رواية أنا لها شمس الجزء الثاني (اذناب الماضي) الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم روز امين
لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها
أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)
رواية أنا لها شمس الجزء الثاني (اذناب الماضي) الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم روز امين
البارت السادس والثلاثون
🔹الفصل الرابع والثلاثون🔹
«أذنابُ الماضي»
#_أنا لها شمس الجزء الثاني،بقلمي روز آمين
هذه الروايه مسجلة حصرياً بإسمي روز آمين
وممنوع نقلها لأية مدونة أو موقع أو صفحات أخري ومن يفعل ذلك قد يعرض حالة للمسائلة القانونية
__________________________
«اتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة، ودعوة المظلوم لا ترد فهي ليس بينها وبين الله حجاب قد حرم الله تعالى الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرمًا ونهاهم أن يتظالموا»
_______________
2
كانت تتلفتُ من حولها والذعر والهلع يسكنان عينيها وجسدها المنتفض وهي تدق الباب باقصى ما لديها من قوة وتنطق:
-أفتح لي الباب يا عم الحاج الله يسترك
استيقط جميع من بالمنزل بهلعِ على إثر تلك الخبطات المرتفعة، تحرك الإبن الاكبر لدى الحاج محمد وفتح الباب ليتفاجأ بزوجة إبن عمته، أشفق على حالتها المزرية ليسألها بدهشة:
-فيه إيه يا نوجا، عمتي ولا طلعت حصل لهم حاجة؟!
لم تنتظر سماحهُ لها بالدخول بل دفعته للوراء ونطقت بفزعٍ شديد بدى على ملامحها:
-إنده لي عم الحاج يا ابو أنس، عندي كلام مهم لازم أقولهُ له
استمعت إلى صوت محمد الذي خرج للتو من غرفته بعدما ارتدى جلبابًا يستر به جسده ومن خلفه تهرول زوجته”شريفة”:
-ادخلي يا بنتي
هرولت إليه بساقين تتخبطان من شدة الارتباك والخوف الشديد، مالت على يده تقبلها وهي تقول:
-عندي كلام مهم لازم تعرفه يا حاج، بس قبل ما أقول لك عليه عوزاك توعدني انك هتحميني من ستهم وسي “عمرو” وسي “طلعت”
وتابعت والهلع يسكن مقلتيها:
-أنا أهلي ناس غلابة، مش هيقدروا يحموني ولا حتى يحموا نفسهم من جبروت عمرو
أمسك كف الفتاة وساعدها على الوصول لأحد المقاعد لتجلس بأنفاسٍ لاهثة وصدرٍ يعلو ويهبط من شدة ارتعابه،مال على الطاولة وسكب كأسًا من الماء ليناولها اياه قائلاً في محاولة منه لتهدأتها:
-خدي نفسك واشربي لك كباية ماية واحكي لي على اللي عندك
قاطعته بأنفاسٍ لاهثة تنم عن مدى الرعب الساكن روحها وهي تتفقدُ وجوه جميع أهل المنزل الذين تجمعوا من حولها:
-قبل ما أتكلم توعدني الأول بالحماية
أومأ يطمأنها لينطق وهو يقدم لها الماء:
-متخافيش يا بنتي، طالما دخلتي بيت الحاج محمد فانتِ كده في حمايتي، وبعون الله مفيش مخلوق يقدر يمس شعرة واحدة منك
تناولت الكأس من يده لترتشفهُ على دفعةٍ واحدة برجفة من يديها جعلت من بعض قطرات الماء تتناثر لتقع فوق ثيابها وتغرق فمها تحت نظرات الجميع وهم ينظرون عليها بترقبٍ وأسى لسوء حالتها.
جلست “شريفة” بجوارها لتربت على يدها وهي تقول:
-اهدي وخدي نفسك يا بنتي ومتخافيش
هدأت قليلاً ثم نطقت تحت ترقب جميع الجالسون:
-اللي حصل لعمتي أزهار كله متدبر ومتخطط له من شهور
اتسعت أعين محمد ليسألها متلهفًا وكأنهُ وجد طوق النجاة الذي كان يبحث عنه:
-انتِ تعرفي حاجه؟!
4
توقفت النساء عما كنا يقمن به، لتتركز أنظارهن نحو مدخل المنزل، ليهل هو بهيئته المبهرة، حين ولج لداخل المنزل، ليخفق قلبها هي داخل صــ درها، بقوة غريبة وقوة كطبول أفريقية،…
-أنا سمعت كل حاجة عملها عمرو بالاتفاق مع ستهم… وبدأت تقص عليهم ما استمعته من خلف الأبواب المغلقة أثناء ما كانت تتسمعُ عليهم لشعورها الدائم بعدم الامان وسط هؤلاء العصابة.
-يوم العزا بتاع الحاجة منيرة مرات عمي غانم الجوهري الله يرحمه…وأشارت إلى نجل الحاج محمد للتذكير:
-يوم ما بعتوا أنس ابنك علشان يبلغ ستهم وعمرو وطلعت ان الحاج محمد مستنيهم هنا في بيته
أومأ لها الجميع فتابعت:
-يومها دخلت علشان ابلغهم، ولما قربت من الباب اللي كان مقفول عليهم لقيتهم بيتكلموا عن عمتي أزهار
صمتت وازدردت لعابها خجلاً ثم تابعت متلبكة:
:الكلام شدني فوقفت أسمع
نطقت شريفة تشجعها على الاستمرار في سرد ما حدث:
-عادي يا بنتي، اي حد مكانك كان هيعمل كده
تشجعت وتابعت مسترسلة:
-سي طلعت سأل سي عمرو وقال له، إنتَ متأكد من نتيجة التحاليل بتاعت أزهار يا عمرو ولا هتكسفنا مع أهل البلد وتخلي خالك محمد يقلب علينا ويخربها فوق دماغنا
اتسعت أعين الجميع فتابعت الفتاة:
-قاله انا متأكد زي ما أنا متأكد إني شايفك قدامي الوقت
طلعت قاله طب الصيدلي أكد لك إن حُقن الفيتامين الملوثة بالإيدز دي هتشتغل معاها على طول، ولا يكونش لسه مظهرش في دمها
9
وتابعت تحت ذهول الجميع وعدم استيعابهم لما يصل لأذانهم:
-عمرو رد عليه وقال له إطمن يا طلعت، أنا مسبتش حاجة واحدة تعدي من تحت ايدي، وقال له بعد ما الدكتور حقن أزهار بتلات حُقن ملوثين بدم من مريض إيدز، روحت لدكتور المعمل بتاع التحاليل، وزي ما اشتريت الصيدلي اشتريت الدكتور وقولت له اني شاكك في واحدة قريبتنا عندها الايدز بسبب لامؤاخذة مشيها البطال، وهي زبونة عندك هنا، قال له على اسم عمتي وطلب منه يعمل لها تحليل للايدز ولو اتأكد يقول ان هو اللي قال لسي عمرو وستهم وهما عنده بيعملوا تحاليل، ويقول لكم الكلام اللي بلغكم بيه انتوا وباقي أهل البلد ساعت القاعدة اللي عملتها يا حاج
سي طلعت سأله وقال له، طب هو الدكتور وافق؟، قال له الفلوس بتلين الحديد يا طلعت، وقال له ان الدكتور بتاع المعمل طلع حقير وطمع لما شك إن الموضوع ممكن يبقى وراه مصلحة كبيرة، طلب نص مليون جنية بحاله، وستهم قالت له مش خسارة في فضيحة الملعونة اللي غدرت بابوكم، وقالت لهم أخيرًا روح الحاج نصر هترتاح في التربة
8
واسترسلت وهي تتنقل بين وجوه هؤلاء المذهولين:
-وستهم قالت لعمرو، تسلم دماغك اللي خططت ولا الشياطين، أنا كنت عارفه إن نُصرتي هتكون على اديك
دبت شريفة صدرها بكف يدها ،هزت رأسها والجنون وعدم الاستيعاب سيدا موقفها وهي تصرخ:
-سلم يارب، سلم من اللي جاي واحمينا يارب
بينما كان الرجل يستمع لحديث زوجة نجل شقيقته ولسان حاله الذهول والاستنكار، نطق مؤكدًا عليها الحديث:
-إنتِ متأكدة يا بنتي من الكلام اللي بتقوليه ده؟!
هتفت سريعًا تجيبه بتأكيد:
-هو الكلام ده ينفع أنطقه من غير ما اكون متأكدة وسمعاه بوداني يا عم حاج؟
وتابعت بدموع الحسرة والألم:
-ده أنا من يومها وأنا مرعوبة، منه خايفة على نفسي وأنا قاعدة لوحدي في وسط ناس ميعرفوش ربنا ولا بيخشوه، ومنه قلبي واجعني على عمتي أزهار واللي نابها منهم
1
-هتعمل إيه يا ابا في المصيبة اللي حاطط على روس الكل دي؟!…سؤالاً وجههُ حسن نجل محمد وعروق جسده بالكامل تنفر غضبًا على ما فعلوه هؤلاء الأندال
أجابه الرجل بشرودٍ:
-هجيب فريد واسأله وأتأكد الأول من الكلام،ولو ثبت إنه صحيح يا ويلهم مني
أصيبت بالاندهاش لتهتف وهي تُشير على نفسها:
-هو انتَ مش مصدقني يا عم الحاج؟!
-لا سمح الله يا بنتي… قالها نافيًا وتابع بتفكيرٍ عقلاني لرجل ذو رجاحة:
-انا مصدقك، بس الكلام اللي قولتيه احتمال تطير فيه رقاب، ولازم أتأكد الاول ويبقى معايا الدليل علشان مظلمش حد
هتف نجله بحدة وغضبٍ يُشعل كل ذرة بجسده:
-الكلام ده لو طلع حصل بجد،قسمًا برب العزة، لاجمع عمتي بعيالها الثلاثة وفريد الكلب ودكتور التحاليل وأدلق عليهم جاز وس….. وأولع فيهم قدام البلد كلها
وتابع صارخًا بتوعد:
-علشان يبقوا عبرة لأي كلب يفكر يهوب ناحية عيل صغير من عيلة ناصف
نطق السيد محمد بحكمة تعود لرجاحة عقله في إدارة الأزمات:
-اهدى يا حسن، الامور مبتتاخدش بالعصبية يا ابني
رد شقيق حسن الأصغر “عصام”بنبرة لا تقل غضبًا عن شقيقه:
-يهدى ازاي يا ابا،عرة الرجالة المنسون اللي اسمه عمرو خلى اللي يسوى واللي ما يسواش يجيب سيرتنا وسيرة حريمنا بالبطال
وصرخ بجنون:
-ده احنا بنمشي في الشوارع مطاطيين روسنا وعنينا في الأرض يا ابا، مبقناش قادرين نبص في وش الخلق
هتفت شريفة بقلبٍ يغلي كالبركان :
-إلهي ينتقم منك ربنا ويذلك يا إجلال إنتِ وعيالك بحق اللي عملتيه في المسكينة أزهار، الولية اتجننت
وتابعت وقد أوشكت على شفا الجنون:
-هو جرى إيه في الدنيا يا ناس، أذية الناس في سمعتهم وصحتهم بقت عادي كده، إلهي يبتليهم بنفس المرض وينهش في جسمهم وما يلاقوا اللي يغيتهم علشان يتعظوا ويعرفوا إن الله حق
زفر الحاج محمد بقوة أظهرت مدى ما أصاب روحه من همومٍ،تحدث إلى زوجته وهو يشير إلى تلك المرتعدة وقال:
-قومي يا حاجة خدي نوجا واديها جلبية من بتوع البنات وخليها تنام معاهم،والصباح رباح
هرولت تتمسك بكفيه وهي تترجاه:
-أبوس ايدك متتخلاش عني يا عمي الحاج، أنا مش عاوزة أرجع عندهم تاني
وتابعت بأعين زائغة وزعرٍ:
-لو رجعت بيتهم هيقتلوني، ومش بعيد يحقنوني بالمرض زي ما عملوا في عمتي أزهار
هتف حسن برجولة وشهامة ورثها عن أبية:
-متخافيش يا نوجا، إنتِ مش هتخرجي من هنا إلا لما الموضوع ينتهي وكل اللي ليه حق ياخده
تنفست براحة وتحركت بجانب السيدة شريفة لتنال قسطًا من الراحة قبل مواجهة الطوفان.
6
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
زالت عتمة الليل ليحل الصباح معلنًا عن ميلاد يومًا جديدًا يحمل معه امالاً جديدة، تملل ذاك الغافي ليتمطئ بفرد ذراعيه بعينين مغلقتين، تعجب حين وجد جوارهُ فارغًا من تلك الصغيرة، فتح عينيه وبات يدور بهما للبحث عنها فلم يجد لها أثرًا، لم يعطي للأمر أهميةً قصوى واختفى خلف باب الحمام ليخرج بعد مدة يرتدي ثيابهُ ككل يومٍ ويخرج متجهًا للدرج دون أن يركع لله شكرًا ويؤدي فروضه الخمس كأي مسلمًا يبغى رضا الله ورضوانه، نزل الدرج ليجد والدته تجلس ببهو ذاك المنزل الكبير دون جليسًا يؤنس وحدتها،نطقت بنبرة جافة خالية من الحنان:
– البت بتجهز الفطار ف المطبخ، اقعد علشان تفطر معايا
2
نطق على عجالة وهو يهندم شاربه العريض بيده:
-مش هينفع يا ستهم، ورايا شغل كتير في المحل، والواد اللي بيورد لي اللحمة جايلي النهاردة ولازم ابقى هناك علشان ادي له حسابه
هتفت بنبرة حادة وهي تطالعه بازدراءٍ:
-الهانم مراتك هتروح للدكتور امتى عشان تشوف نفسها محملتش لحد الوقت ليه؟
وتابعت بتقريعٍ:
– ولا هنفضل نعلف فيها زي خروف العيد من غير فايدة
هم بالرد فقاطعه رنين هاتفه الجوال ليجيب سريعًا حين رأى نقش اسم العامل الذي نطق:
-الفراخ مجتش لحد الوقت يا سي طلعت ومتأخرين على التسوية
أغلق معه وتحدث إلى والدته وهو يهم بالتوجه للخارج:
-أنا ماشي يا ستهم، ولما أرجع نبقى نكمل كلامنا
لوت فاهها تبرمًا وهي تقول:
-بالسلامة يا اخويا
ذهب إلى عمله وهو يعتقد أن زوجته ترافق العاملات بغرفة تحضير الطعام، بينما اعتقدت إجلال أنها مازالت بالأعلى تجهز حالها استعدادًا للهبوط إلى الأسفل.
1
بعد مرور حوالي ساعة،داخل المطعم المملوك إلى المدعو”عمرو البنهاوي” يجلس “طلعت”متكأً خلف مكتبه الخشبي وهو يتحدث من خلال الهاتف، نطق بحرصٍ وهو يراقب المكان بنظراتٍ زائغة كي يتأكد من عدم استماع أحدهم لحديثه:
-ليه يا عم كل ده، إنتَ كده بتبيع لي بالضعف وده مكنش اتفاقنا من الأول يا صلاح
نطق الطرف الآخر شريكهُ بتلك الجريمة الشنعاء معدومي الضمير حيث أبرم معه ذاك الحقير اتفاقًا بجلب لحوم حمير كي يقدمها لزبائن المطعم على أنها لحوم أنعام :
-يا عم طلعت الحمير غليت، وأصحابها بقوا يدللوا علينا
باغته بقوله الساخر:
-ده على أساس إنك بتشتريها يا صلاح، ما انا عارف اللي فيها يا اخويا، ولا تكونش فاكرني مغفل ومش عارف الحمير اللي كل يوم تتسرق من غيطان البلد والبلاد اللي حوالينا دي بتروح فين
ارتبك الرجل وأجابهُ:
-يا عم طلعت افهم، أنا اضطريت للسرقة علشان أصحاب الحمير مش راضيين يبيعوا، واللي بيبيع بيطلب سعر عالي
قاطعهُ طلعت بحدة:
-سيبك من الرغي ده كله عشان ميهمنيش في حاجة، انا هزود السعر بس مش اللي في بالك، أديك شايف الاسعار اللي احنا بنبيع بيها، احنا شغالين لله وللوطن
7
قاطعه الرجل بتأنيبًا:
-محدش قالكم تبيعوا بالخسارة يا طلعت، وبعدين متزعلش منى، اخوك بيكيد في نسايبه القُدام وعاوز يكسرهم ويكسر اختهم اللي راحت اتجوزت غيره، أنا بقى مليش دعوة بحواديت الانتقام دي، أنا راجل عاوز أكل عيش
أغلق معه بعدما اتفقا على نسبة مرضية لكلاهما، ليستقبل مكالمة آخرى من والدته زفر بحدة قبل أن يجيبها:
-خير يا ستهم
-المدعوقة مراتك مش في البيت
اتسعت عينيه يسألها:
-يعني إيه مش في البيت؟!
نطقت مفسرة باستفاضة:
-لما لقيتها اتأخرت بعت واحدة من الخدم تستعجلها،فضلت تخبط محدش فتح،اديتها هي وبت تانية نسخة المفتاح ودخلوا قلبوا الشقة عليها ملقولهاش أثر
أجابها متعجبًا:
-أنا قومت من النوم ملقتهاش بس كنت فاكرها تحت في المطبخ مع البنات بتجهز الفطار
ثم تابع بلامبالاة:
-تلاقيها اتسحبت الصبح ومشيت على بيت أبوها، أصلها اتصلت تشتكي لي منك امبارح وانا اديتها على نفوخها
صاحت بغضبٍ عارم:
-البت دي تطلق النهارده يا طلعت، ملهاش دخول بيتي تاني
زفر بحدة اظهرت كم الضغط النفسي الذي يتعرض له من قِبل تلك المرأة المتجبرة وأحكامها الصارمة في كل ما يخص حياته وكأنه مازال فتى بالسابعة عشر من عمرة:
-إهدي يا ستهم، الامور مبتتاخدش كده، البت لساتها صغيرة ومش فاهمة، سبيها تتلقح يومين عند أبوها وبعدها هروح أجيبهالك من شعرها وارميها تحت رجليكي تبوسهم وتستسمحك
أرضت كلماته التذليلية غرورها واغلقت معه الهاتف تحت غضبه.
5
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
داخل منزل الصيدلي،وأثناء ما كان جالسًا بجوار نجله الذي يحتضر يبكي ندمًا وحسرةً ككل يوم، تحدث إليه الصغير وهو يتمسك بكفه ولسان حالهِ الترجي:
-أنا تعبان قوي يا بابا، أديني دوا من الصيدلية بتاعتك يخففني
شهق بقوة ودموعهُ هطلت كشلالٍ، قلبهُ يعتصرُ ألمًا وهو يرى صغيرهُ يذبل أمام عينيه كل يومًا أكثر من السابق دون أملٍ في النجاة، ينتظر خروج النفس منه بكل لحظة ولسان حاله الندم والحسرة، وتأنيب الضمير بات يطع قلبهُ إلى إربًا، على صوت بكاء زوجته الجالسة بجوار الصغير لينطق هو بحسرة ومرارة:
-كان على عيني يا “علي”، ياريتني كنت مكانك يا ابني
استمع لطرقاتٍ فوق باب المنزل لينسحب إلى الخارج وهو يجفف دموع ألامه وندمه، فتح الباب ليتفاجأ بالسيد محمد ونجلاه يقفان أمامه والشرر يتطاير من نظراتهم الحادة، نطق الرجل بصوتٍ حاد:
-عاوزينك في كلمتين يا دكتور
ارتبك وشعر بأن النهاية تقترب،تحلى بقليلاً من الصبر والهدوء وأشار لهم بالدخول ليقف الجميع بالبهو وبادر حسن بسؤاله المباشر:
-إحكي لنا بقى يا دكتور فريد على اتفاقك الـ…. مع عمرو البنهاوي واللي عملتوه مع بعض في الحاجة أزهار
تلبك وارتجف جسده لينطق بحروفٍ متلبكة:
-إتفاق إيه اللي بتتكلم عنه يا أستاذ حسن؟! انا مش فاهم تقصد إيه بكلامك ده
خرج صوت السيد محمد قويًا وصارمًا للحد الذي جعل فريد يهتز بوقفته:
-مش عاوزين لت ورغي كتير يا فريد، مرات طلعت سمعت جوزها وعمرو وهما بيتكلموا عن الخطة اللي عملتوها مع بعض، وحقنة الفيتامين اللي كنت بتديها لها ولوثتها بالمرض يا عديم الشرف
انهار وتحدث بانكارٍ لينأى بحاله من بطش ذاك القوي:
-انا بريء يا حاج محمد، صدقني معرفش حاجة ولا ليا دعوة بحاجة
بعت ضميرك بكام يا دكتور…قالها محمد وتابع وهو يرمقهُ باشمئزازٍ:
-ويا ترى الفلوس اللي خدتها، تستاهل الفضيحة اللي عملتها لواحدة بريئة، والمرض اللي دخل جسمها وهينهي على عمرها، تستاهل إنك تقف قدامها يوم القيامة وهي بتطلب من ربنا يجيب لها حقها منك
وأشار عليه:
-إنتَ قد ذنب قصف المحصنات اللي شاركت فيه؟!
1
-كفاية بقى كفاية… قالها صارخًا بعدما ضغط الرجل بكلماته عليه ليتحرك بقايا ضميره بينما صرخت تلك التي كانت تتسمع على حديثهما،هرولت عليه لتتمسك بياقة قميصه وهي تصرخ بدموعًا منهمرة:
-الكلام اللي بيقوله الحاج محمد ده حقيقي،يعني المليون جنية اللي جبتهم وقولت لي إن شركة أدوية جديدة ادتهم لك تمن إنك تشتغل معاهم وتروج للأدوية بتاعتهم كان تمن أذية الحاجة أزهار؟!
نزلت دموعه وبات جسده يترنح بضعفٍ بين هزاتها العنيفة،صرخت مسترسلة:
-رد عليا يا فريد،دخلت علينا فلوس حرام تمن شرف الست اللي لوثته يا عديم الشرف والاخلاق؟
تركته وباتت تلطم خديها وهي تقول:
-يبقى مرض ابني عقاب عملتك السودة يا حقير،ياريت المرض كان جالك إنتَ
-ياريت…قالها صارخًا بانهيار ليتابع والألم والندم يقفزان من عيناه:
-ياريت كنت أنا مكانه ، على الاقل كنت ارتحت من عذاب الضمير
وتابع بدموعٍ صارخة:
-بس ربنا اختار لي أسوأ عقاب ممكن يتعرض له بني ادم على وجه الأرض، أنا بموت في اليوم ألف مرة وأنا شايف المرض بينهش في جسم ابني وصوت آهاته بتجلد قلبي وأنا واقف عاجز مش قادر اعمل له حاجة
تنهد الحاج محمد وهو يرى بعينيه ما أصاب ذاك الطبيب بعدما اتبع وسوسة الشيطان وباع ضميره الانساني وتخلى عن ضميره المهني والقسم الذي اداه مقابل حفنة من المال الحرام، وبدلاً من أن يقوم بعمله ويقوم بتقديم الدواء للناس لمساعدتهم على الشفاء، تحول إلى تاجرًا يسوق الناس للموت ويقدم لهم السُم مختلطًا بالترياق ليفسدهُ.
تحفظ عليه نجلي الحاج محمد داخل غرفة في منزلهم ثم اتجها إلى شريكهم في الجريمة،أخصائي المعمل وفعلا معه ما فعلاه مع فريد وتحفظا عليه هو الآخر لحين إشعارًا أخر
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
داخل حديقة علام زين الدين، عصرًا والكل مجتمع حول حوض السباحة يتناولون مشروبًا باردًا، سيادة المستشار علام زين الدين و زوجته السيدة عصمت، فؤاد و انجاله الثلاث،فريال وماجد الذي بدأ يتردد كثيرًا على قصر والد زوجته بعد زواج ابنته من يوسف،بيسان وشقيقها فؤاد الذي نطق بسعادة بالغة وهو يحادث جده:
-مش هتبارك لي يا جدو
ضيق علام عينيه فتابع الفتى بفخرٍ:
-التنسيق ظهر وجالي حقوق القاهرة، وهبقى سعادة المستشار فؤاد ماجد عليوة، يعني هبقى زميل لجنابك إنتَ وخالو
شعر ماجد بالفخر وارتفعت قامته للأعلى فاخيرًا سيتحقق حلم العمر على يد ابنه، بينما اشتدت سعادة علام وفؤاد الذي هنأ الفتى بحميمية:
-ألف الف مبروك يا حبيبي، إن شاء الله هتوصل لأعلى المناصب في السلك القضائي وكلنا هنتشرف بيك يا فؤاد
اما علام فمازح الفتى قائلاً بمفاخرة:
-أنا كنت متأكد من كده، شكلك من وإنتَ صغير بيقول إنك مستشار
ضحك الجميع وتحدثت فريال وهي تحتضن صغيرها الجالس بجوارها:
-حبيب قلب مامي اللي هيشرفنا ويمشي على خطى جده وخاله
-مبروك يا سعادة المستشار…قالها ماجد بمفاخرة ليتابع وهو ينظر إلى زين الدين:
-عقبالك يا زين لما تبقى مستشار إنتَ كمان
ابتسم يشكره ثم تابع:
-أنا اختارت مجال بعيد عن بابي وجدو، إن شاء الله هدخل كلية الطب وهتخصص في جراحة القلب
-مش كنت بتقول هتطلع مهندس زي حبيبي چو؟!… قالها ذاك المشاغب الصغير وتابع متسائلاً:
-غيرت رأيك ليه يا زين؟
أجاب شقيقه الصغير باحترامٍ و رزانة تسبق سنه الصغير:
-حاسس إني هلاقي نفسي في الطب أكتر يا مالك
-إختار المجال اللي تحس إنه مُلائم لقدراتك وهتكون مرتاح وتقدر تدي له من روحك علشان هو كمان يضيف لاسمك … كلمات تحفيذية نطق بها فؤاد كدعمٍ لنجله، تعجب ماجد ليسألهُ باستغرابٍ:
-إنتَ بتشجعه كمان يا سيادة المستشار، ده بدل ما تخليه يراجع قراره ويرجع لعقله
ضيق فؤاد بين عينيه ونطق مستغربًا:
-دي حياته هو وده قراره، ولازم يكون مرتاح ومتحمس للمجال اللي هيدرسه لأنه هيكمل معاه باقي عمره، فبالتالي لازم يكون مختاره بعناية
4
نطق الصغير وهو يتمسحُ بساقي جده كقطٍ شيرازي أليف:
-أنا هطلع مستشار زي جدو وبابي
-يا قلب وروح جدو إنتَ…جملة حنون نطق بها علام وهو يقبل خديه بنهمٍ وحبور اعتلى ملامحهُ، ثم نظر إلى زين وتابع:
-إنتَ لسه صغير يا زين، وتفكيرك وميولك لسه مش مستقرة، وهتاخد وقت على ما تستقر على نوع الدراسة اللي حابب تخوضها
وتابع داعمًا بنبرة حنون:
-بس أنا عاوزك تعرف إن أيًا كان القرار اللي هتاخده،فأنا هدعمك فيه وهكون وراك
تبسم لجده وتحدث شاكرًا:
-متشكر يا جدو،ثقة حضرتك فيا كبيرة قوي عندي وتعني لي الكثير
سألت عصمت الفتاة بدلالها المفضل”تاج فؤاد”:
-وإنتِ يا تاج فؤاد،لسة مقررتيش هتدرسي إيه في المستقبل؟!
أجابتها بدلالٍ وهي تتطلع على عزيز عينيها”فؤاد”:
-أنا مش عاوزة اكون غير تاج فؤاد وحبيبته
ابتسامة واسعة خرجت من ذاك المحب ليُشير لصغيرته في دعوة منه لاستقبالها داخل أحضانه وما كان منها سوى الهرولة والانصياع لتلك المشاعر الرائعة، استقبلها ليضمها بقوة بين ذراعيه مقبلاً رأسها وهو يقول:
-تاج فؤاد وحبيبة قلبه ونور عيونه من جوه
-حبيبي يا بابي… قالتها وهي تدس حالها اكثر بصدره ليزيدها هو من دلاله وقبلاته الحارة تحت نظرات مالك الحادةُ الموجهة إلى شقيقته كالرصاصات الحية، والذي شعر بها علام فضمه بين ذراعيه كي يمحي شعور الغيرة لديه
حضرت بيسان وألقت التحية فسألتها عصمت:
-أخبار يوسف إيه يا بيسان
ابتسمت ونطقت بارتياحٍ تجلى بنبرات صوتها:
-كويس يا نانا
وتابعت بنظراتٍ زائغة تتابع ردة فعل الجميع:
-ده حتى عازم أهل خطيب زينة النهاردة عنده في الشقة
وتابعت وهي تطلب الإذن من والدتها بنظراتٍ متأملة:
-ممكن يا مامي أروح أساعد زينة واستقبل الضيوف معاها، إنتِ عارفة إنها لوحدها
3
سبق صوت فؤاد إجابة فريال لينطق بصرامة:
-المفروض انكم مخطوببن ولازم تحافظي على المسافة بينكم كويس يا بيسان،ولازم كمان تراعي الدين والأصول والعُرف وتقاليد البلد اللي إحنا عايشين فيها وتعملي حساب إننا مش عايشين لوحدنا
وتابع قاصدًا للتنبيه:
– والدين وتقاليدنا بيقولوا إنك في حكم خطيبته، وممنوع تدخلي شقته أو تكوني معاه في مكان واحد لوحدكم
2
نطق ماجد مؤيدًا وكأنهُ كان ينتظر ذاك الحديث لينطلق خلفه:
-والله يا سيادة المستشار انا كنت عاوز اقول الكلام ده من أول يوم تم فيه كتب الكتاب،
رفع كتفيه وتابع بشبه لومٍ:
-لكن خوفت تزعلوا مني وتطلعوني شرير الرواية زي كل مرة
1
طالعه الجميع بدهشة لتسأله عصمت باستغراب:
-من إمتى واحنا بنطلعك شرير الرواية يا ماجد؟!
تخطى فؤاد سؤال والدته ونطق متحدثًا:
-بعيدًا عن كلامك وسؤال دكتور عصمت المهم،بس محدش يقدر يتكلم معاك بالذات في النقطة دي يا ماجد، دي بنتك ومن حقك تحافظ عليها بالطريقة اللي تشوفها صحيحة من وجهة نظرك، ومش من حق أي مخلوق يراجعك أو يوجه لك أي لوم
احتدم داخل الفتاة لكنها احترمت الحديث في حين تحدثت فريال إلى صغيرتها:
-كلام بابا وخالوا يتنفذ بدون نقاش يا بوسي،ولو على زينة فمتقلقيش،عزة هناك من بدري،ويوسف قال لي إن مرات عمه حسين وبناتها هما كمان هناك،يعني البنت مش لوحدها ولا حاجة
شعورًا بالخجل والخزي اعتراها من حديث الجميع وانتقادهم لها ،لقد باتت تشعر مؤخرًا انها انساقت بدون وعيٍ خلف مشاعرها الهوجاء وأطلقت لها العنان والإنجراف خلف عواطفها تحركها كيفما شائت مما جعلها تبدو أمام الجميع كمندفعة متهورة بل وصل الأمر بوصف البعض لها بعدم الحياء،حزنت وقررت من تلك اللحظة وصاعدًا أن تنتبه وتنتهج نهجًا جديدًا تكون فيه أكثر رزانة وحكمة وهدوء بعلاقتها بحبيبها يوسف.
10
طالعت عصمت نجلها وهي تسأله باستغراب:
-هي إيثار إتأخرت كده ليه يا فؤاد،إتصل بيها شوفها فين كل ده، عاوزين نتغدى مع اختك وجوزها والأولاد؟!
تطلع إلى “مالك” الملتصق كالقطة الاليفة بساقاي علام ثم تبسم وهو يقول:
– زمانها على وصول يا حبيبتي، بتشتري حاجة في طريقها وجاية
2
وقف فؤاد وتحرك بجوار فريال لينطق ناصحًا:
– اتكلمي مع بنتك وفهميها إن يوسف مش جوزها، وان ليها حدود في التعامل معاه وضوابط دينية لازم تلتزم بيها يا فريال، بنتك سايبة نفسها وماشية ورى مشاعرها
وتابع ناصحًا:
-وده مينفعش حتى لو كان اللي بنتكلم عنه ده يوسف تربية ادينا، الشيطان شاطر ومحدش سِلم من وسوسته
اومأت بحرجٍ تشعر بالتقصير تجاه تربية ابنتها من الناحية الدينية،وصلت سيارة إيثار لتترجل منها بعدما صفها السائق،أشارت بكفها إلى صغيرها الذي هرول عليها بسعادة،مالت بجزعها وقبلت إحدى وجنتيه وهي تقول:
-إنت عارف إن مامي بتحبك كتير ولا لاء؟
اوما لها وتحدث ناطقًا:
-عارف،مامي بتحب ملوك قد البحر وسمكاته
اطلقت ضحكة قبل ان تنطق من جديد وهي تدللهُ:
-وعلشان مامي بتحب ملوك كتير، جبت لك هدية هتعجبك قوي
أشار على حاله لينطق بسعادة:
-هدية ليا أنا؟
اومأت بنعم وتحدثت وهي تضع كفيه على عينيه:
– غمض عيونك يلا
هرولت إليهما “تاج”وجاورت” مالك” الذي أغمض عينيه والفضول تملك منه،اقتربت إيثار من باب السيارة الخلفي وأخرجت منه قفصًا به قطةً بيضاء نوعها شيرازي، تشبه قطه السابق مشموش
5
انضم فؤاد هو وزين الدين إلى عائلتهم الصغيرة لمشاركة الصغير تلك اللحظة السعيدة،وكان فؤاد قد اتفق منذ ليلة أمس هو وزوجته على أن يحضرا قطًا كي يدخلا السعادة والسرور على قلب صغيريهما،أمسكت القفص واقتربت لتقف امامه وهي تقول:
-فتح عيونك يا قلب مامي
ما أن رفع أهدابه حتى صرخ وبات يقفز لأعلى من شدة سعادته وهو يقول:
-يا مااااامي،إنتِ جبتي لي مشموش جديد
شعرت بروحها تنطلقُ كفراشة تتراقصُ على نغمات سعادة صغيرها التي تخطت عنان السماء،ساعداه تاج وزين في خروج الهرة من القفص ليحملها ويهرول باتجاه صديقه الحبيب،الجد “علام”الحنون وبات يصيح بصراخٍ نم عن كم السعادة التي سكنت روحه:
-جدو، ملوك بقى عنده مشموش جديد يا جدو
1
ضحك فؤاد ونطق معلقًا على تصرف صغيره:
-شايفة إبنك البراوي، الواد خد القطة في حضنه وجري بيها على جده من غير حتى ما يشكر الست الفلبينيه وعم عبده البواب اللي جابوا له القطة
لم تستطع التحكم في ضحكاتها التي خرجت من أعماق قلبها لينظر عليها وهو يقول بغمزة ذات مغزى:
-دي شكلها هتبقى ليلة فل، وختامها هيكون مسك في الچاكوزي ان شاء الله
-بس كده… نطقتها بدلالٍ لتتابع بنظراتٍ جعلت من قلبهِ يتراقص:
-فؤاد باشا يؤمر، ومراته حبيبته عليها تنفيذ رغباته
تحمحم لينطق مشيرًا إلى الأعلى صوب شرفة غرفتهم:
-طب بقول لك إيه، تعالي نطلع فوق على ما يجهزوا الغدا، وبالليل لما الدنيا تروق نبقى ننزل الچاكوزي
-فؤاد…قالتها بدلالٍ ليبادلها بنظراتٍ هائمة:
-عيونه
تطلعا على صغيريهما ليجداه مفترشًا الأرض بجوار قطته المتعجبة قليلاً، بات يلمسها ويقوم باحتضانها تحت ارتياب عصمت التي سألت متوجسة:
-بلاش تحضنها يا مالك لحد ما نوديها للدكتور يديها التطعم،جايز تكون حاملة أمراض
3
طمأنها علام حيث كان على عِلمٍ مسبق بالموضوع من إيثار:
-متقلقيش يا دكتورة، القطة متطعمة ونضيفة، إيثار فحصتها عند دكتور بيطري واطمنت بنفسها من سلامتها
تطلع مالك إلى والديه حيث اقتربا من الجمع ليهتف بسعادة هائلة:
-ميرسي يا مامي إنتِ وبابي، أنا بحبكم قوي
أرسلا له بعض القبلات الطائرة في الهواء، جاورت “تاج” شقيقها جلوسه أرضًا فوق الحشائش الخضراء وتحدثت وهي تتطلعُ على جمال القطة وهيئتها الخاطفة:
-مبروك يا مالك
وتابعت بحذرٍ ولُطفٍ زائد تحثه من خلاله على الموافقة:
-هو أنا ممكن ألمس القطة شوية؟
نطق بسعادة ولُطفٍ مماثل:
-طبعاً، أنا كمان هخليها تحبك يا “تاج” وتاخد بالها منك
2
انسحبت العاشقة بصحبة زوجها ليسرقا من الزمن بعض لحظات السعادة ينعشا بها روحيهما، أخذا حمامًا باردًا ونزلا سريعًا كي ينضما لتجمع العائلة على الغداء وسط سعادة مالك واحتفاله بالضيف الجديد.
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
أسدل الليل ستائرهُ السوداء ليسود الظلام السماء ويعم الهدوء، حضرت عائلة رامي وقد جهزت عزة بمساعدة مروة وابنتيها طاولة ممتلئة بأصنافٍ متنوعة من الطعام، وقبل حضور الضيوف انصرفت مروة وابنتيها، وبقيت عزة وإحدى العاملات التي حضرت معها من قصر علام زين الدين لخدمة الضيوف، إلتف الجميع حول الطاولة ليتحدث يوسف بايتسامة هادئة:
-إتفضلوا يا جماعة
تذوقت سماح إحدى أصناف الطعام لتنطق بانبهارٍ ظهر فوق ملامحها:
-ماشاء الله، المسقعة بالبشاميل طعمها يجنن، إنتِ اللي عاملاها يا زينة؟
أجابتها بخجلٍ عائدًا لشخصيتها:
-بصراحة لا يا طنط،خالتي عزة هي اللي عملاها
قاطعتهما عزة التي اقتربت لتضع دورقًا زجاجي ممتليء بالماء البارد:
-متقلقيش يا مدام،إن شاء الله قبل ما زينة تتجوز هكون معلماها تعمل كل الأصناف اللي قدامك دي، وهتبقى ست البنات كلهم ومش ناقصها أي حاجة
نطق رامي مدافعًا عن من ملكت القلب وتربعت على عرشه:
-زينة مش محتاجة حاجة علشان تبقى ست البنات، هي بالنسبة لي كده ست البنات وزينتهم
زادتها حمرة الخجل جمالاً وسحرًا جعل الجميع يسعد لذاك الثنائي، سأل السيد كمال يوسف من باب الفضول:
-إلا قول لي يا باشمهندس، هو أنتَ لم تتخرج هتستقر في المخابرات وتترقى وكده، ولا هتركز في الهندسة؟!
أجابه بهدوءٍ ورزانة:
-تعييني في المخابرات حاجة شرفية مقابل الخدمة اللي قدمتها للجهاز يا افندم، منصب أعتز بيه جداً وان شاء الله مكمل معاهم
وتابع مفسرًا بإبانة:
– بس شغلي الأساسي وطموحي وتركيزي كله على هندسة الإلكترونيات،ده مجالي اللي اختارته ومكمل فيه ان شاء الله
4
-إن شاء الله يا ابني، ربنا يوفقك يا باشمهندس… جملة نطقتها سماح ليكمل كمال حديثه بثناءٍ:
-الحقيقة انتوا عيلة تشرف، وأنا كل يوم بشكر رامي على إنه عرفنا على عيلة راقية وناس ولاد أصول زيكم
-ولا زينة وتربيتها… قالتها سماح لتتابع وهي تتطلع على الفتاة بتقديرًا وسعادة:
-بسم الله ماشاء، يسلم اللي ربى
كان اللقاء ودودًا أسعد به الجميع لينتهي بسلام وانصرفت عائلة رامي أخذين انطباعًا هائلاً عن الفتاة وشقيقها الحنون
1
بالكاد انصرفوا وبدأت الفتاة تساعد عزة والعاملة في لملمة ما أحدثته العزيمة من فوضى، بينما وقف يوسف داخل شرفته يحتسي قدحًا من القهوة قد أعدته إليه عزة كي يساعده على الاسترخاء وعودة الاستكانة إلى روحه، أتاه اتصالاً هاتفيًا من عمه حسين فرد ليبلغه الرجل بحزنٍ :
-جدك الحاج محمد اتصل بيا وبلغني إنهم اتصلوا بـ أبوك وهيعملوا قاعدة رجالة بكرة بعد صلاة الظهر،شكلهم كده اكتشفوا حقيقة مرض أزهار
فقد هاتف السيد محمد وطلب من حسين الحضور دون أن يبلغه بأي تفاصيل لعدم حدوث بلبلة بالوسط وعدم أخذ عمرو وطلعت الحيطة والهروب، قطب الشاب جبينه فقص عليه ما حدث وما يشعر به من شكوك هو والحاج محمد، وتابع بحزنٍ:
-لازم تيجي البلد معايا يا يوسف، الموضوع كبير ولازم نكون جنب ستك وابوك وعمك طلعت،علشان لو شكي طلع في محله نشوف هنداوي المصيبة اللي عملوها دي ازاي
3
نطق الشاب برجاحة وتخلي عما تخلوا عنه:
-خرجني من حساباتك بخصوص الموضوع ده يا عمي، أنا مليش علاقة بالناس دي لا من قريب ولا من بعيد، ونصيحة مني لوجه الله، إبعد إنتَ كمان عنهم وخليك في شغلك ومستقبل عيالك
-ياريت يا ابني كان ينفع… نطقها الرجل وهو مغلوبًا على آمره ليغلق الهاتف بينما چن چنون يوسف وأمسك كوب القهوة ليدفعهُ بكل قوةٍ ليصتدم بحائط الشرفة مما أحدث ضجيجًا نتج عن تحطم الزجاج وتناثر قطعه لتمليء أرضية المكان،هرولت زينة وعزة التي سألته بريبة وقلق:
-اسم الله عليك يا ابني، مالك يا حبيبي؟
ولج لحجرته وجلس على طرف الفراش لينكس رأسه للأسفل بأسى والحزن اعتلى ملامحهُ، اقتربت زينة تسأله بترقبٍ وحذر:
-فيه إيه يا يوسف؟
نطق بضعفٍ وهوان:
-أبوك مش ناوي يسيبنا في حالنا يا زينة،صعبان عليه نعيش مرتاحين ومستورين بين الناس،بيتسابق هو وجدتك وطلعت أخوه على اللي يتسبب لنا في فضيحة أكبر من التاني
وتابع بحسرة وألم:
– نفسي اعرف أنا وانتي عملنا ايه في دنيتنا علشان ربنا يبتلينا بأب وعيلة زي دي؟!
لم تدعه عزة وحثته على الحديث وبعد أن أصبحت على دراية بما حدث هتفت بحدة وغضب:
-جدع يا يوسف انك رفضت تتدخل، عمك حسين الغلط راكبه من ساسة لراسه،وملوش حق يطلب منك طلب زي دي
مصمصت شفتيها لتضيف بضجرٍ وهي تضرب كفها بالأخر:
-دي امك لو عرفت هتسود عيشته
-إوعي تجيبي لها سيرة يا عزة… قالها بتحذيرٍ فوعدته وذهبت لتتابع عملها حتى انتهت وأخذها هي والعاملة وأوصل كلاهما إلى قصر علام زين الدين ليعود سريعًا إلى شقيقته.
1
༺༻༺༻٭༺༻༺༻
ظهر اليوم التالي، وبعد ليلة عصيبة مرت بصعوبة على الجميع، تغيب عمرو عن الاجتماع متعللاً بعمله وذلك بعدما شعر بريبة من تلك الدعوة و أوصى أحد عملائه بإبلاغه بما سيحدث، قرر الحاج محمد أن تكون تلك المواجهة أمام منزله بالساحة الكبيرة ودعى بها جميع أهل القرية كي تتم تبرئة تلك السيدة التي وُصمت بأبشع تهمة يمكن لإمرأة أن تُوصم بها، علاوةً على ذلك المرض اللعين الذي دخل جسدها وتوغل به وها هي الآن بانتظار الموت الحتمي في غصون شهورًا أو ربما أسابيع
توقفت سيارة طلعت لتترجل منها إجلال التي هتفت بغضب إلى شقيقها بعدما وجدت ذاك الجمع من اهل القرية:
-خير يا حاج محمد، إيه لازمة اللمة السودة دي النهارده؟
أشار لأحد المقاعد التي جُهزت خصيصًا لاستقبالها:
-إقعدي يا إجلال
-ستهم يا حاج…قالتها بكبرياء واعتراض ليجيبها بابتسامة ساخرة استفزتها:
-وماله، إقعدي يا ستهم
جلست ليقف بجوارها طلعت، سأله محمد بحدة:
-البيه اخوك مجاش ليه يا طلعت؟!
-عمرو عنده شغل مهم ومش فاضي يا خالي…كان هذا رده ليهز الرجل رأسه بسخرية،حضر حسين المواجهة لتنطق إجلال بحدة وغضب:
-هو فيه إيه بالظبط يا حاج محمد، إنتَ جايبني انا وعيالي علشان تقعدنا قدام بيتك وتلم حوالينا الخلق علشان نبقى فرجتهم
-اصبري على رزقك يا… وصمت ليتابع متهكمًا:
-يا ستهم
توقفت سيارة إبن السيدة أزهار لتترجل منها تحت مساعدة نجلاها وابنتها التي سندتها وذلك لشدة إعيائها حيث تملك المرض من جسدها نتيجة ضعفها علاوةً على إضرابها عن الطعام، احتدت ملامح إجلال وهتفت وهي تهم بالوقوف:
-إيه اللي جاب الخاطية دي هنا، يلا يا طلعت روحني بيتي، أنا لا يمكن أقعد في مكان واحد مع الخاطية دي
2
صرخت شريفة التي خرجت لاستقبال أزهار:
-ربنا ينتقم منك يا إجلال ويبتليكي بالمرض اللي ينهش في لحمك وما تلاقي له علاج ولا دوا
وتابعت وهي ترمقها باشمئزازٍ:
-كذبتي الكذبة وصدقتيها إنتِ والشياطين اللي مخلفاهم يا مرة يا سو
انتفض جسد طلعت لينطق محمد بقوة وصرامة بعدما رأى إجلال تهم بالرد:
-خلاص يا حاجة، مش عايز أسمع صوت أي حد غيري هنا
وتابع وهو يتحدث إلى السيدة أزهار:
-إتفضلي اقعدي يا حاجة أزهار
-جايبني هنا ليه تاني يا حاج “محمد”…قالتها أزهار بإعياءٍ شديد تجلى بنبراتها وعلى جسدها النحيل، وتابعت وهي تتحرك بصعوبة صوب المقعد المقابل إلى إجلال داخل تلك الدائرة الكبيرة التي حددها الرجل بمقاعد خشبية ليحيطها الحضور من أهل البلدة:
-هما أهل البلد لسه مشبعوش فرجة عليا
جلست ليجيبها الرجل بقلبٍ ينزف دمًا على ابنة عمه وما أصابها على يد تلك المتجبرة:
-جايبك علشان كل الناس اللي شهدوا على اتهامك، يشهدوا على برائتك ودليل عفتك وطهارتك يا بنت عمي
ارتبكت إجلال فأشار محمد إلى نجليه وشباب العائلة الذين تحمسوا لكشف المستور واسترداد شرف عائلتهم الذي دُهس بلا رحمة تحت أحذية أهل القرية،وجعل بعض أصحاب النفوس الضعيفة يشمت بهم بل وصل الأمر إلى المعايرة وذِكر جميع نساء العائلة بالسوء
بعد دقائق من آمر الرجل خرج الرجلان مقيدان من الشباب وأجلسوهما فوق المقاعد عنوة عنهما،ارتعد جسد طلعت ومازاد من هلعه هو خروج نوجا بجوار إبن الحاج محمد حيث أشار لها الآخير قائلاً:
-تعالي يا نوجا، أقفي قدام الكل وانطقي باللي سمعتيه
صرخت إجلال باعتراضٍ:
-سمعت الرعد في ودانها يا اخويا…وتابعت وهي تهم بالوقوف كي تهرب من تلك المواجهة التي ستكشف عن وجهها الحقيقي :
-مبقاش إلا العيال المفعصة كمان اللي هتجبهم وتشهدهم علينا
-إقعدي يا إجلال… قالها محمد بحزمٍ وأعين يتطاير منهما الشرر فشدد طلعت على يدها ليعيدها من جديد هامسًا:
-اقعدي يا أما
اتجه حسين إليهما وتحدث بأعين منكسرة:
-ياما نبهتكم وقولت لكم بلاش الظُلم، وأدي النهاية، فضيحة وسط الناس
هتفت وهي ترمقهُ بنظراتٍ حارقة:
-إخرس يا واد وبطل نواحك اللي شبه النسوان ده
3
ربتت شريفة على كتف أزهار ونطقت متأثرة:
-ربنا أراد كشف الحقيقة وظهور برائتك على حياة عينك زي ما كنتي عاوزة يا اختي، حقك هيرجع لك واللي اذوكي هيتفضحوا بعملتهم الو……
حركت رأسها بأسى والدمع سكن العين واستوطن الهم الفؤاد وتملكَ
وقفت الفتاة بجوار السيد محمد ليرمقها طلعت بنظراتٍ مرعبة يحثها على الصمت فارتعب داخلها ليحثها السيد محمد على البدأ في الحديث وطمأنها، بدأت بسرد ما استمعت إليه تحت شهقات جميع من يشهدون على تلك المحاكمة ليصرخ طلعت متظلمًا بزيفٍ:
-البت دي كدابة، والله العظيم كدابة، دي بتفتري علينا علشان قولت لها إني هطلقها لانها مبتخلفش
هتف الصيدلي بعدما استسلم لقدره وقرر تقديم روحه كربانًا لخطيئته الكبرى لعل الله يغفر له تلك الجريمة إذا شارك في تبرأة تلك المرأة المظلومة:
-إنتَ اللي كذاب وشيطان إنتَ وأهلك، دخولكم في حياتي كانت لعنة وخطيئة
وتابع بدموعٍ وأعين يملؤها الندم:
– وللأسف، اللي دفع تمنها إبني
2
بات يسرد هو الآخر ما حدث تحت ذهول أهل البلدة وأزهار وأنجالها الذين هموا بالهجوم عليه ليمنعهم أبناء محمد ورجال العائلة، مطالبهم بالتحلي بالصبر وتأجيل الحساب لأخر الجلسة بعد كشف كامل الحقيقة لتبرأة والدتهم، كظم الشباب غيظهم ووقفا والدماء تغلي بعروقهم منتظرين اللحظة الحاسمة للانقضاض بشراسة على ذاك الحقير ونيل ما يستحق
جاء دور اخصائي المعمل ليسرد ما حدث وينهي حديثهُ صارخًا بصدقٍ:
-بس أنا والله العظيم ما ليا يد في أي حاجة ولا أعرف أي حاجة عن التفاصيل دي كلها يا حاج محمد
وتابع بصدق:
-أنا كل اللي اطلب مني إن فيه واحدة عندها الايدز واني أعمل لها تحليل يثبت ده قصاد فلوس، وفعلاً عملت التحليل وثبت صحة المرض عند الست أزهار، وعمرو البنهاوي طلب مني اقول لكم الكلام اللي جيت وشهدت بيه قبل كده،انا كذبت كذبة بسيطة، بس انا مليش أي ذنب في أذية الست ومرضها
1
هتف محمد بحدة:
-ملكش ذنب إزاي وإنتَ اشتركت بكذبتك اللي مسميها خفيفة في إن ست شريفة عفيفة يتم تلويث شرفها
صرخ إمام المسجد بألم ينهش بصدره من هول ما استمع، وهو يقول:
-لا حول ولاقوة إلا بالله، يقول الله في كتابه العزيز« إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.
3
صدق الجميع على كلماته باتعاظٍ بينما صرخ طلعت أيضاً متنصلاً من تلك الجريمة البشعة مكتملة الأركان:
-وأنا كمان والله العظيم يا خال ما كنت أعرف أي حاجة، ده كان اتفاق بين عمرو وامي مع الصيدلي، ورحمة ابويا ما عرفت غير بعد اللي حصل في عزا منيرة مرات غانم الجوهري
-ولما عرفت عملت إيه يا طلعت؟… سؤالاً وجيهًا نطق به محمد ليجيبه الآخر متملصًا:
-وكلامي من عدمه كان هيفيد بأيه وقتها يا خال؟، ما المصيبة كانت حصلت وخلاص
صرخت إجلال بجبروت:
-انا اللي عملت كل ده يا حاج محمد،وأنا اللي انتقمت من اللي قتلت جوزي ويتمت عيالي وشردتهم بره البلد،ودي عبرة لازم الكل يتعظ منها
وأكملت بكبرياء تحت ذهول الجميع واولهم شقيقها الذي نعتها بالجنون:
-إن اللي بييجي على ستهم ولا يمس أي حاجة تخصها، هيكون نصيبه نفس اللي حصل للمرة أزهار
3
زادت أصوات الجميع وهم يتسائلون بينهم بجنون وعدم استيعاب،تطلع الحاج محمد على تلك الحزينة التي تجلس بصمتٍ وملامح وجه خالية من التعبير بينما تحتضنها ابنتها وهي تبكي حزنًا وقهرًا على ما أصاب والدتها وتعرضت إليه من ظُلمٍ عظيم،نطق الرجل يسألها:
-ساكتة ليه يا حاجة أزهار؟، البلد كلها شهدت على عفتك وطهارتك أهي
سألتهُ والدموع قدّ اجتمعت بعينيها مع نظرة يملؤها العتب:
-وإنتَ كنت محتاج دليل علشان تتأكد من طهارة بنت عمك يا حاج محمد، ده أنا متربية معاك وياما كلنا على نفس الطبلية وإحنا عيال صغيرة يا راجل
التفتت تتطلع على رجالها الثلاث لتتابع مسترسلة بنفس نظرة العتاب:
-ولا هلوم عليك ليه، إذا كانوا ولاد بطني اللي ربيتهم جوه حضني صدقوا فيا العيبة وعاملوني على إني خاطية،وبرغم اني مبطلعش من بيتي غير ورجلي على رجل واحد فيهم، صدقوا على كلام إجلال الباطل
نكس أبنائها رؤسهم خزيًا وحزنًا بينما نطق الحاج محمد سائلاً تلك المظلومة:
-إيه اللي يرضيكي يا بنت عمي وانا اعملهولك في التو والحال؟
هتفت بدون تفكير:
-القصاص يا حاج، هو ده اللي يرضيني
وتابعت وهي ترمق إجلال بنظراتها الفتاكة:
-مش ربنا قال في كتابه العزيز، (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب)
-إيه اللي يرضيكي يا أزهار…قالها محمد مرةً أخرى لتنطق بذات مغزى وهي ترمق إجلال:
-العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم يا حاج، كل اللي أنا عوزاه، إجلال تتحبس معايا في نفس الأوضة، والباقي سيبوه عليا
ارتعد داخل إجلال لتهتف بحدة:
-شكلك اتجنيتي وخرفتي يا ولية،عاوزاني اتحبس مع واحدة عندها الايدز يا عديمة التمييز؟!
نكس حسين رأسه يشعر بخزيٍ وعار يعتريه، لم يجد كلمة واحدة يعبر بها عما بداخله أو كلمة تُنطق في هذه الظروف تهدأ من ثورة الوسط
نطق شيخ الجامع كي يهدأ من انفعال الجميع وغضب الوجوه المتجهمة:
-إهدوا يا جماعة وسيبوا القانون يرجع الحقوق لأصحابها
صرخ نجل أزهار البكري وغضب العالم تجمع بداخله:
-القانون ده يجيب حق العويل، لكن أنا هاخد حق أمي بإيدي
ودفع الرجال ليقترب على الطبيب الصيدلي الذي باع ضميره وسلم نفسه للشيطان، انضم إليه شقيقاه ليهتف أحد شباب العائلة بصياحٍ وتحريض:
-الصيدلي لازم يموت، ده راجل إيده طايلة اجسامنا كلنا، واللي يأذي مرة يأذي ألف
ارتفعت أصوات شباب البلدة وهجموا جميعًا على الطبيب لينهالوا عليه بالضرب المبرح الذي طال جميع جسده، والغريب أنه استقبل ذاك الهجوم باستسلامٍ تام دون أدنى مقاومة منه.
انتشلت شريفة أزهار بمساعدة ابنتها وساعداها على الدخول إلى المنزل، وأثناء ما كانت بطريقها للداخل رأت إجلال تتحرك في طريقها للهروب فتمسكت بها بكل قوتها ونطقت:
-رايحة فين، أنا وإنتِ من النهاردة مصيرنا بقى واحد يا إجلال
وتمسكت بذراعها لتأمر شريفة العاملات:
-شدوا إجلال ودخلوها غصب عنها
2
اما الحاج محمد فوقف يصرخ بكامل صوته يأمر الجميع بالابتعاد عن الصيدلي وكأنهُ يخاطب نفسه، فحتى أبنائه ضربوا بأوامره عرض الحائط وانقضوا على الصيدلي كالذئاب المفترسة الجائعة،صرخ أيضاً إمام الجامع في محاولة منه للابتعاد دون جدوى، حالة من الهرج والمرج أصابت الوسط.
بمكانٍ آخر،ارتعد جسد عمرو رعبًا بعدما استمع من أحد رجاله المنتشرين بالبلدة ما حدث.
11
إنتهى الفصل
«أذنابُ الماضي»
- لقراءة باقي فصول الرواية أضغط على (رواية أنا لها شمس الجزء الثاني)
لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها
أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)
تم
ين الأجزاء من اذناب الماضي ٣٨ ٣٩