رواية مملكة الصعيد الفصل الثامن عشر 18 بقلم سالي دياب
رواية مملكة الصعيد الفصل الثامن عشر 18 بقلم سالي دياب
البارت الثامن عشر
صرخت هاجر متألمة وسقطت على الأرض بعد أن تلقت صفعة عنيفة من عنايات. نظرت إليها بخوف وهي تضع يدها على وجنتها، بينما الأخرى لم تشفق عليها بل ضغطت بقدمها على جسدها، لتصرخ الفتاة بألم، ثم قبضت على شعرها بقسوة وقالت بوحشية وهي تشد الخصلات بعنف
2
هربتيها يا فاجره؟ وجريتي مع الغريبة على أختك؟
رفعت هاجر عينيها المرتجفتين إليها وقالت بانهيار
وانتي عملت إيه؟! حرمتِ أخوكي من الخلفة طول عمره ما شفتيهوش وهو بيتعذب قدامك؟ ما حنيتيش عليه؟ آه ….
صرخت بقوة حين سحبتها من شعرها بعنف، فهتفت عنايات بوحشية:
هقطع خبرك وارميكي للديابة في الجبل… وأبقى ارتحت منك ومنه!
ثم ألقتها على الأرض بقسوة. في تلك اللحظة اقتربت نعمات ومدت إليها الهاتف بيد مرتعشة خطفته عنايات بعنف، وما إن رأت اسم “عبد الجواد ” حتى وضعته على أذنها، لتسمع صوته يقول:
_صالح عايش……..
شهقت بصوت مرتعش:
هتجولي إيه إنت؟! يا وكيل ناسك؟!
1
أجابها الصوت بثبات
هيجولك صالح الصاوي رجع … كبير المملكة عاد من تاني.
شهقت النساء في المكان، والتفتن إلى الخلف، بينما ابتسمت هاجر من بين دموعها. أما عنايات المتجبرة فقد أنزلت الهاتف عن أذنها بملامح ثابتة متصلبة، ثم التفتت… لتجد أمامها
شقيقها، صالح، يقف بعينين محتدتين، وقد بدا شخصا آخر أكثر قسوة من ذي قبل.
خفض جفنيه قليلا ليلقي نظرة على ريناد الغافية بين ذراعيه، بينما تبادلت النساء النظرات المرتبكة. كادت فتحية أن تتحدث بابتسامة مرتعشة، لكن صوته القوي قاطعها:
– كل واحدة فيكوا تلم خلجاتها وتندل على بيت أبوها … ورجتها وحجوجها هيوصلولها.
4
قالها دون أن يعبأ بصدمتهن، ثم رفع زوجته قليلا بين ذراعيه، وتوجه إلى غرفة المكتب. فتح الباب، ودخل بها إلى الداخل. مدّدها ببطء على الأريكة، تنهد بعمق، وتأمل ملامحها الشاحبة بحزن، ثم انحنى وقبّل جبهتها قبلة عميقة يملؤها الألم والندم والخزي من أفعاله.
5
نهض ببطء، وسحب العباءة المعلقة في أحد الزوايا ودثرها بها جيدًا، ثم انسحب إلى الخارج بهدوء، وأغلق الباب بلطف حتى لا تستيقظ. وما إن خرج… حتى تبدلت ملامحه تمامًا؛ فعاد القاسي أشد قسوة من ذي قبل.
اقتربت منه سحر سريعًا وهي تبكي، وقالت بتوسل:
– أنا عارفة إن اللي عملته شين… بس والله العظيم ما حبيت في حياتي زي ما حبيتك بالله عليك ما تطلقنيش… هعيش خدامة تحت رجليك.
تقدمت فتحية هي الأخرى بلهفة وقالت:
والله يا سي صالح ما كانت كانت نيتنا نعمل اكده … بس… بس الست عنايات هي اللي…اااا….هي اللي إيه؟
التفت الجميع إلى عنايات حين قالت ببرود قاس
كملوا … خليهم يقولوا اختك عملت فيك إيه… اختك الكبيرة اللي كنت بتاخدها في باطك وتخرج اللي في اللي بحشاك في حجرها
اقترب منها وهو يواصل بصوت يملؤه الغضب المكبوت:
– عارفة يا عنايات… لما حطيتي إيدك في إيد عدوي، وكنت عايزة تخرّجي المساخيط من ورا ضهري … سامحتك. لكن إنك تفكري تقتلي ابني… وتنهشي عرضي… دي اللي ما تتسامحش أبداً !
هل بدا عليها الندم؟ هل ظهر الخوف في ملامحها؟ لا … بل وقفت بقسوة أمامه، ونظرت في عينيه بجرأة وقالت باستهزاء:
– هتجتلني يا واد أبويا؟ هتعادي أختك علشان بنت البندر؟!
ضحكت بسخرية وأضافت:
5
―の والله عجيب كبير مملكة الصعيد هيعادي أخته علشان عيلة صغيرة؟!
رفعت بصرها إليه وتابعت بجنون
بما إنك هتنتجم مني، يبجي افتكر حادثتك يا صالح… فاكر؟ كنت لسه عيل عندك ٢٥ سنة وقعت من على الفرس وقعدت في السرير شهرين لما الحوض اتكسر ! أنا اللي شيلتك جوه عنيا… وجوّزتك بنت عمك اللي ما بتخلفش… وبعدها غيرها وغيرها… سيطرت عليك وخليتك تحت جناحي… وقلت لنفسي: لو صالح بقى له مش هيقدر يتفرعن عليّا … عشان اكدهااا…
1
– عشان اكده حرمتيني من يكون عند ضنا …
ابتسمت بقسوة، فضحك هو … ضحكة لم تكن عادية؛ بل ضحكة يملؤها القهر والألم، والخذلان. لقد عرف بخيانتها من قبل، حين وضعت يدها في يد عدوه… فقد أرسلت له( ايه ) رقم المرأة التي تتعاون مع عبد الجواد… فإذا به رقم شقيقته شقيقته التي اعتبرها بمثابة والدته، فخذلته وطعنته في زهرة قلبه مرات عديدة.
التفت إلى ابنة عمه التي كانت تقف بعيدًا، وقال بصدق:
تسلمي يا بنت عمي… طلعت أصيلة.
عقدت عنایات حاجبيها ونظرت إلى نعمات، التي قالت بقوة:
ربنا يشهد عليا إني ما تعاونتش معاكي ولا عملت حاجة تضر صالح ! أنا سكت… سكت خوف… بس لما وصل بيكي الحال إنك عايزة تجتلي ابن أخوكي اللي لسه ما جاش على الدنيا، هنا ما قدرتش أسكت عشان اكده… كل اللي حصل في المكتب سجلته… وبعته للكبير …
2
رمقتها عنايات بنظرة مرعبة وابتسامة قاسية، ثم التفتت إلى صالح وقالت بتجبر:
– زين ما عملتي يا أرض البور… بلاها تضييع وجت بالكلام الفارغ. أها… أنا بجولها في وشك حرمتك من الخلفة يا صالح! وولد الحرام اللي في بطني بنت الكلااا….
لكن صوتًا مجلجلاً قاطعها:
– ابن صالح الصاوي… كبير مملكة الصعيد! هو وأمه أشرف منك ومن اللي خلفووووك….
كادت تصرخ بغضب، لكن صوته دوى فوقها مرة أخرى:
اكتممممي ما اسمعش حسك واصل يا واكلة ناسك الله في سماه لدوجك المرربار والحنضل
بصفتك إييييي؟!
3
بصفتي كبيرررررك … وكبير الككككل اهنننننا….
كان الجميع واقفا يرقب الحوار، مدهوشين مما سمعوه، والخوف يسيطر على قلوبهم، بينما كان صالح يتنفس بغضب عارم. أي شيطانة تلك التي تقف أمامه؟ لقد تبدلت ملامحها تماما. ثم ابتسمت عنايات بابتسامة كيدية وقالت:
كبير على نفسك وعلى حريمك … إن مهنة بيتي وأرضي انت ما تملكش قشاية فيها يا صالح بيه يا صاوي !
ضاقت عيناه يرميها بعدم فهم، لتزيد ابتسامتها ثقة وقالت:
– شكلك نسيت التوكيل اللي كنت عامله لي… أنا بجي استغليته وخليت المحامي يكتب كل حاجه باسمي بيع وشراء!
2
اتسعت عيناه بصدمة من كلماتها، بينما ارتسم على وجهها انتصار خبيث. كادت أن تكمل حديثها، لكن الأنظار التفتت فجأة إلى باب المكتب الذي فتح، لتخرج منه ريناد تستند بضعف، ويدها أسفل بطنها. للحظة… احترق كل شيء، وتلاشت الصدمة واندفع صالح نحوها سريعًا، يحيط خصرها بيده ويمسك كفها داخل كفه، وقال بلهفة وقلق:
إيه اللي فيجك دلوكا؟! ما لحجتيش تنعسي!
رفعت عينيها الذابلتين إلى عينيه القلقتين، نظرت إليه بصمت عميق… كأنها تدرك لأول مرة أنها ما زالت على قيد الحياة، بعد أن قتلت في الماضي وودعت أسفل التراب. التفتت بعينيها نحو عنايات، ثم جالت بنظرتها على الجميع، وقالت بصوت مبحوح
هو اللي أنا سمعته ده بجد؟ … ۱۱۱ … يعني كلكم كنتم عارفين إن اللي في بطني ابنكم؟! ومع ذلك … سكتوا؟! طيب ليه؟! هو أنا أذيت حد فيكم؟ غلطت في حد؟ بالعكس… إنتو اللي أذيتوني كلكم فاتن… أحمد… سحر… فتحية… نعمات… وانتي… كلكم
أذيتوني وجيتوا عليا بس عادي … مش مهم حقكم تعملوا أكثر من كده… عارفين ليه؟
1
رفعت عينيها لصالح، تكمل بنبرة يملؤها القهر:
عشان جوزي ما صدقنيش جوزي اللي ما كنتش عايزة أتجوزه… الراجل اللي واخد كل حاجة بسهولة غريبة بيتعامل مع الناس على إنهم عبيد يشتريهم بفلوسه زي ما هو عايز
2
ابتعدت عنه لتقف أمامه، وهو ظل صامتا يرمقها بحزن، لا يجرؤ على مقاطعتها، لتصرخ لأول مرة بوحشية:
بسببك إنت أنا استحملت كتير كانوا عامليني خدامة في غيابك ما كنتش بقدر أقف على رجلي وأختك هددتني لو اتكلمت … آااا…
1
انقطع صوتها مع دموعها التي هطلت بغزارة، فالتفت هو إلى شقيقته بنظرة ملأها القهر والخذلان أما ريناد فتابعت بانهيار
– أنتو دمرتوني عشت معاك أسبوع واحد بس… حبيت الدنيا فيه وبعد كده… كله انتهى عشان أختك خبت عليك إنك بتخلف! وأنا مش مهم… أيوه مش مهم ! أنا واحدة اشتريتها بفلوسك… لعبة عجبت صالح الصاوي، لعب بيها شوية، وبعد كده لما زهق… رماها … قلت لي سامحيني صح…
1
شهقت، ثم التفتت فجأة نحو مزهرية قريبة، خطفتها وألقتها على الأرض بقوة، فتبعثر الزجاج إلى مئات القطع. أشارت إليها بعنف وهي تقول:
لمها … واجمعها تاني قطعة واحدة ورمّم الخدوش اللي فيها! في الوقت اللي ترجع فيه المزهرية زي ما كانت… أنا هسامحك یا صالح
1
أشارت إلى نفسها باكية بمرارة:
– أنا أذيتك في إيه؟! أنا أذيتكم في إيه؟! ليه عملتوا فيا كده؟! حرام عليكم قتلتوني وأنا عندي ۱۹ سنة كرهت نفسي وكرهت الحياة أمي ماتت وأنا صغيرة… وبابا مات وأنا عندي 17 سنة… ومن يوم ما دخلت هنا وأنا حاسة إني يتيمة! أنتو مش بني آدمين… أنتو حيوانات… وظالمين!
اقتربت منه فجأة، أمسكت يده وسحبته للخارج بخطوات مضطربة. تبعها بخضوع غريب، حتى وقفت أعلى الدرجات أمام السرايا، ثم صاحت بأعلى صوتها:
3
– يا نااااس يا أهل مملكة الصعيد
تلفت الحراس، ثم الناس خلف البوابة الحديدية. أشارت ريناد لأحد الحراس:
– افتح الباب خليهم يدخلوا !
نظر الحارس إلى صالح، فأومأ له بالإذن. فتح الرجل الباب، واندفع الناس إلى داخل السرايا. ابتسمت ريناد بين دموعها، وأشارت نحو صالح وهي تقول بصوت مرتعش
شايفين الراجل ده؟! حاكم المملكة دي ! ظلم مراته وشك فيها! حبسني خمس شهور في كهف ضلمة وهو عارف إني بخاف خمس شهور… سابني لوحدي في الصحرا … كنت بسمع صوت الديابة وهي تعوي… وصوت يخبط على الباب… والكلاب… ما
رحمش ضعفي لما نزلت تحت رجليه … وقلت له: ارحمني، مش قادرة… ما شفقش عليا ! وحبسته … اغتصبني أكثر من مرة من يوم ما جيت هنا وأنا بتعرض للإهانة والذل منه ومن عيلته! عاملوني خدامة الراجل ده… راجل ظالم… والظالم لازم يموت…
2
ثم اندفعت بجنون، وقفت خلفه، دفعت جسده للأمام، وصاحت في الجميع:
– اقتلووووه خلصوا الناس من شره
2
لكن أحدًا لم يتحرك، وظل هو واقفًا، مستسلما تمامًا لها. استدارت نحوه، أمسكت ذراعه التفت إليها، وفجأة… ارتفعت يدها، وصفعته أمام الجميع! صدمة هزّت القلوب.. لم يصدقوا ما تراه اعينهم لقد صفع كبير المملكه امامهن من قبل زوجته… هو أغلق عينيه في صمت، بينما هي ابتلعت ريقها بصعوبة وتراجعت إلى الوراء بخوف… ظنت انه سيثور او سيتحدث وضعت يدها أسفل بطنها، وقالت بصوت منكسر يملاه الخوف
1
– طلقني…
رفع عينيه لينظر لها بحزن لتعود هي خطوه اخرى للخلف وتكمل بشجاعه زائفه…..
مش عايزاك …. طلقننننني
اقترب منها.. خطوات مخذيه صوته مبحوح
اعملي فيا اللي انتي عايزاه … اجتليني… بس ما أجدارش أبعد عنك…. اطلبي روحي اجدمها لك على طبق من فضه بس طلبك ده مرفوض يا هلاكي
أمسكت يده برجاء وهي تبكي بحرقة:
بالله عليك طلقني … ومشيني من المكان ده! أنا كرهتك… وكرهت الدنيا أرجوك… عرفت دلوقتي إنه ابنك… والله ما هحرمه منك… بس أبعدني عن هنا دي مش مملكة… ده هلاك!
1
لف ذراعه حول كتفيها وتشبثت في قميصه بانهيار:
– والنبي طلقني لا روحي ولا قلبي ولا عقلي… هيقدروا يستحملوا أكتر من كده أنا تعبت… تعبت أويييي…
اندفعت تبكي وتلطم على وجهها، فاضطر أن يمسك يديها ويعانقها بقوة، بينما هي تصرخ بهستيريا:
ابعععععد عني أنا بكرههك… بكرهك يا صااااالح!
صرخت… وارتجت المملكة كلها على صرختها … صرخة وجع هزت الجدران… ثم تحولت الصرخة فجأة إلى أنين مؤلم، فابتعد عنها سريعًا، لتضع يدها على بطنها وتصرخ:
ابنيييي!
1
اتسعت عيناه وهو يرى بقعة ماء تحتها، اندفع ليمسكها قبل أن تسقط، نادي بصوت مبحوح
– الحكيمة يا شعبان… جووووام
وقبل أن يتحرك ،شعبان، ارتفعت أصوات النساء، إحدى القابلات صاحت:
– الجرن طاش يا سيدي صالح ما فيش وجت أنا أولدها!
كاد أن يعترض، لكن صرختها جعلته يوافق دون تفكير، فحملها ببطء وصعد بها إلى الأعلى، مددها على الفراش، ودخلت النساء يعاون القابلة. أرادوا إخراجه، لكنه جلس بجوار رأسها، يمسك يدها بشدة. صرخت ريناد بقهر:
– لاااا! هياخدوا ابني هيموتوه
انحنى عليها يمسح وجهها بلهفة:
ـ ما تخافيش… ما هملكش واصل. –
ضغطت على يده بقوة، وهي تلهث بين صرخة وأخرى:
1
ابنييي…
جفف عرقها، وعيناه ترتجفان خوفًا. كان يراها صغيرة جدًا على هذا العذاب… حقا الان ادرك انه ظلمها كثيرا ليس مره واحده بل الكثير من المرات… اغمض عينيه بقوه مع كل صرخه تخرج منها… وهي كانت روحها تخرج مع كل صرخه والنساء يحاولون ان يسحبوا الجنين من الاسفل ضغطت باظافرها على كف يدور ارتفعت راسها الى الاعلى.. في صرخه عميقه…
حتى ارتفع صوت صرخة قوية … لكنها لم تكن منها هذه المرة، بل كانت صرخة طفل وليد!
1
ساد صمت عجيب الغرفة… توقفت الأنفاس، وخفق قلبه بعنف. التفت ببطء، فرأى السيده ترفع بين يديها المولود.
ابن كبير المملكة وصل ابن صالح بيه وصل يا ناس!
لم يصدق… التفت نحو ريناد ، التي تكاد تفتح عينيها بصعوبة…. تحسس على وجهها بيده المرتعشه لاول مره نظر الى الطبيبه التي دخلت الى كانت تعاون النساء في الولاده ثم قال بصوت يملاه القلق والخوف
ازاي …اااا… ما كملتش السابع كيف ولدت دلوكا…ااا… وهو … هو زين…. ورينان ما هتفتحش لييي…
ابتسمت الطبيبة وقالت:
لا يا صالح بيه … الجنين كامل. ده معناها إنها كانت على وشك تدخل في التامن. لو فعلاً في السادس… الطفل ما كانش هيعيش. نادر جدًا لما بيعيش مولود في نص السادس.
صرخ قلبه بألم وهو ينظر إليها… أخيرًا عرف الحقيقة: ريناد نقية، شريفة، عفيفة … كانت حاملا منذ الشهر الأول
2
وبينما دموعه تحبس في عينيه، كانت نعمات تنظف وجه المولود بقطعة قماش صغيرة، وقالت بفرحة:
بسم الله ما شاء الله … هيصرخ زي السبع في عز الليل! قلبه هيبقى قوي زيك يا صالح … سمي عليه وقول اسمه!
قالت ذلك واقتربت منه لتضع الطفل بين يديه وبين والدته… التفترينات براسها في ضعف …. ابتسمت هي بإرهاق، ونظرت إلى الطفل بضعف، أما هو … فقلبه لم يصدق. طفله الصغير أمام عينيه حي يرزق. كل السنوات التي عاشها في ألم وحرمان بدت كأنها قد تلاشت، وصار وجه ابنه أجمل من كل أحلامه. أمسك بكفه الصغير بيده المرتعشة، فشعر بقبضة عنيفة تضرب صدره فتقطع أنفاسه للحظة.
إنه الآن يحمل طفله بعد كل تلك السنوات … لا يكاد يصدق. نظر إلى ريناد بعينيه المبللتين بالدموع، لكنها أبعدت نظراتها عنه. أراد أن يتحدث، أن يقول أي شيء … لكن سحر اللحظة كان أقوى، حتى إن المكان من حوله بدا فارغا. الطبيبة ومن معها قد انسحبن بعدما أتممن ما بدأنه.
1
نظر إلى الطفل، وابتسم من بين دموعه، ثم طبع قبلة مرتعشةً على جبهته الصغيرة هامسا:
– “أنت ابني… أنت معجزتي… أنت الحياة التي عادت إلي.”
ارتجف صوته وهو يهمس:
“الحمد لله … الحمد لله اللي ما نسينيش.”
انهمرت دموعه بلا خجل تغسل قلبه المتعب وتعيد إليه الإيمان بأن الرحمة لا تغيب. الطفل يتحرك أمام عينيه، فيشعر وكأن قلبه سيتوقف من شدة الحب. كأن العالم كله لا يساوي شيئًا أمام هذه اللحظة… اللحظة التي صارت هي الوطن هي الأمان… اللحظة التي أدرك عندها أن الحياة قد بدأت الآن فقط.
1
رفع عينيه نحوها وقال بفرح:
ولدي … أنا عندى عيل صغير … هيتكتب على اسمي …
نسميه…محم…
قاطعته قائلة وهي تنظر للطفل بحنان
عمر.
ابتسم بسعادة وقال:
زين جوي… عمر.
ثم نظر إلى الصغير وتابع بفخر
عمر صالح الصاوي … كبير المملكة من بعدي.
1
لاااا!
توقف مذهولا من اعتراضها، فهي المرة الأولى التي تقول فيها “لا” على شيء يخصه. نظر إليها بعدم فهم، لكنها لم تلتفت نحوه، وقالت بصوت متهدج
ابني مش هيبقى كبير مملكة … أنا مش عايزة يطلع زيك…. مش عايزة أعيش هنا… أنا هاخد ابني وأنزل ع القاهره أعيش في بيت بابا…
2
……
- لقراءة باقي فصول الرواية اضغط على (رواية مملكة الصعيد)
لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها
أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)