رواية ليلى منصور وكمال الرشيد الفصل التاسع 9 - قصة رومانسية عربية - The Last Line
روايات

رواية ليلى منصور وكمال الرشيد الفصل التاسع 9 – قصة رومانسية عربية

رواية ليلى منصور وكمال الرشيد الفصل التاسع 9 – قصة رومانسية عربية

 

 

البارت التاسع

 

 

كانت أبواب المصعد قد أغلقت خلف ليلى بصوت خفيف، كأنه همسة سرية تختفي في الرياح. وقفت هناك للحظة، يدها لا تزال تشعر بدفء أصابع كمال على معصمها، ذلك اللمس الذي كان لطيفاً لأول مرة، لكنه حمل في طياته أسئلة أثقل من الجبال. “L”، قالها بتلك النبرة العميقة التي تخترق الجدران، كأنه يحفر في أعماقها بحثاً عن سر دفنته منذ سنوات. ابتسمت لنفسها بسخرية خفيفة، وهي تمشي بخطوات واثقة نحو غرفة التحضير. غير معروف. كانت هذه الكلمات سلاحها الوحيد، الدرع الذي بنته حول قلبها الذي أتعبته السنوات الثلاث.
دخلت غرفة التحضير، حيث كانت الإضاءة البيضاء الساطعة تخفي أي ظلال للشك. غسلت يديها تحت الماء الدافئ، تشاهد الماء يغسل الفقاعات كما يغسل الذكريات، لكن وجه كمال عاد إليها مرة أخرى، تلك العينان السوداوان اللتين كانتا دائماً باردتين كالثلج، لكنهما اليوم حملتا شرارة فضول حقيقي. هل كان يتذكرها حقاً؟ الفتاة التي كانت تدرس بجانبه في هارفارد، مختبئة خلف اسم مستعار، تتنافس معه في الصفوف دون أن يعرف أبداً أنها الـ”L” التي يتحدث عنها الأساتذة بإعجاب. كانت قد اختارت الاختباء، لأن حبها له كان أكبر من أي منافسة، وكانت تخاف أن يراها كمنافسة، لا كحبيبة.
“د. منصور، المريض جاهز في غرفة العمليات رقم 3.” جاء صوت الممرضة من الخارج، مقاطعاً أفكارها. ارتدت ليلى القفازات الجراحية بتركيز، ورفعت قناعها ليغطي وجهها النصفي، كأنها ترتدي قناعاً آخر لتحمي سرها. اليوم، عملية قلب مفتوحة لصبي في العاشرة، حالة نادرة تتطلب يدين ثابتتين وذكاءً حاداً. كانت هذه هي عالمها الحقيقي، حيث لا أخت مزيفة ولا زوج يخون، فقط نبضات قلب تتوقف وتعود، كما عادت حياتها الآن.

في الطابق العلوي، كان كمال لا يزال واقفاً أمام أبواب المصعد المغلقة، يده تلامس المعصم الذي أمسكت به ليلى قبل دقائق. شعر ببرودة المعدن تحت أصابعه، لكنه لم يشعر بالبرودة؛ كان هناك دفء غريب، كأن لمسة يدها أشعلت شيئاً كان نائماً داخل صدره. “د. ليلى منصور”، كرر الكلمات في ذهنه، كأنه يحاول فك شيفرة. متى أصبحت طبيبة؟ وكيف لم يلاحظ ذلك طوال السنوات الثلاث؟ كانت دائماً هناك، في المنزل، تطبخ له الحساء وترعى غيبوبته بصمت، لكنه لم يسأل يوماً عن أحلامها، عن حياتها خارج جدران الفيلا. شعر بغصة في حلقه، ليست غضباً، بل شيئاً أقرب إلى الندم – نعم، الندم، ذلك الشعور الذي كان يظنه غريباً عنه.
دخل مكتبه في المستشفى، الذي كان امتداداً لإمبراطوريته، مليئاً بشاشات تعرض بيانات المرضى والأرباح. جلس على كرسيه، وأخرج هاتفه، يفتح واتساب مرة أخرى. الرد لا يزال هناك: “غير معروف. يرجى عدم الإزعاج.” ضحك ضحكة خافتة، لكنها لم تكن ساخرة هذه المرة؛ كانت تحمل تحدياً. أرسل رسالة أخرى، رغم أنه يعرف أنها لن تقبل الإضافة: “إذا كنتِ L، فأنتِ لستِ غير معروفة لي. أتذكرين المنافسة في الاقتصاد الجزئي؟ كنتِ الوحيدة التي هزمتِني في الامتحان النهائي.”
انتظر، يحدق في الشاشة كأنها سترد فوراً. لم ترد. طبعاً، لم ترد. لكن في تلك الدقيقة، رن هاتفه برسالة من يوسف، سكرتيره: “سيدي، جميلة في الانتظار أمام المكتب. تقول إنها بحاجة إلى مناقشة الطلاق.”
تنهد كمال، وهو يمسح وجهه بيده. جميلة، الوردة الحمراء التي كانت تحتل قلبه منذ الشباب، لكنها الآن تبدو كشوكة في لحمه. نهض، وفتح الباب، فرأى جميلة واقفة هناك، فستانها الأحمر يلمع تحت أضواء المستشفى، وجهها يحمل ابتسامة مصطنعة. “كمال، سمعت أن ليلى هنا. في المستشفى؟ ماذا تفعل هنا، هل مريضة؟”
اقتربت جميلة بخطوات ناعمة، كأنها ترقص باليهها الشهير، لكن عينيها كانتا حادتين كالسكاكين. كانت قد سمعت الشائعات من بدر، الذي أخبرها عن “الملاك” في الحانة، وكيف أن كمال جرها بعيداً. الغيرة كانت تتغلغل في دمائها كسم بطيء، خاصة بعد حديث الأمس عن تلك النابغة “L”. من تكون هذه الفتاة التي تجذب انتباه كمال؟ ولماذا يبدو مشتتاً اليوم أكثر من أي وقت مضى؟
“ليست مريضة،” رد كمال ببرود، يعود إلى مكتبه ويجلس. “هي… تعمل هنا.”
تجمدت جميلة للحظة، ثم ضحكت ضحكة عالية، مصطنعة. “تعمل؟ ليلى؟ في مستشفى الرشيد؟ كمال، أنت تمزح. ألم تقل إنها تركت الدراسة في السادسة عشر؟ ماذا تفعل، تنظف الأرضيات؟ أو ربما تخدم القهوة؟”
لم يرد كمال فوراً، عيناه مثبتتان على الشاشة أمامه، حيث كانت قائمة بالأطباء الجراحين. بحث بسرعة عن “ليلى منصور”، وإذا به يجد الاسم: د. ليلى منصور، أخصائية جراحة قلب، حاصلة على ماجستيرين من هارفارد في الطب والأعمال، في سن السادسة عشر. الصورة كانت لها في رداء أبيض، عيناها الواسعتان تحملان ثقة هادئة، وشعرها مربوطاً بأناقة. تجمد كمال، يقرأ السيرة الذاتية مرة أخرى، كأنه يكتشف كنزاً مدفوناً تحت أقدامه.
“جميلة،” قال أخيراً، صوته هادئ لكنه حازم، “ليلى ليست كما تظنين. هي… نابغة.”
انفجرت جميلة ضاحكة، لكن الضحكة كانت مريرة هذه المرة. “نابغة؟ كمال، أنت مجنون! ليلى، الفتاة الريفية التي أجبرتها أمي على الزواج بك لأنني هربت؟ هي التي اعتنت بك وأنت نباتي، نعم، لكنها ليست أنا. أنا الراقصة، أنا التي درست في أفضل الجامعات، أنا التي تستحقك!”
اقتربت جميلة أكثر، تضع يدها على كتفه، أصابعها ترتجف قليلاً من الغضب المكبوت. “كمال، وقع الطلاق اليوم. دعها تعمل هنا إن أرادت، لكن أعدي إليّ. أنا الوردة الحمراء، تذكر؟ ساقاي، جسدي، كل شيء لك.”
نظر كمال إليها، لكنه لم يرَ الوردة؛ رأى بدلاً من ذلك ساقي ليلى في الحانة، ناعمتين ومغريتين، وتلك الابتسامة الباردة في المصعد. “جميلة،” قال بهدوء، “الطلاق… سأوقع قريباً. لكن ليس اليوم.”
غضبت جميلة، ورفعت صوتها: “لماذا؟ بسببها؟ بسبب ليلى؟ هل أصبحت تشعر بالذنب لأنها اعتنت بك؟ أم أنها أغوتك في الحانة مع أولئك الخدم؟”
في تلك اللحظة، رن هاتف كمال برسالة طوارئ من غرفة العمليات: “طوارئ في غرفة 3. د. منصور تحتاج دعماً فورياً. مضاعفات غير متوقعة.”
قفز كمال من مكانه، قلبه يخفق بسرعة غير معتادة. “جميلة، يجب أن أذهب.”
ركض نحو المصعد، يضغط على الأزرار بعنف، تاركاً جميلة تقف هناك، عيناها مليئتين بدموع الغيرة والغضب. “ليلى،” همست لنفسها، “ستندمين على هذا.”

في غرفة العمليات، كانت ليلى منحنية فوق صدر الصبي الصغير، يداها الثابتتان تقطعان اللحظات الحرجة بمهارة. النبض كان يتباطأ، الآلات تصدر أصواتاً مزعجة، والفريق يتحرك كوحدة واحدة تحت إشرافها. “ضغط الدم ينخفض! أحضروا الإبرة الاحتياطية!” صاحت بصوت هادئ لكنه قاطع، كأنها تقود أوركسترا في عاصفة.
فجأة، انفتح الباب بعنف، ودخل كمال مرتدياً رداءً جراحياً أخضر، قناعاً يغطي وجهه، لكنه لم يخفِ عينيه اللتين كانتا مليئتين بقلق حقيقي. وقف بجانبها، يمد يديه ليأخذ الأداة التالية. “د. منصور، ماذا تحتاجين؟”
نظرت ليلى إليه لثانية، عبر القناع، وشعرت بقلبها يخفق أسرع من نبض المريض. كان هنا، يساعدها، كأنه شريك قديم في غرفة عمليات غير مرئية. “سيد الرشيد، أمسك الشق هنا. لا تتحرك.”
عمل الاثنان معاً، يداه القويةتان تكملان يديها الناعمتين، كأن القدر يلعب لعبة قاسية. في تلك الدقائق، لم يكن هناك طلاق أو خيانة؛ كان هناك إيقاع مشترك، نبض يتزامن. نجحت العملية، والصبي استعاد نبضه الثابت، لكن عندما انتهت، ورفعت ليلى قناعها، وجدت كمال يحدق بها، عيناه تقولان كل شيء لم ينطق به.
“شكراً لك،” قالت هي بهمس، تمسح عرق جبينها.
“ليلى،” رد هو، صوته خافت تحت القناع، “أنتِ L. أنتِ الزميلة التي هزمتِني في هارفارد. لماذا لم تخبريني؟”
ابتسمت ليلى، لكن الابتسامة كانت حزينة هذه المرة. “لأنك لم تسأل يوماً، كمال. وأنا… أحببتك بما فيه الكفاية لأخفي ذلك.”
في تلك اللحظة، دخلت جميلة الغرفة فجأة، وجهها شاحب كالموت، عيناها مليئتين بنار الغيرة. “كمال! ماذا تفعل هنا معها؟”
كانت الكلمات معلقة في الهواء، كسيف معلق فوق رؤوسهم الثلاثة، جاهز للسقوط.

 

 

 

____

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *