روايات

رواية مهمة زواج الفصل الثالث والخمسون 53 بقلم دعاء فؤاد

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

رواية مهمة زواج الفصل الثالث والخمسون 53 بقلم دعاء فؤاد

 

 

 

البارت الثالث والخمسون

 

 

 

ساد الصمت في الغرفة لبرهة، صوت تنفسهما فقط يتردد في الأرجاء. فجأة، صدح صوت الأذان في أجواء الفجر، هادئًا عذبًا، كأنه يعلن عن بداية جديدة.

+

أدهم (بصوت خافت وحازم في الوقت ذاته):
ــ “كفاية بُكى يا ندى… تعالي، خلينا نصلي.”

+

نظرت إليه بدهشة، مشاعر مختلطة غزت ملامحها. بدا الأذان وكأنه يوقظ شيئًا دفينًا في داخلها، كأنه يناديها شخصيًا.

+

ندى (بهمس مرتبك):
ــ “مش عارفة… مش قادرة… حاسة إني بعيدة أوي.”

+

أدهم (يمسك يدها برفق):
ــ “وأنا هنا عشان أرجعك… خطوة بخطوة، زي ما قلنا. ربنا دايمًا فاتح بابه للي يرجع، ومهما كانت المسافة… المهم إنك تبدأي.”

+

نهض أدهم، ومد يده ليعينها على القيام. لم تقاوم، وكأن رغبة دفينة دفعتها للنهوض. سار بها نحو الحمام، وشرح لها بهدوء خطوات الوضوء وكأنه يعيد إليها ما نسيت. رغم ارتباكها، شعرت بطمأنينة غريبة وهي تتبعه.

+

بعد أن أنهيا الوضوء، ناولها إسدال صلاة أبيض ناصع كان ضمن مقتنياتها القديمة، والذي احتفظ به أدهم طوال غيابها. حملته بين يديها وكأنها تحمل جزءًا من روحها المفقودة.

+

ارتدت الإسدال، ثم وقفت خلفه بتردد واضح، لكن أدهم ألقى نظرة إليها بابتسامة مشجعة.

+

أدهم (بصوت مطمئن):
ــ “ما تخافيش… إحنا مع بعض.”

+

رفع يديه مكبرًا للصلاة، وبدأ بتلاوة آيات الفاتحة بصوت خاشع، عميق. كلمات القرآن ترددت في الغرفة وكأنها تعانقها، تطهر روحها، وتعيد وصلها بخالقها.

+

لم تستطع ندى مقاومة دموعها. خرت دموع الندم والاشتياق والفرح على وجنتيها. بين ركوع وسجود، وجدت نفسها تبكي بحرقة، أحيانًا لشعورها بالذنب لتركها الصلاة لفترة طويلة، وأحيانًا أخرى من فرط الخشوع الذي لم تعهده منذ زمن.

+

في السجدة الأخيرة، استسلمت تمامًا، وهمست بصوت متقطع:
ــ “يا رب… سامحني… رجّعني ليك… أنا محتاجة أكون قريبة منك.”

+

انتهت الصلاة، والتفت إليها أدهم، محاولًا أن يتمالك مشاعره، لكن عينيه غلبته وامتلأتا بالدموع. جلس بجانبها ومد يده نحوها، ليأخذها في حضنه.

+

ندى (بين شهقات البكاء):
ــ “كنت بعيدة… أوي… حاسة إني ضايعة… مش عارفة أنا مين… ولا عارفة أبدأ منين.”

+

أدهم (يضمها إليه بقوة، بنبرة تفيض بالحنان):
ــ “إنتي ندى… وإنتي عمري… وإحنا هنبدأ سوا. مفيش حاجة تضيعك وأنا معاكي.”

+

بكت في حضنه بصوت مسموع، بينما هو بكى بصمت، كأنه يحاول أن يشاركها مشاعرها دون أن يزيد من ضعفها. كان مزيجًا من الفرح لعودتها، والتأثر برؤية انكسارها وتحولها إلى ما كانت عليه يومًا.

+

بهدوء، تمددت على الفراش بجواره، ما زالت تختبئ في حضنه، تبحث عن دفء الأمان الذي افتقدته طويلًا. أحاطها بذراعيه، كأنه يخبئها من العالم كله.

لم تمر دقائق حتى غرقت في النوم بين ذراعيه، بينما ظل هو للحظات يتأملها، مستعيدًا كل لحظة غياب، وكل ألم فراق. أخيرًا، أغمض عينيه وترك الليل القاسي خلفه، لينام بجوارها في سكينة لم يعهدها منذ سنوات.

+

ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ

+

كان مروان يجلس على الشاطئ في المنتجع السياحي الخاص به بالبحر الأحمر، مستمتعًا بنسمات الهواء ومشاهد المياه الزرقاء. صوت هاتفه قطع لحظة الهدوء، فأجاب بكسل، لكنه انتفض جالسًا فور سماعه الخبر:

+

ــ “إيه؟! عمي نديم اتقبض عليه؟!”

+

أنهى المكالمة بسرعة، رتب أغراضه، وانطلق نحو القاهرة. طوال الطريق، كان عقله مشوشًا، غارقًا في التساؤلات حول ما يمكن أن يكون السبب وراء اعتقال عمه، الرجل الذي طالما بدا واثقًا ومسيطرًا.

+

[داخل النيابة، غرفة التحقيق]

+

جلس مروان أمام نديم في غرفة صغيرة مُغلقة. نديم بدا مُرهقًا، وجهه شاحب، لكن نظراته ما زالت محتفظة ببعض من عناده القديم.

+

مروان (بصوت غاضب وممتزج بالحيرة):
ــ “إيه اللي عملته؟ ليه النيابة مسكتك؟!”

+

نديم (بتنهيدة ثقيلة):
ــ مروان فيه حاجات حصلت زمان، وما كنتش متوقع إنها ترجع تطاردني بالطريقة دي.”

+

مروان (بحدة):
ــ “ما تلفش وتدور! أنا سمعت إن الموضوع ليه علاقة بألارا… أو ندى، أياً كان اسمها! إزاي تعمل حاجة زي دي؟ تخدع الكل وتخبي علينا إن ألارا ماتت؟!”

+

نديم (بصوت مبحوح، مليء بالأسى):
ــ “ما كانش عندي اختيار. كنت شايف كل حاجة بتنهار حواليّا… بعد ما ألارا ماتت، حسيت إني فقدت كل حاجة… لما لقيت ندى في الحادثة، كانت فرصتي الوحيدة إني أعوّض اللي خسرته.”

+

مروان (يصيح بغضب):
ــ “تعوّض؟ تعوّض بإيه؟! تسرق حياة واحدة عشان تخلّيها بديلة؟ ده مش تعويض، ده جنون!”

+

نديم (بصوت منخفض، كأنه يحاول الدفاع عن نفسه):
ــ “أنت ما كنتش فاهم.. كنت لوحدي… حتى أبوك، ما كنش هيصدقني ولا يدعمني. كنت خايف على الورث، خايف من كل حاجة تنهار.”

+

مروان (مندهشًا):
ــ “وأبويا؟ ليه خبيت عليه؟ ليه خبيت علينا كلنا؟!”

+

نديم (بصوت مختنق):
ــ “أبوك كان بيستغلني طول عمري، وكل اللي كان فارق معاه هو الميراث. كنت عارف إنه لو عرف الحقيقة، هيستغل الموقف ضدي. كنت بحاول أحمي نفسي وأحمي كل حاجة كنت بملكها.”

+

صمت مروان للحظات، ينظر إلى عمه بتعبير خليط بين الشفقة والاشمئزاز.

+

مروان (بصوت هادئ لكنه حازم):
ــ “بصراحة يا عمي… أنا مش قادر ألاقي مبرر للي عملته. حتى لو كنت خايف أو حاسس بالوحدة، ده مش يدّيك الحق تدمر حياة بنت زي ندى.”

+

 

 

 

نديم (بتوسل):
ــ “مروان، أنا غلطت… بس كنت بحاول أعيش، أحافظ على اللي باقي.”

+

مروان (ينهض من مكانه، ناظرًا إليه نظرة أخيرة):
ــ “مش قادر أتعاطف معاك، بصراحة. إنت اخترت الطريق ده بنفسك، ولازم تتحمل نتيجته.”

+

خرج مروان من الغرفة، شعور بالخذلان يثقل خطواته. ربما كان يتوقع إجابات تُبرر ما حدث، لكنه أدرك الآن أن عمه لم يكن سوى رجل ارتكب أخطاء جسيمة، وتركها تُفسد كل شيء.

+

ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ

+

جلس مروان أمام معتصم في مكتبه، بعد أن تلقى دعوة مفاجئة منه للحضور. بدا مروان مُتعبًا، ربما بسبب الأحداث الأخيرة التي هزت كيانه. معتصم، على الجانب الآخر، كان يجلس بهدوء، يراقب مروان باهتمام قبل أن يكسر الصمت.

+

معتصم (بصوت جاد):
ــ “مروان، في حاجة لازم أفهمها… إزاي ما شكّتش في إن ألارا مش بنت عمك؟ يعني إنت كنت قريب منه طول الفترة دي، ومع ذلك ما لاحظتش حاجة؟”

+

مروان (بهدوء، وكأنه يحاول استرجاع الماضي):
ــ “بصراحة يا معتصم، الموضوع ليه جذور قديمة. أنا ما كنتش أعرف ألارا كويس وهي صغيرة. آخر مرة شفتها كانت لما كانت عندها 8 سنين، وبعدين عمي سافر معاها لتركيا، ومن يومها ما شفتهاش.”

+

معتصم (مندهشًا):
ــ “طب يعني إيه اللي كنت فاكره عنها؟ مفيش حاجة في ملامحها أو تصرفاتها خلتك تحس إن دي مش بنت عمك؟”

+

مروان (بصوت متأثر):
ــ “كل اللي كنت فاكره عن ألارا إنها كانت بنت جميلة جدًا، وكان لون عينيها أخضر. بس ده كل حاجة تقريبًا. بعد كده، عمي نديم انشغل في حياته في تركيا، وما كناش بنشوفهم خالص.”

+

معتصم (ينظر إليه بشك):
ــ “بس أكيد لما شفتها بعد كده، كان لازم تحس بحاجة غلط. يعني إنت قابلتها إمتى بعد غياب السنين دي كلها؟”

+

مروان (يتنهد):
ــ “قابلتها من حوالي 6 شهور لما أنا وأبويا وأمي وأختي رحنا نزور عمي في تركيا. وقتها كان كل حاجة تبدو طبيعية… ألارا كانت موجودة، بس كنت حاسس إنها تغيرت كتير. فكرت إن ده طبيعي بسبب السنين اللي عدت، وإنها كبرت واتغيرت.”

+

معتصم (بصوت يشوبه الاندهاش):
ــ “طب وبعدين؟ لما أبوك وأمك رجعوا أمريكا، ليه فضلت إنت في تركيا مع عمك؟”

+

مروان (بنبرة هادئة):
ــ “كان عمي بيضغط عليا عشان أساعده في شغله هناك، وأنا كنت شايف إنها فرصة كويسة لحد ما الأمور استقرت… كنت معاه في تركيا لحد ما رجعنا سوا، وده كان أول مرة أقابلك فيها في القرية السياحية.”

+

معتصم (يُفكر بصوت عالٍ):
ــ “يعني طول الفترة دي كنت قريب منه، ومع ذلك معرفتش إن ألارا دي مش بنت عمك؟ مش قادر أستوعب الموضوع بصراحة.”

+

مروان (بصوت مليء بالندم):
ــ “عارف إن الموضوع صعب يتفهم. بس نديم كان دايمًا شخص بيحب يسيطر، وكان بيوهمنا إنه دايمًا عنده إجابات لكل حاجة. عمري ما فكرت إنه ممكن يعمل حاجة زي دي… يحوّل حياة بنت تانية لبديلة لبنته.”

+

 

معتصم (يُحدق فيه بنظرات حادة):
ــ “نديم كان مكار جدًا، بس ده ما يبررش إنك ما لاحظتش حاجة. كل اللي أقدر أقوله… إن الحقيقة دي صدمتنا كلنا.”

+

ساد الصمت لوهلة، قبل أن يتنهد مروان، كأنه يحاول طرد ثقل الذكريات من على صدره.

+

مروان (بصوت منخفض):
ــ “أنا كمان مصدوم، ومش عارف أتعامل مع اللي حصل. بس اللي واضح… إن عمي لازم يتحمل مسؤولية اللي عمله، حتى لو ده معناه نهايته.”

+

معتصم (بنبرة قاطعة):
ــ “وأنا كمان متأكد إن العدالة لازم تاخد مجراها… مهما كانت الظروف.”

+

نظر كلاهما لبعضهما في صمت، وكأنهما يقرران طي صفحة من الماضي والمضي قدمًا لمواجهة ما هو قادم.

+

ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ

+

كان الصباح قد بدأ بالكاد يُرسل خيوطه الباهتة عبر الستائر نصف المغلقة، والهدوء يسيطر على المكان. فتحت ندى عينيها بتثاقل، فوجدت نفسها محاطة بدفء مألوف، لتُدرك أن أدهم كان مستلقيًا بجانبها، مستندًا بظهره إلى الوسادة، وعيناه مغمضتان كما لو كان يحاول أن يهرب من كل شيء.

+

حاولت ألا تُحدث ضجة وهي تتحرك، لكن صوت حفيف الغطاء جعل أدهم يفتح عينيه ببطء. التقت نظراتهما في تلك اللحظة، وكان في عينيه حزن ممتزج بشوق لا يمكن وصفه. حاولت أن تدير وجهها بعيدًا، لكنها لم تستطع مقاومة تلك القوة المغناطيسية التي سحبتها إليه.

+

قال بصوت خافت وهو يراقبها:
ــ “صباح الخير… نمتي كويس؟”

+

لم تجبه في البداية، بل أطرقت برأسها وهي تفرك يديها بتوتر. شعرت بارتباك يتصاعد داخلها كالنار، لكنها في الوقت نفسه لم تملك سوى أن تُحدق في ملامحه. بدا مُرهقًا ولكنه جميل بطريقة لم تستطع تجاهلها.

+

ــ “ندى…” ناداها بصوت مليء بالرجاء، فأجابت دون أن تنظر إليه:
ــ “صباح الخير.”

+

ابتسم قليلاً، ثم جلس بجانبها، ليصبح قريبًا جدًا. رأت في عينيه ذلك الوهج الذي كان يثيرها دومًا، وجعل نبضاتها تتسارع كأنها تُعيد اكتشاف مشاعرها له.

+

مد يده ببطء وأمسك بيدها، شعر ببرودتها فضمها بين يديه قائلاً بصوت ناعم:
ــ “بردانة؟”

+

هزت رأسها بالنفي دون أن تنطق، لكن قبضتها استجابت دون وعي لتتداخل مع أصابعه. شعرت بتلك اللمسة وكأنها تحمل شحنة كهربائية، فانتفضت قليلاً لكنه لم يُفلتها. على العكس، اقترب أكثر حتى أصبح بإمكانها سماع نبضاته.

+

همس بصوت مفعم بالشوق:
ــ “اشتقتلك، اشتقت لكل حاجة فيكي… لصوتك، لنظراتك، حتى للزعل اللي كان بيملى عيونك لما كنت أزعلك.”

+

كانت تُحاول جاهدة أن تُحافظ على صلابتها، لكن كلماته اخترقت دفاعاتها. رفعت عينيها إليه أخيرًا، ووجدت نفسها مُحاصرة بتلك النظرات التي كانت تذيب قلبها دائمًا.

+

 

ــ “أدهم… مش سهل نرجع زي الأول…”

+

قاطعتها برفق:
ــ “مش عايز نرجع زي الأول، عايز نبدأ من جديد… من النقطة اللي فيها إحنا الاتنين بنعرف قلوبنا أكتر من أي وقت فات.”

+

أخذ يدها ورفعها إلى شفتيه، ثم قبّلها قبلة طويلة دافئة. شعرت وكأنه يُحاول أن يُعيد كل الذكريات التي كانت تربط بينهما. كان شيئًا بداخلها يصرخ بأن تتوقف، لكن شيئًا أقوى دفعها لأن تبقى حيث هي.

+

اقترب منها أكثر حتى كادت أنفاسه تلامس وجنتها، ثم همس بنبرة أقرب ما تكون إلى الرجاء:
ــ “قوليلي إنك لسه بتحبيني، حتى لو شوية صغيرين.. قوليلي.”

+

بصوت خافت بالكاد خرج من بين شفتيها، قالت:
ــ “لسه بحبك…”

+

لم ينتظر أكثر، اقترب منها بحنان واحتضنها بين ذراعيه كما لو كان يخشى أن تفلت منه مرة أخرى. شعرت بنبضه السريع، ودفء ذراعيه يغمرها. لأول مرة منذ وقت طويل، شعرت بالأمان… شعرت أنها في مكانها الصحيح.

+

لم تتحرك، لم تُقاوم، بل استسلمت لذلك الحنين الذي بدأ يغزو قلبها، وأغمضت عينيها، لتعيش اللحظة بكل تفاصيلها.

+

بعد دقائق قليلة انتبهت على صوت همسات وضحكات خافتة تتسلل من خارج الغرفة. فتحت عينيها ببطء، ليبتسم لها بحنان.

+

أدهم (بصوت دافئ):
ـــ ” الكل مستني يشوفك.”

+

ابتسمت بخجل، وشعرت بدفء يغمر قلبها. نهضت بتردد، ارتدت فستان قطني بأكمام و لاول مرة منذ عامين تهتم بتغطية شعرها…
وما إن فتحت باب الغرفة حتى استقبلتها ريم بقفزة فرح، تحتضنها بقوة.

+

ريم (بحماس): “ندى! وحشتينا قوي! مش مصدقة إنك انتي ندى فعلاً…مش مصدقه انك رجعتي.”

+

تيسير، والدة أدهم، كانت تقف خلف ريم، وعيناها تلمعان بالدموع. اقتربت واحتضنت ندى بحنان الأم، وهمست في أذنها:

+

تيسير:
ـــ “الحمد لله على سلامتك يا بنتي. البيت نور برجوعك.”

+

شعرت ندى بمشاعر مختلطة بين الفرح والارتباك، لكن دفء الاستقبال خفف من توترها. في هذه الأثناء، رن هاتف أدهم. نظر إلى الشاشة وابتسم.

+

أدهم: “دي روان… عايزة تشوفك.”

+

بعد دقائق، وصلت روان بصحبة زوجها محمود وابنتهما الصغيرة ندى. عندما رأت ندى الكبيرة الطفلة تحمل اسمها، اغرورقت عيناها بالدموع. انحنت لتحتضن الصغيرة، وشعرت بدفء العائلة يحيط بها.

+

روان (مبتسمة): “سميناها ندى عشان دايمًا كنتي في بالنا. الحمد لله إنك رجعتي بالسلامة.”

+

في هذه اللحظة، دخلت وفاء، الخادمة الوفية، ووجهها يضيء بالفرح.

+

وفاء: “لازم نعمل غدا فاخر النهارده. دي مناسبة سعيدة لازم نحتفل بيها.”

+

ابتسم الجميع ووافقوا بحماس. أدهم اتصل بآسر ومعتصم، ودعاهم للانضمام إلى الاحتفال.

+

 

أدهم: “النهارده يوم مميز. لازم نكون كلنا مع بعض.”

+

مع مرور الوقت، امتلأ البيت بالضحكات والأحاديث. لاحظت ندى نظرات متبادلة بين ريم ومعتصم، وشعرت بأن هناك شيئًا يتطور بينهما.

+

ندى أخذت ريم في ركن بعيد عن الحضور ثم سألتها بابتسامة خفيفة:
ـــ “ريم، في حاجة عايزة تقوليها؟”

+

احمر وجه ريم بخجل، ونظرت إلى الأرض.

+

ريم: “مش عارفة أقول إيه… بس يمكن… يمكن يكون في حاجة عايزة ترجع”

+

ضحكت ندى برقة، وربتت على يد ريم.

+

ندى:
ـــ “أه أخدت بالي لما دخلنا عليكم في مكتب أدهم.. خدي وقتك، وكل حاجة هتكون تمام.”

+

في هذه الأثناء، كان أدهم يراقب ندى من بعيد، وعيناه تملؤهما السعادة. شعر بأن العائلة تجتمع من جديد، وأن الحب يملأ الأجواء.

+

أدهم (في نفسه): “الحمد لله… ندى رجعت، وكل حاجة بتتحسن.”

+

مع اقتراب وقت الغداء، اجتمع الجميع حول المائدة، والأحاديث تتناثر بين الضيوف. كانت ندى تشعر بالامتنان لوجودها بين أحبائها، وبدأت تستعيد ثقتها بنفسها وبمكانها بينهم.

+

آسر (رافعًا كأس العصير): “لنشرب نخب عودة ندى، ولمّ الشمل من جديد.”

+

رفع الجميع كؤوسهم، والابتسامات تزين وجوههم. في هذه اللحظة، شعرت ندى بأنها ليست وحدها، وأنها محاطة بعائلة تحبها وتدعمها.

+

ندى (بهمس لنفسها): “أنا فعلاً محظوظة… الحمد لله.”

+

استمر الاحتفال حتى المساء، والأجواء مليئة بالحب والدفء. كانت هذه البداية الجديدة لندى، والتي ربما تقودها لاستعادة ذاكرتها وبناء مستقبل مشرق مع أدهم وعائلتها.

+

+

في وقت لاحق من اليوم، بعد انتهاء الاحتفال، كانت ريم جالسة في الحديقة الخلفية للمنزل، تمسك بفنجان من القهوة. الجو هادئ، والإضاءة الخافتة من المصابيح حولها تضفي دفئًا خاصًا.

+

اقترب معتصم بخطوات واثقة، لكنه توقف على مسافة قصيرة، يتأملها للحظة.

+

انتبهت له فأدارت رأسها ناحيته ثم قالت بنبرة جادة تحاول أن تستشف صدقه:
ــ “كنت فاكرة إنّي لو قابلتك تاني، هقولك إني مش قادرة أسامحك على اللي حصل زمان… لكن، الحقيقة، أنا مش قادرة أنكر إنك كنت كل حاجة بالنسبالي.”

+

ملامح معتصم تتحول تدريجيًا، بين الأمل والتوتر.

+

ــ “ريم… أنا مستعد أعمل أي حاجة عشان أثبت لك إني اتغيرت… وأني مش هسمح لأي حاجة إنها تأذيكي تاني.”

+

تتنهد ريم، تحاول ترتيب أفكارها، ثم تنظر إلى عينيه بثبات.

+

ــ “أنا محتاجة أعرف حاجة واحدة، إيه اللي خلاك تتغير؟ ليه بعد كل اللي حصل، لسة مصرّ ترجعني لحياتك؟”

+

 

يتردد معتصم للحظة، لكنه يأخذ نفسًا عميقًا ويبدأ الحديث.

+

ــ “لأنك كنتي الحاجة الوحيدة اللي حقيقي أثرت فيا… مشاعري ناحيتك عمرها ما كانت مجرد لحظة… كانت حياة كاملة حسيت إني ضيّعتها بغبائي.”

+

تخفض ريم رأسها، تتذكر لحظات الماضي بتفاصيلها، ثم تعود بنظرها إليه.

+

ــ “أنا لسة محتاجة وقت يا معتصم… مش عشان أشوف إذا كنت بحبك، لأن الحقيقة أنا عارفة الجواب… لكن عشان أتأكد إنك هتقدر تخلي الحب ده يكمل.”

+

يقف معتصم ببطء، يقترب خطوة واحدة فقط، محاولًا عدم الضغط عليها.

+

معتصم (بهدوء):
ــ “هديكي كل الوقت اللي تحتاجيه… بس أرجوكي، خليكي جنبي… حتى لو خطوة بخطوة.”

+

تشعر ريم بأنفاسها تتسارع، لكنها تأخذ خطوة صغيرة نحو الأمام، ثم تهمس.

+

ريم:
ــ “أنا مش عارفة أقاومك أكتر من كدا، لكن خلينا نحط حدود واضحة، مش عايزة أندم تاني.”

+

ينظر إليها معتصم بعينين مليئتين بالامتنان.

+

معتصم (بصوت خافت):
ــ “مش هتندمي يا ريم… وعد.”

+

يتبادلان نظرات طويلة، يعيد كل منهما حساباته بصمت، قبل أن يقطع الصوت الصمت بينهما.

+

ــ “هتفضل مستني الوقت اللي أطلبه؟”

+

معتصم (بنبرة واثقة):
ــ “حتى لو كان العمر كله.”

+

تظهر ابتسامة صغيرة على وجه ريم، كأنها بداية جديدة بينهما. ينسدل المشهد على ظلّيهما وهما يسيران بجانب بعضهما، خطوة بخطوة، نحو طريق طويل مليء بالاحتمالات.

+

بعد سكوت طويل قطعه معتصم (بنبرة عفوية):

+

ــ “القهوة دي ليها سحر خاص في الليل.”

+

التفتت ريم إليه، ابتسمت بخفة، لكنها لم ترد. اقترب وجلس على الكرسي المقابل لها.

+

معتصم (بابتسامة دافئة):
ــ “واضح إنك بتحبي الأماكن الهادية زيي. دايمًا كنتي بتلاقيني في الاسطبل لما بفكر.”
ثم غمز بعينه و هو يقول:
ــ “فاكرة؟!”

+

اومأت برأسها و هي تبتسم لتلك الذكرى ثم قالت(بهدوء):
ــ “الهدوء ساعات بيكون أكتر حاجة محتاجها الواحد… عشان يسمع صوته.”
صمت معتصم للحظة، ثم قال بصوت منخفض يحمل مشاعر دفينة.

+

ــ “وأوقات كتير… الواحد بيحتاج يسمع صوت حد تاني.”

+

رفعت عينيها إليه، شعرت بعمق كلماته، لكنها لم تكن واثقة إن كانت جاهزة للرد.

+

ــ “إنتَ كنت صبور معايا بشكل ما كنتش أتوقعه.”

+

معتصم (بنبرة صادقة):
ــ “لأنك تستاهلي يا ريم. وعمري ما فكرت غير إنك تستحقي حد يحبك من قلبه… ويتقبل كل اللي عديتي بيه.”

+

 

ابتسمت ريم بخجل، لكنها لم تستطع إخفاء أثر كلماته في قلبها. وضعت فنجانها جانبًا، ونظرت إليه مباشرة.
ريم:
ــ “يمكن… يمكن أكون مستعدة أدي لنفسي فرصة. بس خطوة خطوة… مفيش استعجال.”

+

أشرق وجه معتصم بابتسامة صادقة، وحاول أن يخفي حماسه.
معتصم (بهدوء):
ــ “خطوة خطوة… وأنا معاكي في كل خطوة.”

+

ساد بينهما صمت مريح، كأن الكلمات لم تعد ضرورية. شعرت ريم بأنها ربما وجدت بداية جديدة، بينما معتصم كان يعلم أن الصبر والاهتمام هما مفتاح قلبها.

+

+

في صباح اليوم التالي..
قرر معتصم زيارة أدهم في منزله ليفتح معه موضوع عودة ريم اليه بعدما ترك أدهم خبرا في شركته بانقطاعه عدة أيام..ربما ليستجم مع زوجته العائدة..

+

كانت ريم تسير في حديقة المنزل تتأمل الأزهار بينما تحمل كوبًا من الشاي في حين عبر معتصم من البوابة الكبيرة للمنزل وعيناه تتابعان خطواتها.

+

معتصم (بنبرة مرحة):
ــ “أخبار الورد إيه؟ مستمتع بصحبتك أكتر مني، على ما أظن.”
ابتسمت ريم بخجل، توقفت ونظرت إليه.
ريم:
ــ “يمكن علشان الورد مابيضغطش على حد… بيسيب كل حاجة على طبيعتها.”

+

ضحك معتصم بخفة، ثم وقف وتوجه نحوها.

+

ــ “وأنا ماضغطتش… يمكن كنت مستني زي الورد، مستني الشمس تطلع وتبهرني أكتر.”

+

شعرت ريم بخجل أكبر، لكنها لم تستطع إخفاء شعور الدفء الذي بدأ يتسلل إلى قلبها. رفعت عينيها إليه وأجابت بنبرة صادقة.

+

ــ “مش عارفة أشرحلك ازاي… بس يمكن لأول مرة من فترة طويلة، حاسة إني مش خايفة من بكرة.”

+

ابتسم معتصم بفرح حقيقي، شعر أن جزءًا من الجدار الذي كان يفصل بينهما بدأ يتلاشى.
معتصم (بحماس):
ــ “دي أكتر حاجة بتمناها، إنك تحسي بالأمان… ونعيد الأيام اللي كانت بينا.”

+

أحنت ريم رأسها قليلًا، شعرت بالارتياح والحنين في كلماته. مد معتصم يده بلطف، كأنه يعرض عليها دعمًا معنويًا.
ــ “ريم… مش لازم تقولي حاجة دلوقتي. بس لو فعلاً حاسة إنك مستعدة، أنا عايز آخد خطوة جدية.”

+

رفعت ريم عينيها إليه، نظرة مليئة بالثقة التي بدأت تعود إليها.
ريم (بابتسامة خفيفة):
ــ “خد الخطوة اللي تحس إنها صح… يمكن يكون ده الوقت المناسب.”

+

لم يصدق معتصم ما سمعه، لكن نظرته إليها كانت ممتلئة بالامتنان والسعادة. أخذ نفسًا عميقًا ثم قال بحزم.
ــ “هكلم أدهم… عايز أكون صادق معاكي ومعاه. وجوده مهم، ولازم يعرف.”

+

ابتسمت ريم ووافقت بصمت، بينما كانت تشعر أن قرار معتصم يعكس جدية العلاقة التي بدأت تعود بينهما.

+


تركها على مضض و توجه ناحية المصعد استقله ليصل للشقة، استقبله أدهم و جلسا سويا بغرفة الصالون، الجو جدي لكنه ودود.

+

معتصم (بثقة):
ــ “أدهم، أنا محتاج أتكلم معاك في حاجة مهمة… بخصوص ريم.”

+

أدهم (بفضول):
ــ “خير؟ في حاجة حصلت؟”

+

معتصم (بصوت جاد):
ــ “ريم… رجعت خطوة ناحيتي.. وأنا مش عايز أي حاجة تكون على حساب راحتها.. عشان كده جاي أقولك… أنا عايزها ترجع لحياتي، لكن بالطريقة اللي هي تكون مرتاحة فيها.”

+

استدار أدهم بحدة، عينيه مليئتان بالغضب المكبوت.
أدهم (بصوت صارم):
ــ “رجوعك لريم؟ أنت نسيت الكذبة اللي عيشتها في الأول؟ نسيت لما اتجوزت في السر وما قلتش؟ دلوقتي جاي تطلب إني أثق فيك تاني؟”

+

معتصم ينظر إلى الأرض لبرهة، يأخذ نفسًا عميقًا قبل أن يرفع رأسه.
ــ “ما نسيتش يا أدهم، ولا عمري هنسى. غلطت… غلطة كبيرة، واعترفت بيها وندمت. بس أنا ما كذبتش عليك عشان أجرح ريم… كذبت عشان كنت تايه… وعشان كنت خايف أضيعها مني.”

+

اقترب أدهم بخطوات حادة، ينحني قليلاً ليكون وجهه قريبًا من وجه معتصم.
أدهم (بصوت خافت لكنه يحمل تهديدًا):
ــ “خفت تضيعها؟ وأنت اللي ضيعتها بإيدك… ريم استحملت كتير… وانت كنت أول واحد كسرها… فكر كويس… إيه اللي يضمن إنها ما تتكسرش تاني بسببك؟”
معتصم ينهض ببطء، محاولًا الحفاظ على هدوئه، لكنه لم يستطع إخفاء الألم في صوته.

+

ــ “اللي يضمن ده… إني اتعلمت الدرس… ريم مش مجرد واحدة في حياتي يا أدهم، هي حياتي كلها. غلطت، واتعاقبت. بعد ما سابتني، حسيت إن عمري اتشل نصه… ما قدرتش أكمل.”

+

أدهم يبتسم بسخرية وهو يهز رأسه.

+

ــ “اتعاقبت؟ إزاي؟ بالزعل عليها وانت متجوز غيرها؟ متحاولش تضحك عليا يا معتصم. أنا قلتها قبل كده، أختي مش هتتجوز واحد second hand!”

+

كانت الكلمات قاسية، لكنها لم تزعزع معتصم. على العكس، زاد في صلابته وهو ينظر مباشرة في عيني أدهم.
ــ “وأنت كمان قلت إنك مش هتجوز أختك لواحد زيي… طب ما هي كمان بقت second hand بعد جوازها من خالد… مش كدا برضو؟”

+

انفجر أدهم بغضب، يضرب بيده على المكتب، لكنه سرعان ما استعاد توازنه وهو يراقب معتصم بنظرة حادة.
أدهم (بصوت مليء بالغضب):
ــ “إياك تقول كده عن أختي..فاهم!”

+

معتصم يرفع يده كأنه يريد تهدئة الأجواء.

+

ــ “مش قصدي أجرحك يا أدهم… أنا بحاول أوصلك فكرة واحدة… إن كلنا بنغلط، لكن مش كلنا بنقدر نصلح الغلط ده… ريم دلوقتي محتاجة حد يشيل عنها اللي فات، وأنا عايز أكون الشخص ده. مش هقدر أعيش تاني لو ما ادتنيش الفرصة دي.”

+

صمت أدهم للحظات، وكأن كلماته لامست جزءًا في داخله. مشاعره كانت متضاربة بين غضبه كأخ وحبه لريم.

+

أدهم (بنبرة أخف قليلًا):
ــ “هعتبر كلامك صدق… لكن ده ما يعنيش إني وثقت فيك.. ريم تستاهل الأفضل، ولو أنت فعلاً جاد، لازم تثبت إنك تستحقها من الأول وجديد.”

+

ابتسم معتصم بخفة، يعلم أن هذا ليس موافقة كاملة لكنه خطوة للأمام.
معتصم:
ــ “هثبت لك… وأثبت لريم إني ما استاهلش تاني أكون بعيد عنها.”

+

نظر إليه أدهم نظرة أخيرة قبل أن يستأذن معتصم بالانصراف دون أن يضيف كلمة أخرى. غادر معتصم لكنه شعر أن بصيص الأمل بدأ يلوح في الأفق.

+

+

يتبع…

 

 

0 0 votes
Article Rating
____

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x