رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الثلاثون 30 بقلم ياسمين عادل
لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها
أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)
رواية ليلة في منزل طير جارح الفصل الثلاثون 30 بقلم ياسمين عادل
البارت الثلاثون
^^ليلة في منزل طير جارح^^
“الفصل الثلاثون”
“البذرة الوحيدة التي لا تحتاج لمواسم الصيف والشتاء لكي تنبت هي بذرة الكراهية، تنبت في دقائق، وتزهرّ وتنمو خلال لحظات قلائل.”
____________________________________
أخيرًا وصلت للمنزل، من أجل إحضار بعض الحوائج التي ستلزمها للخروج من المشفى، مازالت قلقة، خائفة، مجردة من الشعور بالراحة، منذ أن تركت المشفى وهي تخشى المواجهة بينهما وإلى ماذا ستؤدي، بذلك كانت تتعجل الوصول لكي تعود إليها بسرعة.
أدخلتهُ “جليلة” لكي تغلق الباب وقالت :
– أدخل يا بني.. أتفضل ارتاح انا مش هغيب، يدوب أحط الحاجه ف الشنطة وآجي على طول.
أوقفها “مراد” في مكانها وهو يقول :
– مفيش داعي يا حجه.. زمانهم مشيوا من زمان.
قطبت “جليلة” جبينها في استغراب وهي ترنو إليه بتوترٍ :
– يعني إيه!.. يمشوا إزاي وعلى فين ؟
ابتسم “مراد” بتوددٍ كي لا تشعر بالريبة، وحاول إقناعها بأن ذلك في صالح الجميع:
– انتي مش عايزاهم يتصالحوا ولا إيه؟.. خلينا نسيبهم مع بعض شويه يحلوا المشاكل اللي بينهم إحنا مالنا!.
حجبت “جليلة” بعض الإنفعال، إلا أن البعض الآخر قد طفى على صفحة وجهها وهي تقول :
– مفيش حاجه هتتحل يابني.. بنتي دماغها ناشفة انا عرفاها! وبعدين مش كان يقولي الأول ويشور عليا!.
أشار إليها “مراد” لكي تجلس، ومازال يتبع نفس أسلوبه الرزين :
– أقعدي بس يا حجة.. تعالي اتفضلي.. انتي زعلانة ليه، مش كده أحسن ما الطفل اللي جاي يعيش من غير أب؟ ؟.
كأنه لمس الوتر الحساس لدى “جليلة”، الشعور الذي تعاني منه منذ إتمام الطلاق، وهو صعوبة العيش بطفل بدون أن يعلم والده به، ودّت لو أن “هاشم” يعلم بشأن حملها حتى وإن لم تعود حبال الودّ؛ لكن الآن تشعر بالخطر رغم إنها لم ترى منه ما يشير لذلك.
شردت “جليلة” لوهله، مما أشعر “مراد” بتأثيره عليها، فتمادى بذلك لكي ينهي ذلك الجدل :
– متقلقيش ياحجة جليلة، صدقيني ده أفضل ليهم هما الأتنين، زي ماانتي عارفه هاشم مش بيسيب ولاده بعيد عنه، يبقى الأفضل لرحيل إنها ترجع لجوزها وتكون جمب ابنها أو بنتها اللي جايين وتضمن مستقبل كويس ليهم، مفيش حل غير ده.
– طب وانا؟؟.. انا عايزة اطمن على بنتي وأعرف اللي حصل إيه!.. ده حتى التليفون مش معاها.
– أنا هاخد منك التليفون وأوصله بنفسي ليها، وهخليها تكلمك وتطمنك عليها.. تمام؟.
ترددت ما بين مدى صحة ما يحدث من خطئهِ، هل هذا لصالحها أم على العكس تمامًا، حتى إن كان العكس، ماالذي تستطيع فعله سوى الإنتظار!.
*************************************
لقد حقق جزءًا من مآربهِ، الوصول إليها بعد كل تلك الليالي الطويلة في حد ذاته انتصار له، حتى وإن وصل إليها متأخرًا أفضل من أن لا يصل نهائيًا.
كانت طيلة الطريق مغيبة عن الإدراك التام، معتقدة إنها بأمان معه، حتى وإن كانت لا تطيق سماع أنفاسهِ التي تكاد تعدّها. لم تتخيل أو تشك في أي من نواياه، لذلك قطع بها كل تلك المسافة وهي لا تشعر حتى بالوقت. الآن هي ممدة على فراش ناعم للغاية، لا يشبه فراشها الذي اعتادت عليه في بيتهِ، مريح جدًا، لدرجة جعلتها تُجبر مداركها على الإنتباه، حتى تستطلع في أي مكان هي!. فتحت عيناها نحو السقف، كان مجوفًا گلوحة فنية بشكل خطير جاذب للنظر، أدارت رأسها لليسار ثم إلى اليمين، كان جالسًا هناك يتطلع إليها في ثبات شديد، لم يليق أبدًا بذلك البركان الحميم الذي يندلع من أحشائهِ، ينتظر اللحظة التي ستفيق فيها لكي يبدأ أول حوار بينهما بعدما اختفت تمامًا.
كانت نظرته إليها كفيلة لأن تفهم أن ما حدث لن يمر مرورًا كريمًا، لذلك اعتدلت في نومتها وكادت تنهض عن الفراش، لولا إنه أشار إليها كي تتوقف :
– خليكي زي ماانتي.. الدكتور محرج عليكي أي مجهود.
بسمة ساخرة ظهرت على يمين ثغره وهي يتابع :
– عشان سلامة ولي العهد!.
ازدردت ريقها في قلقٍ وهي تسأله بشئ من الحرج :
– هما قالولك في المستشفى؟!.
هزّ رأسه بالنفي وهي يُطلعها على الثغرة التي تركتها گالبلهاء من خلفها :
– عارف من قبلها.. اختبار الحمل اللي نسيتيه في الباسكت!.. ما هو الحرامي كده لازم يسيب وراه أثره!.
اتسعت عيناها بذهول مستنكر من تشبيهها باللصوص:
– حرامي؟!.. آ…..
نهض عن مكانه، وفي طرفة عين كان يقف أمامها منحنيًا عليها، حتى وصلت رائحة أنفاسهِ المُحملة بالكافيين لأنفها :
– أمال سرقتك لبنتي دي تتسمى إيه؟.. كنتي بتهزري معايا مثلًا؟.
كانت تُقيم ظهرها، إلا إنه دفعها لكي تعاود مرة أخرى :
– قولت متتحركيش من مكانك.. ولا خلاص مبقتيش تفهمي الكلام!.
وخزتهِ كانت مؤلمة مرتين، مرة لكتفها ومرة لنفسها التي أحست بالجفاء والقسوة، ورغم ذلك تحاملت على نفسها كي تتابع معه ذلك الحوار السخيف :
– أنا مسيبتش حاجه ورايا!.. انت أكيد بتألف.
تغيرت نبرة صوتها لتصبح أكثر حِدة، وهي تعترف أخيرًا بما لم يسمعه من قبل :
– زي ما ألفت عليا إنك بتخاف علينا وإنك هتحمينا، وانت كل همك الأرض.. الأرض اللي تمنها فوق الـ ٣٥ مليون وانت أخدتها مني بـ عشرة بس ومفهمني كمان إنك مزود في الفلوس عشاني!.. انت مش بس ضحكت عليا!.. انت غـشاش.. مثلت عليا وخلتني أقتنع بيك وبجوازي منك وانت مفيش في بالك غير مصلحتك وبس….
كانت تقول كلماتها الأخيرة وقد بدأت عيناها تفيض بالدمع، أخيرًا صرخت في وجهه وخرجت من صمتها اللعين الذي كاد يقتلها كمدًا، وتابعت بدون أن تتوقف عن الصراخ، وهو يستمع لأسبابها الغير معلنة لطلب الطلاق منه لأول مرة :
– خدتني سـلم عشان تاخد اللي عايزه من أهلي وتكسرهم وانت مش حاسس إنك بتكسرني أنا.. أنا مطلبتش غير إنك تحميني.. تحبني، تعوضني السنين اللي فاتت والجوازة اللي مكنتش بأختياري!.. بس انت طـلعت أسـوأ منهم كـلهم.. على الأقل محدش فيهم مثّل عليا وخدعـني زيك!.
أطبقت أصابعه على فكّها يكاد يعتصره، وصوت أنينها بالكاد يخرج من بين شفتيها بصعوبة بالغة وهي تحاول الفكاك من قبضتهِ الصلبة، بينما صوتهِ گزئير متوحش ومخيف :
– لولا إنك شايلة ابني جواكي أنا كنت حاسبتك على كل حرف بتقوليه، بس متقلقيش.. الحساب جاي جاي وانا مش بنسـى أبـدًا.
أخيرًا حرر فكّها لتطلق آهه متألمة وهي تتحسس موضع أصابعه، حينما سألها بدون مراوغة وصوته يكاد يشقّ الجدران من شدته :
– لـيلـى فـين!؟ .. ولو حاولتي تلفي وتدوري هـ…..
قاطعت صوته بإباءّ وكِبر :
– ليلى مع أمها.. في المكان اللي تستحقه، أنت متستاهلش تكون أب لملاك زي ليلى!.
مازالت تضغط على عروقهِ النافرة بالفعل، متعمدة وبشكل صارخ أن تستقطب أسوأ ما فيه، حتى استسلم “هاشم” لرغبتها وصفعها صفعةٍ جعلت أصابعه تحترق من شدتها، وخيط الدم قد بدأ يتسرب من جانب شفتيها في ذهولٍ منها، إذ شدد قبضتيه على ذراعيها وهو يهزّها بعنف :
– عشان كده خبيتي عني إنك حامل!.. كنتي فاكرة إنك هتاخدي عيالي الأتنين مني؟!.. ده انتي لسه متعرفنيش صحيح!، بس انا هعرفك يارحـيل.. لو مخلتكيش تندمي على كل حاجه مبقاش أنا هاشم، أنا هوريكي السواد الحقيقي.
تركها جامدة مصدومة على الفراش وخرج من الغرفة، خرج وأغلق عليها من الخارج لكي يمنع أي حركة لها أو أمكانية للخروج من هنا، نظرت لأصابعها التي لمست دفئًا غزيرًا على وجهها فترآى لها الدماء السائلة من بين شفاها، فـ اجهشت بالبكاء
وهي تمسح الدماء قبل أن تسيل على ثيابها، حقًا كانت صدمة غير متوقعة، لم تتخيل إنها خُدعت به لهذه الدرجة، لقد كانت عمياء تمامًا، ودخلت بقدميها للوكر الذي لا تدري كيفية الخروج منه آمنه، إلى جانب حملها الذي سيجعل الطريق بينهما طـويـلًا.
**************************************
مقعد واحد أسفل البساط الأسود من السماء والمزدان بالنجوم التي تلألأت في تلك الليلة الهادئة، أمام سفح البحر الذي هاجت أمواجهِ ما بين مدٍ وجزر، جلس يتأمل ما حدث بالأيام الماضية، وكيف تحولت لشخص آخر مع أول دعسة منه على ذيلها، حرفيًا خرج منها إنسانه لا يعرفها، ولم يتوقع منها الغدر لمجرد الإنتقام منه، بعد أن بدأ هو بخداعها.
صوت الأقدام التي تسير على الرمال كانت تقترب من آذانهِ، فـ حانت من رأسه التفاته استطاع من خلالها التنبؤ بهوية الزائر، ثم عاود النظر لتلك الظلمة التي تتلألأ بإنعكاس ضوء القمر عليها وهو يسأله :
– عملت إيه؟.
جلس “مراد” على الرمال بملابسه، وانغرزت أصابعه في برودة الرمال وهو يجيبه :
– اتفاهمت معاها بطريقتي.. وخدت منها هدوم رحيل وحاجاتها والتليفون كمان عشان تكلمها تطمنها.
نظر إليه “هاشم” بنظرات مستنكرة ليقول :
– تليفون إيه!!.. انا ولا هسيبها تكلم حد ولا تشوف حد! لحد ما أعرف انا هعمل إيه معاها.
تنهد “مراد” وهو يحاول لفت انتباهه للخطر الذي تمثله “جليلة” :
– لو مسمعتش صوت بنتها عمرها ما هترتاح .. هتفضل تدور وراك وتعملنا صداع احنا في غنى عنه!.
– مش فارقه كتير.
– هاشم.. متنساش إنها حامل.
زفر “هاشم” أنفاسهِ الحارّة قبل أن يهتف بـ :
– ماهو ده اللي مصبرني عليها.. لولا كده كان زمان الموقف مختلف تمامًا.
كان “مراد” يشاركه التفكير بصوت مرتفع :
– يمكن القدر عمل كده عشان ينجيها من تهورك هي وإبنك اللي جاي!.
ضاقت عينا “هاشم” غير راضي عن ذلك التحليل :
– وبنتي اللي راحت؟!.
– بنتك عمرها ما هتروح لسبب بسيط جدًا.. أولًا كاميليا مش هتعرف تخرج بالبنت من مصر من غير أذنك، ثانيًا إحنا مفتحين عينا على كل حاجه ممكن نلاقي فيها أثر أو سجل للبنت، مدارس ومستشفيات ونوادي.. قريب أوي هنعرف هما فين.
نهض “هاشم” من مكانه بعدما سئم ذلك الحوار الغير مُجدي، حينما كان “مراد” يتابع :
– أنا جيبتلك الأكل اللي طلبته وسيبته في الشالية.
مشى “هاشم” بإتجاه (الشالية) وعقله يفكر في حل يدفع به للوصول إلى ابنته، هذا الأمر الذي استحوذ على كامل إدراكه ولم يعد يفكر في شئ سواه. أخذ حقيبتها وبدأ يتجه نحو الغرفة الداخلية التي احتبسها فيها، فتح الباب بمفتاحهِ ثم ولج، مازالت راقدة في نفس المكان، وكأنه الجمود قد تمكن من جسدها فلم تقوَ على الحركة. ترك الحقيبة جانبًا ومازالت عيناه ترنو إليها بغيظٍ يكبحه عنها :
– هدومك وحاجتك في الشنطة دي.
أخيرًا تحرك جسدها لتغادر الفراش وهي تصيح بـ :
– أنا همشي من هنا.. مش عايزة أقعد معاك دقيقة واحدة.
تمالك أعصابه التالفة بالفعل وهو يقول :
– للأسف ده مبقاش خيار متاح ليكي، كان عندك الفرصة دي لما سيبتك تمشي بهدوء وانتي رفصتيها برجلك، يبقى متلوميش إلا روحك.
صرخت في وجهه بدون أن تأبه بأي نتائج :
– يعني إيه هقعد معاك في الحرام!؟؟. هو بالعافية؟!.
بسمة ساخرة، وقد تكون ماكرة خبيثة، صعدت على محياه في تسليةٍ وهو ينبئها بالخبر السعيد – وربما تعيس – :
– معلش نسيت أقولك.. مش أنا رديتك!.
حدقت عيناها بذهولٍ مصدوم، أمرًا لم تكن تتمناه – الآن على وجه الخصوص –
وظلت هكذا للحظات، لم ينفك جليد حلقها حتى تابع هو بفتور شديد :
– حقك عليا ملحقتش أعرفك.
رددت الكلمة غير مصدقة إنها عادت مجددًا لذلك الأسر؛ لكن هذه المرة بغير إرادتها :
– رديتنـي!!.
– آها.. ماانا مش هسيب ابني لواحدة غدارة زيك تربيه لوحدها، ولا إيه رأيك ؟.
التفت لكي يتركها تعيش صدمتها بحرية، مستمتعًا بتلك التعابير التي طغت على وجهها؛ لكنها لم تظل في جمودها سوى لحظة واحدة، لحظة فرقت بينها وبين التقاطها للمزهرية الفارغة التي كانت تتوسط المنضدة الصغيرة، وفي لمح البصر كانت تركض خلفه لئلا يخرج قبيل أن تترك عليه أثرها، وبالفعل كانت تكسر المزهرية على رأسهِ وهي تصرخ بأعلى صوت، كأنها طاقة الكراهية التي بدأت تفور من غليان صدرها، وقد انبعثت لئلا تحترق هي بـها….
- لقراءة باقي فصول الرواية أضغط على (رواية ليلة في منزل طير جارح)
لو عاوز تقرأ الفصول الجديدة من الرواية دي بشكل حصري قبل صدورها
أنضم لقناتنا على تليجرام (من هنا)