روايات

رواية مملكة الصعيد الفصل التاسع عشر 19 بقلم سالي دياب

رواية مملكة الصعيد الفصل التاسع عشر 19 بقلم سالي دياب

 

البارت التاسع عشر

 

مشينا من هنا… آاااه….
نهض سريعًا من فوق الفراش، والتفت للجهة الأخرى حين حاولت أن تعتدل، لكنها صرخت متألمة وهي تمسك كتفها، فأجبرها برفق أن تتمدد مرة أخرى وهو يقول:
1
اهدي يا بت الناس، لساكي والدة نفسها تمشي تروحي فين وانت الكده؟
بكت وهي تحاول النهوض مجددًا، ثم قالت بإصرار:
لا، أنا لازم أمشي من هنا… هيقتلوا ابني. اااه.. عنايات هتقتل ابني… مشيعني من هنا!
1
انحنى عليها، ومسح على خصلات شعرها برفق محاولا تهدئتها:
طب اهدي واسمعيني … والله همشيك مهما كان، بس دلوكا إزاي تسافري وانتي اكده؟ فكري في ولدك … ما يجدرش يتحمل.
نظرت إلى صغيرها، ثم احتضنته بذراعيها وألصقته بصدرها. التفتت إليه مجددًا وقالت ببكاء:
أوعدني إنك تخرجنا من المكان ده… أنا وابني كويسين… لو حصل لنا حاجة، مش هسامحك
1
. وغلاوتكم عندي، ما فيش حد هيجدر يأذيكم واصل… أوعدك الصبح أشوف لك مكان هنا في سوهاج…
لااا، أنا عايزة أروح بيت بابا!
أخذ نفسًا عميقًا من أنفه، ثم جلس بجانبها على طرف الفراش، وأحاط وجنتيها بين كفيه يمسح دموعها بإبهامه قائلا بحنان:
اسمعيني يا حبيبي… حياتي وشغلي ودنيتي هنا في سوهاج ما ينفعش اهمل كل ده… ولا ينفع أسيبكم عشان اكده لازم نلاقي مكان نعيش فيه اهنا.
أبعدت يديه عن وجهها وقالت بحدة
1
نعيش ! مين “نعيش” دي ؟ أنا عايزة مكان ليا أنا وابني… انت مش هتعيش معانا … أنا مش عايزاك … ولا ابنك عايزاك!
رد عليها بصوت مكسور
هتحرميني من ولدي يا ريناد… اني خابر إني جسيت عليكي وغلطي ما ينغفرش… بس عقابك ده جالسي عليا جوي
3
ثم نظر للرضيع بابتسامة مهمومة وأكمل:
– كيف عايزاني أبعد عنه بعد ما عيني شافته؟ عمري ما تخيلت أعيش اللحظة دي…
أعاد نظره إليها برجاء
بالله عليكي عاقبيني في أي حاجه إلا ولدي
اطلقت ضحكه صغيره ساخره ثم قالت بتهامك…
دلوقتي مش هتقدر تبعد عنه؟ وانت نفسك اللي كنت عايز تقتله !
1
أغمض عينيه بضيق، وتنهد بقوة، ثم هم بالكلام… لكنها تشبثت به أكثر، وضمت الرضيع إليها حين سمع طرق على الباب. أمسك يدها دافئة:
الممسكة بقميصه، وانحنى قليلا نحوها وهو يقول بنبرة ی
اهدي… ما تخافيش.
لكنها تشبثت به أكثر، وقالت بذعر:
جايين يقتلوا عمر هيقتلوا ابني … إحنا لازم نمشي دلوقتي هيموتوا ابني!هششش… بسس… اهدي محدش يقدر يقربلك واصل… انت وولدك…
كاد أن ينهض ليرى من الطارق، لكنها تشبثت به أكثر، فاضطر أن يسمح بالدخول. دخلت هاجر ونعمات تحملان صينية طعام…… نظرت اليهم بخوف رغم ان هاجر ساعدتها على الهرب الا انها الان تحمل قطعه سمينه تخشى عليها من الهواء الطائر كانت تتشبث فيه بقوه وتندس داخل احضانه رغم المعاناه التي طالتها على يده… ابتسمت نعمات وهاجر بحنان يملاه الشفقه حينما راوا الزعر في عينيها اقتربت نعمات وهي تقول:
1
– عملت لك لجمة يا ريناد ترم عظمك عشان تعرفي ترضعي ولدك… ولازم الصغير يتسبح ويلبس خلجات نظيفة، إحنا لفيناه في حتة جماشة.
وقالت هاجر بابتسامة صافية:
وده العلاج والمطهرات اللي الحكيمة كتبتهم… شعبان جابهم.
لكن ريناد نظرت للطعام بعين متسعة، ثم رفعت رأسها نحوه، وهزت رأسها بهلع
لااا، الأكل ده مسموم ! أكيد عنايات بعتاكم عشان تقتلوا عمر! لا، لا … لازم أمشي من هنا أنا وابني!
2
حاول أن يثبتها على الفراش ويهديها، لكنها رفضت أن تصدق أي شيء يقوله. بعد ما مرت به، لم يعد من السهل أن تثق بأحد… عندها التفت لهم وقال بحزم:
2
خدوا الوكل ده واطلعوا… يلا!
حملوا الطعام وخرجوا، بينما انحنى هو عليها وهمس أمام وجهها وهو يحدق بعينيها:
– كله بايدي. هششش… خلاص أنا هعمل لك الوكله بإيدي.
2
توقف بكاؤها قليلًا، ونظرت إليه بعدم تصديق. وقف هو عن الفراش، نظر للفراش المتسخ، ثم إليها وإلى الرضيع بين يديها… وضع يده على خصره والأخرى على رأسه، محتارًا: كيف سيفعل ذلك؟ كيف سيعتني بهما وحده وهو لا يجيد أمور النساء ؟
أخرج هاتفه من جيبه، واتصل بشعبان وضعه على أذنه، وما إن جاءه الرد قال:
1
– بجولك… عاوز مرتك تيجي تعول مراتي، أو تجول لي أعمل إيه وأنا هعمله.
وااااه … أمي جابت مرتي يا صالح بيه… هبابه، وتكون تحت مداس الست الصغيرة.
1
ابتسم صالح بامتنان وهو يغلق الخط من دون أن يعلق، فهذا الرجل هو السند الوحيد الذي يملكه الآن. تنهد بقوة، ثم بدأ يحل أزرار قميصه وينزعه تمامًا. أبعدت ريناد وجهها لتنظر إلى الرضيع بين يديها. صحيح أنها رأت جسده من قبل، لكن هذه المرة ارتبكت وشعرت بالخوف، خصوصًا لأنها لم تنس أنه اغتصبها يوما ما.
1
اقترب منها، وانحنى عليهما وهو يهمس حتى لا يستيقظ الطفل:
هو مش المفروض يرضى…
رفعت رأسها نحوه في حيرة، فأجابها بابتسامة وانحنى ليطبع قبلة على رأسها. لكن حين رأى الرفض والارتباك في عينيها، أبعدت رأسها سريعًا وقالت بحدة:
– ما تقربليش… مش هبعدك عن ابنك بس ما لكش علاقة بيا. ابعد عني وما تقربليش نهائي.
ابتسم ابتسامة حزينة، لامست وجنتها حتى أغمضت عينيها بشعور متناقض، ثم طبع قبلة عميقة مليئة بالندم على صدغها وهمس:
– هعمل كل اللي أجدر عليه عشان تسامحيني… أني دلوكا ما ليش غيرك إنت وولدي. إنتوا الاتنين كل حياتي… وما همليش ـل حياتي … و ما همنيش غيركم.
1
ثم اعتدل واقفا، واتجه نحو المرحاض. جلب وعاء بلاستيكي كبير، سحب الغطاء المتسخ من عليها برفق ووضعه في الداخل، ثم عاد إليها. وضع يده خلف رأسها ليُساعدها على النهوض قائلا:
– جومي اتسبحي لأول.
لا، لا … مش هسيب عمر
تركها على الفراش، وتوجه إلى باب الغرفة، فأغلقه جيدًا بالمفتاح ثم عاد وأعطاها المفتاح في يدها:
– الباب مجفول، والمفتاح في يدك… جومي اتسبحي، والحمام في وش السرير… ما تخافيش.
نظرت إلى رضيعها بتردد، رافضة أن تتركه بمفرده، لكنه أقنعها حتى خضعت في النهاية. ساعدها على النهوض برفق، لم يحملها مباشرة، بل أمسك يديها وضغطت هي عليهما وهي تحاول سحب جسدها للأعلى.
الولادة الطبيعية لا تُشبه القيصرية من حيث الألم، لكنها هذه المرة الأولى لها، كما أن طفلها جاء مبكرًا، وجسدها أضعف مما يحتمل. حاولت أن تخطو لكنها صرخت ببكاء:
1
مش قادرة أمشي…
انحنى والتقطها بذراعيه، رافعًا جسدها بخفة بين يديه. تعلقت بعنقه، وهو يتجه بها نحو المرحاض، ثم أجلسها على حافة المغطس حيث الرضيع في مواجهتها قام بتدفئة المياه، أمسك بالثوب القصير وكاد أن ينزعه لكنها ارتبكت وقلت من بين دموعها..
– لااا… أنا… هستحمل.اا.. واحدا أهو…
– هساعدك عشان تعاودي لعمر جوام… يلا يا رينو عشان ترضعيه
اءة مستسلمة نظرت إلى طفلها، ثم هزّت رأسها ببراءة مستسلمة، وأغمضت عينيها بخجل حين بدأ يجردها من ملابسها. بدا جسدها المنهك النحيل أمامه، فتذكر بقهر كيف أن شقيقته جلبتها من قبل أمام الرجال والنساء في مظهر مُهين… تذكر التعذيب الذي طالته على يده ضغط على جفونه بقوه في حين يشعر باختناق يزهق روحه في كل مره اتذكر افعاله الشنيعه معها…
4
لم يدخلها المغطس مباشرة، بل استخدم وعاء صغيرًا ليملأه بالماء الدافئ، ثم سكبه على رأسها برفق وهو يفرق فروة رأسها
بحنان. انحنت إلى الأمام محاولة أن تُخفي جسدها عنه بخجل، فيما كان هو يوقن أن طريق الغفران لن يكون سهلا أبدًا، لكن المهم أن تبقى إلى جواره مع طفلهما.
1
حممها برفق، طهر جسدها، ثم لفّها بالمنشفة وجففها بحنان قبل أن يرفعها مجددًا بين ذراعيه شعرت بالانتعاش بعد الحمام الدافئ، وجلسها على المقعد. أخرج ملابس نظيفة وألبسها إياها، ثم أخذ يمشط خصلات شعرها الطويلة بعدما جففها جيدًا، وعقدها بمشبك ورفعها أعلى رأسها.
كانت ترتجف في كل مرة تلامس يده جسدها، تحاول قدر المستطاع السيطرة على خوفها… لكنها في داخلها تدرك أن مسامحته لن تكون سهلة، بل ربما مستحيلة، وأن معاشرتها له داخل هذا الكهف جعل خوفها يتضاعف أكثر فأكثر….
1
كادت أن تنهض لتذهب إلى رضيعها، لكنه سبقها وحمله من على الفراش. تقدم نحوها بخطوات بطيئة وعيناه مثبتتان على الصغير الغافي بين ذراعيه.
لأول مرة، شعر أن يده ترتعش ولسانه ينعقد من شدة المشاعر… الآن، طفله بين يديه انحنى برفق أمامها، ثم وضع الرضيع على ساقيها. ابتسمت هي بحنان ومدت يدها لتأخذه،…
فوضعت كفها على كفه ارتفع بصره إليها في اللحظة نفسها التي رفعت هي رأسها، فالتقت العيون عيناها المرهقتان بعينيه الممتلئتين ندمًا وحزنًا، لكن داخلهما معًا كانت هناك سعادة مشتركة… تلك القطعة الصغيرة التي بينهما.
1
وفجأة، صدح صوت الرضيع الباكي، فأفزع الاثنين.
قالت ريناد بخوف وارتباك
هو بيعيط ليه؟ أنا ما عملتش حاجة هو تعبان؟ في حاجة وجعاه؟
1
ضحك صالح وقال:
لا … جعان. طلعي صدرك ورضعيه …..
تطلعت اليه في حيره يملاها الخوف والجهل ففهمه عليها… ثم اقترب منها .. سحب طرف قميصها الطويل إلى الأسفل ليكشف أحد نهديها. وقف أمامها وانحنى عليهما، واضعا كفه تحت رأس الصغير، واليد الأخرى تمسك نهدها تبادلت العيون نظرات
قصيرة، قبل أن تخفض هي بصرها بخجل، ابتسم هو ثم نظر الى نهدها داخل كف يده…. انحنى قليلا للأمام ليضع حلمتها في فم الرضيع.
لكن الطفل رفض الرضاعة، وحاول أكثر من مرة ثم انفجر في بكاء أعلى. حاول صالح تهدئته بلا جدوى، فارتجفت نبرة ريناد وهي تقول باكية:
هو ماله؟ بيعيط ليه؟ هو زعلان مني؟
2
يا إلهي… طفلة تحمل طفلًا ! ما بين كل هذه الصراعات، تأتي عفويتها البريئة لتمسح أي هم. ابتسم صالح بمشاكسة وقال:
– بيعيط عشان إنت مش راضية تسامحي أبوه. سامحي أبوه وهو هيبطل صراخ.
ردّت سريعًا كطفلة:
خلاص… مسامحاك. بطل يا عمر بقى.
ارتفعت حاجباه بدهشة من سهولة كلماتها… أيعقل أنها بريئة إلى هذا الحد؟ يبدو أنه لم يكن يعرف زوجته جيدًا بعد.
1
ثم قطع صوت الطرق على الباب اللحظة. مد يده وأخذ المفتاح من يدها قائلا:
دي أكيد مرات شعبان.
توجه نحو الباب وفتحه. كانت زوجة شعبان ووالدته تخفضان أبصارهما أرضًا حين رأتا صالح عاري الصدر وملابسه السفلية مبللة، لكنه لم يبال، وأشار لهما بالدخول ثم أغلق الباب خلفهما.
دخلت السيدتان، وما إن وقعت أعينهما على الرضيع في حضن أمه الصغيرة التي كانت على وشك البكاء. قال صالح بجديه
– أعمل لها وأكل إيه؟
هل يعقل؟! صالح الصاوي نفسه سيفكر أن يدخل المطبخ ليطهو لزوجته ابتسمت زوجة شعبان وقالت:
أنا هنزل أعمل لها فروجة مسلوقة يا صالح بيه.
1
فأجاب بحزم
خلي بالكم منها … عقبال ما أجيب الوكل.
ثم اقترب من ريناد وقال لها بنبرة حنان
– ما تخافيش… الناس دي أنا ضمنهم برقبتي. هقفل الباب من بره، أعمل لك أكل وارجع. ماشي يا حبيبي؟
لكنها لم تجبه، بل ظلت عيناها معلقتين بالرضيع الباكي. تنهد صالح وخرج، بينما رفعت هي بصرها إلى السيدتين. لمست الطمأنينة في عيونهما، فشعرت لأول مرة بالأمان، ولم تمنعهما حين اقتربتا منها وأخذتا الرضيع بين يديهما …..
1
نزل هو إلى الأسفل دون أن يرتدي شيئا في الأعلى، أو حتى يبدل بنطاله الذي تبلل بالمياه.
اقتربت منه سحر وفتحية سريعًا، اللتان لم تغادرا بعد، وتطلعتا إليه بتوسل.
قالت سحر:
– مبروك ما چاك يا كبير…. سامحنا لاجل عيون البيه الصغير…
2
وقالت فتحية هي الأخرى:
ما تاخدناش في ذنب غيرنا يا كبير… إحنا غلطنا بس ما كانش بايدينا حاجة…
كان رده عليهما قاسيًا:
– أني راجل ظالم ومفتري، وجلبي مش ملكي… يعني ما بسامحش حد الطلقه غالي، وانتم الاتنين أرخص من بعض. اللي تبيع عرض جوزها وتطلع سر فرشه بره تبجي مره رخيصه… ههملكم تمشوا، ولو لمحت طيفكم جدامي صدگوني هشندل
2
عيشتكم…
لم ينتظر ردهما، وتركهما تبكيان، ثم توجه إلى المطبخ وهو ينظر إلى شقيقته ويبتسم ابتسامة حيّرتها.
دخل إلى المطبخ فرأى هاجر ونعمات في الداخل. نظر إلى الطعام الموضوع على الصينية، وتنهد ثم قال لنعمات:
طلعي لي فروچه وجولي لي بتتعمل إزاي…
نظرت نعمات وهاجر إلى بعضهما بصدمة، لكن لم يجرؤ أحدهما على الاعتراض أو الحديث. فأخرج هو الدجاج من الثلاجة وبدأ بغسله كما قالت له، بينما كانت عنايات تلقي عليه التعليمات، وهو يفعلها بكل اهتمام.
أما شقيقته فوقفت في زاوية المطبخ، فاغرة فمها بدهشة، لا تصدق أن شقيقها المتجبر القاسي الذي يهابه الجميع، يقف الآن يعد الطعام بهمة ونشاط لأجل الصغيرة ….
1
وفي المكتب دخلت عنايات لتتحدث عبر الهاتف إلى عبد الجواد، وقالت له بصرامة:
صالح معاها المساخيط … يعني اللي اني أخدته منيها ده ما هيأثرش عليه في حاجه إحنا لازم ناخذ المساخيط في اجرب وجت
رد عليها عبد الجواد بغل
يبجى لازم نخطف ولده ونهدده بيه … المساخيط ينقتل…
فقالت تلك المتجبرة:
ومين جالك إني هسيب ولد ريناد عايش؟ ده أنا هحرج جلبها وجلبه عليها… هجتله جدام عينيهم … ورحمه فخر الصاوي لحصر جلبك يا صالح….
2
شعر عبد الجواد بالرعب، فهذه السيدة أقل ما يقال عنها إنها شيطانة متجسدة في امرأة عجوز. ولم يكن يعلم أن زوجته تقف خلف الباب تسترق السمع على ما يحدث بالداخل، فهرولت سريعًا إلى الأعلى وأغلقت الباب عليها جيدًا.
ثم ضغطت على اسم صالح الصاوي، واتصلت به مرة واثنتين وعشرًا، لكنه لم يجب. ولم تكف عن الإلحاح حتى اضطرت ريناد لفتح الخط، وما إن فتحت حتى سمعت صوتها باللهفة:
سمعتهم دلوكتي بيتفجوا إن هم هيخطفوا ولدك عشان يضغطوا عليك ترجع لهم المساخيط ….
صاااااااالح…
كان هذا صوت ريناد الذي أفزع الرضيع وأفزع الجميع، ففتح الباب سريعًا، ووضع الطعام على الطاولة مهرولا إلى الداخل.
ألقت الهاتف في وجهه وقالت بشراسة:
مشيني من هنا دلووووقتي… اختك هتقتل ابنننني…
1
التقط الهاتف الذي سقط على الأرض نظرًا للمكالمة المفتوحة، وضعه على أذنه وفارغا قال:
إيه اللي حوصل؟
سمعتهم بيتفقوا إنهم هيخطفوا ولدك ويضغطوا عليك عشان تديهم المساخيط… أناا…
لم ينتظر لسماع المزيد، أغلق الخط وألقى الهاتف بعيدًا، وتوجه إليها عندما وقفت من على الفراش ببطء . وضع يديه الاثنين على كتفيها وقال مهدئا:
اسمعي… أني سابجهم بخطوة ما هيقدروش يعملوا حاجة…
1
أبعدت يديه بعنف وصرخت في وجهه:
– لااا… أنا عايزة أمشي دلوقتي… مش هقعد هناااا… مشيني من هنا… أبعدوا عنننني… …
خلااااص… اكتمي… همشيكي…
توقفت عن الصراخ والبكاء، ليس لأنها اقتنعت، بل خوفا من نظرته. أغمض عينيه ليتحكم في أعصابه، ثم أجلسها مرة أخرى على الفراش. ذهب إلى الهاتف واتصل بشعبان، وفور أن أتاه الرد قال:
– شحة نص ساعة تشوف شجّة زينة… سمعت یا شعبان؟ نص ساعة … يلا …
أنزل الهاتف من على أذنه، ونظر إليها وهو يعقد حاجبيه، ليس منها بل من الموقف الذي هم فيه الآن. أما هي فكانت تنظر إليه بخوف وتشهق بعنف. تنهد بضيق، ثم نظر إلى السيدتين وقال:
– معلش… لمّوا لها خلجتها….
هزت السيدتان رأسيهما وذهبتا لتجهيز الحقائب. نظر إليها وقال بنبرة خافتة:
مرتاحة أكده؟
رمقته بنظرة غاضبة ملؤها الضيق، ثم نظرت إلى طفلها الذي غفا على قدمها. تنهد هو بقوة وتوجه إلى المرحاض ليرتدي ملابس نظيفة.
مرت أقل من نصف ساعة وكان شعبان يتصل ليخبره أنه وجد مكانا مناسبًا. فأمره أن يصعد ويأخذ الحقائب ليضعها في السيارة. ساعدها في ارتداء عباءة سوداء ووشاح على رأسها، ثم نزل بها من الأعلى.
جلست عنايات واضعة قدمًا على الأخرى، وابتسمت باستهزاء قائلة بسخرية:
ـ دي آخرتها يا كبير المملكة… تهمل دارك وأراضيك عشان عيلة صغيرة… توتو… يا عيب الشوم…
احتضنت ريناد رضيعها بحميّة، وانكمشت تلقائيًا داخل صدره، عندما وقفت عنايات أمامهما ونظرت إليها بذهول زائف قائلة:
ريناد… إزيك إنت؟ زينة … سمعت إنك ولدتي… وجبتي لصالح الواد… وريني أكده…
صرخت ريناد وانكمشت أكثر داخل أحضانه، بينما هو أمسك يد شقيقته قبل أن تلمس الرضيع، ونظر إليها بحدة، وقال بابتسامة جعلتها تشعر بالغرابة:
أم عمر زينة… وقريب جوي المملكة كلها هتحتفل ٣٠ ليلة فرحة… هيشوفها أهل المملكة. بس عجّلي يروج… انبسطي لك شويه فيهم بقى يا خيتي…
عقدت عنايات حاجبيها، فقد بدا وكأنه غير متأثر بخسارته لممتلكاته. بالطبع لم يكن يهمه، فالغنيمة الأكبر بين يديه.
خرج من السرايا وهو يساندها، وقال لها بنبرة خافتة عندما رأى ارتعاش جسدها وخطواتها البطيئة: – أشيلك ؟
نظرت إليه بخوف، ليرى الذعر الواضح في عينيها ويشعر بارتعاش أنفاسها. فتح شعبان باب السيارة، فساعدها هو في الدخول، ثم جلس بجانبها قالت هي بنبرة مرتعشة:
مش هيأذي عمر …؟
اقترب منها، وأحاط كتفها ليسحبها داخل أحضانه، بينما كانت تنظر إليه منتظرة الإجابة بلهفة وخوف. رغم أنه آذاها، إلا أنها وجدت نفسها تحتمي منهم داخله. ابتسم وهو ينظر في عينيها بقوة، وقال:
=اللي جاي ليكي… والعُمر وبس… صالح الصاوي فاج كل واحد هيعرف تمامه…
4
…..

دي رواية مميزة جدًا جرب تقرأها  رواية ماسة الاركان الفصل السابع والعشرون 27 بقلم ميفو السلطان

 

 

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *