رواية وجه في القلب الفصل السادس 6 بقلم جويرية أحمد
رواية وجه في القلب الفصل السادس 6 بقلم جويرية أحمد
البارت السادس
تضع هدى رأسها على المخدة وتبتسم وتتذكر أجمل ليلة في عمرها, فرحة اللقاء والسلام والكلام, النظرة الحانية في عينيه وكلمات الإطراء رأت كلماته في عينية ولم تنطقها شفتيه, كاد يقول “أحبك” كادت تسمع قلبه يهتف باسمها, ولكن ذهب آخذاً معه روحها, ماذا لو باح بما في صدره من أشواق, تنام على صورته ليزورها في الأحلام يقترب في هدوء تعلو وجهه ابتسامته الساحرة, وترسل عيونه رسائل الغرام, يمسك بيدها ويطبع عليها قبلة رقيقة فتتحرك معه بخفة وترقص على أنغام الطيور التي تغردبأجمل الألحان, تسمع دقات قلبه تحكى لها قصة حبه, يتوقف عن الحركة ويشير إلى قصر كبير جميل, تنظر إليه فتملأها الفرحة ولكن يختفي فجأة, ويعود ليشير إلى قصر آخر أجمل بعيد, وفجأة تجد نفسها وحيدة في صحراء جرداء تنادى بلا مجيب بأعلى صوتها, تصحو من نومها فزعة تنادى يوسف.
فتح باب شقته وهو منهك من المشي, مرت أكثر من أربع ساعات يمشى فيها بلا هدف, يدخل الشقة ويضئ نور الصالة , صغيرة ومرتبة ليس بها إلا طاولة مستديرة صغيرة عليها مفرش جميل وبعض الورد ومكتب يضع عليه الكمبيوتر وبجواره أوراق وبعض الكتب, والحائط مثبت عليها رفوف تحمل الكثير والكثير من الكتب والمراجع يتحرك بهدوء ليدخل الحجرة الوحيدة بها سرير صغير مرتب وأنيق ودولاب ذو ضلفتين وعليه مرآة وحامل للرسم عليه صورة فتاة جميلة ترتدي جيب بني غامق وجاكت مربعات بدرجات البني, شعرها ناعم وطويل ترفعه وتترك بعض الخصلات تتهدل بانسيابية ونعومة على عنقها العاجي, وجها جميل ولها ابتسامة رقيقة رائعة وعينان ساحرتان إنها هي هدى, ينظر إلى الصورة ويطلق تنهيدة طويلة ويرتمي بجسده على السرير ويضع رأسه بين كفيه ويمرر أصابعه في شعره بقوة فرأسه يكاد ينفجر من التفكير يرفع رأسه قليلا فيرى الصورة الفوتوغرافية القديمة التي يضعها على طاولة صغيرة بجوار السرير, رجل يبتسم في وقار يحتضن زوجته التي يعلو وجهها ابتسامة الرضا وأمامهم ثلاثة أبناء فتاة وولدان, صورته مع عائلته ينظر إلي الصورة ويتذكر كيف كانت سعادته وهو طفل يتمتع بحب والديه وتدليلهم فهو الابن الأصغر في الأسرة’ يصغر أخته سهام بسبع سنوات وأخوه وجدي بعشر سنوات, والده الأستاذ جلال مدرس اللغة العربية رجل طيب وكريم يحبه الجميع متسامح ومتعاون ربى أبناءه على القيم الحميدة وغرس في نفوسهم الرضا والصدق والأمانة والاحترام, ووالدته الأستاذة هناء مدرسة التاريخ أستاذة فاضلة وأم حنونة وأمهر طاهية تعد الوجبات الجميلة لتتناولها العائلة في جو من المرح والتفاهم, تمر الذكريات أمام عينيه في البيت وعلى الشاطئ في المدرسة وفى الحدائق, في رمضان والعيد, تنزل دمعة من عين يوسف فهو لم يعد يحتمل ذهاب الأحبة وجرح الذكريات الدامي, يحرك عينيه بعيداً عن صورة العائلة التي تدمى قلبه لتقع عينيه على أجمل وجه رآه, وجه هدى الملائكي تنظر في خجل, تنتظر منه كلمة لتطير في السماء وتحلق مع النجمات ولكنه صامت لا يتكلم ويرق لحالها ويقول لها ما في قلبه, ينظر لنفسه في المرأة المثبتة على الدولاب ويتحدث لنفسه بصوت عالي: “ساكت, أيوة ساكت”
صورة يوسف في المرآة : “إيه ؟ أخرج من صمتك واتكلم”
يوسف: “أتكلم, أقول إيه؟”
صورة يوسف في المرآة : “أنت عارف مشاعرها تجاهك؟”
يوسف (بأسى ) : “عارف وشايف وحاسس”
صورة يوسف في المرآة : “أما أنت عارف, مش بتتكلم ليه؟ ولا أنت مش بتحبها؟”
يوسف : “هحكي لك وأنت احكم, أول ما شفتها شدتني برقتها وجمالها, قمر هايم سرحان في دنيا تانية بترسم في المحاضرة وحسيت بإحساس مختلف ناحيتها حسيت إنها جزء منى أعرفها من سنين بس مش عارف شفتها فين؟ جرحتني دموعها وشدتني الصورة اللي رسمتها واستغربت إنها صورتي وحسيت بالذنب وإني السبب في دموعها وتمنيت إنى أفضل قريب منها وأزيل همومها, ومن ساعتها وقلبي وعقلي وروحي معاها, ملت حياتي الفاضية, أصبحت بتجري جوا دمى وساكنة في قلبي, بسمتها دوايا وصوتها هوايا وسعادتها منايا, بستني يوم الإتنين بفارغ الصبر علشان أشوفها وأسمع صوتها, بسمتها وطيبتها وذكائها وخجلها”
صورة يوسف في المرآة : “حيلك حيلك كل ده ومش بتتكلم ليه؟”
يوسف : “أحب أقدم لك نفسى, إحم إحم, بسخرية دكتور يوسف جلال نائب في الجامعة لا أملك من حطام الدنيا إلا مرتبي 700 جنية بعد المكافأة والعلاوة والإعانة, ساكن في أوضة مفروشة بدفع إيجار ومية ونور و أكل ولبس والشياكة طبعا شرط أساسى مش دكتور, وخد عندك الكتب والمراجع ومصاريف الماجستير وباشتغل في المستشفى 24 ساعة وقدامى خمس سنين على الأقل علشان أخد الدكتوراة وأبتدي أكون نفسي,
كان زمان بيقولوا الدكتور عنده خمسة عين .عمارة وعيادة وعزبة وعربية وعروسة, وأنا عندي من الخمسة اتنين, ويضحك العين بصيرة والإيد قصيرة
صورة يوسف في المرآة: “كفاية ما تعذبش نفسك أكتر من كده,هدى بتحبك وهى مش مادية وأنت عارف”
يوسف : “يعنى أروح أخطبها من الدكتور شاكر, تفتكر أقوله إيه ؟ يا عمى أنا طالب إيد بنتك’ بس عايز أخطبها عشر سنين أكون كونت نفسي, ولا أقوله أتجوزها وأسكنها في قلبي وأكلها حب وحنية عش العصفورة يقضينا وقلة وحصيرة تكفينا, ولا تحب أقوله أتجوزها واصرف علينا يا عمى’ تفتكر ساعتها هيعمل إيه؟”
صورة يوسف في المرآة : “ممكن يرميك من الشباك, بس كده أنت بتعذب هدى بسكوتك؟”
يوسف : “أنا غلطت أكبر غلطة لما قربت منها, هى فين وأنا فين؟ يعنى أتجوزها علشان أبهدلها معايا, أنت ما شفتش رقتها وجمالها دي لازم تعيش في قصر ورد وتكون أحلامها أوامر .
صورة يوسف في المرآة : “وهتفضل ساكت لحد أمتي؟ لما تضيع من إيدك ويتجوزها الشاب اللى كان هيكلها بعنيه ؟”
يوسف “بغيظ ويضرب بقبضة يد على السرير” : “متفكرنيش الدم بيغلي في عروقي لما بفتكره ونظرته وابتسامته ليها . شكله غنى من رجال الأعمال طول بعرض بفلوس ونفوذ .ويصمت ويفكر قليل ويتكلم بأسى ورأس منخفض, عارف لو أتجوزها ممكن يسعدها ويخليها ملكة وهى فعلا ملكة
صورة يوسف في المرآة : “يعنى هتفضل ساكت؟”
يوسف : لأ, أنا هبعد وأختفى من حياتها, علشان تعرف تعيش حياتها, هي تستحق كتير وأنا لا أملك إلا قلب بيحبها أكتر من أي حاجة في الدنيا
صفاء : كتب الكتاب يوم “15”الشهر الجاى, تعملي حسابك أنت ووالدك ووالدتك معزومين عندنا في البلد ومش هقبل أي أعذار
هدى : ألف مبرك يا حبيبتى, أنا وماما هنيجي إن شاء الله, بس بابا مش عارفة ظروفه إيه؟
صفاء : بقولك إيه, تفضي لي نفسك كام يوم علشان نشترى الفستان ولوازمه والإكسسوار, أنت ذوقك جنان وعايزة أكون أحلى عروسة
هدى : يا سلام من عيوني, غالى والطلب رخيص وأنا عندي كام صفاء
صفاء : ربنا يخليكي ليا, وإن شاء الله أردها لك يوم فرحك .
هدى : بس أنتوا حددتوا معاد كتب الكتاب دلوقتى ليه؟ مش كان فى الأجازة لما نخلص أحسن .
صفاء:يا بنتي أنت هتلاقى أكتر من نص الدفعة بيكتبوا كتابهم الأيام دي علشان التكليف يكون قريب من السكن وما يتبهدلوش فى البلاد أنت عارفة التكليف أي حد في أي حتة.
هدى : أيوة, سها لسه عازمانى على فرحها, وجيهان من يومين وأنا بسأل نفسي, هو فيه إيه؟
صفاء : عقبالك يا حبيبتى
هدى : تبتسم وتتمنى في نفسها أمنية وتطلب من الله تحقيقها
صفاء:بصراحة مش عارفة هم الرجالة اتعموا فى نواضرهم مش شايفين القمر ده, حد يقول كده يا ربي واحدة زيك في أصلك وفصلك تفضل لحد دلوقت كده من غير جواز, لو ليا أخ ينفعك كنت خليته يتجوزك, إلا مع الأسف كلهم أصغر منى.
هدى : أنت مش قلتى إنكم بتتجوزوا قرايب في بعض
صفاء: أيوه ودى أحسن حاجة, عارفة عماد خطيبى, هو ابن عمى وقروا فتحتنا وأنا عندى تسع سنين, طلعت لقيته خطيبي ولا رحت ولا جيت ولا احترت, وخلاص هانت كلها كام شهر ونتجوز
هدى : تصدقي لما حكيتي لى قصة خطوبتك فى الأول استغربت جداً وكنت بسأل نفسي: إزاى أطفال يتخطبوا لبعض, وإزاى الأهل يفرضوا اتنين على بعض بالشكل ده ,لكن لما بشوف فرحتك ولهفتك عليه بقول إنك صح ارتحتى من الانتظار, عارفة إنه ليكي وأنت ليه وأهلكم موافقين.
صفاء : أصل الحدوتة مش زى الأفلام, عماد شاب محترم جداً واخد بكالوريوس الهندسة وشغال فى فى البلد وبيحبنى وبيخاف عليا جداً ومن واحنا صغيرين كان بيحمني ويحافظ عليا, من بعيد يمشى ورايا وأنا رايحة المدرسة, ويا ويله اللى يفكر يضايقني أو يعاكسني, كبرنا مع بعض غير إنه بيشجعني على الدراسة, وكمان مشجعنى جداً على الشغل ومؤمن أنه رسالة مهمة, ووجوده في حياتي مسهل عليا الدنيا ومحسسني بالأمان, يا سلام لما بشوفه وهو مستنيني في المحطة واللهفة في عينيه ,وأنا بيكون قلبي طاير, ولما بيركبني القطر وأنا مسافرة بحس أن قلبه هيفط من بين ضلوعه ويجي معايا, بتأثر فيه دموعى وهي بتنزل زي المطر كل أسبوع وكل مرة .
هدى : ربنا يهنيكوا ببعض, اقفلى حنفية الأشواق لحسن دكتور يوسف وصل ؟
يوسف : السلام عليكم, ازيكم يا بنات, عاملين إيه؟
هدى وصفاء : الحمد لله
هدى : فى خبر حلو, صفاء كتب كتابها 15 الشهر الجاى
يوسف : ألف مبروك, ربنا يتمم بخير
صفاء :الله يبارك فيك يا دكتور, حضرتك معزوم على الفرح
يوسف : هباركلك النهاردة واعفينى من حضور الفرح
صفاء : ليه بس كده يا دكتور؟
يوسف : معلش اعذرينى, مش هقدر أجى لأنى هكون سافرت
هدى “اصفر وجهها واختنقت كلاماتها” : هو أنت مسافر؟
يوسف: أيوه أنا كنت جاى أقولك إنى مسافر آخر الشهر ومش هقدر آجى تاني
هدى “مضطربة وتبتلع غصة فى حلقها بصعوبة” : مسافر فين وهتغيب قد إيه؟
“يدير وجه بعيداً عن عيون هدى التي بدأت تلتمع بالدموع”
يوسف: فى بعثة من الجامعة علشان آخد الماجستير والدكتوارة في انجلترا “يصمت لحظة ويقول بصعوبة “خمس سنين
تكلم بعض الكلمات وردت صفاء ببعض العبارات ولكن هدى لم تعد تسمع أو ترى أي شئ اختلطت الوجوه والأصوات والكلمات, نزلت الدموع تغيرت الحياة ذهب يوسف وأخذ في الابتعاد تراقبه بعيون دامعة وكلما ابتعد خفتت الأصوات وبهتت الألوان حتى اختفت, كل الألوان والأصوات, أصبحت لا ترى إلا صحراء جرداء في ليلة مظلمة اختفى منها القمر وأبت حتى النجوم على الظهور توقفت الحياة لأكثر من خمس سنوات تنتظر أن يظهر القمر ويضئ الطريق لتعود الحياة
بسمة : هدى حبيبتي ما تزعليش الحكاية ما تستهلش كل ده
هدى : تبكى وقد اختنقت بالدموع التي تسيل لتلهب وجنتيها
بسمة : أنت عارفة شاهى, وطريقة كلامها وهزارها التقيل
هدى “تنظر لها وعيونها مختلطة بالدموع ونظرة تعجب” : هزار
بسمة : هزار سخيف,كلنا عارفين انك جميلة ورقيقة وبيتقدملك عرسان كتير ولو عايزة تتجوزى كنت اتجوزت من زمان ومفيش احن منك على الأطفال
هدى: يا بنتي دي ما بتفوتش مناسبة ولا حتى صدفة على السلم إلا لما تسمعني كلامها البايخ عن الجديد وأخبار العريس, والنهادرة رايحة أبارك لها على البيبي التاني تكسفنى قدام الناس وتقول “لألألأ ما تشليش البيبي ليتلوح منك, أصلك ما تعرفيش, لما تتجوزي ويبقى عندك بيبى أسمح لك تشليه
بسمة: يا حبيبتى ما تزعليش هى كلامها كده دا إياد وكارين بيموتوا فيك, دول بيحبوك أكتر منى, دا إياد بيجي هنا وميرداش يسيبك ويمشى إلا لما ينام, أشيله علشان نروح, هو فى زى حنيتك على الولاد
هدى “بدأت تمسح دموعها”: إياد وكارين حبيايبي ربنا يبارك لك فيهم
بسمة : بقولك إيه فيه حاجة هى إللى مضيقاكى, مش كلام شاهى أنت عارفها وتعودت عليها
هدى : لا أبداً مفيش حاجة
بسمة : طيب ممكن نتكلم بصراحة ؟
هدى : اتفضلي يا كرومبو
بسمة : أنت رافضة تشوفى الدكتور رياض ليه؟
هدى : أنت عرفت منين؟
بسمة: مش مهم عرفت منين, المهم أن عمرك بيجرى وأنت رافضة تتجوزى, الأول كان عندك عذر عمى شاكر كان رافض فكرة الجواز قبل ما تاخدي الماجستير والدكتوراة, ودلوقت أنت خلصتى الماجستير وخلصت تمهيدي الدكتوراة وابتديت في الرسالة وعمى الحمد لله ربنا هداه وهو اللي عايز يجوزك ويطمن عليك
هدى : أنت اللي بتقولي كده ؟ وأنت الوحيدة اللي عارفة كل حاجة
بسمة: اللي أعرفه إنك كملت ستة وعشرين سنة ومن يوم ما خلصت البكالوريوس والامتياز واتعينت في الجامعة وأنت هالكة نفسك في الشغل والنبطشيات والماجستير, لا حد بيشوفك ولا بتشوفي حد, حتى مكتب بابا اللي كان نفسك تخلصى وتشتغلى فيه ولا بتروحيه, دبلتى واللي يشوفك ما يقولش إنك هدى الرقيقة الجميلة اللي ابتسامتها بتملي الدنيا فرح وأمل بقيتي واحدة تانية, عينيك زايغة ووشك أصفر ونظرة الحزن اللي مش بتفارقك, حياتك مفيهاش غير الكتب والمراجع والعمليات والشغل وبس
هدى : مش هو ده اللي بابا عايزه ؟ وأدينى بنفذه
بسمة : وأنت فين ؟
هدى: انا ولا حاجة, وتبكى من جديد, ضاعت منى نفسي ومش لاقياها, ضاع الطريق من تحت رجلي, ضاعت الألوان من دنيتى, ضاع طعم الحياة, ضعت وتهدمت أحلامي. غرقانة ومش قادرة اتنفس, ليل طويل ملوش نهاية مستنية النهار
بسمة : حبيبتي حرام عليك نفسك, تفضلى لحد إمته على دا الحال؟
هدى : “تضع وجهها بين يدها فهي لا تعرف إجابة”
بسمة “ترى وجه يوسف مرسوم على صفحة أحد الكتب على المكتب”: طب مفيش أخبار جديدة عن يوسف, فات أكتر من خمس سنين المفروض يكون رجع
هدى : تبكى وتنزل دموعها انهار
بسمة : طب أنت سألت في الجامعة ؟
هدى : ترفع وجهها وتأخذ نفس عميق وتخرجه لتخرج معه الكثير من الحزن والألم لتستطيع الكلام
بعد يوسف سافر قررت أنى استناه ودفنت نفسي فى الشغل والمذاكرة والمستشفى الجديد اللي بابا بناه كنت بعد الأيام والليالي والساعات بستنى اليوم اللي هيرجع فيه وبدعي ربنا إن بابا يوافق على الجواز تمسح دموعها بيدها”” وأخدت عنوانه من الكلية وبعتله أكتر من جواب, لما اتخرجت ولما خلصت الامتياز, ولما اتعينت ولما ولما و لا فى أى رد منه على أي جواب منهم
بسمة : تنصت فى اهتمام وقلبها يبكى على حال هدى
هدى: ومن أربع شهور لما بابا جت له الأزمة القلبية واتحجز فى المستشفى,والحمد لله عدت على خير, بابا اتغير بعدها 180 درجة وبعد ما كان رافض إنى أتجوز هو اللي بيتحايل عليا علشان أتجوز لأنه خايف عليا, وخايف يسيبنى لوحدي وعايز يجوزنى فى أسرع وقت ويفرح بيا وبأولادى, والكلام اللي أنت عارفاه
بسمة : فعلا اتغير وكلنا فرحنا بالتغير وقلنا خلاص العقدة اتحلت وهنفرح بيكى قريب
هدى: وأنا كمان كنت مبسوطة جداً وقولت الحلم هيتحقق يوسف خلص الخمس سنين وبابا موافق على فكرة الجواز وبعت ليوسف جواب وسألته هيرجع امته وكالمتعاد ولا رد
بسمة :ممكن يكون اتجوز ؟
هدى: تتغير ملامحها وتنزل دموعها, احتمال كبير وأنا مش عارفة اتأكد مستنية خمس سنين من غير وعد ولا حتى كلمة ولا مرة صرح أو حتى لمح, بموت فى اليوم ميت مرة لما بفكر إنه اتجوز ولا حاسس بيا
بسمة : وهتعرفى إزاى
هدى : رحت سألت فى الكلية عن البعثة تخلص امته وعنه يرجع امته ولقيت………..
بسمة : لقيتى إيه ؟
هدى : إخد الدكتوراة وقدم على أجازة بدون مرتب لأنه اشتغل فى مستشفى كبير فى انجلترا
بسمة : ممكن تتصلي بالمستشفى وتكلميه
هدى : دى حاجة صعبة جدا وممنوع الكلام والاتصال فى فترة الشغل وعنوان سكنه مش معايا
بسمة : طب أنت مش عارفة عنوان إخواته ؟ ممكن تسأليهم , هي حاجة محرجة بس علشان تعرفي أي حاجة عنه
هدى : سافرت اسكندرية ورحت العمارة وللأسف أخوه سافر من سنتين فى بلد عربي وأخته نقلت من الاسكندرية للقاهرة
بسمة: وبعدين هتفضلي تستني العمر كله وهو ولا على باله, ولا رد عليك بكلمة واحدة, حرام عليك نفسك لازم تشوفي حياتك كفاية أوى السنين اللي فاتت كل زمايلك اتجوزوا وكل واحدة عندها بيتها وأولادها وأنت عمرك بيضيع فى انتظار من غير مبرر وهو احتمال كبير يكون اتجوز وعنده أولاد وعيلة وحياة مستقرة, فكرى بعقلك وكفاية أحلام وأوهام أخدت من شبابك وعمرك وصحتك وجمالك
هدى : كفاية يا بسمة أنا خلاص أعصابى اتحطمت ومش قادرة أفكر فى أى حاجة
بسمة: يا حبيبتى أنا يهمني مصلحتك, إنسي الماضي وإنسي الأحلام وعيشي الواقع, فى دكتور كويس متقدم لك شوفيه وابدأي حياتك وبكرة يبقى عندك أولاد ينسوك اسمك ويملوا حياتك ضحك ولعب وحب, أنا هسيبك تستريحى ويا ريت تفكري فى كلامي كويس
هند “والدة هدى”: صح النوم حبيبة ماما, الجميل عامل إيه النهاردة ؟
هدى : صباح الخير يا ماما الحمد لله
هند : يلا قومى اتوضي وصلى علشان عاوزاك في موضوع مهم
هدى : خير يا ماما فيه حاجة حصلت ؟
هند : خير يا حبيبة ماما
تنهض هدى من سريرها متعبة وكأنها كانت تركض طوال الليل كل عضلة مجهدة وكل عظمة تئن من الوجع, عيناها متورمتان من كثرة البكاء وعلامات التعب والإجهاد مرسومة بإتقان على وجهها الشاحب الحزين, تنظر لوجهها في المرآة تكاد لا تعرف نفسها تعيش جسد بلا روح تحاول لملمة نفسها وإخفاء أحزانها, تغتسل وتصلى وتبدل ملابسها وتضع ابتسامة على وجهها لتقابل بها والدتها
هند : يلا حبيبتى, أنا مستنياك علشان نفطر مع بعض
هدى : بالهنا والشفا يا حبيبتي كلى أنت أنا مليش نفس
هند : ولو مأكلتيش مش هاكل يرضيك كده, آخد الدوا على معدة فاضية
هدى تجلس ولا تأكل””
هند: يعنى وبعدين, ليه الحزن والشرود ده,حصل إيه لكل ده يا بنتى؟ أنت بتقطعي قلبي بسكوتك وحزنك اللي مالي عيونك, فين بنتي حبيبتي, أجمل ابتسامة وأرق مخلوقة وأشيك بنوتة
هدى: أنا كويسة يا ماما ماتقلقيش عليا, عندى شوية مشاكل بسيطة في الشغل
بابا لما بيسافر كل مشاكل المستشفى بتكون فوق دماغي, وأنت عارفة لازم أبقى قدها
هند : ممكن تاكلي لحسن أأكلك بالعافية
هدى ابتسمت “لقد تذكرت تلك الكلمات في أول يوم رأت فيه يوسف” ثم عادت للحزن بعد أن اعتصر الفراق قلبها: حاضر يا ماما هاكل أهه, قولي لي الموضوع المهم اللي كنت عاوزاني فيه ؟
هند : في عريس متقدم لك
هدى “باستغراب” : عريس
هند : أيوة عريس, إيه الغريب في كده .
هدى: هو مش موضوع الجواز ده موضوع مرفوض لحد بعد الدكتوراه, وطول السنين اللي فاتت ممنوع منعا بات الكلام في موضوع الجواز, وإن الجواز هيعطلني عن تحقيق الحلم وكل ما يتقدم عريس بابا بيرفضه ويأجل الموضوع لأجل غير مسمى, إيه الجديد لسه الدكتوراه فاضل عليها سنتين تلاتة
هند: يا حبيبتي إحنا كنا خايفين عليك لأنك معندكيش خبرة في الحياة وموضوع الخطوبة والجواز ممكن يعطلك لكن دلوقتي أنت كبرتي وخلصتي الماجستير والدكتوراة فاضل عليها فترة بسيطة وتاخديها والمستشفى الحمد لله فتحناها وسمعتها كويسة جداً والحياة استقرت وكل البنات اللي قدك اتجوزوا وعندهم أطفال وبعدين أنت غريبة جداً لما كنت في الجامعة كان نفسك تتخطبي وتتجوزى ودلوقتى زعلانة إن في عريس متقدم لك؟
هدى: بالظبط زى ما قلتي, زمان كان عندي رغبة في الارتباط لكن دلوقتي أنا عاوزة أتفرغ لدراستي ومش هفكر فى الجواز إلا لما آخد الدكتوراة, زمان كان بابا مش عايزني أتجوز, أقفل على قلبى ومقدرش أتكلم وأذاكر وبس, ودلوقتي عايزين تجوزونى يبقى لازم أتجوز, هو أنا عروسة ماريونت ولا لعبة بالريموت
هند: إزاي بتتكلمي بالطريقة دي, وبعدين أنت عمرك ما أصريت على واحد اتقدم لك ولا زعلت إن بابا رفض عريس . ومافيش مرة جيتي وقلتي إن في واحد معجب بيك وإحنا رفضناه
هدى : أنا آسفة يا ماما ماتزعليش منى, أنا أعصابي تعبانة ومضيقة وحاسة إني مخنوقة
هند: يا حبيبتي صارحيني فى إيه ؟ ومش عايزة توافقي على فكرة الجواز, قابلي العريس وإدي نفسك فرصة ,مش ترفضى من قبل حتى ما تشوفيه, إحنا نفسنا نفرح بيك حبيبتى ونشوف ولادك . ولو في واحد عاوز يتقدم لك, خليه يجي وبلاش الدكتور رياض
هدى لا تدرى ماذا تقول لوالدتها كيف تشرح لها إنها تنتظر المجهول, ليس معها وعد أو عهد, كيف تبرر أنها تحب شخص تركها منذ أكثر من خمس سنوات ولا تعلم عنه شئ
هند: حبيبتي أنت بنتنا الوحيدة وأملنا في الحياة أنت إتولدتي بعد سبع سنين انتظار لنور عنيك, عارفة يعنى إيه تحلمي بطفل وتدعى ربنا إنه يرزقك بطفل ولما ربنا حقق أمنيتنا ورزقنا بيك كنت أهم حاجة في حياتنا, بنحاول نربيك ونعلمك وتكوني أحسن واحدة في الدنيا, بنخاف عليك من الهوا, وعاوزينك قوية ووافقة على أرض صلبة, يمكن الخوف والقلق الزيادة كان بيضايقك بس غصب عننا حبيبتي
هدى : مش عارفة يا ماما أقولك إيه ؟ بحس إنك أنت وبابا متفقين عليا ليكم نفس الأراء والطباع التصرفات
هند : حبيبتي أنا وبابا متفقين على مصلحتك وطريقة تربيتك وبنخاف عليك
هدى : أنا كمان نفسى أتجوز واحد, أنا وهو نكون متفاهمين ومتفقين ويكون في بينا حب
هند: أنا وبابا اتجوزنا جواز صالونات هو دكتور أخد الدكتوراه من فرنسا وأنا كنت في سنك معيدة في كلية الاقتصاد خلصت الماجستير واتجوزنا بس بالعشرة الطيبة ومع الأيام كان في بينا حب بيكبر كل يوم, وحتى لما اتأخر الحمل بابا عمره ما زعلني ولا حسسني بأي نقص, بالعكس كان دايماً يواسيني ويشجعني وصبرنا لحد ما ربنا رزقنا بأجمل بنوتة والحب والاحترام بينا بيزيد يوم بعد يوم حتى بعد ما طلعنا على المعاش, حبنا بيكبر مع الأيام ونفسنا نفرح بيك ونشوف اأولادك قبل “تختنق بالدموع” ما نموت
هدى : بعد الشر عليكم لو سمحت بلاش الكلام ده, أنا مقدرش أعيش من غيركم “وتقبل يد والدتها”
هند : يعنى موافقة تشوفي العريس ولو مش عاجبك ارفضيه بس بلاش ترفضي فكرة الجواز بدون سبب “وتبكى”
هدى : حاضر يا ماما بس بلاش دموعك الغالية دى تنزل كده
تحمل كتبها وأوراقها وتذهب إلى الجامعة اليوم الإثنين مازالت تذكر الموعد والمكان, تذهب هناك لتجلس في نفس المكان وعلى المائدة ذاتها, ولكن لم تعد تتحمل أكثر من ذلك, الذكريات التي تتدفق في عقلها لتدمى قلبها, الكلام والسلام والابتسام والنظرات والخط والسكوت حتى لحظات الوداع, كل شئ تتذكره بالتفصيل, سالت دمعة لتسقط على خدها مسحتها بسرعة وانتفضت وذهبت إلى غرفة المعيدين, لاحظت حركة فوق المعتاد, وذهاب وإياب
هدى : صباح الخير يا نهاد,هو في إيه النهاردة؟
نهاد : صباح النور, أبداً المفروض في إشاعة عن بعثات للدراسة والكل طبعا عايز يسافر
هدى “شردت قليلا لذكرى السفر المؤلمة التي سلبتها أغلى أحلامها” : أه, ربنا يوفقهم
يتكلم المعيدين عن السفر وأمل كل منهم بالفوز بالبعثة, يتحدثون عن السفر وكأنه الحل الوحيد وطوق النجاة, وربما قطار السعادة السريع الذي سيحملهم للوصول لتحقيق الأحلام والحياة الكريمة, من يفكر في الهجرة والاستقرار ومن يفكر بالزواج من الفاتنة الشقراء والحصول على الجنسية, ومن يتكلم عن النظافة والنظام والاحترام, ويكاد يجمع الجميع على أنهم سيغادرون وبلا عودة, تتردد الكلمات في عقلها, سافر بلا عودة, فقد كان يعانى الوحدة والغربة ووجد ضالته في انجلترا, شقراء جميلة, جذبه رقتها وجمالها وتزوج واستقر بعد أن أنسته ذكرياته واحتلت قلبه, لم يخطئ فهو لم يعد لينقض العهد,عرفته شهم وملخص, إذن لماذا لم يرد على الخطابات, هل هو مخلص لزوجته وأولاده لهذا الحد, بعكس إخلاصه لمشاعره في الماضي,تبدو أمام نفسها كمتطفلة على حياه الخاصة, فتقوم بإرسال تلك الرسائل وتتسبب بنشوب المشاكل بينه وبين زوجته, تكاد تجن من الافكار أوشك رأسها على الإنفجار, ولكن أفاقت على جرس التليفون لتسمع صوت والدتها المضطرب تخبرها بوصول والدها من السفر وإصابته بأزمة قلبية من الإجهاد, وتطلب منها سرعة الحضور للمستشفى, تقود سيارتها باتجاه أكبر مستشفى متخصص في القلب, وتركض لتصل لغرفة العناية المركزة لتجد والدتها خارج الغرفة تنتظرها
هدى : إيه اللي حصل ؟ وقبل أن تجيب يخرج الدكتور إيهاب والدكتور رياض
هند : حالته إيه يا دكتور ؟
إيهاب: الحمد لله وصل في الوقت المناسب ولحقنا ندوب الجلطة, بس طبعا الزيارة ممنوعة 24 ساعة ولما الحالة تستقر ممكن تدخلوا بس مش أكتر من خمس دقايق, لحد ما ننقله لأوضة عادية
هند” برجاء”: ممكن أشوفه ولو دقيقة؟
إيهاب : دكتورة الزيارة ممنوعة علشان مصلحته ادعي له ربنا يتم شفاه على خير
هند : ونعم بالله, تجلس هند وهدى تبكيان خوفاً على الوالد والزوج والمجهول من الأيام القادمة
رياض : دكتورة مش معقول كده, وجودك في المستشفى ملهوش لازمة, روحوا أحسن دلوقت ترتاحوا وتهدوا أعصابكم
هدى : لأ مقدرش أمشى من غير بابا
رياض “بهدوء ونظرة حانية” : أنا مقدر مشاعرك أوى بس وجودك هنا مش هيفيده بحاجة, هو نايم والزيارة ممنوعة . اتفضلوا أوصلكم ومن الفجر هعدى عليكم ونيجي المستشفى
نظرت هند لهدى : كلام الدكتور رياض مظبوط يلا حبيبتي ونرجع بكرة إن شاء الله.
أسبوع كامل والدكتور رياض يلازمهم ويقدم خدماته ويتعامل بمنتهى الرقة والذوق مع هدى ووالدتها
هدى : حمد لله على السلامة يا أجمل بابا .كده يا بابا تخضنا عليك
شاكر “مداعبا “: بشوف غلوتي عندكم قد إيه؟
هند : وعرفت, إحنا من غيرك ولا حاجة, ربنا يبارك في عمرك ولا يحرمنا منك
شاكر : هو ده الكلام اللي بيزعلني وبحس إني خايف عليكم ولو سبتكم هتتبهدلوا من بعدى
- لقراءة باقي فصول الرواية أضغط على (رواية وجه في القلب)