روايات

رواية منعطف خطر الفصل الثلاثون 30 بقلم ملك ابراهيم

رواية منعطف خطر الفصل الثلاثون 30 بقلم ملك ابراهيم

 

البارت الثلاثون

 

مبروك يا عريس.. عروستك فوق مستنياك.
معتصم رد بسرعة، وبصوت فيه رفض واضح: مش هينفع أبات هنا يا أبويا، أنا لازم أرجع عشان شغلي، لأني واخد أجازة يوم واحد بس.
أبوه بصله بصرامة وقال: بس مش هترجع لوحدك… مراتك هتيجي معاك.
معتصم بدهشة: تيجي معايا فين!؟
رد ابوه: تيجي تعيش معاك في شقتك هناك زي اي واحدة ما بتعيش مع جوزها في المكان اللي هو عايش فيه.. زينه دلوقتي مراتك ومش هينفع تعيش هنا لوحدها بعد اللي حصل.
معتصم حاول يتكلم، كان عايز يشرح لأبوه ان مفيش حاجة حصلت وكل اللي فاهمينه غلط، وإن مفيش حاجة بينه وبين زينة. بس مفيش فايدة. أبوه ما ادّلوش حتى فرصة يبرر أو يدافع عن نفسه، وقطع كلامه بصرامة قاطعة:
– مراتك فوق مستنياك في أوضتك.. هتاخدها معاك بشنطة هدومها، والموضوع ده هيتقفل نهائي.
كأن الكلام وقع على صدره زي صخرة. اتنهد معتصم بتعب، عينيه اتملت بخيبة الأمل.. الإحباط كان واضح عليه، مفيش حد عايز يسمعه أو يصدق اللي بيقوله.. نظرات الاتهام في عيونهم كانت بتوجعه.
أبوه خلص كلامه وخرج من البيت،
معتصم قعد مكانه وهو بيفكر ، مش قادر يقرر أو حتى يستوعب اللي بيحصل:
إزاي هياخدها تعيش معاه وهي عمرها ما خرجت من البلد ولا عاشت بعيد عن أهلها؟
ازاي هيتحمل مسؤوليتها وهو مش متعود يشيل مسؤولية حد معاه!
دايما غرقان في شغله ومطمن انه عايش لوحده ومفيش حد يشغله ويخاف عليه..
مواعيد شغله مش ثابتة، أوقات بيغيب يوم واتنين من غير ما يرجع بيته.
إزاي هيسيبها لوحدها في مدينة متعرفش فيها حد ويكون مطمن عليها وهو في شغله.
كل حاجة في حياته اتلخبطت فجأة وهو مش مستعد لكل ده!
لكن خلاص، القرار اتاخد. أبوه حسم الموقف ومفيش أمل يغيّر رأيه أو حتى يسمع دفاعه عن نفسه.
حط ايديه علي وشه بتعب من كتر التفكير.
في اللحظة دي،
عمته زهيرة أم زينة قربت منه بهدوء لما شافته قاعد لوحده. وقفت قدامه وقالت بابتسامة فيها دفء:
– قاعد لوحدك ليه يا معتصم؟ مش تطلع لعروستك بقى يا بني؟
معتصم اتفاجئ بكلامها، حس بالحرج ومكنش عارف يرد.
قعدت جنبه، ونبرتها كانت أهدى، أحن: أنا عارفة إنك زعلان من اللي حصل.. وزعل أخوك ممدوح مأثر فيك، بس بكره يروق ويهدا، وهيفهم إنكوا مالكوش غير بعض.
معتصم اكتفى بهزة راسه وابتسامة حزينة، كلامها وجعه أكتر، لكنه فضل ساكت.
هي مدت إيديها، حطتها على إيده بحنان، ونظرتها كانت كلها رجاء:
– أنا جاية أوصيك على زينة يا معتصم.. زينة بنتي الوحيدة اللي طلعت بيها من الدنيا. أنت عارف إن أبوها مات وهي لسه صغيرة، كان عمرها خمس سنين. عاشت في بيت جدها وعمها اللي عمرها ما شافت منهم غير الجفا والقسوة.
لحد ما أبوك فتح لنا بيته وعشنا هنا.
زينة بنتي طيبة، ومش هتزعلك انا متأكدة..
عايزاك انت تخلي بالك منها، وتحطها في عنيك.
معتصم بصّ لها، وصوته كان هادي لكنه حاسم:
– متقلقيش يا عمتي.. زينة في عنيا.
ابتسمت، وابتسامتها فيها ارتياح وامتنان، وقامت بحماس وهي بتقول:
– طب قوم يلا، اطلع لعروستك، هي مستنياك في أوضتك، وأنا جهزتلكم العشا وطلّعته.
معتصم قام وقال بنبرة عملية:
– أنا هطلع أغير، ونجهز أنا وزينة، عشان هاخدها معايا وأسافر على شغلي.. أنا ماخدتش غير يوم واحد أجازة، ولازم أرجع بكرة.
عمته سكتت لحظة، وبعدين قالت بنبرة فيها حزن: أبوك هو اللي طلب منك تاخد زينة معاك.. أنا عارفة كل حاجة يا معتصم، وابوك معاه حق.
زينة ما ينفعش تقعد هنا بعد اللي حصل.
خلي بالك منها يا معتصم.. زينة أمانة عندك، وأنا واثقة إنك قدها، وهتحافظ على أمانة عمتك.
معتصم ابتسم ابتسامة صغيرة، فيها طمأنينة، وسابها وطلع على أوضته.
خبط على الباب خبطتين، وفتحه بهدوء قبل ما يدخل.
كانت زينة قاعدة على طرف السرير، لابسة فستان الفرح الأبيض اللي زاد ملامحها براءة ورهبة.
خوفها كان واضح في عينيها، وتوترها كان واضح في رعشة أيديها وهي ماسكه في أطراف الفستان بإيدين بترتعش.
كانت خايفه ومتوتره من المواجهه بينهم..
يمكن دي المرة الأولى اللي يجمعها مكان هي ومعتصم مع بعض..
كانت دايما بتشوفه من بعيد..
قلبها اتعلق بيه من وهي صغيره وكان هو دايما فارس احلامها اللي بتتمناه..
لما كبرت وجت عاشت في بيت خالها..
كانت زيارات معتصم قليله جدا عشان شغله في القاهرة..
ولما كان بيجي زيارة.. كانت هي بتختفي عن الانظار طول فترة أجازته وتراقبه بس من بعيد..
مع كل مره كانت بتشوفه كان قلبها بيتعلق بيه آكتر..
مش قادرة تصدق ان هي وهو دلوقتي مع بعض في اوضه واحدة ومقفول عليهم باب..
لما فتح الباب ودخل.. حست ان جسمها كله اتجمد وقلبها كان هيقف من شدة التوتر والخوف..
صوت خطواته وهو بيقرب منها.. كانت بتخطف انفاسها.
معتصم وقف قدامها، مش عارف يبدأ منين.
هو كمان كان متوتر، مش مرتاح.
مشاعره ملخبطة جواه… غضب وحيرة.
مش قادر يفهم… ليه عملت كده؟ ليه قالت إن في علاقة حب بينهم؟!
اتنهد، وصوته خرج أخيرًا بجمود واضح:
– أنا لازم أرجع النهاردة عشان شغلي… جهزي نفسك، هتيجي معايا.
هزت راسها بالموافقة، من غير ما تنطق بكلمة.
وشها كان في الأرض، وعيونها مش قادرة تواجه عيونه!
بصلها وهو منتظر ردها ويسمع صوتها،
كانت في قمة ضعفها وبراءتها… جميلة ورقيقة جدًا..
كان عايز يقولها كلام كتير بس الكلام بيهرب منه..
شعور غريب ومختلف حاسس بيه!
في بنت دلوقتي شايله اسمه ومسؤله منه.
مبقاش لوحده زي الأول
متلخبط وحاسس انه محتاج وقت عشان يستوعب انه اتجوز وانها بقت مراته!
بخطوات سريعة أتحرك من قدامها ، دخل الحمام يغير هدومه.
زينة أخيرًا قدرت تتنفس… وكأن الروح رجعت لجسمها.
كانت بترتعش، ومش مصدقة اللي بيحصل.
هو اتكلم معاها! هي هتسافر معاه وتعيش في بيته!
لسه مش قادرة ترفع عينيها وتواجهه.
فيه كلام كتير محتاج يتقال… بس ازاي؟
إزاي تشرح له إن اللي حصل كله كان بسبب زينب مرات ممدوح؟ وإنها مالهاش ذنب؟!
قامت بسرعة تحاول تخلع فستانها قبل ما يخرج من الحمام.
حاولت تفتح السحاب من الضهر… لكن فشلت.
وقفت محتارة… الحل الوحيد إنه يساعدها.
لكن… تطلب ده إزاي؟!
ازاي تطلب حاجة زي كده من معتصم؟!
قعدت على السرير في حيرة، قلبها بيدق بسرعة.
بعد لحظات، خرج معتصم وهو جاهز.
بصلها، لقاها لسه قاعدة بالفستان.
قال بضيق ونبرة صوته فيها عصبية:
– هو انتي لسه قاعدة بالفستان؟ مستنية إيه؟
بلعت ريقها بتوتر، وقالت بصوت واطي، من غير ما ترفع وشها: أنا… مش عارفة أخلع الفستان لوحدي.
زفر بحدة، وقال بانفعال: آه ابتدينا بقى… مش عارفة تلبسي لوحدك، ومش عارفة تاكلي لوحدك…أصل أنا متجوز طفلة عشان أربيها؟!
عيون زينة لمعت بالدموع، وقفت بسرعة، وبصتله أخيرًا.
نظرتها كانت كلها وجع وكرامة مكسورة.
زينة: على فكرة أنا مش طفلة! أنا بطلب مساعدتك عادي. ولو مش عايز، خلاص، هطلع أشوف حد يساعدني.
ولما بدأت تتحرك من قدامه ، فجأة مد إيده وشدها من دراعها قربها منه.
جسمها اتكهرب، وعيونها اتقابلت مع عيونه.
حط إيده على خصرها، وبص لها بتركيز:
– هتطلعي تشوفي حد يساعدك إزاي؟
ارتبكت وهي واقفة بين إيديه، دقات قلبها كانت أعلى من أي صوت في الأوضة.
ده معتصم… اللي طول عمرها بتحلم إن عيونه بس تشوفها… دلوقتي شايفها، وبيتكلم معاها، ولمست إيده حاسّاها على جسمها.
هو حس برعشتها، وشاف التوهة في عيونها.
سحرها خطفه، وسكت لحظة.
قالت بصوت متقطع:
– عايزة حد يساعدني أفتح السوستة بتاع الفستان.
هز راسه، وقال بهدوء: بس كده؟
هزت راسها بـ”آه”.
ابتسم وقال: أنا خلاص فتحتها.
بصتله بذهول، وحطت إيديها على ضهرها…
فعلاً! السوستة مفتوحة!
مش عارفة إمتى عمل كده… ولا ازاي وهي حتى ما حستش!
كانت هتموت من الكسوف ، رفعت الفستان بإيديها، وجريت على الحمام.
معتصم فضل واقف مكانه، ابتسامة خفيفة على وشه…

يتبع…

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى