رواية ليلى منصور وكمال الرشيد الفصل الثاني عشر 12 – قصة رومانسية عربية
رواية ليلى منصور وكمال الرشيد الفصل الثاني عشر 12 – قصة رومانسية عربية
البارت الثاني عشر
كانت الفيلا الرشيدية تغرق في صمت الليل الثقيل، كأنها قلعة مهجورة تنتظر عاصفةً لا محالة. أضواء الثريات اللامعة كانت تخترق الظلام بلمعان خافت، ترسم ظلالاً طويلة على جدرانها الرخامية، وكأنها تعكس القلوب المتوترة داخلها. أمينة، الخادمة الوفية، كانت قد أعدت المائدة بعناية فائقة: شموع تتراقص في أواني كريستالية، وأطباق من المأكولات الشهية التي كانت ليلى تفضلها في الأيام السعيدة – حساء العظام الدافئ، وسلطة الخضار الطازجة، وكعكة الشوكولاتة التي كانت تذكرها بأيام الطفولة مع والدها. لكن الليلة، لم تكن هناك احتفالات؛ كانت هناك كلمات معلقة، وأسرار جاهزة للانفجار.
وصلت ليلى أولاً، بعد أن أنهت نوبةً طويلة في المستشفى. كانت لا تزال ترتدي معطفها الأبيض الطبي، مغطىً ببقع خفيفة من التعب، وشعرها الأسود مربوطاً في كعكة فوضوية، لكن عينيها الواسعتين كانتا تحملان بريقاً من التحدي. دخلت الباب الرئيسي بخطوات هادئة، وتوقفت أمام المرآة الكبيرة في الردهة، ترى انعكاس نفسها: المرأة التي لم تعد تخشى الظلال. “الليلة،” همست لنفسها، “إما نهاية، أو بداية حقيقية.”
سمعت صوت سيارة تقترب، ثم توقفت أمام البوابة. كمال. خرج من الرولز رويس ببدلة سوداء أنيقة، ربطة عنقه مفكوكة قليلاً كأنه يحاول التنفس بحرية أكبر، ووجهه الوسيم يحمل خطوطاً من الإرهاق الممزوج بالعزم. كان قد قضى الساعات الأخيرة في اجتماع عائلي قصير مع والديه، حيث أخبرهما عن “التغييرات” في حياته، لكنه لم يذكر ليلى بالتفصيل – لم يكن مستعداً بعد. صعد الدرج بخطوات واثقة، ودخل الفيلا، ليجد ليلى واقفة هناك، كأنها شبح من ماضيه يعود ليطارده.
“ليلى،” قال بصوت عميق، يقترب منها ببطء، كأنه يخشى أن تختفي إن سرّع. مد يده، ولمس كتفها بلطف، لأول مرة يشعر فيها بدفء جسدها تحت أصابعه كشيء حقيقي، لا وهم. “شكراً لأنكِ جئتِ. أنا… أنا جاد فيما قلته في المستشفى.”
نظرت ليلى إليه، قلبها يخفق بسرعة تشبه نبض المريض في غرفة العمليات. كانت تريد أن تصدقه، تريد أن تغفر السنوات الثلاث من البرود، لكن الشك كان لا يزال يلازمها كظل. “كمال،” ردت بهمس، صوتها يحمل نبرة تحذيرية خفيفة، “الكلمات سهلة. أنت قلتَ إنكِ تريدني، لكن جميلة… عائلتي… هم لا يزالون جزءاً من هذا الفوضى. ماذا إن عادوا غداً، يحاولون سحبي بعيداً كما فعلوا في الماضي؟”
أمسك كمال بيدها، يجذبها نحو غرفة الطعام بلطف، حيث كانت الشموع تضيء المائدة كأمل خافت. جلسا مقابل بعضهما، وهو يصب لها كأساً من النبيذ الأحمر، عيناه لا تفارقان وجهها. “جميلة… انتهى الأمر معها. اليوم في المستشفى، عندما رأيتُكِ تنقذين حياة ذلك الرجل، شعرتُ أنني كنتُ أعمى طوال الوقت. أنتِ لستِ البديل، ليلى. أنتِ الوحيدة التي بقيتِ. وعائلتكِ… إذا جاءوا، سأواجههم. أنا كمال الرشيد، وأنتِ الآن جزء من إمبراطوريتي – ليس كزوجة بديلة، بل كشريكة.”
كانت كلماته كالدواء الذي يشفي جرحاً قديماً، تجعل دموعها تترقرق في عينيها دون أن تسقط. أمسكت بالكأس، وارتشفت رشفة صغيرة، ثم ابتسمت ابتسامة رقيقة، الأولى الحقيقية منذ أيام. “حسناً، كمال. دعنا نرى إن كنتَ تستحقُ هذه الفرصة. لكن… أخبرني الحقيقة. في هارفارد، عندما كنتُ L، هل كنتَ تشعر بشيء تجاه ‘تلك الزميلة الغامضة’؟ أم كنتَ مجرد منافس بارد؟”
ضحك كمال ضحكة خافتة، الأولى الساخرة التي تحولت إلى دفء. “بارد؟ ربما. لكنني كنتُ أحترمها… أحسدُها قليلاً. كانت الوحيدة التي تفوز بي دون أن تظهر وجهها، كأنها شبح ذكي يتحدى العالم. الآن، أعرف أنها كانت أنتِ. وأنا… أريدُ أن أعوضُ كل تلك السنوات.”
كانا على وشك الاقتراب أكثر، يداه تمتدان لتلمس شفتيها الناعمتين، عندما رن جرس الباب فجأة، صوت مدوٍّ يقطع السكون كسيف. نظر كمال إلى الساعة – الساعة العاشرة مساءً. “من هذا؟” تمتم، ونهض بسرعة، متجهاً نحو الردهة. فتح الباب، ليجد ثلاثة أشخاص يقفون هناك تحت ضوء القمر الشاحب: حازم منصور، نسرين خازن، وجميلة، وجوههم مليئة بالغضب والعزم.
“كمال،” صاحت نسرين بنبرة صارمة، تدفع نفسها إلى الداخل دون دعوة، “أين ابنتنا؟ أين ليلى؟ جئنا لنأخذها فوراً! هذه المرأة لا تستحقُ مكانها هنا، وأنتَ تعرفُ ذلكَ!”
تجمد كمال في مكانه، يده لا تزال على مقبض الباب، بينما دخلت العائلة الثلاثة كعاصفة، جميلة في المقدمة، عيناها حمراء من البكاء لكنها مليئة بالكراهية. “ليلى!” صاحت جميلة، صوتها يتردد في الفيلا كلعنة. “اخرجي! انتهى تمثيلُكِ! أنتِ لستِ نابغةً، أنتِ كاذبة! كيف تجرئين على سرقة كمال مني، بعد كل ما فعلناهُ لكِ؟”
من غرفة الطعام، سمعت ليلى الصوت، وقلبها يغرق في البرد القديم. نهضت ببطء، ومشيت نحو الردهة، وجهها شاحب لكنه حازم. وقفت بجانب كمال، يدها تلمس ذراعه بلطف، كأنها تقول: “أنا هنا، معكَ.” “أمي… أبي… جميلة،” قالت بصوت هادئ، لكنه يحمل قوة الجراحة في غرفة العمليات، “جئتمَ في التوقيت الخاطئ. أنا لستُ ملكيتكمُ بعدُ الآن. أنا د. ليلى منصور، ولديّ حياة هنا.”
اندفعت نسرين نحوها، يدها مرفوعة كأنها ستضرب، لكن كمال أمسك بمعصمها بقوة، عيناه السوداوان تشتعلان بنار لم يرَها أحد من قبل. “لا تلمسيها!” صاح، صوته يدوي في الفيلا كرعد. “ليلى ليستْ ابنتَكُمُ الوحيدةُ، ولا هي ملكُكُمْ. هي زوجتي، وشريكتي، وإذا كنتمُ تريدونَ أخذَها، ستُواجهونَني أولاً. غادِروا الآن، قبلَ أنْ أدعوَ الشرطةَ.”
تجمدت العائلة الثلاثة، حازم ينظر إلى كمال بدهشة، نسرين ترتجف من الغضب، وجميلة تبكي بصمت، عيناها تتحديان ليلى كأنها تقول: “هذا ليسَ النهاية.” لكن ليلى، لأول مرة، لم تشعر بالخوف؛ شعرتْ بالقوة، بجانب الرجل الذي بدأ يراها حقاً.
غادَرَ الثلاثةُ بعدَ دقائقَ من التوترِ، البابَ يُغلَقُ خلفَهمْ بصوتٍ مدوٍّ، تاركينَ الفيلاَ في صمتِها الجديدِ. التفتَ كمالَ إلى ليلى، يجذبُها إلى حضنِهِ، وشفتاهُ تلمَسانَ جبينَهاَ بلطفٍ. “الآنَ، ليلى، دعينا نبدأُ من جديدِ. دونَ أشباحٍ، دونَ أسرارٍ.”
لكن في الخارجِ، تحتَ ضوءِ القمرِ، كانتْ جميلةُ تنظرُ إلى الفيلاَ بكراهيةٍ، هاتفُهاَ في يدِهاَ، وهيَ تكتبُ رسالةً إلى صديقٍ قديمٍ في عالمِ الأعمالِ: “أحتاجُ مساعدةً. كمالَ يجبُ أنْ يفقدَ كلَّ شيءِ… بما في ذلِكَ قلبُهُ.”
كانتَ الليلةَ قدْ انتهَتْ، لكنَ الحربَ… لَمْ تبدَأْ بعدُ.
- لقراءة باقي فصول الرواية أضغط على (رواية ليلى منصور وكمال الرشيد)
لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها
أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)