رواية ليلى منصور وكمال الرشيد الفصل الثامن 8 - قصة رومانسية عربية - The Last Line
روايات

رواية ليلى منصور وكمال الرشيد الفصل الثامن 8 – قصة رومانسية عربية

رواية ليلى منصور وكمال الرشيد الفصل الثامن 8 – قصة رومانسية عربية

 

البارت الثامن

 

 

كانت الابتسامة الساخرة على شفتي كمال كالسكين البارد الذي يقطع الظلام، حادة وموجعة في آن. رفع عينيه عن الشاشة، ونظر إلى المدينة المضيئة خلف الزجاج الواسع، كأن أنوارها الساطعة تتحدث بلغة الخداع الذي تعرفه جيداً. الرد كان بسيطاً، لكنه يحمل في طياته صفعة لا تُنسى: “غير معروف. يرجى عدم الإزعاج.”
غير معروف؟ هو، كمال الرشيد، الذي يفتح له كل الأبواب في العالم، يُعامل كغريب؟ ضحك ضحكة خافتة، مكتومة، كأنها صدى في غرفة فارغة. لم يكن يعرف لماذا أرسل الطلب أصلاً؛ ربما فضول، أو رغبة في لمس ذلك الغموض الذي يحيط بالنابغة هذه. “L”، حرف واحد يخفي عالماً، ورد يقفل الباب بإحكام.
ألقى الهاتف على المكتب بلا مبالاة، لكنه لم يستطع إنكار الوخز الخفيف في صدره. في عالم يدور حوله كل شيء، كيف يجرؤ أحدهم على رفضه؟ تذكر ليلى فجأة، تلك الابتسامة الباردة في الحانة، عندما رفعت ساقها وتحدته بجرأة لم يرَ مثلها من قبل. هل كانت هي أيضاً “غير معروفة” في عينيه طوال هذه السنوات؟
نهض كمال ببطء، ومشى نحو النافذة، يداه في جيوب بنطاله الأسود. المدينة تنبض تحت قدميه، لكن قلبه، ذلك القلب الذي كان يظن أنه حديدي، شعر بلحظة من الفراغ. “ليلى،” همس لنفسه، كأن الاسم يحمل سراً لم يكتشفه بعد. ثم هز رأسه، محاولاً طرد الفكرة. هي مجرد زوجة بديلة، فتاة ريفية بلا شهادة، كما قالت جميلة. لكن لماذا يعود إليها بالذاكرة مراراً، كشبح يرفض الرحيل؟
طن الهاتف مرة أخرى، لكن هذه المرة كان إشعاراً من البنك. أخرج كمال الجهاز بسرعة، متوقعاً المزيد من تلك الرسائل الساخرة عن إنفاقها. لكن الرقم كان هادئاً هذه الليلة: لا مشتريات جديدة. ابتسم ابتسامة أخرى، هذه المرة أكثر دفئاً، كأنها اعتراف خفي بأنها لم تنسَه تماماً. أو ربما، كانت تخطط لضربة أكبر.

 

 

في الشقة الهادئة، كانت ليلى مستلقية على السرير، الهاتف بين يديها النحيلتين، وشعرها الأسود الطويل ينتشر كموجة سوداء على الوسادة البيضاء. أغلقت التطبيق بسرعة، كأنها أغلقت باباً قديماً لا تريد عودته. “غير معروف”، كتبتها دون تفكير، لكن قلبها خفق بقوة عندما ضغطت “إرسال”. كانت تعرف أنه سيؤلم، هذا الرفض البارد الذي يشبه الذي عاشته معه لثلاث سنوات. لماذا يؤلمها الآن، بعد أن قررت أن تنساه؟
نظرت إلى السقف، وتذكرت الطفلة التي كانت تركض خلف السيارة في المطر، تبكي وتصرخ “ماما، لا تتركيني”. اليوم، هي لم تعد تبكي. عادت إلى “أسرتها الحقيقية”، تلك الأخوة الثلاثة الذين يسخرون منها بحنان، لكنهم يحمونها بكل قوتهم. خالد، الأخ الثالث، الطبيب الجراح الذي حجز لها عملية قلب غداً – ليس لها، بل لمريض ينتظر يديها السحرية. ليلى لم تكن مجرد ربة منزل؛ كانت د. ليلى منصور، الجراحة القلبية النابغة التي تركت الدراسة في السادسة عشر لتكملها في هارفارد، سراً عن الجميع، حتى عن كمال.
في تلك السنوات الثلاث، بينما كانت ترعى كمال في غيبوبته، كانت تدرس ليلاً، تخفي كتبها تحت السرير، وتحصل على درجتي ماجستير في الطب والأعمال. “L” كانت اختصاراً لـ “Layla”، لكنها كانت أيضاً “Legacy”، إرث والدها الذي علمها أن تكون قوية دون أن تثبت ذلك لأحد. والآن، بعد الطلاق، حان وقت العودة إلى العالم الحقيقي، حيث لا أخت مزيفة ولا زوج بارد.
رن هاتفها برسالة من خالد: “أختي الصغيرة، غداً الساعة 8 صباحاً في المستشفى. لا تنسي، أنتِ البجعة الحقيقية، وليست تلك الوردة الذابلة.”
ابتسمت ليلى، وأطفأت الضوء. لكن في الظلام، عادت صورة كمال إليها، عيناه السوداوان تحدقان فيها كما في الحانة، مليئتين بغضب مختلط بشيء آخر… رغبة؟ هزت رأسها بعنف. “لا، ليلى. انتهى الأمر.” لكن النوم لم يأتِ بسرعة، والأحلام جاءت مليئة بظلال من الماضي والمستقبل المجهول.

في الصباح التالي، كانت مدينة البحر تغرق في ضباب خفيف، كأنها تحاول إخفاء أسرارها. وصلت ليلى إلى مستشفى الرشيد – نعم، نفس المستشفى الذي يملكه كمال، مصادفة قاسية من القدر. ارتدت معطفاً أبيض طويلاً يخفي تنورتها الزرقاء، وشعرها مربوطاً في ذيل حصان أنيق، ووضعت نظاراتها الطبية الرفيعة. لم تعد البطة القبيحة، ولا الملاك في الحانة؛ كانت الآن الدكتورة، الجراحة التي ينتظرها غرفة العمليات.
دخلت المصعد، وفجأة، توقف في الطابق الثالث. انفتح الباب، ودخل رجل طويل، أسود البدلة، وجهه مألوف كالكابوس الجميل. كمال.
تجمدت ليلى في مكانها، يدها على جيب المعطف حيث يختبئ هاتفها. نظر إليه، عيناه واسعتان بدهشة للحظة، ثم ضاقتا ببرود مألوف. “ليلى؟” قال صوته العميق، كأنه يختبر الكلمة على لسانه لأول مرة.
“د. ليلى منصور،” ردت هي بصوت هادئ، محايد، كأنها تتحدث إلى غريب. “وأنت، سيد الرشيد، مالك المستشفى. مصادفة غريبة.”

 

 

ضغط كمال على زر الطابق العلوي، وأغلق الباب ببطء، محاصراً المساحة الضيقة بينهما. التوتر كان كهربائياً، يملأ الهواء برائحة العطر الخاص به، مزيج من الخشب والبرود. “ماذا تفعلين هنا؟” سأل، عيناه تتجولان على وجهها كأنه يراه لأول مرة.
ابتسمت ليلى ابتسامة خفيفة، ورفعت ذقنها قليلاً. “عملي. عملية قلب صعبة اليوم. أما أنت، فبالتأكيد لست هنا للعلاج.”
اقترب كمال خطوة، يديه في جيوبه، جسده يملأ المساحة. “ليلى، عن الطلاق… لم أوقع بعد. هل تريدين مناقشته؟”
ضحكت هي ضحكة قصيرة، ساخرة. “الآن؟ في مصعد؟ كمال، أنت دائماً تختار التوقيت الخاطئ. أنا مشغولة بحياة حقيقية الآن.”
توقف المصعد فجأة في طابقها، وانفتح الباب. لكن قبل أن تخرج، أمسك كمال بمعصمها بلطف غير متوقع، عيناه تحملان سؤالاً لم ينطق به. “L… هل أنتِ؟”
تجمدت ليلى، قلبها يخفق كالطبول في غرفة العمليات. كيف عرف؟ ثم ابتسمت، تسحب يدها بهدوء. “غير معروف، سيد الرشيد. يرجى عدم الإزعاج.”
خرجت من المصعد، خطواتها واثقة، تاركة إياه يحدق في الفراغ، بينما يغلق الباب خلفها بصمت قاتل. في تلك اللحظة، أدرك كمال أن اللعبة لم تنتهِ؛ بل بدأت للتو، وهذه المرة، كانت ليلى تملك الورقة الرابحة.

 

 

____

لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها

أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *