رواية ما وراء البئر الفصل الرابع 4 بقلم بسمة هلوان
رواية ما وراء البئر الفصل الرابع 4 بقلم بسمة هلوان
البارت الرابع
_وهي مالها أصلا؟
ضرب راسه بايده بيأس وقال بغيظ مكتوم:
= علشان دي مراتي فعلا.
_مراتك؟؟؟ أنت عملت عيلة هنا كمان؟
بصيت للبنت اللي كانت قاعدة تبص لي بحدة وبتكز على أسنانها، وبتقول:
= وما شأنكِ أنتِ به الآن؟ نعم أنا زوجته.
لا.. وعارفة لهجتنا كمان؟ يا ربي!
قلت لها بكل حدة وتحذير:
_وأنا شقيقته! مالكِ الآن؟
كانت نظرات التحدي بيننا قدام الكل بتدل على إننا دخلنا معركة، ولازم واحد منا يطلع خسران!
“عبد الله” حاول يسكتنا وهو بيغير الموضوع، بيعرفني على ناس تانية، من مختلف البلاد والأقوام، ابتديت أعتاد أشكالهم الغريبة.. حاسة إني في فيلم خيال علمي.. علشان أبقى صادقة.. أنا كان نفسي أعيش في خيال بجد في يوم.
لاحظت من ضمن الأشخاص واحد منهم ماكانش مهتم بحضوري، وقاعد في مكان على شجرة وقاعد بيفكر، استغربت هو بيفكر في ايه.. هو أكيد زيي من البشر بنفس الطول وبنفس كل حاجة بس طبعه غريب.. سألت “عبد الله” باستغراب وببسمة جانبية:
_دا مكتئب دا ولا ايه؟
كنت باتكلم عادي بس “عبد الله” اتنهد وهو بيقول بعد ما شافه:
= “مدَّثر”، خسر كل عيلته وهو في طريقه لهنا، ومش متقبل إنه بسبب فضوله اتخلى عن عيلته وسابهم وراه وهو الراجل الوحيد اللي كان معاهم.
يمكن ماكانش الموضوع مفهوم بالنسبة لي بشكل كافي، لإني اتولدت من غير عيلة.. فمش عارفة شعوره لما خسرها، خاصة إن أسرته كلها معتمدة عليه ولكنه سابهم ودخل البير بدافع الفضول.
برضه لما جيت هنا كنت عارفة إني هرجع تاني، وإن ورا كل حاجة فيه سر منطقي نقدر نكتشفه، ولكن فكرتي اتغيرت تماما.. مش كل حاجة وراها تفسير منطقي، فيه حاجات.. الأفضل إننا مانعرفهاش، وحاجات تانية بنخسر كتير لو ماعرفناهاش.
أنا بقيت حكيمة فجأة؟؟
رجعت من تفكيري وأنا قاعدة معاهم، جه وقت الأكل والكل قاعد، حتى “مدثر” اللي كان أغرب شخص أقابله لحد دلوقتي.. بعد مرات أخويا الشعنونة بالطبع!
كان كل ما نبص لبعض نظراتها تبقى حادة وبقدر الإمكان كل واحدة بتُظهر للتانية إنها أقوى منها، كنت عاملة زي الطفلة وأنا بغيظها بإني بكلم “عبد الله” براحتي.. عمري ما جربت كيد النساء.. بس عرفت ليه بيستعيذوا منه لإنه بيودّي لمهالك وتفكير مستفز.. لإني حاليًا بختـرع جـريمة في عقلي أقدر أخفي بيها جثـتها من غير ما حد يعرف مكانها.
= “رضا”! تعالي معانا.
قالها “عبد الله”، استغربت هم كلهم رايحين فين، فقالت لي مرات أخويا بسماجة:
= من الأفضل ألا تأتي، لن تتأقلمي معنا.
رفعت حاجبي ليها بتحدي وقلت:
_والله؟
كان سؤال استنكاري بعترض بيه على كلامها اللي دايما بيستفزني، فرحت معاها وأنا ببتسم لها باستفزاز وبمسك إيد عبد الله وواخداه ومتحركة، وهو بيبتسم بيأس علينا احنا الاتنين.
رحت لبيت الشجرة اللي كان مبني بإتقان وواسع، دا غير إن ليه سلم بنطلع بيه لفوق علشان نوصل له، كانت أعلى شجرة موجودة في المكان.. ومقر اجتماعاتهم علشان يناقشوا الأمور المهمة.
بدأ واحد الكلام وهو بيسأل “عبد الله”:
= بما أن هناك من ظهر من عالمك بعد ثلاث سنوات كاملات، فإن فالبوابة يمكن الوصول إليها، أليس كذلك؟
اكتشفت إن كلهم كانوا يائسين في العالم دا، مش عارفين يبنوا حياتهم، بس في عالمنا هيقدروا يهربوا، ويخبوا اللي مخليهم غريبين، يعملوا عمليات تجميلية تخليهم ناس عادية، أو حتى يستخدموا “ساعة الزيف”، ساعة كل اللي لابسها يقدر يتحول لأي شكل يقدر يكونه بس بإذن صاحب الشكل لإنهم مايقدروش ياخدوه غير بموافقته.
بصيت لـ”عبد الله” اللي كان فاقد الأمل، ماعرفتش أهوّن عليه ازاي، وهو بيقول بيأس حقيقي:
= أرى أن ذلك مستحيل، فالوحيدون الذين يعرفون المكان الذي جاءت منه في النهر هم حراس القاضي، ينبغي علينا أولًا الحصول على معلومات منهم.
كلهم بصوا بتذمر، فعرفت إن القاضي القزم دا منغص على الكل حياتهم، سألت بكل سخرية:
_القاضي هو صاحب معاناتكم في هذا المكان، لمَ لم تحاولوا التخلص منه من قبل؟
وماتوقعتش رد فعلهم إنه يكون بالشكل دا، غاضبانين، وواحدة منهم قالت باستهزاء:
= وكأننا لم نحاول؟ ولكن ما من أحد استطاع الوصول لكعبيه حتى يتوسل إليه، فكيف بقتـله؟
سكتت لما لقيت كل العيون عليّ، مش عارفة أقول لهم إني وصلت له ومسكت عليه سكينـة؟ ولا هتكون ايه ردة فعلهم ساعتها؟ وبالفعل “عبد الله” بص لي، كان هو الوحيد اللي عارف باللي حصل.. ولما سألته ساعتها وصلت لي ازاي.. قال لي بالنص:
= من حكي الناس في السر عرفت إن فيه بنت من البشر وصلت المكان، فكان لازم أنقذها علشان مصيرها هيكون في ايدين القاضي لو وصل لها واتحكم فيها، ماكنتش أعرف إنها أنتِ.
قلت لهم بعد تفكير وأنا ببعد نظري عن “عبد الله”:
_وماذا إن سنحت لنا الفرصة لقتـله؟
ملامحهم كلها كانت عبارة عن استغراب، بيبصوا لي وأنا ببتسم بكل ثقة، وعارفة إن الجاي هيبقى حياة.. أو موت.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كنت في أنحاء الغابة وأنا براجع كل اللي فكرت فيه، قلت لهم:
_هحتاج منكم 3 أشخاص بس اللي هيساعدوني، “عبد الله”، ومخترعة ساعة الزيف، و..الغريب “مدثر”.
ساعتها “عبد الله” بص لي باستغراب، قال لي:
= طيب أنا و”فيونا” ماشي، ليه “مدثر”؟
ابتسمت بغموض وأنا ببص لـ”مدثر” من بعيد وهو لسة في مكانه على الشجرة مكتئب، قلت:
_عنده الدافع الأكبر إنه يهرب من هنا لعيلته، هيحمينا بكل قوته.. لما يعرف إن فيه فرصة نقدر بيها يرجع لأهله من تاني.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رجعت للوقت الحالي، أنا و”عبد الله” و”فيونا” مخترعة الساعة مرات أخويا، ماصدقتش إن عقل نكدي زي دا يطلع منه اختراع مذهل زي اللي شفته.
وكمان “مدثر” اللي كان وشه جامد، مابيتكلمش.. كنت عارفة إنه بيمثل لي تحدي وهو بالنسبة لي أداة.. لازم أستغلها صح.
= أنا هروح أجمع الحطب علشان نستقر هنا الليلة دي، وهنكمل طريقنا الصبح.
كل الموجود فهم كلامه، كنت عاوزة أروح معاه، ولكنه قال لي أفضل مكاني، وهو هيكون قريب مننا، راحت معاه “فيونا” لما لقته أخّر.. وفضلنا أنا و”مدثر” لوحدنا، حاولت أفتح معاه كلام وقلت كلام أنا عارفة إنه هيأثر فيه:
_عاوز ترجع لعيلتك فعلا؟
بص لي بنص عين ورجع بص قدامه تاني ولا كأني موجودة، فاتعصبت ومهما حاولت أفتح كلام معاه مش مهتم.. رحت قلت له بحدة:
_أنت ازاي مستحمل البرود اللي أنت فيه دا؟ ليه هادي كدا؟ ليه مابتتكلمش؟ ليه حابس نفسك في قوقعة؟ هي العيلة مهمة للدرجة دي؟
رميت آخر جملة بعصبية، هو دفن نفسه في اكتئاب علشان ساب عيلته، وأنا زي الغبية عشت وحيدة طول حياتي من غير عيلة حقيقية من دمي يمسكوا بإيدي ويفرحوا لما أنادي لهم بابا وماما.. ماعيشتش الشعور دا..!!
وهو لما قلت الجملة بص لي بشرر، كان واضح إنه بيحاول يكتم غضبه بس فشل.. بما قال لي بكل حدة مماثلة ليّ:
= سيبتهم ورايا وأنا عارف إني ممكن مارجعش، سيبتهم ومأخدتش في الاعتبار ايه اللي ممكن يحصل لهم من غيري! عمرك ما هتفهمي إنك تخافي على حد بتحبيه.. لإنك يتيمة!
قال الكلمة في وشي، والظاهر إني استفزيته كتير علشان يرد عليّ بالقوة دي، لمست وتر حساس جواه، فكسرني بآخر كلمة قالها لي، لإني يتيمة!
ضحكت بسخرية وأنا بداري إحساسي الحقيقي، دايما كنت بعرف أخبي مشاعري خاصة ورا السخرية وأنا بقول له:
_عندك حق، يمكن علشان يتيمة مش فاهمة قيمة العيلة كويس، علشان ماعيشتش معاهم ولا جربت شعور في حياتي إني يكون لي عيلة.. بجد!
يتيمة مالهاش حتى الحق في إنها تعيش حياة كريمة، أو تطلب بثقة حاجة هي عايزاها، أو تتدلع على باباها ومامتها وتعيش حياتها..
كنت باتكلم وأنا بضحك بسخرية على حالي، وهو لسة نظراته حادة من أسلوبي، يمكن مستغرب ضحكي وأنا بحكي مآسيّ؟
كملت كلامي بكل ثقة عن نفسي:
_الشخص الوحيد اللي حاسة بقيمته هو نفسي، الشخص الوحيد اللي بحبه بجد هو نفسي، علشان كدا بحاول أنقذها. زي ما أنت بتعافر علشان ترجع لعيلتك.. أنا بعافر علشان ألاقي نفسي.
سكتت أخيرا وأنا بشرب مياه من النهر اللي كان قدامنا مباشرةً، مسحت وشي وكنت ببتسم وأنا ببص في الضلمة لوشي اللي كان ظاهر شوية بسبب القمر اللي منور جزء من المكان.
كلمة من “مدثر” فكرتني بكل الماضي وزرعت جوايا تحدي، بإني أثبت إن العيلة مش مهمة للدرجة دي.
رجع “عبد الله” و”فيونا” بعد دقايق وكانوا شايلين حطب يكفي الليلة دي، ولعوا نار، وأنا و”فيونا” نمنا في خيمة رغم إننا مش طايقين بعض، والرجالة هم اللي بدؤوا في نوبة الحراسة لو حصلت حاجة لإن الغابة مخاطرها كتير..!
_احم، أقدر أجرب الساعة؟
كنت أنا و”فيونا” راقدين وبنستعد للنوم، ولكنها فتحت عينيها وقالت بهدوء مصحوب باستهزاء:
= ولمَ الآن؟ ألستِ لا تطيقينني؟
رديت عليها بعد ما قمت وأنا بقول باستنكار:
_أنا برضه اللي مش بطيقك؟ ولا أنتِ اللي من ساعة ما جيت وأنتِ مترصدة لي؟
قامت من مكانها وقالت باستفزاز:
= حسنا إذن، لن أعطيكِ الساعة ولو على جثـتي!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= هييه، لا تفعلي هذا، هي لا تُرَكب هكذا!
_كيف هي إذن؟ أليست ساعة عادية؟
= يا حمقاء عليكِ إضافة هذا المعدن بعد التركيب وليس قبله.
كان فيه قطعة من المعدن مغناطيسية، لازم ألبس الساعة الأول بعدين أحط المغناطيس ودا اللي بيؤثر في تذبذب الأفكار في الشخص اللي قدامك، فيخليك تتحكم فيها زي ما أنت عاوز وينشئ في دماغه صورة شخص مختلف، العيب الوحيد في الاختراع إنه بيؤثر على الأشخاص اللي بيشوفوك واقعيا بس..
أما لو أخدوا لك صورة أو فيديو فبيظهر وشك الحقيقي قدامهم في الصور.
الحمد لله إن مفيش صور أو كاميرات هنا في بيت القاضي!!
لبست الساعة وقلت لها إني بستأذنها أكون شكلها، ولكنها رفضت، وقالت بغرور:
= ليس هناك من “فيونا” اثنين في هذا العالم، عليكِ تجربة أحد آخر.
كتمت ضحكتي الساخرة على مظهرها المغرور وأنا بفتكر شكلي وأنا بزن عليها علشان آخد الساعة ووافقت غصبا عنها في الآخر!
خرجت برة لقيت “عبد الله” و”مدثر” قاعدين قدام النهر ومجتمعين ناحية النار، ماكانوش بيتكلموا، كله كان هدوء في هدوء.
تجاهلت “مدثر” تماما بسبب اللي حصل، وقلت لـ”عبد الله”:
_المفروض أستأذنك علشان الساعة تحولني لشكلك، وافق.
قلتها له بنبرة آمرة فماعجبهوش الموضوع، وهو بيقول لي برفعة حاجب بسماجة:
= استأذني عدل الأول وأنا هوافق.
_لا والله؟ أقول لك ايه يعني؟
وبعدين كملت كلامي بسخرية وأنا بقلّد البنات الكيوت:
_يا أبيه “عبد الله” ممكن تسمح لي آخد شكلك؟
ساعتها ضحك عليّ..
_هو أنا شكلي بيضحك للدرجة دي؟؟
كمل وهو بيحاول يكتم ضحكته بإيده:
= مش متخيل إنك ممكن في يوم تكوني محترمة وكيوت، هتتجوزي ازاي أنتِ!!
قلت له بحدة:
_وهو أنت مفكرني هعامله زي ما بعاملكم؟ دا مش هيشوف مني غير كل خير ولطافة، مش زيك كدا عاوز الحرق.
= عاوز الحرق؟ طب مش موافق، هاتعملي ايه بقى؟
قربت من رقبته وأنا بحاول أخنقه لدرجة إنه وقع على الأرض وأنا بقول له بتهديد:
_وافق ياض.
= يا نهار أبيض هتموتيني، سيبيني يا بت.
_وافق الأول.
= حاضر حاضر موافق جاتك نيلة.
ابتسمت وأنا بقوم بحاول أبص لنفسي، هل فيه حاجة فيّ اتغيرت؟ بس الحقيقة إن مفيش حاجة اتغيرت، بصيت لهم باستغراب وقلت:
_ازاي مفيش حاجة اتغيرت؟
لقيت “عبد الله” و”مدثر” بصوا لي، و”عبد الله” قال بتعجب:
= مفيش حاجة فيكِ اتغيرت؟ أنتِ شبهي بالظبط!
رحت للنهر بشوف انعكاسي، مالقتش حاجة اتغيرت، سمعت صوت “فيونا” من ورايا بتقول:
= لن تريْ سوى نفسكِ الحقيقية، عقلكِ لا ينخدع بالذبذبات لأنكِ مالكة الساعة وهي تطلق ذبذبات مضادة لعقلكِ فتقاوم الذبذبات المخادعة، لذا وجب التحذير، من يقترب منكِ بشدة ولا تفصلكِ عنه سوى بضعة إنشات.. سيعلم وجهكِ الحقيقي.
سمعت كلامها، وبعدين سمعت كلام “عبد الله” وهو بيقول لـ”فيونا” وبيبص لي بذهول لدرجة كنت مفكراه هيقول حاجة مهمة، بس قال اللي صدمني:
= “فيونا”.. هل أنا وسيمٌ لهذه الدرجة؟
توقعت التانية ترد عليه وتستهزأ بيه، بس لاقيتها بتقول بصدمة وهي بتشاركه الجريمة:
= ألم تُدرك هذا سوى الآن؟
عايشة مع عالم مجانين!!
بس لفت انتباهي “مدثر” وهو بيداري وشه وبيكتم ابتسامته، فابتسمت ابتسامة جانبية وأنا بقول لنفسي:
_يعني ماطلعتش بارد في الآخر وعندك قلب؟
- لقراءة باقي فصول الرواية أضغط على (رواية ما وراء البئر)
لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها
أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)