــ “بلاغ من شخص اسمه عواد عبد الحكيم… بيقول إنه لقى بنت مصابة في أرضه الزراعية في نفس يوم الحادثة، لكنها اختفت فجأة قبل ما الشرطة توصل.”
+
نظر أدهم إلى آسر بعيون مليئة بالدهشة:
ــ “ده معناه إن في شخص شاف ندى بعد الحادثة… لو كانت هي فعلاً البنت اللي لقاها.”
+
آسر (بتركيز):
ــ “في تفاصيل هنا عن المكان.. أرض زراعية على أطراف الطريق الزراعي في القصاصين… ولازم نعرف عواد ده لسة عايش في المكان ولا لا.”
+
أدهم (بحزم):
ــ “لو لسة موجود، لازم نروح له دلوقتي. دا أهم خيط ممكن يقربنا للحقيقة.. بس خلينا ناخدها واحدة واحدة… نروح الأول لبيت أم رحمة دي و بعدين نطلع على اللي اسمه عواد”
آسر:
ـــ يلا بينا..
+
قاد آسر السيارة عبر شوارع قرية بسيطة، تتوزع فيها البيوت المتلاصقة. وصلوا إلى منزل متواضع مكتوب عليه العنوان المذكور في البلاغ. طرق أدهم الباب، وبعد لحظات فتحت امرأة كبيرة في السن، تبدو عليها علامات الحزن.
+
المرأة (بحذر):
ــ “نعم يا باشا؟ في حاجة؟”
+
آسر (بلطف):
ــ “إحنا من الشرطة يا حاجة. جايين نسأل عن بلاغ تغيب كنتي قدمتيه من سنتين عن بنتك، رحمة.”
+
تحولت ملامح المرأة فجأة إلى الحزن العميق، وكأنها عادت بالذاكرة إلى لحظة مؤلمة.
+
المرأة (بصوت مختنق):
ــ “آه يا باشا… رحمة بنتي… راحت وما رجعتش. مالها؟ لقيتوها؟”
+
أدهم (برفق):
ــ “عايزين نسألك يا حاجة… كان في حادثة حصلت هنا على الطريق الزراعي بنفس اليوم… هل كنتي تعرفي إن رحمة ممكن تكون كانت في المنطقة دي؟”
+
المرأة (بحزن):
ــ “ما كنتش أعرف يا بني… هي كانت رايحة شغلها في المدينة… لكن من يومها ما شفتهاش.”
+
آسر (بتفكير):
ــ “طيب، كان في أي حاجة بتلبسها رحمة وقتها أو معروفة بيها؟ حاجة نقدر نستخدمها للتعرف عليها؟”
+
المرأة (تتذكر):
ــ “آه… كانت دايمًا لابسة سلسلة صغيرة على شكل قلب، هدية مني ليها لما كملت 18 سنة. ما بتخلعهاش أبدًا.”
+
نظر آسر وأدهم إلى بعضهما. السلسلة كانت تفصيلًا مهمًا يمكن أن يساعد في تأكيد هوية الفتاة التي وجدوها في الحادث.
+
أدهم (بحزم):
ــ “هنحتاج نراجع ملفات الأدلة الجنائية المرتبطة بالحادثة. لازم نتأكد إن كانت السلسلة موجودة وقتها ولا لأ..”
+
آسر (يؤيد):
ــ “هنبلغك يا حاجة لو عرفنا أي جديد.”
+
المرأة (بأمل):
ــ “ربنا يطمنكم يا ولادي. مش عارفة أعيش من غير ما أعرف هي راحت فين.”
+
عاد أدهم وآسر إلى السيارة، يحملان خيطًا جديدًا، لكن الغموض ما زال يسيطر على كل شيء.
+
أدهم (ينظر إلى الطريق أمامه):
ــ “لو طلعت الجثة فعلاً لرحمة… يبقى ندى فعلاً عايشة.”
+
آسر (بحزم):
ــ “والخطوة الجاية هتأكد لنا كل حاجة.”
+
—
خرجا من عندها ليستقلا السيارة مجددا و ينطلقا نحو وجهتهما الثانية ألا و هي منزل المدعو عواد عبد الحكيم…
كان أدهم يردد الكلمات التي قرأها في المحضر و كأنه يسترجعها:
+
ــ “البلاغ سجل بوجود ملابس ممزقة وآثار دماء، لكن بدون جثة… اللي بلغ عن الحادثة كان مزارع اسمه عواد عبد الحكيم… الظاهر إنه شاف حاجة غريبة يومها.”
+
آسر(باندفاع):
ــ “بس إيه اللي حصل بعد كده؟ ليه محدش تابع الموضوع؟”
+
أدهم (يغمض عينيه للحظة قبل أن يرد):
ــ “واضح إن عواد حاول يبلغ أكتر من مرة إنه شاف حد مصاب، لكن تم تجاهل كلامه. الحادث سُجل كحادث مجهول، وملف البلاغ بقى مجرد ورقة في الأرشيف.”
+
استكمل أدهم وآسر طريقهما بنظرات تحمل الأمل والخوف في آنٍ واحد. بدا اسم “عواد” كأنه المفتاح الثاني في هذا اللغز، لكنهما كانا يعلمان أن الطريق أمامهما مليء بالعقبات.
+
أدهم (وهو يركب السيارة بجانب آسر):
ــ “مش هرتاح غير لما أقابله… يمكن يكون شاف حاجة… يمكن يكون عارف الحقيقة.”
+
آسر (يشغل السيارة):
ــ “كل حاجة هنعرفها في وقتها، بس استعد لأي احتمال. أحيانًا الحقيقة بتكون أصعب مما تتخيل.”
+
قاد آسر السيارة بسرعة باتجاه العنوان المذكور في البلاغ. مرّا بأراضٍ زراعية شاسعة، تتخللها بيوت صغيرة متناثرة هنا وهناك. توقفا أمام منزل بسيط وسط الحقول.
+
طرق أدهم الباب بقوة، وفتحت لهم امرأة مسنة، تحدق فيهما بقلق.
+
المرأة (بتردد):
ــ “نعم يا باشا؟ في حاجة؟”
+
آسر (بلطف):
ــ “إحنا من الشرطة يا حاجة. عايزين نتكلم مع الحاج عواد عبد الحكيم. موجود؟”
+
المرأة (بهدوء):
ــ “أيوة موجود، بس هو كبر وبقى تعبان. استنوا شوية وأنا أناديه.”
+
عادت المرأة بعد دقائق ومعها رجل مسن، يتحرك ببطء، لكن عينيه تحملان نظرة يقظة.
+
عواد (بصوت متعب):
ــ “أهلا يا باشا. خير؟ في حاجة حصلت؟”
+
أدهم (بجدية):
ــ “يا حاج عواد، إحنا جايين نسألك عن بلاغ كنت قدمته من سنتين. عن بنت لقيتها في أرضك الزراعية.”
+
تغيرت ملامح عواد، وبدت عليه علامات التذكر، ثم أشار لهما بالدخول إلى المنزل.
+
جلسوا في غرفة متواضعة. أحضر لهم الحاج عواد كوبين من الشاي قبل أن يبدأ الحديث.
+
عواد (بصوت متقطع):
ــ “أيوة يا باشا. ده كان يوم مش عادي أبداً. كنت في أرضي بالليل، سمعت صوت أنين جاي من بعيد. لما قربت، لقيت بنت غرقانة في دمها. شكلها كان يخوف.”
+
آسر (بفضول):
ــ “طيب، وإيه اللي حصل بعد كده؟”
+
عواد (يبدو عليه الارتباك):
ــ ” والله أنا قلت كل اللي شفته وقتها.”
+
آسر (يهدئ نبرة صوته):
ــ “إحنا مش جايين نضغط عليك، يا عم عواد. بس لو في أي تفاصيل إضافية ممكن تفيدنا، مهما كانت صغيرة، هتفرق معانا.”
+
عواد (بعد صمت طويل، ينظر بعيدًا):
ــ “شفت البنت يومها مرمية في الارض بتاعتي…، وكنت سامع صوتها كأنها كانت بتتوجع… حاولت أساعدها بس معرفتش اشيلها لوحدي…لامؤاخدة يعني يا بيه العضمة كبرت….روحت جري انادي على ابني يشيلها معايا…بس على ما لاقيته صمم يبلغ الشرطة قبل ما نروحلها عشان منلبسش احنا القضية… و بعدين جبته و رجعتلها ملقيتهاش…لدرجة ان ابني قال عليا اني كان بيتهيألي…و انها يعني ممكن تكون عفريتة..ربنا يجعل كلامنا خفيف عليهم…بس الطريق كان خالي..مكانش فيه غير عربية فخمة اوي و صاحبها سايق على مهله..اني شكيت انه هو اللي شالها و خدها في عربيته.”
+
أدهم (مقاطعًا، بصوت متوتر):
ــ “الراجل ده… شكله كان إيه؟ فاكر أي حاجة عنه؟”
+
عواد (يهز رأسه):
ــ “ما شفتش شكله كويس، كان لابس طاقية وملامحه مش واضحة… بس… العربية كانت فخمة، مش من النوع اللي بنشوفه هنا كتير.”
+
آسر (يكتب الملاحظات):
ــ “في أي حاجة ثانية تفتكرها؟ أي تفاصيل ممكن تكون مفيدة؟”
+
عواد (بعد تفكير):
ــ “يمكن كان فيه علامة على باب العربية، زي شعار أو حاجة… أنا مش فاكرها كويس، بس كانت واضحة وقتها.”
+
أدهم (بتوتر واندفاع):
ــ “طيب ليه ما بلغتش إن حد شالها؟ ليه اكتفيت إنك تبلغ بس عنها؟”
+
عواد (بتنهيدة ثقيلة):
ــ “بلغت يا بني، بس لما قلت إن حد شال البنت، محدش صدقني… قالولي إني يمكن كنت متوهم أو شفت حاجة غلط… وبعدها ما حاولتش أتكلم تاني.”
+
وقف أدهم للحظات وهو يشعر بالغليان في داخله. كان كلام عواد مثل خيط رفيع يربط ما حدث ببعض الحقيقة، لكنه ما زال بعيدًا عن الإجابة التي يبحث عنها.
+
آسر (يحاول السيطرة على الموقف):
ــ “شكرًا، يا عم عواد. ساعدتنا كتير… لو افتكرت أي حاجة تانية، ممكن تتواصل معانا.”
+
عواد (بصوت هادئ):
ــ “ربنا يوفقكم… البنت الغلبانة دي كانت تستاهل حد يقف جنبها.”
+
—
+
جلس أدهم في السيارة بجانب آسر، وهو ينظر إلى النافذة بشرود، بينما كان آسر يركز على الطريق.
+
أدهم (بتنهيدة ثقيلة):
ــ “كل مرة أحس إني قربت من الحقيقة، ألاقيها بتبعد أكتر.”
+
آسر (بهدوء):
ــ “عواد فتح باب جديد… العربية الفخمة اللي شالتها، الراجل اللي ما ظهرش في أي تقرير… ده معناه إن في حد كان مستفيد من اختفاءها.”
+
أدهم (بتصميم مفاجئ):
ــ “لازم نعرف العربية دي بتاعت مين… أكيد بتاعت نديم”
+
آسر
ــ “فعلا…لو ألارا هي ندى…يبقى العربية دي عربية نديم و دا معناه ان ندى نطت من التاكسي قبل مايولع.”
+
انطلقت السيارة نحو احد الفنادق، وأدهم يشعر أن الوقت بدأ يضغط عليه أكثر من أي وقت مضى. كل خيط يقودهم نحو طريق جديد، لكنه يدرك أن الحل ربما يكون أقرب مما يتخيل… أو أكثر تعقيدًا مما يستطيع احتماله.
+
—
صباح اليوم التالي
+
جلس أدهم وآسر في غرفة الأخير، تحيط بهما الأوراق والتقارير، مع صوت خافت لجهاز الكمبيوتر الذي يعرض معلومات حول نديم فخري. كان الصمت يخيم على المكان، فقطعه آسر وهو ينظر إلى الشاشة بعينين تحملان مزيجًا من الاستغراب والريبة.
+
آسر (بهدوء):
ــ “أدهم، في حاجة غريبة في المعلومات اللي قدامنا. نديم فخري مش مجرد رجل أعمال، ده شخص عارف يخطط لكل خطوة.”
+
أدهم (ينظر بتركيز):
ــ “يعني إيه؟ وضّح أكتر.”
+
آسر:
ــ “نديم عاش في تركيا لسنين..اتجوز هناك ست تركية و اتوفت من عشر سنين و سابتله أملاك كتير… لكن من سنتين تقريبًا رجع مصر واستقر في قصر كبير في مصر الجديدة بس مطولش… الغريب إنه تقريباً بدأ يزور الإسماعيلية بشكل متكرر في نفس الشهر اللي حصلت فيه حادثة ندى”
+
أدهم (يستعيد التفاصيل):
ــ “الإسماعيلية؟.. ده نفس المكان اللي حصل فيه الحادثة.. في علاقة أكيدة بينه وبين اللي حصل لندى.”
+
آسر (يقلب الأوراق):
ــ “الأغرب إن عنده بنت اسمها ألارا… حسب الأوراق الرسمية، هي بنته الوحيدة اللي كان معاها في تركيا، لكنها اختفت لفترة بعد ما اتعرضت لحادثة في تركيا وظهرت من جديد فجأة في مصر معاه.. و رجعت معاه تاني تركيا”
+
أدهم (يشعر بأن شيئًا يتكشف):
ــ “مستحيل تكون دي مجرد صدفة…دا معناه انه هو اللي حول ندى لألارا عشان تحل محل بنته.”
+
آسر (يهز رأسه موافقًا):
ــ “ده احتمال قوي… ولو كان هو اللي أخدها، يبقى عنده سبب يخليه يخفيها… يمكن كانت في خطر… أو يمكن هو الخطر.”
+
توقف الحديث للحظات، وكان واضحًا أن كليهما يفكر في الخطوة التالية. قطع أدهم الصمت بنبرة حاسمة.
+
أدهم:
ــ “لازم نواجهه… نديم فخري مفتاح كل حاجة، و طول ما ندى معاه، مش هرتاح لحد ما أرجعها.”
+
آسر (يحذر):
ــ “الموضوع مش سهل… نديم مش شخص عادي، ده عنده نفوذ وعلاقات ممكن تخليه يخفي الحقيقة بسهولة.”
+
أدهم (بتصميم):
ــ “أنا مش هخاف… لازم ألاقي طريقة أقرب منه.”
+
بدأ آسر البحث عن معلومات إضافية حول نديم وتحركاته الأخيرة، بينما أدهم يغلي داخله بمزيج من الغضب والأمل.
+
كان الليل قد أرخى ستاره عندما دخل أدهم غرفته في الفندق. ألقى معطفه على الأريكة وأغلق الباب خلفه بعنف. مشاعر مختلطة من الغضب والإحباط والخوف اجتاحت كيانه. جلس على حافة السرير، يحدق في الهاتف الموضوع على الطاولة بجانبه. فكرة واحدة لم تفارقه: كيف يمكن أن تكون ندى ما زالت على قيد الحياة ولم تصل إليه؟
+
أدهم (بصوت منخفض):
ــ “لو كان نديم هو اللي لقى ندى، فمفيش شك إنه هياخدها لأقرب مستشفى فورًا… ما أعتقدش إنه كان هيخليها في الحالة دي من غير ما يعالجها.”
+
نهض سريعا ليلتقط هاتفه و يتصل بآسر الذي كان في الغرفة المجاورة له و حين أجابه طلب منه الاستعداد للنزول و البحث في المستشفيات المحيطة بموقع الحادث..
حياه آسر على ذكائه ثم استقلا السيارة و انطلقا..
أثناء القيادة تحدث أدهم بجدية:
ـــ معتقدش ان نديم بالغباء اللي يخليه ياخدها على مستشفى حكومي..
هز آسر رأسه مؤيدا:
ـــ فعلاً…من ناحية هو اصلا مقتدر ماديا و مش هتفرق معاه تكاليف المستشفى..و من ناحية تانية هيقدر يتحكم في هوية الضحية بفلوسه اللي هيدفعها..
ضغط أدهم بقوة على تارة القيادة و هو يغلي من الغضب من ذلك الرجل الذي كان سببا في فقدان قطعة من قلبه و غيابها عنه لأكثر من عامين ذاق فيهما ويلات الفراق..
أخذا يتجولان بالمدينة مستهلين بحثهما بالمستشفيات الاستثمارية..
+
وصل أدهم وآسر إلى المستشفى الثالثة في جولتهما الليلية. كانت واجهتها اللامعة تعكس الأضواء الخافتة للشوارع المحيطة. وقف أدهم بجانب السيارة للحظة، يلتقط أنفاسه، ثم أشار إلى آسر بالدخول.
+
آسر (وهو يلقي نظرة على المبنى):
ــ “واضح إنها مستشفى من النوع اللي ممكن نديم يستخدمه… تجهيزات على أعلى مستوى، وأكيد خصوصية مضمونة.”
+
أدهم (بحزم):
ــ “مش هنخرج من هنا إلا وإحنا عارفين لو كانت ندى دخلت المكان ده ولا لأ.”
+
دخلا المستشفى بخطوات واثقة، متجهين إلى مكتب الاستقبال.
+
موظفة الاستقبال (بابتسامة رسمية):
ــ “مساء الخير….. أقدر أساعدكم؟”
+
أدهم (بصوت رسمي ونبرة جدية):
ــ “إحنا بنحقق في قضية حادثة حصلت من سنتين تقريبًا. كان في ضحية نقلت لمستشفى قريب من طريق القاهرة-الإسماعيلية، وعندنا أسباب تخليّنا نعتقد إنها كانت هنا. ممكن نشوف سجلات المرضى وقتها؟”
+
موظفة الاستقبال (بارتباك طفيف):
ــ “السجلات القديمة دي مش عندنا هنا في الاستقبال، محتاجين تصريح من الإدارة الأول.”
+
آسر (بنبرة هادئة ولكن حازمة):
ــ “طيب ممكن تقولي مين المسؤول عن الإدارة دلوقتي؟ الموضوع ده مهم جدًا، واحنا مش هنتأخر.”
+
موظفة الاستقبال (بعد تردد):
ــ “مدير المستشفى الدكتور شاكر… لكن غالبًا هو مشي من المكتب، تقدروا تتواصلوا معاه بكره الصبح.”
+
أدهم (بحزم):
ــ “في أي مكان ممكن نلاقيه دلوقتي؟ الموضوع مش مستني للصبح.”
+
موظفة الاستقبال (بعد تفكير):
ــ “ممكن تلاقوه في مكتبه الخاص فوق… لكنه غالبًا بيكون مشغول في الوقت ده.”
+
أشار آسر إلى أدهم بالهدوء، ثم قال بابتسامة خفيفة:
ــ “شكراً ليكي. إحنا هنتصرف.”
+
—
+
طرقا الباب بقوة، فُتح بعد لحظات، ليظهر شاكر مرتديًا معطفه الطبي، وقد بدت عليه علامات الاستغراب.
+
شاكر (بتفاجؤ):
ــ “مساء الخير… أقدر أساعدكم؟”
+
أدهم (بجدية):
ــ “إحنا من الشرطة… أو تحديدًا معايا تحقيق شخصي. محتاجين معلومات عن حادثة حصلت من سنتين، وضحية اتنقلت للمستشفى هنا.”
+
شاكر (محاولًا التماسك):
ــ “أنا مش فاهم الموضوع بصراحة. إحنا عندنا سجلات كتير، بس… من سنتين؟ مش فاكر حاجة زي كده.”
+
آسر (يقاطع بهدوء):
ــ “الحادثة كانت كبيرة، بنت اسمها ندى، اتعرضت لإصابات خطيرة. لو حد زي نديم باشا، مثلاً، جابها هنا… أكيد تفتكر حاجة زي كده.”
+
ظهر توتر واضح على وجه شاكر، لكنه حاول التظاهر بالهدوء.
+
شاكر (بابتسامة مصطنعة):
ــ “بصراحة مش فاكر أي حاجة زي دي. يمكن السجلات تكون أوضح… أنا بس مش مسؤول عنها مباشرة.”
+
أدهم (بغضب مكبوت):
ــ “ما تحاولش تلعب علينا. إحنا عارفين إن المستشفى دي كانت الأقرب، وإن نديم كان لازم ينقلها هنا. لو كنت جزء من الموضوع، من الأفضل إنك تتكلم.”
+
شاكر (يتلعثم):
ــ “صدقوني، أنا ما عنديش أي معلومات. نديم باشا شخصية معروفة، لكن…”
+
آسر (يقاطعه بنبرة صارمة):
ــ “ما تضيعش وقتنا، دكتور شاكر. إحنا هنا عشان نعرف الحقيقة، ولو كنت متورط، يبقى هنتعامل معاك على إنك متهم. فاهمني؟”
+
شاكر (يتنهد أخيرًا):
ــ “طيب… طيب، خليني أوضح. فعلاً كان في حادثة، وكانت في بنت مجهولة الهوية، لكن نديم باشا هو اللي طلب ينقلها فورًا بعد ما استقرت حالتها.”
+
أدهم (بصوت مرتفع):
ــ “اتنقلت لفين؟ وليه ما قلتش حاجة قبل كده؟”
+
شاكر (محاولًا التبرير):
ــ “أنا كنت ملتزم بتعليمات نديم… قال إنها بنته، وإنه لازم ينقلها بسرعة لمكان آمن. ما كنتش أقدر أعارضه.”
+
آسر (بحدة):
ــ “نديم قال إنها بنته؟ طيب إحنا هنكشف كل حاجة. دلوقتي عايزين تفاصيل دقيقة عن اللي حصل هنا يوم الحادثة.”
+
—
+
قبل هذا الوقت بساعات قليلة..
+
خرجت ألارا من المنزل وركبت سيارتها. كانت تقود بلا هدف، تحاول استيعاب ما حدث. صوت نديم وكلماته يتردد في رأسها:
ــ “حياتك اللي معايا دلوقتي.”
+
بينما تقود، رأت لافتة كتب عليها “طريق الإسماعيلية – القاهرة”. شعرت بوخزة في صدرها، ذكرى ضبابية بدأت تلوح في الأفق. صوت انفجار… صرخة مكتومة… ثم الظلام.
+
همست لنفسها بصوت متقطع:
ــ “انا فاكرة اني كنت في مستشفى في الاسماعيليه بتعالج هناك بعد الحادثة.. ايوة بتاعت اونكل شاكر.. إيه اللي حصلي هناك؟…”
+
همست لنفسها مرة أخرى، لكن بصوت يحمل التحدي هذه المرة:
ــ “لو نديم مخبي حاجة، أنا لازم أعرفها… بنفسي.”
+
حولت وجهتها على الفور نحو تلك المستشفى بالاسماعيلية مستعينة بتطبيق خرائط جوجل..
+
وقفت ألارا أمام بوابة المستشفى، تتأمل المبنى الأبيض الشاهق بنوافذه الزجاجية النظيفة. قلبها يخفق بشدة، كأن خطواتها نحو الداخل تقودها إلى ماضيها المفقود. دخلت بتردد، نظراتها تبحث عن أي شيء مألوف، لكن كل شيء بدا غريبًا ومخيفًا.
+
اقتربت من موظفة الاستقبال التي بدت منشغلة بترتيب بعض الملفات.
+
ألارا (بصوت هادئ متردد):
ــ “لو سمحتي… ممكن أسأل عن سجلات مرضى قديمة؟ من سنتين تقريبًا.”
+
الموظفة (تنظر إليها باستغراب):
ــ “حضرتك قريبة حد كان بيتعالج هنا؟”
+
ألارا (تحاول التحكم في توترها):
ــ “أيوة… أنا كنت مريضة هنا، بس مش فاكرة تفاصيل. كنت… اتعرضت لحادثة كبيرة.”
+
الموظفة (بتفهم):
ــ “آه، طبعًا. بس محتاجة إذن من الإدارة علشان أقدر أطلع أي سجلات. تحبي أكلم مدير المستشفى؟”
+
ألارا (بسرعة):
ــ “لو ممكن… هيبقى أفضل.”
+
كان شاكر جالسًا في مكتبه، منهمكًا في مراجعة بعض الأوراق. بدا عليه التركيز الشديد حتى طرقت ألارا الباب بخفة ثم دخلت دون انتظار. رفع رأسه ببطء، وعيناه التقتا بها. تجمد للحظة، قبل أن يستعيد رباطة جأشه.
+
شاكر (مندهشًا):
ــ “ألارا؟ إيه اللي جابك هنا؟”
+
ألارا (بهدوء وعيون مثبّتة عليه):
ــ “كنت في المنطقة وافتكرت إني كنت هنا بعد الحادثة… حبيت أعدي وأشكرك.”
+
شاكر (يتنحنح):
ــ “أه مفيش داعي للشكر. ده واجبنا. اتفضلي، اقعدي.”
+
جلست ألارا على المقعد أمامه، لكن عينيها كانتا تراقبانه بدقة، ترصد كل حركة، كل تعبير.
+
ألارا (بهدوء مشوب بالتحدي):
ــ “عايزة أفتكر الفترة اللي قضيتها هنا. الصراحة في حاجات كتير مش واضحة بالنسبة لي.”
+
شاكر (يحاول التماسك):
ــ “طبيعي… حادثة زي دي ممكن تأثر على الذاكرة. مهمتك دلوقتي تكملي حياتك وما تركزيش على اللي فات.”
+
ألارا (بإصرار):
ــ “بس اللي فات جزء من حياتي. وأنا محتاجة أعرف كل التفاصيل… خصوصًا عن اللي حصل يوم ما وصلت هنا.”
+
بدأ شاكر يشعر بالارتباك، يعبث بالقلم في يده، ويتجنب النظر في عينيها مباشرة.
+
شاكر (بتردد):
ــ “ما أظنش في حاجة تستاهل… إحنا ركزنا على علاجك وإنقاذك، وده كان أهم حاجة.”
+
ألارا (تضغط عليه):
ــ “أكيد في سجلات أو تقارير طبية. ممكن أشوفها؟”
+
شاكر (بتوتر):
ــ “السجلات الطبية بتكون سرية. وإنتي عارفة قوانين المستشفيات.”
+
ألارا (بنبرة حادة):
ــ “أنا المريضة، والقوانين تتيح ليا الحق في الاطلاع على ملفي. مش كده؟”
+
تلعثم شاكر قليلًا، لكنه حاول التحايل على الموقف.
+
شاكر (بتصنع الهدوء):
ــ “أكيد… بس الملفات دي غالبًا ما بتفضلش عندنا لفترة طويلة. الحالات اللي بتتحول بعد كده لمستشفيات أو جهات أخرى، ملفاتها بتتنقل.”
+
ألارا (ترفع حاجبيها بدهشة مصطنعة):
ــ “مستشفى تاني؟ ما قالوش ليا إنهم نقلوني لأي مكان.”
+
بدأ شاكر يضغط على يديه بعصبية، لكنه حافظ على نبرة هادئة.
+
شاكر (بمراوغة):
ــ “أحيانًا الأمور دي بتكون سريعة جدًا… إحنا كنا مركزين على إنقاذ حياتك، مش التفاصيل الصغيرة.”
+
ألارا (تنظر له نظرة حادة):
ــ “تفاصيل صغيرة؟ حياتي مش تفاصيل صغيرة يا دكتور شاكر. لو في حاجة بتحاول تخبيها… أنا هعرفها بطريقة أو بأخرى.”
+
ارتبك شاكر أكثر، وتراجع في مقعده.
+
شاكر (محاولًا إنهاء النقاش):
ــ “ألارا، نصيحتي ليكي… ركزي على اللي جاي، مش اللي فات. أحيانًا الماضي مش بيجيب غير الألم.”
+
نهضت ألارا ببطء، لكنها لم ترفع عينيها عنه.
+
ألارا (بنبرة واثقة):
ــ “الألم مش بيخوفني. اللي بيخوفني هو الجهل. ولو كان في سر هنا… أنا هكتشفه، مهما كان التمن.”
+
غادرت الغرفة بخطوات ثابتة، تاركة شاكر في حالة من التوتر والقلق.
+
—
+
خرجت ألارا من مكتب شاكر بخطوات مرتبكة، تحاول استيعاب تهربه الواضح. أصداء حوارهما ما زالت تتردد في ذهنها، لكن لم يكن لديها الوقت للتفكير؛ إذ سمعت صوتًا مألوفًا يتردد خلفها في الممر. توقفت فجأة، وقلبها يخفق بشدة. التفتت لتجد أدهم وآسر يتحدثان مع إحدى الممرضات.
+
لم تستطع السيطرة على نفسها، وكأن شيئًا بداخلها دفعها للوقوف في مكانها.
لاحظ أدهم وجودها أولًا. انحبس أنفاسه للحظة، ثم اقترب منها بخطوات حذرة.
+
أدهم (بدهشة مشوبة بالترقب):
ــ “ألارا؟ إنتي بتعملي إيه هنا؟”
+
ألارا (تلتقط أنفاسها، وتحاول التظاهر بالهدوء):
ــ “أنا… كنت بدور على حاجة تخصني.”
+
رفع آسر حاجبه بشك واضح، بينما اقترب ليقف بجانب أدهم، يراقبها بعينيه الثاقبتين.
+
آسر (بنبرة شبه ساخرة):
ــ “بدوري على إيه بالظبط؟”
+
ألارا (تنقل نظرها بينهما، وترد بنبرة دفاعية):
ــ “ده مش شغلكم… أنا هنا لأسباب تخصني.”
+
أدهم (يتقدم نحوها خطوة، صوته يحمل مزيجًا من الحزم والقلق):
ــ “إنتي هنا لنفس السبب اللي إحنا فيه، صح؟ إنتي عايزة تعرفي الحقيقة.”
+
ظهر توتر واضح على وجهها. لم تجد الكلمات المناسبة، لكنها لم تنكر.
+
ألارا (بصوت متردد):
ــ “يمكن… يمكن مش عايزة أسمع الحقيقة من حد تاني. يمكن عايزة أكتشفها بنفسي.”
+
نظر أدهم إليها طويلًا، وكأنما يحاول أن يلتقط خيطًا مفقودًا في حديثها. ثم قال بنبرة أكثر هدوءًا ولكن أكثر حدة:
ــ “عارفة ليه إنتي هنا يا ألارا؟ لأنك من جواكي حاسة إنك مش ألارا… حاسة إنك ندى.”
+
ألارا (باندفاع، تقاطع حديثه):
ــ “أنا مش ندى!.. أنا ألارا، عشت حياتي في تركيا، عندي عيلة وذكريات.”
+
أدهم (بنبرة مفعمة بالتحدي):
ــ “ذكريات؟ وإيه الذكريات دي؟ بتفتكري أي حاجة قبل الحادثة؟ قبل ما تصحي وتلاقي نفسك هناك؟”
+
تراجعت خطوة للخلف، وهي تفتح فمها لترد، لكنها توقفت. الكلمات خانتها، وصراع داخلي بدأ يظهر على ملامحها.
+
ألارا (بصوت مكسور):
ــ “مش مهم… حتى لو ما افتكرتش، مش معناها إني ندى. ليه مصمم تخليني أعيش حياة مش حياتي؟”
+
أدهم (يقترب منها أكثر، صوته يرتعش بشدة):
ــ “لأنك حياتي… لأنك ندى مراتي اللي فقدتها، واللي لحد النهارده قلبي بيرفض يصدق إنها راحت. إنتي مش مجرد شخص تاه… إنتي ندى، ورجعتِيلي بعد سنين من العذاب”
+
ألارا (ترتجف، لكن الغضب يغلب على صوتها):
ــ “ولو كنت ندى، زي ما بتقول… ليه مفيش حد حكى لي؟ ليه مفيش دليل واضح؟ ليه كل حاجة مخفية عني؟”
+
آسر (يتدخل لأول مرة، بنبرة هادئة لكنها مباشرة):
ــ “لأن اللي أخدك، اللي ادّاكِي حياة جديدة، هو اللي قرر يخبي الحقيقة. نديم عنده مصلحة كبيرة في إنه يخلي ندى تفضل ميتة… ونعيش كلنا في كذبة كبيرة.”
+
نظرت ألارا إلى آسر، ثم إلى أدهم، بعينين تمتلئان بالحيرة والغضب.
+
ألارا (بصوت متقطع):
ــ “حتى لو… حتى لو كنت ندى… ما حدش عنده الحق يتحكم في حياتي. أنا اللي لازم أقرر… لازم أعرف بنفسي.”
+
أدهم (يحاول الإمساك بذراعها، لكن بحذر):
ــ “مش لوحدك يا ندى.. أنا هنا، وهنعرف الحقيقة مع بعض.”
+
ألارا (تسحب يدها سريعًا، بنبرة قاطعة):
ــ “مش معاك، مش تاني. أنا هكتشف كل حاجة لوحدي. لو كنت ندى فعلًا… يبقى لازم أعرف ده بطريقتي، مش بأسلوبك.”
+
استدارت بسرعة، تمشي مبتعدة عنهما، تاركة أدهم يقف في مكانه، يشعر وكأنها تبتعد عنه مجددًا، مثلما فقدها في المرة الأولى.
+
آسر (يضع يده على كتف أدهم، يحاول تهدئته):
ــ “سيبها دلوقتي يا أدهم. هي محتاجة وقت… وصدقني، كل الطرق هتجمعكم على نفس الحقيقة.”
+
أدهم (بصوت مكسور):
ــ “بس المرة دي مش هسيبها تروح بعيد… مش هسيبها تضيع مني تاني.”
+
يتبع…
- لقراءة باقي قصول الرواية اضغط على (رواية مهمة زواج)
لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها
أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)