روايات

رواية مملكة الصعيد الفصل الاول 1 بقلم سالي دياب

رواية مملكة الصعيد الفصل الاول 1 بقلم سالي دياب

 

البارت الاول

 

وحدي أمشي والدروب طويلة …. والصدى يرجع حكاية ثقيلة …. لا صديق يطرق الباب يوما …. ولا طيف يمسحالدمع حيلة … قلبي المكسور بيني وبيني…. وجرحي لا يشتكي للقبيلة …. كل ما في الكون يبدو غريبا … حين تغدو الأنفاس قليلة …. الوحدة نار ولكن بصمت… تحرق الروحبنار أصيلة …..

تمت كتابة هذه الحروف داخل دفتر مليء بالكلمات… ليغلق في كل مرة بعد أن تخرج الصغيرة ما بداخلها على هيئة كلمات بين السطور … مرارة كف يدها على صديقها الوحيد لتشق ابتسامة صغيرة ثغرها الوردي الساخن….

تلمع عيناها عندما تنظر لهذا الدفتر وكأنه شخص حقيقي يستمع إلى همومها … ليست أوراقا بها بعض الحروف…. تلاشت ابتسامتها الرقيقة تدريجيا ….

رفعت عينيها من على دفترها . فجأة سقط القلم من يدها وهرعت إلى الخارج عندما استمعت لصوت الصراخ…. فتحت الباب واتسعت عيناها فور أن رأت رجال الشرطة يسحبون أحمد بالقوة إلى الخارج ووالدته تصرخ باكية….

=والنبي يا باشا ابني ما عمل حاجة … خدوني أنا
مكانه … ابني لسه صغير ….

وضعت يدها على فمها لتمنع هذه الشهقة المذعورة من الخروج… عندما دفع أحد رجال الشرطة والدة احمد إلى الخلف وسحبوا أحمد بالإجبار للخارج… دون أن يكلفوا نفسهم عناء الرد عليها … هرولت إليها سريعًا وساعدتها على الوقوف ثم قالت بخوف ظهر في صوتها الناعم….

=في إيه يا ماما … هم واخدينه ليه….

هرولت السيدة فاتن للداخل سريعًا وهي تقول….

=ابن الكلب صاحب الأجانص اشتكى احمد بالإيصالات اللي عليه….

تجمعت الدموع في عينيها الصغيرة سريعًا… توجهت إلى غرفتها وأخذت هاتفها … نظرت لها فاتن وقالت من بين دموعها …

=انتي رايحة فين يا ريناد… خليكي هنا….

هزت رأسها نافية رغم الخوف داخلها من زيارة هذا المكان … وصممت على أن تذهب معها وألا تتركها بمفردها … لم تكن السيدة فاتن لديها متسع من الوقت لكي تجادلها … لذلك أخذت حافظتها … وتوجهوا سويا للخارج للحاق بابنها الوحيد احمد الصاوي….

أمسكت يدها فور ان خرجت من البناية وسحبتها خلفها لتتوجه للشارع الرئيسي… كانت خطواتهما تتسارع على الأسفلت الساخن… والعرق يتصبب من الجباه … فاتن تبكي بصمت… تنفلت أنفاسها من صدرها المتعب … بينما كانت ريناد تمسك يدها بقوة لا تدري إن كانت تحاول أن تسندها أم تسند نفسها…. استقلوا احدي سيارات الأجرة … ليذهبوا الى القسم التابع للمنطقة الشعبية التي يقيمون بها …..

ما هي الا لحظات وتوقفت السيارة أخيرًا أمام القسم.
أسرعت فاتن إلى الباب… عيناها تتفقدان الوجوه… ثم صرخت

=إبني فين…. أحمد فين…..
اقترب منها أحد الأمناء … فقالت بلهفه …..
=إن شاء الله يخليك يا إبني …. إبني جابوه على هنا اسمه أحمد فخر الصاوي … أسأل عليه فين الله يخليك….
أشار لها الأمين الي أحد مكاتب الضباط فأسرعت هي وريناد الى المكتب…. اقتربت من الضابط خلف المكتب وسألته ريناد بهدوء مرتعش…
=بعد إذنك يا باشا … أحمد الصاوي… اتجاب هنا دلوقتي…
رفع الضابط نظره إليها … ثم قال دون أن يتغير تعبير وجهه …
=إستني بره… مفيش زيارات دلوقتي…..بس ده ابني… عايزة أطمن عليه….
جاء صوت فاتن من الخلف … منهارًا وموجوعا … لكن لا أحد رد عليها، فقط نظرات باردة وأبواب مغلقة …. سحبت ريناد يدها برفق و همست….
=تعالي يا ماما نقعد هنا شوية … يمكن حد يخرج
يقول حاجة ….
لكن فاتن هزت رأسها بعنف … وقالت كأنها تكلم نفسها ….
=لا مش هقعد وارتاح غير لما أطمن على ابني….
بعد دقائق… خرج ضابط شاب يحمل ملفاً.. نادى بصوت ثابت…والدة أحمد الصاوي ….تقدمت فاتن بسرعة تكاد تقع من لهفتها…
=أنا… ابني عامل إيه … طمني عليه الله يخليك….
فتح الملف وقال بنبرة محايدة ….
=فيه بلاغ رسمي من هشام فهمي ضده….ايصالات أمانة … وهيتعرض على النيابة بكرة الصبح…..
=يعني انا ابني كده …. هيتحبس ولا هيتقدم تنازل ولا اعمل ايه انا اول مره اجي هنا فهمنا الله لا يسيئك …..
تنهد الضابط وقال….
=لازم تنازل رسمي يا حاجه … من غيره الموضوع قدام النيابة … وممكن يتحبس احتياطي…. احسن لك تشوفي له محامي المبلغ مش شويه… حاولي تدبري حاجه منه وتروحي للراجل صاحب الايصالات تتفاهمي معاه … دول 400 الف يا حاجه …..
جلست فاتن على أحد الكراسي الحديدية.. وقد شحب وجهها كشحوب الموتى بعد ان استمعت لهذا الرقم الضخم همست بصدمه …
=400 الف… راحوا فين.. يا نهار اسود ومنين نجيب ده كله احنا لو بعنا اللي حيلتنا مش هنجيبه 400 الف لو بعنا هدومنا مش هنجيب المبلغ ده….. خدهم وداهم فين ليه كده يا احمد ليه كده يا ابني وديتنا في داهيه وضيعت نفسك…..
جلست ريناد بجانبها وقالت بارتباك خائف….
=يعني كده أحمد هيتحبس… هو ما ينفعش هشام
ده يدي له مهلة لحد ما يسدد الفلوس…
نظرت لها بعين حمراء كالجمر لتبتسم بحسرة وتقول بقهر …
=هيدي له مهلة قد إيه شهر شهرين سنة هيجيبهم منين هيجيب 400 ألف جنيه منين ده يا دوبك يوميته بتكفينا بالعافية… أعمل إيه أروح لمين….
قالت هكذا ووضعت يديها الاتنين على راسها، بينما ريناد دمعت عينيها حزناً عليها، وربتت على كتفها بحنان كي تواسيها، وهي تدعو الله أن يمر هذا المأزق على خير …. رفعت فاتن راسها فجأة، نظرت إلى ريناد وقالت بعين متسعة ….
=صالح الصاوي…
عقدت ريناد حاجبيها بعدم فهم، وقفت فاتن وقالت بلهفة….
=صالح الصاوي… أخو أحمد… أهله اللي في الصعيد…
وقفت ريناد هي الأخرى وقالت بحيرة….
=مش فاهمة …. مش قلتي لنا مرة إن الناس دول مش كويسين..
قالت فاتن ببكاء….
=أعمل إيه… ما قداميش حل غيرهم.. هاروحوأتذلل لصالح الصاوي عشان ابني ما يضيعش… أنا لازم أروح الصعيد….
***********************************
“صالح الصاوي” …
هل هو اسم أم إعلان عن عاصفة قادمة …. صالح الصاوي كلمة منه تهتز لها رجال …. صالح الصاوي الذي ترتمي النساء أسفل قدميه…. صالح الصاوي المعروف بجبروته وقسوته …. عمدة مملكة الصعيد….
رجل صعيدي تنحني له أعناق الرجال… صالح الصاوي الذي يجلس الآن في فناء القصر التابع له… على أريكة عريضة … أمامه حشد كبير من الناس… وخلفه في القصر النساء يقفن في الشرفات وخلف النوافذ… فاليوم هو اليوم الذي خصصه عمدة مملكة الصعيد ليكون يوم الاستماع لمشاكل سكان النجع….
زفر دخان الأرجيلة يتصاعد إلى الأعلى بكل برود… غير عابئ بالبشر الواقفين أمامه، يضع قدمه على الأخرى ويهزها بثبات، يخفي عينيه الحادتين خلف نظارته الشمسية … وأخيرًا أفرج عن هؤلاء المساكين وأشار لهم بإصبعه ليتحدثوا …..اقترب أحد الشباب وهو مرتبك ….
=يا صالح بيه … إني راجل على باب الله … العيشة بجت غالية واللي چاي على قد اللي رايح… أنا بس بستسمح چنابك… ا… تجلل الأجرة شوية … ده بعد إذن جنابك….
وضع خرطوم الأرجيلة ((الشيشه)) من يده، وفرض ذراعيه على الأريكة، نظر إلى هذا الشاب البائس وقال بتجبر وقسوة …
=موافج..
ابتسم الشاب وكاد يهلل هو وأهل قريته الذين يعملون في أراضي صالح الصاوي، لكن تلاشت فرحتهم عندما أكمل المتجبر قائلاً ….
=بس بدل ما بتشتغل 12 ساعة هتشتغل …. عشرين …شعباااان ……
=أومر جنابك……
نظارته الشمسية وابتسم ابتسامة جانبية قاسية وقال وهو ينظر إلى الشاب الذي كاد أن يبكي…..
=على الأجرة يا شعبان… اللي عاوز أجرته تتضاعف يشتغل ضعف الوجت… هااا… عندكم شكاوى تانية… خلصونا أني راجل عريس……
نزلت جميع الرؤوس إلى الأسفل، لم يستطيعوا التحدث ولا المعارضة… وقف هذا المتجبر من على الأريكة، وأشار للجميع بالانصراف … وهو يبرم العباءة الثقيلة التي يرتديها فوق زيه الصعيدي ، ثم وضعها على عنقه من الخلف…. توجه إلى الداخل وهو يدندن كأن شيئا لم يحدث، غير مكترث لهؤلاء البشر الذين يدعون في قلوبهم عليه…..
دخل القصر القابع داخله نساؤه … الذين استقبلوه استقبالا حارًا، كأنه ملك عائد من معركة شرسة منتصرا انحنت زوجاته الاثنتان على يده وقبلنه بكل احترام مصحوبين بالكثير من الحب والشوق…. حتى شقيقاته، رغم أن عنايات أكبر منه سنا … إلا أنها انحنت أيضا وقبلته …..
أما ابنة عمه وطليقته … فابتسمت ابتسامه يملاها الدلال وقالت…
=ربنا يبارك فيك ويجدرك على فعل الخير يا واد عمي….
إشتعلت الغيرة ف قلبي فتحية وسحر من دلالها الواضحفي نبرة صوتها، رغم عدم وجود تلامس، لكن نظراتها كانت تحكي الكثير … فتحية، الزوجة الجديدة، لم تستطع السكوت، تقدمت نحوه، أمسكت بيده، وقالت بدلال واضح محملة بالغيرة والمكر….
=الوكل جاهز يا سيد الناس… عملت لك چوزين حمام ترم عضمك بيهم…
=بدل جلعك الماسخ ده… روحي حضري السفرة همي يا بت انتي وهي حضروا الوكل لسيد الناس… يلااا….
قالت عنايات بنبرة حادة صارمة … كأنها سيف ينزل على الجميع … وبمجرد أن قالت ذلك… هرع الجميع إلى الداخل…. ولم تجرؤ أي واحدة منهن على الاعتراض أو الرد…. وبعد أن غادرن النسوة … اقتربت هي من أخيها وهي تعرج على قدمها … قبلت كتفه وقالت وهي تمسد على صدره
=صباحيه مباركه يا عريسنا … هااا طمني بت الفرطوس دي عجبتك ولا نغيروها ….
نظر إليها بطرف عينه دون ان يجيب عليها تركها متوجها الى الداخل… ضحكت عنايات ضحكة خفيفة وأطلقت زغرودة صغيرة، وقالت….
=عقبال التالته يا اخوي…
3
************************************
وصلت فاتن ومعها ريناد التي صممت ان تأتي والا تتركها بمفردها رغم ان فاتن اعترضت على ذلك وبشده ولكن انصاعت في النهاية عندما بكت الصغيرة … لذلك اصطحبتها معها … وها هي السيارة بعد ساعات طويله من الليل…. تقف عند اطراف القرية….
لتنزل السيدة فاتن وابنة زوجها التي كانت تمسك بيدها وكأنها كنز ثمين تخشى ان تفقده… وريناد كانت تنظر الى الارياف بذهول رغم انها من منطقه شعبيه الا انها لم ترى الارياف من قبل….فهي لأول مره ترى البقر والجاموس… ايضا الكثير من الخراف .. والبشر يرتدون زي موحداً الزي الصعيدي الذي لم تراه اللي عبر شاشات التلفاز…
وفي نفس الوقت كان بعض النساء ينظرون اليها فهي ليست محجبة …. وكانت ترتدي ملابس… اغلب فتيات الصعيد لا يرتدوها مثل بنطال من خامة الجنز يحتضن ساقيها الصغيره بشده… وتيشرت ابيض نصف كم نظرا الحرارة الجو… وحذاء رياضي من نفس لون التيشرت….
أما خصلاتها الطويلة كانت تجمعهم في رابطه فوق راسها وغرتها كانت تنزل على جوانب وجهها … بعد مده من السير وقفت فاتن امام باب حديدي ضخم… رفعت ريناد عينيها لتنظر الى هذا الاسم المدون بالخط العريض على الباب الحديدي…
((صالح الصاوي))….
لا تعلم لم شعرت بالرهبة من هذا الصاوي … رغم انها لملا تعلم لم شعرت بالرهبة من هذا الصاوي… رغم انها لم تراه لكن يبدو من هذا الصرح الكبير انه شخصيه ذات نفوز عالي وايضا متجبر وقاسي كما قالت لهم السيدة فاتن من
في الداخل وبينما افراد العائلة يتناولون طعام الغداء بشهية مفتوحه… دخل شعبان الرجل الوحيد المسموح له بان يدخل قصر صالح الصاوي … اقترب منه وهو يجلس على طاولة الطعام ويأكل بشهية مفتوحه ثم قال داخل اذنه….
____الست فاتن ارملة الكبير واجفه بره ومعاها عيله صغيره…
عقد حاجبيه وتوقف عن مضغ الطعام نظر الى شعبان بمعنى لما اتت بعد كل هذه السنوات… وقف من على الطاولة فوقفوا النساء … توجه الى المرحاض لكي يغسل يده ثم توجه الى الخارج… استغربوا النساء من وقوفه المفاجئ… وتوجهوا خلفه لكي يروا ماذا يحدث في الخارج…
وفي الخارج… انفتحت الابواب لتدخل السيدة فاتن وريناد المتشبثة فيها بقوه… وكأنها طفله تخشى على فقدان والدتها…. في الحقيقة هي طفله اتسعت عينيها عندما رات هذا القصر الضخم بل واندهشت ايضا من هذا الكم الهائلمن الرجال… ويحملون اسلحه مختلفة الاشكال والالوان وكأنهم يستعدون لخوض معركة شرسة ….
خرج صالح الصاوي … لتبتلع السيدة فاتن لعابها بصعوبة فهي لا تصدق حتى الان انها عادت لهذا المكان بعد 20 عام… هذا الفتى الذي كان في السادس عشر من عمره الان رجل يقشعر البدن رعبا من نظرته الحاده…..
وهذا ما حدث في الصغيرة التي ارتعشت… من هيئته رغم وسامته ورجولته الطاغية … الا ان عينيه محتده بشكل مرعب… وقف امامهم تماما .. رفع حاجبه الايسر كعلامه جاده في ملامحه الرجولية نظر لهذه الطفلة كما قال شعبان… والتي لم تكن طفله بتاتا.. شعرت ريناد بالخوف عندما نظر الى جسدها الصغير من الاعلى للأسفل بنظره لم تعجبها ثم نظر الى السيدة فاتن وقال وصوته الخشن الذي جعل جسدها يقشعر …
=يا مرحب… خير يا مرات ابوي..
حاولت السيدة فاتن ان تتحدث اكثر من مره ولكن لم تسعفها الكلمات… اتسعت عيني ريناد…. وتعالت انفاسها عندما استمعت لهذا الصوت التفتت براسها للجانب ببطء وبلحظه كانوا سكان القصر يهرعون الى الخارج عندما دوت صوت صرخته … في الفناء ….
+
……..

دي رواية مميزة جدًا جرب تقرأها  رواية زين ويزن الفصل الأول 1 بقلم مصطفى جابر

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *